4 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن علي بن حسان ، عن داود بن كثير الرقي قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن صاحب هذا الامر قال : هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله ، الموتور بأبيه عليه السلام .
5 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن يونس بن عبد الرحمن قال : دخلت على موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق ؟ فقال : أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الارض من أعداء الله عز وجل ويملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه ، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون .
ثم قال : طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ، ثم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة .

* * *

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إحدى العلل التي من أجلها وقعت الغيبة الخوف كما ذكر في هذا الحديث ، وقد كان موسى بن جعفر عليهما السلام في ظهوره كاتما لامره وكان شيعته لا تختلف إليه ولا تجترون ( 1 ) على الاشارة خوفا من طاغية زمانه ، حتى أن هشام بن الحكم لما سئل في مجلس يحيى بن خالد عن الدلالة على الامام أخبر بها ، فلما قيل له : « من هذا الموصوف » ؟ قال : صاحب القصر أمير المؤمنين هارون الرشيد ، وكان هو خلف الستر قد سمع كلامه ، فقال : أعطانا والله من جراب النورة ( 2 ) فلما علم هشام أنه قد أتى هرب وطلب فلم يقدر عليه وخرج إلى الكوفة ومات بها
____________
( 1 ) في بعض النسخ « لا تجسرون » .
( 2 ) مثل بين العرب والاصل فيه أنه سأل محتاج اميرا قسي القلب شيئا فعلق على رأسه جرابا من النورة ( الكلس ) عند فمه وأنفه ، وكلما تنفس دخل في أنفه شيء فصار مثلا .

( 362 )

عند بعض الشيعة ، فلم يكف الطلب عنه حتى وضع ميتا بالكناسة وكتبت رقعة و وضعت معه : « هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المومنين » حتى نظر إليه القاضي والعدول وصاحب المعونة والعامل ، فحينئذ كف الطاغية عن الطلب عنه ( 1 ) .

* ( ذكر كلام هشام بن الحكم رضي الله عنه في هذا ) *
* ( المجلس وما آل إليه أمره ) *
حدثنا أحمد بن زياد الهمداني ، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد ابن أبي عمير قال : أخبرني علي الاسواري قال : كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة يوم الاحد ، فيتناظرون في أديانهم ، يحتج بعضهم على بعض ، فبلغ ذلك الرشيد ، فقال ليحيى بن خالد : يا عباسي ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون ؟ قال : يا أمير المؤمنين ما شيء مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس ، فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتج بعضهم على بعض ويعرف المحق منهم ، ويتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم .
فقال له الرشيد : أنا احب أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم ، قال : ذلك إلى أمير المؤمنين متى شاء ، قال : فضع يدك على رأسي أن لا تعلمهم بحضوري ، ففعل ( ذلك ) وبلغ الخبر المعتزلة ، فتشاوروا بينهم وعزموا على أن لا يكلموا هشاما إلا في الامامة لعلمهم بمذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالامامة . قال : فحضروا ، وحضر هشام ، وحضر عبد الله بن يزيد
____________
( 1 ) في بعض النسخ « كف الطلب عنه » .
( 363 )

الاباضي وكان من أصدق الناس ( 1 ) لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة ( 2 ) ، فلما دخل هشام سلم على عبد الله بن يزيد من بينهم ، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد : يا عبد الله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة .
فقال هشام : أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة إن هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا ، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب .
فقال بيان ( 3 ) ـ وكان من الحرورية ـ : أنا أسألك يا هشام ، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين ؟ قال هشام : كانوا ثلاثة أصناف : صنف مؤمنون ، وصنف مشركون ، و صنف ضلال ، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي : إن عليا عليه السلام إمام من عند الله عزوجل . ومعاوية لا يصلح لها ، فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي عليه السلام وأقروا به .
وأما المشركون فقوم قالوا : على إمام ، ومعاوية يصلح لها ، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي عليه السلام .
وأما الضلال : فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر [ ف‍ـ ] لم يعرفوا شيئا من هذا وهم جهال . قال : فأصحاب معاوية ما كانوا ؟ قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف كافرون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال .
____________
( 1 ) من الصداقة . والاباض ـ بكسر الهمزة ـ ومنه الاباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض التميمي . ( الصحاح ) .
( 2 ) في بعض النسخ « في المحاورة » .
( 3 ) في بعض النسخ « بنان » وكذا فيما يأتي .

