من مصارع الحسين عليه السلام فمنذر مصطفى بالوحـي منتجب * ومرتضى مجتبى بالهدي منتخب الواهبون لدى البأساء مـا وجدوا * والطالبون بصدر الرمح ما طلبوا والمدركــون إذا ما أزمة بخلت * بصرفهـا وتخلت عندها الصحب وكم لهم حين جد الخطب مـن قدم * رست عُلا والجبال القود تضطرب ولا كيومهـم فـي كربلاء وقــد * جدّ البلا وارجحنّت عندهـا الكرب وفتيــة وردوا ماء المنـون بها * ورد المضاضة ظمآن الحشا سغب من كل ابيض وضّاح الجبيـن له * نوران من جانبيه الفضل والنسب تجلو العفاة لهم تحت القنا غـررا * تلاعب البيـض فيها والقنا السلب ودون مـا يممّت هنـد وجارتهـا * هنـد السيوف وحرب دونه الحرب جاءت ليستعبد الحر اللئيــم وفي * عود العلا عند عجم الضيم مضطرب فشمّرت للوغــى فرسانهـا طربا * وامتـاز بالسبك عن ما دونها الذهب روي في كتاب « الملهوف على قتلى الطفوف » : أنه لما استشهد الحر رضي الله عنه برز من بعده برير بن خضير الهمداني ، فلما حاذ الحسين عليه السلام قال : السلام عليك يا ابن رسول الله ، أستودعك الله . فأجابه الحسين : « وعليك السلام ، ونحن خلفك » . وقرأ عليه السلام : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ) (1) . ثم نادى برير : اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين وذريته الباقين . وكان برير زاهدا عابدا ، وكان أقرأ أهل زمانه ، فحمل على القوم وهو يقول : يعرف فينا الخير أهل الخير * ذلك فعل الخيــر من برير فلم يزل يقاتل حتى قتل عشرين فارسا وثلاثين راجلا ، فخرج إليه يزيد بن معقل واتفقا على المباهلة إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب منهما وأن يقتل المحقّ المبطل منهما ، فتلاقيا فقتله برير وقتل معه عدّة من الرجال ، فتكاثروا عليه فقتلوه رحمة الله عليه ، فلما قتل برير عظم ذلك على الحسين عليه السلام (2) . قال : فخرج من بعده وهب بن حباب الكلبي ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكانت امرأته ووالدته معه ، فقالت له أمه : جاهد بين يدي ابن بنت ____________ (1) سورة الأحزاب : 33 : 23 . (2) رواه السيد مختصرا في الملهوف : ص 160 . ورواه الطبري في تاريخه : 5 : 432 مع إضافات ، وابن الأثير في الكامل : 4 : 66 ، والمجلسي في البحار : 45 : 15 . رسول الله . فقال : أفعل يا أماه ولا أقصّر . ثم إنه شدّ على قلب الجيش واقتحم المعمعة وهو يقول : وحملـني وصولتي في الحرب * أدرك ثـاري بعد ثار صحبي ليس جهادي في الوغى باللعب * وأدفــع الكرب أمام الكرب فلم يزل يقاتل حتى قتل عشرين فارسا ، ثم رجع إلى أمه وامرأته فقال : يا أماه ، ارضيت عنّي بنصرتي للحسين ؟ فقالت له : والله ما أرضي عنك إلا أن أراك قتيلا بين يدي الحسين . فقالت له امرأته : بالله لا تفجعني بنفسك . فقالت له أمه : يا بنيّ ، اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعته يوم القيامة . فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فلما رأته زوجته أخذت عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : قاتل يا وهب فداك أبي وأمي ، قاتل دون الطيبين ، قاتل دون حرم رسول ربّ العالمين . فاقبل كي يردّها إلى النساء ، فأبت وقالت : لن أعود حتى أموت معك . فاستغاث زوجها بالحسين ، فأتاها الحسين عليه السلام وقال لها : « جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله » . فقاتل بعلها حتى قتل ـ على ما نقل ـ من القوم خمسين رجلا ما بين فارس وراجل ، ثم قتل رحمه الله ، فجاءت إليه إمرأته وجعلت تمسح الدم عن وجهه ، فأمر عمر بن سعد غلاما له فضربها بعمود من حديد ، فشدخ راسها فماتت رحمة الله عليها ، وكانت أول امرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السلام (1) . ثم برز خالد بن عمر وقاتل قتال المشتاقين إلى لقاء رب العالمين ، ثم كرّ على ____________ (1) رواه السيد في الملهوف : ص 161 مع إضافات . ورواه المجلسي في البحار : 45 : 16 . القوم كرة الليث الجريء وهو ينشد ويقول : ذي المجد والعـزة والبرهـان * وذي العلا والطـول والإحسان يا أبتا قد صـرت للجنــان * في قصر فضـل حسن البنيان ولم يزل يحمل فيهم حتى قتل ، رحمة الله عليه (1) . ثم برز من بعده عمر بن خالد الأزدي وقاتل قتال الأبطال وجدّل بسيفه الرجال وهو يقول : اليوم تجزين على الإحسـان * ما كـان منك غابر الأزمان ما خطّ في اللوح لدى الديان * لا تجزعــي فكل حي فان ثم قاتل حتى قتل رحمة الله عليه(2) . وبرز من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، فودّع الحسين عليه السلام وحمل على القوم وهو ينشد ويقول : وحور عين ناعمات هنّــة * لمن يريد الفــوز لا بالظنّة ثم اقتحم القلب وقاتل قتالا شديدا حتى قتل رحمة الله عليه (3) . ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، وهو يرتجز يقول : ____________ (1) ورواه الخوارزمي في المقتل 2 : 14 . (2) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 14 مع اختلاف قليل في بعض ألفاظ الأبيات ، وأضاف : لا تجزعي فكل حيّ فان * والصبر أحضى لك بالأمان (3) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 14 مع إضافة بيت : فقاتل حتى سقط عن فرسه إلى الأرض وبه رمق فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين : « رحمك الله يا مسلم » . ثم قال عليه السلام : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ) (1) ، ودنا منه حبيب وقال : يعزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، فأبشر بالجنة . فقال له قولا ضعيفا : بشرّك الله بخير . فقال له حبيب : لولا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بجميع ما أهمّك . فقال له مسلم : إني أوصيك بهذا خيرا ـ واشار بيده إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت . فقال له حبيب : لأنعمنّك عينا . ثم مات رحمه الله . قال : وصاحت جاريته : يا سيّداه ، يا ابن عوسجاه . فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة . فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلّون عزّكم ، أتفرحون بقتله ؟ ولقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين (2) . ثم برز من بعده عمرو بن قرظة الأنصاري واستأذن الحسين عليه السلام ، فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من اللعناء ، وجمع بين سداد وتقى ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم إلا اتّقاه بصدره ، ولا سيف إلا تلقّاه بنحره ، فما وصل إلى الحسين سوء حتى أثخن ____________ (1) سورة الأحزاب : 33 : 23 . (2) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 15 مع اختلاف في بعض الألفاظ . ورواه الطبري في تاريخه : 5 : 435 ، وابن الأثير في الكامل : 4 : 68 ، والسيد في الملهوف : ص 161 . بالجراح ، فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أوفيت يا ابن رسول الله ؟ قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر » . ثم قاتل حتى قتل ، رحمة الله عليه (1) . ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري ، وكان عبدا أسودا ، فقال له الحسين عليه السلام : « أنت في حلّ من بيعتي ، فإنما تبعتنا طلبا للعافية ، فلا تبتلي ببلائنا » . فقال : يا ابن رسول الله ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ؟! والله إن ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليّ بالجنة ، حتى يطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي ، والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود بدمائكم . فلم يزل كذلك حتى أذن له الحسين ، فبرز للقتال وهو يقول : بالسيف ذدنا عـن بنــي محمد * أذبّ عنهــم بالسنـان واليـد أرجو بذاك الفوز عنــد المورد * من الإلـه الأحــد الموحــد إذ لا شفيــع عنــده كأحمد