العباس بن علي
عليهما السلام
رائد الكرامة والفداء في الاسلام
تأليف
باقر شريف القرشي
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ تَحْسَبنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتاهُمُ اللهُ مِن
فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ
ألا خَوْفُ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
الإهـداء
إلى ... الفاتح العظيم الذي احتلّ قلوب
الناس وعواطفهم.
إلى ... أنشودة الاَحرار في كل زمان
ومكان.
إلى ... أبيّ الضيم ، وسيّد الشهداء الاِِمام
الحسين ( عليه السلام ) .
أرفع ـ بتواضع ـ هـذه الدراسة عن حياة
أبي الفضل العبّاس ( عليه السلام ) الذي جسّد في سلوكه مع
أخيه الحسين حقيق الاَخوة الصادقة ، ففداه
بنفسه ، ووقاه بمهجته ، راجياً التفضّل عليَّ بالقبول.
( 9 )
بين يديك
يا قمر بني هاشم وفخر عدنان
أنت ـ يا قدوة الثوار والاَحرار ـ قد تألقت في سماء هذا الشرف ،
رمزاً للبطولات ، وعنواناً للتضحية والفداء ، فقد رأيت الحكم الاَموي
السحيق يسوس المجتمع نحو الدمار الشامل ، يسحق الكرامات ، ويقضي
على الحريات ، ويمتصّ الاَقوات ويقود المجتمع إلى حياة بائسة لا ظلّ فيها
للعدل الاجتماعي والعدل السياسي ، فرفعت راية التحرير مع أخيك أبي
الاَحرار وسيّد الشهداء عليه السلام الذي جسّد آمال الشعوب وطموحاتها ، وسعى
لتحرير إرادتها ، وإعادة كرامتها.
لقد وقفت مع أخيك في خندق واحد فرفعتما كلمة الله الهادفة إلى
كرامة الاِنسان ، وبناء حياة آمنة مستقرّة لا ظلّ فيها للظلم والطغيان.
أمّا أنت ـ يا أبا الفضل ـ فكنت هبة من الله لهذه الاَمّة ، فقد فتحت لها
آفاقاً مشرقة من الحرية والكرامة ، وعلّمتها أنّ التضحية يجب أن تكون
خالصة لله ، وبعيدة كلّ البعد عن الرغبات والعواطف وسائر الميول التي
مآلها إلى التراب ، وبهذه الروح الاِسلامية الاَصيلة كانت تضحيتك ـ يا أبا
( 10 )
الفضل ـ فقد اتّسمت بالدفاع عن الحق ، والذبّ عن القيم والمبادئ ـ وهذا
هو السرّ في خلود تضحيتك ، وتفاعلها مع عواطف الناس على امتداد
التاريخ.
أمّا أنت ـ يا قمر بني هاشم ـ فقد أقمت صروح الحق في دنيا العرب
والاِسلام وشيّدت للمسلمين مجداً شامخاً بنصرتك لاَخيك سيّد الشهداء ،
الذي نافح من أجل أن تسود العدالة الاجتماعية في الاَرض وتوزع خيرات
الله على المضطهدين والمحرومين ، وتحمّلت معه أعباء هذه الرسالة ،
وبهذا كنت مع أخيك ، وسائر الشهداء الممجدين من أهل البيت وأنصارهم
الطلائع المقدّسة لشهداء الحق في جميع أنحاء الاَرض.
( 11 )
تقديم
[1]
وبرز أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) على مسرح التاريخ الاِسلامي كأعظم قائد
فذّ لم تعرف له الاِنسانية نظيراً في بطولاته النادرة بل ولا في سائر مُثله
الاَخرى التي استوعبت ـ بفخر ـ جميع لغات الاَرض.
لقد أبدى أبو الفضل يوم الطف من الصمود الهائل ، والارادة الصلبة
ما يفوق الوصف ، فكان برباطة جأشه ، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد
أرعب عسكر ابن زياد ، وهزمهم نفسيّاً ، كما هزمهم في ميادين الحرب.
ان بطولات أبي الفضل كانت ولا تزال حديث الناس في مختلف
العصور ، فلم يشاهدوا رجلاً واحداً مثقلاً بالهموم والنكبات يحمل على
جيش مكثّف مدعّم بجميع آلات الحرب قد ضمّ عشرات الآلاف من
المشاة وغيرهم فيلحق بهم أفدح الخسائر من معداتهم وجنودهم ، ويقول
المؤرخون عن بسالته ـ يوم الطف ـ إنه كلما حمل على كتيبة تفرّ منهزمة من
بين يديه يسحق بعضها بعضاً قد خيّم عليها الموت ، واستولى عليها الفزع
والذعر قد خلعت منها الاَفئدة والقلوب ، ولم تغن عنها كثرتها شيئاً.
انّ شجاعة أبي الفضل وسائر مواهبه ومزاياه مما تدعو إلى الاعتزاز
( 12 )
والفخر ليس له وللمسلمين فحسب ، وإنما لكل إنسان يدين لإنسانيته ،
ويخضع لقيمها الكريمة.
[2]
وبالاِضافة إلى ما يتمتّع به أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) من البطولات الرائعة
فانّه كان مثالاً للصفات الشريفة ، والنزعات العظيمة ، فقد تجسّدت فيه
الشهامة والنبل والوفاء والمواساة ، فقد واسى أخاه أبا الاَحرار الاِمام
الحسين ( عليه السلام ) في أيام محنته الكبرى ، ففداه بنفسه ووقاه بمهجته ، ومن
المقطوع به أن تلك المواساة لا يقدر عليها إلاّ من امتحن الله قلبه للاِيمان ،
وزاده هدى.
[3]
ومثَّل أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) في سلوكه مع أخيه الاِمام الحسين ( عليه السلام )
حقيقة الاَخوّة الاِسلامية الصادقة ، وأبرز جميع قيمها ومثلها ، فلم يبق لون
من ألوان الاَدب ، والبرّ والاِحسان إلاّ قدّمه له ، وكان من أروع ما قام به في
ميادين المواساة له ، انه حينما استولى على الماء يوم الطفّ تناول منه غرفة
ليشرب ، وكان قلبه الزاكي كصالية الغضا من شدّة الظمأ ، فتذكّر في تلك
اللحظات الرهيبة عطش أخيه الاِمام الحسين وعطش الصبية من أهل
البيت عليهم السلام ، فدفعه شرف النفس ، وسموّ الذات إلى رمي الماء من يده ،
ومواساتهم في هذه المحنة الحازبة ، تصفّحوا في تاريخ الاَمم والشعوب
فهل تجدون مثل هذه الاَخوّة الصادقة؟!! انظروا في سجلاّت نبلاء الدنيا
فهل ترون مثل هذا النبل ، ومثل هذا الاِيثار؟!
( 13 )
الله أكبر أي رحمة مثل هذه الرحمة ، وأيّة مودّة مثل هذه المودّة!!
إن الاِنسانية بجميع قيمها ومثلها لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام
أبي الفضل على ما أبداه من عظيم النبل لاَخيه الاِمام الحسين أبي الاَحرار
وسيّد الشهداء ( عليه السلام ) .
[4]
والشيء الذي يدعو إلى الاعتزاز بتضحية أبي الفضل ونصرته لاَخيه
الاِمام الحسين ، أنّها لم تكن بدافع الاَخوة والرحم الماسة وغير ذلك من
الاعتبارت السائدة بين الناس ، وانّما كانت بدافع الاِيمان الخالص لله ، ذلك
الاِيمان الذي تفاعل مع عواطف أبي الفضل ، وصار عنصراً من عناصره ،
ومقوّماً من مقوّماته ، وقد أدلى بذلك في رجزه حينما قطعت يمينه التي
كانت تفيض برّاً وعطاءً للناس ، قائلاً:
والله إن قطعتم يميني | * | إنّي أحامي أبداً عن ديني |
وعن إمام صادق اليقين
ان الرجز في تلك العصور كان يمثّل الاَهداف والمبادئ والقيم التي
من أجلها يقاتل الشخص ، ويستشهد في سبيلها ، ورجز سيّدنا
العباس ( عليه السلام ) صريح واضح في أنّه انّما يقاتل دفاعاً عن الدين ، ودفاعاً عن
المبادئ الاِسلامية الاَصيلة التي تعرضت إلى الخطر أيام الحكم الاَموي
الاَسود ، كما أنّه انّما يقاتل دفاعاً عن إمام المسلمين سبط رسول الله
وريحانته الاِمام الحسين المدافع الاَوّل عن كرامة الاِسلام ، فهذه هي
العوامل التي دفعته إلى التضحية ، وليس هناك أي دافع آخر وهذا هو السرّ
( 14 )
في جلال تضحيته ، وخلودها عبر القرون والاَجيال.
[5]
لقد استشهد أبو الفضل العباس من أجل المبادئ العليا التي رفع
شعارها أبو الاَحرار أخوه الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، والتي كان من أهمّها أن يقيم
في هذا الشرق حكم القرآن ، وينشر العدل بين الناس ويوزّع عليهم خيرات
الاَرض ، فليست هي لقوم دون آخرين.
لقد استشهد أبو الفضل من أجل أن يعيد للاِنسان المسلم حرّيته
وكرامته ، وينشر بين الناس رحمة الاِسلام ، ونعمته الكبرى الهادفة
لاستئصال الظلم والجور ، وبناء مجتمع لا ظلّ فيه لأي لون من ألوان
الفزع ، والخوف.
لقد حمل أبو الفضل مشعل الحرية والكرامة ، وقاد قوافل الشهداء إلى
ساحات الشرف ، وميادين العزّة ، والنصر للشعوب الاِسلامية التي كانت
ترزح تحت وطأة الظلم والجور.
لقد انطلق أبو الفضل إلى ميادين الجهاد من أجل أن ترتفع كلمة الله
تعالى عالية في الاَرض ، تلك الكلمة التي هي منهج كامل للحياة الكريمة
بين الناس.
[6]
وفجّر الاِمام أبو الاَحرار ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب
وجعلها عبرة لأولي الاَلباب ، فدكّ بها حصون الظلم ، وقلاع الجور.
ولم يفجّر الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ثورته الرائدة العملاقة أشراً ولا بطراً ،
( 15 )
ولا ظالماً ، ولا مفسداً ـ حسب ما يقول ـ وإنّما أراد تغيير الواقع المرير
الذي تعيشه الاَمة من جرّاء الحكم الاَموي المنحرف عن جميع الأعراف
والقوانين ، ذلك النظام الذي أحال حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، فقد
عجّت البلاد الاِسلامية بجميع صنوف الجور والاِرهاب ، وكان من أعظمها
محنة وأشدّها بلاءً البلاد الخاضعة لحكم زياد بن أبيه ، والي معاوية على
العراق ، وأخيه اللاشرعي ، الذي أجّج نار الفتنة ، وحكم بين الناس بغير ما
أنزل الله ، فأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر ، وقتل على الظنّة
والتهمة ، كما أعلن ذلك ، وطبّقه بالفعل على الحياة العامة بين الناس.
[7]
وأن سبط الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمل الاِسلام ، والمسؤول الاَوّل عن رعاية
المسلمين ، وصيانة حياتهم والواقع الاجتماعي الذي تعيشه الاَمة ، والذي
ينذر بخطر عظيم على حياتها العقائدية ، والفكرية والاجتماعية ، فقد
تحكّم في مصيرها جبابرة الاَمويين ، وطغاة الرأسمالية القرشية ، التي
حملت معول الهدم على جميع ما أسّسه الاِسلام من مجد أصيل وخلق
رفيع للاَمة ، بالاِضافة إلى أنّها أخذت تستنزف الموارد الاقتصادية في العالم
الاِسلامي ، وتنفقها على شهواتها ، ورغباتها الخاصة ، فهبّ أبو الاَحرار
لاِنقاذ المسلمين ، وإعادة الحياة الكريمة لهم ، فما أعظم عائدته على
الاِسلام ، وما أكثر ألطافه وأياديه على المسلمين.
[8]
ان ملحمة كربلاء من أهم الاَحداث العالمية ، بل ومن أهمّ ما حققته
( 16 )
البشرية من إنجازات رائعة في ميادين الكفاح المسلّح ضدّ الظلم والطغيان ،
فقد غيّرت مجرى تاريخ الشعوب الاِسلامية ، وفتحت لها آفاقاً مشرقة
للتمرّد على الظلم والطغيان.
لقد ألهبت هذه الملحمة الخالدة عواطف الاَحرار ، ودفعتهم إلى
النضال المسلّح في سبيل تحرير المجتمع من نير العبودية والذلّ ، وإنقاذه
من الحكم اللاشرعي.
[9]
لقد انتصر سيّد الشهداء في ثورته الخالدة ، وانتصرت أهدافه ومبادئه
العظيمة ، وظلّ مثلاً خالداً للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطغاة في كل
عصر وزمان ، ويمدّ الثوّار بروح التضحية والفداء.
ان من الانتصارات الرائعة التي حقّقها أبي الضيم في ثورته أنه جرّد
الحكم الاَموي من الشرعية ، وأنّه لا يمثّل الاِسلام ، ولا المسلمين بأي حال
من الاَحوال ، وإنّما هو حكم ديكتاتوري قائم على النطع والسيف لا على
رضى الاَمة واختيارها.
لقد وضع أبو الاَحرار العبوات الناسفة في أروقة الحكم الاَموي
ففجّرتها ، ونسفت معالم زهوهم وفجورهم وطغيانهم ، وظلّوا مثلاً أسوداً
لكل حكم منحرف عن سنن الحق والعدل.
[10]
لقد أيقظت ثورة أبي الاَحرار الشعوب الاِسلامية من تخديرها
وسباتها ، فانطلقت كالمارد الجبّار في ثورات متلاحقة ، وهي ترفع شعار
التحرير ، وشعار الاستقلال ، وشعار الكرامة من أجل التخلّص من ذلك
( 17 )
الحكم الاَسود.
لقد قامت الشعوب الاِسلامية في ثورات متلاحقة كانت امتداداً لثورة
الحسين ( عليه السلام ) ، حتى أطاحت بالحكم الاَموي ، وأزالته من دنيا الوجود.
[11]
ومن الجدير بالذكر أن كارثة كربلاء ، وما لحق بالاِمام الحسين ( عليه السلام ) من
التنكيل ، والاعتداء الصارخ ، لم يأتِ ذلك عفواً ، وإنّما كان من النتائج
المباشرة للانحرافات ، والسلوك في المنعطفات السياسية من جانب الحكام
والمسؤولين الذين كانوا ينظرون إلى السلطة بأنّها مغنم ، ووسيلة للظفر
بالثراء العريض ، ولم يعوا أن الاِسلام اعتبر السلطة أداة لخدمة المجتمع ،
وتطوير حياته الفكرية والاقتصادية ، وانّها مسؤولة أمام الله عن اقتصاد الاَمة
فيجب عليها الاحتياط فيه كأشدّ ما يكون الاحتياط فليس لرئيس الدولة ، ولا
لغيره من أجهزة الحكم أن يصطفوا لأنفسهم وذويهم أي شيء من أموال الدولة.
وكان على رأس الحكّام المنحرفين ملوك بني أمية الذين اتخذوا مال
الله دولاً وعباد الله خولاً ، وبالاِضافة إلى ما اقترفوه من ظلم الاَمة والاعتداء
على كرامتها ، فانّهم عمدوا إلى ظلم العلويين ، والاِجهاز على شيعتهم ،
وقد شاهد أبوالفضل ( عليه السلام ) المحن الشاقة والعسيرة التي حلّت بأهل بيته
ومحبّيهم ، ومما لا ريب فيه انّها تركت في أعماق نفسه أقسى ألوان
المحن ، والآلام.
[12]
أمّا دور سيّدنا العباس ( عليه السلام ) في ملحمة كربلاء فانّه يأتي في الاَهمية
بعد أخيه أبي الاَحرار الاِمام الحسين ( عليه السلام ) صانع هذه الملحمة الخالدة في
( 18 )
دنيا الحقّ والعدل ، وقد فاق جميع أصحاب الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأهل بيته
المكرمين ، وذلك بما قدّمه من عظيم الخدمات لاَخيه ، بالاِضافة إلى مواقفه
البطولية الرائعة ، وصموده الهائل أمام معسكر ابن زياد ، وقد أبدى من
البسالة ما يذهل الاَفكار ويحيّر الاَلباب ، وكان يشيع في نفوس أصحاب
أخيه وأهل بيته العزم والتصميم على التضحية والجهاد بين يديه ، فقد
استهان بالموت وسخر من الحياة ، وقد انطبعت هذه الظاهرة في نفوسهم
فاعتنقوا الشهادة ، وانطلقوا إلى ميادين الجهاد ليرفعوا كلمة الله في الاَرض.
[13]
وكان العبّاس ( عليه السلام ) أيّام المحنة الكبرى التي حلّت بأخيه ملازماً له لم
يفارقه ، وقدّم له جميع ألوان البرّ والاِحسان ، فكان يقيه بنفسه ويفيديه
بمهجته ، فهو صاحب لوائه ، ومدير شؤونه ، والمتصدّي لخدماته ، ويقول
الرواة: انّه قد استوعب حبّه والاِخلاص له قلب أخيه الاِمام الحسين ( عليه السلام )
حتى فداه بنفسه ، وكان عليه ضيفاً ، فلم يسمح له بالحرب حتى بعد مقتل
أصحابه وأهل بيته ، لاَنّه كان يشعر بالقوة والمنعة ، ما دام حيّاً إلى جانبه ،
ولما استشهد العباس شعر الاِمام الحسين بالوحدة والغربة والضياع بعده
وفقد كلّ أمل له في الحياة ، وراح يبكي عليه أمرّ البكاء ، ويندبه بذوب
روحه ، وسارع إلى ساحة الحرب ليلتقي به في جنان الخلد.
سلام الله عليك يا أبا الفضل ففي حياتك وشهادتك ملتقى أمين
لجميع القيم الاِنسانية ، وحسبك أنّك وحدك كنت انموذجاً رائعاً لشهداء
الطفّ الذين احتلّوا قمّة الشرف والمجد في دنيا العرب والاِسلام.
( 19 )
[14]
كان بودّي قبل حفنة من السنين أن أتشرّف بالبحث عن سيرة
أبي الفضل العبّاس ( عليه السلام ) رائد الشرف والكرامة لهذه الاَمّة ، وقد دعاني إلى
ذلك ـ بإصرار ـ بعض السادة من فضلاء الحوزة العلمية في النجف الاَشرف ،
إلاّ أنّ انشغالي بتأليف موسوعة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام قد شغلني عن ذلك ،
وقد ألمّت كارثة من كوارث الزمن ببعض ولدي فتوسّلت ، وتوسل ضارعاً
إلى الله تعالى أن يكشف عنه ما هو فيه ، وينقذه وينجّيه فاستجاب الله
دعائي ودعاءه فأنجاه مما هو فيه والحمد لله ، وقد طلب منّي أن أكتب
رسالة عن حياة أبي الفضل وسيرته وشهادته ، فاستجبت له ، وجمّدت
الموضوع الذي بيدي ، واتجهت صوب أبي الفضل آملاً من الله تعالى أن
أُوفَّق إلى إعطاء صورة متميّزة وكاملة عن حياته ، وأن لا أكون قد جافيت
الواقع أو ابتعدت عن القصد فيما كتبته عنه انّه تعالى وليّ القصد والتوفيق.
النجف الأشرف
باقر شريف القرشي
1412 هـ ـ 1992 م
|
*
*
*