التعريف بالكتاب
لقد صنف السيد ضامن كتابه هذا عن أحداث فتنة البصرة التي اشعل فتيلها الزمرة الناكثة عند تولي امير المؤمنين عليه السلام زمام الخلافة بعد مقتل عثمان ، وسماه بـ ( وقعة الجمل ) ، ودون المصنف رحمه الله الاحداث والوقائع التي شهدتها مدينة البصرة بعد انحياز رموز الشر إليها ، تدعو الناس الى نكث بيعة الامام علي عليه السلام ، وتعد العدة من الرجال والسلاح لقتاله والقضاء على حكومته الفتية .
لقد جاء هذا الكتاب وان كان مختصرا ، إلا انه كان غزيرا في مادته التي لا يستغني عنها الباحث عن الحقيقة في بطون الكتب القديمة ، والتي حفظت لنا التاريخ .
نسخة الكتاب ومنهج التحقيق :
لقد تمت مقابلة النسخة الخطية التي حصلت عليها من ( مركز احياء الميراث الاسلامي ) والتي جعلتها كأصل مع المصادر التي دونت احداث معركة الجمل من كلا الفريقين ، كما اشرت الى الاختلاف الذي وقع بين النسخة والمصادر ، وقد علقت عليها في هامش الكتاب .
( 58 )
كما اشرت الى بعض الوقائع والاحداث التي لم يذكرها المصنف ، واشرت إليها في الهامش ايضا ، مع ترجمة بعض من ورد ذكرهم في النسخة الخطية
كما قمت بكتابة مقدمة تمهيدية لهذا السفر القيم ، وذكرت بإيجاز الاسباب التي دعت الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناكثين ، الى نكث البيعة ، والاستدلال بما ورد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحق العترة عليهم السلام وبحق من ناصبهم العداء .
كما ذكرت رسائل الناكثين وعائشة الى من كتبوا لهم يطالبونهم بنكث بيعة امير المؤمنين عليه السلام وتأليب الناس على حكومته ، كما تطرقت الى موقف طلحة والزبير من قضية حصار عثمان وتحريض الناس على قتله ثم بعد ذلك المطالبة بدمه .
نسأل الله تعالى ان يثيبنا على عملنا هذا ، ونأمل ان يخرج هذا الكتاب بحلة جديدة ليضع بين يدي القارئ الكريم ، ومن الله تعالى نستمد العون والتوفيق .
سيد تحسين آل شبيب الموسوي
* * *
( 59 )
( 60 )
( 61 )
( 62 )
( 63 )
مقدمة الكتاب
في السبب الموجب لوقعة الجمل
قال الشيخ المفيد (1) رحمه الله في أرشاده (2) :
روي عن ابي ذر جندب بن عبد الله الغفاري ( رضي الله عنه ) قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بالمدينة في زمن خلافة عثمان رضي الله عنه فرأيته مطرقا رأسه ـ كئيبا ـ فقلت له : جعلت فداك ، ما أصاب قومك ؟ !
فقال عليه السلام : صبرا جميل والله المستعان .
____________
(1) هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير ، المعروف بابن المع
لم لان اباه كان معلما بواسط .
وكان من اجلاء مشايخ الشيعة ورئيسهم واستاذهم ، قال عنه النجاشي :
فضله اشهر من ان يوصف في الفقه والكلام والرواية . ولد سنة 336 هـ وتوفي سنة 413 هـ ، وصلى عليه الشريف المرتضى بميدان الاشنان ، وضاق على الناس مع كبره ، ودفن في داره سنين ثم نقل الى مقابر قريش بالقرب من الامامين الكاظم والجواد . انظر : النجاشي : 399 ، لسان الميزان 5 : 368 ، الفهرست : 279 ، تاريخ بغداد 3 : 31 .
(2) الارشاد 1 : 241 ، 242 مع بعض الاختلاف اليسير .
( 64 )
فقلت : والله إنك لصبور .
قال : « فماذا أصنع ؟ ! » .
قلت : قم وادع الناس الى نفسك ، واخبرهم أنك اولاهم بالقيام واحقهم بالامر ، لما فضلك الله تعالى عليهم وعظم شأنك فيهم ، وقد سبق لك النص الصريح من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اماكن عديدة سمعوها منه صلى الله عليه وآله وسلم .
فإن دان لك الكل وتم لك الامر ذلك ما كنا نبغي ، وإلا فلا بد من ان يجيبك عشرة فتميل بهم على المتمردين اخوان الشياطين ، فينصرك الله تعالى عليهم ، لانك على الحق وهم على الباطل ، وهو قوله تعالى :
( ويحق الله الحق بكلمته ولو كره المجرمون ) (1) . وقوله تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) (2).
فقال عليه السلام : « أتراه يا ابا ذر ؟ ! » .
قلت : والله ، إني لأرجو لك من الله ذلك .
قال عليه السلام : « اني لا أرجو من كل مائة اثنين ، ألست تعلم من اين ذلك ؟ ، انما تنظر الناس الى قريش ، وإن قريشا تقول : إن آل محمد
____________
(1) يونس 10 : 82 .
(2) البقرة 2 : 249 .
( 65 )
يرون لهم فضلا على سائر الناس ، وإنهم اولى بالامر من دون قريش ، وإنهم إن ولوه لم يخرج عنهم هذا السلطان الى احد ابدا ، وحتى كان في غيرهم تداولتموه بينكم ، ولا ـ والله ـ لا تدفع قريش إلينا السلطان وهم خاضعون ابدا » .
فقلت : أفلا تأمرني أرجع في آخر الناس بمقالتك هذه ، فأقم وادعهم إليك .
قال [ لي ] : « يا ابا ذر ، ليس هذا زمان ذلك » .
قال أبو ذر رحمه الله : فمضيت الى العراق ، فكلما حدثت الناس بشيء من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه التي أوجبها الله تعالى له على عباده بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، زبروني وأهانوني ، حتى إنهم رموني الى الوليد بن عقبه فحبسني (1) .
قال جدي حسن المؤلف ( طاب ثراه ) (2) : وفي يوم السبت ثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 من الهجرة بايعت الناس أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام من المهاجرين والانصار وقوم من قريش وغيرهم ، فمنهم من أظهر الوفاق وهو مصر على النفاق .
فأمر عليه السلام كاتبه عبد الله بن رافع بتقسيم ما في بيت المال على المهاجرين لكل رجل ثلاثة دنانير ، ثم على الانصار مثل ذلك ، ثم من
____________
(1) في الارشاد : الوحيد بن عقبه والصواب كما في الاصل .
(2) جده بدر الدين حسن النقيب مؤلف ( زهر الرياض ) سنة 992 هـ .
( 66 )
حضر من الناس كلهم الاحمر والاسود فيما صنع به مثل ذلك .
فقال سهيل بن حنيف الانصاري : يا أمير المؤمنين ، هذا غلامي بالامس فاعتقته اليوم (1) .
فقال عليه السلام : نعطيه كما نعطيك ، فأعطاه ثلاثة دنانير ولم يفضل احدا على احد .
وقد تخلف يومئذ عن المبايعة له عبد الله بن الزبير ، وجماعة من قريش ، وطلحة بن عبد الله ، والزبير بن العوام ، وعبد الله بن عمر ، وسعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، وسعد بن ابي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، وحسان بن ثابت ، واسامة بن زيد ، وغيرهم من قريش . فصعد عليه السلام المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال عليه السلام (2) :
« أيها الناس ، إنكم بايعتموني على ما بويع (3) عليه غيري من كان قبلي ، وإنما الخيار الى الناس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم ، وإن على الامام الاستقامة (4) وعلى الرعية الاطاعة والتسليم ، وهذه بيعة عامة ، فمن رغب عنه رغب عن دين الاسلام واتبع غير سبيل الهدى (5) ،
____________
(1) بحار الانوار 32 : 38 ح 24 ، آمالي الشيخ الطوسي 2 : 298 .
(2) الارشاد 1 : 243 مع بعض الاختلاف اليسير .
(3) في النسخة الخطبة : بايعتموني برضى منكم واختيار على ما بويع .
(4) في الخطبة : على الاستقامة .
(5) في الارشاد : اهله .
( 67 )
ولم تكن بيعتكم لي فلتة وليس أمري وأمركم واحدا ، ألا وإني أريدكم لله عزوجل وأنتم تريدونني لأنفسكم ، وايم الله ، لأنصحن (1) للخصوم ، ولأنصفن للمظلوم (2) ، وقد بلغني عن ( عبد الله وسعد ومروان ومحمد وحسان واسامة ) (3) امور كرهتها ، والحق بيني وبينهم » .
قال : فجلسوا جميعا ، وتحدثوا نجيا ، ثم جاء إليه الوليد بن عقبة بن ابي معيط وقال : يا أبا الحسن ، إنك قد وترتنا جميعا ! اما انا فقتلت ابي يوم بدر صبرا ، وخذلت اخي يوم الدار .
واما سعيد فقتلت اباه يوم بدر في الحرب وكان ثور (4) قريش .
واما مروان فسخفت (5) أباه عند عثمان إذ ضمه إليه (6) .
ونحن نبايعك اليوم على ان تضع عنا ما قد صنعنا ، وان تقتل قتلة
____________
(1) في الاصل : لانصحى وهو تصحيف ، وقد أثبتناه من الارشاد .
(2) في الاصل : لا نطعن وهو تصحيف ، والصواب كما اثبت من الارشاد .
(3) في الارشاد [ سعد وابن مسلمة واسامة وعبد الله وحسان بن ثابت ] .
(4) سقطت من الاصل وهكذا وردت في البحار .
(5) في الاصل : فأستخفيت فهي لا تلائم العبارة والصواب كما في البحار .
(6) ما ذكره المسعودي في مروج الذهب م 2 : 362 قال : واتاه جماعة من تخلف عن بيعته من بني امية : منهم سعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، والوليد بن عقبة بن ابي معيط ، فجرى بينه وبينهم خطب ، وقال له الوليد : إنا لم نتخلف عنك رغبة عن بيعتك ، ولكنا قوم وترنا الناس ، وخفنا على نفوسنا ، فعذرنا فيما نقول واضح ، اما انا فقتلت أبي صبرا ، وضربتني حدا ، وقال سعيد بن العاص كلاما كثيرا وقال له الوليد : اما سعيد فقتلت اباه ، واهنت مثواه ، واما مروان فأنك شتمت اباه ، وعبت عثمان في ضمه اياه .
( 68 )
عثمان ، فإنا ان خفناك تركناك والتحقنا عنك الى غيرك .
فقال عليه السلام : « اما وتري فالحق وتركم ، وأما وضعي عنكم [ ما اصبتم فليس علي ] انه مالي ان اضع حق الله عنكم ولا عن غيركم ، وما قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم لقتلتهم بالامس ، ولكن لكم علي ان خفتموني ان أؤمنكم وان خفتكم ان أسيركم . . . فمضى الوليد الى أصحابه واخبرهم فتفرقوا على أظهار العداوة [ وأشاعة الخلاف ] (1) ، وكتبوا الى معاوية بن ابي سفيان بالشام يستنهضونه في طلب دم عثمان ، وأوعدوه بالقيام معه وان يكونوا له اعوانا وانصارا ، فأجابهم الى ذلك الا انه المؤثور (2) عليهم .
اخبار الامام علي عليه السلام بنقض القوم بيعتهم
فجاء عمار بن ياسر الى ابي الهيثم وابي ايوب وسهيل بن حنيف وجماعة من المهاجرين والانصار ، وقال : اعلموا ان هؤلاء النفر قد بلغنا عنهم ما هو كذا وكذا من الخلاف والطعن على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقاموا وأتوا إليه ، وقالوا : يا أمير المؤمنين انظر في أمرك وعاتب قومك هذا الحي من قريش فأنهم قد [ نقضوا بيعتهم لك وخالفوا أمرك ] (3) ، وقد دعونا في السر الى رفضك ، [ فهداك الله الى مرضاته وأرشدك الى
____________
(1) ايضا سقطت من الاصل . انظر بحار الانوار 32 : 19 .
(2) يعني المقدم عليهم .
(3) في البحار : نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك .
( 69 )
عباده ] (1) ، وذلك لانهم كرهوا الاسوة ، وفقدوا الأثرة ، لما واسيت بينهم وبين الاعاجم ، انكروا واستشاروا عدوك وعظموه ، واظهروا الطلب في دم عثمان فرقة للجماعة وتأليفا لاهل الضلالة ، [ فرأيك منهم سديد ، ونحن معك على كل باغ عنيد ] (2) .
فخرج عليه السلام ودخل المسجد مرتديا بطاق ، مؤتزرا ببرد قطري ، متقلدا بسيفه ، متنكبا على قوسه ، فصعد المنبر ، وقال :
بعد ان حمد الله عزوجل واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم « اما بعد ، ايها الناس ، فإنا نحمد الله ربنا والهنا وولينا وولي النعم علينا ، الذي اصبحت نعمته علينا ظاهرة ، وباطنة امتنانا منه بغير قول منا ولا قوة لنشكر ام نكفر ، فمن شكر زاده ، ومن كفر عذبه ، فأفضل الناس عند الله منزلة واقربهم من الله وسيلة اطوعهم لامره واعلمهم بطاعته واتبعهم لسنة [ نبيه محمد رسوله ] (3) صلى الله عليه وآله ، واحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك إلا جاهل معاند عن الحق منكر للصدق ، قال الله تعالى : ( يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) .
____________
(1) في البحار : هداك الله لرشدك .
(2) لم ترد هذه العبارة في البحار .
(3) في البحار : لسنة رسوله .
( 70 )
ثم انه عليه السلام صاح بأعلى صوته : ( [ يا ايها الذين آمنو ] (1) أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) .
ثم قال : يا معشر المهاجرين والانصار ، ( أتمنون على الله [ ورسوله ] (2) باسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين ) . ثم قال عليه السلام : انا أبو الحسن ، ( وكان لا يقولوها إلا إذا غضب ) (3) . ثم قال : إلا ان هذه الدنيا التي اصبحتم تتمنونها وترغبون فيها ، واصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ، فلا تغرنكم [ الحيوة الدنيا ] (4) فقد حذرتموها فاستتموا نعم الله بالصبر لانفسكم على طاعة الله ، والذل لحكمه جل ثناؤه .
فأما هذا الفيء فليس لاحد على أحد فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله ، وانتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله به أقررنا وله اسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا فمن لم يرض به فليتول كيف شاء فان العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه .
ثم انه عليه السلام نزل عن المنبر وصلى ركعتين (5) .
____________
(1) لم ترد في البحار .
(2) سقطت من الاصل .
(3) في البحار : وكان يقولها إذا غضب .
(4) لم ترد في البحار .
(5) بحار الانوار 32 : 19 ، 21 .
( 71 )
مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام للزبير وطلحة
ثم بعث عليه السلام عمار بن ياسر وعبد الرحمن بن حسل الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وهما في ناحية من المسجد ، [ فأتيا بهما ] (1) فجلسا بين يديه ، فقال عليه السلام لهما :
« نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وانا كاره لها ؟ » قالا : نعم .
قال : « غير مجبورين ولا مقهورين (2) فأسلمتما لي بيعتكما ، واعطيتماني عهدكما » ؟ قالا : نعم .
قال : « فما دعاكم بعد هذا الى ما أرى » .
قالا : اعطيناك بيعتنا على ان لا تقضي الامور ولا تقطعها من دوننا ، وان تستشيرنا في كل امر ولا تستبد بذلك علينا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ، [ فرأيناك قسمت القسم وقطعت الامر وقضيت بالحكم بغير مشاورتنا ولم تعلمنا ] (3) .
فقال عليه السلام : « لقد نقمتما يسيرا وارجأتما كثيرا ، فاستغفرا الله يغفر لكما .
____________
(1) في البحار : فأتياهما فدعواهما فقاما .
(2) في البحار : مقسورين .
(3) في البحار : فأنت تقسم القسم وتقطع الامر وتمضي الحكم بغير مشورتنا ولا علمنا .
( 72 )
ألا تخبراني ادفعتكما عن حق وجب لكما علي (1) فظلمتكما (2) اياه ؟ » . قالا : معاذ الله !
قال : فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء ؟
قالا : معاذ الله .
قال : « أفوقع حكم في حق لاحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ »
قالا : معاذ الله .
قال : « فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي ؟ »
قالا : نعم ، خلافك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القسم ، لأنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا ، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما افاء الله بأسيافنا ورماحنا ، وقد أوجفنا عليه بخيلنا [ ورجلنا وظهرت عليهم دعوتنا واخذناه قسرا وقهرا ] (3) ممن لا يرى الاسلام إلا كرها عليه .
فقال عليه السلام : « [ أما ما ذكرتما أني احكم بغير مشورتكما ] (4) فوالله ما كان لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها فخفت ان اردكم فتختلف الامة ، فلما أفضت الي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله
____________
(1) لم ترد في البحار .
(2) في الاصل : وطلبتكما .
(3) في الاصل : وركابنا على دعوة الاسلام لا جورا ولا قهرا .
(4) في البحار [ اما ذكرتموه من الاستشارة بكما ] .
( 73 )
فأمضيت ما دلاني عليه فأتبعته ولم أحتج الى رأيكما فيه ولا أرى غيركم ، ولو وقع ما ليس في كتاب الله بيانه ، [ ولا في سنة رسول الله برهانه ] (1) ، واحتيج الى المشاورة فيه لشاورتكما فيه .
وأما القسم والاسوة وان ذلك [ لم أحكم فيه بادئ بدء ] (2) وقد وجدت انا وانتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحكم بذلك وكتاب الله ناطق به ، [ وهو الكتاب ] (3) ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .
واما قولكما : جعلت فيئنا وما افاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا . فقديما سبق الى الاسلام قوم نصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القسم ولا آثرهم بالسبق والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة ، وليس لكما والله عندي ولا لغير كما إلا هذا ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم الى الحق والهمنا واياكم الصبر .
ثم قال عليه السلام : رحم الله امرءا رأى حقا فأعان عليه ، ورأى جورا فرده وكان عونا للحق على من خالفه » (4) .
( لعل المراد قوله عليه السلام فقديما سبق الى الاسلام يعني به نفسه ، حيث
____________
(1) في : البحار ولا في السنة برهانه .
(2) في الاصل [ لم اكلم فيه البادئ بدء ] عبارة ركيكه وصوابه كما في البحار .
(3) سقطت من الاصل .
(4) انظر : بحار الانوار 32 : 21 ، 22 .
( 74 )
لم يسبق إليه سابق ولم يلحق بأثره في جميع ما امره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاحق ، فانه عليه السلام جميع اعماله بالكتاب المجيد والسنة الواضحة .
في السبب الموجب لنكث طلحة بن عبيدالله والزبير
بن العوام لبيعتهما امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
قال المسعودي : لما قتل عثمان بايعت الناس امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بالخلافة ، كتب عليه السلام الى معاوية بن ابي سفيان بالشام :
« اما بعد فأن الناس قتلوا عثمان من غير مشورة مني ، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع ، فإذا اتاك كتابي هذا فبايع لي الناس ، وأوفد الي اشراف اهل الشام » (1) .
فلم يكن منه له جواب غير انه كتب كتابا الى الزبير بن العوام وبعثه مع رجل من بني عبس فمضمونه :
بسم الله الرحمن الرحيم
الى الزبير بن العوام (2) من معاوية بن ابي سفيان . . . سلام الله عليكم اما بعد ، فأني قد بايعت لك اهل الشام فأجابوني الى بيعتك فأستوثقتهم كما استوثق الحلف (3) ، فدونك الكوفة والبصرة [ لا
____________
(1) نهج البلاغة 1 : 230 ، بحار الانوار 32 : 6 .
(2) في البحار : لعبدالله الزبير امير المؤمنين .
(3) في الاصل : الجلب وهو تصحيف وصوابه كما في البحار .
( 75 )
يسبقك عليهما علي بن ابي طالب ] (1) فأنه لا شيء بعد هذين المصرين وقد بايعتهم لطلحة بن عبيدالله من بعدك ، فعليكما (2) بالظهور في طلب دم عثمان رضي الله عنه ، فأدعوا الناس الى ذلك بالجد والتشهير ، ظفركما (3) الله تعالى وخذل مناوئيكما .
قال جدي حسن ( طاب ثراه ) : ان معاوية كتب الى الزبير :
اما بعد ، فإنك الزبير بن العوام ابن اخي خديجة بنت خويلد ، وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحواريه وسلفه ، وصهر ابي بكر ، وفارس المسلمين ، وانت الباذل في الله مهجته له بمكة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المتسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الرديع ، كل ذلك قوة ايمان وصدق يقين منك ، وقد سبقت لك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البشارة بالجنة ، ثم جعلك عمر رضي الله عنه احد المستخلفين على الامة .
فانهض يا أبا عبد الله فأن الرعية اصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ، فسارع ـ رحمك الله ـ
في حقن الدماء ولم الشعث ، واجمع الكلمة لصلاح ذات البين قبل تفاقم الامور وانتشار الامة ، فقد اصبح الناس على شفا جرف هار عما قليل منهار ، ان لم يرأب ، فشمر لتأليف
____________
(1) في البحار : لا يسبقنك لها ابن ابي طالب .
(2) سقطت من البحار .
(3) في البحار : اظهركما .
( 76 )
الامة وابتغ الى ربك سبيلا ، فقد أحكمت لك الامر على من قبلي لك ولصاحبك على ان الامر للمقدم ، ثم لصاحبه من بعده ، جعلكما الله من أئمة الهدى ، وبغاة الخير والتقوى ، وسلك بكما قصد المهتدين ، ووهبكما رشد الموفقين والسلام (1) .
مكاتبة معاوية بن ابي سفيان الى بني امية
وكتب الى مروان بن الحكم :
اما بعد ، فقد وصل الي كتابك بشرح خبر قتل امير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، وما ركبوه به ونالوه منه جهلا بالله وجرأة عليه ، واستخفافا بحقه ، [ ولأماني لوح ] (2) الشيطان بها في شرك الباطل ليدهدهم (3) في أهويات الفتن ، ووهدات الضلال ، ولعمري لقد صدق إبليس عليهم ظنه ، اقتنصهم بأنشوطة فخه ، فعلى رسلك يا عبد الله تمشي الهوينى وتكون اولا ، فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد الذي لا يصطاد إلا غيلة (4) ، ولا يتشازر (5) الا عند حيلة ، وكالثعلب (6) لا يفلت الا روغانا ، وأخف نفسك منهم اخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكف ، وامتهن
____________
(1) انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 300 .
(2) في الاصل غير واضحة واثبتناها من جمهرة رسائل العرب .
(3) دهده الحجره متدهده : دحرجه فتدحرج .
(4) الغيلة : الاحتيال .
(5) تشازر القوم : نظر بعضهم الى بعض شزرا ، والشزر : النظر بمؤخر العين .
(6) في جمهرة رسائل العرب : كالثعلب .
( 77 )
نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن أمورهم بحث الدجاج عن حب الدخن عند فقاسها ، وأنغل (1) الحجاز فأني منغل الشام ، والسلام (2) .
وكتب الى سعيد بن العاص :
اما بعد ، فقد ورد علي كتاب مروان بن الحكم من ساعة حين وقعت النازلة ، تصل بها البرد (3) بسير المطيّ الوجيف (4) ، يتوجس (5) كتوجس الحية الذكر خوف ضربة الفأس وقبضة الحاوي (6) ، ومروان لا يكذب أهله ، فعلام الافكاك (7) يابن العاص ولات حين مناص ؟ وذلك انكم يا بني امية عما قليل تسألون أدنى العيش من ابعد المسافة ، فينكركم من كان بكم عارفا ، ويصد عنكم من كان لكم واصلا ، فتتفرقون في البلاد ، وتتمنون لمظة (8) المعاش . الا وان امير المؤمنين عتب عليه فيكم ، وقتل في سببكم ، فقبيح القعود عن نصرته ، والطلب بدمه ! وانتم بنو امية ، ودون الناس منه
____________
(1) انغل الحجاز : اي افسده .
(2) جمهرة رسائل العرب 1 : 301 .
(3) البرد : جمع بريد .
(4) وجف الفرس : عدا .
(5) تتوجس : تسمع الى الصوت الخفي .
(6) الحاوي : جامع الحيات .
(7) الافكاك : التراخي .
(8) اللماظة : ما يبقى في الفم من الطعام .
( 78 )
رحما وقربا وطلاب ثأره ، فأصبحتم متمسكين [ بشظف معاش زهيد ] (1) قليل ينزع منكم عند التخاذل ، وضعف القوى .
فإذا قرأت كتابي هذا فدب دبيب البرد في الجسد النحيف ، وسر سير النجوم تحت الغمام ، واحشد حشد (2) الذرة في الصيف لأنجحارها في الصرد ، فقد ايدتكم بأسد وتيم ، وكتب في آخر الكتاب (3) :
تالله لا يذهب شيخي باطلا * حتى أبير مالكا وكــاهلا
القاتليــن الملك الحلاحلا * خيـر معد حسبــا ونائلا
وكتب الى عبد الله بن عامر :
اما بعد ، فأن المنبر مركب ذلول سهل الرياض لا ينازعك اللجام ، وهيهات ذلك إلا بعد ركوب اثباج (4) المهالك ، واقتحام امواج المعاطب ، فكأني بكم يا بني أمية شعارير (5) كالاوراق تقودها الحداة (6) ، أو كرخم الخندمة (7) تذرف خوف العقاب ، فثب الان قبل ان
____________
(1) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . والشظف : شدة العيش .
(2) اي اجمع جمع الذرة .
(3) جمهرة رسائل العرب 1 : 302 .
(4) اثباج : جمع ثبج بالتحريك ، وهو ما بين الكاهل الى الظهر .
(5) يقال : ذهبوا شعاليل وشعارير اي متفرقين .
(6) الحداة : جمع الحادي وهو سائق الابل .
(7) الخندمة : جبل بمكة .
( 79 )
يستشري الفساد ، وندب السوط جديد ، والجرح لما يندمل ، ومن قبل استضراء الأسد ، والتقاء لحييه على فريسته ، وساور الامر مساورة الذئب الأطلس (1) كسيرة القطيع ، ونازل الرأي ، وانصب الشرك ، وأرم عن تمكن ، وضع الهناء مواضع النقب (2) ، واجعل اكبر عدتك الحذر ، وأحد سلاحك التحريض ، وأغض عن العوراء ، وسامح عن اللجوج ، واستعطف الشارد ، ولاين الأشوس (3) ، وقو عزم المريد ، وبادر العقبة ، وأزحف زحف الحية ، وإسبق قبل أن تسبق ، وقم قبل ان يقام لك ، واعلم أنك غير متروك ولا مهمل ، فأني لك ناصح امين ، والسلام .
ثم انه كتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (4) :
عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ، ما شاء أن يترحمـا
تحية من أهدى السلام لأهلـه * إذا شط دارا عن مـزارك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد * ولكنــه بنيــان قوم تهدما
وكتب الى الوليد بن عقبة بن أبي معيط :
اما بعد ، يا ابن عقبة : كن الجيش ، وطيب العيش ، أطيب من سفع
____________
(1) الذئب الاطلس : الذي في لونه غبرة الى السواد .
(2) الهناء : القطران ، والنقب بضم ففتح : القطع المتفرقة .
(3) الشوس بالتحريك : النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا .
(4) انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 303 .
والابيات لعبدة بن الصليب يرثي بها قيس بن عاصم كما في رواية الاصفهاني في الاغاني 18 : 163 وفيه يقول :
تحية من أوليته منك نعمة * إذا زار عن شحط بلادك سلما
( 80 )
سموم (1) الجوزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا ان أخاك (2) عثمان أصبح منك بعيدا ، فصرت بعده مزيدا ، فأطلب لنفسك ظلا تأوي إليه فتستكن به ، فأني اراك على التراب رقودا ، وكيف بالرقاد بك ؟ لا رقاد لك ! فلو قد استتب هذا الامر لمريده الفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر ، وعن قليل تشرب الرنق (3) ، وتستشعر الخوف (4) ، ألا واني أراك فسيح الصدر ، مسترخي اللبب (5) ، رحوا الحزام ، قليل الاكتراث ، وعن قليل يجتث أصلك ، والسلام .
وكتب في آخره هذين البيتين شعرا (6) :
أخترت نومك ان هبت شامية * عند الهجير وشربا بالعشيات
على طلابك ثأرا من بني حكم * هيهات من راقد طلاب ثارات
وكتب الى يعلى بن أمية :
اما بعد ، احاطك الله بكلاءته ، وأيدك بتوفيقه ، كتبت الي صبيحة ورد علي كتاب مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشرح الحال ، وانه قد طال به العمر حتى نقضت قواه ، وثقلت نهضته ،
____________
(1) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحا يسيرا فغيرت لون البشرة .
(2) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه .
(4) ماء رنق : اي كدر .
(4) يستشعر الخوف : جعله شعارا له .
(5) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل .
(6) جمهرة رسائل العرب 1 : 304 .
( 81 )
وظهرت به الرعشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوام لم يكن لهم عنده موضعا للامامة والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتك اليمن ، وطول مدتك عليها ، ثم ترامى بهم الامر حالا بعد حال ، حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادرا بها الموت (1) ، وهو مع ذلك صائم ، معانق المصحف ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظمت مصيبة الاسلام باستشهاد صهر (2) الرسول ، والامام المقتول على غير جرم سفكوا دمه ، وانتهكوا حرمته ، وانت تعلم ان بيعته في أعناقنا ، وطلب ثأره لازم علينا ، فلا خير في امرئ يعدل عن الحق ، ويميل الى الباطل ، عن نهج الصدق ، النار ولا العار ، الا وان الله جل ثناؤه لا يرضى بالتعذير في دينه ، فشمر أطرافك لدخول العراقين (3) ، فأني قد كفيتك الشام واهلها ، واحكمت امرها ، واعلم اني كتبت الى طلحة بن عبيدالله ان يلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دم عثمان ، وكتبت ايضا الى عبد الله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهل لكم حزونة عتابها واعلم ان القوم فاصدوك بادئ بدء ، لاستنزاف (4) ما حوته يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حسبه ، ايدك الله تعالى بمشيئته والسلام ، وكتب في اسفله هذه
____________
(1) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب .
(2) سقطت من الاصل .
(3) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة .
(4) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة .
( 82 )
الابيات شعرا (1) :
ظــل الخليفة محصورا يناشدهم * بالله طــورا ، وبالقرآن احيانـا
وقد تألــق اقــوام على حنق * عن غير جرم ، وقالوا فيه بهتانا
فقام يذكرهم وعــد الرسول له * وقولــه فيـه إسرارا وإعلانـا
فقال : كفوا فإني معتـب لكــم * وصــارف عنكـم يعلى ومروانا
فكذبوا ذاك منه ، ثـم ســاوره * من حـاض لبتــه ظلما وعدوانا
في اجوبتهم لمعاوية ، قال :
فكتب مروان بن الحكم الى معاوية : اما بعد ، فقد وصل الي كتابك ، فنعم كتاب زعيم العشيرة ، وحامي الذمار (2) ، فأخبرك أن القوم على سنن استقامة [ إلا شظايا شعب ] (3) شننت بينهم مقولي (4) على غير مجابهة ، حسب ما تقدم من أمرك ، فأنما كان ذلك دسيس (5) العصاة ورمي الجذر من اغصان الدوحة ، ولقد طويت أديمهم على نغل (6) يحلم منه الجلد ، كذبت نفس الضان بنا ترك المظلمة ، وحب الهجوع الا تهويمة (7) الراكب العجل ، حتى تجذ الجماجم جذ [ العراجين
____________
(1) جمهرة رسائل العرب 1 : 305 - 306 .
(2) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته .
(4) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب .
(4) المقول : اللسان .
(5) دسيس : إخفاء المكر .
(6) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغل الاديم : فسد في الدباغ .
(7) التهويم : هز الرأس من النعاس .
( 83 )
المهدلة حين ] (1) انبياعها ، وانا على صحة نيتي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني . غير سابقك بقول ، ولا متقدمك بفعل ، وانت ابن حرب وطلاب الترات (2) ، وابي الضيم ، وكتابي إليك وانا كحرباء السبسب (3) في الهجير ترقب عين الغزالة (4) ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق (5) من صوت نفسه ، منتظرا لما تصح به عزيمتك ، ويرد به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه .
وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (6) :
أيقتــل عثمان وترقا دموعنــا * ونرقــد هذا الليــل لا تتنـزع
ونشرب بـرد الماء ريا وقد مضى * علـى ضمــأ يتلو القران ويركع
فأني ومن حج الملبــون بيتــه * وطافوا به سعيا وذو العرش يسمع
سأمنع نفسي كــل مـا فيـه لذة * من العيش حتـى لا يرى فيه مطمع
وأقتل بالمظلوم من كـان ظالمــا * وذلك حكـم الله ما عنــه مدفـع
وكتب عبد الله بن عامر الى معاوية :
اما بعد ، فإن امير المؤمنين كان لنا الجناح الحاضنة تأوي إليها
____________
(1) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق .
(2) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر .
(3) السبسب : المفازة .
(4) الغزالة : الشمس .
(5) يفرق : يخاف .
(6) جمهرة رسائل العرب 1 : 306 ـ 307 .
( 84 )
فراخها تحتها ، فلما أقصده السهم صرنا كالنعام الشارد ، ولقد كنت مشرد (1) الفكر ، ضال الفهم ، التمس [ درية ] (2) استجن بها من خطأ الحوادث ، حتى وقع الي كتابك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رقادي ، فأنا كواجد المحجة (3) كان الى جانبها حائرا ، وكأني اعاين ما وصفت من تصرف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعة لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العز احسن من الحياة في الذلة .
وانت ابن حرب فتى الحروب ، ونصار بني عبد شمس ، والهمم بك منوطة لأنك منهضها ، فإذا نهضت فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحد من الناس القعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خلاف ما كانت عليه عزيمتي :
من طلب العاقبة ، وحب السلامة قبل قرعك سويداء (4) القلب بسوط الملام ، ولنعم مؤدب العشيرة انت ، وإنا لنرجوك بعد عثمان كهفا لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى .
____________
(1) سقطت من الاصل .
(2) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل . واستجن : استتر .
(3) المحجة : الطريق الواضح .
(4) سويداء القلب : حبته .