حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 121 ـ 130
(121)
على اسمه شكرها له قبل أن يحمده ، ولا أذنب العبد ذنباً فعلم أنّ الله يطّلع عليه إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له ، إلاّ غفر له قبل أن يستغفر .. ).
    إنّ الإنسان إذا اتصل بربّه ، وارتبط بخالقه فإنه تعالى يكتبه من الشاكرين لنعمته قبل أن يتلفظ العبد بالشكر ، كما يغفر له خطيئته قبل أن يستغفر منها.
    43 ـ قال الإمام ( عليه السلام ) : ( الشريف كلّ الشريف من شرّفه علمه ، والسؤدد كل السؤدد لمن اتّقى الله ربّه .. ).
    إنّ الشرف كلّ الشرف إنّما هو بالعلم لا بغيره من الاعتبارات التي يؤول أمرها إلى التراب كما أنّ حقيقة السؤدد إنما هي في تقوى الله وطاعته ، واجتناب معاصيه.
    44 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه ، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده .. ).
    جاء في الحديث : لكلّ امرئ ما نوى ) فإذا حضر أمراً وكان كارهاً له وغير راض به فإنّه يكون كمن غاب عنه ، ولا يكتب عليه إثمه ، إن كان فيه إثم ، ومن غاب عن أمر فرضي به يكون كمن شهده فيكتب له خيره أو شرّه.
    45 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس ، فقد عبد إبليس .. ).
    إنّ من أصغى إلى ناطق وآمن بقوله : واعتقد به ، فإن كان ذلك الناطق مبلّغاً عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق مبلّغاً عن إبليس فقد عبده.
    46 ـ قال ( عليه السلام ) : ( إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له ).
    إنّ إذاعة أيّة فكرة سياسية أو اجتماعية قبل أن تستحكم ويتمّ أمرها ، فإنّه مفسدة لها ، وربما توجب إقبارها قبل أن تظهر إلى حيز الوجود.
    47 ـ قال ( عليه السلام ) : ( نعمة لا تشكر سيئة لا تغفر ).


(122)
    إنّ عدم شكر النعمة من السيئات التي لا تغفر؛ لأنّ في ذلك تضييعاً للإحسان الذي يجب أن يشكر.
    48 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من هجر المداراة قاربه المكروه .. ).
    إنّ من لا يداري الناس فقد تعرّض للمكروه والإساءة إلى نفسه.
    49 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة ، فقد عرّض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة .. ).
    إنّ من يطمئن إلى شيء ويثق به قبل أن يختبره ويفحصه فإنّه من الطبيعي قد عرّض نفسه إلى الهلكة والخسران.
    50 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من لم يعرف الموارد أعيته المصادر .. ).
    إنّ من جهل موارد الأشياء ومداخلها فقد أعيته المصادر والخروج منها.
    51 ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا يغرّك من سخطه الجور .. ).
    وفي هذا الحديث تحذير من الاتصال بالظالمين الذين إذا سخطوا قابلوا الناس بالاستبداد والجور.
    52 ـ قال ( عليه السلام ) : ( الأيام تهتك الأمر عن الأسرار الكامنة .. ).
    كلّما تقدّمت الأيام ، وكرّت الليالي ستنكشف أسرار الطبيعة ، وخفايا الحقائق وما جهله الإنسان في عالم الفضاء ودنيا الكواكب ، وغير ذلك من الأسرار المذهلة في هذا الكون.
    53 ـ قال ( عليه السلام ) : ( من عتب من غير ارتياب أعتب من غير استعتاب .. ).
    إذا كان العتاب من غير ريبة قُبل العتاب ، ولا يقابل بالاستعتاب.
    54 ـ قال ( عليه السلام ) : ( أفضل العبادة الإخلاص .. ).
    الإخلاص جوهر العبادة وروحها فإذا تعرّت عنه فقد فقدت أهمّ عناصرها


(123)
ومقوّماتها.
    55 ـ قال ( عليه السلام ) : ( الثقة بالله تعالى ثمن لكلّ غال ، وسلم إلى كل عال .. ).
    إنّ الحياة إنما تسمو فيما إذا كانت مشفوعة بالثقة بالله تعالى خالق الكون وواهب الحياة كما أنّ الثقة به تعالى هي السلم الذي يبلغ به الإنسان القمم العالية في دنيا الوجود.
    هذه بعض كلمات الإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) (76) وقد عالج بها مختلف القضايا. وقد عرض فيها لعلم الاجتماع وعلم النفس ، ووضع برامج الأدب ، وخلاصة التجارب وما ينفع الناس.
76 ـ المصادر التي اقتبسنا منها هذه الكلمات الذهبية هي : تحف العقول : ص 455 ـ 457 ، نزهة الجليس : ج 2 ص 111 ، مرآة الجنان : ج 2 ص 80 ، مجموعة ورام : ص 109 ، أعيان الشيعة : ج 2 ـ 4 244 ، وسائل الشيعة ، جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام.

(124)

(125)
أصحابه ورواة حديثه


(126)

(127)
واحتفّ جمهور كبير من العلماء والرواة بالإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) وهم يقتبسون من نمير علومه التي ورثها من جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكانوا يدوّنون أحاديثه وفتاواه وما يدلي به من روائع الحكم والآداب ، ولهؤلاء الأعلام يرجع الفضل في تدوين ذلك التراث القيّم الذي يعدّ من ذخائر الثروات الفكرية في الإسلام.
    لقد عمل أصحاب الأئمة ( عليه السلام ) بوحي من عقيدتهم الدينية التي ألزمتهم بالحفاظ على أحاديث الأئّمة وتدوينها ، والتي يرجع إليها فقهاء الشيعة الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية ، ولولاها لما كان للشيعة هذا الفقه المتطوّر العظيم الذي اعترف بأصالته وعمقه جميع رجال الفكر والقانون في العالم.
    والشيء الذي يدعو إلى الاعتزاز والفخر بأصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) هو أنّهم قد جهدوا على ملازمة الأئمة وتدوين أحاديثهم في وقت كان من أعسر الأوقات ، وأشدها حراجة ، وأعظمها ضيقاً فقد ضربت الحكومات العباسية الحصار الشديد على الأئمة ومنعت من الاتصال بهم لئلا تتبعهم الجماهير الإسلامية ، وقد بلغ من الضيق على العلماء والرواة أنّهم كانوا لا يستطيعون أن يجهروا باسم أحد الأئّمة الذين أخذوا عنه وإنّما كانوا يلمّحون إليه ببعض أوصافه وسماته من دون التصريح باسمه خوفاً من القتل أو السجن.
    وعلى أي حال فنعرض إلى ما نعثر عليه من تراجم أصحاب الإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) لأنّ ذلك من متمّمات البحث عن حياته فإنّه يكشف جانباً أصيلاً من


(128)
حياته الفكرية والعلمية ، وفيما يلي ذلك :
(أ)
    1 ـ إبراهيم بن داود :
    اليعقوبي عدّه الشيخ مرّة من أصحاب الإمام الجواد ( عليه السلام ) وأخرى من أصحاب الإمام الهادي ( عليه السلام ) (1) وذكره البرقي في أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي ( عليهما السلام ) (2) والظاهر أنه إمامي مجهول الحال.
    2 ـ إبراهيم بن محمد :
    الهمداني عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والجواد ( عليهما السلام ) وذكر الكشي في ترجمته له أنّه كان وكيلاً وأنّه حجّ أربعين حجّة ، وقد ذكرنا في البحوث السابقة رسالة الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) له وهي تدلّ على وثاقته ، وعظيم منزلته عند الإمام ( عليه السلام ) ، وروى الكشي بسنده عنه أنه قال : كتبت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) أصف له صنع السبع بي ، وكتب بخطّه : ( عجل الله نصرتك ممّن ظلمك ، وكفاك مؤنته ، وأبشرك بنصر الله عاجلاً ، وبالأجر آجلاً ، وأكثر من حمد الله ) (3) وذكر سيدنا الأستاذ طبقته في الحديث (4).
    3 ـ إبراهيم بن مهزيار :
    أبو إسحاق الأهوازي ، له كتاب البشارات (5) عدّه الشيخ في رجاله من
1 ـ رجال الطوسي : ص 397.
2 ـ رجال البرقي : ص 57.
3 ـ رجال الكشي : ج 2 ص 869.
4 ـ معجم رجال الحديث : ج 1 ص 157.
5 ـ رجال النجاشي : ص 12.


