( فتكهم بمحمد بن هرون بن المعمر )
ذكر ابن الاثير أن رجلاً من اصحاب مساور الشاري وافق محمد بن هارون بن المعمر . وهو يريد سامراء فقتله وحمل رأسه الى مساور فطلبت ربيعة بثأره .
( فتكهم بالنساء )
ذكر أرباب التاريخ أن الخوارج قتلوا زوجة عبدالله بن خباب فبقروا بطنها وذبحوا جنينها (1) ثم قتلوا ام سنان الصيداوية وثلاثاً من النساء وذلك قبل وقعة النهروان بقليل ، وقتلوا ام حفص . ابنة المنذر بن الجارود العبدي زوجة عبد العزيز بن عبدالله بن اسيد قتلها ابو الحديد العبدي (2) .
قال ابن الأثير في حوادث سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة . كان جيش ابي يزيد الخارجي . قد هجم في الليل على رجل من أهل القيروان وأخذ ماله وثلاث بنات ابكار . فلما أصبح واجتمع الناس لصلاة الصبح قام الرجل في الجامع وصاح وذكر ما حل به فقام الناس معه وصاحوا فاجتمع الخلق العظيم . ووصلوا الى ابي يزيد فاسمعوه كلاماً غليظاً
____________
(1) انظر ، ص41 .
(2) انظر ، ص70 .
( 231 )
فاعتذر اليهم ولطف بهم وأمر برد البنات . فلما انصرفوا وجدوا في طريقهم رجلاً مقتولاً فسألوا عنه فقيل ان فضل بن ابي يزيد قتله وأخذ امرأته وكانت جميلة فحمل الناس المقتول الى الجامع وقالوا لا طاعة الا للقائم ، وجيء اليه بسبي من أهل تونس وهم عنده فوثبوا اليهم وخلصوهم ، وكانت الحروب بين القائم وابي يزيد سنين عديدة . وبعد وفاة القائم قام بالأمر ابنه المنصور فتغلب على ابي يزيد بعد حروب وقتال بين الطرفين . وهلك أبا يزيد ، وقتل من بعده ابنه فضل كما ذكرناه .
( 232 )
( الخوارج وفرقهم )
افترقت الخوارج خمس وعشرون فرقة ، وكل هذه الفرق متفقة على أمرين لا مزيد عليهما في الكفر والبدعة .
احدهما : انهم يزعمون ان علياً ، وعثمان ، وعائشة ، وطلحة والزبير ومن رضي بالحكمين وعمرو بن العاص ، وابي موسى الأشعري ، ومعاوية وأتباعه كفروا كلهم .
والثاني : يعتقدون ان كل من أذنب ذنباً من المسلمين فهو كافر ، ويخلد من النار ، وشذت فرقة منهم وهم النجدات فانهم قالوا : ان الفاسق كافر على معنى انه كافر نعمة ربه ، فيكون اطلاق هذه التسمية عند هؤلاء منهم على معنى الكفران لا على معنى الكفر ؛ ومما يجمع أيضاً تجويزهم الخروج على الإمام الجائر . والكفر لا محالة لازم لتكفير الصحابة ، وهناك اصحاب مقالاة ومعتقدات اكثرها كفر والحاد عصمنا الله من الزلل ، وحفظنا من
( 233 )
المروق عن الدين ، والإنشقاق عن صفوف المسلمين ، وجعلنا ممن يهتدى بهدي خاتم المرسلين انه سميع مجيب .
المروق عن الدين ، والإنشقاق عن صفوف المسلمين ، وجعلنا ممن يهتدى بهدي خاتم المرسلين انه سميع مجيب .
« المحكمة » : أول من قال منهم ـ لا حكم إلا لله ـ عروة بن حدير (1) اخو مرداس الخارجي ـ ابي بلال ـ ، فسمع من كان من أهل جباه السود هذه الكلمة ، فتعلقوا بهذه الشبهة فسموا المحكمة ، وخرجوا الى ـ حروراء ـ وكان فيها اجتماعهم واظهارهم العداء لعلي (ع) فسموا ـ الحرورية ـ .
« الازارقة » وهم اتباع . نافع بن الأزرق . ابو راشد الحنفي (2) وهم اكثر الخوارج عدداً . وأشدهم شوكة . واعظمهم عصبية . فارقوا المحكمة . لقولهم كل من خالفهم من هذه الأمة فهو مشرك . بخلاف المحكمة . فانهم كانوا يقولون كل من خالفهم كافر ، وتزعم الأزارقة من
____________
(1) وقيل اول من قال ـ لا حكم إلا الله ـ في صفين هو يزيد بن عاصم المحاربي كلمة حق يراد بها باطل . وقيل ان الذي قالها رجل من بني يشكر ، كان مع أصحاب علي يومئذ .
(2) ذكر المبرد في كامله . أنه اعتزل الحرب يوم النهروان فضللته الخوراج .
( 234 )
لم يهاجر الى ديارهم فهو مشرك . وان وافقهم في مذهبهم ، وكان من عاداتهم فيمن هاجر اليهم أن يمنحوه بأن يسلموا اليه أسيراً من اسراء مخالفيهم . وأطفالهم ويأمروه بقتله ، ويزعمون أن أطفال مخالفيهم مشركون يخلدون في النار ، ويزعمون أنّ ديار مخالفيهم ديار كفر ، وأنّ قتل نسائهم وأطفالهم مباح ، وإنّ رد أماناتهم لا تجب ، ويزعمون ان الرجم لا يجب على الزاني المحصن ، خلافاً لا جماع المسلمين ، وقالوا انّ من قذف رجلاً محصناً فلا حد عليه ، ومن قذف امراة محصنة فعليه الحد وقالوا ان سارق القليل يجب عليه القطع .
« النجدات » اتباع ـ نجدة بن عامر الحنفي ـ فمن قولهم ان من يقول بمقالة نافع فهو كافر ، ثم افترق هؤلاء ثلاث فرق ، وخرجوا على نجدة .
« العطوية » اتباع عطية بن الأسود الحنفي ، كان عطية هذا من اصحاب نجدة أرسله الى سجستان فأظهر مذهبه بمرو منابذاً لنجدة فعرفت اتباعه بالعطوية .
« الفديكية » اتباع ـ ابو فديك ـ كان ابو فديك من أصحاب نجدة فانقلب على نجدة لأنه أخذ عليه أشياء . منها انه بعث جنداً للغزو ، في البر وجنداً في البحر ، ثم فضل في العطاء من بعثه في البحر فأنكر عليه ذلك . وقال
( 235 )
لم يكن من حقه ان يفضل هؤلاء فتبعه جماعة وسموا الفديكية .
« الصفرية » اتباع زياد بن الأصفر ـ وقولهم كقول الأزارقة في فساق هذه الامة ولكنهم لا يبيحون قتل نساء مخالفيهم ولا أطفالهم وقالت طائفة منهم : كل ذنب له حد معلوم في الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركاً . ولا كافراً ، بل يدعى باسمه المشتق من جريمته يقال سارق ، وقاتل ، وقاذف ، وكل ذنب ليس فيه حد معلوم في الشريعة . مثل الاعراض عن الصلاة فمرتكبه كافر ، ولا يسمون مرتكب واحد من هذين النوعين جميعاً مؤمناً ، وقال فريق منهم . ان المذنب لا يكون كافراً الى أن يحده الوالي ويحكم بكفره ، وكان هذه الفرق الثلاث تدعى بامامة ـ مرداس ـ ابي بلال الخارجي ، وبعده قالت بإمامة ـ عمران بن حطان ـ الخبيث .
« العجاردة » اتباع عبد الكريم بن عجرد ـ وكان من اتباع عطية بن الأسود الحنفي ، وقولهم ان كل طفل بلغ فانه يدعى الى ان يقر بدين الاسلام ، وقبل ان يبلغ يتبرؤن منه ، ولا يحكمون له بحكم الإسلام في حالة طفوليته .
« الخازمية » كانوا يقولون بتكفير القدرية ، ووافقوا أهل السنة في القدر والاستطاعة والمشيئة ، فيقولون لا خالق الا
( 236 )
الله ولا يكون الا ما يريد . غير أنهم يكفرون . عثمان بن عفان . وعلي بن ابي طالب (ع) والحكمين .
« الشعيبية » اتباع ـ محمد بن شعيب ـ يروى ان محمد بن شعيب نازع رجلاً من الخوارج يقال له ميمون ، وكان على شعيب نازع رجلاً من الخوارج يقال له ميمون ، وكان على شعيب مال فطالب به شعيباً ، فقال شعيب أؤديه اليك ان شاء الله تعالى . فقال ميمون الآن شاء الله ذلك ألا تراه قد أمر به . فقال شعيب : لو كان الله شاء لم اقدر على مخالفته . فظهر بسبب ذلك الخلاف بيت العجاردة في مسألة المشيئة . فكتبوا هذه القصة الى عبد الكريم بن عجرد ، وهو محبوس في حبس السلطان فكتب في جوابه . نحن نقول ما شاء الله كان . وما لم يشأ لم يكن ، ولا نلحق به سوءاً . وقال ميمون : من قال انه لم يرد ان يؤدي الي حقي فقد الحق به سوءاً ، وقال شعيب : بل وافقني في الجواب . ألا تراه يقول : وما لم يشأ لم يكن ، ورجع الخازمية الى قول شعيب ، والحمزية منهم الى قول ميمون القدري ، وميمون هذا كان يجوز نكاح بنات البنين ، وبنات البنات وبنات الأخوة . وهذا خلاف اجماع المسلمين . وهذا منه كفر زاده على قوله بالقدر ، والارادة ، وكان ينكر سورة يوسف ويقول انها ليست من القرآن .
« الخلفية » وهم اتباع ـ خلف ـ وكان من اتباع ميمون
( 237 )
القدري ثم رجع عن قوله وتبع مذهب اهل السنة في باب القدر والمشيئة والاستطاعة فبايعه خوراج كرمان على ذلك ، وكان حمزة الخارجي يحاربهم حتى فني في حروبهم خلق كثير وقالوا بمقالة الأزارقة . في قولهم ان أطفال مخالفيهم يكونون في النار .
« المعلومية » و ...
« المجهولية » والفريقان من جملة الخازمية ، ثم ان المعلومية . خالفوهم وزعموا ان من لم يعلم الله بجميع اسمائه فهو جاهل به . والجاهل به كافر ، وزعموا ان من كان على دينهم . وخرج على اعدائه بالسيف فهو الامام ، والمجهولية يقولون . من عرف الله ببعض اسمائه يكون عالماً به ، ولا يشترطون معرفة جميع اسمائه ، ويكفرون المعلومية بهذا السبب .
« الصلتية » ابتاع صلت بن عثمان ، وقيل صلت بن ابي الصلت وقال : المقريزي ـ عثمان بن ابي الصلت ـ وهؤلاء كانوا يقولون انا نوالي كل من كان على مذهبنا . ولكنا نتبرأ عن أطفالهم الى أن يبلغوا ونعرض عليهم الاسلام فيقبلوه ـ يريدون عرض مذهبهم وقبوله .
« الحمزية » وهم اصحاب حمزة الخارجي . القدري . الذي خرج في عهد الرشيد بخراسان ، فانه جمع بين
( 238 )
البدعتين الخروج . والقدر . وكان الى عهد المأمون ، وقد ظهر فساده في جميع بلاد خراسان . وكرمان ومكران . وقهستان . وكان قبلاً على مذهب الخازمية . ثم خالفهم في القدر . والاستطاعة . ورجع الى قول القدرية . وكان يزعم ان مخالفيهم من هذه الأمة مشركون . وان غنائمهم لا تحل لنا . وكان يأمر باحراق الغنائم . وعقر دواب مخالفيهم الى ان قتله جماعة من أهل نيسابور .
« الثعالبة » أصحاب ـ ثعلبة بن مسكان ، وذكره الشهرستاني ثعلبة بن عامر ، وهذه الفرقة كانت تقول بامامة عبد الكريم بن عجرد وصارت تكفره بعد ذلك .
« المعبدية » كانت هذه الفرقة تقول بامامة ـ معبد بن ثعلبة والثعالبة كانت تكفر معبد ، حيث خالف امام الثعالبة . بان قال : يجوز أخذ الزكاة من العبيد . ويجوز دفعها اليهم ، وزعم بأن كل من لم يوافقه بهذه المقالة كافر .
« الاخنسية » هم أصحاب اخنس بن قيس ، وكان من اتباع الثعالبة اولاً . في موالاة الأطفال ، ثم خنس من بينهم ؛ وزعم انه يجب التوقف في جميع من كان في دار التقية الامن عرفنا منه نوعاً من الكفر فحينئذ نتبرأ عنه ، ومن عرفنا منه الايمان فنواليه ، وكان يقول : ان قتل مخالفيهم
( 239 )
في السر لا يجوز ، ولا يجوز ابتداء أحد من أهل القبلة بالقتال حتى يدعوه أولاً الى مذهبهم .
« الشيبانية » أصحاب شيبان بن سلمة الخارجي . الذي ساعد أبا مسلم الخراساني في نهضته ضد الأمويين . وكان يذهب الى مذهب المشبهة وكذلك ساير الثعالبة ، ثم خالفهم . وقال : كل زرع يسقى بنهر ، أو عين ففيه نصف الشعر . وقال : كل زرع سقى بالسماء ففيه عشر كامل .
« المكرمية » هؤلاء اتباع اب مكرم ابن عبدالله العجلي . كان يقول من ترك الصلاة فقد كفر لا لانه ترك الصلاة ولكن لانه يكون جاهلاً بالله تعالى . وكان يقول ان المذنبين كلهم جاهلون بالله وكان يقول ان الاعتبار بما سبق في كتاب الله .
« الاباضية » وهم أتباع عبدالله بن اباض ، قال ابن قتيبة . انه من بني مرة بن عبيد من بني تميم ، وهؤلاء الاباضية . تفرقوا الى فرق عديدة . وكل فرقهم تقول بهذه المقالة . ان كل من خالفهم من فرق هذه الأمة كفار . لا مشركون ولا مؤمنون ، ويجوزون شهادتهم ويحرمون دماءهم سراً . ويستبيحونها علانية ، ويجوزون مناكحتهم ويثبتون التوارث بينهم ، ويحرمون بعض غنائهم ويحللون بعضها ، يحللون ما كان من جملة الاسلاب والسلاح ،
( 240 )
ويحرمون ما كان من ذهب او فضة ويردونها الى اربابها ، وعلى هذا قال : شاعرهم العماني (1) .
نبرأ ممن قد عصى مولاه * ما لم يتب عن الذي أتاه
وهكـذا نبرأ ممن بـريا * منا برأي فافهمن ما عنيا
لانه بـذاك عـاص آثم * وهـو به مخالف مراغم
فعلى هذا أن الاباضية تتبرأ من كل المسلمين . كذلك المسلمون يتبرأون منهم لانهم مرقوا عن الدين واختلقوا لهم معتقدات وآراء مخالفة لقدسية الاسلام وحقيقته .
« اليزيدية » : يقال لهم يزيدية الخوارج اتباع يزيد الخارجي (2) وكان من البصرة . ثم رجع الى كور فارس . وكان على رأي الاباضية من الخوارج وكان يقول : ان الله تعالى يبعث رسولاً من العجم ، وينزل عليه كتاباً ينسخ به شريعة محمد (ص) وكان يقول اتباعه يكونون في الصابئة المذكورة في القرآن .
____________
(1) عبد بن حميد بن سلوم السالمي المتوفي سنة 1332 هـ في كتابه جوهر النظام ج1 ، ص16 .
(2) هذا في كتب الملل . لكن الصواب زيد بن ابي انيسة من رؤوس الخوارج ، وقال ابن حزم هو غير زيد بن ابي انيسة .
( 241 )
« الحفصية » طائفة من الاباضية ، تبعوا حفص بن ابي المقدام الذي كان يقول : ليس بين الكفر والايمان الا معرفة الله ـ فمن عرفه فهو مؤمن ، وان كان كافراً بالرسول وبالجنة والنار ، واستحل جميع المحرمات كالقتل والزنا واللواط والسرقة . وفهو كافر ولكنه بريء من الشرك ، وهؤلاء يقولون في عثمان . كما تقول الروافض في ابي بكر وعمر . ويقولون في عثمان . كما تقول الروافض في ابي بكر وعمر . ويقولون في علي نزل قوله تعالى : (
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) (1) وفي عبد الرحمن بن ملجم قوله تعالى : (
ومن الناس من يشري نفسه البتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد ) (2) فهذه الأشياء ظاهرة من بدعهم ولاعبهم في الدين والكتاب .
« الحارثية » اتباع الحارث بن مزيد الاباضي ، كانوا يقولون بقول القدرية في القدر والاستطاعة ، وسائر الأباضية كانوا يكفرونهم بسبب ذلك .
« ابراهيمية » ليس لهم شيء يذكر الا أن أصحابهم كفروهم لتوقفهم عن تكفير ميمون .
____________
(1) (2) سورة البقرة .
( 242 )
« ميمونية » كفرهم أصحابهم وذلك لبيع جارية له ، وقالوا كفر ميمون .
« واقفية » : كفرهم اصحابهم لتوقفهم عن تكفير ميمون .
« البهيسية » : وهم أصحاب ابي بهيس ، هيصم بن عامر كانوا يقولون لا يطلق على المذنب كافر ولا مؤمن حتى يدفع الى السلطان . ويقيم عليه الحد . وقال بعضهم متى ما كفر الامام كفرت رعيته ايضاً ، وقال قوم منهم ان السكر كفر وترك الصلاة كفر .
« الصالحية » اتباع صالح بن مسرح التميم الخارجي ، قتله الحارث بن عميرة أحد قواد الحجاج سنة 76 .
« الشبيبية » اتباع شبيب بن يزيد الشيباني ، كان من قواد صالح بن مسرح ، وكان كنيته ابو الصحارى : وكان شبيب من أصحاب صالح وخالفه في تجويز امامة النساء . اذا قمن بأمر الرعية كما ينبغي وخرجن على مخالفيهم ، وتبعه جماعة فانتسبوا اليه . وكانوا يقولون ان غزالة أم شبيب كانت هي الامام بعد شبيب الى ان قتلت ، لأن شبيب أمر امه فصعدت على منبر الكوفة وخطب وبايعوها بعد قتل ابنها .
( 243 )
( الخوارج ومعتقداتهم )
ان للخوارج معتقدات . تخالف معتقدات السنة والشيعة وبحيث يعتقدون بأشياء يضمرونها ولا يظهرونها ، وانا نرى حرصهم على كتبهم أشد الحرص فيعسر على المؤلف أن يقف على معتقداتهم لندارة كتبهم . اذا كانت هناك لهم مؤلفات ، وها هي مكتبات المسلمين عارية عن أي مؤلف يمت بالخوارج .
أما المعتقدات التي نذكرها فهي ما وقف عليها سلفنا الصالح ودونوها في مؤلفاتهم . منها :
أنهم يكفرون عائشة ، وطلحة ، والزبير ، بمقاتلتهم علياً (1) ويزعمون ان أصحاب الجمل مخلدون في النار مع الكفار (2) وكان على (ع) يومئذ على الحق ولكنه كفر بعد ذلك (3) .
____________
(1) التبصر في الدين . للاسفراييني ص41 :
(2) (3) التبصر في الدين ، 40 ، 41 .
( 244 )
وجاء واصل بن عطاء (1) . مخالفاً لهذين القولين قال : ان الفاسق لا مؤمن ولا كافر . وانه في منزلة بين المنزلتين ، وحكمهم . اي اصحاب الجمل ـ انهم مخلدون في النار مع الكفار . وان من خرج منهم من الدنيا . قبل أن يتوب لم يجز لله تعالى ان يغفر له . فخالف في هذا القول جميع المسلمين . واعتزل به دين المسلمين . فطرده الحسن البصري من مجلسه فاعتزل جانباً فسموا معتزلة . لا عتزالهم مجلسه . واعتزالهم قول المسلمين ، ولما أظهر واصل هذه البدعة واعتزل جانباً ووافقه عمرو بن عبيد على هذه البدعة ، ولم يقدرا على اظهار قولهما فلما عرف الناس من واصل قول بالقدر . وكانوا يكفرونه بالقول الأول للذي
____________
(1) واصل ابن عطاء الغزال . رأس المعتزلة . وهو أول من دعا الخلق الى بدعتهم ـ وذلك ان معبد الجهني . وغيلان الدمشقي كانا يضمران بدعة القدرية . ويخفيانها عن الناس ، ولما أن ظهراً ذلك في أيام الصحابة لم يتابعهما على ذلك أحد . وصاروا مهجورين بين الناس بذلك السبب الى ايام الحسن البصري ، وكان واصل في غرار القولين يختلف اليه الناس . وكان في السر يضمر اعتقاد معبد . وغيلان . وكان يقول بالقدر ، ومن قوله : لو شهد عندي رجلان من هذا العسكر ورجلان من ذلك العسكر يعني عسكر علي وعسكر أصحاب الجمل ـ لم اقبل ، فقيل لو شهد من هذا العسكر علي ، والحسن والحسين وابن عباس ، وعمار بن ياسر : رضي الله عنهم ، ومن ذلك العسكر عائشة . وطلحة . والزبير . هل تقبل شهادتهم ؟ فقال لو شهدوا جميعهم على باقة بقل لم اقبل .
( 245 )
ابتدعه في فساق اهل الملة كانوا يضربون به المثل ويقولون : مع كفره قدري ، فصار ذلك مثلاً سائراً بين الناس يضربونه لكل من جمع بين خصلتين . وكان قوله موافقاً لقول الخوارج في تخليد العصاة في النار مخالفاً لهم في القول بمنزلتين . والمعتزلة بعده تمكسوا بهذا القول ولهذا قيل يف المعتزلة أنهم مخانيث الخوارج . ونسبهم اسحق بن سويد الى الخوارج في شعره فقال :
برأت من الخوارج لست منهم * مـن العزال منهم وابـن باب
ومـن قـوم اذا ذكـروا علياً * يـردون السلام على السحاب
ويجوز عندهم أن الامام يكون غير معصوم :
ويجوزون عدم اعتبار النص على الامام من النبي (ص) او من إمام قبله .
ويجوزون أن يكون الإمام غير هاشمي .
وكانوا قبل خروجهم على علي بن أبي طالب ـ يعتقدون ان الخلافة لعلي بالنص والبرهان ، وبعد التحكيم انكروا نص النبي على علي (ع) بالخلافة ، وأنكروا امامة الحسن ، والحسين ، وأولاد الحسين ، بل صاروا يختارون لهم اماماً يرجعون اليه ، ويأتمون به . امثال شبيب وأمه غزالة وزوجته جهيزة .
( 246 )
ويكفرون علياً ، وعثمان ، وعائشة ، وطلحة ، والزبير . يخرجونهم بكفرهم الذي اعتقدوه فيهم عن الإيمان ، الا فرقة النجدات منهم ، كانوا يقولون ان الفاسق كافر على معنى انه كافر نعمة ربه .
وزعموا : ان من جاء باحدى الكبائر ، خارج عن الاسلام بما فعله من الكبائر والآثام ، وانه فاسق ليس بمؤمن ولا مسلم .
وزعموا ان كل مسلم مؤمن ، وانه لا فرق بين الاسلام والايمان في الدين .
وكانوا يجوزون الخورج على الامام الجائر حتى اليوم .
ذكر ابن حزم الظاهري في كتابه الفصل (1) في فصل شنع الخوارج ، قال :
الاباضية : كان رئيسهم زيد بن ابي أبيسة . كان يقول ان في هذه الأمة شاهدين عليها هو أحدهما والآخر لا يدري من هو ولا متى هو ولا يدري لعله قد كان قبله . وان من اليهود والنصارى يقول لا إله الا الله محمد رسول الله الى
____________
(1) الفصل في الملل والاهواء والنحل ج4 ص188 : المطبعة الأدبية بمصر .
( 247 )
العرب لا الينا كما تقول العيسوية من اليهود . قال : فانهم مؤمنون . أولياء الله تعالى وان ماتوا على هذا العقد وعلى التزام شرائع اليهود والنصارى . وان دين الإسلام سينسخ بنبي من العجم يأتي بدين الصابئين وبقرآن آخر ينزل عليه جملة واحدة ، قال ابو محمد الا ان جميع الاباضية يكفرون من قال بشيء من هذه المقالات ويبرؤن منه ويستحلون دمه وماله . وقالت طائفة من أصحاب الحرث الاباضي ان من زنى أو سرق أو قذف فانه يقام عليه عليه الحد ثم يستتاب مما فعل فان تاب ترك وان ابى التوبة قتل على الردة .
قال : ويوجبون القضاء على من نام نهاراً في رمضان فاحتلم ويتيممون وهم على الأبار التي يشربون منها الا قليلاً منهم .
قال : ابو اسماعيل البطيحي وأصحابه . وهم من الخوارج ان لا صلاة واجبة الا ركعة واحدة بالغداة . وركعة اخرى بالعشي فقط . ولا يرون الحج في جميع شهور السنة ويحرمون أكل السمك حتى يذبح ولا يرون اخذ الجزية من المجوس ويكفرون من خطب في الفطر والأضحى ويقولون : ان اهل النار في لذة ونعيم وأهل الجنة كذلك .
الازارقة : قالت بالطال رجم من زنى وهو محصن . وقطعوا يد السارق من المنكب . وأوجبوا على الحائض
( 248 )
الصلاة والصيام في حيضها وقال بعضهم . لا ولكن تقضى الصلاة اذا طهرت كما تقضي الصيام . وأباحوا دم الأطفال ممن لم يكن في عسكرهم وقتل النساء ايضاً ممن ليس في عسكرهم وبرئت الازارقة ممن قعد عن الخروج لضعف او غيره . وكفروا من خالف هذا القول بعد موت اول من قال به منهم . ولم يكفروا من خالفه فيه في حياته .
وقالوا باستعراض كل من لقوه من غير أهل عسكرهم ويقتلونه اذا قال انا مسلم . ويحرمون قتل من انتمى الى اليهود او الى النصارى او الى المجوس (1) .
النجدات : من قوله ليس على الناس أن يتخذوا إماماً إنما عليهم ان يتعاطوا الحق بينهم . وقالوا من ضعف عن الهجرة الى عسكرهم فهو منافق . واستحلوا دم القعدة وأموالهم . وقالوا من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملاً صغيراً فاصرّ على ذلك فهو كافر مشرك . وكذلك أيضاً في الكبائر . وأن من عمل من الكبائر غير مصرّ عليها فهو مسلم . وقالوا جائز أن يعذب الله المؤمنين بذنوبهم لكن في غير النار وإما النار فلا . وقالوا أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفاراً . وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار .
____________
(1) بهذا شهد رسول الله (ص) عليهم بالمروق من الدين كما يمرق السهم من الرمية اذ قال (ص) انهم يقتلون اهل الاسلام ويتركون اهل الأوثان . وهو من مغيباته (ص) .
( 249 )
الصفرية : قالت طائفة منهم بوجوب قتل كل من أمكن قتله من مؤمن عندهم أو كافر . وكانوا يؤولون الحق بالباطل .
الميمونية : وهم العجاردة . والعجاردة من الصفرية قالت باجازة نكاح بنات البنات وبنات البنين وبنات بني الأخوة والأخوات . وذكر ذلك عنهم الحسين ابن علي الكراسي وهو أحد الأئمة في الدين والحديث .
البيهسية : وهم من فرق الصفرية . قالوا : ان كان صاحب كبيرة فيها حد فانه لا يكفر حتى يرفع الى الإمام . فاذا أقام عليه الحد فحينئذ يكفر .
الرشيدية : وهم من فرق الثعالبة . والثعالبة من فرق الصفرية قالوا ان الواجب في الزكاة نصف العشر مما سقى بالأنهار والعيون .
العونية : وهم طائفة من البيهسية . قالوا : ان الامام اذا قضى قضية جور وهم بخراسان أو بغيرها حيث كان من البلاد ففي ذلك الحين نفسه يكفر هو وجميع رعيته حيث كانوا من شرق الارض وغربها ولو بالأندلس واليمن فما بين ذلك من البلاد . وقالوا ايضاً لو وقعت قطرة خمر في جب ماء بفلاة من الارض فان كل من خطر على ذلك الجب فشرب منه وهو لا يدري ما وقع فيه كافر بالله تعالى . قالوا : الا ان الله تعالى يوفق المؤمن لاجتنابه .
( 250 )
الفضيلة : وهم من الصفرية قالت : من قال لا اله إلا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه بل اعتقد الكفر أو الدهرية او اليهودية او النصرانية فهو مسلم عند الله مؤمن ولا يضره اذ قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه . وقالت طائفة من الصفرية . ان النبي اذا بعث ففي حين بعثه في ذلك الوقت من ذلك اليوم لزم جميع أهل المشرق والمغرب الايمان به وان لم يعرفوا جميع ما جاء به من الشرائع . فمن مات منهم قبل أن يبلغه شيء من ذلك مات كافراً .
العجاردة : وهم من الصفرية : قالت ان من بلغ الحلم من اولادهم وبناتهم فهم براء منه ومن دينه حتى يقر بالإسلام فيتولوه حينئذ .
المكرمية : وهم من الثعالبة . قالت ان من أتى كبيرة فقد جهل الله تعالى فهو كافر ليس من أجل الكبيرة كفر لكن لانه جهل الله عز وجل فهو كافر بجهله بالله تعالى .
الحفصية : وهم من الأباضية . قالت من عرف الله تعالى وكفر بالنبي (ص) فهو كافر وليس بمشرك وان جهل الله تعالى أو جحده حينئذ مشرك .
الحارثية : وهم من الاباضية : قالت طائفة منهم . المنافقون على عهد رسول الله (ص) انما كانوا موحدين لله تعالى . أصحاب كبائر ومن حماقاتهم . قول بكر ابن اخت عبد الواحد بن زيد . فانه كان يقول : كل ذنب صغير او كبير ولو كان أخذ حبة خردل بغير حق أو كذبة خفيفة على
( 251 )
سبيل المزاح فهي شرك بالله وفاعلها كافر مشرك مخلد في النار الا أن يكون من أهل بدر فهو كافر مشرك من أهل الجنة وهذا حكم طلحة والزبير عندهم . ومن حماقاتهم قول عبدالله بن عيسى تلميذ بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد المذكور فانه كان يقول ان المجانين والبهائم والأطفال ما لم يلغوا الحلم فانهم لا يألمون البتة لشيء مما ينزل بهم من العلل وحجته في ذلك ان الله تعالى لا يظلم احداً .
وقالت طائفة من الخوارج . ما كان من المعاصي فيه حد كالزنا والسرقة والقذف فليس فاعله كفراً ولا مؤمناً ولا منافقاً . وأما ما كان من المعاصي لأحد فيه فهو كفر وفاعله كافر .