حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 41 ـ 50
(41)
وكان من هيبته إنّه إذا جلس للناس أو ركب لم يقدر أحد أن يرفع صوته من عظيم هيبته (1).

    آراء وكلمات :
    وأدلى فريق من العلماء والمؤلّفين بكلمات عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) وهي تعرب عن إكبارهم وتعظيمهم له وفيما يلي بعضها :
    1 ـ المأمون :
    وأعرب المأمون في كثير من المناسبات عن إعجابه بشخصيّة الإمام الرضا ( عليه السلام ) وهذه بعض كلماته :
    أ ـ قال المأمون لأسرته حينما لامته على عقده ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( أمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن فما بايع له إلاّ مستبصراً في أمره ، عالماً بأنّه لم يبق على ظهرها ـ أي ظهر الأرض ـ أبين فضلاً ، ولا أطهر عفّة ، ولا أورع ورعاً ، ولا أزهد زهداً في الدنيا ، ولا أطلق نفساً ، ولا أرضي في الخاصّة والعامّة ، ولا أشدّ في ذات الله منه .. ) (2).
    ب ـ قال المأمون : ( الإمام الرضا خير أهل الأرض ، وأعلمهم ، وأعبدهم ) (3). ولهذه الصفات الرفيعة الماثلة فيه قالت الشيعة بإمامته ، وانّه ممّن فرض الله طاعتهم ومودّتهم على الناس.
    2 ـ إبراهيم بن العبّاس :
    وكان إبراهيم بن العباس ممّن رافق الإمام ( عليه السلام ) وقد تحدث عن معالي أخلاقه ، وكان مما قاله فيه : ( وكان كثير المعروف والصدقة في السرِّ ، وأكثر ذلك يكون منه في
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 179.
2 ـ حياة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ص 143.
3 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 183.


(42)
الليالي المظلمة ، فمن زعم أنّه رأى مثله فلا تصدّقه ) (1).
    3 ـ عارف تامر :
    قال عارف تامر : ( يعتبر الإمام الرضا من الأئمة الذين لعبوا دوراً كبيراً على مسرح الأحداث الإسلامية في عصره .. ) (2).
    وكثير من أمثال هذه الكلمات التي عبّرت عمّا تميّز به الإمام من الصفات الرفيعة التي لم يتّصف بها أحد سوى آبائه الذين رفعوا علم الهداية في الأرض.

    مدح الشعراء :
    ونظم الشعراء الكثير من الشعر في معالي صفات الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومكارم أخلاقه وفيما يلي بعضهم :
    1 ـ الصولي :
    وهام الصولي (3) إعجاباً بالإمام فراح يقول :
ألا أنّ خير الناس نفساً ووالداً أتتنا به للحلم والعلم ثامناً ورهطاً وأجداداً عليّ المعظّم إماماً يؤدّي حجّة الله تكتم (4)

1 ـ حياة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ص 143.
2 ـ الإمامة في الإسلام : ص 125.
3 ـ الصولي : هو أبو إسحاق إبراهيم بن العباس الصولي كان كاتباً بليغاً ، وشاعراً مجيداً ، ومن شعره :
ولربّ نازلة يضيق بها الفتى ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها ذرعاً وعند الله منها المخرج فرجت وكان يظنّها لا تفرج
    ومن كلامه : مثل أصحاب السلطات مثل قوم علوا جبلاً ثم وقعوا منه فكان أقربهم إلى التلف أبعدهم في الارتقاء .. يروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، توفي بسر من رأى ، في منتصف شهر شعبان سنة ( 243 هـ ) جاء ذلك في الكنى والألقاب : ج2 ص 432 ـ 433.
4 ـ مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 332.


(43)
    2 ـ أبو نواس :
    وتنسب هذه الأبيات الرائعة إلى أبي نواس ، وقد قالها حينما عوتب على تركه لمدح الإمام الرضا فقال :
قيل لي أنت أوحد الناس طراً لك من جوهر الكلام نظام فعلى ما تركت مدح ابن موسى قلت : لا أهتدي لمدح إمام في فنون من المقال النبيه يثمر الدر في يدي مجتنبه والخصال التي تجمعن فيه كان جبريل خادماً لأبيه (1)
    3 ـ عبد الملك بن المبارك :
    قال الشاعر عبد الله بن المبارك في مدح الإمام :
هذا عليّ والهدي يقوده من خير فتيان قريش عوده (2)
    لقد أجمع المسلمون بجميع طبقاتهم على إكبار الإمام ( عليه السلام ) وتعظيمه ، والاعتراف له بالفضل.

    إرغام الإمام على ولاية العهد :
    وأرغم المأمون الإمام الرضا ( عليه السلام ) على قبول ولاية العهد ، وأكرهه على ذلك فهدّده بالقتل إن لم يستجب له ، أما الأسباب التي دعته إلى هذا الإجراء فهي :
    أولاً : النزاع الذي كان بينه وبين أخيه ، مما أدى إلى اندلاع نار الحرب بينهما وانضمام معظم الأسرة العباسية إلى الأمين الذي كان أحبّ إليهم من المأمون ، فأراد تقوية مركزه السياسي ، وبسط نفوذه ، فعقد ولاية العهد إلى زعيم العلويين وسيّدهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) الذي يكنّ له المسلمون أعظم الولاء والتقدير ، ويرون في شخصيّته
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ص 142 ـ 143.
2 ـ المناقب : ج 4 ص 362.


(44)
امتداداً لشخصيّة جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ).
    ثانياً : ثورة أبي السرايا.
    ثالثا : تصاعد المدّ الشيعي الذي أخذ بالاتّساع ، فشمل أغلب أنحاء الدولة ، فأراد المأمون بعهده للإمام ( عليه السلام ) أن يتخلّص من حركات الشيعة كما يقول ابن خلدون (1).
    هذه بعض الأسباب التي دفعت المأمون إلى عقده لولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) وكان على علم بأنّها صورية لا واقع لها ، وممّا يدلّل على ذلك أنّه شرط عليه ( أن لا يولّي أحداً ، ولا يعزل أحداً ، ولا ينقض رسماً ولا يغيّر شيئاً ممّا هو قائم ، ويكون في الأمر مشيراً من بعيد ) (2) ومن الطبيعي أنّه لو كان يعلم بصحّة نيّة المأمون ، وسلامة اتّجاهه لما وقف هذا الموقف السلبي من حكومته ، وتعاون معه في جميع المجالات.

    خطبة المأمون :
    ولمّا بايع الناس الإمام الرضا ( عليه السلام ) بولاية العهد اعتلى المأمون المنبر فخطب الناس وممّا جاء في خطابه :
    ( أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والله لو قرأت هذه الأسماء على الصمّ البكم لبرؤا بإذن الله عزوجل .. ) (3).

    محافل الأفراح :
    وأوعز المأمون إلى جميع ولادته وعمّاله على الأقاليم الإسلامية بإقامة المهرجانات
1 ـ تاريخ ابن خلدون : ج 4 ص 9.
2 ـ و 3 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 147.


(45)
العامّة ، وإظهار معالم الزينة في البلاد ، كما أمر الخطباء بإذاعة فضائل الإمام ( عليه السلام ) والتحدّث عن مآثر أهل البيت ( عليهم السلام ) وأقام في بلاطه مهرجاناً عامّاً حضرته جميع الأوساط الشعبية ، وقد أجلس الإمام إلى جانبه فقام العباس الخطيب فخطب خطبة بليغة ، وختمها بقوله :
لابدّ للناس من شمس ومن قمر فأنت شمس وهذا ذلك القمر (1)
    وتمّت بذلك هذه البيعة التي فرح بها العالم الإسلامي ، وأعلن المسلمون تأييدهم لها فقد أيقنوا أنّها ستحقّق جميع آمالهم ورغباتهم.

    مع الإمام الجواد :
    ولابدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عن بعض شؤون الإمام الجواد ( عليه السلام ) مع أبيه الإمام الرضا ( عليه السلام ).

    قيامه بشؤون أبيه :
    وبالرغم من حداثة سنّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) فقد كان هو القائم بشؤون أبيه ورعاية أموره خصوصاً ما كان منها بالمدينة (2).
    ويقول المؤرّخون : إنّه كان يأمر الموالي ، وينهاهم ، ولا يخالفه أحد في ذلك وكان الإمام الرضا ( عليه السلام ) مسروراً بقيام ابنه بمهامه وشؤونه.

    رسالة الإمام الرضا إلى الجواد :
    وحينما كان الرضا ( عليه السلام ) في خراسان بعث إليه برسالة جاء فيها :
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 146.
2 ـ ضياء العالمين : ج 2 ، من مخطوطات مكتبة الحسينية الشوشترية.


(46)
    ( يا أبا جعفر بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير ، فإنّما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً ، فأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلاّ من الباب الكبير ، وإذا ركبت فاصحب معك ذهباً وفضّة ثمّ لا يسألك أحد إلاّ أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين ديناراً ومن سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين ديناراً ، والكثير إليك ، إنّي أريد أن يرفعك الله فانفق ولا تخشى من ذي العرش اقتاراً .. ) (1).
    إنّ سجية الأئمة الطاهرين الكرم والإحسان إلى الناس ، والبرّ بالضعفاء والفقراء ، لقد لفت الإمام الرضا ( عليه السلام ) انتباه ولده إلى ما يصنعه الموالي معه من إخراجه من الباب الصغيرة في الدار لئلاّ يراه الفقراء حتى ينعم عليهم ، وقد أمره ( عليه السلام ) بالخروج من الباب الكبيرة حيث يزدحم عليها الضعفاء والمحرومون. وعهد إليه أن يقوم بإكرامهم والانعام عليهم وقد كانت هذه الظاهرة إحدى العناصر الذاتية في أخلاق أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ).

    نصّه على إمامة الجواد :
    ونصّ الإمام الرضا ( عليه السلام ) على إمامة ولده الجواد ، ونصبه خليفة من بعده ومرجعاً عاماً للمسلمين ليرجعوا إليه في شؤونهم الدينية ، وقد روى النصّ على إمامته جمهور كبير من الرواة كان منهم :
    1 ـ محمد المحموري :
    روى محمد المحموري عن أبيه قال : كنت واقفاً على رأس الإمام الرضا ( عليه السلام ) بطوس فقال له بعض أصحابه :
    ( إنّ حدث حدّث فإلى من؟ ).
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 8.

(47)
    وإنما سأله عن الإمام من بعده حتى يدين بطاعته والولاء له ، فقال ( عليه السلام ) له :
    ( إلى ابن أبي جعفر .. ).
    وكان الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) في مرحلة الطفولة ، فقال له :
    ( إني استصغر سنّه !! ).
    فردّ عليه الإمام هذه الشبهة قائلاً :
    ( إن الله بعث عيسى بن مريم قائماً في دون السنّ ، التي يقوم فيها أبو جعفر .. ) (1).
    وحفل جواب الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالدليل الحاسم فإنّ الله تعالى بعث عيسى نبيّاً وآتاه العلم صبياً وهو دون سنّ الإمام أبي جعفر ، والنبوّة والإمامة من منبع واحد لا يناطان بالصغير والكبير وإنّما أمرهما بيد الله تعالى فهو الذي يختار لهما من أحبّ من عباده.
    2 ـ صفوان بن يحيى :
    وممّن روى النصّ على إمامة الجواد صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عن القائم بعدك؟ فتقول : يهب الله لي غلاماً ، فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا ، فإن كان كون ، فإلى من؟ فأشار الإمام إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه وعمره إذ ذاك ثلاث سنين ، فقلت : هو ابن ثلاث سنين؟!! قال ( عليه السلام ) : وما يضرّ من ذلك ، فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين (2).
    3 ـ معمر بن خلاد :
    وروى معمر بن خلاد النصّ من الرضا ( عليه السلام ) على إمامة ولده الجواد قال : سمعته
1 ـ الدرّ النظيم ، ورقة 218 من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
2 ـ الفصول المهمة لابن الصباغ : ص 251 ، أصول الكافي : ج 1 ص 379.


(48)
يقول لأصحابه : وقد ذكر شيئاً ثمّ قال لهم : ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي ، وصيرته مكاني .. إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة (1) بالقذة (2).
    4 ـ عبد الله بن جعفر :
    ومن رواة النصّ على إمامة الجواد عبد الله بن جعفر قال : دخلت على الإمام الرضا أنا وصفوان بن يحيى ، وأبو جعفر قائم قد أتى له ثلاث سنين ، فقلنا : جعلنا الله فداك ، ونعوذ بالله إن حدث حدث فمن يكون بعدك؟ قال ( عليه السلام ) : ابني هذا ، وأومأ إلى ولده الإمام الجواد ـ فقلنا له : وهو في هذا السنّ؟! قال ( عليه السلام ) : نعم إنّ الله تبارك وتعالى احتجّ بعيسى وهو ابن سنتين (3).
    5 ـ محمد بن أبي عباد :
    وممّن سمع النصّ على الإمام الجواد من أبيه محمد بن أبي عباد قال : سمعت الإمام الرضا ( عليه السلام ) يقول : ( أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي ) (4).
    إلى غير ذلك من النصوص التي أثرت عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) وهي تلعن إمامة الجواد من بعده ، وأنه أحد خلفاء الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) على أمته.

    غدر المأمون بالرضا :
    وبعدما استنفذت الأغراض السياسية للمأمون في بيعته للإمام الرضا ( عليه السلام ) رأى أن يغدر
1 ـ القذة : بضمّ القاف وفتح الذال ويش السهم ، يقال : حذو القذة بالقذّة إذا تساويا في المقدار حيث يقدر كلّ واحد منهما على قدر صاحبه ويقطع ويضرب مثلاً للشيئين يتساويان.
2 ـ الفصول المهمة : ص 251 ، بحار الأنوار : ج 12 ص 103.
3 ـ بحار الأنوار : ج 12 ص 117.
4 ـ بحار الأنوار : ج 12 ص 104 ، إثبات الهداة : ج 6 ص 161.


(49)
به ، ويفتك بحياته ، وعلينا أن نتحدّث ـ بإيجاز ـ عن الأسباب التي دعته إلى اقتراف هذه الجريمة وهي :
    1 ـ الحسد :
    وأترعت نفس المأمون بالحسد للإمام الرضا ( عليه السلام ) وكان سبب ذلك ما ظهر للناس من فضل الإمام وعلمه ، وقد روى المؤرّخون أنّ المأمون أوعز إلى علماء الأقطار الإسلامية بالقدوم إلى خراسان لامتحان الإمام ، وقد خاضوا معه مختلف المسائل الفلسفية والكلامية والبحوث الطبّية وغيرها ، وقد خرجوا من عنده وهم يقولون بإمامته ويذيعون فضله وينشرون معارفه ، ولما استبان للمأمون ذلك أوعز إلى محمد بن عمرو الطوسي بطرد الناس عن مجلس الإمام (1) وقد كشف النقاب عن هذه الجهة أبو الصلت الهروي عندما سأله أحمد بن عليّ الأنصاري فقال له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبّته له وما جعل له من ولاية العهد؟ فأجابه أبو الصلت :
    ( إنّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله ، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنّه راغب في الدنيا ، فيسقط محلّه من نفوسهم فلمّا لم يظهر منه ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم ، ومحلاً في نفوسهم ، جلب عليه المتكلّمين من البلدان طمعاً في أن يقطعه واحد فيسقط محلّه عند العلماء ، ويشتهر نقصه عند العامّة ، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ، ولا خصم من فوق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه وألزمه الحجّة ، وكان الناس يقولون : والله أنّه أولى بالخلافة من المأمون ، وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتدّ حسده (2).
1 ـ عيون أخبار الرضا : ج 2 ص 172.
2 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 239.


(50)
    إنّ الحسد من أخبث الأمراض النفسية وهو يفرز جميع الرذائل فقد ألقى الناس في شرّ عظيم وهو ـ من دون شكّ ـ قد دفع المأمون إلى اغتيال الإمام والفتك به.
    2 ـ إرضاء العبّاسيّين :
    وذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ المأمون إنما سمّ الإمام إرضاءً لعواطف بني العبّاس ومداراة لهم (1) فقد قامت قيامتهم حينما صار الإمام ولي عهد المأمون وخافوا على الخلافة أن تنتقل إلى آل عليّ ( عليه السلام ) وقد أراد المأمون أن يزيل ما في نفوسهم فاغتال الإمام ( عليه السلام ) بعد أن تّمت أهدافه السياسيّة.
    3 ـ عدم محاباة الإمام للمأمون :
    ولعلّ من أوثق الأسباب التي دفعت المأمون إلى اغتيال الإمام هو أنّ الإمام كان لا يُحابي المأمون ، ولا يداريه ، وكان دوماً يوصيه بتقوى الله وطاعته ، ويحذّره العقاب في الدار الآخرة ، وقد أدلى بهذه الجهة أبو الصلت الهروي ، قال : كان الرضا لا يُحابي المأمون من حقّ ، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله ، فيغيظه ذلك ويحقده عليه ، ولا يظهره له فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله وقتله (2).
    4 ـ صلاة العيد :
    ومن الأسباب التي أدّت إلى حقد المأمون على الإمام حديث صلاة العيد فقد طلب من الإمام أن يصلي صلاة العيد فامتنع الإمام من إجابته وأصرّ عليه المأمون فأجابه الإمام إلى ذلك إلاّ أنّه شرط عليه أن يصلّي بالناس كما كان جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصلّي بهم ووافق المأمون على ذلك وأمر القوّاد وسائر الناس أن يبكّروا إلى دار الإمام ، وخرج الناس بجميع طبقاتهم في الصبح الباكر وجلسوا في الطرقات ، وأشرفوا من السطوح وهم يتطلّعون إلى خروج الإمام ، وقام الإمام في الصبح
1 ـ عيون التواريخ : ج 3 ، ورقة 227.
2 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 239.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس