الفصل الثالث
الإمامـة
1 ـ الإمامة بنظر الشيعة
أ ـ إمامة علي بن أبي طالب
ب ـ إمامة الحسن بن علي
جـ ـ إمامة الحسين بن علي
د ـ إمامة علي بن الحسين ( زين العابدين )
هـ ـ إمامة محمد بن علي بن الحسين ( الباقر )
2 ـ الدعوة العباسية وصلتها بالشيعة
|
( 96 )
( 97 )
وقد اعتمدت في هذا الجدول على المصادر الآتية :
1 ـ سعد القمي ( ت 301هـ ) = المقالات والفرق
2 ـ النوبختي ( ت 310هـ ) = فرق الشيعة
3 ـ الكليني ( ت 328هـ ) = الكافي
4 ـ البخاري ( كان حياً سنة 321 هـ ) = سر السلسلة العلوية
5 ـ ابن رستم الطبري ( من علماء القرن الرابع ) = دلائل الإمامة
6 ـ المفيد ( ت 413هـ ) = الإرشاد
7 ـ شمس الدين بن طولون ( ت 953هـ ) = الأئمة الاثني عشر
وقد ذكر في هذا الجدول الأسماء المشهورة والتي تكرر ذكرها في الرسالة .
( 98 )
(1) الإمامة بنظر الشيعة:
أ ـ إمامة علي بن أبي طالب .
ترى الشيعة أن علي بن أبي طالب هو الإمام بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وتذهب إلى « أن النبي نص على علي بن أبي طالب بالإمامة ودل على وجوب فرض طاعته ولزومها لكل مكلف »
(1) .
ويناقش المرتضى مفهوم النص ويقول : وينقسم النص عندنا في الأصل إلى قسمين ، أحدهما يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول والآخر إلى القول دون الفعل ، ويقسم النص بالقول دون الفعل إلى نص جلي ونص خفي ، فالنص الجلي ما علم سامعوه من الرسول مراده منه ، أو هو النص الذي في ظاهره ولفظه التصريح بالإمامة والخلافة ، والنص الخفي لا نقطع على أن سامعيه من الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم علموا النص بالإمامة منه اظطراراً ولا يمتنع عندنا أن يكونوا علموه استدلالاً من حيث اعتبار دلالة اللفظ
(2) .
ويقسم المرتضى النص بالقول إلى قسمين « فقسم منه تفرد بنقله الشيعة الإمامية خاصة ، وإن كان بعض من لم يفطن بما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه وهو النص الموسوم بالجلي ، والقسم الآخر رواه الشيعي والناصبي وتلقاه جميع الأمة بالقبول على اختلافها ، وإن كانوا قد اختلفوا في تأويله وهذا النص الخفي »
(3) .
____________
(1) الشريف المرتضى (ت 436 هـ ) : الشافي في الإمامة ص 85 .
(2) ن. م ص 85 .
(3) ن. م ص 85 والناصبي هنا يقصد به غير الشيعي كما يرد في المصادر الإمامية .
( 99 )
ويرى ابن المطهر أن الأدلة الدالة على إمامة علي بن أبي طالب كثيرة لا تحصى ، وقد قسمها إلى أدلة عقيلة ، وأدلة مأخوذة من القرآن ، وأخرى مستنده إلى السنة المنقولة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، ثم الأدلة المستنبطة من أحوال علي بن أبي طالب والدالة على إمامته
(1) .
ولفهم فكرة الإمامة عند الشيعة وتطورها نرى من الأفضل الرجوع إلى عصر النبي وبداية الدعوة لنتابع الأخبار الدالة على الإمامة .
ترجع الشيعة فكرة الإمامة إلى بداية الدعوة المحمدية فيشيرون إلى الآية (
وأنذر عشيرتك الأقربين )
(2) ويرون أنها من النصوص الدالة على إمامة علي بن أبي طالب فقد ذكر فرات عن علي بن أبي طالب قال : « لما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال لي : يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمتّ عليه حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد ، إنك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رحل شاة واملاً لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاهم إلى الطعام ...فلما أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال : الغد يا علي . فجمعهم ثانية فقال : يا بني عبد المطلب اني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ فاحجم القوم عنها جمعياً وقلت : إني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً أنا يا بني الله أكون
____________
(1) ابن المطهر الحلي ( ت 726هـ ) : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ، طبع ضمن كتاب منهاج السنة النبوية لا بن تيميه في مقدم الكتاب .
(2) سورة الشعراء 26 : 214 .
( 100 )
وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع »
(1) .
فقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم « أخي ووصيي » اتخذته الشيعة دليلاً على إمامة علي بن أبي طالب .
وقد ذكر ذلك علي بن إبراهيم القمي في تفسيره قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : « أيكم يكون وصيي ووزيري وينجز عداتي ويقضي ديني فقام علي عليه السلام وكان أصغرهم سناً وأحمشهم ساقاً وأقلهم مالاً فقال : أنا يا رسول فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : أنت هو »
(2) .
وأورد الخبر أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي في ذكر ولاية علي بن أبي طالب وجعل الآية من الآيات الدالة على ولايته
(3) .
ويقصد بالولاية الإمامة . كما أورده الصدوق وقال إن هذا الخبر هو العلة التي ورث علي بن أبي طالب بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم دون غيره
(4) .
فوراثة النبي هنا المقصود بها الإمامة .
ويذكر ابن رستم الطبري أن علياً والعباس تنازعا في تركة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فروى عن أبي رافع « أنه كان عند أبي بكر إذ جاء علي والعباس فقال العباس : أنا عم رسول الله ووارثه وقد حال علي بيني وبين تركته فقال أبو بكر : فاين كنت يا عباس حين جمع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال : أيكم يؤازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي وينجز عدتي ويقضي ديني فقال له العباس : بمجلسك قد تقدمته وتأمرت عليه .
____________
(1) فرات بن إبراهيم ( ت 300هـ ) : تفسير فرات ص 112 ، وقد ذكر الطبري نفس ما أورده فرات في تفسيره مع فرق بسيط فبدل كلمة لشد ما ( لهد ما ) انظر التفسير ج 19 ص 122 ، التاريخ ج 2 ص 319 ـ 321
(2) علي بن إبراهيم القمي ( 324هـ ) : تفسير القمي ص 286 .
(3) أبو حنيفة محمد بن النعمان المغربي ( ت 364هـ ) : دعائم الإسلام ج 1 ص 15 وانظر له أيضاً كتاب أساس التأويل ص 331 .
(4) الصدوق ( ت 381 هـ ) : علل الشرائع ج 1 ص 169 .
( 101 )
ثم يقال إنهما ذهبا إلى عمر أيضاً ، فقال عمر : أخرجوهما عني قد فهمت يا بني عبد المطلب ، وإنما تنازعا عنده ليعرف القاعد ذلك المعقد لا حق له في ذلك المجلس وأنه لهما ولم يرض به أحد حكماً بل ليقف على ظلمه ... وعلي والعباس إنما تظلما إلى أبي بكر ليعرف ظلمهما لا أن بينهما اختلافاً والمد الله »
(1) .
ويؤكد الشيخ المفيد أهمية هذا الحديث ويرى أن مؤازرة علي للبني في تلك الفترة من المناقب الجليلة التي انفرد بها علي بن أبي طالب ومن الأمور الدالة على إمامته . ويقول في هذا الحديث : « وفي الخبر ما يفيد أن به عليه السلام تمكن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من تبليغ الرسالة وإظهار الدعوة والصدع بالإسلام ولولاه لم تثبت الملة ولا استقرت الشريعة ولا ظهرت الدعوة فهو عليه السلام ناصر الإسلام ووزير الداعي إليه من قبل الله عزَّوجلّ وبضمانة لنبي الهدى صلّى الله عليه وآله وسلم تم له في النبوة ما أراد وفي ذلك من الفضل ما لا يوازنه الجبال فضلاً ولا تعادله الفضائل كلها محلاً وقدراً »
(2) .
وذكر هذا الخبر المرتضى وجعله من النصوص الجلية في إمامة علي ابن أبي طالب وأكد صحة هذا الخبر وتواتره
(3) .
وكذلك جعله الطبرسي من النصوص الجلية وأورد من رواة
(4) . كما رواه أيضاً ابن المطهر وعده من أدلة الإمامة المستندة إلى السنة النبوية
(4) .
ثم عندما انتشر أمر الدعوة ولقي الرسول شدة من قريش استقر رأيه على الهجرة من مكة إلى المدينة تاركاً علي بن أبي طالب مكانه وأمره أن يتخلف بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الودائع التي كانت عنده
____________
(1) ابن رستم الطبري ( ت 400هـ ) : المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص 171 .
(2) الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) : الإرشاد ص 11 ، 30 .
(3) المرتضى : الشافي في الإمامة ص 85 ، 88 .
(4) الطبرسي ( ت 548هـ ) : أعلام الورى بأعلام الهدى ص 167 .
(5) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص 167 ، وقد ذكر هذا الحديث أيضاً بن طاووس ( ت 664هـ ) : الطرف ص 7 سعد السعود ص 105 ، ابن المطهر : كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ص 91 الجزائري : المبسوط ص 28 ، جعفر نقدي : ذخائر القيامة ص 39 .
( 102 )
للناس
(1) .
وقد اعتبرت الشيعة مبيت علي على فراش الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم فضيلة لعلي ودليلاً على شجاعته وهي من الأمور المؤهلة علياً للإمامة أو الخلافة . فيذكر فرات الآية : (
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )
(2) . ويقول إنهما نزلت في علي بن أبي طالب حين بات على فراش الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم
(3) .
ويقول ابن رستم الطبري : « استخلف الرسول علياً ثلاث وهلات مرة على حرم الله حجة للناس حتى ظهر وهو بالمدينة ومرة على فراشه حجة للخلق حين توارى بأبي بكر في الغار ومرة ثالثة في غزوة تبوك »
(4) .
ويذكر المفيد أهمية هذا ويقول : « ولم يجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في قومه وأهله من يأتمنه على ما كان مؤتمناً عليه سوى أمير المؤمنين عليه السلام فاستخلفه في رد الودائع إلى أربابها وقضاء ما كان عليه من دين لمستحقيه ... ولم ير أن أحداً يقوم مقامه في ذلك من الناس كافة فوثق بأمانته ..»
(5) .
ويقول ابن المطهر « ووقاه بنفسه لما بات على فراشه مستتراً بإزاره » ويجعل هذه من فضائل علي التي أهلته للإمامة
(6) .
وقد اتخذت الشيعة من خبر المؤاخاة دليلاً آخر على إمامة علي بن
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 2 ص 387 .
(2) سورة البقرة 2 : 207 .
(3) فرات الكوفي : تفسير فرات ص 5 . وانظر ابن الأثير : أسد الغابة ج 4 ص 18 .
(4) ابن رستم الطبري : المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص 110 .
(5) الشيخ المفيد : الإرشاد ص 31 .
(6) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص 182 كما ورد هذا الخبر عند عدد من كتاب الإمامية المتأخرين انظر الحائري : شجرة طوبي ص 35 ، جعفر نقدى : الأنوار العلوية والأسرار المرتضويه ص 41 ، الحر العاملي : إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج 3 ص 349 ، المظفر : دلائل الصدق ج 2 ص 232 وقد سار المظفر على طريقة ابن المطهر في كلامه على إمامة علي فقد قسمها إلى أدلة مستندة إلى القرآن وأخرى إلى السنة النبوية ثم إلى فضائله البدنية والنفسية .
( 103 )
أبي طالب فقد ذكر سليم بن قيس عن علي بن أبي طالب أنه ناشد الناس فشهدوا له قال : « فانشدكم الله أتقرّون أن رسول الله صلّى الله عليه وآله آخى بين كل رجلين من أصحابه وأخى بيني وبين نفسه وقال أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة »
(1) .
ويرى الشريف المرتضى أن المؤاخاة من أقوال وأفعال النبي المبينة لأمير المؤمنين من جمع الأمة الدالة على استحقاقه من التعظيم والإجلال والاختاص بما لم يكن حاصلاً لغيره . وهي من جملة النصوص الدالة على الإمامة
(2) .
