وكأن حافرها بـكل ثنية * فرق يكيل به شحيح معدم

ثم أقحم هو وأصحابه المسجد الجامع ولا يفارقه قوم يصلون فيه فقتل منهم جماعة . ثم خرج ومر بطريقه بدار حوشب . وكان على شرطة الحجاج فوقف على بابه ومعه جماعته فصاحوا ان الأمير يدعوك فظن أن الحجاج يدعوه فخرج غلامه وأخرج برذونه ليركبه ونزل حوشب فاذا هو بشبيب واصحابه فعلجوا اليه فغلق الباب في وجوههم وقتلوا غلامه وأخذوا برذونه وانصرفوا . ثم مروا بمسجد بني ذهل فلقوا ذهل ابن الحرث وكان يصلي في مسجد قومه فصادفوه منصرفاً الى منزله فقتلوه . ثم خرجوا متجهين الى الردمة . وأمر الحجاج فنودي يا خيل الله اركبي وابشري وهو فوق القصر ينادي وهناك مصباح مع غلام له قائم . وكان أول من جاء من الناس عثمان بن قطن ومعه مواليه وناس من أهله . وقال اعلموا الأمير مكاني أنا عثمان بن قطن فيأمرني بأمره . وجاء بعض الناس حتى الصباح . وكان عبد الملك بن مروان بعث محمد بن موسى بن طلحة على سجستان وكتب له عهده اليها . وكان قد أمر والحجاج أن يسرح له الفي فارس . فهيأ له العسكر وقال له أن شبيباً في طريقك فناجزه فاستجاب له وبعث الحجاج بشر بن غالب الأسدي في ألفي رجل وزياد بن قدامة في ألفين . وأبا الضرّيس مولى تميم في ألف من الموالي وأعين صاحب حمام أعين ـ مولى لبشر


( 150 )

بن مروان في ألفين رجل . وجماعة غيرهم . فاجتمعت تلك الامراء في أسفل الفرات . وترك شبيب الوجه الذي فيه جماعة هؤلاء القواد وأخذ نحو القادسية فوجه الحجاج زجر بن قيس في جريدة خيل تقاوم عدتها ألف وثمانمائة ، فارس . وقال له اتبع شبيباً حتى تواقعه حيثما أدركته فخرج زجر بن قيس حتى انتهى الى السليحين وبلغ شبيباً مسيره اليه . فاقبل نحوه فالتقيا وقد جعل زجر على ميمنته عبيد الله بن كنار . وكان شجاعاً . وعلى ميسرته عدي بن عدي بن عميرة الكندي . وجمع شبيب خيله كلها كبكبة واحدة . ثم اعترض بها الصف يوجف وجيفاً حتى انتهى الى زجر فنزل زجر فقاتل حتى صرع . وانهزم أصحابه وظن انه قد قتل . فلما كان الليل وأصابه البرد قام يمشي حتى دخل قرية فبات بها وحمل منها الى الكوفة وبوجهه أربع عشرة ضربة فمكث أياماً حتى أتى الحجاج وعلى وجهه القطن فأجلسه معه على السرير . وقال أصحاب شبيب لشبيب وهم يظنون أنهم قد قتلوا زجراً . قد هزمنا جندهم وقتلنا اميرهم . فانصرف بنا الآن موفورين . فقال لهم ان قتلكم هذا الرجل وهزيمتكم هذا الجند قد أرعب هؤلاء الامراء . فاقصدوا بنا قصدهم فوالله لئن نحن قتلناهم ما دون قتل الحجاج وأخذ الكوفة شيء . فقالوا له نحن طوع لأمرك ورأيك . قال الراوي فانقض بهم جاداً نحو عين التمر واستخبر عن القوم فعرف اجتماعهم في رود آباد في أسفل الفرات على أربعاً وعشرين فرسخاً من الكوفة .


( 151 )

[ من وقايع شبيب ]


قصد شبيب بأصحابه روذ آباد حيث اجتمع هناك قواد الحجاج ولما بلغ الحجاج مسير شبيب اليهم بعث اليهم ان جمعكم قتال فأمير الناس زائدة بن قدامة . فانتهى اليهم شبيب . وفيهم سبعة امراء ، على جماعتهم زائدة بن قدامه . وقد عبىء كل أمير أصحابه على حدة وهو واقف في أصحابه فاشرف شبيب على الناس وهو على فرس له أغر كميت فنظر الى تعبيتهم . ثم رجع إلى أصحابه وأقبل في ثلاث كتائب يزحف بها . حتى اذا دنا من الناس مضت كتيبة فيها سويد بن سليم فوقفت بازاء ميمنة زائدة بن قدامة وفيهما زياد بن عمرو العتكي . ومضت كتيبة فيها مضاد أخو شبيب فوقفت بازاء الميسرة وفيها بشر بن غالب الأسدي . وجاء شبيب في كتيبة حتى وقف مقابل القوم في القلب فخرج زائدة بن قدامة يسير في الناس بين الميمنة والميسرة . يحرض الناس ويقول عباد الله انكم الطيبون الكثيرون . وقد


( 152 )

نزل بكم الخبيثون القليلون فاصبروا جعلت لكم الفداء انما حملتان أو ثلاث ثم هو النصر ليس دونه شيء الا ترونهم والله لا يكونون مائتي رجل انما هم أكلة رأس وهم السراق المراق انما جاؤكم ليهريقوا دماءكم . وياخذوا فيئكم . فلا يكونوا على أخذه أقوى منكم على معه وهم قليل . وانتم كثير وهم أهل فرقة وانتم اهل جماعة . فضوا الأبصار واستقبلوهم بالأسنة ، ولا تحملوا عليهم حتى آمركم ثم انصرف الى موقفه . فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو العتكي فكشف صفة وثبت زياد قليلاً ثم ارتفع سويد عنهم يسيراً ثم كر علهم ثانية . فقال فروة بن لقسط الخارجي اطعنا ذلك اليوم ساعة فصبروا لنا حتى ظننت انهم لن يزولوا . وقاتل زياد بن عمرو قالاً شديداً . ولقد رأيت سويد بن سليم يومئذ وانه لأشد العرب قتالاً وأشجعهم . وهو واقف لا يعرض لهم . ثم ارتفعنا عنهم فاذا هم يتقوضون احملوا عليهم . فارسل الينا شبيب خلوهم لا تحلموا عليهم حتى يخفوا فتركناهم قليلاً . ثم حملنا عليهم الثلاثة فانهزموا فنظرت الى زياد بن عمرو وانه ليضرب بالسيوف وما من سيق يضرب به الا نبا عنه ولقد اعتروه اكثر من عشرين سيفاً وهو محفف فما ضره شيء منها . ثم انهزم وانتهينا الى محمد بن موسى بن طلحة أمير سجستان عند المغرب وهو


( 153 )

قائم في أصحابه فقابلناه قتالاً شديداً وصبر لنا . ثم أن مضاداً . حمل على بشر بن غالب في اليسرة فصبر وكرم وابلى ونزل معه رجال من اهل البصرة نحو خمسين فضاربوا بأسيافهم . ثم انهزم أصحابه فشددنا على أبي الضريس فهزمناه . ثم انتهينا الى موقف أعين ثم شددنا على اعين فهزمناهم حتى انتهينا الى زائدة بن قدامة . فلما انتهوا اليه نزل ونادى يا اهل الاسلام الأرض الأرض . الا لا يكونوا على كفرهم اصبر منكم على ايمانكم . فقاتلوا عامة الليل الى السحر . ثم أن شبيباً شد على زائدة بن قدامة في جماعة من أصحابه فقتله . وقتل ربضة حوله من أهل الحفاظ . ونادى شبيب في أصحابه ارفعوا السيف وادعوهم الى البيعة فدعوهم عند الفجر الى البيعة . قال عبد الرحمن بن جندب فكنت فيمن تقدم فبايعه بالخلافة وهو واقف على فرس اغر كميت وخيله واقفة دونه . وكل من جاء ليبايعه ينزع سيفه عن عاتقه ويؤخذ سلاحه ثم يدنو من شبيب فيسلم عليه بأمرة المؤمنين . ثم يبايع فانا كذلك حتى اذا ضاء الفجر ومحمد بن موسى بن طلحة في أقصى العسكر مع أصحابه . وكان الحجاج قد جعل موقفه آخر الناس . وزائدة بن قدامة بين يديه . ومقام محمد بن موسى مقام الأمير على الجماعة كلها . فأمر محمد مؤذنه فاذن . فلما سمع شبيب الاذان . قال ما هذا ؟ قيل هذا ابن طلحة لم يبرح قال : ظننت أن


( 154 )

حمقه وخيلاءه سيحملانه على هذا ؛ نحوا هؤلاء عنا وانزلوا بنا . فلنصل فنزل وأذن هو ثم استقدم فصلى بأصحابه وقرأ ( ويل لكل همزة لمزة ) و( أرأيت الذي يكذب بالدين ) . ثم سلم وركب وأرسل الى محمد بن موسى بن طلحة انك امرؤ مخدوع قد اتقى بك الحجاج المنية وانت لي جار بالكوفة ولك حق فانطلق لما أمرت به ولك الله أن لا اسوءك فأبى الا محاربته فأعاد عليه الرسول فأبى الا قتاله : فقال شبيب كأني بأصحابك لو التقت حلقتا البطان لأسلموك وصرعت مصرع أمثالك فاطعني وانصرف لشأنك فاني انفس بك عن القتل . فأبى وخرج بنفسه ودعا الى البراز فبرز له البطين ثم قعنب بن سويد وهو يأبى الا شبيباً . فقالوا لشبيب انه قد رغب عنا اليك . قال فما ظنكم بمن يرغب عن الاشراف . ثم برز له وقال له انشدك الله يا محمد في دمك فان لك جواراً فأبى الا قتاله فحمل عليه بعموده الحديدي وكان في اثنا عشر رطلاً فهشم رأسه وبيضة كانت عليه فقتله ونزل اليه فكفنه ودفنه وتتبع ما غنم الخوارج من عسكره فبعث به الى أهله . واعتذر الى أصحابه . وقال هو جاري بالكوفة ولي ان أهب ما غنمت فقال له أصحابه ما دون الكوفة الآن احد يمنعك فنظر فاذا أصحابه قد فشا فيهم الجراح فقال ليس عليكم اكثر مما قد فعلتم . وخرج على نفر ثم خرج بهم نحو بغداد يطلب جانباً .


( 155 )

( من وقائع شبيب )


قال ابن ابي الحديد وسار شبيب الى نفر فظن الحجاج انه قصد المدائن وهي باب الكوفة . ومن أخذ المدائن كان ما في يديه من أرض الكوفة اكثر . وقد هاله ذلك فبعث الى عثمان بن قطن فسرحه الى المدائن وولاه منبرها والصلاة ومعونة خوخى كلها وخراج الاستان فجاء مسرعاً حتى نزل المدائن وعزل الحجاج ابن عصيقر عن المدائن وكان الجزل مقيماً بها يداوي جراحاته . ودعى الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث . فقال له انتخب الناس فأخرج ستمائة من قومه من كندة . واخرج من سائر الناس ستة آلاف . واستحثه الحجاج على الشخوص فخرج بعسكره يدبر بدير عبد الرحمن . فلما استتموا هناك كتب اليهم الحجاج كتاباً قرىء عليهم . والكتاب فيه تهديد ووعيد وحث على القتال . قال وارتحل عبد الرحمن بالناس حتى مر بالمدائن فنزل بها يوماً ليشتري اصحابه منها


( 156 )

حوائجهم . ثم خرج بالناس نحو شبيب . فلما دنا منه ارتفع شبيب عنه الى دقوقاء وشهر زور فخرج عبد الرحمن في طلبه . حتى اذا كان على تخوم تلك الأرض أقام . وقال انما هو في أرض الموصل فليقاتل امير الموصل وأهلها عن بلادهم او فليدعوا . وبلغ ذلك الحجاج فكتب اليه أما بعد فاطلب شبيباً واسلك في اثره اين سلك حتى تدركه فتقتله . أو تنفيه عن الأرض . فانما السلطان سلطان امير المؤمنين والجند جنده والسلام . فلما قرأ عبد الرحمن الكتاب خرج في طلب شبيب فكان شبيب يدعه حتى اذا دنا منه ليبيته تركه فيتبعه عبد الرحمن . فاذا بلغ شبيباً انه قد تحمل وسار يطلبه . كر في الخيل نحوه فاذا انتهى اليه وجده قد صف خيله ورجاله المرامية فلا يصيب له غرة ولا غفلة . فيمضي ويدعه وكان شبيب يسير في الأرض الغليظة الوعرة وعبد الرحمن يتبعه فاذا دنا منه سار شبيب حتى صار الى خانقين وجلولاء . ثم اقبل على تامراً فصار الى التبت ونزل على تخوم الموصل . ثم اقبل على تامراً فصار الى التبت ونزل على تخوم الموصل . ليس بينه وبين الكوفة الا نهر حولايا وجاء عبد الرحمن حتى نزل بشرقي حولايا . وهم في ذادان الاعلى من ارض خوخى . ونزل في غوامير من النهر ونزلها عبد الرحمن حيث نزلها وهي تعجبه . يرى انها مثل الخندق الحصين . فأرسل شبيب الى عبد الرحمن ان هذه الايام أيام عيد لنا ولكم : فان رأيتم ان توادعونا حتى تمضي هذه الأيام


( 157 )

فعلتم . فأجابه عبد الرحمن الى ذلك . ولم يكن شيء احب الى عبد الرحمن من المطاولة والموادعة . فكتب عثمان بن قطن الى الحجاج يخبره . فأجابه الحجاج انك أنت الأمير . فسر الى الناس فانت اميرهم وعاجل المارقة حتى تلقاهم والسلام . فخرج عثمان حتى قدم على عبد الرحمن ومن معه وهم معسكرون علىنهر حولايا قريباً من التبت . وذلك يوم التروية فباتوا ليلتهم حتى اذا أصبحوا صار عثمان يعبىء الناس . ثم أقام حتى صلى بالناس الغداء . ثم خرج بالخيل فنلز يمشي بالرجال . وخرج شبيب ومعه يومئذ مائة واحد وثمانون رجلاً . فقطع اليهم النهر . وكان في ميمنة أصحابه . وجعل على الميسرة سويد بن سليم وجعل في القلب مضاداً أخاه وزحفوا . وكان عثمان بن قطن يقول لأصحابه فيكثر . قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت أو القتل واذاً لا تمتعون الا قليلاً . ثم قال شبيب لاصحابه اني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر فاذا هزمتها . فتحمل صاحب ميسرتي على ميمنتهم ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه امري . ثم حمل في ميمنة أصحابه مما يلي النهر على ميسرة عثمانبن قطن . انهزموا . ونزل عقيل بن شداد مع طائفة من أهل الحفاظ فقاتل حتى قتل وقتلوا معه . ودخل شبيب عسكرهم وحمل سويد بن سليم في ميسرة شبيب على عثمان بن قطن فهزمها . وعليها خالد بن نهيك


( 158 )

الكندي . فنزل خالد وقاتل قتالاً شديداً فحمل عليه شبيب من ورائه فلم يثن حتى علاه بالسيف فقتله ومشى عثمان بن قطن وقد نزلت معه العرفاء والفرسان واشراف الناس نحو القلب وفيه اخو شبيب في نحو من ستين رجلاً فلما دنا منهم وأصحابه حتى فرقوا بينهم . وحمل شبيب ورائهم بالخيل فما شعروا الا والرماح في أكتافهم تكبهم لوجوههم وعطف عليهم سويد بن سليم ايضاً في خيله وقاتل عثمان فأحسن القتال . ثم ان الخوارج شدوا عليهم فأحاطوا بعثمان وحمل عليه مضاد اخو شبيب فضربه ضربة بالسيف فاستدار لها وسقط وهو يقول : وكان أمر الله قدراً مقدوراً فقتل وقتل معه العرفاء ووجوه الناس وقتل من كنده يومئذ مائة وعشرون رجلاً . وقتل ما سائر الناس نحو الف . ووقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الى الأرض فعرفه ابن ابي سبرة . فنزل واركبه وصار رديفاً له ودخل بعدها الكوفة مستتراً من الحجاج الى أن أخذ له الأمان ؟


( 159 )

[ وقعة الأنبار ]


قال : وقصد شبيب بعد ان اشتد عليه الحر . ماء النهروان . فصيف بها ثلاثة اشهر . وبعدها قصد المدائن في نحو من ثلثمائة رجل وعلى المدائن يومئذ المطرف بن المغيرة بن شعبة فجاء حتى نزل قناطر حذيفة بن اليمان . فبلغ الحجاج ذلك فكتب الى عبد الملك . اما بعد فان شبيباً قد شارف المدائن وإنما يريد الكوفة . وقد عجز أهل العراق عن قتاله في مواطن كثيرة في كلها تقتل امراءهم . وتفل خيولهم . وأجنادهم . فان رأى أمير المؤمنين أن يبعث الي حنداً من جند الشام ليقاتلوا عدوهم ويأكلوا بلادهم فعل ان شاء الله . فلما اتى عبد الملك كتابه بعث الى سفيان بن الأبرد في اربعة آلاف وبعث اليه حبيب بن عبد الرحمن بن مذحج في الفين وسرحهم نحوه حين أتاه الكتاب . وقد كان الحجاج بعث الى عتاب بن ورقاء الرياحي ليأتيه . وكان على خيل الكوفة مع المهلب ـ ودعا الحجاج أشراف أهل


( 160 )

الكوفة منهم زهرة بن جوية وقبيصة بن والق . فقال متى ترون ان ابعث على هذا الجيش ؟ قالوا رأيك ايها الأمير افضل . قال : اني قد بعثت الى عتاب بن ورقاء وهو قادم عليكم الليلة فيكون هو الذي يسير بالناس . فقال زهرة بن جوية اصلح الله الامير رميتهم بحجرهم لا والله لا يرجع اليك حتى يظفرا ويقتل . فقال قبيصة بن والق واني مشير عليك أيها الأمير بأي اجتهدته نصيحة لك ولأمير المؤمنين ولعامة المسلمين . ان الناس قد تحدثوا ان جيشاً قد وصل اليك من الشام لأن أهل الكوفة قد هزموا . وهان عليهم الفرار والعار من الهزيمة فكأنما قلوبهم في صدور قوم آخرين فان رأيت أن تبعث الى الجيش الذي قد أمددت به من أهل الشام فليأخذوا حذرهم ولا يثبتوا بمنزل الا وهم يرون أنهم يبيتون فان فعلت فانك انما تحارب حولاً قلباً محلالاً مظعاناً . ان شبيباً بينا هو في أرض اذا هو في اخرى ولا آمن ان يأتيهم وهم غارون فان يهلكوا يهلك العراق كله . فقال الحجاج الله أبوك ما احسن ما رأيت : وما أصح ما أشرت به فبعث الى الجيش الورد عليه من الشام كتاباً قرؤه . وقد نزلوا هيت . وهو أما بعد . فاذا حاذيتم هيت فدعوا طريق الفرات والأنبار وخذوا على عين التمر حتى تقدموا الكوفة إن شاء الله . فاقبل القوم سراعاً . وقدم عتاب بن ورقاء في الليلة التي قال الحجاج انه فيها قادم . فأمره الحجاج .


( 161 )

فخرج بالناس وعسكر بحمام اعين . وأقبل شبيب حتى انتهى الى كلواذى فقطع منها دجلة واقبل حتى نزل نهر سير وصار بينه وبين مطرف بن المغيرة بن شعبة جسر دجلة فقطع مطرف الجسر ورأى رأياً صالحاً كاد به شبيباً حتى حسبه عن وجهه . وذلك انه بعث اليه أن ابعث الي رجالاً من فقهاء اصحابك وقرائهم وأظهر له انه يريد أن يدارسهم القرآن وينظر فيما يدعون اليه . قال وجد حقاً اتبعه . فبعث اليه شبيب رجالاً فيهم قعنب وسويد والمجلل . ووصاهم ان لا يدخلوا السفينة حتى يرجع رسوله من عند مطرف . وأرسل الى مطرف ان ابعث الي من أصحابك ووجوه فرسانك بعدة أصحابي ليكونوا رهناً في يدي حتى ترد على أصحابي فقال مطرف لرسوله القه وقل له كيف آمنك الآن على أصحابي اذ ابعثهم اليك وأنت لا تأمنني على أصحابك فابلغه الرسول فقال قل له قد علمت انا لا نستحل الغدر في ديننا وأنتم قوم غدر تستحلون الغدر وتفعلونه . فبعث اليه مطرف جماعة من وجوه أصحابه فما صاروا في يد شبيب سرح اليه أصحابه فعبروا اليه في السفينة فأتوه فمكثوا أربعة أيام يتناظرون ولم يتنقوا على شيء فلما تبين لشبيب ان مطرفاً كاده وانه غير متابع له تعبىء للمسير وجمع أصحابه . وقال لهم ان هذا الثقفي قطعني عن رأيي منذ اربعة أيام . وذاك اني هممت ان أخرج في جريدة من الخيل حتى القى هذا


( 162 )

الجيش المقبل من الشام . وأرجو أن أصادف غرتهم قبل أن يحذروا وكنت ألقاهم منقطعين عن المصر ليس عليهم امير كالحجاج يستندون اليه . ولا لهم مصر كالكوفة يعتصمون به . وقد جاءني عيون ان اوائلهم قد دخلوا عين التمر . فهم الآن قد شارفوا الكوفة وجاءني أيضاً عيون من نحو عتاب انه نزل بحمام أعين بجماعة أهل الكوفة واهل البصرة فما اقرب ما بيننا وبينهم فتيسروا بنا للمسير الى عتاب وكان عتاب حينئذ قد أخرج معه خمسين الفاً من المقاتلة وهددهم الحجاج ان هربوا كعادة اهل الكوفة .وعرض شبيب أصحابه بالمدائن فكانوا الف رجل فخطبهم . وقال يا معشر المسلمين ان الله عز وجل كان ينصركم وأنتم مائة ومائتان . واليوم والنتم مئون الا واني مصلي الظهر . ثم سائر بكم ان شاء الله . فصلى الظهر . ثم نادى في الناس فتخلف عنه بعضهم . قال فروة بن لقيط . فلما جاز ساباط ونزلنا معه قص علينا . وذكرنا بأيام الله . وزهدنا في الدنيا ورغبنا في الآخرة . ثم أذن مؤذنه فصلى بنا العصر . ثم أقبل حتى اشرف على عتاب بن ورقاء فلما رأى جيش عتاب نزل من ساعته وأمر مؤذنه فأذن ثم تقدم فصلى بأصحابه صلاة المغرب وخرج عتبا بالناس كلهم فعبأهم . وكان قد خندق على نفسه مذ يوم نزل وجعل على ميمنته محمد بن سعيد بن قيس الهمداني . قال له يا ابن اخي انك شريف فاصبر


( 163 )

وصابر . فقال اما انا فوالله لاقاتلن ما ثبت معي انسان . وقال لقبيصة بن والق الثعلبي اكفني الميسرة فقال أنا شيخ كبير غايتي ان أثبت تحت رايتي أما تراني لا استطيع القيام الا أقام وأخي نعيم بن عليم . ذو عناء فابعثه على الميسرة فبعثه عليها . وبعث حنظلة بن الحارث الرياحي ابن عمه وشيخ اهل بيته على الرجالة وبعث معه ثلاثة صفوف فيه الرجالة ومعهم السيوف . وصف هم اصحاب الرماح . وصف فيه المرامية . ثم سار عتاب بين الميمنة والميسرة يمر براية فيحرض من تحتها على الصبر . ومن كلامه يومئذ ان اعظم الناس نصيباً من الجنة الشهداء وليس الله لاحد أمقت منه لأهل البغي الا ترون عدوكم هذا يستعرض المسلمين بسيفه لا يرى ذلك الا قربة لهم فهم شرار أهل الارض وكلاب اهل النار . فلم يجبه أحد فقال اين القصاص يقصون على الناس ويحرضونهم فلم يتكلم أحد . فقال اين من يروي شعر عنترة فتحرك الناس فلم يجبه أحد ولا رد عليه كلمة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله . والله لكأني بكم وقد تفرقتم عن عتاب وتركتموه يسفي في استه الريح . ثم أقبل حتى جلس في القلب . ومعه زهرة بن جوية وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث . وأقبل شبيب في ستمائة . وقد تخلف عنه من الناس فبعث سويد بن سليم في مائتين الى الميسرة . وبعث المجلل بن وائل في مائتين


( 164 )

الى القلب ومضى هو في مائتين الى الميمنة . وذلك بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر . فناداهم فمن هذه الرايات ؟ قالوا رايات همدان . فقال : رايات طالما نصرت الحق وطالما نصرت الباطل . لها في كل نصيب انا أبو المذلة اثبتوا ان شئتم . ثم حمل عليهم وهم على مسناة امام الخندق ففضهم . وثبت أصحاب رايات قبيصة بن والق . فجاء شبيب فوقف عليه . وقال لأصحابه مثل هذا قوله تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتينا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) ثم حمل على الميسرة ففضها وصمد نحو القلب . وعتاب جالس على طنفسة هو وزهرة بن جوية فغشيهم شبيب فانفض الناس عن عتاب وتركوه . فقال عتاب يا زهرة هذا يوم كثر في العدد وقل فيه الغناء . لهفي على خمسمائة فارس من وجوه الناس الا صابر لعدوه . الا مواس بنفسه فمضى الناس على وجوههم . فلما دنا شبيب وثب اليه في عصابة قليلة صبرت معه . فقال له بعضهم ان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قد هرب وانصفق معه ناس كثير . فقال اما انه قد فر قبل اليوم . وما رأيت مثل ذلك الفتى ما يبالي ما صنع . ثم قاتلهم ساعة . وهو يقول ما رأيت كليوم قط موطناً لم ابل بمثله أقل ناصراً ولا أكثر هارباً خاذلاً . فرآه رجل من بني تغلب من أصحاب شبيب . وكان أصاب دماً في قومه والتحق بشبيب فقال اني


( 165 )

لأظن هذا المتكلم عتاب بن ورقاء . فحمل عليه فطعنه فوقع وقتل ووطأت الخيل زهرة بن جوية فأخذ يذبب بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع ان ينهض فجاءه الفضل بن عامر الشيباني فقتله وانتهى اليه شبيب فوجده صريعاً فعرفه . فقال من قتل هذا ؟ قال الفضل أنا قتلته . فقال شبيب هذا زهرة بن جوبة أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة . لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك ولرب خيل للمشركين هزمتها وسرية لهم ذعرتها ومدينة لهم فتحتها . ثم كان في علم الله ان تقتل ناصراً للظالمين . وقتل يومئذ وجوه العرب من عسكر العراق في المعركة . واستمكن شبيب من اهل العسكر . فقال ارفعوا عنهم السيف . ودعاهم الى البيعة فبايعه الناس عامة من ساعتهم واحتوى على جميع ما في العسكر وبعث الى اخيه وهو بالمدائن فأتاه بموضع المعركة يومين . ودخل سفيان بن الابرد الكلبي وحبيب بن عبد الرحمن فيمن معهما الى الكوفة فشدوا ظهر الحجاج واستغنى بهم عن أهل العراق ووصلته اخبار عتاب وعسكره فصعد المنبر . فقال يا أهل الكوفة لا اعز الله من اراد بكم العز ولا نصر من اراد منكم النصر اخرجوا عنا فلا تشهدوا معنا قتال عدونا والحقوا بالحيرة فانزلوا مع اليهود والنصارى ولا يقاتلن معنا الى من لم يشهد قتال عتاب بن ورقاء ، قال ارباب التاريخ . وقصد شبيب بن يزيد يريد الكوفة فانتهى


( 166 )

الى سوراء فقال لأصحابه أيكم يأتيني برأس عاملها فانتدب اليه خمسة من أصحابه فمضوا وقتلوه وجاؤا برأسه فبلغ الحجاج ذلك . فقال سيفان بن الأبرد للحجاج ابعثني الى شبيب استقبله قبل ان يرد الكوفة . فقال لا ما أحب أن نفترق حتى ألقاه في جماعتكم والكوفة في ظهرنا . قال واقبل شيب حتى نزل حمام اعين ودعا الحجاج الحرث بن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي فوجهه في ناس لم يكونوا شهدوا يوم عتاب فخرج في ألف رجل حتى انتهى الى شبيب ليدفعه عن الكوفة فلما رآه شبيب حمل عليه فقتله وفل أصحابه فجاؤا حتى دخلوا الكوفة . وبعث شبيب البطين في عشرة فوارس يرتادون له منزلاً على شاطىء الفرات في دار الرزق . فوجه الحجاج حوشب بن يزيد في جمع من أهل الكوفة فأخذوا بأفواه السكك فقاتلهم البطين فلم يقو عليهم فبعث الى شبيب فأمده بفوارس من اصحابه فعقروا فرس حوشب وهزموه فنجا بنفسه ومضى البطين الى دار الرزق في أصحابه . ونزل شبيب بها ولم يوجه الحجاج أحداً حتى ابتنى مسجداً في أقصى السبخة واقام ثلاثا لم يوجه اليه الحجاج أحداً ولا يخرج اليه من أهل الكوفة ولا من أهل الشام أحد وكانت امرأته غزالة نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران : فجاء شبيب مع امرأته حتى أوفت بنذرها في المسجد وأشير على


( 167 )

الحجاج أن يخرج بنفسه إليه . فقال لقتيبة بن مسلم اني خارج فاخرج أنت فارتد لي معسكراً فخرج وعاد . فقال وجدت المدى سهلاً . فسر أيها الأمير على اسم الله والطائر الميمون . فخرج الحجاج بنفسه ومر على مكان فيه كناسة وأقذار فقال القوا لي هنا بساطاً . فقيل له ان الموضع قذر . فقال ما تدعوني اليه أقذر الارض تحته طيبة والسماء فوقه طيبة ووقف هناك وأخرج مولى له يعرف بأبي الورد وعليه تجافيف وأحاط به غلمان كثير . وقيل هذا الحجاج فحمل عليه شبيب فقتله . وقال ان يكن الحجاج فقد أرحت الناس منه ودلف الحجاج نحوه حينئذ وعلى ميمنته مطرف بن ناجية وعلى ميسرته خالد بن عتاب بن ورقاء وهو في زهاء أربعة آلاف . فقيل له أيها الأمير لا تعرف شبيباً بمكانك فتنكر وأخفى مكانه وتشبه به مولى آخر للحجاج في هيئته وزيه . فحمل عليه شبيب فضربه بالعمود فقتله . ويقال انه قال لما سقط أخ بالخاء المعجمة . فقال شبيب قاتل الله بن أم الحجاج اتقى الموت بالعبيد . وذلك ان العرب تقول عند التاؤه بالحاء المهملة ـ ثم تشبه بالحجاج أعين صاحب حمام أعين ولبس لبسته . فحمل عليه شبيب فقتله . فقال الحجاج علي بالبغل لأركبه فأتى ببغل محجل : وقيل أيها الأمير أصلحك الله أن الأعاجم كانت تتطير أن تركب مثل هذا البغل في مثل هذا اليوم . فقال ادنوه مني فانه أعز


( 168 )

محجل . فركبه وسار في الناس يمينا وشمالاً . ثم قال اطرحوا لي عباءة فطرحت له فنزل فجلس عليها ، ثم قال ائتوني بكرسي فأتي به فجلس عليه ثم نادى اهل الشام . فقال أهل الشام يا أهل السمع والطاعة لا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم غضوا الأبصار واجثوا على الركب واستقبلوا القوم بأطراف الأسنة فجثوا على الركب وكأنهم حرة سوداء ومنذ هذا الوقت ركدت ريح شبيب وأذن الله تعالى في أدبار أمره وانقضاء إيامه . فاقبل حتى إذا دنا من أهل الشام عبىء أصحابه ثلاثة كراديس معه وكتيبة مع سويد بن سليم وكتيبة مع المجلل بن وائل . وقال لسويد احمل عليهم في خيللك فحمل عليهم فثبتوا له حتى اذا غشي أطراف أسنتهم فوثبوا في وجهه فقاتلهم طويلاً فصبروا له ثم طاعنوه قدماً قدما حتى الحقوه بأصحابه . فلما رأى شبيب صبرهم نادى يا سويد احمل في خيلك في هذه الرايات الأخرى لعلك تزيل أهلها فتأتي من ورائه ونحمل نحن عليه من أمامه . فحمل سويد على تلك الرايات وهي بين جدران الكوفة فرمى بالحجارة من سطوح البيوت ومن أفواه السكك فانصرف ولم يظفر . ورماه عروة بن المغيرة بن شعبة بالسهام وقد كان الحجاج جعله في ثلثمائة رام من أهل الشام رداً له كي لا يؤتى من ورائه . فصاح شبيب في أصحابه يا أهل الإسلام انما شريتم لله ومن


( 169 )

يكن شراؤه لله لم يضره ما أصابه من ألم وأذى لله ابوكم الصبر الصبر شدة كشداتكم الكريمة في مواطنكم المشهورة . فشدوا شدة عظيمة فلم يزل أهل الشام عن مراكزهم . فقال شبيب الأرض دبوا دبيباً تحت تراسكم حتى إذا صارت أسنة أصحاب الحجاج فوقها فادلفوها صمداً وأدخلوا تحتها واضربوا سوقهم وأقدامهم وهي الهزمية باذن الله فأقبلوا يدبون دبيباً تحت الجحف صمداً صمدا نحو أصحاب الحجاج . فقال خالد بن عتاب بن ورقاء أيها الأمير أنا موتور ولا أتهم في نصيحتي فأذن لي حتى آتيهم من ورائهم فأغير على معسكرهم وثقلهم . فقال افعل ذلك فخرج في جمع من موالية وشاكرية وبني عمه حتى صار من ورائهم . فالتقى بمضاد أخي شبيب فقتله وقتل غزالة امرأه شبيب وألقى النار في معسكرهم والتفت شبيب والحجاج فشاهدا النار . فأما الحجاج فكبر وكبر أصحابه . وأما شبيب فوثب هو وكل راجل من أصحابه على خيولهم مرعوبين . فقال الحجاج لأصحابه شدوا عليهم فقد أتاهم ما أرعبهم فشدوا عليهم فهزموهم . وتخلف شبيب في خاصة الناس حتى خرج من الجسر وتبعه خيل الحجاج وغشيه النعاس فجعل يخفق برأسه والخيل تطلبه . قال أرباب التاريخ لما فل عسكر شبيب بالكوفة وقتل أخوه مضاد وزوجته غزالة . مضى ببقية من معه حتى قطعوا جسر


( 170 )

المدائن فدخلوا ديراً هناك هذا وخالد بن عتاب يقفوهم فحصرهم في الدير فخرج شبيب اليه فهزمه وأصحابه نحواً في فرسخين حتى ألقى خالد نفسه في دجلة هو وأصحابه بخيولهم فمر به شبيب فرآه في دجلة ولواؤه في يده فقال قاتله الله فارساً وقتل فرسه . هذا فارس أشد الناس قوة وفرسه أقوى فرس في الارض وانصرف . فقيل له بعد انصرافه ان الفارس الذي رأيت هو خالد بن عتباً بن ورقاء . فقال معرق في الشجاعة لو علمت به لأقحمت خلفه ولو دخل النار . ثم دخل الكوفة بعد هزيمة شبيب فصعد المنبر . وقال والله ما قوتل شبيب قط قبل اليوم وولى هارباً وترك امرأته تكسر في استها القصب . ثم دعا حبيب ، عبد الرحمن فبعثه في أثره في ثلاثة آلاف من أهل الشام . وقال احذر بياته وحيثما لقيته فنازله فان الله تعالى قد فل حده وقصم نابه . فخرج حبيب في أثره حتى نزل الأنبار . وبعث الحجاج الى العمال أن دسوا الى اصحاب شبيب من جاءنا منكم آمن . فكان كل من ليست له بصيرة في دين الخوارج ممن هزه القتال وكره ذلك اليوم يجبىء فيؤمن . وقبل ذلككان الحجاج نادى يوم هزيمة شبيب من جاءنا فهو آمن فتفرق عن شبيب ناس كثير من اصحابه . وبلغ شبيباً منزل حبيب بن عبد الرحمن بالأنبار فأقبل بأصحابه حتى دنا منه . فقال يزيد السكسكي كنت مع أهل الشام بالأنبار ليلة جاءنا


( 171 )

شبيب . فبيتنا فلما أمسينا جمعنا حبيب بن عبد الرحمن فجعلنا أرباعاً . وجعل على كل ربع اميراً . وقال لنا ليحم كل ربع منكم جانبه . فان قتل هذا الربع فلا يعنهم الربع الآخر . فانه . بلغني ان الخوارج منكم قريب فوطنوا أنفسكم على أنكم مبيتون فمقاتلون . قال فما زلنا على عتبيتنا حتى جاءنا شبيب . تلك الليلة فبيتنا فشد على ربع منا فصابرهم طويلاً فما زالت قدم انسان منهم . ثم تركهم وأقبل الى ربع آخر فقاتلهم طويلاً فلم يظفر بشيء . ثم طاف بنا حتى قلنا لا يفارقنا ثم ترجل فنازلنا راجلاً نزالاً طويلاً هو وأصحابه . فسقطت والله بيننا وبينهم الأيدي والأرجل وفقئت الأعين وكثرت القتلى فقتلنا منهم نحو ثلاثين وقتلوا منا نحو مائة وأيم الله لو كانوا أكثر من مائتي رجل لأهلكونا . ثم فارقونا وقد مللناهم وملونا وكرهناهم وكرهونا . ولقد رأيت الرجل منا يضرب الرجل منهم بالسيف فما يضره من الأعياء والضعف . ولقد رأيت الرجل منا يقاتل جالساً ينفخ بسيفه ما يستطيع أن يقوم من الاعياء والبهر . حتى ركب شبيب وقال لأصحابه الذين معه اركبوا وتوجه بهم من منصرفاً يجوز الفيافي حتى لحق بكرمان .