ومن الطريف أن ننبه القارئ إلى أن آينشتين العالم الفيزيائي المعروف قد أطلق على نظرياته العلمية اسم « النسبة » للتعبير عن الاختلاف الذي أشرنا إله فاختلاف وجهات النظر بين الباحثين إذن أمر لابد من حدوثه ، وأنه يؤدي ـ في العادة ـ إلى ازدهار المعرفة الانسانية ويصدق ما ذكرناه على الفقه كما يصدق على ضروب المعرفة الاخرى ، مع هذا الفارق الكبير : هو أن الاجتهاد ـ في مجال الفقه ـ يجب أن يسير في نطاق الدين الاسلامي وفي إطار القرآن وسنة الرسول .
فهل يجوز إذن أن يعتبر انصراف الموالي ـ للجوانب العلمية الفقهية ـ وما رافق ذلك من تعدد في الرأي واختلاف في وجهات النظر ـ هدما للإسلام ؟
وإذا لم يكن الامر كذلك فهل بالامكان اعتبار سياسة الامويين ـ تجاه الموالي وتجاه العرب الذين طالبوا الامويين بضرورة السير وفق مستلزمات الدين ـ هدما للإسلام ؟
إننا لا نشك في أن القارئ المنصف يشاركنا الاجابة بالايجاب عن هذا السؤال .
أما قضية المفاضلة بالاحساب فيتلخص رأي الموالي في ردهم على ابن قتيبة . ذكر ابن عبد ربه ( 1 ) إن الموالي يقولون : « إننا نحن لا ننكر تباين الناس ولا تفاضلهم ولا السيد منهم والمسود والشريف والمشروف . ولكننا نزعم أن تفاضل الناس ـ فيما بينهم ـ هو ليس بآبائهم ولا بأحسابهم ولكنه بأفعالهم وأخلاقهم وشرف أنفسهم وبعد هممهم .
ألا ترى إنه من كان دنيء الهمة ساقط المروءة لم يشرف وإن كان من هاشم في ذؤابتها !! إنما الكريم من كرمت أفعاله والشريف من شرفت همته . »
____________
1 ـ العقد الفريد : 2 | 258 ـ 259 .
( 122 )

وقد جعل الموالي الدين مقياسا لاخلاق الناس وميزانا لرفع بعضهم على بعض وأساسا لخضد شوكة الجاهلية عند الامويين وامشاجهم من الاعراب . فذكروا ـ على ما يقول الجاحظ ( 1 ) : « إن العجم حين كان فيهم الملك والنبوة كانوا : أشرف من العرب ، ولما حول ذلك إلى العرب صارت العرب أشرف منهم .
فنحن معاشر الموالي ـ بقديمنا من العجم ـ أشرف من العرب . والحديث ـ الذي صار لنا في العرب ـ أشرف من العجم . وللعرب الجديد دون القديم . ولنا خصلتان وافرتان جميعا .
وصاحب الخصلتين أفضل من صاحب الخصلة الواحدة . »
ومهما يكن من شيء فقد أوقد الامويون نار البغضاء بين المسلمين ـ العرب والموالي ـ على رغم أنف الاسلام . فطعن كل منهما في نسب صاحبه وفي دينه وأخلاقه .
فظهرت الشعوبية من جهة وبرز الره عليها من جهة أخرى .
واحتدمت المعارك الكلامية بين الطرفين وتفنن كل جانب بلصق التهم بخصمه دون حساب .
وانتشرت كتب المثالب في كثير من الارجاء .
وإلى القارئ طرفا من هذا الوجه من وجوه الحياة الثقافية للمسلمين بعد مصرع الامام علي بن أبي طالب . ذكر الجاحظ ما نصه ( 2 ) :
ونبدأ على اسم الله بذكر مذهب الشعوبية وبمطاعنهم على خطباء العرب بأخذ
____________
1 ـ رسائل الجاحظ ص 290 .
2 ـ البيان والتبيين 3 | 4 ـ 13 .

( 123 )

المخضرة عند مناقلة الكلام ومساجلة الخصوم بالموزون المقفى والمنثور الذي لم يقف ، وبالارجاز عن الممتدح وعند مجافاة الخصم وساعة المشاولة .
وفي نفس المجادلة والمجاولة . وكذلك الاسجاع عند المنافرة والمفاخرة واستعمال المنثور في خطب الحمالة وفي مقامات الصلح وسل السخيمة .
والقول عند المعاقدة ، والاتكاء على اطراف القسى وخد وجه الارض بها ، واعتمادها عليها إذا اسحنفرت في كلامها وافنت يوم الحفل في مذاهبها . ولزومها العمائم في ايام الجموع ، واخذها المحاضر في كل حال ، وجلوسها في خطب النكاح وقيامها في خطب الصلح ...
وخطبهم على رواحلهم في المواسم العظام والمجامع الكبار .
والتماسح بالاكف والتحالف على النار . والتعاقد على الملح ، وأخذ المؤكد واليمين الغموس ( 1 )
وقالت الشعوبية : القضيب للإيقاع والقناة للغار والعصا للقتال والقوس للرمي . وليس بين الكلام وبين العصا سبب ، ولا بينه وبين القوس نسب . وهما إلى أن يشغلا العقل ويصرفا الخواطر ويعترضا الذهن اشبه .
وليس في حملها ما يشحذ الذهن ولا في الاشارة بها ما يجلب اللفظ .
والخطابة شيء في جميع الامم وبكل الاجيال إليه اعظم الحاجة . ولكنكم
____________
1 ـ المخضرة : العصا . المتح : السقي من البئر بالدلاء . المجاثاة : هي أن يجثو الخصمان على الركب أمام بعضهما ثم يأخذان في صنوف الجدل . المشاولة : تفرق الكلمة وأن يتعرض كل خصم لخصمه بالسب . الحمالة : الدية يحملها القاتل إلى أهل المقتول سهل السخيمة : نزع الضغينة الخد : الشق . اسحنفر مضى مسرعا في قوله . افتنت أخذت في فنون القول .
( 124 )

كنتم رعاة بين الابل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر . وحملتموها في المدر بفضل عادتكم لحملها في الوبر .
وحملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب . وبطول اعتيادكم لمخاطبة الابل جف كلامكم وغلظت مخارج أصواتكم حتى كأنكم إنما تخاطبون الصمان إذا كلمتم الجلساء . وإنما جل قتالكم بالعصى ، ورماحكم من مران وأسنتكم من قرون البقر .
وتفخرون بطول القناة ولا تعرفون الطعن والمطارد . وإنما لقنا الطوال للرحالة والقصار للفرسان والمطارد لصيد الوحش . وتفخرون بطول الرمح وقصر السيف .
فلو كان المفتخر بقصر السيف الراجل ـ دون الفارس ـ لكان الفارس يفخر بطول السيف ، وإن كان الطول في الرمح إنما صار صوابا لانه ينال به البعيد ولا يفوته العدو ، ولأن ذلك يدل على شدة أسر الفارس وقوة ايده . فكذلك السيف العريض الطويل .
وكنتم تتخذون للقنا زجا وسنانا حين لم يقبض الفارس منكم على أصل قناته .
وكنتم لا تقاتلون بالليل ولا تعرفون البيات ولا الكمين ( 2 ) . »
ثم ينتقل الجاحظ ـ بعد أن ذكر مطاعن الشعوبية على العرب ـ إلى الرد عليهم . فيقول في الكتاب الآنف الذكر ( 2 ) :
____________
1 ـ المطارد جمع مطرد وهو الرمح القصير . الزج حديدة مدببة تركب في اسفل الرمح . البيات الايقاع بالعدو ليلاً . الصمان جمع أصم . المران نوع من الشجر .
2 ـ البيان والتبيين 3 | 14 ـ 28 .

( 125 )

قلنا ليس لكم فيما ذكرتم دليل على أن العرب لا تقاتل باليل .
قال سعد بن مالك في قتل كعب ...

وليلـة تبع وخميس سعد * أتونا ـ بعد ما نمنا ـ دبيبا
فلــم نهدأ لبأسهم ولكن * ركبنا حد كوكبهم ركوبــا
بضرب تفلق الهامات منه * وطعن يفصل الحلق الصليبا

وأما قولهم أن العرب لا يعرفون الكمين فقد قال أبو قيس بن الاسلت :

وأحرزنـا المغانم واستبحنا * حمى الاعداء ، والله المعين
بغير خلابة وبغير مكــر * مجاهــرة ولم يخبأ كمين

وأما ما ذكروا في شأن رماح العرب فليس الامر في ذلك على ما يتوهمون وللرماح طبقات : فمنها : النيزك ، ومنها المربوع ومنها المخموس ومنها التأم ومنها الخطل ...
وجملة القول إنا لا نعرف الخطب إلا للعرب والفرس . وفي الفرس خطباء إلا أن كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة وعن مشاورة ومعاونة وعن طول التفكير ودراسة الكتب . وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال .
والدليل على أن أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم ومن معدن شريف اتخاذ سليمان بن داود العصا لخطبته .
وقد جمع الله لموسى في عصاه من البرهانات العظام . الم تر أن السحرة لم يتكلفوا تغليظ الناس والتموية عليهم إلا بالعصا ! ولا عاوضهم موسى إلا بالعصا !! ...


( 126 )

قال يزيد بن مفرع :

العبد يقرع بالعصا * والحر تكفيه الاشارة

ومما يدخل في باب الانتفاع بالعصا أن عامر بن الظرب العدواني حكم العرب في الجاهلية . ولما أسن واعتراه النسيان أمر بنته ان تقرع بالعصا إذا هو فه عن الحكم وجار عن القيد .
وذكر العصا يجري عندهم في معان كثيرة . تقول العرب : العصا من العصية . ويقال أن فلان شق عصا المسلمين .
وقال العتابي في مدح بعض الخلفاء :

إمـام لـه كـف تضـم بنانهــا * عصا الدين ممنوع من البري عودها
وعين محيـط بالبـرية جفنـهـا * سـواء عليـه قربهـا وبعيـدهـا

وقال المضرس الاسدي :

وألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالاياب المسافــر »

وذكر ابن خلدون ( 1 ) وهو غير شعوبي ـ آراء في العرب لا تختلف من حيث الاساس عن آراء الشعوبيين . فاتهم العرب بأنهم لا يتغلبون إلا على البسائط . « وذلك أنهم بطبيعة التوحش ـ الذي فيهم ـ أهل إنتهاب وعبث . ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر .
ويفرون إلى منتجعهم بالقفر . ولا يذهبون إلى المزاحفة والمحاربة إلا إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم . والقبائل الممتنعة عليهم باوعار الجبال بمنجاة من عبثهم وفسادهم .
____________
1 ـ مقدمة ابن خلدون ص 149 ـ 152 .
( 127 )

وان العرب إذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الفساد .
والسبب في ذلك : أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبله وكان عندهم ملذوذا لما فيه من خروج على ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة .
وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له . فغاية الاحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له .
فالحجر مثلا إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدر . فينقلونه من المباني ويخريونها عليه ويعدونه لذلك .
والخشب أيضا انما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الاوتاد منه لبيوتهم . فيخربون السقف عليه . لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران . هذا في حالهم على العموم .
وايضا في طبيعتهم انتهاب ما في ايدي الناس ، وان رزقهم في ضلال رماحهم . وليس عندهم في اخذ اموال الناس حد ينتهون إليه . بل كلما امتدت اعينهم إلى مال او متاع أو ماعون انتهبوه .
وايضا فانهم ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعض عن بعض إنما هم يأخذونه من اموال الناس نهبا أو غرامة . فإذا توصلوا إلى ذات وحصلوا عليه أعرضوا مما بعده من تسديد أحوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن أغراض المفاسد .
هذا إلى أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بعصبية دينية من بنوة أو ولاية أو اثر عظيم من الدين على الجملة . والسبب في ذلك أنهم ـ لخلق التوحش فيهم ـ أصعب الامم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والانفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة . فقلما تجتمع أهواؤهم .


( 128 )

فإذا كان الدين بالنبوءة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم ، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم ...
فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بامر الله يذهب عنهم مذمومات الاخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق ثم اجتماعهم وحصل لهم التغلب والملك . وهم مع ذلك اسرع الناس قبولا للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الاخلاق إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة المتهيء لقبول الخير . ـ يضاف إلى ذلك ـ أن العرب ـ أبعد الامم عن سياسة الملك والسبب في ذلك أنهم أكثر بدواة من سائر الامم وابعد مجالا في القفر وأغنى عن حاجات التاول لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش . فاستغنوا عن غيرهم . فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش .
ورئيسهم محتاج إليهم غالبا للعصبية التي بها المدافعة .
فكان مضطرا إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبيته فيكون فيها هلاكه وهلاكهم ...
فإن من طبيعتهم كما قدمنا أخذ ما في أيدي الناس خاصة والتجافى عما سوى ذلك من الاحكام بينهم ودفاع بعضهم عن بعض .
فإذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في أيديهم وتركوا ما سوى ذلك من الاحكام بينهم ...
فبعدت طباع العرب لذلك كله عن سياسة الملك ، وإنما يصيرون إليها بعد انقلاب طباعهم وتبدلها بصبغة دينية تمحو ذلك منهم وتجعل الوازع لهم من أنفسهم . »
وإذا أمعنا النظر في الفقرات التي أقتطفناها من الشعوبيين وابن خلدون أمكننا


( 129 )

أن تقول ـ أن ما ذكره الشعوبيون وابن خلدون من مطاعن على العرب أمر ناتج عن طبيعة بيئة العرب لا عن عروبتهم .
وذلك لأن الاوضاع الطبيعية والاجتماعية التي نشأ فيها العرب قد أكسبتهم الصفات التي اتخذها الشعوبيون وابن خلدون مطاعن عليهم .
ودليلنا على ذلك : إن جميع الامم « التي تتعرض لظروف طبيعية واجتماعية مماثلة » تكتسب عادات وتقاليد مماثلة لعادات العرب وتقاليدهم . هذا من جهة .
ومن جهة ثانية فإن العرب أنفسهم إذا اختلفت بيئتهم المعاشية يكتسبون عادات وتقاليد جديدة منبثقة عن محيطهم الجديد وملائمة له .
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الشعوبيين ـ في الفقرات التي ذكرناها ـ قد ذهبوا إلى ما ذهبنا إليه من حيث الاساس وإن لم يذكروه وبصراحة ووضوح .
فقد اعتبروا مآخذهم على العرب ناتجة عن بيئتهم المعاشية .
ولكن فاتهم ، مع هذا ، أن يتذكروا أنهم بحكم كونهم عاشوا في بيئة مختلفة عن بيئة العرب قد اكتسبوا عادات وتقاليد تختلف عن تلك التي اتصف بها العرب . فنتج عن ذلك أنهم أخطؤا وباتخاذهم عاداتهم وتقاليدهم مقياسا للحكم على تقاليد العرب وعاداتهم .
فاعتبروا اختلاف عادات العرب وتقاليدهم عن عاداتهم وتقاليدهم شذوذا وبالتالي نقصا عند العرب . ويصدق الشيء نفسه على العرب في ردهم على خصومهم
أما حجج الجاحظ ـ في تنفيد آراء الشعوبيين ـ « وبخاصة دفاعه عن العصا » فهزيلة ومضحكة .


( 130 )

الفصل الخامس

جوانب أخرى من صراعهم مع الدين
لقد مر بنا الحديث عن قسم من جوانب الصراع الذي حدث بين الامويين من جهة ومبادئ الدين الاسلامي من جهة أخرى . ونود ـ فيما تبقى من هذه الدراسة ـ أن نشير بشيء من الايجاز غير المخل ، إلى جوانب أخرى من ذلك الصراع الرهيب أتاح للامويين ، من الاسف الشديد ، أن يسيروا في حكمهم على سياسة جاهلية مكشوفة ، هي والدين الاسلامي على طرفي نقيض . وتتلخص تلك السياسة بجملة واحدة : هي الانصراف الكلي للحياة الدنيا ـ بأبشع صورها ـ والتكالب على موبقاتها وملاذها الرخيصة على حساب الدين . نقول :
« الانصراف الكلي إلى الحياة بأبشع صورها » ولا نقول :
الانصراف إلى الحياة لأننا لا نجد تعارضا بين المثل العليا التي جاء بها الدين ـ وبخاصة الجوانب الاخلاقية منها ـ وبين الحياة التي يمكن أن يحياها الناس . ذلك لأن الدين يسعى ـ في جوانبه الخلقية ـ إلى رفع مستوى الحياة ليسمو بها فوق المستوى البهيمي الذي ينغمس فيه كثير من الناس .
إي أن الدين ، بعبارة أخرى ، لا يتعارض إلا مع الجوانب المنحطة من الحياة . فإذا سمت الحياة إلى المستوى الخلقي الذي يريده الدين زالت جوانب التعارض بينهما .
وعلى هذا الاساس يمكن الجمع بين الدين والدنيا . وعلى الاساس نفسه يمكن الفصل بينهما .
فقد جمع الرسول بينهما وسار علي على منواله .


( 131 )

وسار الامويون على نقيض ذلك . فخسروا دينهم ـ كما سنرى ـ كما خسروا دنياهم كذلك .
دنياهم في جوانب المثلى من الناحية الخلقية الانسانية . وقد عبر عن خسران الامويين دينهم ودنياهم ـ أحدهم ـ أحسن تعبير حين قال :
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا * فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
وفي معرض التحدث عن جوانب التعارض بين الدين والحياة : ذكر القرآن في سورة البقرة « أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون . »
وجاء في سورة الاعراف : « الذي اتخذوا دينهم لهو ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا . فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون . »
وجاء في سورة يونس : « إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا لها والذين هم عن آياتنا غافلون . أولئك مأواهم النار بما كسبوا ... »
وجاء في سورة هود : « من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وهم فيها لا يبخسون . اولئك الذين ليس لهم في الاخرة إلا النار وحبط ما صنعوا قيها وباطل ماكانوا يعملون . »
وأعيد المعنى السابق نفسه ـ حيث الاساس ـ في سورة الحديد :
« إعلموا أنما الحياة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الاخرة عذاب شديد . »
____________
1 ـ مقدمة ابن خلدون ص 306 .
( 132 )

لقد أعطى الامويون ، على ما يذكر ابن خلدون ( 1 ) : « الملك والترف حقه وانغمسوا في الدنيا وباطلها ونبذوا الدين وراءهم ظهريا . » وكان ذلك برأيه السبب في سلب الله عزهم وتقويض ملكهم . وقد استشهد ابن خلدون على ذلك بقصة عبد الله بن مروان ـ مع ملك النوبة ـ عند هروبه من السفاح :
« قال عبد الله بن مروان أقمت مليا . ثم أتاني ملكهم فقعد على الارض ؛ وقد بسطت لي فرش ذات قيمة . فقلت :
ما منعك عن القعود على ثيابنا . فقال : إني ملك وحق لكل ملك أن يتواضع . ثم قال لي :
لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم ؟ فقلت اجترأ على ذلك عبيدنا واتباعنا . قال :
فلم تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم في كتابكم ؟ قلت : ذهب منا الملك وانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا .
فأطرق ينكث بيده في الارض ويقول : عبيدنا واتباعنا وأعاجم دخلوا في ديننا . ثم رفع رأسه إلي وقال : ليس الامر كما ذكرت . بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم وأتيتم ما عنه نهيتم وظلمتم فيما ملكتم . ( 1 » »
فالتحلل من الدين ـ وهو الجانب الايجابي للتكالب على الملذات الدنيوية الرخيصة ـ إذن هو الطابع العام للأخلاق الاموية . وقد اتخذ ذلك التحليل اشكالا عديدة نجملها فيما يلي :
____________
« 1 » مقدمة ابن خلدون ص 307 .
( 133 )

1 ـ قتل النفس
قتل النفس البشرية بشكل لا يجيزه الاسلام جاء في سورة آل عمران « إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم . أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة ومالهم من ناصرين . » وجاء في سورة النساء « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ( 1 ) ولعنه وأعد له عذابا أليما . » وجاء في سورة الانعام :
« قل تعالوا أتل عليكم ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ...
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل أنه كان منصوراً .
» وفي سورة الفرقان .
« والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون . ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا . » وذكر مسلم بن الحجاج ( 2 ) عن انس بن مالك بأسانيده المختلفة في الكبائر « قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقول الزور . » والتاريخ الاموي ـ كما سنرى ـ يعج بالفحش ، وقتل النفس بغير حق ، وبالظلم ، ونكث العهد ، وقول الزور وغيرها من الكبائر .
لقد كان السير وفق ما حرم الله ـ من الكبائر والموبقات ـ هو القاعدة العامة للاسرة الاموية كلما كان ذلك السير بنظرهم ـ وسيلة من وسائل تثبيت حكمهم الممقوت .
____________
« 1 » يلاحظ أن الله لعن هؤلاء فأوجب بذلك على المسلمين لعنهم وقد ورد ذلك في أكثر من موضع في القرآن ، راجع سورة النساء ـ في موضعين ـ ، وسورة المائدة وهود ـ في موضعين وسورة الحجر وسورة ص ، وسورة محمد .
« 2 » صحيح مسلم : 1 \ 49 .