ويقول ابن المطهر وبعد أن آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بينه وبين علي تلا قوله تعالى : (
إخواناً على سرر متقابلين )
(3) والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة ، فلما اختص علي بمؤاخاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان هو الإمام
(4) ويرى أيضاً أن المؤاخاة تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام
(5) .
ومن أدلة إمامة علي عند الشيعة أيضاً زواجه بفاطمة الزهراء بنت الرسول ، فقد ذكر سليم أن رسول الله قال لفاطمة : « إن الله اختارني فجعلني ثم اختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه وأن اتخذه أخاً ووزيراً ووصياً وأن أجعله خليفتي في أمتي »
(6) .
____________
(1) سليم بن قيس : السقيفة ص 101 كما ذكره علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ص 282 .
(2) المرتضى : الشافي في الإمامة ص 85 .
(3) سورة الحجر 15 : 47 .
(4) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص 166 .
(5) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 169، ولم يقتصر ذكر خبر المؤاخاة على المصادر الإمامية فقط وإنما رواه غير الإمامية فقد ذكر القاضي عبد الجبار المعتزلي في المغني فذكر أن الإمامية استدلت بهذا الحديث على إمامة علي ج 20 القسم الأول ص 185 كما ورد ذكره عند الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 2 ص 310 ، البلاذري : أنساب الأشراف ج 1 ص 270 ، ابن الصباغ المالكي : الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص 20 ، كما ورد ذكر عنده المصادر الإمامية المتأخرة انظر جعفر نقدي : ذخائر القيامة ص 241 محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج 2 ص 267 ، عبد المهدي المظفر : إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة ص 35 ، وابن عبد البر : الاستيعاب ج 3 ص 1098 .
(6) سليم : السقيفة ص 62 .
( 104 )
واعتبر المرتضى زواج علي من فاطمة ، من الأمور التي اختص بها علي دون غيره وأنه من أدلة الإمامة
(1) .
ويقول ابن المطهر في تفسير قوله تعالى : (
وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً )
(2) . ويأخذ في هذا عن الثعلبي في تفسيره قال : نزلت في النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب إذ زوج فاطمة علياً ولم يثبت لغيره ذلك فكان أفضل ، فكان هو الإمام
(3) .
ثم تدلل الشيعة على إمامة علي بن أبي طالب بشجاعته ومشاركته الرسول في جميع غزواته وبلائه فيها البلاء الحسن ، وأخبار شجاعة علي مشهورة ومجمع عليها من قبل الشيعة وغير الشيعة فكتب المناقب وكتب الحديث مليئة بهذه الأخبار .
يروي عن وقعة أحد أن المسلمين تفرقوا وتركوا الرسول الرسول ولم يبق معه إلا علي يذود عنه ، وقتل عدداً من مشركي قريش « فقال جبريل : يارسول الله إن هذه للمواساة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم . إنه مني وأنا منه ، فقال :جبريل وأنا منكما ، قال فسمعوا صوتاً :
لا سيف إلا ذو الفقار |
* |
ولافتى إلا علـي (4) |
ويورد فرات هذا الخبر ويقول إن رسول الله قال : « يا أيها الناس إنكم رغبتم بأنفسكم عني ووازرني علي وواساني فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ...قال حذيفة : ليس ينبغي لأحد يعقل ويشك فيمن لا يشرك باالله أنه أفضل ممن أشرك به ومن لم ينهزم عن رسول اله صلّى الله عليه وآله وسلم أفضل ممن انهزم وأن السابق غلا الإيمان بالله ورسوله أفضل وهو علي بن أبي طالب »
(5) .
____________
(1) المرتضى : الشافي ص 85 .
(2) سورة الفرقان 25 : 54 .
(3) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 164 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 2 ص 514 .
(5) فرات : تفسير فرات ص 26 .
( 105 )
وحينما شاع بين المسلمين في وقعة أحد مقتل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ونزلت الآية : (
أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )
(1) ، قال فرات : كان علي يقول في حياة النبي : والله لا نقلب على أعقابنا بعد أن هدانا الله والله لئن مات محمد أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه ومن أولى به مني وأنا أخوه ووراثه وابن عمه
(2) . فقول علي « أخوه ووراثه » استدلت به الشيعة على إمامته .
ويجعل ابن المطهر مواساة علي للنبي من ضمن الأدلة على إمامته
(3) .
ومن أدلة إمامة علي عند الشيعة مشاركته في وقعة الأحزاب وقتله عمرو بن عبد ود العامري ، وهذا الخبر مشهور عند المؤرخين وقد حفلت كتب المناقب أيضاً بأخبار هذه الوقعة
(4) .
فقد ذكر علي بن إبراهيم القمي أن الآية (
وكفى الله المؤمنين القتال )
(5) نزلت في هذه الموقعة ويفسرها أنه كفاهم القتال بعلي بن أبي طالب
(6) .
ويقول المفيد : « وهكذا كان الفتح له وعلى يديه وكان قتلة عَمْراً ونوفل بن عبد الله سبب هزيمة المشركين »
(7) .
وتتخذ الشيعة من تفضيل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم علياً وإعطائه الراية يوم خيبر دليلاً آخر على إمامته . وقد أعطى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم راية المسلمين في خيبر إلى علي بن أبي طالب في خبر مشهور قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : « لأدفعن
____________
(1) سورة آل عمران 3 : 144 .
(2) فرات : تفسير فرات ص 27 ، كما ذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره نفس هذه الرواية ، انظر تفسير القمي ص 42 ـ 43 . كما أورد الشيخ المفيد خبر أحد وقتال علي للمشركين ودفاعه عن الرسول ومواساته له . انظر الشيخ المفيد : الإرشاد ص 46 ـ 47 .
(3) ابن المطهر ، منهاج الكرامة ص 182 .
(4) البلاذري : أنساب الأشراف ج 1 ص 345 .
(5) سورة الأحزاب 33 : 25 .
(6) القمي : تفسير القمي ص 303 .
(7) المفيد : الإرشاد ص 56 .
( 106 )
الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بجبان ولا قرار يفتحها الله على يديه »
(1) .
وورد خبر الراية في تفسير فرات عن ابن عباس ، أنه جعل هذه الصفة ضمن عشر خصال لعلي بن أبي طالب لم تكن لغيره
(2) .
ومما يؤيد أهمية هذا الخبر عند الشيعة أن علياً احتج به في بيان حقه بالخلافة
(3) . كما عدها الشيخ الصدوق من الخصال الثلاث والأربعين التي احتج بها علي بن أبي طالب على أبي بكر في حقه بالخلافة
(4) .
واستدل ابن رستم الطبري بهذا الخبر على إمامة علي قال : « فبعثه مؤيداً وشهد له بإخلاص الله له لصدقه في العزيمة ...وهدم الله به حصنهم وأفاء على المسلمين غنيمتهم ، فليس لأحد أن يشهد على غيب أحد بأن الله ورسوله يحبانه ولا أنه يحب الله ورسوله إلا لعلي عليه السلام وهذا أمر عجيب لمن فهمه حتى قال عمر بن الخطاب : فما أحببت الإمارة إلا يومئذ »
(5) .
ويقول المفيد : أما الأقوال الدالة على الإمامة فهي كثيرة ومنها خبر الراية « فأعطاها من بين أمته جمعياً علياً ثم بين له من الفضيلة بما بان به من الكافة »
(6) .
ومن أدلة الإمامة عند الشيعة إرسال علياً بسورة براءة ، عن ابن عباس : أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث بسورة براءة مع أبي بكر ثم بعث علياً ليأخذها منه فجاء أبو بكر فقال : يا رسول الله هل نزل في شيء قال : لا يؤدي عني
____________
(1) سليم : السقيفة ص 102 ، اليعقوبي ج 2 ص 42 ، الطبري ج 3 ص 12 .
(2) فرات : تفسير فرات ص 160 .
(3) سليم : السقيفة ص 102 ـ 105 .
(4) الصدوق : الخصال ج 2 ص 125 .
(5) ابن رستم الطبري : المسترشد ص 54 .
(6) المفيد : الإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب ص 7 . انظر ابن الأثير : أسد الغابة ج 4 ص 26 . وانظر ابن حجر : الإصابة ج 2 ص 502 .
( 107 )
غيري أو رجل من أهل بيتي
(1) .
ويعلل ابن كثير سبب إرسال علياً بسورة براءة ويقول : « والمقصود أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعث علياً ليكون معه ويتولى علي بنفسه ابلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله لكونه ابن عمه ومن عصبته »
(2) .
ويقول سليم بن قيس ، كان هذا الحديث من جملة ما احتج به علي في حقه بالخلافة وشهد له الناس بذلك
(3) .
ويذكر أبو حنيفة النعمان المغربي قصة إرسال علي بسورة براءة ويجعلها ضمن فضائل علي والتي هي من أدلة إمامته
(4) .
كما ذكره الصدوق عن ابن عمر وأضاف أن ابن عمر شهد لعلي بهذه الفضلية
(5) .
ويقول المفيد في هذا الحديث : « فأحب الله أن يجعل ذلك في يد من ينوه باسمه ويعلي ذكره وينبه على فضله ويدل على علو قدره وينبه به عمن سواه وكان ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ولم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي وصفناه »
(6) .
وذكر ابن المطهر هذا الخبر وجعله من دلائل الإمامة
(7) .
ومن الأمور التي اتخذتها الشيعة دليلاً في إثبات إمامة علي بن أبي طالب قصة المباهلة ، وقد أعطت المصادر الشيعية أهمية كبيرة لقضية
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 1 ص 283 ، اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 61 ، الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 3 ص 122 وسورة براءة قوله تعالى : ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) سورة التوبة 9 : 1 .
(3) ابن كثير : البداية والنهاية في التاريخ ج 2 ص 37 .
(4) سليم بن قيس : السقيفة ص 102 .
(5) أبو حنيفة النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج 1 ص 18 .
(6) الصدوق : علل الشرائع ج 1 ص 189
(7) المفيد : الإرشاد ص 37 ـ 38 .
(8) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 123 ـ 124 وانظر أيضاً الفضل بن شاذان إيضاح دفائن النواصب ص 20 .
( 108 )
المباهلة لبيان فضل علي واتصاله بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلم واستحقاقه الإمامة لكونه في المباهلة أصبح كنفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم .
فيروي اليعقوبي قصة المباهلة وقدوم وفد نجران على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مع رئيسهم أبو حارثة فدارسوه وساءلوه ونزل فيهم (
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )
(1) . فلما أصبحوا قدم رسول الله ومعه فاطمة وعلي والحسن والحسين فسأل أبو حارثه عنهم فقيل له هذا ابن عمه وهذه ابنته وهذان ابناها فرفضوا المباهلة
(2) .
وقد فسر فرات الآية (
قل تعالوا ندع ... ) قال : عن أبي جعفر في قول الله تعالى : أبناءنا وأبناءكم يعني الحسن والحسين وأنفسنا وأنفسكم يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعلياً ونساءنا يعني فاطمة الزهراء
(3) .
وممن روى قصة المباهلة أبو حنيفة النعمان المغربي وعدها من الأدلة الدالة على إمامة علي بن أبي طالب فيذكر ، أن قوماً سألوا علياً عن أفضل مناقبه فقال : « أفضل مناقبي ما لم يكن لي فيه صنع ثم ذكر لهم خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم للمباهلة معه وزوجته وابنيه »
(4) .
ويبين ابن رستم الطبري أهمية المباهلة في دلالتها على إمامة علي ويقول : « والدليل على أن علياً عليه السلام هو المخصوص بالإمامة والخلافة والوصية وأنه كان أرضاً لها وسماءاً إذ كان نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذ أن القوم ساروا إلى رسول الله ليحاجوه في المسيح أنزل الله (
قل تعالوا ... ) دعا أهل بيته وكان علي نفس رسول الله وكان هاشمي الوالدين أشبه الناس برسول الله »
(5) .
____________
(1) سورة آل عمران 3 : 61 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 66 وقد ذكر ذلك أيضاً ابن الأثير : الكامل ج 2 ص 200 ابن كثير : البداية والنهاية ج 5 ص 54 .