(129)
أصحاب الإمام الجواد ( عليه السلام ) ومن أصحاب الإمام الهادي ( عليه السلام ) وروى الكشي عن أحمد بن علي بن كلثوم قال : ( وكان من الفقهاء ، وكان مأموناً على الحديث قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، قال : إنّ أبي لما حضرته الوفاة دفع إليَّ مالاً ، وأعطاني علامة ، ولم يعلم بتلك العلامة أحد إلاّ الله عزوجل ، وقال : من أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال ، قال : فخرجت إلى بغداد ، ونزلت في خان ، فلما كان اليوم الثاني إذ جاء شيخ ودقّ الباب ، فقلت للغلام : انظر من هذا؟ فقال : شيخ بالباب ، فقلت : ليدخل ، فدخل وجلس ، فقال : أنا العمري ، هات المال الذي عندك ، وهو كذا وكذا ، ومعه العلامة ، قال : فدفعت إليه المال (1).
    وقد وقع إبراهيم بن مهزيار بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات تبلغ خمسين مورداً (2).
    ذكره الصدوق في باب من شاهد الإمام المنتظر ( عجل الله فرجه ) ، وذكر له حديثاً مفصّلاً وطريقاً في هذا النوع (3).
    4 ـ إبراهيم بن مهرويه :
    من أهل جسر بابل ، عدّه الشيخ من أصحاب الجواد ( عليه السلام ) ، والظاهر أنّه إمامي مجهول الحال (4).
    5 ـ أحمد بن حمّاد :
    المروزي ، ذكره الشيخ من أصحاب الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، كتب إليه الإمام
1 ـ رجال الكشي : ج 2 ص 813.
2 ـ معجم رجال الحديث : ج 1 ص 169.
3 ـ تنقيح المقال : ج 1 ص 36 ـ 37.
4 ـ تنقيح المقال : ج 1 ص 35.


(130)
الجواد ( عليه السلام ) رسالة جاء فيها : ( أمّا الدنيا فنحن فيها متفرّجون في البلاد ، ولكن من هوى صاحبه فإن يدينه فهو معه وإن كان نائياً عنه ، وأمّا الآخرة فهي دار القرار ) (1).
    جرت بينه وبين أبي الهذيل العلاّف مناظرة ، وقد أثبت أحمد فيها ضرورة الإمامة ، وفيما يلي نصّها :
    ـ أحمد : إني أتيتك سائلاً؟
    ـ أبو الهذيل : سل وأسأل الله العصمة.
    ـ أحمد : أليس من دينك أنّ العصمة والتوفيق لا يكونان إلاّ من الله لا بعمل تستحقّه به.
    ـ أبو الهذيل : نعم.
    ـ أحمد : فما معنى دعائك؟ اعمل وخذ.
    ـ أبو الهذيل : هات مسألتك.
    ـ أحمد : شيخي اخبرني عن قول الله عزوجل : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ديِنَكُمْ ).
    ـ أبو الهذيل : قد أكمل لنا الدين.
    ـ أحمد : شيخي ، اخبرنا إن سألتك عن مسألة لا تجدها في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا في قول أصحابه ، ولا في حيلة فقهائهم ما أنت صانع؟
    ـ أبو الهذيل : هات.
    ـ أحمد : شيخي ، خبرني عن عشرة كلّهم عنين وقعوا في طهر واحد بامرأة ، وهم مختلفو الأمر ، فمنهم من وصل إلى بعض حاجته ، ومنهم من قارب حسب
1 ـ الكشي : ج 2 ص 833.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس