في أُحد
وهي القطعة من ورق أو جلد ونحو ذلك. والاكتاف: جمع كتف، وهو
عظم عريض يكون على أعلى الظهر. والعسب: جمع عسيب، وهو جريد
النخل العريض.
(453) عن سهل: لمّا كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه واُدمي وجهه
وكسرت رباعيته، وكان علي يختلف بالماء في المجن، وكانت فاطمة
تغسله، فلمّا رأت الدم يزيد على الماء كثرة، عمدت الى حصير فاحرقتها
والصقتها على جرحه فرقا الدم
(1).
رقا: اي سكن وانقطع.
جزيرة العرب
(454) عن يعقوب: انّه سأل المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة
العرب، فقال: مكة والمدينة واليمامة واليمن.
قال يعقوب: والعرج أول تهامة
(2).
عدد المسلمين
(455) عن حذيفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لي من تلفّظ بالاسلام من
الناس» فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل، قلنا أنخاف ونحن ألف وخمسمائة،
فلقد رأيتنا ابتلينا حتى انّ الرجل ليصلّي وحده وهو خائف.
وفي رواية اُخرى: فوجدناهم خمسمائة وقيل ما بين ستمائة الى
سبعمائة
(3) قيل: انَّ هذا القول (فقلنا) عند حفر الخندق، والمراد بالابتلاء
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2747 كتاب الجهاد.
(2) صحيح البخاري ذيل رقم 2888.
(3) صحيح البخاري رقم 2895 كتاب الجهاد.
( 222 )
هو ما اصاب المسلمين بعد رسول الله من الفتن.
تأثير بني اُميّة واهمال ذكر علي
(456) عن ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
وعثمان، فكلّهم يصلّون قبل الخطبة
(1).
(457) وعن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلّون
العيدين قبل الخطبة
(2).
أقول: وترى ذكر الخليفة الرابع مهملاً لا يذكر في عدّة من المقامات،
وكأنّه لم يكن خليفة، ثم أن مروان جعل الخطبة قبل الصلاة بدعة،
والبخاري يروى عنه!
نزول عيسى عليه السلام
(458) عن أبي هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن
مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية،
ويفيض المال، حتى لا يقبله أحد»
(3).
ومن الظاهر بقاء الاَحكام، فوضع الجزية من زيادة أبي هريرة
احتمالاً.
فاطمة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم
(459) عن عائشة: انّ فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر
الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها ـ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ممّا أفاء الله عليه ـ فقال أبو بكر: انّ رسول الله قال: «لا نورث، ما تركنا
____________
(1) صحيح البخاري رقم 919 كتاب العيدين.
(2) صحيح البخاري رقم 920.
(3) صحيح البخاري رقم 2344 كتاب المظالم.
( 223 )
صدقة» فغضب فاطمة بنت رسول الله، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته
حتى توفيّت، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر.
قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من
خيبر وفدك وصدقته
(1) بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست
تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلاّ عملت به، فانّي أخشى إن تركت شيئاً
من أمره أن ازيغ.
فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر الى علي وعباس
(2).
وأمّا خيبر وفدك فامسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا
لحقوقه التي تعروه
(3) ونوائبه، وأمرهما الى من ولي الاَمر.
قال: فهما على ذلك الى اليوم
(4).
(460) وعنها: انّ فاطمة عليها السلام أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من
النبي صلى الله عليه وسلم ـ ممّا افاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي
بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.
فقال أبو بكر: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة،
انّما يأكل آل محمّد من هذا المال ـ يعني مال الله ـ ليس لهم أن يزيدوا على
المأكل» وانّي والله لا اغير شيئاً من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في
عهد النبي...
(5).
____________
(1) أي املاكه التي صارت بعده صدقة موقوفة.
(2) قيل: ان دفعها اليهما ليتصرفا وينتفعا بقدر حقّهما كما كان يتصرّف النبي (ص)،
ولم يدفع اليهما على وجه التمليك.
(3) اي تنزل به وتنتابه. والنائبة: الحادثة.
(4) صحيح البخاري رقم 2926 كتاب الخمس.
(5) صحيح البخاري رقم 3508 كتاب فضائل الصحابة.
( 224 )
(461) وعنها أيضاً: انّ فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان
ميراثهما ـ ارضه من فدك وسهمه من خيبر ـ فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: «لا نورث ما تركنا صدقة، انما يأكل آل محمّد في هذا المال...»
(1).
(462) وعنها أيضاً: انّ فاطمة عليها السلام بنت النبي أرسلت... فأبى أبو بكر
أن يدفع الى فاطمة منها شيئاً، فوجدت ـ أي غضبت ـ فاطمة على أبي بكر
في ذلك، فهجرته، فلم تكلّمه حتى توفيّت، وعاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
ستة أشهر...
(2)
أقول: المقام من المعضلات، بل من المهلكات عند من يحرّر نفسه
من العصبية وتقليد الاباء، ولا يرجح المشهورات على عقله وضميره،
ويعتقد انّ الحقّ أحقّ أن يتبّع، ولا يرى وجوب تأويل النصوص ـ بمجرد
حسن الظن بالرواة وغفلة المحدّثين ـ على نفسه باهمال دلالة النصوص
والرجوع الى معان بعيدة عن سيرة العقلاء كما هي عادة الغلاة المتأوّلين
(
ومن يضلل الله فلا هادي له).
أولاً: تدّعي الشيعة الامامية ـ مستندين الى دلائل وشواهد ـ انّ النبي
الاكرم صلى الله عليه وسلم نحل فاطمة فدكاً في حياته واقبضها أيّاها، فلمّا تولّى ابو بكر
الاُمور قبض فدك وطرد عاملها منها، فادّعت أولاً فاطمة انّ فدك مملوكة
لها، ثم في مقام المحاجة تنزلت وقال: افرض لم يملكني النبي صلى الله عليه وسلم ايّاها
في حياته فهي ميراث، وفي القرآن آيات تخبر عن انّ الانبياء كغيرهم
يورثون. ويزيدون انّ فاطمة ممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً،
وانّها سيدة نساء أهل الجنة، فلا تدّعي باطلاً وحراماً، فنفس مطالبتها بفدك
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3710 كتاب المغازي.
(2) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.
( 225 )
تثبت الهبة وبطلان الحديث اثباتاً قاطعاً.
ونحن غير نائبين عن الشيعة في اثبات ادّعائهم ولا هم محتاجون الى
دفاعنا، ولكن لا بد لنا كمسلمين عاقلين راغبين في فهم الحقائق: ان نقول:
انّ ورثة النبي هم فاطمة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم بزيادة عباس على القول بارث
العصبة، فكيف يمكن ان نقبل انّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر ورثته بانّه لا يورث، مع
انّ الحكم يختصّ بهم ولا يتعدى غيرهم، وانما ذكره لفرد اجنبي خارج
عن الورثة.
أمّا عدم علم فاطمة بالحديث، بل انكارها فواضح، حيث غضبت
على أبي بكر فهجرته، ثم بقيت على هذه الحال ولم تكلمّه حتى ماتت،
فهي تراه ظالماً لها وغاصباً لحقّها، فتنفّرت منه اشد النفرة بحيث لم تكلّمه
حتى آخر لحظة في حياتها، وربّما قيل أن عدم تكلّمها معه لاَجل اقتناعها
بقوله! لكنّه باطل مخالف لصريح الحديث بانّها (وجدت عليه).
وأمّا نساؤه صلى الله عليه وسلم، فهنّ أيضاً غير عالمات بالحديث والحكم كما ينقل
البخاري:
(463) عن عائشة: انّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم اردن
أن يبعثن عثمان الى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركنا صدقة»
(1).
وأمّا العباس، فيظهر ممّا سبق انّه أيضاً يجهل الحكم المذكور، وكان
مدعياً لميراثه منه صلى الله عليه وسلم
(2).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6349 كتاب الفرائض.
(2) وأما احتمال انّ ورثة النبي (ص) طلبوا الارث مع علمهم بالوقف فهو باطل
=
( 226 )
والعمدة، انّ عليّاً لا يرى الحديث صحيحاً ولا أبا بكر صادقاً في
نقله، وإلاّ لاَقنع فاطمة واصلح بينها وبين أبي بكر، وما في بعض الروايات
من اقرار العباس وعلي بالحديث المذكور في محضر عمر فهو اشبه بالهزل
من الجد. وسيأتي ان علياً والعباس ادعيا الميراث من عمر بعد وفاة أبي
بكر، فيظهر من هذه الدعوى انّهما ينكران على أبي بكر حديثه، ويرى
علي زوجته مستحقة للميراث، وكذا العباس يرى نفسه وارثاً، فهما ليسا
غير عالمين بالحديث فقط، بل هما عالمان بعدمه، فانّهما ينكران الحديث،
وان كان راويه مثل أبي بكر، لكن مع كلّ ذلك يشكل تكذيب أبي بكر في
نقل الحديث، وهذه هي المشكلة العويصة.
