حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 101 ـ 110
(101)
المرجع الوحيد الذي يرجع إليه معظم المسلمين في شؤونهم الدينية.

    علل الأحكام :
    وكشف الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) النقاب عن العلّة في تشريع بعض الأحكام وكان من بينها ما يلي :
    1 ـ سئل محمد بن سليمان عن العلّة في جعل عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر ، وصارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ، فأجابه الإمام ( عليه السلام ) عن ذلك :
     ( أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد ، وأمّا عدة المتوفى عنها زوجها فإنّ الله تعالى شرط للنساء شرطاً ، وشرط عليهن شرطاً فلم يجابهن فيما شرط لهنّ ، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ ، أما ما شرط لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عزوجل : ( للذين يؤلون من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر ) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك اسمه إنّه غاية صبر المرأة عن الرجل ، وأمّا ما شرط عليهنّ فإنّه أمرها أن تعتدّ إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشراً فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند الإيلاء ، قال الله عزّ وجل : ( يَتَرَبَّصنَ بأنفُسِهِنَّ أربعةَ أشهُرٍ وعَشْراً ) ولم يذكر العشرة الأيام في العدّة إلاّ مع الأربعة أشهر ، وعلم أنّ غاية المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثمّ أوجبه عليها ولها .. ) (1).
    2 ـ سأل محمد بن سليمان الإمام الجواد عن العلّة فيما إذا قذف الرجل امرأته بجريمة الزنا تكون شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قذفها غيره سواءً كان قريباً لها أم بعيد جلد الحدّ أو يقيم البيّنة على ما قال ، فأجابه ( عليه السلام ) :
     ( قد سئل أبو جعفر ـ يعني الإمام الباقر ( عليه السلام ) ـ عن ذلك فقال : إن الزوج إذا
1 ـ وسائل الشيعة : ج 15 : 452 ، علل الشرائع : ص 172 ، المحاسن : ص 303.

(102)
قذف امرأته فقال : رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قال : إنّه لم يره. قيل له أقم البيّنة على ما قلت : وإلاّ كان بمنزلة غيره ، وذلك أنّ الله تعالى جعل للزوج مدخلاً لا يدخله غيره والد ولا ولد يدخله بالليل والنهار فجاز له أن يقول : رأيت ، ولو قال غيره : رأيت قيل له : وما أدخلك المدخل الذي ترى هذا فيه وحدك ، أنت متّهم فلابدّ من أن يقيم عليك الحدّ الذي أوجبه الله عليك .. ) (1).
    هذا بعض ما أثر عنه في بيان علل بعض الأحكام التي شرعها الإسلام.

    التبشير بالإمام المهدي :
    والشيء المحقّق الذي لا يمكن إنكاره ، ولا إخفاءه هو ما بشّر به الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) أمّته بخروج المصلح العظيم الإمام المنتظر الذي يقيم اعوجاج الدين ، وتحقّق في ظلال حكمه العدالة الاجتماعية الكبرى فيأمن المظلومون والمضطهدون ، ويعمّ الحقّ جميع أنحاء الدنيا ، ويقضى على الغبن الاجتماعي ، وتزول عن الناس جميع أفانين الظلم والجور ، ويكون حكمه الزاهر امتداداً ذاتياً لحكومة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحكومة الإمام أمير المؤمنين رائد الحقّ والعدل في الأرض.
    إنّ الاعتقاد بضرورة خروج الإمام المنتظر ( عجّل الله فرجه ) جزء من رسالة الإسلام وعنصر هام من عناصر العقيدة الإسلامية ، فإنّ الإسلام بمفهومه الصحيح لابدّ أن يسود الأرض ، ولابدّ للمبادئ الوضعيّة من أن تتحطّم لأنّها جرّت المحن والخطوب للإنسان ، وأخلدت له المشاكل والمتاعب ، ولابدّ أن ينقذ الله عباده من شرورها واستبدادها على يد هذا الإمام العظيم.
    وعلى أي حال فقد تواترت الأخبار عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعن الأئمة الطاهرين
1 ـ وسائل الشيعة : ج 15 ص 594.

(103)
بحتمية خروج قائم آل محمد ( عليه السلام ) وكان ممّن بشر به الإمام الجواد ( عليه السلام ) وفيما يلي بعض ما أثر عنه :
    1 ـ روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : دخلت على سيدي محمد بن عليّ بن موسى ( عليه السلام ) وأنا أريد أن اسأله عن القائم هل هو المهدي أو غيره؟ فابتدأني قائلاً :
     ( يا أبا القاسم إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي ، والذي بعث محمداً بالنبوة وخصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وإنّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى ، إذ ذهب يقتبس ناراً فرجع وهو رسول نبي ، وأضاف الإمام الجواد قائلاً : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج ) (1).
    2 ـ روى عبد العظيم الحسني قال : قلت لمحمد بن علي : إنّي لأرجو أن يكون القائم من أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؟
    فأجابه الإمام الجواد :
     ( يا أبا القاسم ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزوجل ، وهاد إلى دين الله ، ولكن القائم الذي يطهّر الله عزوجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، هو سميّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكنيّه ، وهو تطوى له الأرض ، ويذلّ له كل صعب ويجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي
1 ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ج 2 ص 48 ـ 49 ، والكفاية والنصوص من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء العامّة.

(104)
الأرض وذلك قول الله عزوجل : ( أينَ ما تكُونُوا يأتِ بكمُ اللهُ جميعاً إنّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ ) (1). فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ) (2).
    لقد أخبر الإمام الجواد عن بعض خصائص الإمام المنتظر من غياب شخصه وحجبه عن الأنظار ، كما أخبر عن عدد أصحابه بعد ظهوره وأنّهم كعدد أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم بدر فقد استطاع بتلك القلّة المتسلّحة بالإيمان والوعي أن يقضي على معالم الجاهلية ، ويدمّر القوى الباغية ، ويرفع كلمة الله عالية في الأرض ، كذلك وصيّه الأعظم الإمام المنتظر ( عليه السلام ) فإنّه بأصحابه القلّة المؤمنة سوف يغيّر مجرى الحياة فيبسط العدل السياسي والعدل الاجتماعي في ربوع الأرض ويحقّق للإنسانية أعظم الانتصارات ، ويقضي على معالم الجاهلية التي طغت في هذه العصور التي خضع الناس فيها للمادة ، ولم يعد للقيم الروحية والمثل الكريمة أي ظلّ في النفوس ، أرانا الله الأيام المشرقة من أيام حكمه.

    من واقع الإيمان :
    للإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) بعض النصائح الرفيعة الهادفة إلى الإيمان بالله والثقة به والتوكّل عليه ومن بينها :
    1 ـ الثقة بالله :
    قال ( عليه السلام ) : ( إنّ من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكّل على الله كفاه الأمور ، والثقة بالله حصن لا يتحصّن فيه إلاّ المؤمن ، والتوكّل على الله نجاة من كلّ سوء
1 ـ سورة البقرة : الآية 148.
2 ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ج 2 ص 49 ، الكفاية والنصوص.



(105)
وحرز من كلّ عدو .. ) (1).
    وحفلت هذه الكلمات الذهبية بأروع ما يحتاج إليه الناس في حياتهم وهو الثقة بالله خالق الكون وواهب الحياة ، فمن وثق به أراه السرور ، ومن توكّل عليه كفاه الأمور.
    2 ـ الاستغناء بالله :
    ودعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى الاستغناء بالله تعالى ، ورجائه دون غيره ، قال ( عليه السلام ) :
     ( من استغنى بالله افتقر الناس إليه ، ومن اتّقى الله أحبه الناس ) (2).
    إنّ من يستغني بالله فقد استغنى عن غيره ، ويفتقر إليه الناس لأنّه يكون داعية ومصدر عطاء لهم.
    3 ـ الانقطاع إلى الله :
    وحثّ الإمام الجواد على الانقطاع إلى الله الذي لا ينقطع فيضه ولا لطفه أمّا من ينقطع إلى غيره فقد باء بالخيبة والخسران قال ( عليه السلام ) :
     ( من انقطع إلى غير الله وكّله الله إليه .. ).
    4 ـ القصد إلى الله بالقلوب :
    إنّ من واقع الإيمان القصد إلى الله تعالى في أعماق القلوب ودخائل النفوس ومن الطبيعي أنّ ذلك أبلغ بكثير من أتعاب الجوارح ومعاناتها بالأعمال وقد أعلن ( عليه السلام ) ذلك بقوله : ( القصد إلى الله تعالى بأعماق القلوب أبلغ من أتعاب الجوارح .. ) (3).
1 ـ الفصول المهمة لابن الصباغ : ص 373.
2 ـ جوهرة الكلام : ص 150.
3 ـ الدر النظيم ، ورقة 223.


(106)
    مكارم الأخلاق :
    ودعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى الاتصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وكان ممّا أوصى به :
    1 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من حسن خُلق الرجل كفّ أذاه ، ومن كرمه برّه لمن يهواه ، ومن صبره قلّة شكواه ، ومن نصحه نهيه عمّا لا يرضاه ، ومن رفق الرجل بأخيه ترك توبيخه بحضرة من يكره ، ومن صدق صحبته إسقاطه المؤنة ، ومن علامة محبّته كثرة الموافقة وقلّة المخالفة .. ) (1).
    ووضع ( عليه السلام ) بهذه الكلمات الرائعة الأسس لحسن الأخلاق ومكارم الأعمال ، والدعوة إلى قيام الصداقة والصحبة على واقع من الفكر والمرونة.
    2 ـ قال ( عليه السلام ) : ( حسب المرء من كمال المروءة أن لا يلقى أحداً بما يكره .. ومن عقله إنصافه قبول الحقّ إذا بان له .. ).

    قضاء حوائج الناس :
    وكان ممّا دعا إليه الإمام الجواد ( عليه السلام ) السعي والمبادرة في قضاء حوائج الناس وذلك لما لها من الآثار التي تترتّب عليها والتي منها دوام النعم قال ( عليه السلام ) :
     ( إنّ لله عباداً يخصّهم بدوام النعم فلا تزال فيهم ما بذلوا لها ، فإذا منعوها نزعها عنهم ، وحوّلها إلى غيرهم .. ) (2).
    وأكّد ( عليه السلام ) ذلك في حديث آخر له قال :
     ( ما عظمت نِعم الله على أحد إلاّ عظمت إليه حوائج الناس ، فمن لم يحتمل تلك
1 ـ الاتّحاف بحبّ الأشراف : ص 77 ، الدرّ النظيم : ورقة 223.
2 ـ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ص 258.


(107)
المؤنة عرّض تلك النعمة للزوال .. ) (1).

    من آداب السلوك :
    ووضع الإمام الجواد البرامج الصحيحة لحسن السلوك وآدابه بين الناس وكان من بين ما دعا له :
    1 ـ قال ( عليه السلام ) : ( ثلاث خصال تجلب فيهن المودّة : الإنصاف في المعاشرة ، والمواساة في الشدّة ، والانطواء على قلب سليم .. ) (2).
    2 ـ قال ( عليه السلام ) : ( ثلاثة من كنّ فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة ، والتوكّل على الله تعالى عند العزيمة ، ومن نصح أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن نصحه علانية فَقَدَ شأنه .. ) (3).
    3 ـ قال ( عليه السلام ) : ( عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه ، وعنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه ، والشكر زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الأدب زينة العقل ، والجمال في اللسان ، والكمال في العقل .. ) (4).
    وحفلت هذه الكلمات بأصول الحكمة وقواعد الأخلاق والآداب ، ولو لم تكن له إلاّ هذه الكلمات لكانت كافية في التدليل على إمامته إذ كيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يدلي بهذه الحكم الخالدة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار العلماء.
1 ـ الفصول المهمة لابن الصبّاغ : ص 258.
2 ـ جوهرة الكلام : ص 150.
3 ـ الإتّحاف بحبّ الأشراف : ص 78.
4 ـ الإتّحاف بحبّ الأشراف.


(108)
    الدعوة إلى فعل المعروف :
    ودعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى اصطناع المعروف قال ( عليه السلام ) : ( أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه؛ لأنّ لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنّه يبتدأ فيه بنفسه ) (1).

    من مواعظه :
    وأثرت عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) بعض المواعظ ومنها ما يلي :
    1 ـ قال ( عليه السلام ) : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ( فَلا يَأْمَنُ مَكرَ اللهِ إلاَّ القَومُ الخاسِرُونَ ) (2).
    2 ـ قال له رجل : أوصني ، فأوصاه ( عليه السلام ) بهذه الوصية القيّمة :
     ( توسّد الصبر ، واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم انّك لن تخلو من عين الله ، فانظر كيف تكون .. ) (3).
    3 ـ كتب الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى بعض أوليائه هذه الرسالة الموجزة وهي حافلة بالوعظ والإرشاد وقد جاء فيها :
     ( أمّا هذه الدنيا فإنّا فيها معترفون ، ولكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه حيث كان (4) والآخرة هي دار القرار .. ) (5).
1 ـ الدرّ النظيم.
2 ـ تحف العقول : ص 456.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ في نسخة : فإذا كان ميلك وهواك إليّ وتحبّني كنت معي حيث كنت أنا.
5 ـ تحف العقول : ص 456.


