ولعل الحادثة التالية تكشف جانبا من جوانب الظلم عند الامويين :
ذكر الطبري : عن ابي عبيدة « عن رؤية بن الحجاج قال :
حج سليمان بن عبد الملك وحج الشعراء معه وحججت معهم . فلما كان بالمدينة راجعا تلقوه بنحو أربعمائة اسير من الروم . فقعد سليمان ...
فقدم بطريقهم ـ فضرب عنقه ـ . وجعل سليمان يدفع البقية إلى الوجوه وإلى الناس يقتلونهم حتى دفع إلى جرير منهم فدست إليه بنو عبس سيفا في قراب أبيض . فضربه فأبان رأسه .
ودفع إلى الفرزدق أحد الاسرى فلم يجد سيفا . فدسوا له سيفا ددنا متيناً لا يقطع . فضرب به الاسير ضربات فلم يصنع شيئا . فضحك سليمان والقوم . وشمت الفرزدق بنو عبس ـ أخوال سليمان . فألقى السيف وأنشأ يقول ويعتذر إلى سليمان :

إن يك سيف خان او قــدر أتى * بتأخير نفس حتفها غيــر شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به * نبا بيدي ورقـاء عن راس خالد
كذلك سيوف الهند تنبـو ظباتهـا * وتقطع أحيانـا مناط القلائد ( 1 )

وإذا أمعنا النظر في قضية سليمان بن عبد الملك « خليفة » المسلمين مع أولئك
____________
1 ـ ورقاء بن زهير ـ من جذيمة العبسي ـ ضرب خالد بن جعفر بن كلاب ، وخالد مكب على أبيه زهير فسد ضربه بالسيف وصرعه . فأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا فلم يصنع شيئا : فقال ورقاء :

رأيت زهيـرا تحت كلكل خالد * فأقبلت أعسـى كالعجول أبادر
فشلت يميني يوم أضرب خالدا * ويحصنه مني الحديد المظاهر

راجع الطبري : « تاريخ الامم والملوك » | 8 | 127 .

( 162 )

ألروم المساكين ـ الذين ساقهم سوء الطالع إلى الوقوع أسرى بين يديه ويبعث ـ ويمرح ـ بأرواح أولئك البشر .
وإذا كان الذوق الانسان ـ والدين بالطبع ـ لا يستسيغان العبث ـ بهذا الشكل ـ بحياة الحيوان ، فكيف جاز « الخليفة » أن يفعل ذلك بالبشر !! ولكنها الاخلاق الاموية على كل حال .
ويظهر ظلم الامويين ـ بابشع اشكاله ـ في تصرفات ولاتهم القساة وفي مقدمتهم الحجاج بن يوسف الثقفي .
وإلى القارئ هذا الجانب المخيف من تلك القسوة .
كتب عبد الملك بن مروان (1) للحجاج أن يعرض أسرى دير الجماجم على السيف وقال له :
فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل سبيله .
ومن زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه . ففعل . فلما عرضهم أتى بشيخ وشاب .
فقال للشاب : أمؤمن أنت ام كافر ؟ قال بل كافر .
فقال الحجاج لكن الشيخ لا يرضى بالكفر . فقال الشيخ أعن نفسي تخادعني يا حجاج !! والله لو كان شيء أعظم من الكفر لارتضيت به .
فضحك الحجاج وخلى سبيلهما . ثم قدم إليه رجل فقال له على دين من أنت ؟ قال على دين ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين . فقال أضربوا عنقه .
ثم قدم آخر فقال له : على دين من أنت ؟ قال على دين ابيك الشيخ يوسف ... فقال : خل سبيله يا غلام .
____________
1 ـ ابن عبد ربه « العقد الفريد » 3 | 256 ـ 257 .
( 163 )

فلما خلى عنه انصرف إليه فقال له يا حجاج سألت صاحبي على دين من أنت فقال على دين ابراهيم حنيفا وما كان المشركين . فأمرت به فقتل .
وسألتني على دين من انت فقلت : على دين أبيك الشيخ يوسف فأمرت بتخلية سبيلي !! والله لو لم يكن لابيك من السيئات إلا أنه ولد مثلك لكفاه . فأمر به فقتل .. ثم أتى بعامر الشعبي ومطرب بن عبد الله بن الشخير وسعيد بن جبير ...
فلما قدم له الشعبي قال : أكافر انت ام مسلم ؟ قال :
أصلح الله الأمير بنا بنا المنزل واجدب بنا الجناب واستحلنا الخوف واكتحلنا السهر وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء .
قال الحجاج صدق والله . خليا عنه .
ثم قدم إليه مطرف بن عبد الله فقال له أكافر انت ام مؤمن ؟ قال :
اصلح الله الامير إن من شهر العصا ونكث البيعة ، وفارق الجماعة ، وأخاف المسلمين لجدير بالكفر فقال صدق . خليا عنه .
ثم أتى بسعيد بن جبير . فقال له . أنت سعيد بن جبير ؟ قال نعم : قال لا بل شقي بن كسير . قال : أمي أعلم بأسمي منك . فقال : شقيت وشقيت أمك . قال : الشقاء لأهل النار .
قال اكافر انت ام مؤمن ؟ قال ما كفرت بالله منذ آمنت به . قال : أضربوا عنقه . »
خبرونا على أي شيء يدل سلوك الحجاج وخليفته ؟!!
هل الخروج على أئمة الكفر ـ لإرجاعهم إلى حضيرة الدين ـ كفر بالله ؟


( 164 )

يعاقب عليه بالقتل ؟ هل فعل الرسول ـ باسرى قريش من المشركين ـ .
ما فعله الامويون بهؤلاء المسلمين ؟
الواقع : إن تلك أمثلة ـ كسابقاتها ـ « يسند بعضها بعضا » تدل على جاهلية القوم وتمردهم على الدين .. ويلوح لي : إن أسرى دير الجماجم كان يتنازعهم خوف ذو جانبين :
خوف من الله وخوف من « الوهية » الامويين ، والحجاج على حساب الله . وتنعكس الاية في الجانب الثاني . نقول :
الوهية الحجاج والامويين ونحن غير متجنين عليهم .
فقد مر بنا ما قاله عبد الملك للحجاج بشأن الاسرى : فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل سبيله . ومن زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه . »
وقد استلزم موقفهم من الله ان يطوحوا بحياتهم ، كما استلزم موقفهم من الطاغوت أن يطوحوا بدينهم وخلقهم . فاختار بعضهم الموقف الاول فعرضوا على السيف .
وجنح آخرون نحو الموقف الثاني فأرتاح لهم الحجاج وعفا عنهم .
كل ذلك والحجاج امير المسلمين يحكم بأسم « امير المؤمنين » نيابة عن رسول الله !! .

6 ـ شهادة الزور
وهي : موبقة لا تقل شناعة عما سبقها . وقد استبشعها الاسلام ومنعها وعاقب عليها . ولشهادة الزور نتائج وخيمة ، مادية ومعنوية ، قريبة وبعيدة ، مباشرة وغير مباشرة . وتتعلق شهادة الزور ـ اشد التعلق ـ بالموبقات التي ذكرناها


( 165 )

فتكون سببا لبعضها ونتيجة لبعض آخر . وفي معرض التحدث عن شهادة الزور قال مالك بن أنس (1) قيل لرسول الله ما الكبائر ؟ فقال : « الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور . » أي ان شهادة الزور ـ بنظر النبي ـ كالشرك بالله ، وهو أعظم منكر في الاسلام وكقتل النفس التي حرم الله .
ولم يتردد الامويون من الاستعانة بهذا السلاح ـ الخطر ـ للتنكيل بخصومهم لا لذنب إقترفوه بل لأنهم يطالبون الامويين ، الذين يحكمون باسم الدين ، الا يخرجوا عليه .
ويرتكب الامويون ـ عند إستعانتهم بشهادة الزور ـ موبقتين في آن واحد : تلفيق الشهادة ، والعقاب على جرم ملفق .
وفي تاريخ الامويين من ذلك الشيء كثير . ولعل أشهر شهادات الزور في التاريخ الاموي تلك الشهادة التي يلفقوها ضد حجر بن عدي وأصحابه .
وإلى القارئ نصها (2) : هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى الاشعري لله رب العالمين . شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة . وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع امير المؤمنين ـ معاوية بن أبي سفيان ـ وكفر بالله عزوجل كفرة صلعاء .
فقال زياد بن سمية : على مثل هذه الشهادة فأشهدوا .. فشهد اسحق بن طلحة ابن عبيد الله وموسى بن طلحة واسماعيل بن طلحة والمنذر بن الزبير ...
والسري بن وقاص الحارثي ـ كتبت شهادته وهو غائب في عمله ـ ..
____________
1 ـ صحيح مسلم بن الحجاج : 1 | 49 .
2 ـ الطبيري ، تاريخ الامم والملوك 6 | 149 ـ 155 .

( 166 )

والهيثم بن الاسود النخعي ـ وكان يعتذر إليهم ـ ... وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هانئ الحارثي .
فأما شريح القاضي فقال : سالني عن حجر فأخبرته أنه كان صواما قواما .
وأما شريح بن هانئ الحارثي فكان يقول : ما شهدت . ولقد بلغني أن كتبت شهادتي فأكذبته ولمته . »
فهل يجيز الخلق الكريم شهادة الزور ؟
وهل يستسيغها الاسلام ؟ يهون الامر ـ على فظاعته ـ لو كان فاعله من عامة المسلمين . فكيف به وهو أمير من أمرائهم !!
وفي هذه الشهادة تزوير مضاعف :
فقد لفقت صيغتها بمجموعها كما لفقت شهادة من لم يكن حاضرا أثناء التلفيق .
وقد لفق تلك الشهادة حاكم يزعم أنه يحكم باسم « خليفة السلمين » و « امير المؤمنين » الذي ينوب في حكمه عن رسول الله .
أما الشهود ففي مقدمتهم ـ كما يلاحظ القارئ ـ : أبناء رجال يعتبرهم كثير من المسلمين من خيار صحابة الرسول . وقد قدم بعضهم شهادته الكاذبة ـ وأبوه ما زال حيا ـ ولم يمض على وفاة الرسول نصف قرن . فأبو بردة بن أبي موسى الاشعري بطل التحكيم الذي « خلع » معاوية يعتبر معاوية ـ الذي خلعه ابوه ـ اميرا للمؤمنين .
واسحق وموسى ، واسماعيل أبناء طلحة والمنذر بن الزبير يشهدون على حجر أنه خلع الطاعة وفارق الجماعة وجمع إليه الجموع ويدعوهم إلى نكث البيعة وخلع « امير المؤمنين » معاوية بن ابي سفيان .


( 167 )

وقد نسى السادة : اسحق وأخواه ـ موقف أبيهم طلحة من امام زمانه ونكثة البيعة وخروجه الى البصرة مع جمل السيدة عائشة ام المؤمنين .
كما نسي المنذر موقف أبيه الزبير .
وهذا من مفارقات التاريخ الاسلامي المملوء بالمفارقات ...

7 ـ نقض العهد
وهو موبقة من أبشع الموبقات التي حاربها الاسلام لما يترتب عليها من فقدان الثقة بين الناس ومن نتائج مادية ومعنوية على جانب كبير من الوخامة والضرر .
وتتجسم بشاعته إذا صدر من صاحب النفوذ ـ فكيف به إذا كان « اميرا » للمؤمنين !! ولهذه الموبقة علاقة وثقى بالموبقات التي ذكرناها .
جاء في سورة الفرقان : « وأوفوا العهد إن العهد كان مسؤولا . »
وذكر البخاري : بأسانيده المختلفة ( 1 ) عن حذيفة بن اليمان أنه « قال : ما منعني ان اشهد بدرا ، إلا أني خرجت أنا وأبي حيل . فأخذنا كفار قريش . فقالوا : إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده . نريد المدينة . فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه . فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر . فقال : إنصرفا . نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عزوجل . »
وقد ضرب الرسول للمسلمين أسمى مثل في المحافظة على العهد في القضية المذكورة . فقد أمر هذين الرجلين ـ اللذين ساقهما تفادي ما لا تحمد عقباه أن يعطيا ميثاقا للكفار بعدم الالتحاق بالنبي ـ بالمحافظة على ذلك الميثاق ـ للكفار الذين لا مواثيق عندهم ـ .
____________
1 ـ صحيح البخاري 2 | 89 .
( 168 )

وفي وقت كان النبي أحوج ما يكون لنصرتها للمحافظة على بيضة الدين .
غير أن « خلفاء » الامويين قد ساروا ـ كما جرت عادتهم ـ سيرا يناقض سير النبي تمام المناقضة .
ويلوح للباحث أنهم ـ قد ورثوا ـ هذه الموبقة ـ من جاهليتهم كما ورثوا موبقاتهم الاخرى .
ذكر ابن هشام ( 1 ) موقف ابي سفيان « عندما اسر المسلمون في بدر إبنه عمرا » من المسلمين الذين تعاهد معهم بعدم التعرض لهم والاعتداء عليهم . إذ بينما كان عمرو محبوسا في المدينة خرج سعد بن النعمان بن أكال « أخو بني عمرو بن عوف » معتمرا . وكان شيخا مسلما .
فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو . وأنشد مفتخراً .

ارهط بن أكال أجيبوا دعـاءه * تعاقدتـم لا تسلموا السيد الكهلا
فان بني عمرو لئـام أذلــة * لئن لم يكفوا عن أسيرهم الكبلا

أما الامثلة الاخرى على نكث الامويين عهودهم وهم حكام المسلمين فكثيرة . وقد مر قسم كبير منها في الفقرات السابقة .
ويلوح للباحث بأن الوفاء بالعهد ركن من أهم الاركان الخلقية التي بنى عليها الاسلام . فقد نص عليه القرآن ـ كما رأينا ـ .
والتزم به رسول الله في أقواله وأفعاله على السواء .
وفي تاريخ النبي أمثلة كثيرة تؤيد ما نقول . وقد مر بنا ذكر بعضها .
أما الامثلة الاخرى فتشير إلى وفاء رسول الله بعهده للمسلمين والمشركين على
____________
1 ـ سيرة النبي محمد 2 | 294 .
( 169 )

السواء . ولا نظن أن موقفه في الحديبية ـ مع سهيل بن عمرو زعيم المشركين ـ غريب على كثير من القراء .
فقد اشترط سهيل ـ النبي كما هو معروف ـ « من جملة ما اشترط » أن يرد الرسول من يلتحق به من المشركين إلى أهله . ولا عكس .
وقد وافق الرسول على ذلك . !! فأقبل أبو جندل ـ بن سهيل عمرو ـ يحمل في القيود . وكان أسلم فأشفق أبوه اين يلحق بمحمد فقيده . فأقبل ابو جندل حتى ألقى نفسه بين رجال المؤمنين وقال :
أنشدكم الله والاسلام أن لا تردوني الى الكفار . فحماه ناس من أصحاب رسول الله فقال سهيل : للنبي أذكرك عهدك . فأمر رسول الله بابن سهيل ان يدفع إليه ( 1 ) . » ولم يغب وفاء الرسول بالعهد ـ وفق مستلزمات الاسلام ـ حتى عن ذهن خصومه .
فهذا ابو سفيان ـ اشد خصوم النبي والاسلام ـ لم يستطع نكران ذلك عند محاورته مع هرقل حول النبي ـ خصمه اللدود ـ . قال الواقدي ( 2 ) : « وكان ابو سفيان عند هرقل في تجارة . فقال هرقل : يا ابا سفيان لقد كان يسرني ان القى رجل من اهل بلدك يخبرني عن هذا الرجل الذي خرج منكم .
فقال ابو سفيان : على الخبير سقطت . سلني عما شئت من أمره .
فقال هرقل : حدثني عنه ابني هو ام كذاب ؟ فقال ابو سفيان : هو كذاب . قال هرقل : ما الذي يامركم به ؟ وما الذي ينهاكم عنه ؟
____________
1 ـ الواقدي « مغازي رسول الله » ص 310 .
2 ـ المصدر نفسه ص 223 .

( 170 )

قال ابو سفيان : يأمرنا ان ننحني طرفي النهار كما تنحني النساء ، وأن نعطيه خراجا من اموالنا كل عام . وينهانا عن الميتة والدم ..
قال هرقل : أخبرني هل يغدر إذا واثق ؟ قال ابو سفيان لا . ما غدر قط . »

8 ـ ولاة السوء
استعان الامويون بطائفة ضخمة من الولاة القساة الفجرة في تصريف شئون المسلمين ( 1 ) . فكان هؤلاء لا يقلون ـ عن أسيادهم الامويين ـ جفاء لروح الدين وخروجا سافرا على مقاوماته وتعاليمه .
وقد اشترك هؤلاء ـ مع الامويين ـ في جميع الموبقات التي ذكرناها بشكل مباشر أحيانا وبشكل غير مباشر أحيانا اخرى .
واشهر هؤلاء الولاة ـ وهم كثيرون ـ عمرو بن العاص وزياد بن سمية والحجاج بن يوسف الثقفي .
فعمرو وهو ابن العاص بن وائل السهمي « أحد المستهزئين برسول الله والمكاشفين له بالعداوة والبغضاء والاذى » .
وكان العاص يدعى الابتر وفيه نزل قوله : « إن شانئك هو الابتر » .
قال ابن اسحق : ( 2 )
« وكان خباب بن الارت ـ صاحب رسول الله ـ قينا ، أي حدادا بمكة
____________
1 ـ أما القواد الذين اعتمد عليهم الامويون فقد كانوا اشد من الولاة واقسى . وقد مر بنا طرف من اخبارهم وخاصة بسر بن أرطأة .
2 ـ ابن هشام « سيرة النبي محمد » 1 | 380 .

( 171 )

