حول الحارث وجابر
(546) عن الشعبي قال: حدّثني الحارث الاَعور الهمداني وكان
كذّاباً
(1).
(547) عن إبراهيم: قال علقمة: قرأت القرآن في ثلاث سنين، فقال
الحارث: القرآن هين، الوحي أشد
(2).
(548) وعنه: انّ الحارث قال: تعلّمت القرآن في سنتين والوحي في
سنتين. أو قال: الوحي في ثلاث سنين والقرآن في سنتين
(3).
وفي شرح النووي عن القاضي عياض... لاحتماله الصواب، فقد
فسّر بعضهم الوحي بالكتاب ومعرفة الخط قاله الخطابي يقال: أوحى
ووحى إذا كتب، وعلى هذا ليس على الحارث في هذا درك... ولكن لما
عرف قبح مذهبه وغلوّه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصية إلى علي رضي الله عنه
وسر النبي صلى الله عليه وسلم اليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع غيره عليه
(4) بزعمهم
سيء الظن بالحارث في هذا
(5)...
أقول: فلا دليل على كذب الحارث سوى اعتقاده بما ذكر، ولاَجله
اعتمد عليه أبو داود في سننه
(6).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 98.
(2 و3) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 99.
(4) قد صح وتقدم انّ علياً أخبر عن صفات مقتول من رؤوس الخوارج فكان كما
قال، وهذا العلم لم يحصل له من عند نفسه بل سرّ أسرّه اليه رسول الله (ص) ولم
يسرّ إلى غيره. وتقدم أيضاً في ص 263 دلالة الاَحاديث على كونه وصيّاً للنبي (ص)
في بعض الامور، وسيأتي أيضاً.
(5) شرح النووي 1: 99.
(6) انظر سنن أبي داود: حديث (2076) كتاب النكاح، وكذا ابن ماجة في موارد من سننه
انظر رقم 483، وكتاب الطب برقم 3501 و3533، وفي الزهد برقم 4154، وغير ذلك.
( 299 )
(549) وعن جرير: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه، كان
يؤمن بالرجعة
(1).
(550) عن سفيان: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما
أظهر، فلمّا أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه وتركه بعض الناس.
فقيل له: وما أظهر؟
قال الايمان بالرجعة
(2).
(551) عن الجراح: يقول سمعت جابراً يقول عنده سبعون ألف
حديث عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم كلّها
(3).
وفي شرح النووي: أبو جعفر هذا هو محمّد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب، رضي الله عنه ، المعروف بالباقر، لاَنّه بقر العلم أي شقه وفتحه،
فعرف أصله وتمكّن فيه.
(552) وعن سلام: يقول سمعت جابراً الجعفي يقول: عندي
خمسون ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
(4).
(553) وعن سفيان قال: سمعت رجلاً سأل جابراً عن قوله عزّ وجلّ:
(
فلن أبرح الاَرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير
الحاكمين)
(5) فقال جابر: لم يجيء تأويل هذه.
قال سفيان: وكذب.
فقلنا لسفيان: وما أراد بهذا.
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 101.
( 2 و 3 ) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 102.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 103.
(5) يوسف 12: 80.
( 300 )
فقال: انّ الرافضة تقول انّ علياً في السحاب فلا نخرج مع من خرج
من ولده حتى ينادي مناد من السماء ـ يريد علياً انّه ينادي: اخرجوا مع
فلان ـ يقول جابر: فذا تأويل هذه الآية...
(1)
أقول: في شرح النووي عن الاصمعي وغيره: سمّوا رافضة لانّهم
رفضوا زيد بن علي فتركوه
(2).
وقال: الرجعة بفتح الراء، ونقل عن الاَزهري وغيره لا يجوز فيها إلاّ
الفتح، وحكي الكسر أيضاً. وأمّا رجعة المرأة المطلقة ففيها لغتان: الكسر
والفتح.
واعلم انّ في المقام أموراً:
(الاول): ان معظم علماء الشيعة الامامية يقبلون روايات أهل السنة
إذا كان رواتها ثقات صادقين، بل يكتفي بعضهم بمجرد اثبات صدقهم ولا
يتوقفون عن العمل بالروايات المروية عن الصادقين لاَجل كونهم من أهل
السنة وهذا من انصافهم وتجنبهم عن العصبية الباطلة، وأمّا علماء أهل
السنة ففي قبولهم روايات الشيعة إذا كانوا صادقين وثقات اختلفوا على
أقوال أضعفها عدم القبول مطلقاً، كما يظهر من هذه الروايات المنقولة في
حق الحارث وجابر، مع انّ جماعة من رواة البخاري ومسلم شيعة.
(الثاني): انّ دعوى الوصية لا توجب فسقاً وباطلاً فانّها ممّا اختلف
فيها الانظار، وقد تحقق انّ القائل بها جماعة من الصحابة ولا دليل على
انكارها سوى العصبية. وكذا دعوى اسرار النبي إلى علي الوحي وعلم
الغيب وما لم يطلع عليه غيره لا يوجب الفسق إذ لا دليل على بطلانها،
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 102.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 103.
( 301 )
كيف ومرّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى أبي هريرة وعائين من العلم، وانّه لم يبث إلاّ
وعاء واحداً ولو بث الوعاء الثاني لقطع حلقومه، وكذا مرّ اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما
يكون إلى يوم القيامة لجمع من الاصحاب، فكيف يقبل هذا ولا يقبل ذاك؟
وما هو الفارق بينهما سوى العصبية البغيضة، فهل يحصل الائتلاف والاتحاد
بين المسلمين بهذا التفريق، وهل يرضى به نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم أو ربّنا جلّ
جلاله؟ وهل يرضى مسلم عاقل أن نقبل كلّ ما يقول أبو هريرة ولا نقبل ما
ينقل عن علي وأولاده العلماء الصالحين؟
(الثالث): نفرض الرجعة باطلة لكنّها لا علاقة لها بردّ الاَحاديث
الكثيرة المروية عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فان بطلان الآراء لا يضر
بصحة الروايات إذا كان الراوي مسلماً صادقاً، وهل يمكن لاَحد أن يدعي
أنّ رواة الكتابين وغيرهما كلّهم بريئون عن الآراء الباطلة مطلقاً؟ أليس
عمران بن الحطان الخارجي يروي عنه البخاري مع انّه يمدح قاتل علي بن
أبي طالب بقوله:
ياضـربة من تقـي ما أراد بها * إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
انّي لاَذكره يــوماً فأحســبه * أوفى البـرية عنــد الله ميزانا
هل الحارث وجابر أسوأ من مروان بن الحكم؟ وقال العجلي في حق
عمر بن سعد الذي قاد الجيش إلى كربلاء وباشر قتال الحسين سيد شباب
أهل الجنة وأهله وأصحابه: تابعي ثقة، روى عنه الناس!! ولو دخلنا في
هذا الباب لطال بنا الكلام، لعن الله العصبية الحمقاء ورزقنا الله الانصاف
وحب الحقّ واتباعه وان يصلح أمر هذه الامّة باصلاح علمائها أولاً وبتبدل
اُمرائها ثانياً.
وعلى كلّ، فقد اعتمد على جابر ابن ماجة في السنن فروى عنه في
( 302 )
عدة موارد، منها في كتاب التجارات رقم 2241، وفي الديات برقم 2447،
وفي تعبير الرؤيا برقم 3905، وفي كتاب النكاح برقم 1911، وغير ذلك.
(الرابع): انّ ما نقله سفيان عن الرافضة (الشيعة): انّ
عليّاً في السحاب
، ونقله النووي في شرحه عن القاضي عياض شيء يبرأ منه الشيعة
ويقولون انّه من مفتريات أعدائهم عليهم، وأنا اُكذب أيضاً هذا النقل عنهم،
فانّي بعد تتبّعي الشديد في كتبهم الكلامية والاعتقادية وكتب أحاديثهم لم
أجده، بل وجدت في بحار الاَنوار انّه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة يعتم بها يقال لها
السحاب: فكساها عليّاً، وكان ربّما طلع فيها فيقول: «أتاكم علي في
السحاب» يعني عمامته التي وهبها له
(1). ولم أجد شيعياً يعتقد انّه في
السحاب على ما نسب اليهم سفيان والقاضي سامحهما الله.
وبهذه المناسبة أريد أنّ أنصح المحقّقين والمتتبعين في عقائد أهل
المذاهب أن لا يكتفوا بما نقل في كتب غيرهم فانّ كثيراً من أهل المذاهب
لا يتورعون عن الكذب والمغالطة والمبالغة في ابطال سائر المذاهب
وتقبيحها بكل وجه أمكنهم وعليه شواهد كثيرة ولو أراد أحد استيفائها
لاحتاج إلى تأليف، فلابدّ لفهم آراء أهل المذاهب ـ بل الاَديان ـ من
مراجعة كتبهم نفسها ولا يعتمد على ما ينقل عنهم غيرهم.
بناء الاسلام على الخمس
(554) عن عبدالله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الاِسلام على
خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، واقام الصلاة،
وايتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»
(2).
____________
(1) بحار الانوار 16: 251.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 183.
( 303 )
(555) وعن ابن عباس... قال صلى الله عليه وسلم: «آمركم بأربع... الايمان بالله» ثم
فسّرها لهم فقال: «شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله، واقام
الصلاة، وايتاء الزكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم...»
(1).
أقول: الشهادة إسلام، والاِيمان اعتقاد.
(556) وعن أبي ذر: قلت يا رسول الله أي الاَعمال أفضل؟ قال:
«الايمان بالله، والجهاد في سبيله...»
(2).
ولاحظ المصدر تجد بقية الاحاديث فيه باختلاف في ترتيب تفاضل
الاعمال.
تنقيص النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم
(557) وعن أبي هريرة... فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم... فاذا ربيع يدخل في
جوف حائط من بئر خارجة، والربيع الجدول فاحتفزت
(3) كما يحتفز
الثعلب!، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم... فقال: «يا أبا هريرة اذهب بنعليّ
هاتين ممّن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها
قلبه فبشره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر... فضرب عمر بيده بين
ثديي فخررت لاَستي!!، فقال: ارجع يا ابا هريرة، فرجعت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء... قال عمر: يا رسول الله... أبعثت أبا هريرة
بنعليك... قال: «نعم» قال: فلا تفعل فانّي اخشى أن يتكل الناس عليها
فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فخلهم»
(4).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 183.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 73.
(3) أي تضاممت وجمعت بدني.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 234 ـ 240.
( 304 )
أقول: المستفاد من هذه الرواية امور:
1 ـ انهيار شخصية أبي هريرة عند نفسه حيث يشبه نفسه بالثعلب
ويذكر استه واجهاشه بالبكاء، ومن يحقّر نفسه هكذا فلا يسلم من الكذب
والدناءة لا محالة.
2 ـ اعطاء النعلين له للعلامة على صدقه، وهذه اهانة اخرى له كما لا
يخفى، إنْ لم يكن قد كذب في خبره.
3 ـ كثرة اشفاق عمر على الدين والموحدين من اشفاق النبي صلى الله عليه وسلم على
الدين والاُمّة.
4 ـ انّ عمر أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم بتدبير الموحدين واصلاح حالهم.
