قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام ، فقال : «
أمسكوا » .
فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب !
فقال : «
عليَّ بالخباز » . فجيء به ، فعاتبه وقال : «
من أمرك أن تسمّني
في هذا الطعام ؟ » . فقال له : جُعلت فداك ( فلان ) ، ثم أمر بالطعام فرُفع
وأُتي بغيره )
(1) .
وعلى أي حال فقد نجح مثلث الاغتيال في تدبيرهم الاَخير ، وأطفأوا
نور الاِمام ، وحرموا أنفسهم والاُمّة من بركاته ، وما أطفأوا إلاّ نوراً من أنوار
النبوّة ، لو كانوا رعوه حق رعايته لسُقوا ماءً غدقاً ، ولاَكلوا من فوقهم ومن
تحت أرجلهم ، ولكنّهم:
عجبتُ لقوم أضلّوا السبيـل * ولـم يبتغـوا اتّبـاع الهـدى
فما عرفوا الحق حين استنار * ولا أبصـروا الفجـر لمّا بدا
وسرعان ما يلتحق الاِمام عليه السلام إلى بارئه فينال هناك كأسه الاَوفى ، وهو
لم يخسر الدنيا؛ لاَنّه لم يكن يملك منها شيئاً ، ولا رجا وأمّل يوماً من
حطامها شيئاً ، لكنّ الاُمّة خسرته ابناً من أبناء الرسالة ، وعلماً من أعلام
النبوّة ، وطوداً شامخاً كان يفيض على هذا الوجود كلّ أسباب العلم
والمعرفة ، والتقى والصلاح ، ولو قدروه حقّ قدره؛ لاَكلوا من فوق
رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولوجدوا به خيراً كثيراً .
وروي أن ابنه علي الهادي عليه السلام قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه
كما أمره وأوصاه ، فغسّله وحنّطه وأدرجه في أكفانه وصلّى عليه في
جماعة
____________
1) الثاقب في المناقب : 517 | 446 .
(133)
من شيعته ومواليه
(1) .
وجاء في الاَخبار أن الواثق صلّى عليه بحضور جماهير غفيرة من
الناس ، ثم حُمل جثمانه في موكب مهيب تشيعه عشرات الآلاف من
الناس إلى مقابر قريش حيث مثوى جدّه الاِمام الكاظم موسى بن
جعفر عليهما السلام ، فأُقبر إلى جواره في ملحودة أصبحت اليوم عمارة شامخة
تناطح السماء بمآذنها الذهبية ، وقبلة يؤمها آلاف المسلمين يومياً للتبرك
بأعتابها ، وطلب الحوائج من ساكنيها . ولطالما انقلب الملمّون
والمستغيثون إلى أهلهم فرحين بما وجدوا من إنجاز طلباتهم التي تعسّر
حلّ مشكلها ، بل وإن البعض منها كان في حكم المحال حلّ معضله .
الاِشادة بشخصية الاِمام عليه السلام :
الاِمام الجواد عليه السلام ما رآه أحد إلاّ أُعجب به ودُهش ، وما سمع به أحد
إلاّ أشاد به وأطراه ، فقد ملكت هيبة الاِمام ومواهبه ونبوغه المبكر عقول
وعواطف العلماء والمؤرخين ، فراحوا يسجلون إعظامهم وإكبارهم عبر
كلمات المديح والاِطراء عندما يصلون إلى ساحة قدس الاِمام الجواد عليه السلام
ليكتبوا عن حياته الشريفة . وقد انتخبنا هذه المجموعة من الانطباعات
لعدد من العلماء وكبار المؤرخين ـ من غير الاِمامية غالباً ـ عن شخصية
الاِمام الجواد عليه السلام ومواهبه الخلاّقة ، وعبقريته المنقطعة النظير ، وما
اتصف به من نزعات وأخلاق كانت تحكي خلق وصفات جده الرسول
الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وآبائه الميامين الاَطهار ، نردفها وفق تسلسل سني وفيات
أصحابها ، وهي كما يلي:
____________
1) مجموعة وفيات الأئمة : 342 .
(134)
1 ـ ابن طلحة الشافعي ( ت | 652 هـ ) ، قال في كتابه « مطالب السؤول
في مناقب آل الرسول » عند تعرّضه لترجمة الاِمام الجواد عليه السلام :
( وأما ) مناقب أبي جعفر محمد الجواد . . فما اتسعت له حلبات
مجالها ، ولا امتدت له أوقات آجاله ، بل قضت عليه الاَقدار الاِلهية بقلة
بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها ، فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل عليه فيها
حمامه ، فلم تطل لياليه ، ولا امتدت أيامه . .
فإنّه قد تقدّم في آبائه عليهم السلام أبو جعفر محمد الباقر بن علي ، فجاء هذا
باسمه وكنيته واسم أبيه ، فعُرف بأبي جعفر الثاني . وإن كان صغير السن
فهو كبير القدر ، رفيع الذكر ، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة . .
(1) .
2 ـ سبط ابن الجوزي ( ت | 654 هـ ) ، قال في « تذكرة الخواص »:
محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام . . وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد
والجود . ولما مات أبوه قدم على المأمون فأكرمه وأعطاه ما كان يعطي
أباه . . وكان يلقّب بالمرتضى والقانع ، وكانت وفاته خامس ذي الحجة . .
وقبره يُزار ، وكان له أولاد المشهور منهم علي الاِمام
(2) .
3 ـ علي بن عيسى الاِربلي ( ت | 693 هـ ) ، قال في « كشف الغمة »:
الجواد عليه السلام في كلِّ أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من
الجودة من أجواد ، فاق الناس بطهارة العنصر ، وزكاء الميلاد ، فما قاربه
____________
1) مطالب السؤول 2 : 74 .
2) تذكرة الخواص : 352 .
(135)
أحد . . ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرق على
المناصب . له إلى المعالي سموّ ، وإلى الشرف رواح وغدوّ ، وفي السيادة
إغراق وعلوّ . تتأرّج المكارم من أعطافه ، ويقطر المجد من أطرافه . إذا
اقتسمت غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها ، وإذا امتطيت
غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها . يباري الغيث جوداً وعطية ،
ويجاري الليث نجدة وحمية . فمن له أب كأبيه أو جدّ كجدّه ؟ فهو
شريكهم في مجدهم وهم شركاؤه في مجده ، وكما ملأوا أيدي العفاة
برفدهم ، ملأ أيديهم برفده
(1) .
4 ـ أبو الفداء ( ت | 732 هـ ) ، في تاريخه المسمّى « المختصر في أخبار
البشر » أو « تأريخ أبي الفداء »:
محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب ، وهو أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية . . ومحمد
الجواد المذكور ، هو تاسع الاَئمة الاثني عشر ، وقد تقدم ذكر أبيه علي
الرضا
(2) .
5 ـ الحافظ الذهبي ( ت | 748 هـ ) ، قال في « تاريخ الاِسلام »:
محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر بن الباقر
محمد بن زين العابدين علي بن الشهيد الحسين بن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ، أبو جعفر الهاشمي الحسيني .
____________
1) كشف الغمة 3 : 162 .
2) تأريخ أبي الفداء 1 : 343 .
(136)
كان يلقّب بالجواد ، وبالقانع ، وبالمرتضى . كان من سروات آل بيت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم . . توفّي ببغداد في آخر سنة عشرين شاباً طريّاً . . وكان أحد
الموصوفين بالسخاء؛ ولذلك لقّب بالجواد . . رحمه الله ورضي عنه
(1) .
