5 ـ وعن علي بن عمرو العطار ، قال : « دخلت علي ابي الحسن العسكري عليه السلام وابو جعفر ابنه في الاحياء ، وانا اظن انه هو ، فقلت له : جعلت فداك ، من اخص من ولدك؟فقال : لاتخصوا احدا حتي يخرج اليكم امري.
قال : فكتبت اليه بعد : فيمن يكون هذا الامر؟قال : فكتب الي : في الكبير من ولدي. قال : وكان ابومحمد اكبر من ابي جعفر » (1).
6 ـ وعن ابي بكر الفهفكي قال : « كتب الي ابو الحسن عليه السلام: ابومحمد ابني انصح ال محمد غريزة ، واوثقهم حجة ، وهو الاكبر من ولدي وهو الخلف ، واليه تنتهي عري الامامة واحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يحتاج اليه » (2).
7 ـ وعن داود بن القاسم ، قال : « سمعت ابا الحسن عليه السلام يقول : الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟فقلت : ولم جعلني الله فداك؟فقال : انكم لاترون شخصه ولايحل لكم ذكره باسمه » (3).
8 ـ وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبدالعظيم الحسني قال : « دخلت علي سيدي علي بن محمد عليه السلام ، فلما بصر بي قال لي : مرحبا بك يا ابا القاسم ، انت ولينا حقا قال. فقلت له : يابن رسول الله ، اني اريد ان اعرض عليك ديني فان كان مرضيا ثبت عليه حتي القي الله عزوجل. فقال : هات ياابا القاسم ، فقلت : اني اقول : ان الله تبارك وتعالي واحد ليس كمثله شيء...وان
(1) اصول الكافي1 : 326 /7من نفس الباب المتقدم.
(2) اصول الكافي1 : 327 /11من نفس الباب المتقدم.
(3) اصول الكافي1 : 328 /13من نفس الباب المتقدم.
(115)
محمدا صلى الله عليه و اله عبده ورسوله...وان الامام والخليفة وولي الامر بعده امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسي بن جعفر ، ثم علي بن موسي ، ثم محمدبن علي ، ثم انت يا مولاي. فقال عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده؟قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي؟قال : لانه لايري شخصه ولايحل ذكره باسمه حتي يخرج فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. قال : فقلت : اقررت » (1).
9 ـ وعن علي بن عبدالغفار ، قال : ان الامام الهادي عليه السلام كتب الي شيعته : « الامر مي مادمت حياً ، فاذا نزلت بي مقادير الله عزوجل اتاكم الله الخلف مني ، واني لكم بالخلف بعد الخلف؟ » (2).
10 ـ وعن الصقر بن ابي دلف قال : « سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول : ان الامام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » (3).
11 ـ وروي شيخ الطائفة ابوجعفر الطوسي بالاسناد عن علي بن عمر النوفلي ، قال : « كمت مع ابي الحسن العسكري عليه السلام في داره ، فمر عليه ابوجعفر ، فقلت له : هذا صاحبنا؟فقال : لا ، صاحبكم الحسن » (4).
(1) اكمال الدين : 379/1 ـ باب 37.
(2) اكمال الدين : 382/8 ـ باب 37.
(3) اكمال الدين : 383/10 ـ باب 37.
(4) كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي : 198/163.
(116)
وعن احمد بن محمد بن رجاء صاحب الترك ، قال : « قال ابو الحسن عليه السلام : الحسن ابني القائم[اي بامر الامامة] من بعدي » (1).
13 ـ وعن احمد بن عيسي العلوي من ولد علي بن جعفر ، قال : « دخلت علي ابي الحسن عليه السلام بصريا فسلمنا عليه ، فاذا نحن بابي جعفر وابي محمد قد دخلا ، فقمنا الي ابي جعفر لنسلم عليه ، فقال ابو الحسن عليه السلام : ليس هذا صاحبكم ، عليكم بصاحبكم ، واشر الي ابي محمد » (2). الي غير هذا من النصوص الكثيرة التى انتخبنا منها تلك الاحاديث.
مزاعم بعض المرتابين بامامة العسكري عليه السلام :
اصر بعض المرتابين بامامة ابي محمد عليه السلام علي تبني اعتقادهم حتي بعد سماعهم النص عليه ووفاة ابي جعفر في حياةابيه ، فقالوا بامامة ابي جعفر المعروف بالسيد محمد بن الامام الهادي عليه السلام وتوقفوا عنده ، واعتقد بعضهم بغيبته وهم المحمدية ، واعتقد اخرون بوفاته وامامة جعفر بن علي بعده. وهم لم يعتمدوا في ذلك سوي الاراجيف والاباطيل التي كان يبثها ضعاف النفوس والمتربصين بالتشيع ، ولم تكن لديهم في اقوالهم تلك ادني حجة او برهان ، ومما يدل علي فساد قولهم امور عديدة ، وهي :
1 ـ عدم وجود النص الذي يثبت مدعاهم.
2ـ ثبوت انص علي ابي محمد عليه السلام وولده المهدي عليه السلام، كما في الاحاديث التي قدمناها ، ومنها ما يصرح بالنص علي امامة الامام الحسن
(1) كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي : 199/164.
(2) كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي : 199/165.
(117)
العسكري عليه السلام في حياة ابي جعفر ، والملاحظ ان النص علي ابي محمد عليه السلام كان في فترات تاريخية تستغرق معظم الاعوام الاثنين والعشرين التي قضاها مع ابيه ، فقد نص عليه بصريا ولما يزل صغيرا في المدينة كما مر ، ونص عليه بعد وفاة ابي جعفر اي نحو سنة252هـ ، كما تقدم في جملة من الاحاديث ، ونص عليه قبل وفاته باربعة اشهر كما في الحديث الاول ، واخبر بعض اصحابه ان الامام هو الذي يصلي عليه ، فصلي عليه ابو محمد عليه السلام ، ونحو هذا مما تقدم في احاديث النص عليه بالامامة.
3 ـ ثبوت موت ابي جعفر في حياة ابيه الامام الهادي عليه السلام موتا ظاهرا معروفا ، وقد ورد خبرموته رضى الله عنه متواترا (1). ومن هنا قال : شيخ الطائفة : واما المحمدية الذين قالوا بامامة محمد بن علي العسكري وانه حي لم يمت ، فقولهم باطل لما دللنا به علي امامة اخيه الحسن بن علي ابي القائم عليه السلام ، وايضا فقد مات محمد في حياة ابيه عليه السلام موتا ظاهرا ، كما مات ابوه وجده ، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات (2) ، ثم اورد ما يدل علي وفاته من الحديث.
4 ـ شهادة المخالفين بامامة ابي محمد العسكري عليه السلام واقرارهم بفضله ، ومنهم المعتمد الذي قصده جعفر الكذاب بعد وفاة ابيه عليه السلام ملتمسا دعم السلطة له في دعواه الامامة ، فقال له المعتمد : « ان منزلة اخيك لم تكن بنا ، انما كانت
(1) راجع علي سبيل المثال : اصول الكافي1 : 326 ـ 328 الاحاديث رقم 5و6و7و8و9و12 باب الاشارة والنص علي ابي محمد عليه السلام من كتاب الحجة ، واكمال الدين : 328/8 باب37 ، وكتاب الغيبة/الشيخ الطوسي : 203/170 وغيرها كثير.
(2) الغيبة/الشيخ الطوسي : 198و200 ، وراجع ص : 83.
(118)
بالله ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه ، وكان الله يابي الا ان يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة ، وحسن السمت ، والعلم والعبادة ، فان كنت عند شيعة اخيك بمنزلته ، فلا حاجة بك الينا ، وان لم تكن عندهم بمنزلته ، ولم يكن فيك ما كان في اخيك ، لم نغن عنك في ذلك شيئا » (1).