أليس هذا منافيّاً لتوقير النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم واهانة له؟ وجعله محكوماً
وجعل عمر حاكماً.
ثم انّ مضمون الحديث رواه غيره أيضاً، ولم ينقل عن السامعين أنّ
أحداً منهم ترك العمل الصالح اتكالاً عليه، وقد خفي على الواضع انّ الشهادة
بالتوحيد مستيقناً يمكن انفكاكها عن العمل الصالح والاجتناب عن المحرمات،
فانّ اليقين بالله أعظم حاجز عن المعصية واكبر داع إلى الطاعة، وانّ منشأ
العصيان هو الشكّ والنبي الاَكرم قيّد الشهادة باليقين، فكيف يعقل انصرافه عن
أمره بقوله صلى الله عليه وسلم: «فخلهم؟!» على انّ النبي الاَكرم ـ كما في قوله تعالى ـ: (
وما
ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى)
(1)، فيجب على كلّ مسلم الطاعة
والقبول، فكيف صحّ لمسلم أن يقبل كون عمر آمراً والنبي صلى الله عليه وسلم مأموراً مثلاً
(2).
____________
(1) النجم 53: 3.
(2) وحديث أبي ذر أوسع من هذه الرواية، وقد أفشاه أبو ذر وحدّث به ولم يضل به
الناس وفيه: «ما من عبد قال لا إله إلاّ الله ثم مات على ذلك إلاّ دخل الجنة».
=
( 305 )
5 ـ انّ عمر ضرب أبا هريرة، وضرب المسلم بلا وجه حرام، فإمّا أن
يكون عمر ارتكب محرّماً، وإمّا انّه يعرف انّ أبا هريرة مستحقاً للضرب.
والثاني أولى عند أهل الخبرة!
وجوب الاَمر بالمعروف
(558) أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصلاة مروان، فقام اليه رجل فقال:
الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد... سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فان لم يستطع
فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الايمان»
(1).
أقول: وفي شرح النووي: وقيل أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصلاة
عثمان رضي الله عنه ، وقيل عمر رضي الله عنه لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا
ينتطر الخطبة... وقيل أوّل من فعله معاوية، وقيل فعله ابن الزبير.
وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: «فليغيّره» فهو أمر ايجاب باجماع الاُمّة ولم يخالف
في ذلك إلاّ بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم كما قال الامام أبو المعالي امام
الحرمين: لا يكترث بخلافهم...
(2).
____________
=
قلت: وإن زنى وسرق.
قال: «وإن زنى وسرق».
قلت: وإن زنى وسرق.
قال: «وإن زنى وسرق».
قلت: وإن زنى وسرق.
قال: «وان زنى وسرق» ثلاثاً ثم قال في الرابعة: «على رغم أنف أبي ذر».
صحيح مسلم بشرح النووي 2: 94. فما هو موقف عمر وأبي هريرة تجاه هذا
الحديث؟
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 21 ـ 25.
(2) شرح النووي 2: 21 و 22.
( 306 )
أقول: أمّا بدعة مروان الاموي فلا كلام لنا عليها فلمروان افعال أكبر
منها، وقد ادّعى بعضهم الاجماع على تقديم الصلاة عليها كما نقله النووي،
وهو كذلك.
وأمّا نسبة عدم وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى بعض
الرافضة فلم افهم مراده من هذا البعض، فان الشيعة الامامية ـ كما يظهر من
كتب احاديثهم وفقههم ـ متفقون على وجوبها بلا خلاف، بل عدّوهما من
أعظم الواجبات العشرة (الصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، والخمس،
والصوم، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتولي، والتبري) فأي
فائدة في هذه الافتراءات بين الطائفتين المسلمتين. واكبر من هذا ادعائه
وادعاء امامه بعدم الاعتداد في اجماع الاُمّة بمخالفة الرافضة (الشيعة) وهم
ما يقرب من مائة مليون مسلم في البلاد الاسلامية؟! ولهم علماء مجتهدون
وافاضل محققون، وربما أفرط بعض كتاب الشيعة أيضاً فيدعون الاجماع
ولا يعتدون بمخالفة علماء أهل السنة، وانا أقول أي منفعة للاسلام
والمسلمين في هذا التحقير المتبادل؟ فهل اصبحنا رحماء على الكفّار
أشدّاء بيننا؟ نعوذ بالله منه.
وعلى كلّ، لا يفهم معنى القول المنسوب اليه صلى الله عليه وسلم: «وذلك اضعف
الايمان» بعد فرض كونه غير مستطيع باليد واللسان، ولذا أوّله بعضهم بأقله
ثمرة!
هل الايمان يمان؟
(559) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاء أهل اليمن هم أرق
( 307 )
أفئدة، الايمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية»
(1).
أقول: ورواه البخاري أيضاً (برقم 3308 فضائل الصحابة) بحذف
الجملة الوسطى، فالحديث متفق عليه بين الشيخين، لكنّه كذب لفقّه أبو
هريرة لمدح أهل اليمن فانّه يمني، والعجب منهما كيف ابتليا بالغلو في
حق من يسمّى بالصحابي، وكلّ عاقل يعرف انّ الايمان مكي ومدني والفقه
مدني وكذا الحكمة ان اريد بها ما أراده الله منها في كتابه، وان اريد بها
الفلسفة فهي يونانية، نعم ايمان أبي هريرة يمان.
ومن بدائع الغلو تفسير اليمن بمكة أو بها وبالمدينة صوناً لكذب
شيخ المضيرة! ولكن للشيخ انتاج آخر حول يمنه اسمع له: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «انّ الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحداً في قلبه
مثقال ذرة (حبة) من ايمان إلاّ قبضته»
(2).
أقول: وعلى هذا فالموت أيضاً يمان! لكن عبدالله بن عمرو يحدّث
في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل
الشام، فلا يبقى على وجه الاَرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو ايمان
إلاّ قبضته...»
(3).
أقول: فاختر كذب أحد النقلين ولا تكن من المقلّدة المتأوّلين الذين
يبنون على الاَوهام.
اثر التكفير
(560) عن ابن عمر: انّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 40.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 132.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 76.
( 308 )
بها أحدهما»
(1).
لا ترجعوا بعدي كفاراً
(561) عن جرير: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع: «استنصت
الناس» ثم قال: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»
(2).
كذبة اُخرى
(562) عن أبي هريرة قال: لمّا انزلت هذه الآية: (
وانذر عشيرتك
الأَقربين)
(3) دعا رسول الله قريشاً... يا بني هاشم انقذوا أنفسكم من
النار... يا فاطمة انقذي نفسك من النار فاني لا أملك لك من الله شيئاً غير
أن لكم رحماً سأبلها ببلالها
(4).
ورواه عن عائشة بتفاوت وفيه: قام على الصفا فقال: «يا فاطمة بنت
محمّد ويا...».
أقول: أبو هريرة لم يكن في مكة وعائشة لم تكن قد ولدت، فانّى
لهما نقل هذه الروايات جازماً؟ والذي يدل على انّ هذا الحديث بتمام
اسانيده موضوع، انّ فاطمة لم تولد في أوائل البعثة، وحاشا النبي الحكيم
أن يخاطب المعدوم! ولو فرض ـ فرضاً بعيداً جداً ـ ولادتها انذاك فقد
كانت طفلة لا تصلح للخطاب المذكور.
هل يؤاخذ باعمال الجاهلية؟
(563) عن عبدالله: قال اناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أنؤاخذ بما
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 49.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 55.
(3) الشعراء 26: 214.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 80.
( 309 )
عملنا في الجاهلية؟ قال: «أما من احسن منكم في الاسلام فلا يؤاخذ بها،
ومن أساء أُخذ بعمله في الجاهلية والاسلام»
(1).
وفي شرح النووي نقلاً عن جماعة من المحققّين: انّ المراد
بالاحسان هنا الدخول في الاسلام بالظاهر والباطن جميعاً، وان يكون
مسلماً حقيقياً، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز،
والحديث الصحيح: «الاسلام يهدم ما قبله» وباجماع المسلمين، والمراد
بالاساءة عدم الدخول في الاسلام بقلبه... فهذا منافق باق على كفره
فيؤخذ بما عمل في الجاهلية.
أقول الحديث ورد من طريق الشيعة أيضاً فقد أخرجه البرقي في
محاسنه بسند صحيح عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (الباقر) قال:
انّ اناساً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلموا فقالوا: يا رسول الله أيؤخذ الرجل
منّا بما عمل في الجاهلية بعد اسلامه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «من حسن اسلامه وصح
يقين ايمانه لم يأخذه الله بما عمل في الجاهلية، ومن سخف اسلامه ولم
يصح يقين إيمانه أخذه الله بالاَول والآخر»
(2). وفي المقام بحث.
الهم بالسيئة
(564) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من همَّ بحسنة فلم يعملها
كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة
ضعف، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وان عملها كتبت»
(3).
أقول: وللحديث ألفاظ مختلفة رواها أبو هريرة، ورواه عبدالله بن
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 135.
(2) بحار الانوار 70: 177.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 149.
( 310 )
عباس أيضاً ولفظه: «وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة».
ورواه الشيعة أيضاً بالفاظ واسانيد، ولا كلام في الحديث إلاّ في الهمّ
بالسيئة إذا لم يعملها، فقد اختلف فيه الباحثون من الشيعة والسنة، فقيل:
انّ من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه،
ويحمل ما في الاَحاديث على مجرد الخطور والمرور في الفكر.
ويقول النووي: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين واخذوا بظاهر
الحديث.
وقال القاضي عياض: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء
والمحدثين على الاَول للاحاديث الدالة على المؤاخذة باعمال القلوب،
وقالوا: انّ هذا العزم يكتب سيئة وليست السيئة التي همّ بها لكونه لم يعملها.
أقول: العقل يحكم بقبح التجري على الله تعالى وحسن الانقياد له، فقصد
المعصية والهم بها يستحق به العقاب عقلاً، ويؤيده أو يدلّ عليه قوله تعالى:
(
انّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم)
(1)
وقوله تعالى: (
ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)
(2) لكن
مقتضى هذه الاَحاديث العفو وحمل الهمّ على مجرد التفكر والتصور خلاف
الظاهر، وأما حرمة الحسد وسوء الظن وتحقير المسلمين وسائر أعمال القلب
فلا تدلّ على حرمة الهمّ المذكور كما تخيّله النووي وغيره، ومن اراد تحقيق
المقام فعليه أن يراجع مظانه، وليس كتابنا معداً المثل هذه المباحث.
نزول عيسى عليه السلام واقتداؤه بإمامنا
(565) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف انتم إذا نزل ابن
____________
(1) النور 24: 19.
(2) البقرة 2: 284.
( 311 )
مريم فيكم وامامكم منكم»
(1).
أقول: لاَبي هريرة في ذلك ألفاظ مختلفة كعادته في سائر الاَحاديث،
وروى انّه عليه السلام ينزل حكماً وعادلاً ومقسطاً، يكسر الصليب، ويقتل
الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد!
(566) وعن جابر بن عبدالله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال
طائفة من اُمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة».
قال: «فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا،
فيقول: لا، انّ بعضكم على بعض اُمراء تكرمة الله هذه الاُمّة»
(2).
الردّ على الوهابية
(567) عن أبي هريرة: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال:
«السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون...»
(3).
أقول: في خطاب الاَموات بصيغة التخاطب (عليكم ـ بكم) ردّ على
ما تفوه به الوهابية.
المسح على الخفين
(568) عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على
الخفّين، فقالت: عليك بعلي بن أبي طالب فانّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة
للمقيم
(4).
وفي رواية اخرى: فقالت: ائت علياً فانّه أعلم بذلك مني
(5).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 193.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 194.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 140.
( 4 و 5 ) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 175.
( 312 )
أقول: كل من تعمق في حال عائشة يعلم بانّها لا ترضى بذكر علي
فضلاً عن اعترافها بأعلميّته منها، والذين سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم خلق كثير
منهم أبوها فأيّ وجه للتخصيص بعلي، فالمظنون قوياً انّ الحديث
موضوع، وانّما وضعه من وضعه للرد على الشيعة الناقلين عن علي انّه يرى
بطلان الوضوء والصلاة بالمسح على الخفين، وانّه أوجب المسح على
الرجلين مستدلاً بانّه سبق الكتاب الخفّين، يريد به انّ آية الوضوء في سورة
المائدة نسخت المسح على الخفين، والشيعة أعلم بمذهب علي.
عدم وجوب الغسل بالدخول
(569) عن اُبيّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: انّه قال في الرجل يأتي أهله ثم لا
ينزل، قال: «يغسل ذكره ويتوضّأ»
(1).
ورواه عن أبي سعيد الخدري بهذا المعنى بألفاظ اُخر وفيه: «إذا
اعجلت أو اقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء»
(2).
وعليه، فلا يجب الغسل بالدخول المجرد عن الاِمناء ولا معه في
فرض العجلة ويكفيه الوضوء، ويدل على الاول ما رواه عثمان عنه صلى الله عليه وسلم
وأبو أيوب، وهذا مخالف للقرآن، ولما رواه أبو هريرة وعائشة
(3)، وما نقل عن
المهاجرين، وللاجماع المذكور في كلام النووي.
أقول: ومن يدّعي انّ احاديث الصحيحين مقطوعة الصحة فهو متهم
في عقله!
ثم تحكي عائشة: انّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 39.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 37.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 40 ـ 41.
( 313 )
ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنّي
لاَفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل»
(1).
أقول: من يعتقد وقار النبي الخاتم يعتقد كذب هذه القصة وانّها من
تخيل عائشة التي افتقدت زوجها في شبابها، فانّه صلى الله عليه وسلم أجل من أن يتكلّم
بهذه الكلمات، على انّه مخالف لما مرّ عن أنس من انّه صلى الله عليه وسلم أعطى قوة
ثلاثين، وانّه يدور على نسائه في الساعة الواحدة كما قصه رواة البخاري.
الاَذان
لاحظ الاَحاديث الواردة في صفة الاَذان
(2) فانّها متعارضة ومتضاربة
أولاً وليس فيها الجملة المخترعة (الصلاة خير من النوم) ثانياً ويقول أبو
هريرة على ذوقه العام: انّ الشيطان إذا سمع صوت النداء بالصلاة أحال له
ضراط حتى لا يسمع صوته... ولكنه لا ينسبه إلى كيسه بل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
حول البسملة وموقف علي
(570) عن أنس بن مالك: صلّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله
الرحمن الرحيم في أول قراءتها ولا في آخرها.
أقول: لا نبحث عن البسملة وهل تجب قراءتها في الصلاة أم لا ـ
وإن كان الحق عندي انّها آية قرآنية في كل سورة قرآنية، وتجب قراءتها
على المصلّي، وتركها عمداً يوجب بطلان الصلاة ـ وانّما نبحث عن سيرة
جمع من الصحابة والرواة وأرباب الصحاح في ترك ذكر علي في عداد
الخلفاء، وهذا الترك عمدي، وكلّ من تعمّق في الصحاح يعلم انّه لا شأن
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 42.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 79 في أول كتاب الصلاة.
( 314 )
لعلي عندهم، وان انظار الصحابة والرواة إلى الخلفاء الثلاثة فقط! وهل لم
يصلّ انس خلف علي حتى لا يحكي عنه؟! وهكذا عبدالله بن عمر
وعبدالله بن عباس
(1) ـ لو صح ما نسب اليه في الصحاح ـ وغيرهما حيث
يقتصرون على ذكر أفعال الثلاثة فقط، وتصدق الشيعة حيث تقول انّ أهل
السنة انّما يرون عليّاً خليفة بالقول فقط.
وأقول انا: لولا مخافة عبدالله بن عمر وأبي هريرة وأنس وابن الزبير
وغيرهم من تكذيب الناس لهم لقالوا بأفضلية معاوية ويزيد من علي،
وهذه السيدة عائشة تبغض عليّاً إلى حدّ لا ترضى بأن تذكر اسمه، بل
حاربته وكانت تحرض العسكر على قتل علي ومن معه من الاَصحاب وأهل
بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا ُأقسم صادقاً لو فوض عثمان أمر الخلافة إلى مائة من
الصحابة من بعده لم يختاروا عليّاً للخلافة أصلاً لا في المرة الرابعة ولا في
المرة الرابعة والاربعين، وانّما بلغت الخلافة اليه في ظروف تهدّمَ فيها
النظام السائد وقام الناس غضباً وغيضاً على اللاعبين فبايعوه، وان شئت
فقل ان خلافته جاءت بثورة جماهيرية اسلامية حطّمت كلّ ما تواطأ عليه
مخالفوه من الصحابة، وحينما نجحت الثورة الاسلامية تجدّدت الحركة
الرجعية في البصرة والشام. ومن يدّعي انّه لم يكن بين علي وحزبه وبين
مخالفيه عداوة ولا مخالفة سوى المخالفات الاجتهادية فهو مجنون لا يعقل
التأريخ المتواتر المقطوع. ومن يدّعي براءة ذمّة الطرفين المتخاصمين لاَجل
انّ كلاً منهما اجتهدوا فالمصيب له أجران والمخطيء له أجر واحد فهو
يريد تحقير الاسلام والعقل، نعوذ بالله من الغواية والعصبية والجهالة.
