( عبدالله بن خباب )
هو عبدالله بن خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد من بني سعد بن زيد مناة بن تيم ، وأصاب خباباً سباء في الجاهلية . فصار الى أم أنمار بنت سباع الخزاعية حلفاء بني زهرة بن كلاب فأعتقته .
بحذف السند عن رجل من عبد القيس . قال : كان عبدالله مع الخوراج ثم فارقهم ، قال : ودخلوا ـ أي الخوارج ـ قرية . فخرج عليهم عبدالله بن خباب ذعراً قالوا لن ترع . قال : والله لقد رعتموني . قالوا لن ترع . قال والله لقد رعتموني . قالوا : أنت عبدالله بن خباب صاحب رسول الله (ص) قال نعم قالوا فهل سمعت من أبيك حديثاً يحدثه عن رسول الله (ص) تحدثنا به قال نعم سمعت أبي يحدث عن رسول الله (ص) ذكر فتنه . القاعد فيها خير من القائم . والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي . قال فان أدركت ذلك فكن عبدالله المقتول .
( 66 )
قال ابو أيوب . ولا اعلمه الا قال ولا تكن عبدالله القاتل قالوا سمعت هذا من ابيك يحدثه عن رسول الله (ص) : قال نعم . قال فقدموه على ضفة النهر فضربوا عنقه فسال دمه كأنه شراك نعل أحمر ( فامذقر (1) وبقروا بطن أم ولده فبهذا استحل علي (ع) قتالهم (2) .
____________
(1) ذكر المبرد في الكامل هذا الحديث . قال فأخذوه وقربوه الى شاطىء النهر فذبحوه . فامذقر دمه اي جرى مستطيلاً متفرقاً هكذا رواه بغير حرف .
(2) طبقات ابن سعد الكبرى ج5 ص182 طبع ليدن .
( 67 )
( وقعة النخيلة )
قال ابو العباس بعد ان . فارق جماعة من الخوارج عبدالله بن وهب ، ولجأ بعضهم يوم النهروان الى راية ابي أيوب الأنصاري . والبعض الذي تخلف منهم بالكوفة لم يخرجوا الى النهروان . اجتمع هؤلاء كلهم وتواصوا فيما بينهم . وتعاضدوا وتأسفوا على خذلانهم أصحابهم بالنهروان . وكان خطيبهم يؤمئذ المستورد . من بني سعد بن زيد مناة ، وخرجوا الى النخيلة . فوجه اليهم علي بن أبي طالب (ع) ابن عمه عبدالله بن العباس داعياً فقالوا له يا بن عباس اذا كان علي (ع) على حق لم يشكك فيه . وحكم مضطراً فما باله حيث ظفر لم يسب فقال لهم ابن عباس قد سمعتم الجواب في التحكيم فأما قولكم في السباء أفكنتم سابين أمكم عائشة . فوضعوا أصابعهم في آذانهم وقالوا أمسك عنا غرب لسانك يا بن عباس . فانه طلق ذلق غواص على موضع الحجة ، قال : وأبوا الا الإنشقاق .
( 68 )
فلما رأى ابن عباس ذلك رجع الى أمير المؤمنين (ع) وأخبره .
قال : ولما أراد علي المسير اليهم . جاءه عفيف بن قيس . وقال له يا أمير المؤمنين (ع) لا تخرج في هذه الساعة . فانها ساعة نحس لعدوك عليك فقال له (ع) توكلت على الله وحده . وعصيت رأي كل متكهن . انت تزعم أنك تعرف وقت الظفر من وقت الخذلان ( اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ) . ثم سار اليهم فطحنهم جميعاً لم يفلت منهم إلا خمسه . منهم المستورد ابن جوين الطائي (1) وفروة بن شريك الأشجعي ، وهم الذي ذكرهم الحسن البصري . فقال دعاهم الى دين الله . فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم . وأصروا واستكبروا استكباراً فسار اليهم أبو حسن فطحنهم طحناً . وفيهم يقول عمران بن حطان الفاسق .
____________
(1) خرج المستورد هذا بعد ذلك على المغيرة بن شعبة وهو وإلى الكوفة فوجه إليه معقل بن قيس الرياحي . فاستدعاه المستورد إلى المبارزة وقال له علام يقتل الناس بيني وبينك . فقال له معقل النصف سألت فأقسم عليه أصحابه فقال ما كنت لا أبى عليه . فاختلفا بضربتين فخر كل واحد منها ميتاً .
( 69 )
اني اديـن بمـا دان الشراة بـه * يوم النخيلة عند الجوسق الخرب
وقال الحميري رحمه الله يعارض هذا المذهب المزيف .
اني أدين بمـا دان الوصي بـه * يوم النخيلة مـن قتل المحلينـا
وبالذي دان يوم النهر دنت بـه * وشـاركت كفـه كفـي بصفينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي * ومثلهـا فاسقني آمين آمينا (2)
____________
(2) الكامل للمبرد . ج2 ص148 و149 طبع المكتبة التجارية .
( 70 )
( أحاديث تروى عن عائشة )
ذكر احمد بن مردويه في مناقبه . عن أبي اليسر الأنصاري . عن ابيه . قال دخلت على أم المؤمنين عايشة . قال : فقالت : من قتل الخارجية ؟ قلت قتلهم علي (ع) . قالت ما يمنعني الذي في نفسي على علي (ع) ان أقول الحق سمعت رسول الله (ص) يقول : يقتلهم خير امتي من بعدي . وسمعته يقول علي مع الحق . والحق مع علي (ع) .
وعن مسروق ، قال : قالت لي عائشة . يا مسروق . انك من أكرم بني علي وأحبهم الي فهل ، عندك علم من ـ المخد ـ (1) ؟ قال قلت : نعم . قتله علي (ع) على نهر يقال لأسفله ـ تامراء وأعلاه النهروان . بين
____________
(1) المخدج . . هو ناقص الخلقة ـ النهاية .
( 71 )
أخاقيق (2) وطرفاء ، قال : فقالت : فائتني معك بمن يشهد في ذلك ، فاتيتها بسبعين رجلاً فشهدوا عندها أن علياً (ع) قتله على نهر يقال لأسفله تامراء وأعلاه النهروان ، بين أخاقيق وطرفاء . فقالت لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب الي انه قتل على نيل مصر ، قال : فقلت لها : يا ام اخبريني اي شيء سمعت من رسول الله (ص) يقول فيهم . قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .
____________
(2) الأخاقيق شقوق الأرض .
( 72 )
( مقتل الإمام علي (ع) )
خرجت طائفة من الخوارج بعد واقعة النخيلة الى مكة فوجه معوية بن ابي سفيان من يقيم الحج للناس . فناوشه هؤلاء الخوراج . فبلغ معاوية ذلك فوجه بسر بن أرطأة . على عسكر له فتوافقوا وتراضوا بعد الحرب بأن يصلي بالناس رجل من بني شيبة لئلا يفوت الناس الحج . فلما انقضى الحج نظرت الخوارج في أمرها . وقالوا ان علياً ومعاوية قد أفسدا أمر هذه الأمة فلو قتلناهما لعاد الأمر الى حقه . وقال رجل من أشجع والله ما عمرو دونهما . وانه لأصل هذا الفساد . فقال عبد الرحمن بن ملجم . انا اقتل علياً . فقالوا وكيف لك به . قال اغتاله . فقال الحجاج بن عبدالله الصريمي . وهو البرك . وأنا اقتل معاوية . وقال راذويه مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم . وأنا اقتل عمرواً . فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة فجعلوا تلك الليلة . ليلة احدى وعشرين من
( 73 )
شهر رمضان (1) فخرج كل واحد منهم الى ناحية . فأتى ابن ملجم الكوفة فأخفى نفسه وتزوج بامرأة عاهر . يقال لها قطام بنت علقمة من تيم الرباب . وكانت خارجية وكانت . قد طلبت منه الصداق وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة . ثم قالت له لا أقنع منك إلا بقتل علي بن ابي طالب (ع) فقال لها لك ما سألت . فكيف لي به . قالت تروم ذلك غيلة . فان سلمت ارحت الناس من شر . وأقمت مع أهلك . وان أصبت سرت إلى الجنة ونعيم لا يزول فانعم لها . وفي ذلك يقول :
ثـلاثـة آلاف وعبـد وقينــة * وقتـل علـي بالحسـام المسمم
فلا مهر اغلى من علي وان غلا * ولا فتك الا دون فتـك ابن ملجم
قال : فأقام ابن ملجم عندها . ثم قالت له بعد أيام الا تمضي لما قصدت لشد ما أحببت أهلك . قال اني وعدت صاحبي وقتاً بعينه . وكان هناك رجل من أشجع يقال له شبيب . فواطأه عبد الرحمن على ما أضمره ، : فلما كانت ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان . خرج ابن ملجم
____________
(1) وهناك اختلاف في الليلة . يروى جعلوا لليلة تسعة عشر من شهر رمضان .
( 74 )
وشبيب الأشجعي . فاعتورا الباب الذي يدخل منه علي (ع) وكان مغلساً ويوقظ الناس للصلاة . فخرج كما كان يفعل فضربه شبيب فأخطأه . وأصاب سيفه الباب وربه ابن ملجم على رأسه فقال علي (ع) فزت ورب الكعبة (1) شأنكم بالرجل ، يروى عن بعض من كان بالمسجد من الأنصار . قال سمعت كلمة علي (ع) ورأيت بريق السيف . فأما ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه فأفرجوا له . وتلقاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بقطيفة فرمى بها عليه واحتمله فضرب به الأرض . وكان المغيرة أيداً فقعد على صدره . وأما شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضرموت وصرعه وقعد على صدره . وكثر الناس فجعلوا يصيحون صاحب السيف فخاف الحضرمي ان يكبوا عليه . ولا يسمعوا عذره فرمى بالسيف . وانسل شبيب بين الناس ، وجيىء بعبد الرحمن
____________
(1) هذه رواية المبرد . أما الأخبار الواردة والمعول عليها . هو ان ابن ملجم كان قد أخفى سيفه تحت ثيابه . حتى اذا صلى علي (ع) في محرابه صلاة الفجر . قام إليه ووقف خلف الأسطوانة حتى اذا سجد السجدة الأولى ورفع رأسه من السجود أهوى بالسيف عليه فشق رأسه الى موضع سجوده فصاح علي (ع) فزت ورب الكعبة . قتلني اللعين ابن اليهودية . ثم جعل يأخذه التراب ويضعه على الجرح وهو يقول : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى الخ .
( 75 )
بين أناس يقودونه . فأمر علي (ع) بسجنه فسجن . فقال علي (ع) ان أعش فالأمر الي وان أصب فالأمر لكم . فان آثرتم أن تقتصوا فضربة بضربه . وان تعفوا أقرب للتقوى قال الراوي . وسمع ابن ملجم الرنة من الدار فقال له من حضره أي عدو الله انه لا بأس على امير المؤمنين (ع) فقال أعلى من تبكي أم كلثوم . أما والله لقد اشتريت سيفي بألف درهم وما زلت أعرضه فما يعيبه أحد الا أصلحت ذلك العيب ولقد أسقيته السم حتى لفظه . ولقد ضربته ضربة لو قسمت على من بالمشرق والمغرب لأتت عليهم (2) . وقضى صلوات الله وسلامه عليه في آخر اليوم الثالث في الواحد والعشرين من شهر الله سنة أربعين من الهجرة . ورثاه ابو زبيد الطائي :
ان الكرام على ما كان من خلق * رهط امرىء خاره للدين مختار
طب بصير باضغان الرجال ولم * يعـدل بحبـر رسول الله احبار
وقطرة قطرت اذ حان موعدها * وكـل شيء لـه وقـت ومقدار
حتى تنصلها في مسجد طهـر * على امام هدى ان معشر جاروا
____________
(2) الكامل للمبرد ج2 ص128 ، طبع المكتبة التجارية .
( 76 )
حمت ليدخل جنات ابو حسن * وأوجبت بعـده للقاتل النـار
وقال الكميت رحمه الله :
والوصي الذي أمال التجــو * بي به عرش امــة لانهدام
قتلـوا يـوم ذاك اذ قتلــوه * حكماً لا كغـابـر الحكــام
الإمام الزكي والفارس المعـ * ـلم تحت العجاج غير الكهام
راعيـاً كـان مسجعاً ففقدنـا * ه وفقد المسيم هلك السوام (1)
____________
(1) أما صاحب معاوية . وهو الحجاج بنت عبدالله الصريمي ـ البرك ـ فانه جاء الى معاوية وهو يصلي فأصاب مأكمته . وكان معاوية عظيم الاوراك . فقطع منه عرقاً يقال له عرق النكاح . فلم يولد لمعاوية بعد ذلك ولد ، فلما ألقى القبض على البرك وجيء به الى معاوية . صاح الأمان والبشارة . قتل علي (ع) في هذه الصبيحة . فاستؤني به حتى جاء الخبر فقطع معاوية يديه ورجليه . وأمر معاوية . بعد هذا الحادث باتخاذ المقصورة .
وأما صاحب عمرو بن العاص ، وهو ـ زاذويه . فانه أرصد لعمرو . وكان عمرو قد اشتكى تلك الليلة بطنه فلم يخرج للصلاة . وأمر خارجة ـ وهو رجل من رهطه ـ أن يخرج للصلاة . فجاء الرجل وضربه فقتله . ولما ألقى القبض عليه وأدخل على عمرو . سمع الناس يخاطبونه بالأمرة . قال أوما قتلت عمرواً ؟ قيل له انما قتلت خارجة . فقال أردت عمرواً والله أراد خارجة . فقال الشاعر . :
فليتها اذا فدت عمرواً بـخارجة * فدت علياً بمن شاءت من البشر
( 77 )
( الخوارج ومعوية )
قال : ابو العباس . وخرج من الخوارج على معاوية بعد قتل علي (ع) حوثرة الأسدي . وحابس الطائي . خرجا في جمعهما . فصادراً الى موضع أصحاب النخيلة . ومعاوية يومئذ بالكوفة . قد دخلها عام الجماعة . وكان الحسن بن علي (ع) قد خرج يريد المدينة . فوجه اليه معاوية ـ وقد تجاوز في طريقه ـ يسأله . أن يكون المتولي لمحاربة الخوارج . فكان جواب الحسن . والله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين . وما أحسب ذلك يسعني افأقاتل عنك قوماً أنت والله أولى بالقتال منهم ، قال ابن ابي الحديد وهذا موافق لقول ابيه لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه مثل من طلب الباطل فأدركه . وهو الحق الذي لا يعدل عنه ، قال ابن ابي الحديد . وبه يقول أصحابنا فان الخوراج عندهم أعذر من معاوبة . وأقل ضلالاً . ومعاوية أولى بأن يحارب منهم .
( 78 )
قال : ابو العباس . فلما رجع الجواب ـ اي جواب الحسن (ع) ارسل الى حوثرة الأسدي أباه . وقال له اذهب فاكفني أمر ابنك . فصار اليه ابوه فدعاه الى الرجوع فأبى فاداره فصمم ، فقال يا بني اجيك بابنك فلعلك تراه فتحن اليه . فقال : يا أبت انا والله الى طعنة نافذة انقلب فيها على كعوب الرمح أشوق مني الى ابني فرجع إلى معاوية فأخبره . فقال يا أبا حوثرة لقد عتى هذا جداً . ثم وجه اليه جيشاً اكثره أهل الكوفة . فلما نظر اليهم حوثرة . قال : لهم يا اعداء الله . أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه . وانتم اليوم تقاتلون معه لتشدوا سلطانه . فخرج اليه ابوه فدعاه الى البراز . فقال يا أبت لك في غيري مندوحة . ولي في غيرك مذهب . ثم حمل على القوم وهو يقول :
اكرر على هذي الجموع حوثرة * فـعن قـليل ستنـال المغفـرة
فحمل عليه رجل من طي فقتله .
( 79 )
[ الخوارج وابن زياد ]
نكل ابن زياد بالخوارج أشد تنكيل . اذ أنهم اقلقوه وراحوا يقاومونه بكل قواهم . حتى ملىء السجون بهم وقتلهم وصلبهم . فكانوا لا يزدادون الا شدة وتعصباً ، وعندما قتلوا قائد جيشه عباد بن أدية . انزل عليهم سخطه . وجد في استأصالهم ولم يترك في القوس مدفعاً في أمرهم . غير انه لم يحصل على بغيته ، وكانوا لا يتقاعسون عن أخذ ثأر قتيل لهم حتى يطلبوا القاتل فيقتلوه أياً كان . ولن يفوتهم ثأر قط ، قال : أبو العباس . وأكثرهم لم يكن يبالي بالقتل وشيمتهم استعذاب الموت والاستهانة بالمنية .
قال أبو العباس كان قتل عباد ، وعبيد الله بن زياد بالكوفة وخليفته على البصرة عبيد الله بن أبي بكرة ، فكتب
( 80 )
اليه يأمره أن لا يدع أحداً يعرف بهذا الرأي الا حبسه (1) ، قال : فجد ابن ابي بكرة في طلب من تغيب عنه وجعل يتبعهم ويأخذهم . فاذا شفع اليه في أحد منهم كفله الى ان يقدم به علس ابن زياد . حتى أتوه بعروة بن اذينة فأطلقه وقال أنا كفيلك . فلما قدم ابن زياد أخذ من في الحبس فقتلهم جميعاً وطالب الكفلاء بمن كفلوا به فكل من جاء بصاحبه اطلقه وقتل الخارجي . ومن لم يأت بمن كفل به منهم قتله . ثم قال ابن زياد . لأبي بكرة هات عروة بن اذينة . قال : لا اقدر عليه قال : اذا والله اقتلك فانك كفيله . فلم يزل يطلبه حتى دل عليه في سرب العلاء بن موتة المنقري : فكتب بذلك إلى عبيد الله بن زياد فقرء عليه كتابه فقال انا قد أصبناه في سرب العلاء ولوددت انه كان ممن شرب النبيذ . فلما أقيم عروة بين يديه قال : لم جهزت أخاك علي يعني أبا بلال ؟ فقال والله لقد كنت به ضنيناً ، وكان لي عزاء ولقد أردت له ما أريد لنفسي فعزم عزماً فمضى عليه . وما احب لنفسي الا المقام وترك
____________
(1) قيل ان ابن زياد كان قد حبس من الخوارج زهاء اربعماءة ولما هلك يزيد اطلقهم من السجن وكان يروم البيعة لنفسه فمن جملة من افسد عليه امره هؤلاء الخوارج .
( 81 )
الخروج . فقال له : أفأنت على رأيه . قال كنا نعبد رباً واحداً . قال : أما والله لأمثلن لك . قال اختر لنفسك من القصاص ما شئت فأمر به فقطعوا يديه ورجليه . ثم قال كيف ترى قال : افسدت علي دنياي . وأفسدت عليك آخرتك . قال فأمر بصلبه على باب داره .
قال : أبو العباس : كان ابو الوازع الراسبي من مجتهدي الخوارج وهذا ابو وازع اشترى سيفاً . وأتى صيقلاً ، كان يذم الخوارج ويدل على عوراتهم . فشاوره في السيف فحمد ثم اشحذه فشحذه حتى اذا رضيه خبط به الصيقل فقتله . وحمل على الناس فهربوا منه حتى أتى مقبرة بني يشكر . فدفع عليه رجل حايطاً ستره فشدخه . وأمر ابن زياد بصلبه فصلب .
( 82 )
[ الخوراج وابن الزبير ]
لما هلك يزيد بن معاوية اجتمع الخوارج فيما بينهم وتذاكروا أمر ابن الزبير وقالوا ندخل على هذا الرجل فننظر ما عنده فان قدم أبا بكر وعمر وبرىء من عثمان ومن علي وكفر أباه وطلحة بايعناه . وان تكن الأخرى ظهر لنا ما عنده فتشاغلنا بما يجدي علينا . قال فدخلوا على ابن الزبير وهو متبذر وأصحابه متفرقون عنه . فقالوا انا جئناك لتخبرنا رأيك فان كنت على الصواب بايعناك . وان كنت على غيره دعوناك الى الحق ما تقول في الشيخين . قال خيراً . قالوا ما تقول في عثمان الذي احمى الحمى وآوى الطريد وأظهر لأهل مصر شيئاً وكتب بخلافه وأوطأ آل أبي معيط رقاب الناس وآثرهم بفيىء المسلمين وفي الذين بعده ـ أي علي بن ابي طالب (ع) ـ الذي حكم في دين الله الرجال وأقام علي (ع) غير تائب ولا نادم ، وفي ابيك وصاحبه وقد بايعا علياً . وهو امام عادل مرضي لم يظهر منه كفر . ثم نكثا
( 83 )
بعرض من أعراض الدنيا وأخرجا عائشة تقاتل وقد أمرها الله وصواحبها أن يقرن في بيوتهن . وكان لك في ذلك ما يدعوك إلى التوبة فان أنت قلت كما نقول فلك الزلفة عند الله والنصر على ايدينا ونسأل الله لك التوفيق . وان أبيت الا نصر رأيك الأول وتصويب ابيك وصاحبه . والتحقيق بعثمان والتولي وفي السنين الست التي أحلت دمه ونقضت أمره وأفسدت إمامته خذلك الله وانتصر منك بأيدينا . قال ابن الزبير ان الله أمر وله العزة والقدرة في مخاطبة اكفر الكافرين واعتى العتاة بأرأف من هذا القول . فقال لموسى ولأخيه صلى الله عليهما في فرعون : ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) (1) . وقال رسول الله (ص) لا تؤذوا الأحياء بسبب الموتى ، فنهى عن سب ابي جهل من أجر عكرمة ابنه . وأبو جهل عدو الله وعدو الرسول والمقيم على الشرك والجاد في المحاربة والمتبغض الى رسول الله (ص) قبل الهجرة والمحارب له بعدها وكفى بالشرك ذنباً . وقد كان يغنيكم عن هذا القول الذي سميتم فيه طلحة وأبى أن تقولوا أتبرأ من الظالمين ؟ فان كانا منهم دخلاً في غمار الناس وإن لم يكونا منهم لم تحفظوني بسب أبي وصاحبه . وأنتم تعلمون ان الله جل وعز . قال للمؤمن
____________
(1) سورة طه .
( 84 )
في أبويه ( وان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) . وقال جل ثناؤه ( وقولوا للناس حسناً ) وهذا الذي دعوتهم اليه أمر له ما بعده وليس يقنعكم الا التوقيف والتصريح ولعمري ان ذلك لأحرى بقطع الحجج وأوضح لمنهاج الحق . وأولى بأن يعرف كل صاحبه من عدوه . فروحوا الي من عشيتكم هذه اكشف لكم ما أنا عليه ان شاء الله .
قال الراوي فلما كان العشي راحوا اليه فخرج اليهم وقد لبس سلاحه فلما رأى ذلك ـ نجدة ـ قال : هذا خروج منا بذلكم فجلس على رفع من الأرض وخطبهم وأثنى على ابي بكر وعلى عمر وعلى عثمان فلما سمعوا ذلك منه تفرقوا عنه .
( 85 )
[ وقعة دولاب ]
اجتمع الخوارج بالأهواز . ورئيسهم يومئذ نافع بن الأزرق الحنفي ، وصاروا يقتلون الأطفال . ويريعون النساء . فارتاع لذلك أهل البصرة . فاجتمعوا الى الأحنف بن قيس فشكوا ذلك اليه . وقالوا ليس بيننا وبين العدو الا ليلتان . وسيرتهم ما ترى فقال الأحنف . ان فعلهم في مصركم ان ظفروا به كفعلهم في سوادكم فجدوا في جهاد عدوكم . فاجتمع اليه عشرة آلاف . فأتى عبدالله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب وهو ( ببة ) . فسأله ان يؤمر عليهم فاختار لهم ابن عبيس ابن كريز . وكان ديناً شجاعاً . فأمره عليهم وشيعه . فلما نفد من جسر البصرة أقبل على الناس . فقال اني ما خرجت لأمتار ذهب ولا فضة واني لأحارب قوماً ان ظفرت بهم فما ورآءهم الا سيوفهم ورماحهم فمن كان شأنه الجهاد فلينهض ومن أحب الحياة فليرجع فرجع نفر يسير ومضى الباقون معه . فلما
( 86 )
صاروا . بدولاب . خرج اليهم نافع فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى تكسرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتل وتضاربوا بالسيوف والعمد ، فقتل في المعركة ابن عبيس ونافع بن الأزرق . وكان ابن عبيس تقدم الى أصحابه . فقال ان اصبت . فأميركم الربيع بن عمر . والأجدم الغداني . فلما أصيب بن عبيس اخذ الربيع الراية . وكان نافع قد استخلف عبيد الله بن بشير بن الماحوز السليطي فكان الرئيسان من بني يربوع رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع ورئيس الخوارج من بني سليط بن يربوع . فاقتتلوا قتالاً شديداً . فلم يزل الربيع بن الأجذم يقاتلهم نيفاً وعشرين يوماً . حتى قال : يوماً أنا مقتول لا محالة . قالوا وكيف قال لأني رأيت البارحة كأن يدي التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاستشلتني (1) فلما كان الغد قاتل الى الليل . ثم غاداهم فقتل فتدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب . اذ لم يكن لهم رئيس . ثم اجمعوا على الحجاج بن باب الحميري . فأباها . فقيل له ألا ترى ان رؤساء العرب بالحضرة وقد اختاروك من بينهم ؟ فقال : مشؤمة ما يأخذها أحد الا قتل . ثم أخذها فلم يزل يقاتل
____________
(1) استشلتني . اي اخذتني اليها .
( 87 )
الخوارج بدولاب والخوارج اعد بالألات والدروع والجواشن . فالتقى الحجاج بن باب : وعمران بن الحرث الراسبي وذلك بعد ان اقتتلوا ، زهاء شهر فاختلفا بضربتين فسقطا ميتين .
( 88 )
[ حروب أهل البصرة مع الخوراج ]
قال الراوي . وكره ( ببة ) القتال ، وأقام حارثة بن بدر القداني بازاء الخوارج يناوشهم على غير ولاية . وكان يقول ما عذرنا عند اخواننا من أهل البصرة ان وصل اليهم الخوارج ونحن دونهم فكتب اهل البصرة الى ابن الزبير يخبرونه بقعود ( ببة ) ويسألونه ان يولي والياً فكتب الى أنس بن مالك أن يصلي بالناس فصلى بهم أربعين يوماً وكتب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر فولاه البصرة فلقيه الكتاب وهو يريد الحج وهو في بعض الطريق فرجع فأقام بالبصرة .
وولى اخاه عثمان محاربة الأزارقة . فخرج اليهم في اثني عشر الفاً ولقيه حارثة فيمن كان معه وعبيد الله بن الماحوز في الخوارج بسوق الأهواز . فلما عبروا اليهم دجيلا نهض اليهم الخوارج . وذلك قبيل الظهر فقال عثمان بن عبيد الله لحارثة بن بدر . أما الخوارج الا ما أرى فقال له حارثة حسبك بهؤلاء . فقال لا جرم والله لا اتغدى حتى
( 89 )
أناجزهم . فقال له حارثة ان هؤلاء لا يقاتلون بالتعسف فابق على نفسك وجندك . فقال أبيتم أهل العراق الا جبناً وانت يا حارثة ما علمك بالحرب انت والله بغير هذا أعلم ـ يعرض له بالشراب ـ فغضب حارثة فاعتزل . وحاربهم عثمان يومه الى ان غابت الشمس فأجلت الحرب عنه قتيلاً . وانهزم الناس وأخذ حارثة الراية . وصاح بالناس انا حارثة بن بدر . فثاب اليه قومه فعبر بهم دجيلاً . وبلغ فل عثمان البصرة وخاف الناس الخوارج خوفاً شديداً . وعزل ابن الزبير عمر بن عبيد الله وولى الحرث بن عبدالله بن ابي ربيعة المعروف بالقباع احد بني مخزوم . وهو اخو عمر بن عبدالله بن ابي ربيعة المخزومي الشاعر ، فقدم البصرة . فكتب اليه حارثة بن بدر يسأله الولاية والمدد . فاراد أن يوليه فقال له رجل من بكر بن وايل . ان حارثة ليس بذلك . انما هو صاحب شراب فكتب اليه القباع تكفي حربهم انشاء الله فأقام حارثة يدافعهم حتى تفرق عنه الناس ، واقام بنهر تيري فعبرت اليه الخوارج فهرب وأصحابه حتى أتى دجيلاً فجلس في سفينة واتبعه جماعة من أصحابه كانوا معه . وأتاه رجل من بني تميم وعليه سلاحه والخوارج وراءه . وقد توسط حارثة فصاح به يا حارث ليس مثلي ضيع . فقال للملاح قرب فقرب الى جرف ولا فرصة هناك فطفر بسلاحه في السفينة فساخت بالقوم جميعاً . وأقام ابن
( 90 )
المأحوز يجبي كور الأهواز ثلاثة اشهر . ثم وجه الزبير بن علي نحو البصرة فضج الناس الى الأحنف فأتى القباع فقال أصلح الله الأمير ، ان هذا العدو قد غلبنا على سوادنا وفيئنا فلم يبق الا أن يحصرنا في بلدنا حتى نموت هزلا . قال فسموا رجلاً فقال أحنف الرأي ما يخيل ما أرى لها الا المهلب بن أبي صفرة . فقال أو هذا رأي جميع أهل البصرة اجتمعوا الي في غد . وجاء الزبير حتى نزل الفرات وعقد الجسر ليعبر الى ناحية البصرة . فخرج اكثر أهل البصرة اليه . وقد اجتمع للخوارج أهل الأهواز وكورها رغبة ورهبة . فأتاه البصريون في السفن وعلى الدواب ورجالة ، فاسودت بهم الأرض فقال : الزبير لما رآهم أبى قومنا الا كفراً . فقطعوا الجسر وأقام الخوارج بالفراق بازائهم . واجتمع الناس عند القباع وخافوا الخوارج خوفاً شديداً . وكانوا ثلاث فرق فسمى قوم المهلب . وسمى قوم مالك بن مسمع . وسمى قوم زياد بن عمرو بن الاشرف العتكي . فصرفهم . ثم اختبر ما عند مالك وزياد فوجدهما متثاقلين عن ذاك . ثم اختبر ما عند مالك وزياد فوجدهما متثاقلين عن ذاك . وعاد اليه من أشار بهما . وقالوا قد رجعنا عن رأينا ما نرى لها الا المهلب . فوجه الحرث اليه فأتاه فقال له يا أبا سعيد . انا والله ما آثرناك بها . ولكننا لم نر من يقوم مقامك فقال له الحرث . وأومأ الى الأحنف ان هذا الشيخ لم يسمك الا ايثاراً للدين . وكل من في مصرك ماد عينيه
( 91 )
اليه راج أن يكشف الله عز وجل هذه الغمة بك . فقال : المهلب لا حول ولا قوة إلا بالله اني عند نفسي لدون ما وصفتم . ولست آبيا ما دعوتم اليه على شروط اشترطها . قال الأحنف قل : قال على أن أنتخب من احببت . قال ذاك لك . قال : ولي امرة كل بلد أغلب عليه . قال وذاك لك . قال : ولي فيىء كل بلد اظفر به . . قال : الأحنف ليس ذاك لك ولا لنا انما هو فيىء المسلمين . فان سلبتهم اياه كنت عليهم كعدوهم . ولكن لك أن تعطي أصحابك من فيىء كل بلد تغلب عليه ما شئت . تنفق على محاربة عدوك . فما فضل عنكم كان للمسلمين . فقال المهلب فمن لي بذلك . قال : الأحنف نحن وأميرك وجماعة أهل مصرك . قال : قد قبلت . فكتبوا بذلك كتاباً . ووضع على يدي الصلت بن حريث بن جابر الحنفي . وانتخب المهلب من جميع الأخماس فبلغت نخبته اثني عشر الفاً . ونظروا ما في بيت المال فلم يكن إلا مأتي الف درهم فعجزت . فبعث الملهب الى التجار . ان تجارتكم مذحول قد كسدت عليكم بانقطاع مواد الأهواز وفارس عنكم . فهلم فبايعوني واخرجوا معي أو فكم انشاء الله حقوقكم فتاجروه فأخذ من المال ما يصلح به عسكره . واتخذ لأصحابه : الخفاتين . والرانات . المحشوة بالصوف . ثم نهض وأكثر أصحابه رجاله . حتى اذا صار بحذاء القوم أمر بسفن فاحضرت
( 92 )
وأصلحت ، فما ارتفع النهار حتى فرغ منها . ثم أمر الناس بالعبور الى الفرات . وأمر عليهم ابنه المغيرة فخرج الناس . فلما قاربوا الشاطىء فحاربوهم فكشفوهم وشغلوهم حتى عقد المهلب الجسر وعبر والخوارج منهزمون فنهى الناس عن أتباعهم . ففي ذلك يقول الأزدي .
ان العراق واهلـه لـم يخبروا * مثل المهلب في الحروب فسلموا
أمضى وايمن فـي اللقاء نقيبة * واقـل تهليلاً اذا مـا أحجمـوا