ومن رجال البلاط عبيدالله بن يحيي بن خاقان ، الذي كان للامام العسكري عليه السلام مجلس معه ، فتعجب ابنه احمد بن عبيدالله لمظاهر الحفاوة والاكرام والتبجيل التي حظي بها الامام عند ابيه عبيدالله فقال له : « يا ابه من الرجل الذي رايتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وابيك؟فقال عبيدالله ابن خاقان : يابني ذاك امام الرافضة ، ذاك الحسن ابن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة ، ثم قال : يابني لو زالت الامامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها احد من بني هاشم غير هذا ، وان هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ولو رايت اباه رايت رجلا جزلا نبيلا فاضلا.
قال احمد : فازددت قلقا وتفكرا وغيظا علي ابي وما سمعت منه واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال : فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره والبحث عن امره ، فما سالت احدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس ، الا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له علي جميع اهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره
(1) اكمال الدين : 479 ـ اخر باب43 ، الخرائج والجرائح3 : 1109.
(119)
عندي اذ لم ار له وليا ولا عدوا الا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه... » (1).
5 ـ انقراض هذه الفرقة وكذلك تلك التي تفرعت عنها ، في وقت متقدم من نشاتها ، وفي هذا دليل علي بطلانها ، وفي هذا قال الشيخ المفيد : « فلما توفي [الامام ابوالحسن عليه السلام] تفرقوا بعد ذلك ، فقال الجمهور منهم بامامة ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام ونقلوا النص عليه واثبتوه.
وقال فريق منهم : ان الامام بعد ابي الحسن ، محمد بن علي اخو ابي محمد عليه السلام ، وزعموا ان اباه عليا عليه السلام نص عليه في حياته ، وهذا محمد كان قد توفي في حياة ابيه ، فدفعت هذه الفرقة وفاته ، وزعموا انه لم يمت ، وانه حي ، وهو الامام المنتظر.
وقال نفر من الجماعة شذوا ايضاعن الاصل : ان الامام بعد محمد بن علي ابن محمد بن علي بن موسي عليه السلام ، اخوه جعفر بن علي ، وزعموا ان اباه نص عليه بعد مضي محمد ، وانه القائم بعد ابيه.
فيقال للفرقة الاولي : لم زعمتم ان الامام بعد ابي الحسن عليه السلام ابنه محمد. وما الدليل علي ذلك؟فان ادعوا النص طولبوا بلفظه والحجةعليه ، ولن يجدوا لفظا يتعلقون به في ذلك ، ولا تواتر يعتمدون عليه ، لانهم في انفسهم من الشذوذ والقلة علي حد ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد ، مع انهم قد انقرضوا ولابقية لهم ، وذلك مبطل ايضا لما ادعوه.
(1) اصول الكافي1 : 504/1اب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، اكمال الدين : 42 مقدمة المؤلف ، الارشاد2 : 322 ، روضة الواعظين : 250 ، اعلام الوري2 : 147.
(120)
ويقال لهم في ادعاء حياته ، ما قيل للكيسانية والناووسية والواقفة ، ويعارضون بما ذكرناه ، ولايجدون فصلا ، فاما اصحاب جعفر فان امرهم مبني علي امامة محمد ، واذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة علي صحته وقيامها علي امامة ابي محمد عليه السلام ، فقد بان فساد ماذهبوا اليه » (1).
الاول : الرسائل والتوقيعات التوجيهية
بعث الامام العسكري عليه السلام عن طريق وكلائه المزيد من الرسائل والوصايا التوجيهية الي شيعته ومواليه في مختلف ديار الاسلام ، وبعضها مفصلة نسبيا ، وهي تحمل في طياتها الدعوة الي التمسك بمبادئ الاسلام والعمل بشريعته السامية ، والتعلق بسبيل الحق المتمثل بولاية اهل البيت عليهم السلام ، واعتقاد امامته عليه السلام (2). وكان لتلك الرسائل دور فاعل في ازالة شكوك من كان يبحث عن الحجة والبرهان من المرتابين في امامته عليه السلام ، وحيثما التقوا بالحجة والبرهان في عمق بصيرتهم ، انفتحوا علي نتائج الحقيقة ، فزال شكهم ، والتحقوا بركب التشيع العريض الواسع.