يعمل السيوف وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له . حتى اذا كان عليه مال فجاء يتقاضاه فقال له : ياخباب أليس يزعم محمد صاحبكم ـ هذا الذي انت على دينه ـ ان في الجنة ما ابتغى اهلها من ذهب او فضة او ثياب او خدم ؟
قال خباب بلى . قال انظرني الى يوم القيامة يا خباب حتى ارجع الى تلك الدار فاقضيك هنالك حقك . فو الله : لا تكون انت ـ وصاحبك ـ يا خباب آثر عند الله مني .
فأنزل الله فيه : أفرأيت الذي كفر بآيتنا وقال لأوتين مالا وولدا اطلع الغيب .. الى قوله ونرثه ما يقول ويأتينا فردا . »
اما ام عمرو بن العاص فهي النابغة التي مر بنا ذكر جانب من فجورها وعهرها عندما تحدثنا عن ابي سفيان .
وأما زوج عمرو فقد اتهمت هي الاخرى بالاجتماع على زنى مع عمارة ابن الوليد بن المغيرة ـ اخى خالد بن الوليد .
فقد ذكر ذلك ابن اسحق في كتابه : عن عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص ـ عند خروجها الى الحبشة للايقاع بالمسلمين هناك ـ .
وكان عمارة جميلا وسيما تهواه النساء . وهو صاحب محادثة لهن . فركبا البحر . ومع عمرو بن العاص امرأته . حتى إذا صاروا في البحر أصابا من خمر معما . فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص : قبليني .
فقال لها عمرو قبلي بن عمك : فهويها عمارة وجعل يراودها عن نفسها . » ( 1 )
وأما عمرو نفسه فقد كان اشد خصوم الرسول في بدر واحد .
____________
1 ـ ابن ابي الحديد ، « شرح نهج البلاغة » 2 | 107 الطبعة الاولى بمصر .
( 172 )

وكان عمرو أحد الذين تعقبوا زينب بنت النبي حين خرجت مهاجرة ـ من مكة إلى المدينة ـ وقرعوا هودجها بكعوب رماحهم حتى اجهض جنينا ميتا من بعلها ابي العاص بن الربيع قبل إسلامه . وقد روى الواقدي وغيره من الرواة .
إن عمروا هجا رسول الله واتهم بالتعاون مع آخرين امثال : عقبة بن ابي معيط كانوا يؤذون رسول الله بأيديهم ويلقون القاذورات في مصلاه والعوسج على رأسه .
وعمرو هو القائل يوم أحد عندما حارب النبي في صفوف المشركين :

لما رأيت الحرب ينزو شرها بالرضف نزوا
أيقنت ان الموت حق والحيــاة تكون لغوا
حملت أثوابي على عتد يبذ الخيـل رهـوا

فلما يئس عمر ، من الانتصار على النبي في الحرب لجأ إلى الغدر والدس والتواري عن الانظار .
قال عمرو نفسه على ما يذكر ابن هشام ( 1 ) : « لما انصرفنا من الاحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأي ويسمعون مني فقلت لهم : إني أرى أمر محمد يعلو الامور علوا منكرا ... فأرى ان نلحق بالنجاشي فنكون عنده . فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي . فإما ان نكون تحت يديه أحب الينا من ان نكون تحت يدي محمد فإن ظهر قومنا فنحن من عرفوا . »
وكان عمرو من أكبر المؤلبين على عثمان بن عفان والمخذلين عن نصرته لانه عزله عن ولاية مصر .
____________
1 ـ سيرة النبي محمد 3 | 317 .
( 173 )

« فكان يؤلب الناس عليه ويحرضهم ما وسعه ذلك سرا . على أنه لم يتردد ان قال لعثمان جهرة في المسجد : إنك ركبت بالناس أمورا وركبناها معك فتب إلى الله نتب .
وتلقى عثمان ذلك اسوأ لقاء . فلما اشتدت وعرف أنها منتهية إلى غايتها أثر ان يعتزلها في طورها ذاك . فخرج إلى أرض كان يملكها بفلسطين فأقام فيها يتنسم الاخبار .
وكان عمرو وابناه على ما هم عليه بفلسطين حتى جاءهم النبا بقتل عثمان . فقال عمرو لابنه عبد الله أنا ابوك ما حككت قرحة إلا أدميتها ـ يريد أنه مهد للفتنة والثورة بعثمان فأحكم التمهيد وانتهى الامر إلى غايته ( 1 ) . » ويحدثنا عمرو نفسه عن بعض ما فعله من التأليب على عثمان وهو في طريقه إلى فلسطين فيقول على ما يذكر البلاذري ( 2 ) :
« والله أني كنت لالقى الراعي فأحرضه على عثمان . » أما موقفه الدنيء في التحكيم فلا يحتاج إلى شرح .
فقد أغفل ابا موسى الاشعري ـ ابتداء ـ وألقى في روعه أن موضوع التحكيم ينحصر في تعيين خليفة للمسلمين ـ كأن خلع علي من الخلافة قد بات أمراً مفروغا .
ولما اطمأن عمرو إلى ثبوت ذلك في ذهن ابي موسى جعل موضوع البحث ينحصر في الاتفاق على مرشح جديد .
____________
1 ـ الدكتور طه حسين : « الفتنة الكبرى » : علي وبنوه ص 67 ـ 68 .
2 ـ أنساب الاشراف : 5 | 74 .