وربّما يخطر بالبال أن النبي صلى الله عليه وسلم انّما قال: «لا نورث...» في مال
خاص وقفه، فحسبه أبو بكر عاماً في كلّ ما تركه وان لم يوقفه في حياته،
أو ألحقه به اجتهاداً لمصلحة النظام الجديد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ويشهد له انّ أبا
هريرة استثنى في حديثه هذا نفقة الزوجات، إذ لم يؤخذ من أحد
الزوجات شيء من بيوتهن بدعوى انه صدقة، بل كان ازاره وكساؤه صلى الله عليه وسلم عند
عائشة
(1)، وقد مر هذا البحث قبل قريب.
ويمكن أيضاً ان تكون كلمة «ما» الموصولة مع صلتها مفعولة لكلمة
«لا نورث» وقرأ صلى الله عليه وسلم كلمة صدقة بالوقف، فحسب أبو بكر انّها مرفوعة،
وانّه خبر للموصول وصلته
(2).
____________
=
باجماع المسلمين حتى عند الشيعة في حق الازواج، فانّهم لا يقبلون فسق زوجاته (ص)
بارتكاب الحرام وينزهوهن من هذا المعصية، فانكار اصالة العدالة أو تعديل كلّ فرد من
الصحابة أمر ونسبة الحرام الى جميع الزوجات أمر آخر، وبينهما فرق كثير، فلا تشتبه.
(1) صحيح مسلم 14: 56.
(2) لا يقال على هذا يعم الحكم جميع المسلمين، ولا يخصّ النبي (ص) وورثته. فانّه
=
( 227 )
وأمّا كلمة: فهو «فهو صدقة» في بعض الروايات، فلم تثبت، لخلو
غالب الروايات عنها.
وأما الجملة الاَخيرة: «انّما يأكل آل محمّد». فهي إما من كلام عائشة
توضيحاً للحديث، وإما ناظرة الى المال الخاص الذي وقفه صلى الله عليه وسلم في حياته
أي إذا احتاج آل محمّد الى ما وقفه فلا يأكل منه غيرهم، والله العالم. هذا
بالنظر الى رواية البخاري، واما بالنظر الى رواية مسلم فسيأتي البحث
فيها.
ثم انّ ههنا مشكلة اُخرى في وقف خمس خيبر حيث انّ للخمس
أهلاً غير النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يصحّ وقف ما ليس للواقف، بل هو مناف
لتشريع الخمس. وهذا دليل قوى على اشتباه أبي بكر في فهم حديثه.
والواقع انّ أبا بكر لو سلم فدكاً الى سيدة نساء الجنة ولم يغضبها ـ وقد
صح عنه صلى الله عليه وسلم من اغضبها اغضبني ـ لكان انفع له وللمجتمع الاسلامي في
طول الزمن، وان كان التسليم نحو تسليم مال موقوف الى ناظره لا الى
مالكه، كما سلّم عمر مال المدينة الى علي والعباس.
تنازع علي والعباس
(464) عن مالك بن اوس ـ في حديث طويل ـ يذكر انّ علياً والعباس
دخلا على عمر، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ـ وهما
يختصمان فيما افاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير ـ فاقبل عمر على
علي والعباس فقال: انشدكما الله أتعلمان انّ رسول الله قد قال ذلك (أي لا
نورث ما تركناه صدقة)؟
____________
=
يقال: نعم، وليس في الحديث ما يظهر اختصاصه به (ص)، ولذ احتاج الخليفة
وغيره الى تأويل وزيادة جملة (يريد به نفسه) كما يظهر من الروايات.
( 228 )
قالا: قد قال ذلك.
قال عمر: فانّي احدثكم عن هذا الامر، انّ الله قد خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم
في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ: (
وما أفاء اللهُ على
رسولهِ منهم ـ الى قوله ـ قدير) فكانت هذه خالصة لرسول الله، والله ما
احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي
منها هذا المال، فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال،
ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل رسول لله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته...
ثم توفّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر،
فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم انّه فيها لصادق بار راشد تابع
للحق، ثم توفّى الله أبا بكر، فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من
امارتي... والله يعلم اني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني
تكلّماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك
من ابن أخيك، وجاءني هذا ـ يريد علياً ـ يريد نصيب امرأته من أبيها
(1)
فقلت لكما: انّ رسول الله قال: «لا نورث ما تركنا صدقة».
ولما بدا لي أن ادفعه اليكما قلت: ان شئتما دفعتها اليكما على انّ
عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله ...
(2)
أقول: وفي محل آخر من البخاري: فاستبّ علي وعباس
(3). (أي
سب كلّ واحد صاحبه).
____________
(1) كلام عمر هذا كالنص في أنّهما طلبا الميراث دون القيام على المال قيام الناظر
والمتولّي كما يدعيه بعض البسطاء المتأولين.
(2) صحيح البخاري رقم 2927 كتاب الجهاد.
(3) صحيح البخاري رقم 3809 كتاب المغازي.
( 229 )
وفيه عن عائشة بعد قصة اخبارها زوجاته صلى الله عليه وسلم بحديث لا نورث:
فكانت هذه الصدقة بيد علي، منعها علي عباساً فغلبه عليها، ثم كانت بيد
حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسين، وحسن بن
حسن كلاهما كانا يتداولانها، ثم بيد زيد بن حسن، وهي صدقة رسول الله
حقاً. انتهى.
وفي كتاب النفقات: وانتما حينئذ ـ واقبل على علي وعباس ـ
تزعمان انّ أبا بكر كذا وكذا
(1).
وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: قال العباس يا أمير المؤمنين:
اقض بيني وبين الظالم استبا... تزعمان انّ أبا بكر فيها كذا والله يعلم انّه
فيها صادق...
(2).
أقول: جمع من باحثي الشيعة ينكرون نزاع عباس مع علي ويرونه
افتراء عليه، وليس لديهم دليل قاطع، وانا اذكر في المقام ثلاثة أُمور:
1 ـ انّ في الحديث تناقضاً حيث يذكر أوّلاً اقرار عباس وعلي بصحة
الحديث وانّهما عالمان به، ثم يذكر في الذيل انّهما كان يطلبان الميراث لا
في خلافة أبي بكر، بل في خلافة عمر، فلو كانا عالمين بالحديث
ومصدّقين به لكانا يطلبان الحرام وهو باطل اجماعاً، فيعلم انّ ذكر اقرارهما
به من زيادة النساخ أو الرواة أو من اجتهاد البخاري.
2 ـ انّ نسبة الاستباب اليهما ينافي عدالتهما الثابتة عند أهل السنة
وعصمة علي عند الشيعة، واننا وان لم نقل بعصمة علي لكننا نعتقد بعدالته
وورعه فوق ما نعتقد في حقّ معظم الصحابة أو كلّهم، وهو مع القرآن
____________
(1) صحيح البخاري رقم 5043 كتاب النفقات.
(2) صحيح البخاري رقم 6875 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
( 230 )
والقرآن معه، وهو رأس أحد الثقلين، وممّن اذهب الله عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً.
3 ـ انّ شيخنا البخاري يرى جواز التصرّف في الاَحاديث بما يهواه،
واليك شاهداً عليه من صحيح مسلم، ففي كتاب الجهاد، فقال عباس: يا
أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن... فقال
عمر... فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نورث ما تركنا صدقة»
فرأيتماه كاذباً آثماً غداراً خائناً والله يعلم انّه لصادق... فرأيتماني كاذباً آثماً
غادراً خائناً والله يعلم
(1) اني لصادق...
(2).
أقول: لم يكن ثمة ابن سبأ حتى يقال انّه أوقع الخلاف بين
الصحابة! ولا نحقّر عقلنا وضميرنا وبصرنا لمجرد حسن الظن بالسلف،
فلا نخضع لتأويل المقلدين، بل نقول: انّ هنا تساباً وتكاذباً بين أبي بكر
وعمر وعلي وهم من الخلفاء الراشدين، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهي سيدة
نساء أهل الجنة، والعباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي يستسقى به عمر، ولا يمكن
الحكم بصحة أقوال الطرفين، بل الاطراف الثلاثة:
(1) الشيخين وعباس وعلي.
(2) الشيخين وفاطمة.
(3) عباس وعلي.
فلا بد من الحكم بعدم عدالة بعض الاطراف إن صحت هذه
____________
(1) هذه الالفاظ تدلّ على انّ عليّاً والعباس يكذبان بالحديث المذكور، وما قيل في
تأويلها ضعيف سخيف لا يجوز اضاعة الوقت بنقله ونقده، فلاحظ شرح النووي
على المقام وكذا غيره.
(2) صحيح مسلم 1757 كتاب الجهاد.
( 231 )
الاحاديث، ولك أن تقول بطرف رابع وهو رواة البخاري ومسلم. وقد نقل
النووي عن القاضي عن المازري: انّه إذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب
الى رواتها، وقد حمل هذا المعنى بعض الناس (يريد به البخاري) على انّ
ازال هذا اللفظ من نسخته! فحينئذ لا يخلو الامر عن واحد من ثلاثة:
إمّا كذب الرواة، فلا اعتماد على الصحيحين واحاديثهما رغم اصرار
المقلدة ومدّعي العلم، وإمّا عدم عدالة الخليفتين والعباس، وإمّا عدم عدالة
علي وفاطمة، ولا رابع عند العاقل المحقق البصير فلك الخيار في اختيار
اي الاُمور شئت، والله الموفق وهو العاصم، وأمّا تصرف البخاري في الفاظ
الحديث فهو أمر قبيح يسلب الاعتماد عن امانته واحاديث كتابه.
اصل اختلاف الاُمّة
(465) عن عائشة: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته
فلم تكلّمه حتى توفّيت، وعاشت فاطمة بعد النبي ستة أشهر، فلمّا توفّيت
دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها. وكان لعلي من
الناس وجه في حياة فاطمة، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس،
فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاَشهر، فارسل
الى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية لمحضر عمر.
فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك... وما عسيتهم ان يفعلوا
بي، فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال: انّا عرفنا فضلك...ولكنك
استبددت علينا بالاَمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً... ولكنّا
نرى لنا في هذا الاَمر نصيباً فاستبد علينا فوجدنا في انفسنا...
(1) أقول:
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.
( 232 )
مدلول هذه الرواية الطويلة والمستفد منها اُمور نذكر بعضها:
1 ـ عدم مبايعة علي أبا بكر طيلة حياة فاطمة.
2 ـ عدم ايذان علي أبا بكر بوفاة فاطمة للصلاة عليها وتشييع
جثمانها.
3 ـ انكار الناس على مخالفة علي هو الوجه لالتماس المصالحة.
4 ـ تنفّر علي من عمر وكراهيته لحضوره.
5 ـ اعتقاد علي بنصيبه في أمر الخلافة.
6 ـ استبداد أبي بكر بالاَمر هو الذي وجد علي به على أبي بكر فلم
يبايعه.
7 ـ بقاء اثر التشاجر حول ما تركه النبي في نفس علي كما يظهر من
كلام أبي بكر الذي لم ننقله هنا، بل بقاؤه الى آخر أو أواسط خلافة عمر
كما عرفته من حديث مسلم، بل والى آخر عمره كما ربما يظهر من كلامه
في نهج البلاغة وغيره.
8 ـ وجود جمع من الصحابة مع علي في بيته، كما يظهر من تعبير
أبي بكر وعمر بضمير الجمع وكذا من تعبير علي
(1).
9 ـ اكتفاء علي في المصالحة بمجرد الحضور دون المبايعة، إلاّ أن
تستفاد البيعة من قول علي موعدك العشية للبيعة، الذي لم ننقله هنا.
ولجمع من علماء الشيعة أقاويل أُخرى لا نذكرها.
وانا لا اظن بصحّة هذا الرواية بتمامها، فانّ الاعتذار عن عدم البيعة
بالاستبداد غير لائق بمكانة علي العلمية والعملية، والحق انّ علياً لا يرى
____________
(1) ان ائتنا. ولا يأتنا. لا تدخل عليهم. وما عسيتهم ان يفعلوا بي. لآتينهم. فدخل
عليهم.
( 233 )
غيره أهلاً للخلافة، وحيثما استنكر وجوه الناس، وبقي هو وجماعته القليلة
منعزلين، ولم ير الصلاح في الحرب فاضطر الى المصالحة.
وامّا ما قيل في وجه عدم بيعته من تسلّط الحزن والهم عليه بوفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لحلفه على عدم لبس الرداء إلاّ للصلاة حتى يجمع القرآن
كلّه فلم يجد الفرصة للاجتهاد لوجوب البيعة! أو لكفاية غيره للبيعة فهو
ضعيف كضعف ما مرّ في كلام عائشة من استبداد أبي بكر بالخلافة، إذ كل
ذلك غلط، لا يجوز ترك بيعة الامام لاَجله لاَن من مات ولم يعرف امام
زمانه مات ميتة جاهلية، أيصح ان يحلف أحد على ترك واجب؟ أو يتركه
لحزنه؟ أو لعدم المشاورة معه؟ كلا.
(466) وعن الحارث... قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وانا آمركم بخمس الله أمرني
بها: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فانّه من فارق
الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه إلاّ ان يراجع...»
(1).
أقول: وقد فارق علي الجماعة ستة أشهر، فهل تظن به انّه يرى
الجماعة على حق ومع ذلك فارقها عناداً وتعصّباً واتّباعاً لهواه؟ أو يراهم
على غير حق فابتعد منهم.
تعقيب وتحقيق
دع عنك خرافة عبدالله بن سبأ بأن تحمّله كلّ ما وقع في صدر
الاسلام تحفظاً على عدالة الصحابة، فانّه لعب بالعقل والاَحاديث والتاريخ
واعيذك الله منه. والواقع انّ الصحابة هم الذين اختلفوا بينهم على الاتيان
بالكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، ثم في سقيفة بني ساعدة، ثم في موضوع
الخلافة (مع علي بخصوصة)، ثم في توريث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في جملة من
____________
(1) جامع الترمذي 2: 379.
( 234 )
مسائل اُخر، حتى توسعت الفتنة في زمان عثمان، وانجر الاَمر الى أن قتل
عثمان فيها، ولم تستقر الخلافة لعلي، فحاربه عائشة وطلحة والزبير
وغيرهم من الصحابة واتباعهم، ثم حاربه معاوية وعمرو بن العاص
وأقرانهما واتباعهما، ثم الخوارج، حتى قتله ابن ملجم الخارجي، ثم
استولى بنو اُميّة على سلطان الاسلام والمسلمين، فأفسدوا وعثوا وعتوا
عتوا كبيراً. فدع قصة عدالة الصحابة وابحث عن الحقيقة كما هي.
من القطعيات التي لا يشك فيها عاقل انّ موضوع الامامة والخلافة
هي اساس كلّ الاختلافات التي انجرت الى العداء والبغضاء، ثم الى
الحروب، وسفك الدماء، وهتك الاعراض، ونهب الاموال، والى التكفير
والتفسيق، والى تشعب المسلمين الى المذاهب والمسالك المتباعدة،وهي
التي حملت أقواماً على جعل الاحاديث، وتزوير الحقائق، وترويج الاباطيل،
والامر بالمنكر، والنهي عن المعروف، الى يومنا هذا في كل مكان. ولنعم ما
قيل: ما ذئبان ضاريان في غنم غاب رعاؤها عنها بأضرّ في دين الرجل المسلم
من حب الرئاسة. وهذا هو سرّ خوف النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته حيث أراد
أن يكتب ما لا تضل اُمّته بعده، فعصوا أمره، فوقعت الاُمّة في المصاعب
والمصائب الى يومنا هذا (
وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
وممّا لا شك فيه أيضاً انّ خلافة أبي بكر لم تكن مقبولة عند
الجميع، بل في الانصار من يطلبها لنفسه، وفي المهاجرين كان علي يرى
نفسه أحقّ بها من كلّ أحد، ولم يقبل خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بطيب
نفسه يوماً كما يظهر ذلك من كلماته الكثيرة ومن افعاله المتكررة، ونحن
( 235 )
نذكر هنا ما ذكره ابن قتيبة الدينوري
(1) ـ الذي كان في عصر البخاري ومات
بعده بعشرين سنة ـ في كتابه المشهور (الامامة والسياسة).