عن احمد بن اسحاق ، قال : « دخلت علي مولانا ابي محمد الحسن بن علي
(1) الفصول المختارة/السيد المرتضي : 317 ، دارالمفيد ـ 414هـ .
(2) راجع : تحف العقول : 258 ومابعدها ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 458 ـ 459بحار الانوار78 : 370 باب 29.
(121)
العسكري عليه السلام فقال : يا احمد ، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك والارتياب؟فقلت له : يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل ولا امراة ولا غلام بلغ الفهم الا قال بالحق. فقال عليه السلام : احمد الله علي ذلك يا احمد ، اما علمتم ان الارض لا تخلو من حجة ، وانا ذلك الحجة ، او قال : انا الحجة »(1).
الثاني : اظهار الدلالة
فقد طالب بعض المشككين الامام عليه السلام بالدلالة ، وكان عليه السلام يستجيب بما اوتي من الحكمة وفصل الخطاب ، لمن يعتقد انه يسكن اليها. ويدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن القاسم الهروي ، قال : خرج توقيع من ابي محمد عليه السلام الي بعض بني اسباط ، قال : « كتبت اليه عليه السلام اخبره عن اختلاف الموالي واساله اظهار دليل. فكتب الي : انما خاطب الله عزوجل العاقل ، ليس احد ياتي باية او يظهر دليلا اكثر مما جاءبه خاتم النبيين وسيد المرسلين ، فقالوا : ساحر وكاهن وكذاب ، وهدي الله من اهتدي ، غير ان الادلة يسكن اليها كثير من الناس ، وذلك ان الله عزوجل ياذن لنا فنتكلم ، ويمنع فنصمت ، ولو احب ان لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين ، فصدعوا بالحق في حال الضعف والقوة ، وينطقون في اوقات ليقضي الله امره وينفذ حكمه ».
ثم اشار عليه السلام الي طبقات الناس في اخلاصهم له او ابتعادهم عنه ، مبينا ان بعضهم يعيش البصيرة في عقله وفي قلبه وفي روحه من اجل ان ينجو عندما يقف بين يدي الله ، وهذا متمسك بهدي الامام وسبيله ، وبعضهم اخذ العلم ممن
(1) اكمال الدين : 222/9باب22.
(122)
يملك مسؤولية العلم وعمقه وممن لاملكهما ، او ممن يملك تقوي الحقيقة وممن لايملكها ، وهؤلاء مذبذبون ليس لديهم قاعدة ثابتة ينطلقون منها ولا ارض يقفون عليها ، وبعضهم استحوذ عليهم الشيطان فاعمي بصيرتهم ، وليس لهم شان الامواجهة اهل الحق.
قال عليه السلام : مواصلا كتابه الاول : « الناس في طبقات شتي ، فالمستبصر علي سبيل نجاة متمسك بالحق ، متعلق بفرع اصيل ، غير شاك ولا مرتاب ، لايجد عنه ملجا ، وطبقة لم تاخذ الحق من اهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ، ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان ، شانهم الرد علي اهل الحق ودفع الحق بالباطل ، حسدا من عند انفسهم ، فدع من ذهب يمينا وشمالا ، فالراعي اذا اراد ان يجمع غنمه جمعها في اهون السعي.
ذكرت ، ما اختلف فيه موالي ، فاذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ، ومن جلس مجالس الحكم فهو اولي بالحكم ، احسن رعاية من استرعيت ، واياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فانهما يدعوان الي الهلكة.
ذكرت شخوصك الي فارس ، فاشخص خار الله لك ، وتدخل مصر ان شاءالله امنا ، واقرا من تثق به من موالي السلام ، ومرهم بتقوي الله العظيم ، واداء الامانة ، واعلمهم ان المذيع علينا حرب لنا. قال : فلما قرات : وتدخل مصر ان شاءالله ، لم اعرف معني ذلك ، فقدمت الي بغداد ، وعزيمتي الخروج الي فارس ، فلم يتهيا ذلك فخرجت الي مصر » (1).
(1) اثبات الوصية : 247 ، الخرائج والجرائح1 : 448/35 ، بحارالانوار50 : 296/70.
(123)
وهكذا كان عليه السلام يثبت امامته لبعض المشككين باظهار الدلالة ، مما يسكن قلوبهم ، ويكون له الاثر في هدايتهم الي سواء السبيل.
روي علي بن جعفر عن الحلبي ، قال : « اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لابي محمد عليه السلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه : الا لايسلمن علي احد ، ولايشير الي بيده ولا يؤمي ، فانكم لاتامنون علي انفسكم. قال : والي جنبي شاب فقلت : من اين انت؟قال : من المدينة. قلت : ما تصنع هاهنا؟قال : اختلفوا عندنا في ابي محمد عليه السلام فجئت لاراه واسمع منه ، او اري منه دلالة ليسكن قلبي ، واني لولد ابي ذرالغفاري.
فبينما نحن كذلك ، اذا خرج ابومحمد عليه السلام مع خادم له ، فلما حاذانا نظر الي الشاب الذي بجنبي. فقال : اغفاري انت؟قال : نعم. قال : ما فعلت امك حمدويه؟فقال : صالحة ، ومر. فقلت للشاب : اكنت رايته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم؟قال : لا. قلت : فينفعك هذا؟قال : ودون هذا » (1)
وعن يحيي بن المرزبان ، قال : « التقيت مع رجل من اهل السيب سيماه الخير ، فاخبرني انه كان له ابن عم ينازعه في الامامة والقول في ابي محمد عليه السلام وغيره ، فقلت : لا اقول به او اري منه علامة ، فوردت العسكر في حاجة فاقبل ابو محمد عليه السلام فقلت في نفسي متعنتا : ان مد يده الي راسه ، فكشفه ثم نظر الي ورده قلت به. فلما حاذاني مد يده الي راسه فكشفه ، ثم برق عينيه في ثم ردها ، وقال يا يحيي ، مافعل ابن عمك الذي تنازعه في الامامة؟فقلت : خلفته
(1) الخرائج والجرائح1 : 439/20 ، بحارالانوار50 : 269/24.
(124)
صالحا. فقال : لاتنازعه ، ثم مضي » (1).
كما كان عليه السلام يحذر من لايعتقد بامامته الا ببرهان ثم يعطي ذلك ويبقي علي عناده بمصير وخيم يوم يفد علي الله فردا بلا ناصر اومعين.
روي المسعودي بالاسناد عن الربيع بن سويد الشيباني ، قال : حدثني ناصح البارودي ، قال« كتبت الي ابي محمد عليه السلام اعزيه بابي الحسن عليه السلام وقلت في نفسي وانا اكتب : لو قد خبر ببرهان يكون حجة لي. فاجابني عن تعزيني ، وكتب بعد ذلك : من سال اية او برهانا فاعطي ، ثم رجع عمن طالب منه الاية ، عذب ضعف العذاب ، ومن صبرا اعطي التاييد من الله ، والناس مجبولون علي جبلة ايثار الكتب المنشرة ، فسال السداد ، فانما هو التسليم او العطب ، ولله عاقبة الامور. » (2).
(1) الخرائج والجرائح1 : 440/21 ، بحارالانوار50 : 270/25.
(2) اثبات الوصية : 247 ، تحف العقول : 360 مختصرا.
منزلته : عليه السلام
حظي الامام العسكري عليه السلام كسائر ابائه المعصومين عليهم السلام بمنزلة رفيعة ومكانة اجتماعية مرموقة ، تتمثل بوافرمن مظاهر التعظيم والتبجيل والاحترام التي يكنها له غالب من عاصره بمن فيهم الذين خاصموه وناوؤه وسجنوه ، وذلك للدرجات العالية من صفات الكمال ومعالي الاخلاق التي يتحلي بها من العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة التي ميزت شخصه الكريم.