( 134 )

ولم يلتزم الامويون ببعض مظاهر الدين إلا حين استلزمت مصالحهم الاموية ذلك . وبقدر ما يتعلق الامر بقتل النفس التي حرم الله ـ إلا بالحق ـ فإن في تاريخهم عن مثلة على ذلك الشيء الكثير .
فقد ذهبت أرواح الاف من المسلمين ضحايا غدرهم وعدوانهم , ولم يسجل التاريخ الاسلامي ـ على ما فيه من حوادث كثيرة من هذا القبيل ـ إلا جزءاً يسيرا مما ارتكبوه في هذا الباب .
وهنا تتوارد للذهن مأساة حجر بن عدي ، ومصرع الحسين بن علي ، ومقتل مصعب وعبد الله ابني الزبير ، واضحة للعيان .
هذا سوى مئات المسلمين الذين فتك بهم بسر بن أبي أرطاة كما رأينا .
ترى لماذا قتل الامويون هؤلاء ؟ لأنهم ثاروا على ظلم الامويين ؟
هل الثورة على الظلم خارجة عن نطاق الاسلام ؟
هل يجيز الاسلام موبقات الامويين ؟
هل الحكم الاموي متفق مع القرآن وسنة الرسول ؟
ما حق الامويين في الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد الاسلامية ؟
هل جاء الامويون للحكم بأسلوب يجيزه الاسلام ؟
هل يبرر الاسلام وراثة الحكم في الاسرة الاموية خلفا عن سلف ؟
هل يعتبر قتل النفس ـ التي حرم الله ـ حقا
إذا كانت تلك النفس تدعو الناس إلى اتباع الحق ؟ وتحاسب السلطان على موبقاته ؟ تلك أسئلة تعتبر الاجابة عنها في إدانة الامويين من اسهل الامور .


( 135 )

2 ـ شرب الخمر
كان ولع الامويين شديدا بتعاطي شرب الخمر ، وما يتصل به من خلاعة وتبذل وغناء .
والخمر ـ كما لا يخفى ـ محرمة من الناحية الشرعية . جاء في سورة المائدة :
« يا ايها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ... رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . »
ولم يكتف الامويون بشرب الخمر بل اسرفوا وأدمنوا وأطلقوا لانفسهم الشريرة العنان في هذا الضرب من ضروب العبث وما يتصل به من موبقات .
وكان ملوكهم ـ في الشام والاندلس « باستثناء عمر بن عبد العزيز » يكثرون من شربه حتى بلغ بعضهم في شربه حدا يفوق الوصف .
فيزيد بن معاوية كان مدمنا ، وكان لا يمسي إلا سكران ولا يصبح إلا مخموراً .
كان عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرة حتى لا يعقل في السماء هو أو في الماء .
وكان الوليد بن عبد الملك يشرب يوما ويدع يوما .
وكان سليمان بن عبد الملك يشرب في كل ثلاث ليال ليلة .
وكان هشام يسكر في كل جمعة .
وكان يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد يدمنان اللهو والشرب .
فأما يزيد بن الوليد فكان ـ دهره ـ بين حالين : سكر وخمار . ولا يوجد ابدا إلا ومعه إحدى هاتين .


( 136 )