قال في ضمن كلام طويل له:
ثم بعث اليه (اي الى سعد بن عبادة) أبو بكر رضي الله عنه أن أقبل فبايع، فقد
بايع الناس وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكلّ سهم في
كنانتي من نبل، واخضب منكم سناني ورمحي، واضربكم بسيفي ما ملكته
يدي، واقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو انّ الجن اجتمعت لكم
مع الانس ما بايعتكم حتى اعرض على ربّي واعلم حسابي، فلما اُتي بذلك
أبو بكر من قوله: قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك.
فقال لهم بشير بن سعد: انّه قد أبى ولجّ، وليس يبايعك حتى يقتل،
وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى
تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الاوس، فلا تفسدوا على
انفسكم أمراً قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم وانّما هو رجل
واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه.
فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم، ولا يجتمع بجمعتهم، ولا يفيض
بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم
لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتى توفّى أبو بكر رحمه الله، وولي عمر بن الخطاب،
فخرج الى الشام فمات بها، ولم يبايع لاَحد رحمه الله.
وانّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الانصار الى علي بن أبي طالب
ومعهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ، وكانت اُمّه صفية بنت عبد المطلب، وانّما
كان يعد نفسه من بني هاشم، وكان علي كرّم الله وجهه يقول: مازال الزبير
____________
(1) صحيح البخاري رقم 213 ـ 276.
( 236 )
منّا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا. واجتمعت بنو اُميّة الى عثمان، واجتمعت
بنو زهرة الى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد الشريف
مجتمعين، فلمّا أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال
لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتى، قوموا فبايعوا أبا بكر قد بايعته
وبايعه الانصار، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني اُميّة فبايعوه، وقام سعد
وعبدالرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوه، وأمّا علي والعباس بن
عبدالمطلب ومن معهما من بني هاشم انصرفوا الى رحالهم ومعهم الزبير بن
العوام، فذهب اليهم عمر في عصابة فيهم اسيد بن حضير وسلمة بن اسلم،
فقالوا: انطلقوا فبايعوا أبا بكر فأبوا، فخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه بالسيف، فقال
عمر رضي الله عنه : عليكم بالرجل فخذوه، فوثب عليه سلمة بن اسلم فأخذ السيف من
يده فضرب بالجدار، وانطلقوا به فبايع، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا.
اباية علي كرّم الله وجهه بيعة أبي بكر رضي الله عنهما
ثم انّ عليّاً كرّم الله وجهه اُتي به الى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله
وأخو رسوله، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: انا أحقّ بهذا الامر منكم، لا
ابايعكم، وانتم اُولى بالبيعة لي، اخذتم هذا الاَمر من الانصار واحتججتم
عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم
للانصار انّكم أولى بهذا الامر منهم لما كان محمّد منكم فاعطوكم المقادة
وسلموا اليكم الامارة، وانا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار،
نحن أولى برسول الله حيّاً وميتاً، فانصفونا ان كنتم تؤمنون وإلاّ فبوءوا
بالظلم وانتم تعلمون.
فقال له عمر: انّك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده
( 237 )
عليك غداً، ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا ابايعه.
فقال له أبو بكر: فان لم تبايع فلا اكرهك.
فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرّم الله وجهه: يا بن عم انّك حديث
السن، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور، ولا
أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الامر منك وأشد احتمالاً واضطلاعاً به، فسلّم
لاَبي بكر هذا الامر، فانّك إن تعش ويطل بك بقاء، فانت لهذا الامر خليق
وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
فقال علي كرّم الله وجهه: الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا
سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته الى دوركم وقعور بيوتكم، ولا
تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن
أحقّ الناس به، لاَنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الاَمر منكم ما كان فينا
القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع
بأمر الرعية، المدافع عنهم الامور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله انّه
لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا.
فقال بشير بن سعد الانصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الانصار
منك، يا علي قبل بيعتها لاَبي بكر ما اختلف عليك اثنان.
قال: وخرج علي كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
على دابة ليلاً في مجالس الانصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون يا بنت
رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو ان زوجك وابن عمك سبق الينا
قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرّم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بيته لم ادفنه واخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت: ما صنع أبو الحسن
إلاّ ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ماالله حسيبهم وطالبهم.