ولو استعرضنا ما نقله كتاب سيرته عليه السلام يتبين لنا سمو مكانته في المجتمع الاسلامي انذاك ، وان اعداءه واصدقاءه اجمعوا علي تعظيمه وتقديره واكباره ، بما في ذلك الوزراء والقواد والقضاء والفقهاء وطبقات المجتمع كلها.
وهناك وثيقة تاريخية معتبرة تنقل لنا بعض اجواء ومظاهر ذلك التقدير والاحترام والمكانة والاجلال ، صادرة من بعض رجال الدولة ، وهو احمد بن عبيدالله بن يحيي بن خاقان ، عامل السلطان علي الضياع والخراج في قم ، وكان
(126)
ابوه وزير المعتمد (1) ، فقد جري يوما ذكر العلوية ـ اي المنتسبين الي الامام علي عليه السلام ـ ومذاهبهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن اهل البيت عليهم السلام ـ والفضل ما شهدت به الاعداء ـ فقال : « ما رايت ولا عرفت بسر من راي من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند اهل بيته وبني هاشم كافة ، وتقديمهم اياه علي ذوي السن منهم والخطر ، و كذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس ».
فانت تري ان له عليه السلام امتداداً من التعظيم في مواقع المجتمع كلها ، سواء الذين يدينون بامامته او الذين يقفون ضدها ، وهو امر يستحق التامل ، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر ان يحظي بالتقديم علي ذوي السن والخطر؟وان يتمتع بهذه المنزلة العالية والمكانة الكبيرة عند القواد والوزراء ، وعامة الناس ، وهو في خط مضاد لموقع الخلافة ، بل ويزدحم حوله الذين ينصبون له ولابائه عليهم السلام العداوة ويكنون لهم البغضاء؟لقد فرض الامام عليه السلام نفسه علي الواقع كله ، بسموه الروحي والخلقي ، وعناصر العظمة التي يختزنها في شخصه ، ونشاطه الحركي في اوساط الامة.
ويتابع ابن خاقان حديثه فيقول : « فاذكرني انني كنت يوما قائما علي راس ابي ، وهو يوم مجلسه للناس ، اذ دخل حجابه فقالوا : ابو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فتعجبت مما سمعت منهم ، ومن جسارتهم
(1) وهو عبيدالله بن يحيي بن خاقان التركي ، ولد سنة209هـ ، واستوزره المتوكل والمعتمد ، واستمر في الوزارة الي ان توفي سنة 263هـ ، وكان عاقلا سمحا جوادا حازما. سير اعلام النبلاء13 : 9/5 ، اعلام الزركلي4 : 198.
(127)
ان يكنوا رجلا بحضرة ابي ، ولم يكن يكني عنده الا خليفة ، او ولي عهد ، او من امر السلطان ان يكني »ذلك لان ذكر الكنية مظهر من مظاهر التكريم والاجلال ، فكيف يكني رجل بحضرة الوزير ، وليس هو خليفة ولا ولي عهد ولاممن امر السلطان بتكنيته؟انه امر ملفت للنظر ومثير للتعجت.
ويواصل فيقول : « فدخل رجل اسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حديث السن ، له جلالة وهيئتة حسنة ، فلما نظر اليه ابي قام فمشي اليه خطي ، ولا اعلمه فعل هذا باحد من بني هاشم والقواد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره ، واخذ بيده ، و اجلسه علي مصلاه الذي كان عليه ، وجلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه ، وجعل يكلمه ويفديه بنفسه ، وانا متعجب مما اري منه ، اذ دخل الحاجب فقال : الموفق ـ وهو اخو المعتمد العباسي ـ قد جاء ، وكان الموفق اذا دخل علي ابي يقدمه حجابه وخاصه قواده ، فقاموا بين مجلس ابي وبين باب الدار سماطين الي ان يدخل ويخرج ، فلم يزل ابي مقبلا علي ابي محمد يحدثه حتي نظر الي غلمان الخاصة فقال حينئذ له : اذا شئت جعلني الله فداك ، ثم قال لحجابه : خذوا به خلف السماطين لايراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام ابي فعانقه ومضي.
فقلت لحجاب ابي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة ابي ، وفعل به ابي هذا الفعل؟فقالوا : هذا علوي يقال له : الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا ، فازددت تعجبا ، ولم ازل يومي ذلك قلقا مفكرا في امره وامر ابي وما رايته منه حتي كان الليل ، وكانت عادته ان يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤامرات ـ اي المراجعات ـ وما يرفعه الي السلطان.
(128)
فلما صلي وجلس جئت فجلست بين يديه ، وليس عنده احد ، فقال لي : يا احمد ، الك حاجة؟فقلت : نعم يا ابه ، فان اذنت سالتك عنها ، فقال : قد اذنت. قلت : يا ابه ، من الرجل الذي رايتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وابويك؟
فقال : ذاك امام الرافضة الحسن بن علي ، المعروف بابن الرضا ، ثم سكت ساعة وانا ساكت ، ثم قال : يابني ، لوزالت الامامة عن خلفائنا بني العباس ، ما استحقها احد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ، ولو رايت اباه ، رايت رجلا جزلا نبيلا فاضلا ، فازددت قلقلا وتفكرا وغيظا علي ابي وما سمعت منه فيه ، ورايت من فعله به ، فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره والبحث عن امره. فما سالت احدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس الا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له علي جميع اهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره عندي ، اذ لم ار له وليا ولا عدوا الا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه... » (1).
ولسنا نريد من خلال شهادة احد رجال الدولة ان ندخل في تقييم الامام لمجرد ان هذا الرجل شهد له ، لانه عليه السلام يختص من موقع امامته بالدرجة الرفيعة عندالله ، ويتمتع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح
(1) اصول الكافي1 : 503/1 باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، اكمال الدين : 40 ـ مقدمة المصنف ، الارشاد2 : 321 ، روضة الواعضين : 249 ، اعلام الوري2 : 147.
(129)
والخلق الرفيع ، وهي التي جعلت هذا الرجل وسواه يذعن لشخصيته عليه السلام ويظهر له الاكبار والاحترام والثناء.
الذي نريد ان نقوله من خلال هذه الشهادة ، انه ليس ثمة شخصية كبيرة وفاعلة في المجتمع الاوهناك من يسيء القول فيها ، كما ان هناك من يحسن القول فيها ، لكننا نجد ان الغالبية العظمي قد اتفقت علي تقدير الامام عليه السلام واحترامه واجلاله ، وعلي حسن القول فيه ، بحيث اخذ بمجامع قلوب وعقول الاعداء والاصدقاء ، هذا مع انه عليه السلام عاش في مجتمع يقف من الناحية الرسمية ضد خط ولايته ، ويعمل علي محاصرته ويضيق عليه ويسعي الي ان ينقص من قدره.
وتلك المنزلة لم تكن مفروضة بقوة السلاح وصولة السلطان ، ولا هي وليدة التعاطف الجماهيري العفوي مع الامام عليه السلام ، بل هي احدي مظاهر التسديد الالهي الذي لا تعمل معه جميع محاولات السلطة الساعية الي الحط من منزلته والوضع منه ، الامر الذي اعترف به راس السلطة انذاك.
فقد روي الشيخ الصدوق والقطب الراوندي انه ورد في رد الخليفة المعتمد علي جعفر الكذاب حينما جاء بعد وفاة اخيه الامام عليه السلام يطلب مرتبته ، قوله : « ان منزلة اخيك لم تكن بنا ، انما كانت بالله ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه ، وكان الله يابي الا ان يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة... » (1).
ويقع بعض النصاري في دائرة التقدير والاحترام للامام عليه السلام
، ومنهم احد رجال الدولة الذي كان يتولي الكتابة للسلطان ، واسمه انوش النصراني ، الذي
(1) اكمال الدين : 479 ـ اخر باب43 ، الخرائج والجرائح3 : 1109.