فقاتل حتى قتل (2) . فوقف عليه الحسين عليه السلام . وقال : اللهم بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرف بينه وبين محمد وآله الأطهار » (3) . ____________ (1) ورواه السيد في الملهوف : ص 162 ، وعنه المجلسي في البحار : 45 : 22 . ورواه ملخصا الخوارزمي في المقتل : 2 : 22 ، والطبري في تاريخه : 5 : 434 ، والسماوي في كتاب ابصار العين في أنصار الحسين : ص 92 . (2) ورواه السيد في الملهوف : ص 163 ، والخوارزمي في المقتل : 2 : 19 ، والسماوي في إبصار العين في أنصار الحسين : ص 105 . ورواه المجلسي في البحار : 45 : 22 نقلا عن محمد بن أبي طالب . (3) ورواه السيد في الملهوف : ص 163 ، والخوارزمي في المقتل : 2 : 19 ، والسماوي في إبصار العين في أنصار الحسين : ص 105 . ورواه المجلسي في البحار : 45 : 22 نقلا عن محمد بن أبي طالب . وروي عن الباقر عليه السلام ، عن علي بن الحسين عليهما السلام : « أن الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك والعنبر ، رضوان الله عليه » (1) . قال : وبرز من بعده عمرو بن خالد الصيداوي (2)وقال للحسين عليه السلام : يا أبا عبدالله جعلت فداك ، قد هممت بأن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيدا من أهلك أو قتيلا . فقال له الحسين : « تقدم فإنا لاحقون بك بعد ساعة » . فتقدم وقاتل حتى قتل ، رحمة الله عليه (3) . قال : وجاء حنظلة بن سعد الشامي (4) ووقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي : ( يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) (5) ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم بعذاب منه وقد خاب من افترى (6) . ثم التفت إليه الحسين عليه السلام وقال له : « يا ابن سعد رحمك الله ، إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين » ؟ ____________ (1) ورواه السماوي في إبصار العين : ص 105 ، والمجلسي في البحار : 45 : 23 عن محمد بن أبي طالب . (2) هذا هو الظاهر ، وفي النسخة : « خالد بن عمر الصيداوي » . (3) رواه السيد في الملهوف : ص 164 ، وعنه المجلسي في البحار : 45 : 23 . ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 24 ، والسماوي في إبصار العين : ص 66 . ورواه مختصرا الطبري في تاريخه : 5 : 446 . (4) في الإرشاد : 2 : 105 وتاريخ الطبري : 5 : 443 : « الشبامي » . وهم بطن من همدان . (5) سورة الغافر : 40 : 30 ـ 32 . (6) اقتباس من سورة طه : 20 : 61 . فقال للحسين عليه السلام : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بإخواننا ؟ فقال : « بلى ، رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلى » . فتقدم فقاتل قتال الأبطال وصبر على احتمال الشدائد والأهوال حتى قتل ، حرمة الله عليه (1) . قال الراوي : وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف من رجاله ، ثم صلى بهم صلاة الخوف ، فوصل إلى الحسين سهم فوقاه سعيد بن عبدالله بنفسه ، فما زال لا يتخطّاه حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيك محمدا عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصرة ذرية نبيك . ثم قضى نحبه ، رحمة الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى النبل بالأحجار والسيوف والرماح (2) . ثم برز من بعده سويد بن عمرو بن أبي مطاع وتقدم أمام الحسين عليه السلام واستأذنه إلى الحرب ، فخرج فقاتل قتال الأسد الباسل ، وصبرعلى مصالات نار الخطب النازل ، حتى أثخن بالجراح وسقط بين القتلى ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكّينا من خُفّه وجعل يقاتلهم بها حتى قتلوه ، رحمة الله عليه (3) . قال : وخرج شابّ قتل أبوه في المعركة وكانت أمه معه ، فقالت له : اخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله . فخرج ، فقال الحسين عليه السلام : « هذا شابّ قتل أبوه ، ولعلّ أمه تكره خروجه » . ____________ (1) ورواه السيد في الملهوف : ص 146 ، وعنه وعن المناقب المجلسي في البحار : 45 : 23 . ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 24 مع اختلاف في الألفاظ ، والطبري في تاريخه : 5 : 443 ، والمفيد مختصرا في الإرشاد : 2 : 105 . (2) رواه السيد في الملهوف : ص 165 . ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 17 ، والطبري مختصرا في تاريخه : 5 : 441 . (3) الملهوف : 165 ـ 166 . فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول : علـيّ وفاطمـة والــداه * فهل تعلمون لـه من نظير له طلعة مثل شمس الضحى * له غــرّة مثـل بدر منير وقاتل حتى قتل ، واحتزوا رأسه ورموا به إلى نحو عسكر الحسين ، فأخذت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا ولدي ، ويا سرور قلبي ، ويا قرة عيني . ثم رمت برأس ولدها فأصابت رجلا فقتله ، وأخذت عمودا وحملت عليهم وهي تقول : أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفـة وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين بصرفها ودعا لها (1) . قال : وبرز من بعده زهير بن القين وهو يرتجز ويقول : إن حسينــا أحد السبطيـن * من عترة البرّ التقي الزّيــن أضربكم ولا أرى من شيــن * يا ليت نفسي قسّمت قسمين (2) فقاتل قتالا يشيب الوليد ، ويرعب من هوله قلب الصنديد ، حتى قتل كما روي مئة وعشرين فارسا وستين راجلا ، فشدّ عليه كثير بن عبدالله ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير : « لا أبعدك الله يا زهير ، ولعن الله قاتلك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير » (3) . ثم برز من بعده حبيب بن مظاهر الأسدي فشدّ شدّة السرحان وأدخل نفسه ____________ (1) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 21 ـ 22 . (2) زاد في المقتل للخوارزمي : (3) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 20 . وانظر وقعة الطف لأبي مخنف : ص 232 . في حلق الطعان ، وهو ينشد مرتجزا ويقول : وأنتم عند العديـد أكثر * ونحن أعلى حجة وأظهر وأنتم عند الوفاء أغـدر * ونحن أوفى منكم وأصبر فلم يزل يقاتل حتى شد عليه رجل من تميم فطعنه ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله على رأسه بالسيف فوقع ونزل التميمي فاحتزّ رأسه (1) . ____________ (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 18 . وروى أبو مخنف في وقعة الطف : ص 230 ، وعنه الطبري في تاريخه : 5 : 439 وفيه : فلا يزال الرجل من أصحابه الحسين قد قتل ، فإذا قتل منهم الرجل والرجلان تبيّن فيهم ، وأولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يقتل منهم . قال : فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبدالله الصائدي قال للحسين : يا أبا عبدالله ، نفسي لك الفداء ، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله ، وأحبّ أن القى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها . قال : فرفع الحسين رأسه ثم قال : « ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلين الذاكرين ، نعم هذا أوّل وقتها » . ثم قال : « سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلّي » . فقال لهم الحصين بن تميم : إنها لا تقبل ! فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل زعمت ! الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله لا تقبل وتقبل منك يا حمار ؟! قال : فحمل عليهم حصين بن تميم ، وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف ، فشبّ ووقع عنه وحمله أصحابه فاستنقذوه ، وأخذ حبيب يقول : يا شرّ قوم حسبا وآدا قال : وجعل يقول يومئذ : أنتـم أعد عـدة وأكثــر * ونحن أوفى منكم وأصبـر ونحن أعلـى حجة وأظهـر * حقا وأتقى منكــم وأعـذر وقاتل قتالا شديدا ، فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه بالسيف على رأسه فقتله ، وكان يقال ثم برز من بعده غلام تركي للحسين عليه السلام وكان قارئا للقرآن ، موحدا للعلي الديّان ، فبرز وهو ينشد ويقول : إذا حسامي في يمينـي ينجلــي * ليشف قلـب الماجـد المبجّــل فقتل جماعة منهم ثم خرّ صريعا ، فشدّ الحسين على قاتله وقال له : « قتلني الله إن لم أقتلك » . فضربه بالسيف على هامته أخرجه من شرايف صدره (1) ، ثم وقف على الغلام وبكى ، ووضع خدّه على خدّه ، ففتح الغلام عينيه فرأى الحسين عليه السلام ____________ = له : « بديل بن صُرَيم » من بني عُقفان ، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه فوقع ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ، ونزل إليه التميمي فاهتزّ رأسه ، فقال له الحصين : إني لشريكك في قتله . فقال الآخر : والله ما قتله غيري . فقال الحصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شركت في قتله ، ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيدالله بن زياد ، فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه . قال : فأبى عليه ، فأصلح قومه فيما بينهما على هذا ، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر فجال به في العسكر قد علّقه في عنق فرسه ، ثم دفعه بعد ذلك إليه ، فلما رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه ، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر ، فبصر به ابنه القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق ، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه ، وإذا خرج خرج معه ، فارتاب به فقال : ما لك يا بُنيّ تتبعني ؟ قال : لا شيء . قال بلى يا بُنيّ ، أخبرني . قال له : إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي ، أفتعطينيه حتى أدفنه ؟ قال : يا بُنيّ ، لا يرضى الأمير أن يدفن وأنا أريد أن يصيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا . قال له الغلام : لكنّ الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب ، أما والله لقد قتلت خيرا منك . وبكى . فمكث الغلام حتى إذا أدرك لم يكن له همة إلا اتّباع أثر قتل أبيه ليجد منه غِرّة فيقتله بأبيه ، فلما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجُميرا ، دخل عسكر مصعب ، فإذا قاتل ابيه في فسطاطه ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غِرّته فدخل عليه وهو قائل نصف النهار ، فضربه بسيفه حتى برد . قال أبو مخنف : حدثني محمد بن قيس قال : لما قتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسينا وقال عند ذلك : « أحتسب نفسي وحماة أصحابي » . (1) الشراسيف : أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن . ( لسان العرب ) فتبسم ثم صار إلى ربه (1) . قال : وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يتسارعون إلى القتل بين يديه ويبذلون الأرواح لديه ، ولله درّ من قال : كرماء إذ الضبا غشيتهــم * منعتهم أحسابهـم أن يولّــوا فوا لهف نفسي لتلك الأقمار المنيرة على التراب ، كيف كسفتها مواضي السيوف والحراب ، ولتلك الأنوار الساطعة كيف طمست أشعتها أكف النصّاب ، وواحرّاه لهاتيك الأجسام الزاكيات ترضّ متونها سنابك العاديات ، والجثث الصاحيات تعفّرها فراعل (2) الفلوات ، وواكرباه لتلك الرؤوس القمرية تشال على اليعاسيب القعضبيّة ، ولتلك النفوس الشريفة تزهقها الأبدان الخبيثة ، فالأمر لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، أو لا تكونون يا أولى النهى ، كمن أورثه مصابهم الأرزا داء الوجد والأسى (3) ، فرثاهم بما أحرق الضمائر ، وأشجى ، وهو من بعض شيعتهم الأتقياء . ____________ (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 24 . (2) الفرعل : ولد الضبع ، والجمع : فراعل وفراعلة . (3) الوجد والأسى : الحزن . ( المعجم الوسيط ) |