6 ـ ابن تيميّة الحنبلي ( ت | 758 هـ ) ، قال في كتابه « منهاج السُنّة »
مانصّه:
محمد بن علي الجواد ، كان من أعيان بني هاشم ، وهو معروف
بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سمّي ( الجواد ) . ومات وهو شاب ابن خمس
وعشرين سنة
(2) .
7 ـ اليافعي ( ت | 768 هـ ) ، قال في كتابه « مرآة الجنان »:
أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر
الصادق بن محمد الباقر ، أحد الاثني عشر إماماً الذين يدّعي الرافضة
فيهم العصمة . وكان المأمون قد نوّه بذكره . .
وكان الجواد يروي مسنداً عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضوان الله
تعالى عليهم أجمعين . وكان يقول : «
من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً
في الجنة »
(3) .
8 ـ الغزّي ( ت | 1167 هـ ) ، ذكر ترجمة مقتضبة للاِمام الجواد عليه السلام في
كتابه « ديوان الاِسلام » ، فقال:
الجواد : محمد بن علي بن موسى ، السيد الشريف أبو جعفر الهاشمي
____________
1) تاريخ الإسلام 15 : 385 رقم 372 وفيات سنة ( 211 ـ 220 هـ ) .
2) منهاج السنّة 2 : 127 .
3) مرآة الجنان 2 : 80 .
(137)
الحسيني ، أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية
(1) .
9 ـ الزِرِكلي ( ت | 1396 هـ ) ، قال في « الاَعلام »:
محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الطالبي الهاشمي القُرشي ، أبو
جعفر الملقّب بالجواد ( 195 ـ 220 هـ | 811 ـ 835 م ) : تاسع الاَئمة
الاثني عشر عند الاِمامية . كان رفيع القدر كأسلافه ، ذكياً ، طلق اللسان ،
قوي البديهة
(2) .
ما قيل في رثائه
وقبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الاَدب ، ومن الاَدب ننتخب
ملف الشعر الذي هو أحد أقوى مفردات الاَدب العربي شيوعاً ، وأبرز
الوسائل الاِعلامية وأكثرها فاعلية وانتشاراً يومذاك ، وحتى في عصرنا
الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر ، وقلّ الاهتمام بالشعر والشعراء إلى
حدٍّ كبير جداً ، حيث أصبح الشعر في البرامج والمهرجانات والاحتفالات
مادة لملء الفراغ ، فإنّه ـ مع ذلك ـ ما تزال له رنّة وتأثير على السامعين
يفوق أي وسيلة إعلامية اُخرى .
وللاَثر البالغ للشعر على مسامع الناس ، ولشدة تعاطفهم مع ايقاعاته
الموسيقية ، وميل النفوس إليه ، فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «
إنّ من الشعر
____________
1) ديوان الإسلام 2 : 67 رقم 651 .
2) الأعلام 6 : 271 .
(138)
لحِكَماً ، وإنّ من البيان لسحراً »
(1) .
كما أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام قد اقتفوا أثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فاستنشدوا
الشعر ، وبعضهم أنشد . وقربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق
والعدل وأهله ، وحثوهم على قول الشعر وأجزلوا لهم العطاء ووعدوهم
الجنة . قال الاِمام الصادق عليه السلام : «
من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في
الجنة »
(2) .
وعليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحقّ ، ولم تأخذهم في الله
لومة لائم ، ونافحوا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ومدحوهم ورثوهم بأحسن ما
يكون المدح والرثاء ، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي ، والكميت الاَسدي ،
ومهيار ، وكوكبة لا تحصى عداً منذ الصدر الاَول وإلى يومنا هذا . فملاَوا
بمديحهم ورثائهم عشرات الدواوين ، وطبيعي أن يكون لاِمامنا أبي جعفر
الثاني عليه السلام نصيب من ذلك المديح والرثاء ، باعتباره حلقة من حلقات
سلسلة الذهب . وقد وقفنا على الكثير من شعر المدح والرثاء بشأن
الاِمامين الهمامين الجواد وجده موسى بن جعفر عليهما السلام ، وما يختص
بالجواد عليه السلام وحده . انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه ، فإلى المراثي
والمديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني
وفاة ناظميها:
1 ـ فأقدم نصٍّ وقفنا عليه في مديح الاِمام الجواد عليه السلام وآبائه
الطاهرين عليهم السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفّى سنة
« 230 هـ » ، المعاصر للاِمام الجواد عليه السلام . والقصيدة تتألف من « 59 » بيتاً ،
وهي
____________
1) بحار الأنوار 79 : 290 .
2) بحار الأنوار 79 : 291 | 9 ، نقلاً عن عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 15 | 1 .
(139)
ليست في ديوانه المطبوع ، عثر عليها الشيخ حسين علي آلسليمان
البحراني فأثبتها كاملة في رياضه ، ومطلعها:
حصحص الحق فاسهري أو فنامي * عـن ملامـي ستحتـوين مـلامي
ثم يصل بعد عدة أبيات إلى غرضه فيقول:
ربّـي الله والاَميــن نبيــيِّ |
* |
صفـوة الله والـوصـي إمامـي |
ثـم سبطـا محمـد تـاليــاه |
* |
وعلـيّ وبـاقـر العلـم حامـي |
والتقـي الـزكيّ جعفـر الطيّب |
* |
مــأوى المعتــوِّ والمعتــامِ |
ثم موسى ثم الرضا علم الفصـ |
* |
ـل الـذي طـال سائـر الاَعلامِ |
والمصفّـى محمـد بـن علـيّ |
* |
والمعرّى مـن كـلِّ سـوء وذامِ |
أبـرزت منـه رأفة الله بالناس |
* |
لتـرك الـظلام بــدر التمــامِ |
فرع صدق نمى إلى الرتبة العليا |
* |
وفـرع النبــيّ لا شـك نـامي |
فهو ماضٍ على البديهةِ بالفيصل |
* |
مــن رأي هبــرِزيٍّ همــامِ |
عالـم بـالاُمور غـارت فلــم |
* |
تنجـم وهـذا يكـون بـالاِنجلآمِ |
بالاُمـور التـي تبيت تقـاسيها |
* |
علــى حيــن سكـرة النـوّامِ |
هــؤلاء الاُولـى أقـام بهـم |
* |
حجتــه ذو الجـلال والاِكـرامِ |
عصبـة لـست منكـراً أننـي |
* |
يفنى قعـودي بحبّهـم وقيامي (1) |
____________
1) رياض المدح والرثاء | الشيخ حسين البحراني : 723 طبعة المكتبة الحيدرية ـ قم 1410 ، تحقيق حسن عبد الأمير .
(140)
2 ـ وفي المقتضب روى ابن عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي ،
قال : حدثني المغيرة بن محمد المهلبي ، قال أنشدني عبدالله بن أيوب
الخريبي
(1)ع الشاعر ، وكان انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى
الرضا عليه السلام ، ولما توفي عليه السلام وقف يؤبنه ويمتدح أبا جعفر محمداً ابنه
بقصيدة طويلة يقول فيها:
يابن الذبيح ويابـن أعراق الثرى |
* |
طابت أرومتـه وطـاب عروقا |
يابن الوصيّ وصيّ أفضل مرسلٍ |
* |
أعني النبيّ الصادق المصـدوقا |
ما لُفّ في خـرق القوابل مثلـه |
* |
أسد يلف مـع الخـريق خريقا |
يـا أيُّها الحبل المتين متـى أعذ |
* |
يـومـاً بعقوته أجـده وثيقـا |
أنـا عائذ بـك فـي القيامة لائذ |
* |
أبغـي لديك مـن النجاة طريقا |
لا يسبقنـي فـي شفاعتكـم غداً |
* |
أحـد فلست بحبكـم مسبـوقا |
يـابن الثمانيـة الاَئمـة غرّبـوا |
* |
وأبا الثلاثـة شرّقـوا تشـريقا |
إن المشـارق والمغـارب أنتـم |
* |
جاء الكتاب بذلكم تصديقـا (2) |
____________
1) عبدالله بن أيوب ، أبو محمد الخريبي البصري : نسبة إلى الخريبة وهو موضع مشهور بالبصرة . أديب ، فاضل . لزم الإمام الرضا عليه السلام ، ولعلّه كان شاهره . ذكره ابن شهر آشوب في المعالم : 152 ضمن الشعراء المتّقين . وترجم له سيد الأعيان في موسوعة الرجالية أعيان الشيعة 8 : 46 .