( 364 )

فأما الكافرون : فالذين قالوا : إن معاوية إمام ، وعلي لا يصلح لها ، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماما من الله عزوجل ، ونصبوا إماما ليس من الله .
وأما المشركون : فقوم قالوا : معاوية إمام ، وعلي يصلح لها ، فأشركوا معاوية مع علي عليه السلام .
وأما الضلال : فعلى سبيل اولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر . فانقطع بيان عند ذلك .
فقال ضرار : وأنا أسألك يا هشام في هذا ؟ فقال هشام : أخطأت قال : ولم ؟ قال : لانكم كلكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، وقد سألني هذا عن مسألة وليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتى أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب ؟ قال ضرار : فسل ، قال : أتقول : إن الله عزوجل عدل لا يجور ؟ قال : نعم هو عدل لا يجور تبارك وتعالى ، قال : فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله ، وكلف الاعمى قراءة المصاحف والكتب أتراه كان يكون عادلا أم جائرا ؟ قال ضرار : ما كان الله ليفعل ذلك ، قال هشام : قد علمت أن الله لا يفعل ذلك ولكن ذلك على سبيل الجدل والخصومة ، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا إذ كلفه تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه ؟ قال : لو فعل ذلك لكان جائزا .
قال : فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم ؟ قال : بلى ، قال : فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين ، أو كلفهم مالا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلف الاعمى قراءة الكتب والمعقد المشي إلى المساجد والجهاد قال : فسكت ضرار ساعة ، ثم قال : لا بد من دليل وليس بصاحبك ، قال :


( 365 )

فتبسم هشام وقال : تشيع شطرك ( 1 ) وصرت إلى الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلا في التسمية ، قال ضرار : فإني أرجع القول عليك في هذا ، قال : هات ، قال ضرار لهشام : كيف تعقد الامامة ؟ قال هشام : كما عقد الله عزوجل النبوة ، قال : فهو إذا نبي ، قال هشام : لا لان النبوة يعقدها أهل السماء ، والامامة يعقدها أهل الارض ، فعقد النبوة بالملائكة ، و عقد الامامة بالنبي ( 2 ) والعقدان جميعا بأمر الله جل جلاله ، قال : فما الدليل على ذلك ؟ قال هشام : الاضطرار في هذا ، قال ضرار : وكيف ذلك ؟ قال هشام : لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه : إما أن يكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها ، أفتقول هذا يا ضرار إن التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلى الله عليه وآله ؟ قال : لا أقول هذا ، قال هشام : فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون ( 3 ) قد استحالوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله علماء في مثل حد الرسول في العلم حتى لا يحتاج أحد إلى أحد ، فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه ، أفتقول هذا إن الناس استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حد الرسول في العلم بالدين حتى لا يحتاج أحد إلي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق ؟ قال : لا أقول هذا ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم .
قال : فبقي الوجه الثالث وهو أنه لا بد لهم من عالم يقيمه
____________
( 1 ) أي بعضك ، ولعل المراد به لسانه حيث أقر بوجود الدليل .
( 2 ) في بعض النسخ « الا أن النبوة تعقد بالملائكة والامامة تعقد بالنبي » .
( 3 ) صفة للناس . و « استحالوا » أي تحولوا علماء لا يحتاجون إلى علمه صلى الله عليه وآله بعد أن يكون في زمان الرسول يحتاجون إليه في دينهم .

( 366 )

الرسول لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرء ، من الخطايا ، يحتاج [ الناس ] إليه ولا يحتاج إلى أحد ، قال : فما الدليل عليه ؟ قال هشام : ثمان دلالات أربع في نعت نسبه ، وأربع في نعت نفسه .
فأما الاربع التي في نعت نسبه : فإنه يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة ، معروف البيت ، وأن يكون من صالب الملة والدعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة والدعوة الذي ينادى باسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع « أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله » فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر وعالم وجاهل ، مقر ومنكر ، في شرق الارض وغربها ولو جاز أن تكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لاتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده ، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم ، ولكان من حيث أراد الله عز وجل أن يكون صلاح يكون فساد ولا يجوز هذا في حكمة الله جل وجلاله وعدله أن يفرض على الناس فريضة لا توجد ، فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة ، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش ، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة ، ولما كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الامامة لعلوها وشرفها ادعاها كل واحد منهم فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه كيلا يطمع فيها غيره .
وأما الاربع التي في نعت نفسه : فأن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وأن


( 367 )

يكون معصوما من الذنوب كلها ، وأن يكون أشجع الناس ، وأن يكون أسخى الناس .
فقال عبد الله بن يزيد الاباضي : من أين قلت : إنه أعلم الناس ؟ قال : لانه إن لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حده ، ومن وجب عليه الحد قطعه ، فلا يقيم لله عزوجل حدا على ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا .
قال : فمن أين قلت : إنه معصوم من الذنوب ؟ قال لانه إن لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه ، ولا يحتج الله بمثل هذا على خلقه .
قال : فمن أين قلت : إنه أشجع الناس ، قال : لانه فئة للمسلمين الذي يرجعون إليه في الحروب ، وقال الله عزوجل : « ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله » ( 1 ) فإن لم يكن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله ، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عزوجل حجة الله على خلقه .
قال : [ ف‍ـ ] من أين قلت إنه أسخى الناس ؟ قال : لانه خازن المسلمين فإن لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم ( 2 ) فأخذها فكان خائنا ، و لا يجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن .
فعند ذلك قال ضرار : فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت ؟ فقال : صاحب القصر أمير المؤمنين . وكان هارون الرشيد قد سمع الكلام كله ، فقال عند ذلك : أعطانا والله من جراب النورة ، ويحك يا جعفر ـ وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر ـ من يعني بهذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين يعني
____________
( 1 ) الانفال : 16 .
( 2 ) أي اشتاقت ونازعت نفسه إليه .

( 368 )

به موسى بن جفعر ، قال : ما عنى بها غير أهلها ( 1 ) ، ثم عض على شفتيه وقال : مثل هذا حي ويبقى لي ملكي ساعة واحدة ؟ ! فو الله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف ، وعلم يحيى أن هشاما قد اني ( 2 ) فدخل الستر فقال : يا عباسي ويحك من هذا الرجال فقال : يا أمير المؤمنين حسبك تكفى تكفى ، ثم خرج إلى هشام فغمزه ، فلم هشام أنه قد اتي فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة فلبس نعليه وانسل ومر ببيته وأمرهم بالتواري وهرب ومر من فوره نحو الكوفة فوافى الكوفة ونزل على بشير النبال ـ وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ـ فأخبره الخبر ، ثم اعتل علة شديدة فقال له البشير : آتيك بطبيب ؟ قال : لا أنا ميت ، فلما حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة واكتب رقعة وقل : هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين ، مات حتف أنفه .
وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به ، فلما أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل و المعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك ، فقال : الحمد لله الذي كفانا أمره فخلى عمن كان اخذ به .

* * *

6 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي أحمد محمد بن زياد الازدي قال : سألت سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام عن قول الله عزوجل : « وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة » ( 3 ) فقال عليه السلام : النعمة الظاهرة الامام الظاهر ، والباطنة الامام الغائب ، فقلت له : ويكون في الائمة من يغيب ؟ قال : نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ، ولا يغيب عن
____________
( 1 ) أي ما عني بقوله « أمير المؤمنين » الا من هو أمير المؤمنين عنده .
( 2 ) يعني وقع في الهلكة .
( 3 ) لقمان : 20 .

( 369 )

قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا ، يسهل الله له كل عسير ، ويذلل له كل صعب ، ويظهر له كنوز الارض ، ويقرب له كل بعيد ، ويبير به كل جبار عنيد ( 1 ) ويهلك على يده كل شيطان مريد ، ذلك ابن سيدة الاماء الذي تخفى على الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عزوجل فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ( 2 ) .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني رضي الله عنه بهمدان عند منصر في من حج بيت الله الحرام ، وكان رجلا ثقة دينا فاضلا رحمة الله عليه ورضوانه .
____________
( 1 ) اباره الله : أهلكه . وفي بعض النسخ « يتبر » والتبر : الكسر والاهلاك كالتتبير وفى بعض النسخ « يفنى به » .
( 2 ) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا : « الذي ادعاه المصنف فيما تقدم من النهي عن ذكر اسمه عليه السلام يقويه ويؤيده هذا الحديث ولا فالروايات التى ذكرها في هذه الابواب عن الائمة عليهم السلام في النهي عن ذكر اسمه عليه السلام يمكن أن يحمل النهي فيها على قبل الغيبة في زمان العباسية دون عصرنا هذا لان التقية كانت في ذلك الزمان أشد من هذا العصر . وانما قلنا « يمكن أن يحمل النهى على قبل غيبته عليه السلام » لان النهى لا يخلو من وجهين اما خوفا على الامام وهو مفقود في هذا العصر اذلا يقدر احد أن يظفر به ، واما خوفا على القائل الذاكر باسمه وهذا أيضا منتف إذ لا يتصور الضرر من مخالفي هذا العصر ولا التعرض به لانه لو كان أحد ينادي في الاسواق باعلى صوته يا محمد بن الحسن لا يرى أحد من المخالفين أنه سمع اسمه ويعرفه حتى يؤذي قائله وإذا كان كذلك فلم لا يجوز للمؤمنين أن يسموه ويتبركوا ويتشرفوا بذكر اسمه ( ع ) . وأما قبل غيبته الكبرى كان الضرر متصورا ، لكن هذه الرواية تأبى ذلك والله أعلم » .

( 370 )

35
باب
* ( ما روى عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام في النص على القائم ) *
* ( وفي غيبته عليه السلام وأنه الثاني عشر ) *
1 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أيوب بن نوح قال : قلت للرضا عليه السلام : إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الامر وأن يرده الله ( 1 ) عزوجل إليك من غير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال : ما منا أحد اختلفت إليه الكتب ، وسئل عن المسائل وأشارت إليه الاصابع ، وحملت إليه الاموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزوجل لهذا الامر رجلا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه .
2 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا جعفر ابن محمد بن مالك الفزاري ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن الريان بن الصلت قال : سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن القائم عليه السلام فقال : لا يرى جسمه ولا يسمى باسمه
3 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد ابن هلال العبر تائي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال : قال لي : لا بد من فتنة صماء صيلم ( 2 ) يسقط فيها كل بطانة ووليجة وذلك عند
____________
( 1 ) في بعض النسخ « يسديه الله » وفي بعضها « يسوقه الله » .
( 2 ) الصيلم : الامر الشديد والداهية . والفتنة الصماء هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها لان الاصم لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عما يفعله ، وقيل : هي كالحية الصماء التى لا تقبل الرقي ( النهاية ) وبطانة الرجل صاحب سره والذي يشاوره . ووليجة الرجل : دخلاؤه وخاصته

( 371 )

فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الارض وكل جرى وحران ، وكل حزين ولهفان .
ثم قال عليه السلام : بأبي وأمي سمي جدي صلى الله عليه وآله وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه السلام ، عليه جيوب النور ، يتوقد من شعاع ضياء القدس ( 1 ) يحزن لموته أهل الارض والسماء ، كم من حرى مؤمنة ، وكم من مؤمن متأسف حران حزين عند فقدان الماء المعين ، كأني بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين
4 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه قال : حدثنا أبي ، عن محمد ابن أحمد ، عن محمد بن مهران ( 2 ) ، عن خاله أحمد بن زكريا قال : قال لي الرضا علي ابن موسى عليهما السلام : أين منزلك ببغداد ؟ قلت : الكرخ ، قال : أما إنه أسلم موضع و لا بد من فتنة صماء صيلم تسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي
5 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد قال : قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام : لا دين لمن لا ورع له ، ولا إيمان لمن لا تقية له ، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية . فقيل له : يا ابن رسول الله إلى متى ؟ قال : إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت ، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا
____________
( 1 ) في بعض النسخ « سناء ضياء القدس » وقال العلامة المجلسي : المعنى أن جيوب الاشخاص النورانية من كمل المؤمنين والملائكة المقربين وأرواح المرسلين تشتعل للحزن على غيبته وحيرة الناس فيه وانما ذلك لنور ايمانهم الساطع من شموس عوالم القدس ـ إلى أن قال ـ : ويحتمل أن يكون « على » تعليلية أي بركة هدايته وفيضه ( ع ) يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم والمعارف الربانية
( 2 ) في بعض النسخ « محمد بن حمدان »

( 372 )

فقيل له : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟ قال الرابع من ولدي ابن سيدة الاماء ، يطهر الله به الارض من كل جور ، ويقدسها من كل ظلم ، [ وهو ] الذي يشك الناس في ولادته ، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ، فإذا خرج أشرقت الارض بنوره ( 1 ) ، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا ، وهو الذي تطوي له الارض ولا يكون له ظل ، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الارض بالدعاء إليه يقول : ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه ، فإن الحق معه وفيه ، وهو قول الله عزوجل : « إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين » ( 2 )
6 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليهما السلام قصيدتي التي أولها :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ، ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الارض من الفساد و يملاها عدلا [ كما ملئت جورا ] .
فقال : يا دعبل الامام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملا
____________
( 1 ) في بعض النسخ « بنور ربها » .
( 2 ) الشعراء : 4 .

( 373 )

الارض ( 1 ) عدلا كما ملئت جورا .
وأما « متى » فإخبار عن الوقت ، فقد حدثني أبي ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال عليه السلام : مثله مثل الساعة التي « لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم إلا بغتة » ( 2 ) .
ولدعبل بن علي الخزاعي رضي الله عنه خبر آخر أحببت إيراده على أثر هذا الحديث الذي مضى .
حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن جده إبراهيم بن هاشم ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام بمرو فقال له : يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي ( 3 ) أن لا أنشدها أحدا قبلك ، فقال عليه السلام هاتها ، فأنشدها :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات


بكى أبو الحسن الرضا عليه السلام وقال : صدقت يا خزاعي
فلما بلغ إلى قوله :

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الاوتار منقبضات


جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه وهو يقول : أجل والله منقبضات ، فلما بلغ إلى قوله :
____________
( 1 ) في بعض النسخ « فيملاها » .
( 2 ) الاعراف : 178 . وفي اكثر النسخ « لا يجليها لوقتها الا الله عزوجل ثقلت في السموات ـ الاية » لكن في العيون كما في المتن
( 3 ) أي حلفت أو نذرت وجعلت على نفسي كذا وكذا .

( 374 )

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لارجو الامن بعد وفاتي

قال له الرضا عليه السلام : آمنك الله يوم الفزع الاكبر .
فلما انتهي إلى قوله :

وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنه الرحمن في الغرفات

قال له الرضا عليه السلام : أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين ، بهما تمام قصيدتك ؟ فقال : بلى يا ابن رسول الله ، فقال عليه السلام :

وقبر بطوس يالها من مصيبة * توقد في الاحشاء بالحرقات ( 1 )

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل : يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟ فقال الرضا عليه السلام : قبري ، ولا تنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري في غربتي ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له
ثم نهض الرضا عليه السلام بعد فراغ دعبل من إنشاده القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية ، فقال له : يقول لك مولاي : إجعلها في نفقتك ، فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي ورد الصرة وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام ليتبرك به ويتشرف ، فأنفذ إليه الرضا عليه السلام جبة خز مع الصرة وقال الخادم : قل له : يقول لك [ مولاي ] : خذ هذه الصرة فانك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها ، فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف ، وسار من مروفي قافلة ، فلما بلغ ميان ـ قوهان ( 2 ) وقع عليهم اللصوص ، وأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها ، و
____________
( 1 ) في بعض النسخ « ألحت على الاحشاء بالزفرات » .
( 2 ) كذا أيضا في العيون . وفي هامش بعض النسخ : قوهان قرية بقرب نيسابور .

( 375 )

كان دعبل فيمن كتف ، وملك اللصوص القافلة ، وجعلوا يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل من قصيدته :

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له : لمن هذا البيت ؟ فقال له : لرجل من خزاعة يقال له : دعبل بن علي ، فقال له دعبل : فأنا دعبل بن علي قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل قال له : أنت دعبل ؟ فقال : نعم ، فقال له : أنشد القصيدة ، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة ( 1 ) ، ورد إليهم جميع ما اخذ منهم لكرامة دعبل وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع ، فلما اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخلع بشئ كثير ، واتصل بهم خبر الجبة ، فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار ، فامتنع من ذلك ، فقالوا له : فبعنا شيئا منها بألف دينار ، فأبى عليهم ، وسار عن قم ، فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب فأخذوا الجبة منه ، فرجع دعبل إلى قم فسألهم رد الجبة عليه ، فامتنع الاحداث من ذلك ، وعصوا المشايخ في أمرها وقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبة ، فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم ، فلما يئس من رد الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلك فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان له في منزله ، فباع المائة دينار التي كان الرضا عليه السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فتذكر قول الرضا
____________
( 1 ) الكتاف حبل يشد به
( 376 )

عليه السلام : « إنك ستحتاج إليها » ، وكانت له جارية لها من قلبه محل فرمدت رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها ، فنظروا إليها فقالوا : أما العين اليمني فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت ، أما اليسري فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم ، فاغتم دعبل لذلك غما شديدا ، وجزع عليها جزعا عظيما .
ثم إنه ذكر ما معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل ، فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا [ و كأنه ليس لها أثر مرض قط ] ببركة [ مولانا ] أبي الحسن الرضا عليه السلام ( 1 )

* * *

7 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام : أنت صاحب هذا الامر ؟ فقال : أنا صاحب هذا الامر ولكني لست بالذي أملاها عدلا كما ملئت جورا ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني ، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الارض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، يكون معه عصا موسى ، وخاتم سليمان عليهما السلام . ذاك الرابع من ولدي ، يغيبه الله في ستره ما شاء ، ثم يظهره فيملا [ به ] الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما
____________
( 1 ) لدعبل وقصيدته هذه حكايات ، وقيل : انه كتب هذه القصيدة على ثوب وأحرم فيه وأمر أن يجعل في جملة أكفانه وتوفى سنة 246 بشوش وقيل : ان ابنه رآه في المنام فسئل عن حاله فذكر أنه على سوء حال ومشقة لبعض أفعاله فلقى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له : انت دعبل ؟ قال : نعم قال : فانشدني ما قلت في أولادي فأنشده قوله :

لا أضحك الله سن الدهران ضحكت * وآل أحمد مظلومون قد قهروا
مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

فقال له : احسنت فشفع صلى الله عليه وآله فيه وأعطاء ثيابه ، فأمن ونجا .

( 377 )

36
( باب )
( ما روى عن أبي جعفر الثاني محمد بن على [ الجواد ] في ) *
* ( النص على القائم وغيبته ، وأنه الثاني عشر من الائمة ) *
* ( عليهم السلام ) *
1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق ( 1 ) رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن ـ هارون الصوفي قال : حدثنا أبو تراب عبد الله موسى الروياني ( 2 ) قال : حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام [ الحسني ] قال : دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين علي بن أبي طالب عليهم السلام وأنا اريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره فابتدائي فقال لي : يا أبا القاسم إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ، ويطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي ، والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصنا بالامامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة ، كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لاهله نارا فرجع وهو رسول نبي ، ثم قال عليه السلام : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج .
2 ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني ( 3 ) رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن سهل بن زياد الادمي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام : إني لارجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد
____________
( 1 ) في بعض النسخ « علي بن أحمد بن محمد الدقاق »
( 2 ) تقدم ويأتي أنه في بعض النسخ « عبيد الله بن موسى »
( 3 ) في بعض النسخ « محمد بن أحمد السناني » وكلاهما واحد ظاهرا

( 378 )

الذي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، فقال عليه السلام : يا أبا القاسم : ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عزوجل ، وهاد إلى دين الله ، ولكن القائم الذي يطهر الله عزوجل به الارض من أهل الكفر والجحود ، ويملاها عدلا وقسطا هو الذي تخفى علي الناس ( 1 ) ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوي له الارض ، ويذل له كل صعب [ و ] يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، من أقاصي الارض ، وذلك قول الله عزوجل : « أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير ( 2 ) » فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزوجل ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عزوجل .
قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيدي وكيف يعلم أن الله عزوجل قد رضي ؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما .
3 ـ حدثنا عبد الواحد بن محمد العبدوس العطار رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدثنا حمدان بن سليمان قال : حدثنا الصقر ابن أبي دلف قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول : إن الامام بعدي إبني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثم سكت . فقلت له : يا ابن رسول ـ الله فمن الامام بعد الحسن ؟ فبكي عليه السلام بكاء شديدا ، ثم قال : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر . فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم ؟ قال : لانه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته . فقلت له : ولم سمي المنتظر ؟ قال ؟ لان له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، و ينجو فيها المسلمون .
____________
( 1 ) في بعض النسخ « عن الناس »
( 2 ) البقرة : 148

( 379 )

37
( باب )
* ( ما روى عن أبى الحسن علي بن محمد الهادي في النص على ) *
* ( القائم عليه السلام وغيبته ، وأنه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ) *
1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق ( 1 ) ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهما قالا : حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال : حدثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الروياني ، ( 2 ) عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : دخلت علي سيدي علي بن محمد عليهما السلام فلما بصربي قال لي : مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إني اريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا ثبت عليه حتى ألقي الله عزوجل فقال : هات يا أبا القاسم ، فقلت : إني أقول : إن الله تبارك وتعالى واحد ، ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين حد الابطال وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ، ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الاجسام ، ومصور الصور ، و خالق الاعراض والجواهر ، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلي يوم القيامة ، وإن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة ( 3 ) .
وأقول : إن الامام والخليفة وولي الامر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ،
____________
( 1 ) في بعض النسخ « علي بن أحمد بن محمد الدقاق » .
( 2 ) تقدم الكلام فيه ، وفى بعض النسخ وفى التوحيد « عبيد الله بن موسى » .
( 3 ) كذا في جميع النسخ ولكن رواه المصنف في التوحيد ص 81 وليس فيه قوله : وان شريعته ـ إلى قوله : ـ يوم القيامة » .

( 380 )

ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي . فقال عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال : لانه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، قال : فقلت : أقررت وأقول : إن وليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله . وأقول : إن المعراج حق ، والمسألة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، والنار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، « وأن الساعة آتية لا ريب فيها . وأن الله يبعث من في القبور » وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فقال علي بن محمد عليهما السلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و [ في ] الاخرة .
2 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد ابن عمر الكاتب ، عن علي بن محمد الصيمري ، عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن الفرج ، فكتب إلى : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج
3 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثني إبراهيم ابن مهزيار ، عن أخيه ، علي بن مهزيار ، عن علي بن محمد بن زياد ( 1 ) قال : كتبت إلى
____________
( 1 ) هذا الخبر والذى قبله متحد الا ان في السابق علي بن محمد الصيمري عن علي بن مهزيار وفى هذا الخبر علي بن مهزيار عن علي بن محمد ولعل أحدهما نسخة بدل عن الاخر فتوهم الكتاب وجعلوه على زعمهم خبرين . وقيل : المراد هنا علي بن محمد التستري الذي عنونة العلامة في الايضاح وهو غير علي بن محمد الصيمري الذي في الخبر السابق انتهى .
ثم اعلم أن علي بن محمد بن زياد الصيمري هو صهر جعفر بن محمود الوزير علي ابنة أم أحمد وكان رجلا من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدما في الكتابة والادب والعلم والمعرفة كما في اثبات الوصية ص 240 طبع النجف والظامر أن الكاتب هو دون علي بن مهزيار والله اعلم .