(109)
    هذه بعض مواعظه الحافلة بالدعوة إلى العمل بما يقرّب الإنسان من ربّه ، ويبعده عن عقابه ، وفيها التحذير من اتّباع النزعات الشريرة القائمة في نفس الإنسان ، وهي تدفعه إلى الهلكة والمخاطر ، والانجراف في ميادين الرذائل والجرائم.
    لقد عنى الإمام محمد الجواد ( صلى الله عليه وآله ) في وعظ الناس وإرشادهم كما عنى آباؤه بذلك ، فقد كانت هذه الظاهرة من ألمع ما نقرأه في سيرتهم وحياتهم.

    رسائله :
    وتبادل الإمام الجواد ( عليه السلام ) مع جماعة من القائلين بإمامته جملة من الرسائل تناولت مختلف القضايا ومن بين تلك الرسائل :
    1 ـ بعث الإمام الجواد ( عليه السلام ) رسالة إلى رجل من أهل الحيرة جاء فيها بعد البسملة :
     ( الحمد لله الذي انتجب من خلقه ، واختار من عباده ، واصطفى من النبيّين محمداً ( صلى الله عليه وآله ) فبعثه بشيراً ونذيراً ودليلاً على سبيله الذي من سلكه لحق ، ومن تقدّمه مرق ، ومن عدل عنه محق ، وصلى الله على محمد وآله.
    أما بعد : فإني أوصي أهل الإجابة بتقوى الله الذي جعل لمن اتّقاه المخرج من مكروهه ، إن الله عزّ وجل أوجب لوليّه ما أوجبه لنفسه ونبيّه في محكم كتابه بلسان عربي مبين .. وقد بلغني عن أقوام انتحلوا المودّة ونحلوا بدين الله ، ودين ملائكته شكوا في النعمة ، وحملوا أوزارهم وأوزار المقتدين بهم ، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وما ورثوه من أسلاف صالحين ، أبصروا فلزموا ، ولم يؤثروا دنيا حقيرة على آخرة مؤبّدة ، فأين يذهب المبطلون؟ سوف يأتي عليهم يوم يضمحل عنهم فيه الباطل ، وتنقطع أسباب الخدائع ، وذلك يوم الحسرة إذ القلوب لدى


(110)
الحناجر (1) والحمد لله الذي يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير .. ) (2).
    ولم تشر المصادر التي بأيدينا إلى أسماء هؤلاء الأشخاص الذين انحرفوا عن الحقّ ، وضلوا عن الطريق ، ولم نعلم الأسباب التي دعتهم إلى رفضهم لمبدأ أهل البيت ( عليهم السلام ) وانتحال دين آخر.
    2 ـ وردت على الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) رسالة رواها بكر بن صالح قال : كتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني رسالة جاء فيها : ( إنّ أبي ناصب خبيث الرأي ، وقد لقيت منه شدّة وجهداً ، فرأيك جعلت فداك في الدعاء لي ، وما ترى جعلت فداك ، أفترى أن أكاشفه أم أداريه؟ ).
    فأجابه الإمام ( عليه السلام ) بعد البسملة :
     ( قد فهمت كتابك ، وما ذكرت من أمر أبيك ، ولست أدع الدعاء لك إن شاء الله ، والمداراة خير لك من المكاشفة ، ومع العسر يسراً ، فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين ، ثبّتك الله على ولاية من تولّيت ، نحن وأنتم وديعة الله التي لا تضيع ودايعه .. ) (3).
    ودلّت هذه الرسالة على لزوم البرّ بالأب ، وإن كان ناصبياً مبغضاً لأهل البيت ( عليهم السلام ) وأمرت الولد بالصبر على ما يلقاه من أبيه من جهد وعناء ، وبهذه الأخلاق الرفيعة كان الأئّمة يوصون أتباعهم بالتحلّي بها ليكونوا قدوة إلى الناس.
    3 ـ كان إبراهيم بن محمد وكيل الإمام الجواد ( عليه السلام ) بهمدان لتعليم الناس معالم دينهم ، وقبض الحقوق الشرعية منهم ، وإرسالها للإمام ( عليه السلام ) وكان قد بعث ما قبضه للإمام ( عليه السلام ) فأرسل ( عليه السلام ) له هذه الرسالة :
1 ـ هكذا في الأصل ولعلّ الصحيح بلغت الحناجر.
2 ـ الدرّ النظيم : ورقة 322 ـ 323.
3 ـ بحار الأنوار ج 12 ص 112.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس