يأخذ حق ضعيفهم من قويهم ، وحجة الله عزوجل لا تلزمهم إلا بذلك .
فلما أخبرنا عزوجل أنه قد ختم أنبياءه ورسله بمحمد صلى الله عليه وآله سلمنا لذلك وأيقنا أنه لا رسول بعده ، وأنه لا بد لنا ممن يقوم مقامه وتلزمنا حجة الله به ، وتنزاح به علتنا لان الله عز وجل قال في كتابه لرسوله صلى الله عليه وآله : « إنما أنت منذر ولكل قوم هاد » ( 1 ) ولان الحاجة منا إلى ذلك دائمة فينا ثابتة إلى انقضاء الدنيا وزوال التكليف والامر والنهي عنا فإن ذلك الهادي لا يكون مثل حالنا في الحاجة إلى من يقومه ويؤدبه ويهديه إلى الحق ، ولا يحتاج إلى مخلوق منا في شيء من علم الشريعة ومصالح الدين والدنيا ، بل مقومه وهاديه الله عزوجل بما يلهمه كما ألهم ام موسى عليه السلام ، وهداها إلى ما كان فيه نجاتها ونجاة موسى عليه السلام من فرعون وقومه .
فعلم الامام عليه السلام كله من الله عزوجل ومن رسول الله صلى الله عليه وآله فبذلك يكون عالما بما في الكتاب المنزل وتنزيله وتفسيره وتأويله ومعانيه وناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وحلاله وحرامه ، وأوامره وزواجره ، ووعده ووعيده ، وأمثاله وقصصه ، لا برأي وقياس . كما قال الله عزوجل : « ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم » ( 2 ) .
والدليل على ذلك ما اجتمعت الامة على نقله من قول رسول الله صلى الله عليه وآله : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " .
____________
( 1 ) الرعد : 7 .
( 2 ) النساء : 83 .

( 662 )

وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « الائمة من أهل بيتي ، لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » فأعلمنا صلى الله عليه وآله فقال إنه مخلف فينا من يقوم مقامه في هدايتنا وفي معرفته علم الكتاب وإن الامة ستفارقهما إلا من عصمه الله جل جلاله بلزومهما فأنقذه باتباعهما من الضلالة والردى ضمانا منه صحيحا يؤديه عن الله عزوجل إذ لم يكن صلى الله عليه وآله من المتكلفين ، ولم يتبع إلا ما يوحى إليه أن من تمسك بهما لن يضل ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض .
وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم : إن امته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية واثنتين وسبعين فرقة في النار .
فقد أخرج صلى الله عليه وآله من تمسك بالكتاب والعترة من الفرق الهالكة وجعله من الناجية بما قال صلى الله عليه وآله وسلم إنه من تمسك بهما لن يضل .
وبقوله صلى الله عليه وآله : إن في امته من يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمارق من الدين قد فارق الكتاب والعترة ، فقد دلنا صلى الله عليه وآله بما أعلمنا أن فيما خلفه فينا غنى عن إرسال الله عزوجل الرسل إلينا وقطعا لعذرنا وحجتنا ، ووجدنا الامة بعد نبيها وصلى الله عليه وآله قد كثر اختلافها في القرآن وتنزيله وسوره وآياته وفي قراءته ومعانيه وتفسيره وتأويله ، و كل منهم يحتج لمذهبه بآيات منه فعلمنا أن الذي يعلم من القرآن ما يحتاج إليه هو الذي قرنه الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله بالكتاب الذي لا يفارقه إلى يوم القيامة .
ومع هذا فإنه لا بد أن يكون مع هذا الهادي المقرون بالكتاب حجة ودلالة يبين بهما من الخلق المحجوجين به المحتاجين إليه ، ويكون بهما في صفاته وعلمه وثباته خارجا عن صفاتهم غنيا بما عنده عنهم ، تثبت بذلك معرفتهم عند الخلق ، دلالة معجزة ، وحجة لازمة يضطر المحجوجين به إلى الاقرار بإمامته لكي يتبين المؤمن المحق [ بذلك ]


( 663 )