( 174 )

ولما ظهر أنهما لم يتفقا على شخص معين طلب عمرو من أبي موسى ان يوجد حلا للخروج من ذلك المأزق الحرج الذي يتوقف عليه مصير المسلمين آنذاك .
فتقدم ابو موسى باقتراح جديد ظنه كسبا له واندحارا لابن العاص . فقد خيل اليه انه سينتصر إذا ما وافق عمرو على « خلع » معاوية بعد أن بات على خلع « علي » أمرا متفقا عليه . فوافق عمرو ـ في الظاهر ـ على الفكرة وأغرى صاحبه أن يعلنها للناس . ثم عاد فغدر به . فبرز عمرو ـ في ذلك كله ـ بأبشع ما يبرز فيه الرجل من الخداع والدس والتدني عن مستويات الاخلاق الرفيعة .
ومن طريف ما يروي عن عمرو قوله لعائشة . « كنت أود أنك قتلت يوم الجمل .
قالت : ولم لا أبا لك !! قال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي بن أبي طالب . »
و« روى ابن مزاحم قال : حدثني يحيى بن يعلى قال حدثني صباح المزني عن الحرث بن حصن عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن حكيم الفزاري قال : كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى وقد استظللنا برداء أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى الينا وقال :
أيكم عمار بن ياسر ؟ فقال عمار : أنا عمار . قال ابو اليقظان ؟ قال نعم ـ
قال إن لي اليك حاجة . قال : أفأنطق بها سرا او علانية ؟ قال اختر لنفسك ايهما شئت . قال . لا بل علانية . قال : فانطق بها . قال إني خرجت من اهلي مستبصرا حتى ليلتي هذه . فإني رأيت في منامي مناديا تقدم فأذن وشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ونادى بالصلاة ونادى مناديهم مثل ذلك . ثم اجتمعت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة .


( 175 )

فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلهما الا الله حتى اصحبت فاتيت امير المؤمنين فذكرت ذلك له . فقال : هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت لا ..
قال : فألقه فانظر ماذا يقول لك عمار فاتبعه . فجئتك لذلك .
قال عمار : تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي ؟ فإنها راية عمرو بن العاص قاتلها مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة . فما هي بخيرهن ولا أبرهن بل شرهن وأفجرهن .
أشهدت بدراُ واحداً ويوم حنين او شهدها اب لك فيخبرك عنها ؟ قال لا . قال : فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم احد ويوم حنين ، وإن رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب .
فهل ترى هذا المعسكر ومن فيه ؟
والله لوددت ان جميع من فيه ممن مع معاوية يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته . والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور .
أفتراني بينت لك !! قال قد بينت لي. قال : فاختر أنى ذلك احببت . فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال : اما إنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا . والله ما هم من الحق على ما يقذي عين دباب . لو ضربونا باسيافهم حتى يبلغونا سعفان هجر لعلمنا انا على حق وانهم على باطل ( 1 ) . »
____________
1 ـ ابن ابي الحديد : « شرح نهج البلاغة » 1 | 506 . لقد ضرب عمار ـ في ذلك أروع مثال في التضحية في سبيل الاسلام وجهاد الخارجين عليه . وقد مر بنا ذكر صور أخرى من ذلك في مقدمة الكتاب .
( 176 )

أما زياد بن سمية والحجاج بن يوسف فلم يدركا النبي ليساهما في إيذائه . ولكنهما نالا من تعاليمه ودينه بقدر ما نال ابن العاص من شخصه الكريم .
فقد عاث هذان الاميران الفاجران في الارض فسادا وعبثا بأرواح المسلمين وممتلكاتهم وعقائدهم .
فقتلا من قتلا وحبسا ونفيا وعذبا من المسلمين عددا كبيرا .
وقد مر بنا ذكر جانب من تصرفات ابن سمية وطرفا من سلوك امه التي كانت من ذوات الرايات .
ذكر الطبري : أن زياد بن أبيه حينما كان واليا على البصرة « كان يؤخر صلاة العشاء .. ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج . ولا يرى إنسانا إلا قتله . قال : فلقى ليلة إعرابيا فأتى به زياداً فقال : هل سمعت النداء ؟ قال لا والله . قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع . فأقمت لأصبح ولا علم لي بما كان من الامر . قال : اضنك ـ والله ـ صادقا ولكن في قتلك صلاح هذه الامة . ثم أمر به فضربت عنقه .
كان زياد اول من شد امر السلطان وأكد الملك لمعاونه والزم الناس لطاعته وتقدم في العقوبة وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة ( 1 ) .
والغريب في الامر إن ابسط العقوبات الشائعة في العهد الاموي هي القتل . وكان ينبغي ان تكون تلك العقوبة آخر العقوبات حسب تعاليم الدين والعرف السياسي الشائع . وأغرب من ذلك ان القتل كان يجري على التهمة ودون محاكمة او سماع لوجهة نظر المتهم .
____________
1 ـ « تاريخ الامم والملوك 7 | 217 .
( 177 )

ونود في ختام هذا الجانب من جوانب الدراسة ان نعرض على القارئ طرفا من تصرفات الحجاج الذي ملأ اسمه أسماع الناس مقرونا بالظلم والبغي والخروج على تعاليم الاسلام .
هذا إلى ان الحجاج قد ساهم في جميع الموبقات الاموية التي ذكرناها ، وأسرف في قتل النفس التي حرم الله .
« وكان الحجاج يخبر عن نفسه ان اكثر لذاته سفك الدماء وارتكاب امور لا يقدم عليها غيره ولا سبق إليها سواه ( 1 ) .
وقد سأل الحجاج يوما بعض كتابه عن رأي الناس فيه فاستعفاه الكاتب فلم يعفه . « فقال : يقولون إنك علوم ، غشوم ؛ قتال ، عسوف ، كذاب ( 2 ) .
وقد سأل يوما عبد الملك بن مروان ان يصف نفسه على حقيقتها .
فقال اعفني يا اميرالمؤمنين : قال لتفعلن .
قال : أنا لجوج ، حقود ، حسود .
قال عبد الملك ما في الشيطان شر مما ذكرت ( 3 ) .
____________
1 ـ المسعودي : « مروج الذهب » 3 | 67 . ومن الطريف ان نذكر هنا ان ظلم الرعية من اسهل الامور التي يستطيع ان يقوم بها الحاكم إذا توافرت لديه عناصر القوة في جهازه الحكومي . وأن غالبية الناس ـ في العادة ـ يتحملون الذل ويألفون الانقياد تفاديا التعذيب او القتل . وإذا رأينا بعض الحكام لا يميلون الى الشدة ـ رغم توافر الامكانيات المادية لاستعمالها ـ فان مرد ذلك على ما نرى . ليس هو الخوف من الرعية و من انتفاضها بقدر ما هو الخوف من وخز الضمير وعقاب النفس .
2 ـ الجهشياري : « الكتاب والوزراء » ص 42 .
3 ـ ابن قتيبة : « عيون الاخبار » مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة . الطبعة الاولى .

( 178 )

لقد مر بنا القول ان اسم الحجاج مقرون في العادة ـ عند كثير من الناس ـ بالشدة والقسوة المتناهيتين . حتى اصبح اسمه يضرب فيه المثل في اخذ الرعية بسياسة الشدة بإبشع صورها .
وقد يخيل لبعض الناس ان هذه الشدة تدل على الرجولة والشجاعة . غير اني ارى انها تدل على الجبن والتخاذل . لان الشجاعة إنما تظهر عند الرجل في مواقفه مع من هم في منزلته « من الحياء والسطوة والنفوذ او القوة الجسمية » أو مع من هم فوقه في ذلك .
أما ان يستعمل المرء ضروب القسوة والشدة مع من هم دونه ، في السطوة والنفوذ ، او مع العزل من الناس فأمر ان دل على شيء فإنما يدل على الخسة والجبن وضعة النفس ، خاصة إذا ما كانت مواقف ذلك الشخص ـ مع من هم أعلى منه ـ تنطوي على الجبن والتهافت .
وإلى القارئ موقف الحجاج مع عبد الملك بن مروان في قضيتين هامتين :
عندما اسرف الحجاج في قتل اسارى دير الجماجم وعلم بذلك عبد الملك بن مروان كتب اليه يزجره وذيل كتابه بالابيات التهديدية التالية :

إذا أنت لم تطلب امورا كرهتهـا * وتطلب رضائي بالذي انت طالبه
وتخشـى الذي يخشاه مثلي هاربا * إلـى الله منـه ضيع الدير حالبه
فإن ترمنـي غفلــة قرشيــة * فيـا ربما قد غص بالماء شاربه
وإن ترمنــي وثبــة امويـة * فهذا وهــذا كـل ذا أنا صاحبه
فال لا تلمني والحوادث جمــة * فإنك مجـزي بمــا أنت كاسبه
ولا تعد ما يأتيك مني وإن تعـد * يقوم بها يوما عليك نوادبه ( 1 )

____________
1 ـ المسعودي : « مروج الذهب ومعادن الجوهر » 3 | 74 ـ 76 .
( 179 )

والحجاج إنما اسرف في القتل خدمة للعرش الاموي لا شك في ذلك عنده او عند عبد الملك او عند الاخرين .
فلما قرأ الحجاج كتاب عبد الملك أجابه متخاذلا متراجعا ذليلامتهافتا ، طفحت وضاعة نفسه على لسانه ، وذيل كتابه بالابيات التالية :

إذا أنا لـم اتبـع رضـاك واتــق * أذاك فيومـي لا تــزول كواكبـه
ومـا لا مرئ ـ بعد الخليفة ـ جنة * تقيـه من الامر الذي هو كاسبــه
أسالـم من سالمت من ذي قرابــة * ومن لم تسالمــه فأنـي محاربـه
إذا قارف الحجاج منـك خطيئــة * فقـامت عليه في الصيــاح نوادبه
إذا أنا لـم أدن الشفيــق لنصحـه * واقص الذي تسرى إلى عقاربــه
فمن ذا الذي يرجو نوالي ويتقــي * مصاولتــي والدهــر جم نوائبه
فقف بي على حد الرضا لا اجـوزه * مدى الدهر ـ حتى يرجع الدر حالبه

هناك ـ على ما يبدو ـ حجاجان . حجاج القسوة والشدة مع العزل والضعفاء والابرياء . والحجاج التخاذل والجبن مع القساة الفجرة من الحكام والامراء .
حجاج « يرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها : يعصب الناس عصب السلمة حتى يذلوا ويضربهم ضرب غرائب الابل حتى يذروا العصيان وينقادوا »
وحجاج آخر جبان متخاذل إذا لم يبع رضا الخليفة ويتق إذاه فليله لا تزول كواكبه . حجاج يقوله :

وما لامرئ ـ بعد الخليفة ـ جنة * تقيه من الامر الذي هو كاسبه

حجاج يخاطب الخليفة متضرعا :

فقف بي على حد الرضــا لا أجـوزه * ـ مدى الدهر ـ حتى يرجع الدر حالبه

أما المثال الثاني ـ الذي يتخاذل الحجاج فيه امام سيده عبد الملك « بعد أن


( 180 )

تعالى وتجبر على فرد أعزل من رعاياه » فقد ذكره ابن الاثير ( 2 ) حين قال : فحين دخل على الحجاج أنس بن مالك قال له الحجاج : لا مرحبا ولا اهلا بك يا ابن الخبيثة ، شيخ ضلالة ، جوال في الفتن .. أما والله لا جردنك جرد القضيب ، ولاعصبنك عصب السلمة ، ولأقلعنك قلعة الصمغة .
فقال أنس : من يعني الامير ؟ قال إياك أعني أصم الله صداك . فرجع أنس فكتب إلى عبد الملك كتابا يشكو فيه الحجاج ...
فكتب عبدالملك الى الحجاج : إنك عبد طمت بك الامور فعلوت حتى عدوت طورك ، وجاوزت قدرك . يا ابن المستضرمة بعجم الزبيب لأغمزنك غمزت كبعض غمزات الليوث والثعالب ، ولأخبطنك خبطة تود لها أنك رجعت في مخرجك من بطن أمك .
أما تذكر حال آبائك في الطائف حيث كانوا ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحتفرون الابار بأيديهم في أوديتهم ومياههم ؟ !
أنسيت حال آبائك في اللؤم والدناءة ، في المروءة والخلق ؟ وقد بلغ امير المؤمنين الذي كان منك إلى انس بن مالك ...
فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين ، أصك الرجلين ، ممسوح الجاعرتين ...
أكرم أنسا واهل بيته ، واعرف حقه ولا تقصر في شيء من حوائجه .
وبعث بالكتاب مع اسماعيل بن عبد الله « مولى بني مخزوم ، فأتى اسماعيل بكتاب امير المؤمنين فقرأه . وأتى الحجاج بالكتاب إليه فجعل يقرؤه ووجهه يتغير وجبينه يرشح عرقا ويقول : يغفر الله لأمير المؤمنين . ثم اجتمع بأنس . فرحب الحجاج به واعتذر اليه . »
____________
1 ـ الكامل في التاريخ 4 | 39 .
( 181 )

ونود أن نختم هذا البحث بعرض آراء طائفة من أجلة المسلمين في « تزكية » الحجاج . قال ابن عبد ربه : ( 1 ) « حدثنا هشام بن يحيى عن أبيه قال : حدثنا عمر بن عبد العزيز قال : لو جاءت كل أمة بمناقبها وجئنا بالحجاج لفضلناهم . »
وذكر ميمون بن مهران عن الاجلح « قال : قلت للشعبي يزعم الناس ان الحجاج مؤمن !! قال مؤمن !! بالجبت والطاغوت كافر بالله .
وقال علي بن عبد العزيز عن اسحق بن يحيى عن الاعمش قال :
اختلفوا في فقالوا بمن ترضون ؟ قالوا بمجاهد . فأتوه فقالوا إنا اختلفنا في الحجاج .
فقال أجئتم تسألونني عن الشيخ الكافر !!!
وقال محمد بن كثير عن الاوزاعي قال : سمعت القاسم بن محمد يقول :
كان الحجاج بن يوسف ينقض عرى الاسلام عروة عروة . » انتهى .