من مصارع الحسين الشهيد الوحيد عليه السلام غدروا به إذ جاءهم من بعـد مــا * أسـدوا إليــه مواثقـا وعهــودا قتلــوا به بدرا فأظلــم ليلهــم * فغدوا قيامــا في الضلال قعــودا وحموه أن يرد المبـاح وصيّــروا * ظلمـا له ظامـي الرمــاح ورودا فسمـت إليــه أماجـد عرفت به * قصد الطريق فأدركــوا المقصودا نفر حوت جل الثنــاء وتسنّمـت * ذلــل المعـالــي والـدا ووليدا من تلق منهم تلـق كهلا أو فتــى * علـم الهــدى بحر الندى المورودا وتبادرت طلق الأعنّــة لا تـرى * الغمـرات إلا المايسـات الغيــدا فكأنمـا قصد القنــا بنحورهــا * درر يفصلهــا الطعــان عقـودا واستنزلــوا دار البقــا فأحلهـم * غرفاتهــا فغدى النزول صعــودا وأقــام معدوم النظير فريد بيت * المجد معـدوم النصيــر فريدا يلقى القفــار صواهلا ومناصلا * ويرى النهار قصاطلا وبنــودا ساموه أن يردوا الهوان أو المنيّة * والمســوّد لا يكــون مسودا روي في كتاب « الملهوف على قتلى الطفوف » أنه لما تفانى أصحاب الحسين عليه السلام ولم يبق معه إلا أهل بيته وهم ولد أميرالمؤمنين عليه السلام وولد جعفر وولد عقيل وولد الحسن السبط وولده عليه السلام ، اجتمعوا وجعل يودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب ، فأول من برز منهم عبدالله بن مسلم بن عقيل ، وشدّ على القوم وهو يرتجز ويقول : ليسوا بقوم عـرفـوا بالكذب * لكـن خيـار وكـرام النسب من هاشم السادات أهل الحسب فقاتل حتى قتل في ثلاث حملات ثمانية وتسعين فارسا ، ثم قتله عمر بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك (1) . ثم برز من بعده محمد بن مسلم ، فقاتل حتى قتل ، وقاتله محمد بن علي الأزدي ____________ (1) ما عثرت على مقتل أولاد عقيل في الملهوف المطبوعة عندي ، بل رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 26 . وقال المفيد رحمه الله في الإرشاد : 2 : 107 : ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له « عمرو بن صبيح » عبدالله بن مسلم رحمه الله بسهم ، فوضع عبدالله يده على جبهته يتّقيه ، فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمّر به ، فلم يستطع تحريكها ، ثم انتهى إليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله . ومثله في الكامل لابن الأثير : 4 : 74 ، وتاريخ الطبري : 5 : 447 عن أبي مخنف ، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ص 98 . ولقيط بن إياس الجهني (1) . ثم برز من بعده جعفر بن عقيل ، وشدّ على القوم بسيفه وهو يرتجز ويقول : ونحن حقا سادة الذوائـب * هذا حسيـن أطيب الأطائب من عترة البرّ التقيّ العاقب فقتل تسعة عشر رجلا ، ثم قتله بشر بن سوط الهمداني (2) . ثم برز من بعده أخوه عبدالرحمان بن عقيل ، فقتل سبعة عشر فارسا ، ثم قتله عثمان بن خالد الجهني (3) . ثم برز من بعده أخوه عبدالله الأكبر بن عقيل ، فقتله عثمان بن مسلم (4) . ثم برز عبدالله الأكبر بن عقيل ، فقتله عثمان بن خالد الجهني(5) . ثم برز من بعده محمد بن أبي سعيد بن عقيل الأحول ، فقتله لقيط بن ياسر الجهني (6). ____________ (1) ورواه أبوالفرج في مقاتل الطالبيين : ص 97 . (2) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 26 ، ولم يذكر قاتله . ورواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 97 وقال : قتله عروة بن عبدالله الخثعمي . (3) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 26 وفيه : فحمل وهو يقول : فينا حسين سيد الأقـران * وسيد الشبـاب في الجنـان ورواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 96 وفيه : قتله عثمان بن خالد بن اسيد الجهني وبشير بن حوط القايضي . ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 107 . (4) في الأصل « عبدالله الأكبر بن عقيل » كرر مرتين ، قاتِلُ أحدهما عثمان بن مسلم وقاتِل الثاني عثمان بن خالد الجهني . ولم أعثر على عبدالله بن الأكبر بن عقيل ، غير ما قتله عثمان بن خالد الجهني ، كما سيأتي . ولفظة الأكبر لم تكتب أولا بل استدركت فيما بين السطور . (5) رواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 97 . (6) رواه أبو مخنف في وقعة الطف : ص 248 ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 98 . ثم برز من بعده محمد بن عبدالله بن جعفر الطيار ، فقاتل حتى قتل عشرة أنفس ، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي (1) . ثم برز من بعده عون بن عبدالله بن جعفر ، فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه (2) . ثم خرج من بعده القاسم بن الحسن عليه السلام وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم كان وجهه فلقة القمر ، فلما نظر الحسين عليه السلام إليه اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشى عليهما ، فلما أفاقا استأذن القاسم الحسين في البراز ، فأبى أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتى أجازه ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فكرّ على الجموع ، بالصارم اللموع ، وهو ينشد ويقول : هذا حسين كالأسيـر المرتهـن * بين أناس لاسقوا صوب المزن فقاتل قتالا يحيّر عقول أرباب العقول وصبر على احتساء كأس البلاء المهول ، حتى قتل على صغر سنه وشدّة عطشه خمسة وستين رجلا . قال حميد بن مسلم : كنت في عسكر ابن سعد ، وكنت أنظر إلى هذا الغلام وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنسى أنها كانت اليسرى ، فقال عمر بن سعد الأزدي : والله لأشدّنّ عليه . ____________ (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 26 ، وفيه : فحمل وهو يقول : قد تركـوا معالم القرآن * وأظهروا الكفر مع الطغيان وأشار إليه أبو مخنف في وقعة الطف : ص 247 ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 95 ، والمفيد في الإرشاد : 2 : 107 . (2) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 27 وفيه : فحمل وهو يقول : يطير فيها بجنان أخضـر * كفـى بهذا شرفـا في معشر فقاتل حتى قتل ، قيل : قتله عبدالله بن قطبة . وانظر وقعة الطف لأبي مخنف : ص 246 ، وإرشاد المفيد : 2 : 107 ، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ص 95 وفيه : أمه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام . فقلت له : سبحان الله ، وما تريد بذلك ؟ أما والله لو ضربني ما بسطت يدي إليه بسوء ، يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه . فقال : والله لأقتلنّه . فشدّ عليه ، فما ولي حتى ضرب رأسه بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : « يا عماه » . فجلى الحسين عنه كما يجلى الصقر ، ثم شدّ شدّة ليث مغضب ، فضرب عمرا قاتل القاسم بالسيف ، فاتّقاده بيده فأطنّها من المرفق ، فصاح صيحة هائلة ، فحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين عليه السلام فوطأته الخيل حتى هلك لا رحمه الله تعالى . قال حميد بن مسلم : فانجلت الغبرة وإذا بالحسين عليه السلام قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجله الأرض والحسين يقول : « بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك » . ثم قال : « قد عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا يغني عنك شيئا ، هذا يوم والله كثر واتره وقلّ ناصره » . ثم حمله صلوات الله عليه على صدره . قال حميد : كأني أنظر إلى رِجلي الغلام تخطان في الأرض وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يريد أن يصنع به ؟ فجاء حتى وضعه بين القتلى من أهل بيته (1) . ثم برز من بعده أخوه عبدالله بن الحسن عليه السلام فقاتل قتالا شديدا حتى قتل أربعة عشر رجلا ، ثم قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي (2) . ____________ (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 27 مع اختلافات لفظية . ورواه أبو مخنف في وقعة الطف : ص 244 وعنه الطبري في تاريخه : 5 : 447 . ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 107 ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 92 ، والسيد بن طاووس في الملهوف : ص 167 . رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 28 وفيه : وهو يقول : ثم برز من بعده اخوه أبو بكر بن الحسن عليه السلام فقتله عقبة الغنوي (1) . ثم برز من بعده علي بن الحسين ، وكان من أصبح الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه الحسين نظرة آيس منه وأرخى عليه السلام عينيه على خدّيه وبكى ، ثم قال : « اللهم اشهد عليهم أنه قد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك خلقا وخُلقا ومنطقا وسمتا » (2) . قال الراوي : فتقدم عليّ نحو القوم ونظر إلى صفوفهم فشدّ عليه بسيفه وهو ____________ = وانظر وقعة الطف لأبي مخنف : ص 249 ، وتاريخ الطبري : 5 : 468 ، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ص 93 ، وذكروا أنّ قاتله حرملة بن كاهل الأسدي رماه بسهم فقتله . (1) رواه أبو مخنف في وقعة الطف : ص 248 وفيه : ورمى عبدالله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن بن علي بسهم فقتله . ومثله في تاريخ الطبري : 5 : 448 . (2) قال الخوارزمي في المقتل 2 : 30 : فتقدم علي بن الحسين وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثمان عشرة سنة ، فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء وقال : « اللهم أشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخُلقا ومنطقا برسولك محمد صلى الله عليه [ وآله و ] سلم ، كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهم فامنعهم بركات الأرض وإن منعتهم ففرّقهم تفريقا ومزّقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا ليقاتلونا ويقتلونا » . ثم صاح الحسين بعمر بن سعد : « ما لك قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله » . ثم رفع صوته وقرأ : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )» [ 33 : آل عمران | 3 ] . ثم حمل علي بن الحسين وهو يقول : والله لا يحكم فينا ابن الدعي * أطعنكم بالرمـح حتى ينثني أضربكم بالسيف حتى يلتوي * ضرب غلام هاشمـي علوي يرتجز ويقول : والله لا يحكم فينا ابن الدعــي * أطعنكم بالرمح حتـى ينثنــي أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * ضرب غلام هاشمــي علوي فلم يزل يقاتل حتى ضجّ الناس لكثرة من قتل منهم ، حتى روي أنه قتل على ماهو فيه من العطش مئتين وعشرين رجلا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبت ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من الماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين عليه السلام وقال : « واغوثاه ، يا بُني قاتل قليلا فما أسرع أن تلقى جدك محمدا صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا » . ثم قال : « يعزّ على محمد وعليّ أن تدعوهما فلا يجيبوك ، وتستغيث بهما فلا يغيثوك ، يا بُني ، هات لسانك » . فأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه وقال : « أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك » . فرجع إلى القتال وشدّ على الرجال وهو يقول : والله رب العرض لا نفارق * جموعكـم أو تغمد البوارق فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام ثلاث مئة ، ثم ضربه مرة من منقذ العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته وتناوشه الناس بأسيافهم ، ثم إنه اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بأسيافهم إربا إربا ، فلما بلغت روحه التراقي نادى رافعا صوته : « يا أبتاه ، هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول : العجل العجل ، فإنّ لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة » . فصاح الحسين عليه السلام وقال : « قتل الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا » . قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول : واحبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ، يا ابن أخاه . فسألت عنها ، قيل لي : هي زينب بنت علي ، وجاءت وانكبّت على جسد علي بن الحسين عليه السلام ، فجاء الحسين إليها وأخذ بيدها وردها إلى الفسطاط ، وأقبل عليه السلام بباقي فتيانه وقال : « احملوا أخاكم رحمكم الله » . فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط (1) . ثم خرج من بعده أبو بكر بن علي ، واسمه عبدالله ، فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي وعبدالله بن عقبة الغنوي (2) . ثم برز من بعده عمر بن علي وحمل على زحر قاتل أخيه فقتله واستقبل القوم ، فلم يزل يقاتل حتى قُتل (3) . ____________ (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 30 . ورواه أبو مخنف في وقعة الطف : ص 241 وعنه أبوالفرج في مقاتل الطالبيين : ص 115 ، والمفيد في الإرشاد : 2 : 106 ، وابن طاوس في الملهوف : ص 166 . وانظر الكامل لابن الأثير : 4 : 74 . (2) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 28 وفيه : ثم تقدم إخوة الحسين عليه السلام عازمين على أن يقتلوا من دونه ، فأول من تقدم منهم أبو بكر بن علي واسمه عبدالله ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم بن جندل بن نهشل بن دارم التيمية ، فبرز أبوبكر وهو يقول : هذا الحسين ابن النبــي المرسل * نذود عنـه بالحســام الفيصل تفديـه نفسـي من أخ مبجّــل * يا ربّ فامنحنـي ثواب المجزل فحمل عليه زحر بن قيس النخعي فقتله ، وقيل : بل رماه عبدالله بن عقبة الغنوي فقتله . وانظر مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ص 91 . (3) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 28 وفيه : ثم خرج من بعد أبي بكر بن علي أخوه عمر بن علي ، فحمل وهو يقول ثم برز من بعده عثمان بن علي ، وحمل على القوم وهو يقول : وابـن عم للنبي الطاهــر * أخي حسين خيرة الأخايــر وسيــد الكبار والأصاغر * بعد الرسول والوصي الناصر فلم يزل يقاتل حتى رماه حرملة بن كاهل ، وقيل : خولّي بن يزيد ، على جبينه ، فسقط عن جواده ، واحتزّ رأسه رجل من أبان بن دارم (1) . ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي ، فجاهد وأبلغ في الجهاد ورتّب قواعد الضرب والجلاد ، فرماه خولّي الأصبحي فسقط إلى الأرض فمات (2) ، فعندها ____________ = يا زحر يا زحر تدان من عمر * لعلك اليــوم تبــوء بسقــر شر مكان في حريـق وسعـر * فإنـك الجاحـد يا شر البشــر ثم قصد قاتل أخيه فقتله ، وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا ويقول في حملاته : يضربكم بسيفـه ولا يفــر * وليس يغــدو كالجنان المنحجر ولم يزل يقاتل حتى قتل . (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 29 . ورواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 89 وفيه : قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وقال الضحاك المشرفي في الإسناد الأول الذي ذكرناه آنفا أن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه ، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله ، وأخذ رأسه . وعثمان بن علي الذي روى عن علي أنه قال : «إنما سميته باسم أخي عثمان بن مضعون » . (2) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 29 وفيه : ثم خرج من بعده أخوه جعفر بن علي وأمه أم البنين أيضا وهو يقول : أحمي حسينا بالقنا العسّال * وبالحسام الواضح الصقال صاح الحسين عليه السلام : « صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي ، فوالله لا رأيتم بعد هذا اليوم هوانا » (1) . وروى النعماني في غيبته (2) ان الحسين لما راى مصارع فتيانه وأحبّته عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى : « هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله ؟ [ هل من موحّد يخاف الله فينا ؟ ] (3) هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا ؟ هل من معين يرجو ما عند الله بإعانتنا » ؟ فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدم الى باب الخيمة وقال لزينب : « ناوليني ولدي الصغير حتى أودّعه » . فأخذه فأومأ إليه ليقبّله ، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه ، فقال الحسين عليه السلام لزينب : « خذيه » ، ثم تلقّى الدم بكفيه ، فلما امتلأتا رمى بالدم إلى نحو السماء ثم قال : « هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله » . قال الباقر عليه السلام : « فلم يسقط من ذلك الدم قطرة واحدة » (4) . ثم إنه دنى من الخيمة ونادى : « يا سكينة ، يا فاطمة ، يا زينب ، يا أم كلثوم ، عليكنّ مني السلام » . فنادته سكينة : استسلمت للموت يا أبت ؟ قال : « كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين » . فقالت : يا أبت ، ردّنا إلى حرم جدّنا رسول الله . ____________ = ثم قاتل حتى قتل . وانظر مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ص 88 . (1) رواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 167 . (2) ما عثرت على الحديث في غيبة النعماني ، وله مصادر كما سيأتي . (3) من الملهوف . (4) رواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 168 وفيه : « قطرة إلى الأرض » . ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 32 . فقال : « هيهات ، لو ترك القطا لنام » . فتصارخن النساء ، فسكتهنّ (1) ، ثم خرج ونادى : « قرّبن إليّ فرسي واسردنّ عليّ سلاحي » . فقرّبن إليه فرسه فركب ووقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من الحياة عازما على الموت وهو يقول : وجدّي رسول الله أكـرم من مشـى * ونحن سراج الله في الأرض نزهر وفاطم أمـي مـن سلالــة أحمـد * وعمّي يدعـى ذو الجناحيـن جعفر وفنيا كتــاب الله أنـزل صادقـا * وفينا الهدى والوحي بالخيـر يذكر ونحـن أمـان الله للخلــق كلهم * نسـرّ بهذا فـي الأنـام ونجهــر ونحن ولاة الحوض نسقي محبنـا * بكأس رسـول الله ما ليس ينكــر وشيعتنـا في النـاس أكـرم شيعة * ومبغضنـا يوم القيــامة يخسـر قال : ثم إنه عليه السلام دعا الناس الى البراز ، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم حمل على الميمنة وهو يقول : فقتل منهم ما شاء الله ، ثم حمل على الميسرة وهو ينشد ويقول : أحمـي عيــالات أبــي * أمضي على دين النبــي (3) قال الراوي : واشتدّ العطش بالحسين ، فركب المسناة (4) يريد الفرات وأخوه ____________ (1) إلى هنا رواه المجلسي في البحار : 45 : 47 عن بعض الكتب ولم يذكر اسمه . (2) في الهامش عن نسخة : « خير » . (3) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 32 و 33 ، والإربلي في كشف الغمة : 2 : 231 مع اختلافات لفظية ، والمجلسي في البحار : 45 : 48 ـ 49 بدون اسناد إلى كتاب معين مع اختلافات في الألفاظ . (4) المسناه : تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية . ( تاج العروس : 10 : 185 « سنى » ) . العباس معه ، فاعترضه خيل ابن سعد لعنه الله واقتطعوا عنه أخاه العباس ، فكمن له زيد بن ورقاء وحكيم بن الطفيل فقتلاه ، فلما قتل العباس بكى الحسين بكاءا شديدا ونادى : « الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي » (1) . وفي ذلك يقول الشاعر : اليوم سار عن الكتائــب كبشهـا * اليوم بان عن اليميــن حسامها اليوم نامت أعيـن بك لــم تنـم * وتسهّدت أخـرى فعــزّ منامها أشقيق روحـي هل تراك علمت إذ * غودرت وانثالـت عليك لئامهـا إن خلت طبقت السماء على الثرى * أو دكدكت فوق الربـى أعلامها لكن أهان الخطـب عندي أنّنــي * بك لاحق أمر قضى علامهــا قال حميد بن مسلم : فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأنصاره وأصحابه أربط جأشا منه ، وإنه كانت الرجال تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان صلوات الله عليه يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : « لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » (2) . ____________ (1) رواه ابن طاوس في الملهوف : ص 170 . ورواه المفيد في الإرشاد : 2 : 109 . (2) رواه ابن طاوس في الملهوف : ص 170 . ثم إنه لم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون » . قال : فناداه الشمر لعنه الله : ما تقول يا ابن فاطمة ؟ فقال عليه السلام : « أقول أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهّالكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيّا » . فقال له الشمر : لك ذلك يا ابن فاطمة . ثم صاح شمر : اليكم عن حرم الرجل واقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفؤ كريم . قال : فقصدوه القوم فجعل يحمل فيهم وهو مع ذلك يطلب شربة من الماء فلا يجدها ، فلما اشتد به العطش حمل بفرسه على الفرات ، وكان عليه عمرو بن الحجاج والأعور السلمي مع أربعة آلاف رجل ، فكشفهم عن الفرات ، واقتحم الفرس المورد (1) . فلما أحسّ الفرس ببرد الماء أولغ برأسه ليشرب فناداها الحسين عليه السلام : « أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لا ذقت الماء حتى تشرب » . فلما سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه ولم يشرب كأنه فهم الكلام ، فقال له الحسين عليه السلام : « إشرب فأنّا أشرب » . فمدّ الحسين عليه السلام يده وغرف غرفة من الماء فناداه فارس من القوم : يا أبا عبدالله ، تتلذّذ بشرب الماء وقد هتك حرمك ؟! فنفض الماء من يده وحمل على القوم وكشفهم عن الخيمة ، فإذا هي سالمة (2) . قال : فجعل الحسين عليه السلام يطلب الماء والشمر لعنه الله يقول : لا تذوقه أو ترد ____________ = ورواه أبو مخنف في وقعة الطف : ص 252 ، والمفيد في الإرشاد : 2 : 11 . (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 33 ، وابن طاوس في الملهوف: 171 ، وأبو مخنف في وقعة الطف : 252 . (2) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب : 4 : 65 « في آياته بعد وفاته » عن أبي مخنف ، عن الجلودي . النار ! فقال له رجل منهم : ألا ترى يا حسين إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات ، والله لا تذوق منه قطرة أو تموت عطشا ! فقال الحسين عليه السلام : « اللهم أمته عطشا » . قال : والله لقد كان ذلك الرجل يقول : اسقوني ماء فيؤتى له بعسّ من الماء لو شرب منه خمسة لكفاهم ، فيشرب حتى يثغر (1) ثم يقول : اسقوني قتلني العطش ! فلم يزل كذلك حتى مات لا رحمه الله (2) . قال : ثم رماه حرملة بن كاهل فوقع السهم في جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فانتزع السهم وهو يقول : « اللهم إنك ترى ما يصنع بي هؤلاء العصاة ، اللهم فاحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا » . ثم حمل عليهم في أمرّ ساعة من ساعات الدنيا فجعل لا يلحق بأحد منهم إلا اختطف رأسه بسيفه عن جسده ، والسهام تأخذه من كل مكان ، وهو يلتقيها بصدره ونحره ويقول : « يا أمّة السوء ، بئسما خلفتم محمدا في عترته ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله بل يهون عليكم قتلكم إياي ذلك ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة » . قال : ثم إنه لم يزل يقاتل حتى أصابه ـ كما نقل ـ ألف وتسع مئة جراحة ، وكانت السهام في جلده كالشوك في جلد القنفذ ، وروي أنها كانت كلها في مقدمه ، فوقف يستريح إذ أتاه حجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح عن وجهه فأتاه سهم محدود مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره ، وقيل : في قلبه ، فقال عليه السلام : « بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله » . ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « إلهي ، إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبيّ ____________ (1) الثغرة : الثلمة . وفي مقاتل الطالبيين : « حتى خرج من فيه » . (2) ورواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ص 117 مع اختلاف . غيره » . ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كأنه ميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه ، ثم وضع يده ثانية فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : « هكذا ألقى الله وأنا مخضب بدمي مغصوب عليّ حقي وأقول : يا جداه ، قتلني فلان وفلان » . ثم ضعف عن القتال ، وكلما أتاه رجل انصرف عنه كراهية أن يلقى الله بدمه حتى أتاه رجل من كنده يقال له « مالك بن النسر » لعنه الله ، فشتم الحسين عليه السلام وضربه بالسيف على رأسه الشريف فقطع البرنس ووصل السيف إلى فرقه فامتلأ البرنس دما ، فقال له الحسين عليه السلام : « لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين » . ثم رمى البرنس عن رأسه واستدعا بخرقة وشد بها رأسه ، ولبس قلنسوة واعتمّ عليها (1) . قال : ثم انهم لبثوا هنيئة ثم داروا عليه وأحاطوا به ، فخرج عبدالله بن الحسن عليه السلام وهو غلام لم يراهق ، فخرج من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب لتحبسه ، فقال الحسين عليه السلام لها : « احبسيه يا أختاه » . فأبى وامتنع امتناعا شديدا وقال : لا والله لا أفارق عمي الحسين . فأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة الأسدي ـ إلى الحسين بالسيف فاتقاها الغلام وقال : ويلك يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ؟ وتلقّى السيف بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام : يا عماه . فأخذه الحسين عليه السلام وضمه إلى صدره وقال : « يا ابن أخي ، اصبر على ما نزل بك ، فإنه بعين عناية الله ، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين » . ____________ (1) رواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 34 ـ 35 مع اختلاف في بعض الألفاظ . وروى قسما منه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 172 . قيل : ورماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه في حجر عمه (1) . ثم إن الشمر لعنه الله حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ثم قال : عليَّ بالنار لأحرقه على من فيه . فقال له الحسين عليه السلام : « أنت الداعي بالنار لتحرق بيتي على أهلي ، أحرقك الله بالنار » . فجاء شبث بن ربعي فوبّخه ، فاستحيى وانصرف (2) . قال : فنادى الحسين عليه السلام وقال : « ابعثوا لي ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه » . فأتي له بثوب فردها وقال : « ذلك لباس من ضربت عليه الذلة » . ثم إنه أخذ ثوبا خلقا فجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه . ثم استدعى بسراويل من حبرة فمزّقها لئلا يسلبونها ، فلما قتل جردوه منها (3) . قال : فأعيا عن القتال وكف عن الجدال ، فنادى شمر لعنه الله : ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ احملوا عليه ثكلتكم امهاتكم . فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيوب الغنوي في حلقه ، وطعنه صالح بن وهب المزنى في خاصرته طعنة سقط بها عن فرسه على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه (4) . قال الراوي : فلما سقط الحسين عليه السلام خرجت زينب بنت علي عليه السلام من الفسطاط وهي تنادي : « وا أخاه ، وا سيداه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، وليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل ، يا عمر بن سعد ، أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه » ؟! ____________ (1) ورواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 173 . (2) ورواه السيد ابن طاوس في الملهوف : 3 : 173 . (3) ورواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 174 . (4) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 35 ، والسيد ابن طاوس في الملهوف : ص 174 ـ 175 . قال : ودموع عمر تسيل على خديه ولحيته وهو يصرف وجهه عنها (1) . قال حميد بن مسلم : كأني أنظر إلى الحسين عليه السلام وهو قائم وعليه جبة خزّ وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ، اقتلوه ، ثكلتكم أمهاتكم » . فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى فأهوى إليه الحسين بسيفه فبرا حبل عاتقة وخرّ صريعا ، فأومأ إليه آخر بسيف وضربه على كتفه الشريف ضربة كبا منها على وجهه ، فطعنه سنان النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح وطعنه ثانية في فؤاده ورماه بسهم في نحره فسقط وجلس قاعدا . فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : ويحك ، انزل إلى الحسين فأرِحه ، فقد قطع نياط قلوبنا بأنينه . فابتدر خولّي ليحتز رأسه فأرعد . قيل : فجاء سنان والشمر لعنه الله والحسين بآخر رمق يلوك لسانه من شدة الظمأ ، فرفسه الشمر لعنه الله برجله وقال : يا ابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبّه ، فاصبر حتى تأخذ الماء من يده . وروى هلال بن نافع قال : كنت حاضرا يوم الطف إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا الشمر قد قتل الحسين . قال هلال : فخرجت لأنظر إليه فوقفت عليه وهو يجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلا مضمّخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتلته ، فسمعته في تلك الحالة يستسقي ماء ، فقال له رجل : لا تذوق الماء أو ترد الحامية فتشرب من حميمها ! فسمعته يقول : « أنا أرد الحامية ؟! إنا لله وإنا إليه راجعون ، بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأشرب من كأسه من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما صنعتموه بي وما ارتكبتموه مني » . قال : فغضبوا حتى كأن الله لم يجعل في قلوبهم من الرحمة شيئا . ____________ (1) ورواه الخوارزمي في المقتل : 2 : 35 مع اختلافات لفظية . وروى قسم الأول منه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 175 . قال : فجلس الشمر على صدره وما زال يضرب بالسيف في نحره حتى احتزّ رأسه المكرم (1) . وكان ذلك باليوم العاشر من شهر المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بكربلاء . ولله درّ من قال : أردوه منعفـرا يمـجّ دمــا * منه الضبا والذبل السمــر تطأ الخيول إهابـه ولهــا * منه إذا هي أعرضت طمـر ظــام يبــلّ أوام غلتـه * ريا بفيض نجيعـه النحــر بأبي القتيـل ومن بمصرعه * ضعف الهدى وتضاعف الكفر بأبــي الذي أكفانه نسجت * من عثيــر وحنوطـه عفر ومغســل بدم الوريـد فلا * مــاء أعـدّ لـه ولا سـدر بــدر هوى من أوجه فبكى * لخمــود نور ضيائـه البدر هوت النســور عليه عاكفة * وبكاه عند طلوعــه النسـر وبكت ملائكة السمــاء له * حزنا ووجه الأرض مغبــر فعلى الأطائب من آل بيت محمد فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، وليضجّ الضاجّون ، أين الحسن وأين الحسين ؟ وأين أبناء الحسين ؟ صالح بعد صالح ، وإمام بعد إمام ، أين الخيرة بعد الخيرة ؟ أين الشموس الطالعة ؟ أين الأقمار المضيئة ؟ أين الشهب الواضحة ؟ أين الأعلام اللائحة ؟ (2) أو لا تكونون يا إخواني كمن أورت هذه المصائب الفادحة في فؤاده نيران الأحزان الجائحة فأرسل شآبيب دموعه ، وطلّق أبكار نومه وهجوعه ، ورثاه بما صوّره الخاطر ____________ (1) ورواه السيد ابن طاوس في الملهوف : ص 176 ـ 177 مع اختلافات لفظية . (2) من قوله : « فعلى الأطائب » إلى هنا اقتباس من دعاء الندبة . وأسكب عليه دمعه القاطر ، ولله دره فيما حبّر وحرر ، وصلى الله على محمد وآله الغرر . |