وكان مروان بن محمد يشرب ليلة الثلاثاء وليلة السبت ( 1 ) . »
للخمر كما لا يخفى مضار يتعدى أثرها شخص من يتعاطاها فينتظم الاخرين من ذوي العلاقة ـ من طرف قريب أو بعيد ، وبصورة مباشرة . ويتسع مجال ذلك الضرر باتساع مجال علاقات ذلك الشخص بغيره من الناس .
فكيف به إذا كان « امير المؤمنين » و « خليفة للمسلمين » !!!
لقد مر بنا القول أن من ملازمات الخمر الغناء والتبذل والخلاعة . والملوك السابقين ـ على يحدثنا الجاحظ ـ : تقاليد خاصة في هذا الباب .
غير أن الامويين قد أدخلوا على بعضها تحويراً استلزمته طبيعة استهتارهم بالدين وبالاخلاق . فمن أخلاق الملك عند الشرب : « أن يجعل ندماءه طبقات ومراتب ، وأن يخص ويعم ويقرب ويباعد ويرفع ويضع .. وليس من حق الملك أن يبرح مجلسه إلا لقضاء حاجة ... وليس له أن يختار كمية ما يشرب ولا كيفيتها . إنما هذا إلى الملك ... فلما ملك يزيد بن عيد الملك ساوى بين الطبقة العليا والسفلى من الندماء وأفسد أقسام المراتب .. وغلب عليه اللهو ... وهو أول من شتم في وجهه من الخلفاء على جهة الهزل والسخف ( 2 ) . »
ومن المحزن حقا أن يشجع « خليفة المسلمين » المساواة في التبذل والدعارة ويمنعها في المعاملة وتطبيق أسس الشريعة السمحاء . فلم يساو « الخليفة » بين المسلمين في العطاء ، ولكنه ساوى بين ندمائه في الموبقات ليرفع عن نفسه حواجز التبذل والاستهتار .
وروى الجاحظ كذلك ـ في معرض الموازنة بين تبذل الامويين بالنسبة
____________
1 ـ الجاحظ « التاج في أخلاق الملوك » ص 151 ـ 154 .
2 ـ المصدر نفسه » ص 21 ـ 30 .

( 137 )

لبعضهم ـ أنه سأل اسحق بن ابراهيم فيما إذا كان ملوك بني أمية يظهرون للندماء والمغنين فقال له اسحق : « أما معاوية بن أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان وسليمان وهشام ، ومروان بن محمد فكان بينهم وبين الندماء ستارة .
وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة إذا طرب للمغني والتذه حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه ويرقص ويتجرد حتى لا يراه إلا خواص جواريه ...
وأما الباقون ـ من خلفاء بني أمية ـ فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا ويتجردوا ، ويحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين .
وعلى ذلك لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء والتجرد ما يباليان ما صنعا ( 1 ) »
هذا نموذج من تبذل الامويين في اخلاقهم وفي دينهم ـ وهو شيء يمجه ـ دون شك ـ الذوق السليم ويأباه الخلق الرفيع ولا يجيزه الاسلام . هذا إذا كان المتبذل من عامة الناس .
فكيف به إذا كان « خليفة المسلمين » و « أمير المؤمنين » ونائب رسول الله في تطبيق مبادئ الدين على شئون الحياة !!!
لقد انغمس الامويون ـ باستثناء عمر بن عبد العزيز ـ كما ذكرنا بالموبقات إلى الاذقان « ومع ذلك فقد كان يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد أكثرهم تبذلا ـ على ما تروي كتب التاريخ والادب ـ . وحديث الاول منهما مع سلامة وحبابة معروف لدى الكثيرين .
____________
1 ـ الجاحظ « التاج في أخلاق الملوك » ص 32 .
( 138 )

ذكر المسعودي ( 1 ) إنه كان يغلب « على يزيد بن عبد الملك حب جارية يقال لها سلامة القس ، وكانت لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري . فاشتراها يزيد بثلاثة آلاف دينار . فأعجب بها وغلبت على أمره .
وفيها يقول عبد الله بن قيس الرقيات :

لقد فتن الدنيا وسلامة القسا * فلم يتركا لقس عقلا ولا نفسا

فاحتالت ام سعيد العثمانية ـ جدته ـ بشراء جارية يقال لها حبابة ـ قد كان في نفس يزيد بن عبد الملك قديما منها شيء . فغلبت عليه ووهب سلامة لام سعيد . فعذله مسلمة بن عبد الملك لما عم الناس من الظلم والجور باحتجابه وإقباله على الشرب واللهو ... فاظهر الاقلاع والندم . فغلظ ذلك على حبابة فبعث إلى الاحوص الشاعر ومبعد المغني : أنظرا ما أنتما صانعان !!
فقال الاحوص : في أبيات له :

ألا لا تلمـه اليــوم إن يتبلــدا * فقد غلب المحــزون ان يتجلــدا
إذا كنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى * فكن حجرا من بابس الصخر جلــدا
فما العيش إلا مـا تلــذ وتشتهي * وإن لام فيـه ذو الشنــان وفنــدا

وغناه معبد وأخذته حبابه فلما دخل عليها يزيد قالت ـ يا أمير المؤمنين ـ اسمع مني صوتا واحدا . ثم افعل ما بدا لك . وغنته . فلما فرغت منه جعل يردد قولها :

فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي * وعاد بعد ذلك إلى لهـوه ( 2 )

____________
1 ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر | 3 | 131 ـ 134 .
2 ـ ومن طريف ما يروي عن يزيد بن عبد الملك أن حبابة غنته يوما :

بين التراقي واللهاة حرارة * ما تطئن ولا تسوغ فتبرد


( 139 )

وذكر اسحق بن ابراهيم الموصلي قال حدثني ابن سلام قال ذكر يزيد قول الشاعر :

صفحنا عن بني ذهل * وقلنا القوم إخــوان
عسى الايام أن يرجعن قومـا كالذي كانــوا
فلما صـرح الشـر * فأمسـى وهو عريان
مشينا مشيـة الليث * غـدا والليث غضبان
بضرب فيه توهين * وتخضيع وإقــران
وطعن كفـم الزق * وهـي والـزق ملآن
وفي الشــر منجاة حين لا ينجيك إحسان

وهو شعر قديم يقال أنه للفند في حرب البسوس . فقال لحبابة غني به بحياتي ! فقالت يا أمير المؤمنين هذا شعر لا أعرف أحدا يغني به الا الاحول المكي . فقال نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك .
قالت إنما آخذه عن فلان بن أبي لهب وكان حسن الاداء . فوجه زيد إلى صاحب مكة : إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان بن أبي لهب ألف دينار لنفقه طريقه وأحمله على ما شاء من دواي البريد . ففعل . فلما قدم عليه قال غن بشعر الفند . فغناه فأجاد وأحسن . وقال أعده فأعاده فأجاد وأحسن وأطرب يزيد . فقال له ممن أخذت هذا الغناء ؟ فقال يا أمير المؤمنين أخذته عن ابي ، وأخذه
____________
=
فأهوى يزيد ليطير . فقالت يا أمير المؤمنين لنا بك حاجة . فقال والله لأطيرن .. وقد قورن موقفه هذا بموقف أبيه عندما خاطب زوجته عاتكة « لما أرادت منعه من الخروج إلى قتال مصعب بن الزبير » قائلا قاتل الله كثير عزة كأنه شاهد هذا حين قال :

إذا ما أراد الغزو لـم يثن همــه * حصــان عليهـا تظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهــي نافعــا * بكت فبكى ـ مما شجاها ـ قطينها


( 140 )

أبي عن أبيه ، فقال لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب قد ورثكم خيراً كثيراً .
فقال يا أمير المؤمنين إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله .
فقال قد اعلم ما تقول ، ولكن دخلتني له رقة إذ كان مجيد الغناء . ووصله وكساه ورده إلى بلده مكرما ...
واعتلت حبابة فاقام يزيد أياما لا يظهر الناس . ثم ماتت فاقام اياما لا يدفنها جزعا عليها ... فقيل له إن الناس يتحدثون بجزعك وان الخلافة تجل عن ذلك . فدفنها واقام على قبرها فقال :
فان تسل عنك النفس او تدع الهوى * فباليأس تسلوا النفس لا بالتجلد ثم أقام بعدها أياما قلائل ومات ...
وحدث ابو عبد الله محمد بن ابراهيم عن أبيه عن اسحق الموصلي عن ابي الحويرث الثقفي قال : لما ماتت حبابة حزن عليها يزيد بن عبد الملك حزنا شديدا ، وضم إليه جويرية كانت تحدثها فكانت تخدمه . فشملت الجارية يوما :

كفى حزنا للهائم الصب أن يرى * منــازل لمن يهوي مطلة ففرا

فبكى ... ولم تزل جويرية معه يتذكر بها حبابة حتى مات . »
وفي معرض التحدث عن الوليد بن يزيد يقول صاحب الاغاني ( 1 ) أنه كان فاسقا خليعا متهما في دينه مرميا بالزندقة . وشاع ذلك من امره وظهر حتى أنكره الناس فقتل .
وله اشعار تدل على خبثه وكفره .»
____________
1 ـ الاصبهاني « الأغاني » 6 | 99 ـ 106 .