(3) فرات : تفسير فرات ص 14 وانظر علي بن إبراهيم القمي : التفسير ص 114 .
(4) أبو حنيفة النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج 1 ص 17 .
(5) ابن رستم الطبري : المسترشد ص 173 .
( 109 )
وقد ذكر الشريف الرضي خبر المباهلة وفسر الآية كما فسرها فرات ، وأكد أن دعاء الأنفس مقصوراً إلى أمير المؤمنين علي إذ لا أحد في الجماعة يجوز أن يكون ذلك متوجهاً إليه غيره لأن دعاء الإنسان نفسه لا يصح ، كما لا يصح أن يأمر نفسه
(1) .
ويقول المفيد في المباهلة « إن الله تعالى حكم لأمير المؤمنين بأنه نفس رسول الله كاشفاً بذلك بلوغه نهاية الفضل ومساواته للنبي في الكمال والعصمة من الآثام وأن الله تعالى جعله وزوجته وولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه وبرهاناً على دينه ونص على الحكم بأن الحسن والحسين أبناؤه وأن فاطمة نساؤه المتوجه إليه الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمة ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه »
(2) .
ويؤكد الشريف المرتضى أهمية المباهلة في الدلالة على إمامة علي وينفي كلام من يحاول دفع علي عن المباهلة أو دخوله المباهلة لا لسبب إلا للنسب ، فيقول : « لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين واقتضائها تقدمه على غيره لأن النبي لا يجوز أن يدعوا إلى ذلك المقام ليكون حجة في إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة ، وقد تظاهرات الرواية بحديث المباهلة ... ونحن نعلم أن قوله أنفسنا وأنفسكم لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الداعي ولا يجوز ان يدعو الإنسان نفسه وإنما يصح أن يدعو غيره كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها... »
(3) .
وأبان ابن طاووس أهمية المباهلة فقال مخاطباً ابنه « وكفى سلفك الطاهرين حجة على المخالفين وحجة للموافقين التابعين عليهم يوم
____________
(1) الشريف الرضي : حقائق التأويل في متشابه التنزيل ص 110 .
(2) المفيد : الإرشاد ص 90 .
(3) المرتضى : الشافعي ص 130 وقد ذكر ذلك رداً على القاضي عبد الجبار ( ت 421هـ ) الذي رد على الشيعة الإمامية اعتقادها بآية المباهلة وكونها من دلائل إمامة علي . انظر المغني : ج 20 القسم الأول ص 142 ، وانظر الطوسي . الأمالي ج 1 ص 313 .
( 110 )
المباهلة مباهلة المسلمين والكافرين وكان ذلك اليوم من أعظم الأيام عند جدك محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وكشف الحجة للسامعين ولمن يبلغهم إلى يوم الدين »
(1) .
ويرى ابن المطهر أن هذه الآية (
قل تعالوا ... ) أدل دليل على ثبوت الإمامة لعلي لأنه قد جعله نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والاتحاد محال ، فيبقى المراد المساوي له وله صلّى الله عليه وآله وسلم الولاية العامة فكذا لمساويه»
(2) .
ويقول أيضاً : « ولا شك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أفضل الناس فمساويه كذلك »
(3) .
ومما يؤكد أهمية المباهلة أن علياً احتج بها لبيان حقه بالخلافة ، فقد ذكر سليم بن قيس أن علياً قال : « أفتقرون أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حين دعا أهل نجران إلى المباهلة أنه لم يأت إلا بي وبصاحبتي وابني قالوا : اللهم نعم »
(4) .
ومن الأمور التي اتخذتها الشيعة دليلاً على إمامة علي قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم له حين خلفه على أهله في غزوة تبوك : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، ولم يقل ذلك لأحد من أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره »
(5) .
وقد روى حديث المنزلة عدد كبير من المؤرخين ولم تقتصر روايته
____________
(1) ابن طاووس ( ت 664 هـ ) : كشف المحجة لثمرة المهجة وانظر أيضاً ابن طاووس : سعد السعود ص 91 .
(2) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 154 .
(3) ابن المطهر : كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 216 .
(4) سليم بن قيس : السقيفة ص 102 وعن المباهلة انظر الأردبيلي : باب النجاة ص 39 ، العاملي : المجالس السنية ج 2 ص 132 ، المظفر : دلائل الصدق ج 2 ص 249 ، وانظر ابن حجر : الإصابة ج 2 ص 503 ، ابن الجوزي ، تذكرة الخواص ص 5 ، القرشي : مطالب السئول في مناقب آل الرسول ج 1 ص 45 ، ثم كتاب « المباهلة » لعبد الله السبتي ، بغداد 1947 .
(5) سليم بن قيس : السقيفة ص 105 .
( 111 )
على المصادر الشيعية فقط ، فقد ذكر البلاذري قال : « خرج رسول الله إلى تبوك وخلف علياً فقال : يا رسول الله خرجت وخلفتني فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي »
(1) .
وتؤكد الشيعة هذا الحديث وترى أن به دل النبي على إمامة علي وتثبت هذا بقول علي في بيان معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... » ، قال : « أفلستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة ، ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم »
(2) .
ويرى سعد القمي أيضاً أن هذا الحديث دليل على إمامة علي قال : « إن النبي أعلمهم أن منزلة منه منزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده وإذ جعله نظير نفسه في حياته وأنه أولى بهم بعده كما كان هو أولى بهم منهم بأنفسهم إذ جعله في المباهلة كنفسة »
(3) .
ويذكر أبو حنيفة النعمان المغربي حديث المنزلة ويبين دلالته على الإمامة قال : « ولا يقتضي قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام « أنت مني بمنزلة هارون بن موسى» إلا أنه خليفته في أمته كما قال موسى لهارون أخلفني في قومي »
(4) .
ويؤكد الصدوق دلالة هذا الحديث على الإمامة ويقول : سأل جابر بن عبد الله الأنصاري عن معنى قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لعلي : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... » قال : « استخلفه بذلك والله على أمته في حياته وبعد وفاته وفرض عليهم طاعته فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين » .
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 2 الورقة 66 آ ، وانظر الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 3 ص 103 المسعودي : مروج الذهب ج 2 ص 437 ، المقدسي : البدء والتاريخ ج 4 ص 239 ، ابن عساكر التاريخ ج 1 ص 107 .
(2) سليم بن قيس : السقيفة ص 104 .
(3) سعد القمي ( ت 301هـ ) : المقالات والفرق ص 16 ، ويذكر ابن عبد ربه « إنه بهذا الحديث سمت الشيعة علي بن أبي طالب الوصي وتأولوا فيه إنه استخلفه على أمته إذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى لأن هارون كان خليفة موسى في قومه إذا غاب » العقد الفريد ج 4 ص 311 .
(4) النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج 1 ص 20 .
( 112 )
ويذكر هذا الحديث أيضاً ضمن الخصال التي احتج بها علي يوم الشورى في بيان حقه بالخلافة
(1) .
ويفسر ابن رستم الطبري هذا الحديث وكل الوجوه التي تحتمله ويذكر أن النبي جعل منزلة علي منه منزلة هارون من موسى واستثنى النبوة ، وأوجب كل ما كان لهارون من موسى ، وأنه بهذا دل على خلافته لأن هارون خليفة موسى لو بقي بعده كما أن هارون كان أحب الناس لموسى فكذلك علي أحب الناس إلى النبي ، وكانت إخوة هارون لموسى أخوة النسب أما أخوة علي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فهي اخوة الدين والمشاكلة والمشابهة ، ويقول : « فليت شعري ما الحجة فيه بعد هذه الأشياء اللهم إلا أن يجعلوا كلام الرسول لغوا فلا نعلم أمراً بقي إلا أن يخلفه في أمته بعده »
(3) .
ويورد ابن رستم رواية عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص قال : « سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى » قال ابن المسيب : فأحببت أن أشافه سعداً بذلك فأتيته فذكرت ما قال عامر عنه قال : نعم سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قلت : أنت سمعته فأدخل أصبعيه في أذنيه وقال : سمعته بهاتين وإلا فصمتا »
(3) .
ويرى الشيخ المفيد أن حديث المنزلة نص لا خفاء به على إمامة علي : « لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حكم له بالفضل على الجماعة والنصرة والوزارة والخلافة في حياته وبعد وفاته والإمامة له بدلالة أن هذه المنازل كلها كانت لهارون من موسى في حياته وإيجاب جميعها لأمير المؤمنين إلا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهراً وأوجبه بلفظة بعد له من بعد وفاته بتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه فلم يستثنه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فبقي لأمير المؤمنين بعموم ما حكم له من المنازل »
(4) .
____________
(1) الصدوق : معاني الأخبار ص 74 .
(2) الصدوق الخصال ج 2 ص 121 .
(3) ابن رستم الطبري : المسترشد في إمامة علي ص 109 ـ 110 .
(4) ابن رستم الطبري : ص 112 ـ 115 .
(5) المفيد : الإفصاح في إمامة علي ص 6 وانظر المفيد : النكت الاعتقادية ص 51 .
( 113 )
ويذكر المرتضى حديث المنزلة ويفسر معانيه ويبين وجوه القول فيه ويقول : « إن الخبر دال على النص من وجهين ... أحدهما قوله : « أنت مني بمنزلة هارون ... » يقتضي حصول جميع منازل هارون من موسى لأمير المؤمنين الا ما خصه الاستثناء ( أي النبوة ) وما جرى الاستثناء من العرف وقد علمنا ان منازل هارون من موسى هي الشركة في النبوة وأخوة النسب والفضل والمحبة والاختصاص على جميع قومه والخلافة في حال غيبته على أمته وأنه لو بقي بعده لخلفه فيهم ولم يجز أن يخرج القيام بأمورهم عنه إلى غيره وإذا خرج الاستثناء منزلة النبوة وخص العرف منزلة الأخوة في النسب لأن من المعلوم أنهما عليهما السلام لم يكن بينهما أخوة نسب وجب القطع على ثبوت ما عدا هاتين المنزلتين ثبت ما عداها ، وفي جملة أنه لو بقي لخلفه ودبر أمر أمته وقام فيهم مقامه وعلمنا بقاء أمير المؤمنين بعد وفاة الرسول وجبت له الإمامة بعد بلا شبهة »
(1) .
ومن الأمور التى عدتها الشيعة من فضائل علي ومن دلائل إمامته أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أمر بسد الأبواب التى تصل إلى المسجد ما عدا باب علي ، ذكر ذلك سليم بن قيس وإن عليا اشهد الناس على ذلك قال : « اتقرون أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم بنى عشرة منازل تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي فتكلم في ذلك من تكلم فقال : ما أنا سددت
____________
(1) المرتضى : الشافي ص 148 ، وانظر الطوسي : الأمالي ج 1 ص 342 ، ابن المطهر : كشف اليقين ص 99 ، السبوري : النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر ص 74 الحر العاملي : إثبات الهداة ج 3 ص 332 ، جعفر نقدي : ذخائر القيامة ص 37 ، محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج 2 ص 251 ، عبد المهدي المظفر : إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة ص 24 ، علي نقي الاحسائي : كشف المحجة ج 1 ص 167 ، كما ذكر حديث المنزلة القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة ص 766 ، المغني ج 2 القسم الأول ص 158 ، وانظر أيضاً الاستيعاب ج 3 97 10 والإصابة ج 2 ص 501 ، الخوارزمي : المناقب ص 79 ، القرشي : مطالب السئول ج 1 ص 47 ، ابن الجوزي تذكرة الخواص ص 22 ، ابن الصباغ : الفصول المهمة ص 21 ، الدهلوي : مختصر التحفة الإثني عشرية ص 26 ، المتقي الهندي : كنز العمال ج 12 ص 200 ، الشبلنجي : نور الأبصار ص 77 .
( 114 )
أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه قالوا : اللهم نعم ، قال : افتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينيه يدعها من منزله إلى المسجد فابى عليه ثم قال : ان الله أمرني أن ابني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه
(1) ، وقد ذكر علي ذلك حينما ذكرت الأنصار وقريش أمجادها وفضلها فاحتج عليهم بانهم إنما نالوا هذا الفضل برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وهو أخو رسول الله واحق الناس به »
(2) .
ويذكر الصدوق أن الله أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بسد الأبواب وترك باب علي فهو متبع لما يوحى إليه من ربه ، ويذكر هذا أيضا في جملة الخصال التي عدها لعلي على أبي بكر
(3) .
ويذكر ابن رستم رواية عن ابن عباس قال : حين طعن عمر دخل عليه فكان بينهما حديث فقال : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم المخصوص بسكنى المسجد وأن علي أولى الناس به
(4) .
ويقول ابن المطهر أن الشيعة لما رأت فضائل علي واتفاق الجمهور على هذه الفضائل جعلوه إماما ويذكر رواية عن عامر بن واثلة قال : « كنت مع علي يوم الشورى فسمعت عليا يقول لهم : لا حتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك ثم قال : انشدكم الله أيها النفر جمعياً هل فيكم أحد وحد الله قبلي ؟ ... ثم قال : فانشدكم بالله اتعلمون أنه أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك فقال رسول صلّى الله عليه وآله وسلم : ما أنا سددت أبوابكم ولافتحت بابه بل الله ... »
(5) فبهذه الفضائل دللت الشيعة على كون علي أفضل الأصحاب وأنه لذلك الامام .
____________
(1) سليم بن قيس : السقيفة ص 101 .
(2) ن. م ص 101 .
(3) الصدوق : علل الشرائع ج 1 ص 201 ، الخصال ج 2 ص 120 .
(4) ابن رستم : المسترشد ص 68 ـ 70 .
(5) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 128 وانظر أيضاً جعفر نقدي : الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية ص 57 ، محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج 2 ص 260 ومن المصادر غير الإمامية ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص 46 ، المحب الطبري : ذخائر العقبي ص 76 ، المتقي الهندي : كنز العمال ج 12 ص 200 ، الحنفي : ينابيع المودة ص 99 .
( 115 )
ومن أدلة الامامة عند الشيعة حديث الطائر ، فقد ذكر الصدوق أن رسول الله قال : « اللهم ائتني باحب خلقك إلى يأكل معي هذا الطائر... » وكان هذا الحديث من الأحاديث التي احتج بها علي لبيان فضله يوم الشورى
(1) .
واكد ابن رستم هذا الحديث حين ذكر أن عليا احتج على الناس يوم الشورى قال: « فانشدكم الله هل فيكم أحد يوم اتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بالطير فقال اللهم إئتني باحب خلقك يأكل معي من هذا الطير غيري قالوا : اللهم لا »
(2) .
ويؤكد الشيخ المفيد دلالة هذا الحديث على الإمامة ، فيقول أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حين دعا « اللهم ائتني بأحب .... فجاءه أمير المؤمنين فأكل معه وقد ثبت انه أحب الخلق إلى الله تعالى وأفضلهم عنده ، وإذا صح أنه أفضل خلق الله تعالى ثبت إنه كان الإمام »
(3) .
وهناك جملة أخرى من الأخبار والأحاديث التي وردت بحق علي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والتي استدلت بها الشيعة على إمامته .
فقد ذكر أبو حنيفة النعمان المغربي قوله صلّى الله عليه وآله وسلم : « علي مني وأنا منه وهو ولي كا مؤمن ومؤمنة بعدي . فدل بذلك أنه امام مفترض الطاعة »
(4) .
وذكر الصدوق قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : أقضاكم علي ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، والحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا على الحوض ، وقوله وليك في الجنة وعدوك في النار ، وهذه أيضا من الخصال التي احتج بها علي وهي دليل فضله وإمامته
(5) .
____________
(1) الصدوق : الخصال ج 2 ص 119 .
(2) ابن رستم : المسترشد ص 71 .
(3) المفيد : الإفصاح في إمامة علي ص 7 .
(4) أبو حنيفة النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج 1 ص 20 وانظر الطوسي : لأمالي ج 1 ص 342 .
(5) الصدوق : الخصل ج 2 ص 120 ـ 126 .
( 116 )
ومما رواه جابر الجعفي قال : أخبرني وصي الأوصياء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لعائشة : لا تؤذيني في علي إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين ...
(1) فوصي الأوصياء يقصد به علي بن أبي طالب .
ومنها قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم له « أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، وهذا ولي وأنا وليه عاديت من عادى وسالمت من سالم »
(2) .
فهذه الأقوال من جملة ما استدلت به الشيعة على إمامة علي بن أبي طالب بعد الرسول .
وترى الشيعة أن هذه الخصال اجتمعت في علي والتي إنفرد بها قد هيأته لمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم .
قال ابن دأب : « ثم نظر الناس وفتشوا في العرب وكان الناظر في ذلك أهل النظر فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدين والدنيا إلا بالاضطرار على ما أحبوا وكرهوا إلا في علي بن أبي طال »
(3) .
ولعل أهم حديث اعتمدته الشيعة في استدلالها على خلافة أو إمامة علي بن أبي طالب ما قاله النبي لعلي بعد حجة الوداع حين نزل في غدير خم . ولحديث الغدير أهمية تاريخية كبيرة فقد رواه جمهور من المؤرخين وأجمعت المصادر الامامية على روايته وروته مصادر غير إمامية . وتظهر أهمية غدير خم فيما بني عليه من اراء في الإمامة عند الشيعة
(4) .
واقدم من ذكر حديث الغدير سليم بن قيس ، قال : « سمعت أبا سعيد الخدري يقول : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم دعا الناس بغدير خم فأمر بما
____________
(1) الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص 189 .
(2) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 169 ـ 173 .
(3) ذكر ذلك المفيد في الاختاص ص 144 نقلاً عن كتاب فضائل علي لابن دأب والكتاب غير موجود ، وابن دأب هذا من أهل الحجاز وكان معاصراً لموسى الهادي العباسي ، وكان أكثر أهل عصره أدباً وعلماً ومعرفة بأخبار الناس ، وقد روى عنه صاحب أخبار العباس الورقة 12 آ .
(4) انظر كتاب الغدير : الأميني في 12 مجلداً ذكر فيه حديث الغدير وأهميته ومن رواه من الصحابة والمؤرخين وأهميته في الإمامة والأشعار التي قيلت فيه .