من الكافر المبطل المعاند الملبس على الناس بالاكاذيب والمخاريق وزخرف القول ، وصنوف التأويلات للكتاب والاخبار ، لان المعاند لا يقبل البرهان .
فان احتج محتج من أهل الالحاد والعناد بالكتاب وأنه الحجة التي يستغنى بها عن الائمة الهداة لان فيه تبيانا لكل شيء ، ولقول الله عزوجل : « ما فرطنا في الكتاب من شيء » ( 1 ) .
قلنا له : أما الكتاب فهو على ما وصفت ، « فيه تبيان كل بشيء » منه منصوص مبين ، ومنه ما هو مختلف فيه ، فلا بد لنا من مبين يبين لنا ما قد اختلفنا فيه إذ لا يجوز فيه الاختلاف لقوله عزوجل : « ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا »( 2 ) . ولا بد للمكلفين من مبين يبين ببراهين واضحة تبهر العقول وتلزم بها الحجة ، كما لم يكن فيما مضى بد من مبين لكل امة ما اختلف فيه من كتابها بعد نبيها ، ولم يكن ذلك لاستغناء أهل التوراة بالتوراة وأهل الزبور بالزبور وأهل الانجيل بالانجيل . وقد أخبرنا الله عزوجل عن هذه الكتب أن فيها هدى ونورا يحكم بها النبيون ، وأن فيها حكم ما يحتاجون إليه .
ولكنه عزوجل لم يكلهم إلى علمهم بما فيها ، وواتر الرسل إليهم ، وأقام لكل رسول علما ووصيا وحجة على أمته ، أمرهم بطاعته والقبول منه إلى ظهور النبي الاخر لئلا تكون لهم عليه حجة ، وجعل أوصياء الانبياء حكاما بما في كتبه ، فقال تعالى : « يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء » ( 3 ) .
____________
( 1 ) الانعام : 37 .
( 2 ) النساء : 82 .
( 3 ) المائدة : 44 .

( 664 )

ثم إنه عزوجل قطع عنا بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الرسل عليهم السلام وجعل لنا هداة من أهل بيته وعترته يهدوننا إلى الحق ، ويجلون عنا العمى ، وينفون الاختلاف والفرقة ، معصومين قد أمنا منهم الخطأ والزلل ، وقرن بهم الكتاب ، وأمرنا بالتمسك بهما ، وأعلمنا على لسان نبيه عليه السلام أنا لا نضل ما إن تمسكنا بهما ، ولو لا ذلك ما كانت الحكمة توجب إلا بعثة الرسل عليهم السلام إلى انقطاع التكليف عنا ، وبين الله عزوجل ذلك في قوله لنبيه : « إنما أنت منذر ولكل قوم هاد » فلله الحجة البالغة علينا بذلك .
والرسل والانبياء والاوصياء صلوات الله عليهم لم تخل الارض منهم ، وقد كانت لهم فترات من خوف وأسباب لا يظهرون فيها دعوة ، ولا يبدون أمرهم إلا لمن أمنوه ، حتى بعث الله عزوجل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فكان آخر أوصياء عيسى عليه السلام رجل يقال له « آبي » وكان يقال له : « بالط » أيضا .
4 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، ويعقوب بن يزيد الكاتب ، وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، بن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الذي تناهت إليه وصية عيسى بن مريم عليه السلام رجل يقال له : « آبي » .
5 ـ وحدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعا ، عن يعقوب بن يزيد الكاتب ، عن محمد ابن أبي عمير ، عمن حدثه من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان آخر أوصياء عيسى عليه السلام رجل يقال له : « بالط » ( 1 ) .
____________
( 1 ) قال المصنف ص 166 : « قد ذكر قوم أن « آبى » هو أبو طالب . وانما اشتبه الامر به لان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن آخر اوصياء عيسى عليه السلام فقال : « آبى » فصحفه الناس وقالوا : « آبى » وأقول : « آبى » بمد الهمزة وامالة الباء من ألقاب علماء النصارى » .
( 665 )