____________
(1) وعن ابن عباس: شهدت صلاة الفطر مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان...
صحيح مسلم بشرح النووي 6: 170 كتاب العيدين.
( 315 )
اعتقاد مسلم في كتابه
يقول مسلم في باب التشّهد حول حديث: فقال هو عندي صحيح،
فقال (أبو بكر): لِمَ لم تضعه ههنا؟ قال: ليس كلّ شيء عندي صحيح
وضعته ههنا، انّما وضعت ههنا ما اجمعوا عليه
(1).
أقول: فيعتقد مسلم انّ أحاديث كتابه ليست بصحيحة فقط بل هي
ممّا أجمع العلماء أو المحدثون عليها.
يقول النووي في شرحه: ثم قد يكسر هذا الكلام ويقال قد وضع
أحاديث كثيرة غير مجمع عليها، وجوابه انّها عند مسلم بصفة المجمع عليه،
ولا يلزم تقليد غيره في ذلك
(2).
هل أمَّ أبو بكر الناس في مرضه صلى الله عليه وسلم؟
روايات الصحاح في هذا البحث مختلفة، ففي بعضها: انّ أبا بكر
صلّى بالناس.
وفي بعضها: انّه صلى الله عليه وسلم وجد خفة فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر،
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر
بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر.
وفي بعضها: فاُتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اُجلس إلى جنبه (أي جنب
أبي بكر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير.
وفي حديث آخر: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي وأبو بكر إلى جنبه
وأبو بكر يسمع الناس
(3).
أقول: وللسيدة عائشة ان تقول كيف تشاء في خلافة أبيها ومن بعده
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 122.
(2) شرح النووي 4: 123.
(3) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4: 140 وما بعدها.
( 316 )
والناس يقبلون منها ولا يلتفتون إلى متناقض كلامها ولا يسألونها من أين
علمت قصد الناس وقصد أبيها انّهم اقتدوا بأبيها وأبوها بالنبي؟ ولم يقولوا
لها انّ مثل هذه الجماعة التي يكون الامام فيها مأموماً لاِمام آخر غير
مشروعة، على انّ قصتها معارضة بما ورد من لزوم جلوس المأمومين إذا
كان الاِمام جالساً
(1) وإذا كان أبو بكر مسمعاً فهل هو بقى على صلاته أو
أبطلها لاِسماع الناس بصلاة النبي؟ فيه وجهان، والمراد بالاسماع ظاهراً هو
اسماع تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الركوع ورفع الرأس عنه والهوي إلى السجود وعند
رفع الرأس عنه كما هو المعتاد اليوم في الجماعات الكبيرة، فأبو بكر أول
مسمع وأول مكبّر في الاسلام.
ثم انّ ما تدعيه عائشة من قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (انّ أبا بكر رقيق إذا
قرأ القرآن لا يملك دمعه). ضعيف، إذ لم ينقل أحد انّه بكى في صلاته وعند
مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفه ومرضه! والعجيب انّها تكذب نفسها وتقول:
والله ما بي إلاّ كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحقاً انّها كصواحب يوسف كما نقلتها نفسها «فانكن صواحب يوسف»
(2).
وللسيدة اختلاف آخر في كلامها فتارة تقول: انّه صلى الله عليه وسلم خرج بين عباس
ورجل آخر، وأخرى تقول: ويد له على الفضل بن عباس ويد له على
رجل آخر
(3).
وتأويلات المتأوّلين لا تقل عن سذاجة الجهال في قبول هذه الاَقاويل.
____________
(1) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4: 135.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 140.
(3) أي علي كرم الله وجهه كما صرّح به عبدالله بن عباس، لكنّ عائشة لا تسميه بغضاً
وعداء. وفي حديث آخر لها: بعث النبي صلى الله عليه وآله رجلاً على سرية... فيختم بقل هو
الله أحد... صحيح مسلم 6: 95 والظاهر انّه أيضاً علي!
( 317 )
والحق انّ كثرة رواية الصحاح عن امرأة تعترف بما عرفت في هذا
الكتاب ـ وان كانت زوجة الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم وبنت الخليفة ـ قلّلت من قيمة
الصحاح واعتبارها بل أساءت إلى عظمة الاسلام، إذ يقول المحللون غير
المسلمين انّ عمدة السنّة القولية ترجع إلى امرأة وخادم كأنس وتاجر لبطنه
كأبي هريرة وأمثالهم!! ثم انّ لعبدالله بن زمعة كلاماً آخر يخالف حديث
عائشة، واليك نصه:
(571) عن عبدالله بن زمعة: لما استعزّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في
نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة فقال: «مروا من يصلّي للناس»،
فخرج عبدالله بن زمعة فاذا عمر في الناس ـ وكان أبو بكر غائباً ـ فقلت: يا
عمر قم فصلّ بالناس، فتقدم فكبّر، فلمّا سمع رسول الله صوته... قال:
«فأين أبو بكر؟! يأبى الله ذلك والمسلمون...» وبعث إلى أبي بكر فجاء
بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة، فصلّى بالناس
(1).
وفي سند آخر: لمّا سمع النبي صوت عمر خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى اطلع
رأسه من حجرته ثم قال: «لا، لا، لا، ليصلّ للناس ابن أبي قحافة» قال
ذلك مغضباً
(2).
ومن يتعمق في هذه الاَحاديث يرى يد الجعل والوضع جلية.
أقول: واليك أحاديث متغايرة اُخرى حتى تعلم جديدة بعد جديدة:
(572) عن ابن عباس: لمّا مرض النبي صلى الله عليه وسلم... فقال: «ادعوا عليّاً»
قالت عائشة: يا رسول الله ندعو لك أبا بكر؟ قال: «ادعوه».
قالت حفصة: يا رسول الله ندعو لك عمر؟ قال: «ادعوه».
____________
(1) سنن أبي داود 4: 215 حديث 4660.
(1) سنن أبي داود: 4: 216 حديث 4661.
( 318 )
قالت اُم الفضل: يا رسول الله ندعو لك العباس؟ قال: «نعم».
فلمّا اجتمعوا رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فنظر فسكت؟! فقال عمر:
قوموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم جاء بلال يؤذنه بالصلاة...
قال ابن عباس: واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراءة من حيث كان بلغ أبو
بكر
(1).
أقول: في الحديث بحث يطول بنا المقام بتفصيله. واليك نموذج
آخر من هذه القصة في سنن النسائي:
(573) عن أنس: آخر صلاة صلاّها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلّى في
ثوب متوشّحاً خلف أبي بكر
(2).
(574) وعن عائشة: انّ أبا بكر صلّى للناس ورسول الله في الصف
(3).
(575) عن جابر: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وأبو بكر خلفه، فاذا
كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبّر أبو بكر ليسمعنا
(4).
(576) عن عائشة: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر فصلّى قاعداً وأبو
بكر يصلّي بالناس والناس خلف أبي بكر
(5).
(577) وعن جابر: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلّينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر
يكبّر ليسمع الناس تكبيره
(6).
(578) وعنه: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلّى الامام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا
____________
(1) سنن ابن ماجة: ح 1235.
( 2 و 3 ) سنن النسائي 2: 79.
(4) سنن النسائي 2: 84.
(5) سنن النسائي 2: 84. وانظر ص 100 و101 أيضاً.
(6) سنن أبي داود 1: 165.
( 319 )
صلّى الامام قائماً فصلوا قياماً»
(1).
ورواه أنس وأبو هريرة أيضاً.
قراءة السورة في الصلاة
(579) عن أبي قتادة: انّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الاَوليين من
الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، ويسمعنا أحياناً...
(2)
يدلّ الحديث لمكان لفظ (كان) على عادته صلى الله عليه وسلم بقراءة السورة التامة
في الركعتين الاَوليين في الظهرين وعلى جواز الاجهار ببعض الآيات فيهما.
عائشة وغيرها في ما يقطع الصلاة
(580) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة المرأة
والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرجل»
(3).
ويظهر من كلام عروة انّ القائل به جماعة، لكن عائشة لا تقبله
وتقص عن اعتراضها بين النبي صلى الله عليه وسلم والقبلة في وتره، والمظنون صحة قطع
الصلاة، ويشكل الاَعتماد على قصص عائشة وغيرها.
عرض الاَعمال عليه صلى الله عليه وسلم
(581) عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت عليَّ أعمال اُمتي
حسنها وسيئها فوجدت...»
(4).
بعض كلام عمر
(582) عن معدان... فان عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء
____________
(1) سنن أبي داود 1: 162.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 172.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 228.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 42.
( 320 )
الستة الذين توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، واني قد علمت انّ أقواماً
يطعنون في هذا الامر انا ضربتهم بيدي هذه على الاسلام، فان فعلوا ذلك
فاولئك أعداء الله الكفرة الضلال. ثم انّي لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من
الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما
أغلظ لي في شيء ما أغلظ فيه حتى طعن باصبعه في صدري فقال:
صلى الله عليه وسلم ياعمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء...»
(1).
هل كذب النبي صلى الله عليه وسلم
(583) عن أبي هريرة... فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة
يارسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّ ذلك لم يكن...» فقالوا:
نعم، فأتمَّ رسول الله ما بقي من الصلاة
(2).
أقول: فنفيه صلى الله عليه وسلم كان مخالفاً للواقع وان صدر عن سهو، والكذب
السهوي لا يستحق به العقاب لكنّه كذب، وإذا جاز عليه الكذب السهوي
في أقواله وافعاله يرتفع الاَمان عنها، وهذا يوهن مقام النبوة حتى إذا منعنا
سهوه في أفعاله الابلاغية عن ربّه.
فضل تسبيح الزهراء
(584) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سبّح في دبر كلّ
صلاة 33، وحمد الله 33، وكبّر الله 33، فتلك 99» وقال: «تمام المائة: لا
إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء
قدير، غفرت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر»
(3).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 53.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 69.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 95.
( 321 )
(585) وعن كعب، عنه صلى الله عليه وسلم: «معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر
كلّ صلاة مكتوبة: 33 تسبيحة، و33 تحميدة، و34 تكبيرة»
(1).
أقول: تقدم انّه ممّا علّمه النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً وفاطمة، والشيعة الامامية
يسمونه: (تسبيح الزهراء) ويواظبون عليه أشد المواظبة عوامهم وخواصهم.
همّ النبي بتحريق بيوت على قوم
لاحظ رواياته في باب فضل الجماعة
(2).
صلاة المسافر
(586) عن ابن عمر: قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر
بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته، ثم انّ عثمان صلّى بعد
أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلّى مع الامام صلّى أربعاً، وإذا صلاها وحده
صلّى ركعتين.
أقول: وهذا من ابن عمر نوع احتياط بين الشريعة وارضاء السلطة!
جواز التغنّي بالقرآن
لا حظ رواياته في ص78 وما بعدها ج6 من صحيح مسلم بشرح
النووي
اكثر النساء حطب جهنم
(587) عن جابر:... حتى اتى صلى الله عليه وسلم النساء فوعظهن... «فانَّ أكثركنَّ
حطب جهنم» فقامت امرأة... فقالت: لِمَ يا رسول الله ؟! قال: «لاَنّكنَّ
تكثرن الشكاة وتكفرنَ العشير»
(3).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 94.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 153 وما بعدها.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 6: 175.
( 322 )
(588) عن ابن عباس: قال محمّد صلى الله عليه وسلم: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر
أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء»
(1).
(589) وعن اسامة:... «وقمت على باب النار فاذا عامة من دخلها
النساء»
(2).
(590) وعن ابن عباس: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انّ أقل ساكني الجنة
النساء»
(3).
أقول: كون أكثر النساء في النار لا يبعد انّه من وضع الوضّاعين فانهن
لضعف عقولهن أولى بالرحمة، على انّ تكثير الشكاية وكفران العشير لا
يوجب دخول النار كما لا يخفى.
عدد التكبير على الميت
(591) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال كان زيد يكبّر على جنائزنا
أربعاً، وانّه كبّر على جنازة خمساً، فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكبّرها
(4).
أقول: لفظ (كان) يدلّ على العادة والدوام، لكن قال النووي: انّ هذا
الحديث بعد زيد بن ارقم منسوخ بالاجماع.
أقول: من نسخه؟ وكيف نسخ، وما معنى كلمة بعد زيد؟ واجتنبوا
قول الزور.
بناء القبر
(592) عن الاَسدي: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما
بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ
____________
(1و2و3) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 53.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 26.
( 323 )
سوّيته
(1).
وفي حديث آخر: ولا صورة إلاّ طمستها.
(593) وعن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر، وان يقعد
عليه، وان يبنى عليه
(2).
هل أبوا النبي صلى الله عليه وسلم كانا مشركين؟
(594) عن أبي هريرة: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر اُمّه فبكى وابكى من حوله،
فقال: «استأذنت ربّي في أن استغفر لها فلم يوذن لي، واستأذنته في أن
أزور قبرها فاذن لي، فزورا القبور، فانّها تذكر الموت»
(3).
ومدلول الرواية: انّ أُمّ النبي كانت مشركة.
(595) عن أنس: انّ رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: «ابوك
في النار» فلمّا قفّى قال: «انّ أبي وأباك في النار!!»
(4).
خالد بن الوليد
(596) عن أبي سعيد الخدري:... فقام رجل... فقال: يا رسول الله
اتق الله... فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا اضرب عنقه؟
فقال: «لا، لعلّه أن يكون يصلّي».
قال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انّي لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا اشق
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 36.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 37.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 46.
(4) سنن أبي داود 4: 230 كتاب السنة، وروى نحوه ابن ماجه في سننه رقم 1573
كتاب الجنائز.
( 324 )
بطونهم...»
(1).
أقول: خالد سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فعل ما هو معروف منه.
اعتبار أُفق المكلّف في الصوم
(597) عن كريب:... فقدمت الشام... واستهل عليّ رمضان وأنا
بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر
فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنه ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟
فقلت: رأيناه ليلة الجمعة.
فقال: انت رأيته؟
فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية.
فقال: لكنّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزل نصوم حتى نكمل ثلاثين أو
نراه.
فقلت: أوَلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟
فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2).
جنابة الصائم
(598) عن عائشة: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو
جنب من غير حلم فيغتسل ويصوم
(3). وهكذا عن غيرها.
أقول: لا شك انّ الطهارة عن الجنابة شرط في صحة الصلاة وان
الجنابة مبطلة لها، ولا شكّ انّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجّد ويصلّي صلاة الليل،
فكيف يقال انّه صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب. ولا يبعد الحكم بكون هذه
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 163.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 197.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 223.
( 325 )
الرواية مجعولة موضوعة، فتأمل.
الصوم في السفر
عن جابر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السفر»
(1).
عن جابر: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان
فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه
حتى نظر الناس اليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: انّ بعض الناس قد صام،
فقال: «اولئك العصاة»
(2).
أقول: قد يقال انّ الحديث ظاهر في حرمة الصوم في السفر، كما انّ
ظاهر القرآن أيضاً عدم مشروعيته في السفر، وأمّا الاَحاديث الدالة على جوازه
في السفر فلا تتعارض مع هذا الحديث وان صلحت لمعارضة الحديث الاول،
فان الصالح لهذا الحديث هو الحديث الذي صدر بعد عام الفتح لا ما صدر
قبله أو شك في تأريخ صدوره، وانّى لنا باثبات تأريخ تلك الاَحاديث
المجوّزة، لا يقال انّ الصيام قد شق على الناس في السفر المذكور ـ كما زيد
في حديث آخر ـ فانّه يقال المورد غير مخصّص، والعبرة باطلاق كلامه صلى الله عليه وسلم.
وأمّا الفتوى، فعن بعض أهل الظاهر: عدم صحّة الصوم في السفر؛
لما قلنا من الآية والحديثين.
وعن الجمهور: جوازه.
ثم انّ المنقول عن مالك وأبي حنيفة والشافعي والاَكثرين: افضلية
الصوم لمن اطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر.
وعن جمع ـ منهم أحمد ـ: افضلية الفطر. وقيل: انّهما سواء. فلاحظ
شرح النووي.
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 233.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 232.