2) أعيان الشيعة 2 : 36 .
(141)
3 ـ أما شاعر الولاء لاَهل البيت عليهم السلام أبو محمد العوني
(1) ، فقد نظم
في مولد الاِمام الجواد عليه السلام أبياتاً يقول فيها:
هـذا الـذي إذ ولدتـه أُمّـه |
* |
عاجلها منـه حسيبـاً فابتدر |
حتى تفرّغن النسا مـن حولها |
* |
وقلـن هذا هـو أمـر مبتكر |
والـولـد الطيّب قـد جلّلـه |
* |
عنهنّ مولاه بثوبٍ فاستتر (2) |
4 ـ ولاَبي الفتح علي بن عيسى الاِربلي قصيدة في مدح الاِمام
الجواد عليه السلام وبيان فضله أثبتها في كتابه كشف الغمة يقول فيها:
حمـاد حمـاد للمثنى حمادِ |
* |
علـى آلاء مـولانا الجوادِ |
إمام هـدىً له شرفٌ ومجدٌ |
* |
علا بهما على السبع الشدادِ |
إمام هدىً لـه شرفٌ ومجدٌ |
* |
أقرّ به المـوالي والمعـادي |
تصوب يداه بالجدوى فتُغني |
* |
عن الاَنواء في السنة الجمادِ |
يبخـل جـود كفّيه إذا مـا |
* |
جرى في الجود منهلّ الغوادِ |
فـواضله وأنعمـه غـزار |
* |
عـهدن أبرّ من سحّ العِهـادِ |
فمن يرجو اللحاق به إذا ما |
* |
أتـى بطريق فخـر أو تلادِ |
____________
1) طلحة بن عبيدالله بن محمد بن أبي عون ، أبو محمد العوني الغسّاني : شاعر شهير ، أكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام . توفي حوالي سنة ( 350 هـ ) بمصر . ترجم له السيد الأمين في أعيانه 7 : 401 . والعلاّمة الأميني في الغدير 4 : 175 الطبعة المحققة .
2) مناقب آل أبي طالب 4 : 388 .
(142)
مـن القـوم الـذين أقرّ طـوعاً |
* |
بفضلهـم الاَصـادق والاَعـادي |
بهـم عرف الورى سبل المعالي |
* |
وهـم دلّوا الاَنـام سُبل الـرشادِ |
وهـم مـن غيـر شـك وخلف |
* |
إذا أنـصفت سـادات العبــادِ |
أيــا مـولاي دعـوة ذي ولاء |
* |
إليكـم ينتمـي وبكـم ينــادي |
وقــد قـدمتكـم زاداً لسيـري |
* |
إلـى الاُخرى ونـعم الزاد زادي |
فـأنتم عـدتي إن نـاب دهـر |
* |
وأنتم إن عرى خطب عتادي (1) |
5 ـ وللشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي المنتهي نسبه إلى
الشهيد الحر الرياحي رضي الله عنه والمتوفي سنة « 1104 هـ » ، أُرجوزة طويلة في
تاريخ الاِمام الجواد عليه السلام وبيان معجزاته وفضائله ، منها قوله:
نصوصه كثيـرة تـواترت |
* |
معجـزاته كـذاك اشتهرت |
ومـا جرى له مع المأمون |
* |
مـن موطئات العلم واليقين |
إن كان طفلاً وبدا ما قد بدا |
* |
من فضله وعلمه لذي الهدى |
وامتحنوه وأجـاب العلمـا |
* |
جواب عالم درس وعُلِّما (2) |
6 ـ وثمة ميمية للسيد صالح النجفي القزويني المتوفّى سنة « 1306 هـ »
في تاريخ الاِمام عليه السلام أبان فيها فضائله ومعجزاته ، ومطلعها:
سل الدار عـن ساكنها أين يمّموا |
* |
فهل أنجدوا يـوم استقلوا واتهموا |
____________
1) كشف الغمة 3 : 164 .
2) نزهة الجليس ومنية الأنيس 2 : 111 .
(143)
ومنها قوله في رثائه عليه السلام :
فيا لقصير العمـر طـال لموته |
* |
على الدين والدنيـا البكا والتألمُ |
بفقدك قـد أثكلت شـرعة أحمد |
* |
فشـرعته الغـرّاء بعـدك أيِّمُ |
عفا بعدك الاِسلام حزناً وأُطفئت |
* |
مصابيح دين الله فـالكون مظلمُ |
فيـالك مفقوداً ذوت بهجة الهدى |
* |
لـه وهوت من هالة المجد أنجمُ |
يمينـاً فمــا لله إلاّك حجــة |
* |
يعاقب فيه مـن يشاءُ ويرحـمُ |
ولـيس لآخذ الثأر إلاّ مـحجَّبٌ |
* |
بـه كلّ ركـنٍ للظلالِ يُهدَّمُ (1) |
7 ـ ونظم الشيخ جعفر الشرقي النجفي المتوفّى سنة « 1309 هـ » رائية
في مدح الاِمامين الكاظمين بابي الحوائج بمناسبة إتمام عمارة الصحن
ومرقدهما الشريف عام « 1301 هـ » يقول فيها:
جـواد يميـر السحب جـود يمينه |
* |
على أنّ فيض البحر راحته اليسرى |
إمام يمدّ الشمس نـوراً فـإن تغب |
* |
كسـا بسنـا أنواره الاَنجم الـزهرا |
فحق إذا أزهرت فـي صحن داره |
* |
ودرن على مـا حـول مرقده دورا |
ومـذ زيّـن الاَفلاك أحسن زينـة |
* |
خضعن له لا بل سجدن لـه شكـرا |
ومن يك موصولاً بأحمد فـي العُلى |
* |
تهيب غير الذكر فـي نعتـه الذكرا |
مـدينة قـدس قـدّس الله سرّهـا |
* |
وشرّفها حتـى على عـرشه قـدرا |
____________
1) الدمعة الساكبة 8 : 87 .
(144)
لقـد حُشـرت فيها الملائك والملا |
* |
جميعاً ولمـا تدرك البعث والحشرا |
أحاطت بـموسى والجواد فقل لمن |
* |
بهـم غيـر علم الله لم يُحط خُبرا |
أبوهم علـيّ الطهر من بعد أحمد |
* |
نبيّ الهدى والاُم فاطمة الزهرا (1) |
8 ـ أما الشاعر المفلق عبدالباقي بن سليمان بن أحمد العمري
الفاروقي الموصلي المتوفّى سنة « 1279 هـ | 1862 م » فله في مدح
الاِمامين الجوادين هذه الاَبيات:
حظـرة الكاظمين منهـا المرايـا |
* |
قد حكت قلب صبّ أهل الطفوفِ |
قـد أظلّت شمساً بـغير كسـوفٍ |
* |
وأقلّـت بـدراً بغيـر خسـوفِ |
وطوت ( كاظماً ) ولفّت ( جواداً ) |
* |
فـازدهت بـالمطوي والملفوفِ |
شـرُفت فيهما ومـا كل ظـرفٍ |
* |
حـاز تشريفه مـن المظـروفِ |
وهـي لمّا علـى السمـاء أنافت |
* |
بهما قلت يا سما المجـد نـوفي |
لا تلمني علـى وقوفـي ببـابٍ |
* |
تتمنـى الاَمـلاك فيـه وقـوفي |
هـو بـاب مجرّب ذو خـواصٍ |
* |
كـان منهـا إغاثـة الملهـوفِ |
ملجـأ العـاجزين كهـف اليتامى |
* |
مروّة المـرملين مأوى الضيوفِ |
فليلمني مـن شـاء إنـي مـوالٍ |
* |
رافل مـن ولائهم بشغـوفِ (2) |
____________
1) شعراء الغري 2 : 42 .
2) موسوعة العتبات المقدسة 9 : 83 .
(145)
9 ـ وللعلاّمة الاَديب الشيخ محمدرضا المظفر المتوفّى سنة « 1383 هـ »
منظومة تائية في رثاء الاِمام الجواد عليه السلام وتاريخ حياته ، منها قوله:
بـالاِمـام الجـواد منكـم تـمسّكت |
* |
وحسبــي مـن قدسـه النفحـاتُ |
حــدثٌ قُلّـد الاِمـامـة فــانقـا |
* |
دت لعليـاء حكمـه الحــادثـاتُ |
ابن سبـع ويـا بروحـي قـد قـا |
* |
م إمـامـاً تُجلـى بـه الكربـاتُ |
لا تخـل ويك وهـو في المهد طفل |
* |
هـذّبتـه بـدرِّهـا المـرضعـاتُ |
هـو نـور مـن قبـل أن تتجلّـى |
* |
بسنـا الحـق هـذه الكــائنـاتُ |
طاب فـي شهـر طـاعـة الله مو |
* |
لـوداً فنيطـت بحبـه الطاعـاتُ |
واصطفـــاه الاِلـه للخلـق قـوا |
* |
مـاً فقـامت لفضلـه المعجـزاتُ |
يـا أبـا جعفر ومـا أنت إلاّ البحـ |
* |
ـر جـوداً لـه الهـدى مـرسـاةُ |
كيف تقضـي سماً غـريباً وبـاسم |
* |
الله تجـري ولاسمــك الحـادثاتُ |
أنـت أدرى بمــا أتـت فيـه أم |
* |
الفضل لكن شاءت لك النازلاتُ (1) |
10 ـ أما الشيخ جعفر النقدي المولود سنة « 1303 هـ » والمتوفى سنة
« 1358 هـ » فله قصيدة دالية في مديح الاِمام الجواد عليه السلام ورثائه ، انتخبنا
منها الاَبيات التالية ومطلعها:
نفت عن مقلتي طيبَ الرقادِ |
* |
أحاديثُ الصبابة فـي سعادِ |
____________
1) شعراء الغري 8 : 474 .
(146)
إلى أن يقول:
لكم غزلي ومـدحي فـي إمامي |
* |
أبـي الهـادي محمـدٍ الجـوادِ |
هـو البرّ التقـي حمى البـرايا |
* |
وغيث المجتدي غوث المنـادي |
إمــام أوجــب البـاري ولاهُ |
* |
وطـاعتـه علـى كـلِّ العبادِ |
إذا مـا سُدَّت الاَبـواب فـاقصد |
* |
( جواد ) بني الهُدى باب المرادِ |
تـرى باباً بـه الحاجات تُقضى |
* |
ومنتجعـاً خـصيب الـمسترادِ |
وكم ظهرت لـه مـن معجزاتٍ |
* |
رآهـنّ الحـواضرُ والبـوادي |
ودسَّ لقتلـه سُمّـاً زعــافــاً |
* |
زنيمٌ ليس يـؤمن بـالمعادِ (1) |
____________
1) رياض المدح والرثاء : 753 الطبعة المحققة .