6 ـ وحدثنا أبي ؛ ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، ومحمد بن عبد الجبار ، عن إسماعيل ابن سهل ، وعن محمد بن أبي عمير ، عن درست بن أبي منصور الواسطي ، وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان سلمان الفارسي رحمه الله قد أتى غير واحد من العلماء ، وكان آخر من أتى آبي ( 1 ) ، فمكث عنده ما شاء الله ، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وآله قال آبي : يا سلمان إن صاحبك الذي تطلبه بمكة قد ظهر ، فتوجه إليه سلمان رحمة الله عليه .
7 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا جماعة من أصحابنا الكوفيين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن امية ابن علي القيسي قال : حدثني درست بن أبي منصور الواسطي أنه سأل أبا الحسن الاول يعني موسى بن جعفر عليهما السلام أكان رسول الله صلى الله عليه واله محجوجا بآبي ؟ قال : لا ولكنه كان مستودعا لوصاياه فسلمها إليه عليه السلام قال : قلت : فدفعها إليه على أنه كان محجوجا به ؟ فقال : لو كان محجوجا به لما دفع إليه الوصايا ، قلت : فما كان حال آبي ؟ قال : أقر بالنبي صلى الله عليه وآله وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات آبي من يومه .
فقد دل ذلك على أن الفترة هي الاختفاء والسر والامتناع من الظهور وإعلان الدعوة لا ذهاب شخص ، وارتفاع عين الذات والانية ( 2 ) وقد قال الله عزوجل في قصة الملائكة عليهم السلام : « يسبحون الليل والنهار لا يفترون » ( 3 ) فلو كان الفتور ذهابا عن الشيء وذاته لكانت الاية محالا لان الملائكة ينامنون والنائم في غاية الفتور ، والنائم لا يسبح لانه إذا نام فتر عن التسبيح والنوم بمنزلة الموت لان الله عزوجل يقول : «الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها » ( 4 ) ، ويقول
____________
( 1 ) كذا . ولعل النكتة في عدم النصب حفظ صورة الكلمة لئلا يشتبه بأبي .
( 2 ) في بعض النسخ « الاينية » .
( 3 ) الانبياء : 20 .
( 4 ) الزمر : 42 .

( 666 )

عزوجل : « وهو الذي يتوفيكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار » ( 1 ) والنائم فاتر بمنزلة الميت ، والذي لا ينام ولا تأخذه سنة ولا نوم ولا يدركه فتور هو الله الذي لا إله إلا هو ، والخبر دليل على ذلك .
8 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن العباس بن موسى الوراق ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن داود بن فرقد العطار قال : قال لي بعض أصحابنا أخبرني عن الملائكة أينامون ؟ قلت : لا أدري ، فقال : يقول الله عزوجل : « يسبحون الليل والنهار لا يفترون » ، ثم قال : ألا أطرفك عن أبي عبد الله عليه السلام فيه بشيء ؟ [ قال : ] فقلت : بلى ، فقال : سئل عن ذلك فقال : ما من حي إلا وهو ينام ما خلا الله وحده عزوجل ، والملائكة ينامون . فقلت : يقول الله عزوجل : « يسبحون الليل والنهار لا يفترون » فقال : أنفاسهم تسبيح .
فالفترة إنما هي الكف عن إظهار الامر والنهي .
واللغة تدل على ذلك ، يقال : فتر فلان عن طلب فلان ، وفتر عن مطالبته ، وفتر عن حاجته وإنما ذلك تراخ عنه وكف لا بطلان الشخص والعين ، ومنه قول الرجل : أصابتني فترة ، أي ضعف .
وقد احتج قوم بقول الله عزوجل لنبيه : « لتنذر قوما ما أتيهم من نذير من قبلك » ( 2 ) وقول الله عزوجل : « وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير » ( 3 ) فجعلوا هذا دليلا على أنه لم يكن بين عيسى عليه السلام وبين محمد صلى الله عليه وآله نبي ولا رسول ولا حجة . و هذا تأويل بين الخطأ لان النذر إنما هم الرسل خاصة دون الانبياء والاوصياء ، لان الله عزوجل يقول لمحمد صلى الله عليه وآله : « إنما أنت منذر
____________
( 1 ) الانعام : 60 . وجرح واجترح أي اكتسب .
( 2 ) السجدة : 3 .
( 3 ) سبأ : 44 .

( 667 )

ولكل قوم هاد » .
فالنذرهم الرسل ، والانبياء والاوصياء هداة ، وفي قوله عزوجل « ولكل قوم هاد » دليل على أنه لم تخل الارض من هداة في كل قوم وكل عصر تلزم العباد الحجة لله عزوجل بهم من الانبياء والاوصياء .
فالهداة من الانبياء والاوصياء لا يجوز انقطاعهم ما دام التكليف من الله عزوجل لازما للعباد ، لانهم يؤدون عن النذر ، وجائز أن تنقطع النذر ، كما انقطعت بعد النبي صلى الله عليه وآله فلا نذير بعده .
9 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد ـ الله قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، ويعقوب بن يزيد جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : ( 1 ) في قول الله عزوجل : « إنما أنت منذر ولكل قوم هاد » فقال : كل إمام هاد لكل قوم في زمانهم .
10 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اذينة ، عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ما معنى « إنما أنت منذر ولكل قوم هاد » فقال : المنذر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعلي الهادي ، وفي كل وقت وزمان إمام منا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله .
والاخبار في هذا المعنى كثيرة وإنما قال الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وآله : « لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك » أي ما جاءهم رسول قلبك بتبديل شريعة ولا تغيير ملة ( 2 ) ولم ينف عنهم الهداة والدعاة من الاوصياء ( 3 ) ، وكيف يكون ذلك وهو عزوجل يحكي عنهم في قوله :
____________
( 1 ) في بعض النسخ « لابي جعفر عليه السلام » .
( 2 ) في بعض النسخ « ولا نسخ ملة » .
( 3 ) في بعض النسخ « ولم ينف عنهم الهداية ولا عن الاوصياء » .

( 668 )

« وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا » ( 1 ) . فهذا يدل على أنه قد كان هناك هاد يدلهم على شرائع دينهم لانهم قالوا ذلك قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله ( 2 ) .
ومما يدل على ذلك الاخبار التي ذكرناها في هذا المعنى في هذا الكتاب ولا قوة إلا بالله .
11 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدثنا الحسن بن ظريف ، عن صالح بن أبي حماد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية فقلت له : كل من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ؟ قال : نعم ، والواقف كافر ، والناصب مشرك .
12 ـ أخبرني علي بن حاتم فيما كتب إلي قال : حدثنا حميد بن زياد ، عن الحسن بن علي بن سماعة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن سماعة وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزلت هذه الاية في القائم عليه السلام : « ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون » ( 3 ) .
13 ـ وبهذا الاسناد ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن مؤمن الطاق ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل « اعلموا أن الله يحيي الارض بعد موتها » ( 4 ) قال : يحييها الله عزوجل بالقائم عليه السلام بعد موتها ـ بموتها كفر أهلها ـ والكافر ميت
____________
( 1 ) فاطر : 41 .
( 2 ) في بعض النسخ « قبل ان يكون محمد صلى الله عليه وآله .
( 3 ) الحديد : 16 .
( 4 ) الحديد : 17 .

( 669 )

14 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثنا عبد العزيز ابن يحيى الجلودي البصري قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال : حدثنا محمد بن جعفر بن عمارة ، عن أبيه ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أفضل الكلام قول لا إله إلا الله ، وأفضل الخلق أول من قال : لا إله إلا الله ، فقيل : يا رسول الله ومن أول من قال : لا إله إلا الله ؟ قال : أنا ، وأنا نور بين يدي الله جل جلاله أوحده وأسبحه وأكبره وأقدسه وأمجده ، ويتلوني نور شاهد مني ، فقيل : يا رسول الله : ومن الشاهد منك ؟ فقال : علي بن أبي طالب أخي وصفيي ووزيري وخليفي ووصيي ، وإمام امتي ، وصاحب حوضي ، وحامل لوائي ، فقيل له : يا رسول الله فمن يتلوه ؟ فقال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم الائمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة .
15 ـ حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الحسن الكناني ، عن جده ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عزوجل أنزل على نبيه صلى الله عليه واله وسلم كتابا قبل أن يأتيه الموت فقال : يا محمد هذا [ ال‍ ] كتاب وصيتك إلى النجيب من أهلك ، فقال : ومن النجيب من أهلي يا جبرئيل ؟ فقال : علي بن أبي طالب وكان على الكتاب خواتيم من ذهب ، فدفعه النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام وأمره أن يفك خاتما ويعمل بما فيه ، ففك عليه السلام خاتما وعمل بما فيه ، ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلام ، ففك خاتما وعمل بما فيه . ثم دفعه إلى الحسين عليه السلام ، ففك خاتما فوجد فيه أن اخرج بقومك إلى الشهادة ولا شهادة لهم إلا معك واشر نفسك لله تعالى ، ففعل . ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام ، ففك خاتما فوجد فيه : اصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل . ثم دفعه إلى محمد بن علي عليهما السلام ، ففك خاتما فوجد فيه حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله عزوجل فإنه لا سبيل لاحد عليك . ثم دفعه إلي ففضضت خاتما فوجدت فيه حدث الناس وأفتهم وانشر علم أهل بيتك وصدق آبائك الصالحين ولا تخافن إلا الله


( 670 )

عزوجل وأنت في حرز وأمان ، ففعلت . ثم أدفعه إلى موسى بن جعفر ، وكذلك يدفعه موسى إلى [ الذي ] من بعده ، ثم كذلك أبدا إلى يوم [ قيام ] المهدي عليه السلام .
16 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : « هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون » ( 1 ) ، فقال : والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالامام إلا كره خروجه حتى أن لو كان كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت : يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله .
17 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، وأحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن محمد ابن سنان ، عن أبي الجارود زياد بن المنذر ( 2 ) قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إذا خرج القائم عليه السلام من مكة ينادي مناديه : إلا لا يحملن أحد [ كم ] طعاما ولا شرابا ، وحمل
____________
( 1 ) التوبة : 33 .
( 2 ) قال العلامة في خلاصته في عنوانه في قسم الضعفاء : زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني ـ بالدال المهملة ـ الخارقي ـ بالخاء المعجمة بعدها ألف وراء مهملة وقاف ـ الكوفى الاعمى التابعي ، زيدي المذهب واليه تنسب الجارودية من الزيدية كان من اصحاب أبى جعفر ( ع ) روى عن الصادق ( ع ) ، وتغير لما خرج زيد رضى الله عنه عن زيد وقال ابن الغضائري حديثه في أصحابنا أكثر منه في الزيدية ، وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الارجني . وقال الكشي : زياد بن المنذر أبو الجارود الاعمى السرحوب ـ بالسين المهملة المضمومة والراء المهملة والباء المنقطة تحتها نقطة واحدة بعد الواو ـ مذموم ولا شبهة في ذمة وسمى سرحوبا باسم شيطان أعمى يسكن البحر ، وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى أعمى القلب ثم روى الكشي في ذمه رويات تضمن بعضها كونها كذابا كافرا .

( 671 )

معه حجر موسى بن عمران عليه السلام وهو وقر بعير ، فلا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع ، ومن كان ظمآنا روي ، ورويت دوابهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة .
18 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أول من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ، ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق « أتى أمر الله فلا تستعجلوه » ( 1 ) .
19 ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ـ يعني مسجد مكة ـ يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم ، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف ( 2 ) كلمة تفتح ألف كلمة ، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحا فتنادي بكل واد ؟ هذا المهدي ، يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام ، [ و ] لا يريد عليه بينة .
20 ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه صالح هو أم طالح ؟ لان فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقيم .
21 ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : دمان في الاسلام حلال من الله عزوجل لا يقضي فيهما أحد بحكم الله حتى يبعث الله عز وجل القائم من أهل البيت عليهم السلام ، فيحكم فيهما بحكم الله عزوجل لا يريد على ذلك بينة : الزاني المحصن يرجمه ، ومانع الزكاة يضرب رقبته .
22 ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كأني أنظر
____________
( 1 ) النحل : 1 .
( 2 ) في بعض النسخ « مكتوب عليها » .

( 672 )

إلى القائم عليه السلام على ظهر النجف ، ، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق بين عينيه شمراخ ( 1 ) ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم ، فإذا نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثة عشر ملكا كلهم ينتظر القائم عليه السلام ، وهم الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة والذين كانوا مع إبراهيم الخليل عليه السلام حيث القي في النار ، وكانوا مع عيسى عليه السلام حيث رفع ، وأربعة آلاف مسومين ومردفين ، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا ( 2 ) يوم بدر ، وأربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليهما السلام فلم يؤذن لهم فصعدوا في الاستيذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة ، وما بين قبر الحسين عليه السلام إلى السماء مختلف الملائكة .
23 ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن تغلب قال : حدثني أبو حمزة الثمالي قال : قال أبو جعفر عليه السلام : كأني أنظر إلى القائم عليه السلام قد ظهر على نجف الكوفة فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ( و ) عمودها من عمد عرش الله تعالى ، وسائرها من نصر الله عز وجل ، ولا تهوى بها إلى أحد إلا أهلكه الله تعالى ، قال : قلت : أو تكون معه أو يؤتى بها ؟ قال : بلي يؤتى بها ، يأتية بها جبرئيل عليه السلام .
24 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثنا عمي محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ابن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لقد نزلت هذه الاية في المفتقدين من أصحاب القائم عليه السلام قوله عزوجل : « أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا » إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكة ، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه قال : قلت : جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهارا .
25 ـ وبهذا الاسناد ، عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كأني أنظر إلي القائم عليه السلام على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة
____________
( 1 ) الشمراخ : غرة الفرس .
( 2 ) كذا .

( 673 )

أهل بدر ، وهم أصحاب الالوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه ، حتى يستخرج من قبائه كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله صلى الله عليه وآله فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم ، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيبا ، كما بقوا مع موسى ابن عمران عليه السلام فيجولون في الارض ولا يجدون عنه مذهبا فيرجعون إليه ، والله إني لا عرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به .
25 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسين ابن سعيد ، عن محمد بن جمهور ، عن أحمد بن أبي هراسة ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حماد الانصاري قال : حدثنا عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الارض وسباع الطير ، يطلب رضاهم في كل شيء ، حتى تفخر الارض على الارض وتقول : مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام .
26 ـ حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال : حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ما كان قول لوط عليه السلام لقومه » لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ( 1 ) » إلا تمنيا لقوة القائم عليه السلام ولا ذكر إلا شدة أصحابه وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلا ، وإن قلبه لاشد من زبر الحديد ، ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها ، ولا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل .
27 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب عن عبد الله بن محمد ، عن منيع بن الحجاج البصري ، عن مجاشع ، عن معلى ، عن محمد ابن الفيض ، عن أبي جعفر قال : كانت عصى موسى لادم عليهما السلام فصارت إلى شعيب ، ثم صارت إلى موسى بن عمران وإنها لعندنا ، وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها
____________
( 1 ) هود : 80 .
( 674 )

حين انتزعت من شجرتها ، وإنها لتنطق إذا استنطقت ، اعدت لقائمنا عليه السلام يصنع بها ما كان يصنع بها موسى ( بن عمران عليه السلام ) ، وإنها تصنع ما تؤمر ، وإنها حيث القيت تلقف ما يأفكون بلسانها ( 1 ) .
28 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن بشر بن جعفر ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام ؟ قال : قلت : لا ، قال : إن ابراهيم عليه السلام لما أو قدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه ، فلم يضره معها حر ولا برد ، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمه ( 2 ) وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان ، فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب عليه السلام ريحه وهو قوله تعالي حكاية عنه : « إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون » ( 3 ) فهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة ، قلت : جعلت فداك : فإلى من صار هذا القميص ؟ قال : إلى أهله وهو مع قائمنا إذا خرج ، ثم قال : كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد صلى الله عليه وآله ( 4 ) .
29 ـ وبهذا الاسناد ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إنه إذا تناهت الامور إلى صاحب هذا الامر رفع الله تبارك وتعالى كل منخفض من الارض ، وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته ، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها .
____________
( 1 ) رواه الكليني ـ رحمه الله ـ في الكافي ج 1 ص 232 بهذا السند وفيه اختلاف في آخره .
( 2 ) التميمة : عوذه تعلق على الانسان ( الصحاح ) .
( 3 ) يوسف : 94 .
( 4 ) رواه الكليني بهذا السند في الكافي ج 1 ص 232 .

( 675 )

30 ـ حدثنا جعفر بن محمد بن محمد بن مسرور قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلي بن محمد البصري ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن قتيبة الاعشى ، عن ابن أبي يعفور ، عن مولى لبني شيبان ، عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السلام قال : إذا قام قائمنا عليه السلام وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم ( 1 ) .
31 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا أبو محمد القاسم بن العلاء قال : حدثني القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز ابن مسلم ح وحدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي المروزي ( 2 ) قال : حدثنا أبو حامد ( 3 ) عمران ابن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن بن القاسم الرقام قال : حدثني القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم ( 4 ) قال : كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليه السلام ( 5 ) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة من بدء مقدمنا فأداروا أمر الامامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوضان الناس فتبسم عليه السلام ثم قال : يا عبد العزيز بن مسلم جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلى الله على وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء ، بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والاحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عزوجل : » ما فرطنا في الكتاب من شيء » ( 6 ) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله
____________
( 1 ) أي زاد الله في دماغهم فأكمل شعورهم وفكرهم بقدرته الكاملة والخبر رواه الكليني ( ره ) ج 1 ص 25 من الكافي .
( 2 ) في العيون « أبو أحمد القاسم بن محمد بن على الهروي »
( 3 ) في بعض النسخ « أبو ماجد » .
( 4 ) هو وأخوه مجهولان لا يعرفان ولا يذكران الا في طريق هذه الرواية . ويعرف منها مرتبتهما في التشيع سيما عبد العزيز .
( 5 ) في بعض النسخ « كنا مع الرضا عليه السلام » .
( 6 ) الانعام : 38 .

( 676 )

« اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا » ( 1 ) فأمر الامامة من تمام الدين ، ولم يمض عليه السلام حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم ، وتركهم على قصد الحق ، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما ، وما ترك شيئا تحتاج إليه الامة إلا بينه ، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله العزيز ومن رد كتاب الله ( عزوجل ) فهو كافر ، هل تعرفون قدر الامامة و محلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم ؟
إن الامامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا ، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، وأ ويقيموا إماما باختيارهم ، إن الامامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره ( 2 ) فقال عز وجل : « إني جاعلك للناس إماما » ( 3 ) فقال الخليل عليه السلام سرورا بها : ومن ذريتي ؟ قال الله تبارك وتعالى : « لا ينال عهدي الظالمين » فأبطلت هذه الاية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثم أكرمها الله عز وجل بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة ، فقال عزوجل « : و وهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة وكانوا لنا عابدين » ( 4 ) .
فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله عزوجل : « إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين » ( 5 ) ، فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه واله وسلم عليا عليه السلام بأمر الله عزوجل على رسم ما فرضها الله عزوجل فصارت في ذريته الاصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان لقوله عزوجل : « وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في
____________
( 1 ) المائدة : 5 .
( 2 ) الاشادة : رفع الصوت بالشيء .
( 3 ) البقرة : 124 .
( 4 ) الانبياء : 73 و 74 .
( 5 ) آل عمران 68 .

( 677 )

كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث [ ولكنكم كنتم لا تعلمون ] ( 1 ) فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهال .
إن الامامة هي منزلة الانبياء وإرث الاوصياء ، إن الامامة خلافة الله تعالى وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ، ومقام أمير المؤمنين ، وميراث الحسن والحسين عليهم السلام .
إن الامامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الامامة اس الاسلام النامي ، وفرعه السامي ، بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفئ والصدقات ، وإمضاء الحدود والاحكام ، ومنع الثغور والاطراف .
الامام : يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة ، الامام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الافق بحيث لا تنالها الايدي والابصار .
الامام : البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى ( 2 ) ، والبلد القفار ( 3 ) ، ولجج البحار .
الامام : الماء العذب على الظماء ، والدال على الهدى ، والمنجي من الردى الامام : النار على اليفاع ، الحار لمن اصطلى به ( 4 ) والدليل في لمهالك ( 5 ) من فارقة فهالك .
الامام : السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ( 6 ) ، والشمس المضيئة ، والسماء
____________
( 1 ) الروم : 56 .
( 2 ) الغيهب : الظلمة وشدة السواد والدجى : الظلام .
( 3 ) القفر من الارض : المفازة التى لا ماء فيها ولا نبات . وفى الكافي « اجواز البلدان والقفار . وفى العيون « البيد القفار » والبيداء : الفلاة .
( 4 ) اليفاع : ما ارتفع من الارض .
( 5 ) في العيون « المسالك » .
( 6 ) الهاطل المطر المتتابع المتفرق العظيم القطر .

( 678 )

الظليلة ، والارض البسيطة ، والعين الغزيرة . والغدير والروضة .
الامام : الامين الرفيق ، الوالد الشفيق ( 1 ) ، والاخ الشقيق ، ومفزع العباد في الداهية ( 2 ) .
الامام : أمين الله عزوجل في خلقه ، وحجته على عباده ، وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله عزوجل ، والذاب عن حرم الله عزوجل .
الامام : هو المطهر من الذنوب ، المبرأ من العيوب ، مخصوص بالعلم ، موسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعز المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين .
الامام : واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب ، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام أو يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ، ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الالباب ( 3 ) وحسرت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء ، وحصرت الخطباء ، وتقاصرت الحلماء ، وجهلت الالباء ، وكلت الشعراء وعجزت الادباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله ، فأقرت بالعجز [ والتقصير ] ، وكيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره ، أو يقوم أحد مقامه ، أو يغني غناه ، لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ، ووصف الواصفين .
فأين الاختيار من هذا ، وأين العقول عن هذا ، وأين يوجد مثل هذا ؟ ظنوا أن ذلك يوجد في غير آل الرسول صلى الله عليه وآله كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل ، فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تذل عنه إلى الحضيض أقدامهم ، وراموا إقامة الامام بعقول حائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
لقد راموا صعبا ، وقالوا إفكا ، وضلوا ضلالا بعيدا ، ووقعوا في الحيرة إذ
____________
( 1 ) في العيون « والوالد الرقيق » .
( 2 ) الداهية : الامر العظيم .
( 3 ) الحلوم كالالباب : العقول وضلت وحارت متقاربة المعنى .

( 679 )

تركوا الامام عن بصيرة وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم « وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون » ( 1 ) . وقال عز وجل : « وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم » ( 2 ) . وقال عزوجل : « ما لكم كيف تحكمون * أم لكم كتاب فيه تدرسون * إن لكم فيه لما تخيرون * أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيمة إن لكم لما تحكمون * سلهم أيهم بذلك زعيم * أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين » ( 3 ) وقال عزوجل : « أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها » ( 4 ) أم « طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون » ( 5 ) أم « قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون »( 6 ) أم « قالوا سمعنا وعصينا » ( 7 ) بل هو [ ب‍ ] فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
فكيف لهم باختيار الامام ، والامام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ( 8 ) معدن القدس والطهارة والنسك ( 9 ) والزهادة ، والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول وهو
____________
( 1 ) القصص : 68 .
( 2 ) الاحزاب : 36 .
( 3 ) القلم : 37 إلى 42 .
( 4 ) محمد : 24 .
( 5 ) راجع سورة التوبة : 93 .
( 6 ) الانفال : 21 إلى 23 .
( 7 ) البقرة : 93 .
( 8 ) « وراع لا ينكل » أي حافظ للامة ، وفي بعض النسخ « وداع » بالدال ، و « لا ينكل » إي لا يضعف ولا يجبن .
( 9 ) في بعض النسخ « والسناء » والصواب ما في الصلب كما في الكافي والعيون .

( 680 )

نسل المطهرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانية [ دنس ، له المنزلة الاعلى لا يبلغها ] ذو حسب ، في البيت من قريش ، والذروة من هاشم ، والعترة من آل الرسول ، والرضى من الله عزوجل ، شرف الاشراف ، والفرع من آل عبد مناف ، نامي العلم ( 1 ) ، كامل الحلم ، مضطلع بالامامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله عزوجل .
إن الانبياء والائمة عليهم السلام يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عزوجل : « أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون » ( 2 ) وقوله عزوجل : « ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الالباب » ( 3 ) . وقوله عزوجل في طالوت : « إن الله اصطفيه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم » ( 4 ) . وقال لنبيه صلى الله عليه وآله : « وكان فضل الله عليك عظيما » ( 5 ) .
وقال عزوجل في الائمة من أهل بيته وعترته وذريته ( 6 ) صلوات الله عليهم أجمعين : « أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا » ( 7 ) .
إن العبد إذا اختاره الله تعالى لامور عباده يشرح لذلك صدره ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاما ، فلم يعي بعده بجواب ، ولا يحير ( 8 ) فيه عن
____________
( 1 ) في بعض النسخ « باقر العلم » .
( 2 ) يونس : 35 .
( 3 ) البقرة : 269 .
( 4 ) البقرة : 247 .
( 5 ) النساء : 113 .
( 6 ) في بعض النسخ « ووراثه » .
( 7 ) النساء : 53 و 54 .
( 8 ) من أحار الجواب أي لا يرده . وفي العيون « ولا يحيد » أي لا يميل .

( 681 )

الصواب ، فهو معصوم مؤيد ، موفق ، مسدد ، قد أمن الخطأ والزلل والعثار ، يخصه الله تعالى بذلك لتكون حجته البالغة على عباده ، وشاهده على خلقه « وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم » .
فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه ، أن يكون خيارهم بهذه الصفة فيقدموه ، تعدوا ـ وبيت الله ـ الحق ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، و في كتاب الله الهدى والشفاء ، فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم . فقال عزوجل : « ومن أضل ممن اتبع هويه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين »( 1 ) : وقال عزوجل : « فتعسا لهم وأضل أعمالهم » ( 2 ) وقال : « كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار » ( 3 ) .
هذا آخر الجزء الثاني من كتاب « كمال الدين وتمام النعمة » في إثبات الغيبة وكشف الحيرة تصنيف : الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي قدس الله روحه ونور ضريحه وبه كمل الكتاب وتم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين وسلم تسليما كثيرا .
____________
( 1 ) القصص : 50 .
( 2 ) محمد صلى الله عليه وآله : والتعس ـ بالفتح ـ : الهلاك .
( 3 ) الغافر : 35 . إلى هنا تم تصحيحنا هذا الكتاب وتعليقنا عليه وذلك في ليلة الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع المولود من شهور سنة 1390 من الهجرة النبوية . وأنا الاقل خادم العلم والدين علي اكبر الغفاري عفى عنه