الاِمام محمّد بن عليّ (الباقر)
إنّ عصر الاِمامين الباقر والصادق (ع) يعدّ العصر الذهبيّ بالنسبة لنشر أحكام مدرسة التدوين، وذلك لما أعدّ الله تعالى في تلك البرهة من ظروف سياسيّة، شغلت بها الحكومات ـ من قيام دولة وسقوط أُخرى وغيرها ـ ممّا فتح المجال لاَصحاب مدرسة التدوين في أن يدوّنوا ويحدّثوا ويبرزوا ما عندهم من مدوّنات دون أيّ وجل.
وكان من الطبيعيّ أن يكون القسط الاَوفر ومكان الصدارة لكتاب عليّ وباقي مدوّنات أهل البيت، باعتبارها أهمّ وأقدم وأوثق المصادر المدوّنة في العلوم الاِسلاميّة، لاَنّها كتبت على عهد الرسول وبأمر منه، فممليها الرسول وكاتبها عليّبن أبي طالب، وحافظها سبطا رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس، وهذه الميزات لم تجتمع في مدوّنة قطّ بعد كتاب الله.
اعتماداً على هذا الاَساس وانطلاقاً ممّا ذكرنا نستطيع تفهّم سرّ إكثار الاِمامين الباقر والصادق من إبراز كتاب عليّ (ع) لاَصحابهم ولاَتباع مدرسة المنع وللسائلين عموماً، فقد كان يبرز هذا الكتاب في ـ الاَعمّ الاَغلب ـ عند احتدام النقاش في المسائل الخلافيّة. مع أنّنا لا ننكر أنّ أئمّة أهل البيت كانوا يشيرون إليه ويبرزونه في حالات عاديّة ولتثبيت إيمان أصحابهم، لاَنّهم حينما ينظرون بأُمّ أعينهم خطّ عليّ وإملاء النبيّ يزدادون إيماناً بنهجهم الفكريّ النابع من السنّة المطهّرة.
والنكتة الاَهمّ هي أنّ عصر الاِمامين كان عصر النشاط العلميّ وكثرة العلماء والمتصدّين للفتيا والنظر فقد رُوي أنّه كان في وقت واحد أربعة آلاف راوٍ كلٌّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد في زمن تأصيل المذاهب، فكان الاِمام يرى ضرورة تفنيد الرأي الآخر وترجيح كفّة الميزان لصالح نهج (التعبّد المحض) وذلك بإبراز المستمسك الكتبيّ المتبقي من عهد الرسول والذي لايختلف في وثاقته مسلمان، فلذلك أكثر الاِمامان من إبراز «كتاب عليّ» إبطالاً لزعم الزاعمين وتثبيتاً لما يقولونه عن رسول الله بلا تغيير ولاتبديل ولاتأثّر بالسياسة وأدوارها.

( 413 )
فجاء عن الباقر فيما قاله لزرارة: يا زرارة ! إيّاك وأصحاب القياس في الدين، فإنّهم تركوا علم ما وُكِّلُوا به وتكلّفوا ما قد كفوه، يتأوّلون الاَخبار ويكذبون على الله، وكأنّي بالرجل منهم ينادى من بين يديه، فيجيب من خلفه، وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه، فقد تاهوا وتحيّروا في الاَرض والدين(1).
وقد مرَّ عليك خبر عذافر الصيرفيّ، إذ قال فيه: كنت مع الحكمبن عتيبة عند أبي جعفر، فجعل يسأله، وكان أبو جعفر له مكرماً فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر: يا بنيّ قمْ، فأخرجَ كتاباً مدروجاً عظيماً، ففتحه وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر: هذا خطّ عليّ وإملاء رسول الله، وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمّد اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل(2).
فيلاحظ في هذه الرواية، أنّ الحكم كان من العلماء المتصدّين ولذلك «كان أبو جعفر له مكرماً»، وكذلك صاحباه سلمة بن كهيل وأبو المقدام، ويعضد هذا ما كتبه عنهم الرجاليّون.
كما يلاحظ أنّ الاِمام (ع) أخرج كتاب عليّ (ع) لاِيضاح ما جاء به الرسول في مسألة اختلفوا فيها لقول الراوي: «فاختلفا في شيء».
وأمّا قوله «فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً» فيؤكّد ما قلناه من أنّ كتاب عليّ (ع) كان كتاباً عظيماً وأنّه بمنزلة دائرة معارف للعلوم الاِسلاميّة، وأنّ أهل البيت (ع) كانوا يهتمّون به، ولذلك وضعوه في «الدُرْج» حفاظاً عليه وحرصاً على سلامته.
وفي نصّ آخر عن محمّد بن مسلم، قال: نشر أبو جعفر صحيفة، فأوّل ما تلقاني فيها: «ابن أخ وجدّ المال بينهما نصفان»، فقلت: جعلتُ فداك إنّ القضاة لايقضون لابن الاَخ مع الجدّ بشيء، فقال: إنّ هذا الكتاب بخطّ عليّ
____________
(1) أمالي المفيد: 39 .
(2) رجال النجاشيّ : 255 .

( 414 )
وإملاء رسول الله (ص)(1).
فما وقع بصرُ محمّد بن مسلم عليه لفت نظره، ولفته إلى أنّ القضاة الحكوميّين لايقضون بذلك، فما هو سرّ ما في هذه الصحيفة؟ فلذلك أجابة الاِمام بأنّ ما في تلك الصحيفة لم يكن من المدوّنات المتأخّرة زماناً والتي لعب النسيان والغلط والتحريف فيها ما شاء أن يلعب، بل هي صحيفة من إملاء النبيّ وخطّ عليّ فهي سليمة قطعاً عن التحريف والغلط.
وفي نصّ آخر عن ابن عيينة البصريّ، قال: كنت شاهداً عند ابن أبي ليلى، وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة دار ولم يوقِّتْ لهم وقتاً، فمات الرجل، فحضر ورثته ابن أبي ليلى وحضر قريبه الذي جعل له الدار، فقال ابن أبي ليلى: أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها.
فقال له محمّد بن مسلم الثقفيّ: أما إنّ عليّ بن أبي طالب (ع) قضى ـ في هذا المسجد ـ بخلاف ما قضيتَ، قال: وما علمك؟
قال: سمعت أبا جعفر يقول: قضى علي بن أبي طالب (ع) بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث.
فقال ابن أبي ليلى: هو عندك في كتاب؟
قال: نعم.
قال: فأرسله إليه فائتني به.
فقال محمّد بن مسلم: على أن لا تنظر من الكتاب إلاّ في ذلك الحديث.
قال: لك ذلك.
قال: فأراه الحديث عن أبي جعفر في الكتاب فردّ قضيّتَه(2).
ويتّضح في هذا النصّ أنّ ابن أبي ليلى كان رجلاً يحبّ التثبّت من الجواب، فإنّه علم أنّ قول محمّد بن مسلم بذاته ليس بحجّة، وكما أنّه فقيه فإنّ ابن أبي ليلى أيضاً فقيه، ولكلٍّ رأيه، فلذلك قال له: «ما علمك بذلك»؟

____________
(1) الكافي 7: 112.
(2) معاني الاَخبار: 219 ـ 220.

( 415 )
وبعد أن يجيبه محمّد بن مسلم بأنّ ذلك قول محمّد الباقر (ع)، لايكتفي بذلك بل يطلب أن يرى ذلك في «كتاب» وذلك لعلمه بأهمّيّة المدوّنات أوّلاً، ولاَنّه كان قد سمع قطعاً بكتاب عليّ (ع) فأحبّ أن يتأكّد من ذلك الكتاب وأن يراه.
ونكتة أُخرى هي أنّ محمّد بن مسلم يشترط على ابن أبي ليلى أن لايرى إلاّ موضع النزاع، وذلك حرصاً من أصحاب أهل البيت على أن لايقع الكتاب أو الكثير من مطالبه ومرويّاته في أيادي غير أمينة فيخلطوا مطالبه باجتهاداتهم وآرائهم ومن ثمّ ينسبوا ما قالوه إلى كتاب عليّ وبذلك تضيع على الناس المرويّات الاَصيلة منه.
والحقّ أنّ ابن أبي ليلى قد أذعن للحقّ وردّ قضيّته الاَُولى، وقضى وفق ما في كتاب عليّ (ع)، وهذه المفردة، مفردة نابضة دالّة على أهمّيّة التدوين وفائدته، فلو كانت كلّ المرويّات والاَحكام قد دوّنت بهذا الشكل لما بقي من الاختلاف إلاّ الجزء اليسير اليسير الذي يمكن إلحاقه بالعدم.
وفي بصائر الدرجات: عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر (الباقر) بكتاب علي فجاء به جعفر ـ مثل فخذ الرجل مطوي ـ فإذا فيه أنّ النساء ليسلهنّ من عقار الرجل إذا هو توفّي عنها شيء، فقال أبو جعفر: هذا والله إملاء رسول الله وخطّه عليّ (ع) بيده(1).
وفي الكافي عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (ع) عن شهادة الزنا تجوز؟ فقال: لا.
فقلت: إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز
فقال: اللّهمّ لا تغفر له ذنبه، ما قال الله للحكم (إنّه لذكر لك ولقومك) فليذهب الحكم يميناً وشمالاً فوالله لا يؤخذ العلم إلاّ من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل(2) .

____________
(1) بصائر الدرجات: 165.
(2) الكافي 1: 400، البصائر: 9.

( 416 )
وروى محمّد بن مسلم عن الباقر قوله: أما إنّه ليس عند أحد من الناس حقّ ولاصواب إلاّ أخذوه منّا أهل البيت، ولا أحد من الناس يقضي بحقّ ولاعدل إلاّ ومفتاح ذلك القضاء وبابه وأوّله وسننه أمير المؤمنين عليّبن أبي طالب، فإذا اشتبهت عليهم الاَُمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطأوا والصواب من قبل عليّبن أبي طالب إذا أصابوا(1).
هذا وقد كانت عند محمّد الباقر (ع) كتب كثيرة أُخرى، أخذها عن آبائه وأجداده وعن خالصي الصحابة، كما أملى الكثير الكثير ممّا ورثه من العلم فكتبت عنه المدوّنات.
قال محمّد عجاج الخطيب: وكان عند محمّد الباقر بن عليّ بن الحسين (56ـ 114هـ) كتب كثيرة سمع بعضها منه ابنه جعفر الصادق وقرأ بعضها(2).
وقال عبد الله بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب: كنت أختلف إلى جابربن عبدالله، أنا وأبو جعفر معنا ألواح نكتب فيها(3).
وواضح أنّ جابراً كان موصى من النبيّ أن يوصل بعض الوصايا إلى الباقر (ع).
وقد روى أبو الجارود العبديّ عن الاِمام الباقر كتاباً في تفسير القرآن(4)، وعند عدّه من أصحابه كُتبٌ ونسخ أُخرى عنه (ع)(5)وقد دوّن ـ الكثير من أصحابه ـ ما حدّث به وقاله(6).

الاِمام جعفر بن محمّد (الصادق)
وأمّا الاِمام جعفر بن محمّد فإنّه قد أكّد على التدوين، وكان بين الفينة
____________
(1) أمالي المفيد: 64 .
(2) السنّة قبل التدوين : 354 ـ 355.
(3) تقييد العلم: 104.
(4) الفهرست لابن النديم: 36، تأسيس الشيعة: 327، الاِمام الصادق 1: 552.
(5) انظر رجال النجاشيّ:151 رقم 396 و397 وص178 رقم 468، وتأسيس الشيعة:285.
(6) انظر تحف العقول: 30 مثلاً .

( 417 )
والاَُخرى يظهر كتاب عليّ (ع) إلى أصحابه وللسائلين، وإذا ما اختلف في مسألة من المسائل.
فعن أبي بصير المراديّ، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن شيء من الفرائض، فقال لي: ألا أخرج لك كتاب عليّ؟
فقلت: كتابُ عليّ لم يدرس؟!
فقال: إنّ كتاب عليّ (ع) لا يدرس، فأخرجه فإذا كتاب جليل، وإذا فيه «رجل مات وترك عمَّهُ وخالَهُ، فقال: للعمّ الثلثان وللخال الثلث»(1).
فأبو بصير وهو من المقرّبين لاَئمّة آل البيت (ع) ومن الآخذين عنهم يظنّ أنّ كتاب عليّ قد درس نتيجة منع أبي بكر عن المدوّنات، أو لعلّ عمر أحرقه فيما أحرق من كتب الصحابة، أو لعلّ معاوية تتبّعه بعد مقتل الاِمام عليّ فأتلفه، لكنّ الاِمام يجيبه بضرس قاطع «إنّ كتاب عليّ لا يدرس»، وذلك تقريراً لحقيقة أنّ هذا الكتاب هو أغلى شيء عند أئمّة أهل البيت فيستحيل أن يدرس أو يتلف، بل هو محفوظ عندهم يتوارثونه ويحفظونه كابراً بعد كابر.
على أنّه لا يخفى أنّ الاِمام هو الذي ابتدأ السائل بأن يريه كتاب عليّ، وهو ما يؤكّد حرصه على أن يقع «كتاب عليّ» موقعه اللازم في فقه المسلمين ونفوسهم، فلذلك كان يكثر من الاعتداد به وإظهاره.
ولكثرة اهتمام الاِمام جعفر بالمدوّنات والكتب قيل عنه بأنّه صحفيّ، فاعتزّ بتلك النسبة وقال: نعم أنا صحفيّ، قرأت صحف آبائي إبراهيم وموسى(2).
وعن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال: دخل عليّ أُناس من أهل البصرة فسألوني عن أحاديث كتبوها، فما يمنعكم من الكتاب، أما إنّكم لن تحفظوا حتّى تكتبوا(3).

____________
(1) الكافي 7: 119، التهذيب 9: 324.
(2) انظر علل الشرائع : 89 | 5 . لاَنَّ المأثور عن أهل البيت بأنّهم قد عرفوا علم الاَنبياء وكانت عندهم صحفهم ( انظر بصائر الدرجات ) .
(3) جامع أحاديث الشيعة 1: 298 ، كتاب عاصم بن حميد الحنّاط : 33 .

( 418 )
ويؤكّد ما ذكرناه ـ من تأكيد الاَئمّة على المواريث «الفرائض» والقضاء والشهادات ـ ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سألته عن ميراث العلم ما بلغ؟ جوامع هو من العلم أم فيه تفسير كلّ شيء من هذه الاَُمور التي يتكلّم فيها الناس من الطلاق والفرائض؟ فقال: إنّ عليّاً (ع) كتب العلم كلّه، القضاء والفرائض...(1)
فعدول الاِمام عن الطلاق إلى القضاء بعد ذكر العلم كلّه، فيه إشارة إلى ما تقدّم من كثرة حصول التحريف والتبديل في هذين البابين، وهذه نكتة ذكر الخاصّ بعد العامّ، لاَنّك قد عرفت أنّ عمر بن الخطّاب كان يجهل الكثير من أحكام القضاء، وكان يجهل حكم الجدّة والكلالة وغيرهما، وكان يتّكل كثيراً على قضاء الآخرين كعليّ بن أبي طالب وغيره، وكان الاَئمّة يؤكّدون علىإخراج كتاب عليّ في القضاء والمواريث لما أصاب المسلمين في هاذين من تبدل واختلاط.
وقد كان الاِمام جعفر يعتزّ بوجود صحيفة عليّ والجفر عنده، وأنّها من مكنون علم النبيّ (ص) فعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) قال: ذكر له وقيعة لولد الحسن، وذكرنا الجفر، فقال: والله إنّ عندنا لجلدي ماعز وضأن، إملاء رسول الله (ص) وخطّ عليّ، وإنّ عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً، أملاها رسول الله (ص) وخطّها عليّ (ع) بيده وإنّ فيها لجميع ما يحتاج إليه حتّى أرش الخدش(2).
وبعد هذا نعلم أنّ الاِمام جعفراً كان رأس الهرم في البناء التدوينيّ عند أئمّة أهل البيت، وأنّه كان جلّ اعتماده على كتاب عليّ وباقي كتب آبائه عن رسول الله (ص) وما ورثوه، من صحف الاَنبياء والمرسلين.
والعجيب في الاَمر أنّ أتباع مدرسة المنع ظلّوا يعيبون على أصحاب المدوّنات حتّى عصور متأخّرة، ويعتبرون أنّ الاَخذ عن الرجال هو العلم أمّا النقل عن النصوص فهو العيب إذ مرَّ عليك رمي أبي حنيفة الصادق بأنّه، لكنّ
____________
(1) بصائر الدرجات : 164 .
(2) بصائر الدرجات : 154 .

( 419 )
الصادق كان يقول لهم ولغيرهم: ما لهم ولكم؟! ما يريدون منكم وما يعيبونكم؟!... أما والله عندنا ما لا نحتاج إلى أحد والناس يحتاجون إلينا إنّ عندنا الكتاب بإملاء رسول الله (ص) وخطَّهُ عليّ (ع) بيده، صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها كلّ حلال وحرام(1).
وقد اشتهرت كتب الصادق التي أخذها عن آبائه وأجداده، وكتبه التي أملاها على أصحابه عند الخاصّة والعامّة؛
قال ابن عديّ: ولجعفر أحاديث ونسخ، وهو من ثقات الناس كما قال يحيىبن معين، وقال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفربن محمّد علمت أنّه من سلالة النبيّين(2).
ونقل محمّد عجاج الخطيب كلام صاحب التهذيب بقوله: كان عند جعفر الصادق بن محمّد الباقر (80 ـ 148هـ) رسائل وأحاديث ونسخ، وكان من ثقات المحدثين(3).
والاِمام جعفر بن محمّد أكبر عقليّة فقهيّة عرفها المسلمون آنذاك، أدرك بثاقب بصيرته الخطر المقبل الذي يحدق بالمسلمين فيما يتعلّق بأهمّيّة التدوين، فقال للمفضّل بن عمر الجعفيّ:
اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج، لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم(4).
وهذا هو عين التواصل والتوافر الذي قلناه عند علماء أهل البيت، فالاِمام الحسن (ع) ـ كما تقدّم ـ كان يأمرهم بالكتابة فيما إذا منعوا من الرواية نتيجة للاِرهاب الفكريّ الاَمويّ، وكذلك جاء الاِمام الصادق بنفس الفكرة الحاضّة على العناية بالمدوّنات، لاَنّ الزمان كان زمان تلك المأساة التي تجدّدت أو أوشكت أن تتجدّد في العصر العبّاسيّ، لكنّها بشكل وإطار آخر، إذ إنّ منع
____________
(1) بصائر الدرجات : 149 .
(2) تهذيب التهذيب 2: 104.
(3) السنّة قبل التدوين: 358.
(4) الكافي 1: 42 ح11 كتاب فضل العلم باب رواية الكتب.

( 420 )
التدوين في العصر العبّاسيّ كاد يكون مرتفعاً، إلاّ أنّ الاِشكاليّة كانت في أنّ انفتاح الحكّام العبّاسيّين على الاَُمم المجاورة من الفرس والاَتراك وغيرهم، والترف الذي بدت بوادره في عصر المنصور ووصل أوجَه في زمن الرشيد، كان له أشدّ الاَثر في صرف الناس عن العلم الاِلـهيّ، وانصرافهم إلى اللهو والمجون، أو إلى علوم فرعيّة أُخرى، بل أصبح الارتباط النفسيّ والعقائديّ أمراً متعسّراً، والحصول على العلم الحقيقيّ في مثل تلك الاَمواج المتلاطمة أمراً يكاد يكون مستحيلاً.
فمن هنا أكّد الاِمام جعفر على ضرورة حفظ المدوّنات لكي يأنسوا بنور تلك الكتب في ظلمات الاختلاف والسياسات.
وقد ورد النصّ عن الصادق بأنّه وأصحابه كانوا لا يضيّعون حتّى فرصةً واحدة يمكن استغلالها بالتدوين، فقد ورد أنّ الصادق (ع) قال لاَحد أصحابه: إنّك لا تحفظ، فأين صاحبك الذي يكتب لك؟
فقلت: أظنّ شغله شاغل، وكرهت أن أتاخّر عن وقت حاجتي.
فقال الصادق لرجل في مجلسه: اكتب له(1).
هذا، وقد دوّن أصحابه ما قاله في أُصول وكتب، وكان (ع) له رسائل كتبَها ردّاً على الملحدين(2)، وجواباً لاسئلة عبد الله النجاشيّ (والي الاَهواز)(3)، وبياناً لبعض الاَحكام الشرعيّة سمّيت بـ «الجعفريّات» أو «الاَشعثيّات» نسبة إلى راويه ابن الاَشعث(4).
وقال يحيى بن سعيد: أملى عَلَيَّ جعفر الحديث الطويل ـ يعني في الحجّ ـ(5).

____________
(1) دلائل الاِمامة، للطبريّ: 308.
(2) انظر الذريعة 2: 484، وقد أوردها المجلسيّ في البحار 3: 152 ـ 196.
(3) أوردها ابن زهرة الحلبيّ في أربعينه: 46 ح6.
(4) طبع هذا الكتاب عدّة مرات بطبعات مختلفة.
(5) انظر تهذيب التهذيب 2: 103.

( 421 )

الاِمام موسى الكاظم
سار الاِمام موسى بن جعفر على نهج آبائه وأجداده في التدوين وحفظه لمدوّناتهم، وبالخصوص كتاب عليّ (ع)، لكنّ التدوين في عصره الشريف يكاد يتّخذ شكلاً آخر، وهو شكل المكاتبات السرّيّه التي كان يكاتب بها أصحابه ويجيبهم عن مسائل دينيّة من وراء قضبان حديد هارون الرشيد العبّاسيّ، فقد مكث الاِمام الكاظم في السجن سبع سنوات على ما في بعض الروايات وعلى بعضها خمسة عشر عاماً، وهذه المدّة الطويلة من الحبس تفرز بطبيعة الحال أُسلوب المكاتبة، فلذلك كان الاِمام يكاتب أصحابه ويكاتبونه ولم يكتف بدخول بعض أصحابه إليه سرّاً وسؤالهم إيّاه عن مسائل دينهم برغم ما في الكتابة من خطورة احتمال عثور السلطات عليها. هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية فقد كثر اللهو والفساد والترف المادّيّ والفكريّ في حكومة هارون الرشيد ممّا أدّى بكثير من الصالحين والاتقياء إلى الانزواء واتّخاذ أُسلوب التصوّف والانعزال وما يقرب من هذه المناحي العمليّة التي سرعان ما انقلبت إلى مناحي فكريّة طرحت أفكاراً خطيرة في المسلمين، وذلك ما حدا بالاِمام أن يركّز اهتمامه في هذا المجال ويظهر معنى الزهد الحقيقيّ والمسار الصحيح في النهج الاِسلاميّ، فنرى بشر الحافي ينقلب من حالة الترف والفساد إلى حالة راقية من الزهد والتقوى بفضل تفهيم الاِمام الكاظم.
كلّ هذه الاَُمور؛ ـ السجن، وتصحيحُ الانحرافات، ومعالجة المذاهب المستجدّة ـ جعلت الفقه الكاظميّ يذهب قليلاً خلف الاَضواء التي تركّزت على هذه الجوانب التي ذكرناها.
ومع كلّ تلك التيّارات نجد ملامح التدوين واضحة عن الاِمام الكاظم، إلاّ أنّها ـ والاِنصاف يقال ـ أقلّ ممّا هي عليه عند الاِمامين الباقر والصادق.
فقد نقل موسى بن إبراهيم أبو عمران المروزيّ البغداديّ ما أسنده الكاظم عن آبائه عن أجداده عن النبيّ من مسائل، سمعها من الاِمام الكاظم (ع) عندما كان في سجن هارون العبّاسيّ وقد ذكر هذا المسند كلّ من الطوسيّ
( 422 )
والنجاشيّ(1).
وذكر هذا المسند أيضاً الحلبيّ في كشف الظنون، وقال: ورواه أبو نعيم الاَصفهانيّ، وروى عنه هذا المسند موسى بن إبراهيم(2). وقد طبع هذا الكتاب عدّة طبعات.
هذا وأنّ عليّ بن جعفر أخذ العلم عن أخيه موسى بن جعفر، ودوّنه في كتاب اسمه «مسائل عليّ بن جعفر» وقد طبع هذا الكتاب عدّة مرّات وأخيراً عن مؤسّسة آل البيت لاِحياء التراث|قم، هذا مع أنّ هناك رسائل وكتب أُخرى رواها عنه أصحابه.
وقد عارض الاِمام الكاظم الاَُصول المستجدّة ـ كالقياس والاَخذ بالرأي ـ في مثل قوله لسماعة بن مهران(3)ولمحمّد بن حكيم، وإليك نصّ خبر ابن حكيم: قال: قلت لاَبي الحسن موسى: جعلت فداك فَقِهْنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتّى أنّ الجماعة منّا لتكون في المجلس ما يسئل رجل صاحبه إلاّ وتحضره المسألة ويحضر جوابها فيما منّ الله علينا بكم فربّما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء، فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الاَشياء لما جائنا عنكم فنأخذ به.
فقال: هيهات، هيهات، في ذلك ـ والله ـ هلك من هلك يا بن حكيم...(4) وفي رواية أُخرى أنَّ أبا يوسف سأل الاِمام عن المحرم يظلل من أبواب ما يجب اجتنابه على المحرم؟
قال: لا.
قال: فيستظلّ بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء.
قال: نعم.
قال [الراوي]: فضحك أبو يوسف شبه المستهزء.

____________
(1) انظر الفهرست للطوسيّ: 191 رقم 721، رجال النجاشيّ: 407 رقم 1082.
(2) كشف الظنون: 1682 .
(3) اختصاص المفيد: 281، بصائر الدرجات: 302، مستدرك وسائل الشيعة 17:258.
(4) الكافي 1: 56.

( 423 )
فقال له أبو الحسن: يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بالقياس كقياسك وقياس أصحابك، إنّ الله عزّ وجلّ أمر في كتابه بالطلاق وأكّد فيه بشاهدين ولميرض بهما إلاّ عدلين، وأمر في كتابه بالتزويج، فأهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل الله، وأبطلتم الشاهدين فيما أكّد الله عزّ وجلّ، وأجزتم طلاق المجنون والسكران. حجّ رسول الله فأحرم ولم يظلل ودخل البيت والخباء واستظلّ بالمحمل والجدار ففعلنا كما فعل رسول الله، فسكت(1).
وبهذا فقد عرفت أنّ «كتاب عليّ» كان محفوظاً أيضاً عند الاِمام الكاظم، وقد عمل به وأراه لاَصحابه وغيرهم، خصوصاً المسائل الخلافيّة كما سلف.
فعن حماد بن عثمان، قال: سألت أبا الحسن (ع) عن رجل ترك أُمّه وأخاه، فقال: يا شيخ تريد على الكتاب؟
قال: قلت: نعم.
قال: كان عليّ (ع) يعطي المال الاَقرب فالاَقرب.
قال: قلت: فالاَخ لا يرث شيئاً؟
قال (ع): قد أخبرتك أنّ عليّاً (ع) كان يعطي المال الاَقرب فالاَقرب(2).
إنّ جواب الاِمام كان ببيان القاعدة دون التفصيل، لاَنّ السامع كان قد فهم التفضيل والمراد، والاِمام (ع) لم يصرّح بالحكم خوفاً من الحكّام وأتباعهم الذين يترصّدونه فيما ينقله عن آبائه وأجداده عن رسول الله (ص).
ويلاحظ أنّ الاِمام وثّق جوابه بالمبادرة إلى عرض الكتاب على السائل، زيادة في تحقيق الاطمئنان عند السائل وأنّه (ع) لا يجيب كما يجيب الآخرون من عنديّاتهم.
وإذا استقرئنا تاريخ «كتاب عليّ» عند الاَئمّة وجدناه يتدرج قليلاً قليلاً حتّى يبرز بشكل ملحوظ في فقه الاِمام الباقر (ع) والاِمام جعفر الصادق، ثمّ ينحسر عند الاِمام الكاظم، ثمّ يبدأ يتدرج قليلاً قليلاً كما كان من بعد عصر
____________
(1) جامع أحاديث الشيعة 1: 386.
(2) الكافي 7: 91، التهذيب 9: 270.

( 424 )
الاِمام الكاظم (ع) وذلك لاَنّ الفقه الصحيح والمرويّات النبويّة التي نقلها آل محمّد وأعلموا المسلمين كافّة بوجود كتاب عليّ عندهم وأنّهم ينقلون العلم منه وممّا ضارعه من الكتب، كانت هذه الاَُمور قد تكاملت وشكّلت مدرسة واضحة المعالم في فترة هؤلاء الاَئمّة الثلاثة (ع)، فكان إبرازهم المكثّف بالشكل الذي ذكرناه لكتاب عليّ إنّما هو لاَجل الترسيخ والنشر للعلوم وقد حصل معظمه في عصر هؤلاء الاَئمّة الثلاثة.

بقي شيء
هو أنّ إبراز الاَئمّة لكتاب عليّ كان يكثر بشكل ملحوظ في باب الاِرث والقضاء والشهادات، فما هو سرّ هذا الاختصاص؟
إنّ تتبّع المسير يدلّنا على حقيقة خطيرة تؤكّد ما ذهبنا إليه ـ وأصّلناه في كتابنا هذا ـ من أنّ احتياج الخلفاء للزعامة الدينيّة مع قصورهم في هذا المجال هو الذي حدا بهم إلى منع التحديث والتدوين، مضافاً إلى أنّ المطّاطيّة الموجودة في الرأي والاجتهاد كانت تخدمهم كثيراً في الاَوقات الحرجة، والذي يثبت هذه الحقيقة هو كثافة المنقولات عن كتاب عليّ بباب الاِرث وباب القضاء والشهادات.
إذ إنّ أوّل اختلاف فقهيّ حصل بعد وفاة الرسول الاَكرم (ص)، كان الاختلاف بين فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وبين الخليفة أبي بكر، ذلك الاختلاف الذي أثار ضجّة كبيرة بقيت آثارها حتّى اليوم.
فحين كانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر من يد وكيلها جاءت (ع) تطلبها منه وادّعت بمشهد من المسلمين أنّها نحِلة من رسول الله (ص) لها، على ـ ما هو عليه الاَمر في واقع الحال ـ فطلب أبو بكر منها أن تأتي بالشهود فجاءت بعليّ والحسن والحسين (ع) وأُمّ أيمن أو أُمّ سلمة.
فاضطرّ أبو بكر في ذلك المجلس من ردّ شهادتهم معلّلاً بعلل لمتكن مقبولة عند الزهراء لعدم مطابقتها مع كتاب الله ولا سنّة رسول الله، فكان هذا أوّل خلاف بين المسلمين في القضاء والشهادات.

( 425 )
وهنا اضطرّ الخليفة إلى الادّعاء ولوحده أنّه سمع النبيّ يقول: نحن معاشر الاَنبياء لا نورِّث درهماً ولا ديناراً»، وهذا ثاني اختلاف لاَنَّ الزهراء عارضته بعمومات الاِرث في القرآن وإنَّ داود ورّث سليمان وحسبنا في إثبات بطلان دعواه ما أعطاه هو بنفسه للزبير بن العوّام ـ صهره على ابنته أسماء أُمّ عبداللهبن الزبير ـ ومحمّد بن مسلمة وغيرهما من متروكات النبيّ(ص)(1)من هنا يمكننا استنتاج أنّ هذين البابين من الفقه قد مُنيا أكثر من غيرهما بالتبديل تارة، وبالجهل تارة أُخرى.
والذي يؤكّد هذه الحقيقة هو امتداد التغييرات في هذين البابين، فقضيّة قتل خالدبن الوليد لمالك بن النويرة وزناه بامرأته، كانت امتداداً لسياسة التجهيل وفتح باب الرأي في باب القضاء، حتّى أنّ أبا بكر اختلق قضيّة «تأوّل فأخطأ» للخروج من ذلك المأزق القضائيّ، مع أنّ خالداً لميستطع إنكار الدخول بامرأة مالك لشهادة الجيش بذلك، وفيهم من العدول الثقات.
وحصل مثل ذلك في زمن خلافة عمر بن الخطّاب، فقد اختصم عليّ والعبّاس عند عمر وفي حديث آخر عند أبي بكر في ميراث رسول الله، فحكم بدابّة رسول الله وسلاحه وخاتمه لعليّ، فاعترُض عليه بأنّه كان قد أيّد من قبل مرويّة أبي بكر في عدم توريث الاَنبياء، فما باله الآن يورِّث عليّاً والعبّاس من النبيّ؟ فلذلك اضطرّ الخليفة عمر إلى نهرهما وعدم التدخّل في حلّ تلك القضيّة، وهذا هو هروب في بابي الاِرث والقضاء والشهادات حتّى عطّلت الحدود.
فقد حصلت مسألة زنا المغيرة بن شعبة وشهادة الشهود، ثمّ التواطؤ مع الشاهد الاَخير لدرء الحدّ عن المغيرة، مع أنّ شهادة ثلاثة شهود على الزنا وإن لميثبت بها الزنا إلاّ أنّه يثبت بها التعزير لخلوّه مع امرأة محصنة، لكنّ شيئاً من ذلك لم يلتزمه الخليفة، بل ضرب به عرض الحائط وهذا أيضاً اجتهاد في باب القضاء والشهادات وتعطيل لاِقامة الحدود.

____________
(1) انظر ما نشرته مجلّة «الرسالة المصريّة» في عددها 518 من السنة 11 في ص 457، وانظر النصّ والاجتهاد : 124 .

( 426 )
ومثل ذلك كان في زمن خلافة عثمان بن عفّان، في قضيّة الوليد حين شرب الخمر وصلّى بالناس وهو سكران، وقد تمّ الشهود كُمُلاً، فأراد عثمان درء الحدّ عنه لولا إصرار عليّ والمسلمين على إقامة ذلك الحدّ، ومن يطالع أدلّة عثمانبن عفّان لتبرئته وتهديده الشهود يتيقّن ممّا قلنا، حتّى أنّ أُمّ المؤمنين عائشة قالت «إنّ عثمان قد أبطل الحدود وأخاف الشهود».
وكذلك استمرّ التحريف في الاِرث حتّى أعطى عثمان فدك والعوالي لمروانبن الحكم مخالفاً بفعله ما ادّعته الزهراء ـ في أنّها نحلة أو إرث لها ـ وما قاله الخليفة أبو بكر في أنّها للمسلمين.
وهكذا استمرّت الحالة وتأزّمت حتّى وصل الاَمر بيزيد أن يفعل ما يشاء من المحرّمات ويشرب الخمر على رؤوس الاَشهاد دون أن يقيم عليه معاوية الحدّ أو ينهاه عن التظاهر بالفسق والفجور على أقلّ تقدير.
هذا مع أنّ الاَمويّين، ومعاوية بالخصوص، قاتل عليّاً بحجّة «الاِرث» وأنّه وارث عثمان بن عفّان، لمجرّد كونهما مشتركينِ في النسب الاَعلى، مع أنّ ابن عثمان كان حيّاً وهو وليّ الدم دون معاوية، إلاّ أنّ معاوية حرّف حقائق الاِرث وانطلت ادّعاءاته على مسلمي الشام حتّى قاتلوا وقتلوا بناءً على هذا التحريف الشنيع في الاِرث. وهذا التحريف كان له نظير في السقيفة حين أخذت قريش الخلافة من الاَنصار بدعوى الاَقربيّة، وتركوا عليّاً بحجّة أنّهم أيضاً عشيرة النبيّ وهم أقوى على الاِدارة منه، مع أنّهم شيوخ وعليّ صبيّ.
وجاء العبّاسيّون فجاءت الطامّة الكبرى في الاِرث والقضاء والشهادات، لاَنّ المنازعين للعبّاسيّين ـ أي العلويّون ـ أقرب للنبيّ نسباً من العبّاسيّين، وذلك ما يبطل دعواهم بأنّهم أحقّ بالخلافة وإرث النبيّ من غيرهم، فلذلك جدّوا في تحريف قوانين الاِرث وبدّلوا مفاهيم ونصوص كتاب الله والسنّة النبويّة المباركة حتّى أنّ العبّاسيّين دفعوا مروان بن أبي حفصة لاَن يقول:

أنّى يكون وليس ذاك بكائن * لبني البنات وراثة الاَعمام

فأجابه شاعر الشيعة تَلقّياً من أئمّته (ع) ـ وفي بعض المصادر أنّ الاِمام الرضا (ع) هو الذي أجاب هذا التحريف الاِرثيّ ـ بقوله:

( 427 )

لِــمَ لا يـكــون وأنّ ذاك لــكــائـن * لـبـنـي البـنـات وراثـة الاَعـمـام
للبـنـت نصـف كامـــل مـن إرثـه * والعـمّ مـتـروك بـغـيــر ســهـام
مــا للطـليـق ولـلـتــراث ؟ وإنّـمـا * سجد الطليق مخافة الصمصام(1)

كما ورد أيضاً أنّ هارون الرشيد دخل إلى قبر رسول الله (ص) بالمدينة، فقال: السلام عليك يا ابن العمّ، فقال الاِمام موسى الكاظم: السلام عليك ياأبه، فاغتاظ هارون الرشيد من ذلك.
وفي مجلس آخر سأل الرشيد الاِمام الكاظم، بمَ تدّعون أنّكم أولاد رسول الله وورثته دوننا وكلّنا أبناء عمّ.
فقال الاِمام الكاظم للرشيد: أرأيت لو أنّ رسول الله خطب إليك ابنتك أكنت تزوّجه؟
فقال الرشيد: إي والله ! وافتخر بذلك على العرب والعجم.
فقال الاِمام الكاظم: ولكنّه لو خطب ابنتي لا يسعني أن أزوّجه لاَنّه أبي، فأُفحم هارون الرشيد(2). ومثله قضيّة يحيى بن عبد الله بن الحسن مع الرشيد(3)، وكان ذلك من الاَسباب التي دعت الرشيد للاِيقاع بالاِمام موسى الكاظم ويحيى وغيرهم من آل البيت.
فلاحظ هذا التواصل في التحريف في الاِرث والقضاء والشهادات حتّى أنّ الرشيد أرسل إلى أبي يوسف القاضي في أمرٍ أهمّه وذلك هو أنّ الاَمين كان قد شرب الخمر فرآه هارون الرشيد وبعض من في قصره فوقع الرشيد في مأزق ومحذور أخلاقيّ أمام المسلمين، فإن تركَ هذا الحدّ شاع ذلك وفسَدَ ادّعاؤه إمرة المؤمنين، وفي الجانب الآخر فإنّه لا يريد إقامة الحدّ على وليّ عهده والمرشّح لاِمرة المؤمنين من بعده، فلذلك استعان بأبي يوسف القاضي فأخرج له مخارج ضعيفة تضحك ذات الثكل، فسجد هارون الرشيد شكراً، وأعطى
____________
(1) انظر عيون أخبار الرضا 2 : 174 ، والشعر من مصدر آخر .
(2)عيون أخبار الرضا (ع) 1 : 66 ح 9 .
(3) مقاتل الطالبيّين: 473 ـ 474.

( 428 )
لاَبي يوسف مالاً جزيلاً(1).
وهل بعد هذا التحريف في باب القضاء والشهادات من تحريف؟! من هنا ومن هذا الاستعراض السريع فهمنا سرّ تأكيد الاَئمّة على هذين البابين، مع أنّ طبيعة الحكّام المتأخّرين كانت تدعوهم إلى بعض التصرّفات كسلب أموال الناس، ولايمكن ذلك إلاّ بالتلاعب بالمواريث وقوانين الاَموال، وكذلك شرب الخمور ومجالس اللهو والغناء والطرب كان يعوزها أحكام تنصّ على ما يوجد المبرّر لهم في عدم إقامة الحدود بإبطال الشهود وتغيير القضاء، والفقه الصحيح يفنّد كلّ تلك المزاعم والمدعيات، كما يفنّد المزاعم القائلة بأنّ خليفة الله في الاَرض يغفر الله له كلّ مايفعله وأنّه غير محاسب!!

الاِمام عليّ بن موسى (الرضا)
كانت كتب أهل البيت (ع) محفوظة عندهم إماماً عن إمام. وأهمّ تلك الكتب كتاب عليّ (ع) وقد وصل هذا الكتاب إلى الاِمام الرضا (ع) عن آبائه(ع).
وبدأ في زمن الرضا وما بعده عصر جديد، وهو عصر التصنيف والتأصيل والتوثيق للمدوّنات التي يُدّعى أو يفترض أنّها نقلت مطالب كتاب عليّ وأحكام الدين التي نقلها أهل البيت (ع)، فكان أصحاب الاَئمّة يجمعونها ويعرضونها على الاَئمّة (ع) لتوثيق المنقولات.
وقد كان ابتداء هذا المسير بشكل ملحوظ في عهد الرضا (ع)، فعن ابن فضّال، ويونسبن عبد الرحمن، قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أميرالمؤمنين (ع) على أبي الحسن الرضا (ع)، فقال: هو صحيح(2).
وعن عبد الله الجعفيّ، قال:
دخلت على الرضا (ع) ومعي صحيفة أو قرطاس فيه «عن جعفر: أنّ الدنيا مثّلت لصاحب هذا الاَمر في مثل فلقة الجوزة» فقال: يا حمزة! ذا والله حقّ
____________
(1) انظر القصّة في نشوار المحاضرة 1: 252 وكذا وفيّات الاَعيان.
(2) الكافي 7 : 33 | 1 .

( 429 )
فانقلوها إلى أديم(1). فهنا يُرى أنّ المرويّ عن جعفر الصادق (ع) جيء به ليستوثق من صحّته عن طريق الاِمام الرضا، إمّا بأن يعرضه (ع) على ما في كتاب عليّ المحفوظ عنده كما يظهر في الحديث الاَوّل. أو يكون أعمّ من ذلك، بأن يرى مطابقته مع ما أخذه عن آبائه، ومهما كان الاَمر فإنّ المقصود والهدف هو توثيق المروّيات عن الاَئمّة الثلاثة الباقر والصادق والكاظم والتي تنتهي بطبيعة مسلك أهل البيت إلى عليّ (ع) ثمّ إلى النبيّ(ص).
وعن حمزة بن عبد الله الجعفريّ، عن أبي الحسن، قال: كتبت في ظهر قرطاس «أنّ الدنيا متمثّلة للاِمام كفلقة الجوزة» فدفعته إلى أبي الحسن [الرضاج (ع)، وقلت: جعلت فداك؛ إنّ أصحابنا رووا حديثاً ما أنكرته، غير أنّي أحببت أن أسمعه منك، قال: فنظر فيه ثمّ طواه، حتّى ظننت أنّه قد شقّ عليه، ثمّ قال: هو حقّ فحوّله في أديم(2).
وقد اهتمّ الاِمام الرضا كثيراً بأمر التدوين حتّى كان يقدِّم الدواة لمن يريد أن يدوّن خدمة للعلم والدين، فعن عليّ بن أسباط، قال: سمعت أباالحسن الرضا (ع) يقول: كان في الكنز الذي قال الله (وكان تحتَهُ كنزٌ لهما)(3)... فقلت: جعلت فداك أُريد أن أكتبه، قال: فضرب والله يده إلى الدواة ليضعها بين يدي، فتناولت يده فقبلتها وأخذت الدواة فكتبته(4).
هذا مع أنّ الرضا كان يُؤكّد أنّ ما يقوله إنّما هو الحقّ الموروث عن رسول الله (ص) وأنّ التراث الصحيح عنده (ع)، قال يعقوب بن جعفر: كنت مع أبي الحسن [الرضا] (ع) بمكّة فقال له رجل: إنّك لتفسّر من كتاب الله ما لم تسمع به!!
فقال أبو الحسن (ع): علينا نزل قبل الناس، ولنا فُسِّر قبل أنّ يُفسّر في الناس، فنحن نعرف حلاله وحرامه... فهذا علم ما قد انهيته إليك وأدّيته إليك،
____________
(1) بصائر الدرجات : 408 ح 2 .
(2) بصائر الدرجات : 408 ح 4 .
(3) الكهف: 82.
(4) الكافي 2: 59|9.

( 430 )
ما لزمني، فإن قبلت فاشكر، وإن تركتَ فإنّ الله على كلّ شيء شهيد(1).
وعن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: سمعت الرضا يقول: رحم الله عبداً أحيى أمرنا.
فقلت له: وكيف يُحيي أمركم؟
قال: يتعلَّم علومنا ويعلِّمها الناس، فإنّ الناس لو عُلِّموا محاسن كلامنا لاتَّبعونا(2).
وعن أبي نصر، قال قلت للرضا: جعلت فداك إنّ بعض أصحابنا يقولون نسمع الاَثر يُحكى عنك وعن آبائك فنقيس عليه ونعمل به؟
فقال: سبحان الله؛ لا والله ما هذا من دين جعفر (ع)، هؤلاء قوم لاحاجة بهم علينا، قد خرجوا من طاعتنا وصاروا في موضعنا، فأين التقليد الذي كانوا يقلّدون جعفراً وأبا جعفر، قال جعفر: لا تعملّوا على القياس وليس من شيء يعدل القياس إلاّ القياس يكسره(3).
وللاِمام قول عن الذين وقعوا في الشبهة والتبس عليهم أمر الدين فيقول: اغترّهم بالشبهة ولبسَ عليهم أمرَ الدين وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا: لِمَ، ومتى، وكيف، فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم (وما ربّك بظلام للعبيد) ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لاَنّ الله تعالى يقول في كتابه (ولو ردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أُولي الاَمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم) يعني آل محمّد (ع)، وهم الذين يستنبطون منهم القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم الحجّة لله على خلقه(4).

____________
(1) بصائر الدرجات: 198|4.
(2) معاني الاَخبار: 180، عيون أخبار الرضا 1: 307.
(3) قرب الاِسناد: 356 ح 1275 .
(4) وسائل الشيعة 27 : 171 ح 56 عن تفسير العيّاشيّ 1 : 260 | 206 ، وانظر جامع أحاديث الشيعة 1: 232.

( 431 )
وللاِمام صحيفة رواها عن آبائه تسمّى بـ (صحيفة الرضا) وقد طبعت عدة مرّات.
وله أيضاً الرسالة الذهبيّة التي كتبها للمأمون العبّاسيّ، فأمر المأمون بكتابتها بماء الذهب، ولذلك سمّيت بالذهبيّة ـ وقيل في سبب التسمية شيء آخر ـ وقد طبعت هذه الرسالة عدّة طبعات.
ونُسب إلى الاِمام كتاب (الاَهليليجيّة»، قال السيّد الاَمين: فيه حجج بالغة ومطالب جليلة في علم الكلام.
كلّ هذا، غير ما أملاه (ع) على أصحابه وعلى فقهاء ومتفقهي المسلمين آنذاك، إذ كانت للاِمام مجالس تدريس وإملاء.
روى عليّ بن عليّ الخزاعيّ ـ أخو الشاعر دعبل بن عليّ الخزاعيّ ـ قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا (ع) بطوس، إملاءً، في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر(1).
وهذا صريح بوجود مجالس كان يملي بها الاِمام الرضا العلوم الاِسلاميّة على علماء وحفّاظ المسلمين، وأنّه كان يهتمّ بالتدوين والمدوّنات.

الاِمام محمّد بن عليّ (الجواد)
واصل الاِمام الجواد مسيرة التدوين وحفظ المدوّنات والسعي الحثيث لضبطها وإبقائها، وقد عقد الخلفاء مجالس مناظرة لاِفحامه، أو التقليل من شأنه العلميّ باعتبار صغر سنّه، فلم يفلحوا في شيء من ذلك، بل صار العكس حين انبهر به وبعلمه الفقهاء وعامّة المسلمين، وقد اشتهر عنه (ع) اهتمامه بالمسائل العقائديّة بجنب اهتمامه بالفقه والتدوين نظراً للظروف التي كان يعيشها ولمتقتصر جهود الاِمام العلميّة على إدارته لمجالس المناظرة والمطارحة، بل راح يواصل مسيرة التوثيق التي ذكرناها، فكان على كامل الاطّلاع بما في كتاب عليّ (ع) وما نقل عنه الباقر والصادق عليهما السلام.

____________
(1) أمالي الطوسيّ 1: 370 ـ 382، وانظر رجال النجاشيّ: 277 رقم 727.

( 432 )
فعن محمّد بن الحسن بن أبي خالد، قال: قلت لاَبي جعفر الثاني: جعلت فداك؛ إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله، وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم فلم تُروَ عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا؟
فقال (ع): حدّثوا بها فإنّها حقّ(1).
فهنا يتجلّى الاضطهاد الفكريّ وبالاَخص اضطهاد التدوين من قبل خلفاء بني أُميّة وبني العبّاس، إلى درجة يصل الاَمر معها إلى أنّ واحداً من المقرّبين من الاِمام الجواد يشكّ، أو يريد أن يتيقّن من صحّة تلك المرويّات التي لميعهدها من قبل نتيجة للاضطهاد الفكريّ والعقائديّ.
وهنا يتجلّى دور الاِمام في كونه ميزاناً لمعرفة الصحيح من غيره والحقّ من الباطل من المدوّنات والمرويّات، ويغلب على الظنّ أنّ الاِمام كان قد رآها مطابقة لما في كتاب عليّ وكتب آبائه فلذلك قال للسائل «حدّثوا بها فإنّها حقّ» فالسائل واحد، والاِمام يجيب بلفظ الجمع «حدّثوا» ممّا يفيد أنّ البليّة كانت عامّة لجميع أصحابه وأنّ الكثير من المرويّات والمدوّنات ما زالت دون توثيق عندهم نتيجة للكبت والقهر والاِرهاب.
فالاِمام كان يعرف مدوّنات آبائه ـ رسماً ومحتوىً ـ فيبكي ويضع الخطّ على عينيه ويقسم إنّه خطّ أبيه دَفعاً لاحتمال كونه كتاباً آخر زُوِّر على الاِمام الرضا (ع).
قال إبراهيم بن أبي محمود: دخلت على أبي جعفر ومعي كتب إليه من أبيه، فجعل يقرأها ويضع كتاباً كبيراً على عينيه ويقول: خطّ أبي واللهِ، ويبكي حتّى سالت دموعه(2).
ثمّ إنّ الاِمام كان يؤكّد على أهمّيّة التدوين، وإنّه أوقع في النفوس من مجرّد النقل، بل أوثق في نفس المنقول له، خصوصاً وأنّ في القارئين للمدوّنات مَن يعرف خطّ الاِمام (ع).

____________
(1) الكافي 1 : 53 ح 15 .
(2) رجال الكشّيّ: 475.

( 433 )
فعن عبد العزيز بن المهتدي أنّه سأل الجواد عن يونسبن عبدالرحمن؟ فكتب إليه بخطّه «أُحبّه وأترحّم عليه وإن كان يخالف أهل بلدك»(1).
ولقد وردت رسائل وكتب عن الاِمام إلى أصحابه، فعن أحمدبن محمّدبن عيسى قال: بعث إلَيَّ أبو جعفر غلامه معه كتابه، فأمرني أن أصير إليه... إلى أن يقول: قال: احمل كتابي إليه ومُرْهُ أن يبعث إليّ بالمال، فحملت كتابه إلى زكريّا بن آدم فوجّه إليه بالمال(2).
وعن الحسن بن شمعون قال: قرأت هذه الرسالة على عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني بخطّه: بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ! أحسن الله جزاك(3)... وللاِمام (ع) كتاب آخر لعليّ بن مهزيار كتبه إليه ببغداد(4)، وكتاب آخر إليه بالمدينة(5).
وعنه، قال: كتبت إليه أنّ لك معي شيئاً فمرني بأمرك فيه إلى من أدفعه؟ فكتب إليَّ: قبضتُ...(6) وعن محمّد بن أحمد بن حماد المروزيّ، قال: كتب أبو جعفر إلى أبي...(7)
وعن عبد الجبار النهاونديّ ـ في خبر طويل ـ منه: فخرج إليَّ مع كتبي كتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمّد بن عليّ الهاشميّ العلويّ لعبدالله بن المبارك...(8) وقد جمع الشيخ عزيز الله العطارديّ أحاديث الاِمام الجواد، وطبعت تحت اسم «مسند الاِمام الجواد».

____________
(1) رجال الكشّيّ: 413.
(2) الاختصاص: 87، رجال الكشّيّ: 497.
(3) الغَيبة للشيخ: 211.
(4) رجال الكشّيّ: 460 ـ 461.
(5) رجال الكشّيّ: 460 ـ 461.
(6) رجال الكشّيّ: 427.
(7) رجال الكشّيّ: 468.
(8) رجال الكشّيّ: 476.

( 434 )


الاِمام عليّ بن محمّد (الهاديّ)
كان كتاب عليّ (ع) عند هذا الاِمام الهمام، ينقل عنه آثار رسول الله وسنّته المباركة للمسلمين، كما كان ذلك دأب أسلافه الاَئمّة الصالحين الاَبرار، وقد بلغ من عناية هذا الاِمام بتبليغ الاَحكام والمرويّات التي في كتاب عليّ (ع) أنّه حرص على نقل بعض ما في الكتاب وهو في مرض الموت، من علّته التي سُمّ فيها(ع).
فعن أبي دعامة قال: أتيت عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى عائداً في علّته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلمّا هممت بالانصراف، قال لي: ياأبادعامة! قد وجب حقّك أفلا أُحدِّثك بحديث تُسَرُّ به؟
قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله.
قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن موسى، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسينبن عليّ: قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثني رسول الله (ص): اكتب ياعليّ.
قال: قلت: وما أكتب؟
قال لي: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الاِيمان ما وقرته القلوب وصدّقته الاَعمال والاِسلام ما جرى به اللسان وحلّت به المناكحة».
قال أبو دعامة: فقلت: يا بن رسول الله ! ما أدري والله أيّها أحسن، الحديث أم الاِسناد!!
فقال (ع): إنّها صحيفة بخطّ عليّ بن أبي طالب (ع) بإملاء رسول الله (ص) نتوارثها صاغراً عن كابر(1).

____________
(1) مروج الذهب 4 : 85 ـ 86 .

( 435 )
وفي هذه الرواية ما يوحي بأنّ كلّ أو أغلب ما يرويه أئمّة أهل البيت (ع) هو من كتاب عليّ (ع) وإن لم يصرّحوا بذلك مفردةً مفردةً، بل صرّحوا بذلك بوجه العموم، وقد خفي هذا على بعض الجهّال فاتّهموا الصادق (ع) من قبل بأنّه «صحفيّ» ولم يدروا أنّها صحف متلَقّاة عن رسول الله (ص) بخطّعليّ.
وقد واصل الاِمام عليّ الهاديّ عملية التوثيق للمرويّات والمدوّنات عن آبائه وأجداده لكي تصل الاَحاديث خالصة ناصعة إلى الاَجيال القادمة.
قال محمّد بن عيسى: أقرأني داود بن فرقد الفارسيّ كتابه إلى أبي الحسن الثالث (ع) وجوابه بخطّ يده، فقال: نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك، قد اختلفوا علينا فيه، كيف العمل به على اختلافه؛ إذاً نردّ إليك، فقد اختلف فيه؟ فكتب وقرأته «ما علمتم أنّه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا».
فالاِمام هنا يوجب على أصحابه إرجاع المرويّات أو المختلف فيها والمشكوك في صحّة نسبتها من المدوّنات والمرويّات إلى أئمّة أهل البيت ليوثّقوا الصحيح ويتركوا المفترى منها على الاَئمّة (ع) أو التي أصابها الغلط والاشتباه أو...
وقد روى بعض أصحاب الاِمام الهاديّ (ع) عنه تفسيراً باسم «الاَمالي في تفسير القرآن» وهو مطبوع متداول، وإن شكّك بعض الاَعلام في نسبة هذا الكتاب إليه.
وذكر السيّد الاَمين للاِمام الهاديّ كتاب في «أحكام الدين» في الردّ على أهل الجبر والتفويض(1).
وعن أبي طاهر(2)، وعيسى بن أحمد بن عيسى(3)، وعليّ بن الريّان(4)،
____________
(1) أعيان الشيعة 1: 380.
(2) رجال النجاشيّ: 460 رقم 1256.
(3) رجال النجاشيّ: 297 رقم 806.
(4) رجال النجاشيّ: 278 رقم 731.

( 436 )
وعليّ بن جعفر الحمانيّ عنه (ع)(1).
وقد جمع الشيخ عزيز الله العطارديّ أحاديث الاِمام عليّ الهاديّ في كتاب وطُبع باسم «مسند الاِمام الهاديّ».

الاِمام الحسن بن عليّ (العسكريّ)
انصبّت جهود الاِمام العسكريّ (ع) في مصبَّين رئيسيين، أوّلهما أهمّيّة تبليغ خاصّة أصحابه بما يتعلّق بولده محمّد المهديّ، وأنّه القائم بعده بأمر الاِمامة والتبليغ.
والمصبّ الثاني، هو التدوين والتوثيق للمدوّنات، من خلال عرضها على كتاب عليٍّ (ع) أو ما أخذه عن آبائه وأجداده (ع). والذي يهمّنا هنا هو ثاني المصبّين لمساسه بالموضوع المبحوث عنه.
فعن سعد بن عبد الله الاَشعريّ قال: عرض أحمد بن عبداللهبن خانبة كتاباً على مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد صاحب العسكر (ع) فقرأه، وقال: صحيح فاعملوا به(2).
وقد أصبح هذا الكتاب الذي قرّر صحّة ما فيه الاِمام العسكريّ مصدراً للراغبين في العلم الصحيح، والمرويّات الموثّقة، فصاروا يقابلون على ذلك الكتاب ما عندهم من مدوّنات.
فعن الحسن بن محمّد بن الوجناء أبي محمّد النصيبيّ، قال: كتبنا إلى أبي محمّد (ع) نسأله أن يكتب أو يخرج إلينا كتاباً نعمل به؛ فأخرج إلينا كتاب عمل، قال الصفوانيّ: نسخته. فقابل بها كتاب ابن خانبه، زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة(3).
فالاِمام العسكريّ أخرج إليهم كتاب عمل، يبدو أنّ فيه أُمّهات المسائل
____________
(1) رجال النجاشيّ: 280 رقم 740.
(2) فلاح السائل : 183 .
(3) رجال النجاشيّ : 244 .

( 437 )
ومهمّاتها، وهذا ما يعني كثرة اهتمامه (ع) بالتدوين، إذ مع وجوده (ع) بينهم، قدّر أهمّيّة التدوين وشموليّته وعموم فائدته، فأخرج لهم كتاب عمل.
ويظهر اهتمام أصحاب الاِمام بالتدوين وتوثيق المدوّنات من خلال استنساخ الصفوانيّ لذلك الكتاب، ومن ثمّ مقابلته بكتاب ابن خانبة الذي قوبل من قبل ووثّق من قبل الاِمام، وبذلك تصبح عمليّة التوثيق مهمّة جدّاً عند أهل البيت (ع) علّموها أصحابهم وأتباعهم لحفظ المدوّنات.
وسئل الاِمام العسكريّ عن كتب بني فضّال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال (ع) خذوا بما رووا وذروا ما رأوا(1).
فأولاد فضّال كانوا قد دوّنوا أحاديث أئمّة أهل البيت (ع) ومن ثمّ انحرفوا انحرافاً عقائديّاً في الاِمامة، فكان ذلك مبعث شكّ في مرويّاتهم السالفة التي رووها عن الاَئمّة وقد ملاَت بيوتهم، وهذا يدلّ على احتفاظ أتباع أهل البيت بالمدوّنات والاستفادة منها، وحرصهم على التحقُّق من صحّتها، فكان جواب الاِمام متلخّص بصحّة مرويّاتهم، فيؤخذ بها، ويترك ما ارتأوه من أُمور مخالفة للمنهج الصحيح الذي يسير عليه أهل البيت (ع).
وعن داود بن القاسم الجعفريّ: قال: عرضت على أبي محمّد ـ صاحب العسكر ـ كتاب يوم وليلة، ليونس، فقال لي: تصنيف مَن هذا؟
فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين.
فقال: أعطاه الله بكلّ حرف نوراً يوم القيامة(2).
هذا وقد ورد عن الاِمام العسكريّ تفسير للقرآن الكريم، طبع مراراً باسم «تفسير الاِمام العسكريّ».
وعن ابن معاذ الحويميّ نسخة منسوبة للاِمام(3)، ولاَبي طاهر الزراريّ جدّ أبي غالب ومحمّد بن الريّان بن الصلت، ومحمّد بن عيسى القمّيّ مسائل
____________
(1) الغَيبة ، للطوسيّ : 239 ـ 240 .
(2) رجال النجاشيّ: 447 رقم 1208، البحار 2: 150 ح25.
(3) الذريعة 24: 152 رقم 777.

( 438 )
حكوها عنه (ع)(1).
وكتب إليه أصحابه يسألونه عن مسائل في الاَحكام والعقائد، فيجيبهم عليها، منها ما كتب إليه محمّد بن الحسن بن الصفار(2)، وعبدالله بن جعفر(3)، وإبراهيم بن مهزيار(4)، وعليّ بن محمّد الحصينيّ(5)، ومحمّد بن الريّان(6)، والريّان بن الصلت(7)، وعليّ بن بلال(8)، وحمزة بن محمّد(9)، ومحمّد بن عبدالجبار(10).

الاِمام محمّد بن الحسن (المهديّ «عج»)
إنّ الاِمام المهديّ ورث علوم آبائه وأجداده كما ورث كتاب عليّ وغيره من الكتب التي كانت عندهم وقد صرّح أئمّة أهل البيت بأنّ ما في كتاب عليّ أو مصحف فاطمة أو غيرهما من مدوّنات عصر الرسالة يكون عند محمّد المهديّ، وأنّه عند حكمه لا يحكم إلاّ بما في تلك الصحف.
فعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر، قال: أشار إلى بيت كبير، وقال: ياحمران! إنّ في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخطّ عليّ وإملاء رسول الله (ص)، ولو ولينا الناس لحكمنا بينهم بما أنزل الله، لم نَعْدُ ما في هذه الصحيفة(11).

____________
(1) انظر رجال النجاشيّ: 347 رقم 937 و370 رقم 1009 و371 رقم 1010.
(2) انظر الفقيه 3: 499 و508، التهذيب 7: 150.
(3) الكافي 6: 35، الفقيه 3: 488، مكارم الاَخلاق: 263، والكافي 5: 447، والفقيه 3: 476.
(4) الكافي 4: 310، الفقيه 2: 444.
(5) الكافي 4: 310، الفقيه 2: 445.
(6) الكافي 1: 409.
(7) التهذيب 4: 139.
(8) الفقيه 4: 179.
(9) الكافي 4: 181.
(10) الكافي 3: 399، الاستبصار 1: 385، التهذيب 2: 207.
(11) بصائر الدرجات: 163 وغيره الكثير ممّا في معناه.

( 439 )
وقد صرّح الاَئمّة ببقاء كتاب عليّ وصحيفة عليّ عندهم وأنّها لا تبلى، بل يتوارثونها واحداً بعد واحد.
إذ مرَّ عليك خبر أبي بصير، قال: أخرج إليّ أبو جعفر صحيفة فيها الحلال والحرام والفرائض، قلت: ما هذه؟ قال: هذه إملاء رسول الله (ص) وخطّ عليّ بيده، قال: فقلت فما تبلى؟ قال: فما يبليها؟! قلت: وما تدرس؟ قال: وما يدرسها(1)؟!
وعن الحسن بن وجناء النصيبيّ، قال في حديث طويل في رؤيته الحجّة، محمّدبن الحسن في سامرّاء: ثمّ دفعَ إلَيَّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه، فقال: بهذا فادعُ، وهكذا صلِّ عَلَيَّ، ولا تعطه إلاّ محقّي أوليائي...(2) وفي حديث آخر أنّ الاِمام طلب من أحد أصحابه وأصحاب أبيه أن يريه خاتماً كان قد أعطاه الاِمام العسكريّ إيّاه، قال: فأخرجته إليه، فلمّا نظر إليه استعبر وقبّله، ثمّ قرأ كتابته، يا الله يا محمّد يا عليّ، ثمّ قال: بأبي يداً طالما جُلْتَ فيها(3)،.
على أنّ الاِمام المهديّ بسبب بقائه مستتراً لمدّة تقارب 70 عاماً لم يستطع نشر الاَحكام والتدوين بشكل علنيّ إلاّ أنّه كان يكاتب أصحابه ويكاتبونه ويسألونه عن أُمّهات المسائل فيخرج الجواب بتوقيعه لكي لايختلط أو يزوّر بكتاب غيره، ولذلك سمّيت هذه الاَجوبة بالتوقيعات، وقد جمعها عدّة من الاَعلام قديماً وحديثاً، فقد جمعها من القدماء أبو العبّاس الحميريّ المتوفّى سنة 299 وهو من أصحاب الاِمام المهديّ، كما صدر أخيراً كتاب جمع غالب مدوّنات الاِمام المهديّ التي وصلتنا من خلال توقيعاته ومكاتباته، جمعها الشيخ محمّد الغرويّ، وطبعت باسم «المختار من كلمات الاِمام المهديّ».
وبهذا عرفت أنّ التواصل التدوينيّ عند أئمّة أهل البيت ابتدأ بكتابة
____________
(1) بصائر الدرجات: 164.
(2) كمال الدين: 444.
(3) كمال الدين: 445.

( 440 )
عليّبن أبي طالب وتدوينه، واستمرّ جيلاً بعد جيل حتّى الاِمام محمّد المهديّ، ومن ثمّ جمع المدوّنات أصحاب الاَئمّة وعلماؤهم.
وقد عرفت إصرارهم وتأكيدهم خصوصاً بعد إمامة الاِمام الكاظم، على مسألة التوثيق للمدوّنات، وإن كانت عمليّة التوثيق عمليّة أصيلة قديمة، طالماً أكّد عليها الاَئمّة ومارسوها، ووثّقوا ما عرضه أصحابهم عليهم، لكنّ الثقل الاَكبر للتوثيق والذي كان ملحوظاً بنسبة عالية، كان في عصر الاِمام الرضا ومَن بعده من الاَئمّة.
وقبل ختام هذا المقطع من البحث يجدر بنا أن ننبّه على سبب مهمّ في تأخّر المدوّنات والتدوين عند أتباع مدرسة الاجتهاد والرأي، ذلك السبب هو: أنّ بعض المحيطين بالنبيّ (ص) كانوا يتعاملون معه (ص) كتعاملهم مع سائر البشر بلافارق بتاتاً، ولذلك كانوا ينادونه من وراء الحجرات، وكانوا يثقلون عليه بإطالة الجلوس عنده، وكانوا يعتقدون أنّه يخطىَ ويصيب وقد يتكلّم في الغضب ما لايتكلّمه في حالة الرضا.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله (ص) وأريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول الله ورسول الله بشر يتكلّم في الرضا والغضب؟!
قال: فأمسكت، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ. وأشار بيده إلى فمه(1).
فإنّ ما نصّت عليه هذه الرواية هو أنّ «قريش» كانت هي الناهية عن التدوين، بحجّة أنّ النبيّ قد يقول غير الصواب عند الغضب والعياذ بالله.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قلت يارسول الله! أكتب كلّ ما أسمع منك؟
قال: نعم.

____________
(1) المستدرك على الصحيحين 1:5 ـ 106، وانظر مسند أحمد 2: 162، وقريب منه في عوالي اللئالىَ 1 : 68 | 120 .

( 441 )
قلت: في الرضا والغضب؟
قال: نعم، فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلاّ الحقّ(1).
ونفس هذه الفكرة كانت رائجة وشائعة وظلّت سارية المفعول حتّى في عصر الاَئمّة، فكان البعض يتصوّر أنّ الاِمام قد ينقل أو يقول في الغضب ما يخالف ما ينقله في حالة الرضا، وكأنّهم كانوا يظنّون أنّ الاَئمّة كسائر الفقهاء وأصحاب الفتيا والاجتهاد الذين تتبدّل آراؤهم وفق الظروف واختلاف اطّلاعهم على الاَدلّة.
لكنّ أئمّة أهل البيت كانوا يجيبون ويقولون كما أجاب رسول الله (ص) وذلك ما لم يجرؤ أحد من أئمّة المسلمين ادّعاؤه، دون أئمّة أهل البيت الذين كانوا على ثقة عالية جدّاً ـ واصلة إلى مرحلة اليقين ـ بصحّة مرويّاتهم وأحكامهم، فكانوا يأمرون أصحابهم بالتدوين لاَنّهم لا يقولون إلاّ الحقّ.
فعن حمزة بن عبد المطّلب، عن عبد الله الجعفيّ، قال دخلت على الرضا (ع) ومعه صحيفة أو قرطاس فيه عن جعفر «أنّ الدنيا مثّلت لصاحب هذا الاَمر في مثل فلقة الجوزة» فقال: يا حمزة ! ذا والله حقّ فانقلوه إلى أديم(2).
ويعضد هذا الذي قلناه ورود الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت، ومفادها جميعاً أنّهم لا يقولون إلاّ الحقّ، ولا يفتون برأي ولا اجتهاد.
فعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (ع) أنّه قال: لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه فبيَّنَها لنا(3).
وعن داود بن أبي يزيد الاَحول، عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّها آثار من رسول الله (ص)، أصلُ علمٍ نتوارثه كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم
____________
(1) عوالي اللئالىَ 1 : 68 | 120 .
(2) جامع أحاديث الشيعة 1: 290 عن بصائر الدرجات، ومثله نقل عن حمزة بن عبدالله الجعفريّ عن أبي الحسن.
(3) بصائر الدرجات : 299 | 2 .

( 442 )
وفضّتهم(1).
وعن قتيبة قال: سأل رجلٌ أبا عبد الله عن مسألة، فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيتَ إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها.
فقال (ع): مَهْ ! ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله (ص) لسنا من «أرأيت» في شيء(2).
وهذا التواصل في التدوين والثقة المطلقة بأنّ المنقولات هي عين ما قاله رسول الله، لا نجدُه عند أيّ مدرسة إسلاميّة غير مدرسة أهل البيت التي هي أساس التدوين وأساس بناء مدرسة التعبّد المحض. وبعد هذا للمنصف أن يختار ما شاء من مرويّات بعد اتّضاح الحال.
وبعد هذا يحقّ لي أن أنقل كلام الدكتور مصطفى الاَعظميّ عن الشيعة، بقوله: (...أمّا الشيعة والموجود منهم حاليّاً في العالم الاِسلاميّ أكثرهم من الاثني عشريّة، وهم يذهبون إلى الاَخذ بالسنّة النبويّة، لكنَّ الاختلاف بيننا وبينهم في طريق إثبات السنّة نفسها(3).

____________
(1) بصائر الدرجات : 299 | 3 .
(2) الكافي 1 : 58 | 21 .
(3) دراسات في الحديث النبويّ : 25 .