( 117 )
كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ وكان ذلك اليوم الخميس ثم دعا الناس اليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالب فرفعها حتى نظرت إلى بياض ابطيه فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، قال ابو سعيد : فلم ينزل حتى نزلت هذه الآية (
اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً )
(1) فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وبولاية علي بعدي »
(2) .
ولبيان أهمية الغدير يذكر سليم أن علياً احتج به لبيان حقه بالخلافة ، قال في عتابه لطلحة مفسراً قول رسول الله « من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم امراء علي وحكام »
(3) .
وممن روى حديث الغدير من المؤرخين البلاذري وذكر فيه عدة روايات باسانيد مختلفة فروى عن أبي هريرة وعن زيد بن ارقم والبراء بن عازب
(4) .
فعن زيد بن ارقم قال « كنا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فلما كنا بغدير خم أمر بدوحات فقمن ثم قام فقال « كأني قد دعيت فاجبت ان الله مولاى وأنا مولى كل مؤمن واني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، قلت لزيد : أنت سمعت هذا من رسول الله قال : ما كان أحد في الدوحات إلا وقد رأى بعينه وسمع ذلك بأذنه » .
____________
(1) سورة المائدة 5 : 3 .
(2) سليم بن قيس : السقيفة ص 202 .
(3) ن. م ص 104 .
(4) البلاذري : أنساب الأشراف ج 2 الورقة 66 آ ، وذكر ابن قتيبة أن علي بن أبي طالب سأل مالك بن أنس عن حديث من كنت مولاه فهذا علي مولاه « فأجابه كبرت سني ونسيت فقال علي إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لاتواريها العمامة فأصابه البرص . قال أبو محمد ليس لهذا أصل » ابن قتبية : المعاف ص 580 .
( 118 )
وعن البراء بن عازب قال : « لما اقبلنا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في حجته بغدير خم نودي أن الصلاة جامعة وكسح للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم بين شجرتين فأخذ بيد علي بن أبي طالب وقال : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا : بلى يا رسول الله فقال : هذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه » .
وعن أبي هريرة قال « نظرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بغدير خم وهو قائم يخطب وعلي إلى جنبه فأخذ بيده فاقامه وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه »
(1) .
ويذكر اليعقوبي حديث الغدير ويسميه « يوم النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب »
(2) ويقصد به النص على خلافة علي .
ويذكر أيضا في خبر حجة الوداع « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه.... »
(3)
وتكلم المسعودي عن الغدير في أكثر من موضع ففي وقعة الجمل يذكر عتاب علي لطلحة وتذكيره بحديث الغدير
(4) .
ويذكر ذلك أيضا حينما يعدد فضائل علي قال : والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الفضل هي السبق إلى الايمان والهجرة والنصرة والقربى وبذل النفس ..... وكل ذلك لعلى منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر إلى ما ينفرد به من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم « أنت أخي » « ومن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ... »
(5) .
وفي حديث الغدير يقول صاحب كتاب الامامة والسياسة : « وذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية فسمع عمرو يقع في علي فقال : يا عمرو ان اشياخنا سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول من كنت مولاه
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 2 الورقة 66 آ .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 32 .
(3) ن. م ج 2 ص 93 .
(4) المسعودي : مروج الذهب ج 2 ص 377 .
(5) المسعودي : مروج الذهب ج 2 ص 437 .
( 119 )
فعلي مولاه فحق ذلك ام لا فقال عمرو : حق وأنا ازيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم له مناقب مثل مناقب علي ففزع الفتى فقال عمرو : إنه افسدها بأمره في عثمان ... فرجع الفتى إلى قومه فقال : إنا اتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم علي مع الحق فأتبعوه »
(1) .
ويروي الذهبي عدة روايات في حديث الغدير ويميز بينها فيأخذ قسماً منها ويترك الآخر ، فيروي عن جابر الجعفي ولكنه لا يثق بروايته ويروي عن محمد بن جرير الطبري
(2) .
ويؤيد الذهبي رواية زيد بن ارقم ويرى انه حديث صحيح
(3) ، ويورد رواية البلاذري
(4) في حديث الغدير عن البراء بن عازب ويضيف على ذلك قوله : فلقيه عمر بن الخطاب فقال : هنيئاً لك يا علي أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة
(5) .
ويورد ابن كثير في روايته لحديث الغدير نفس الروايات التي ذكرها الذهبي ويضيف عليها روايات أخرى فيأخذ عن النسائي ( ت 301هـ ) في خصائص أمير المؤمنين وعن محمد بن جرير الطبري ويسمي له كتابا في حديث الغدير ويرى أنه جمع فيه كل ما جاء من الروايات في هذا الحديث كما يروي عن عبد الله بن موسى ويصفه بأنه شيعي ثقة
(6) .
ومن هذا نجد أن واقعة الغدير قد أثبتتها بعض المصادر التأريخية عن
____________
(1) ابن قتيبة ( منسوب ) : الإمامة والسياسة ج 1 ص 113 .
(2) الذهبي : تاريخ الإسلام ج 2 ص 195 ، ذكر الذهبي كتاباً لمحمد بن جرير الطبري في فضائل علي ويسميه كتاب الولاية وأخذ عنه في حديث الغدير ، وذكر هذا الكتاب أيضاً ياقوت : معجم اودباء ج 6 ص 452 ، وذكرته المصادر الإمامية وكتب الرجال انظر ، النجاشي : الرجال ص 246 ابن شهراشوب : معالم العلماء ص 106 : ابن طاووس : اليقين ص 188 .
(3) الذهبي : تاريخ از اسلام ج 2 ص 195 ورواية زيد بن أرقم أخذها عن البلاذري : أنساب اوشراف ج 2 الورقة 66 آ .
(4) البلاذري : أنساب او شراف ج 2 الورقة 66 آ .
(5) الذهبي : تاريخ الإسلام ج 2 ص 197 .
(6) ابن كثير : البداية والنهاية في التاريخ ج 5 ص 206 .
( 120 )
إناس شهدوا الحادث ، وقد خفلت المصادر الإمامية برواية حديث الغدير وإعطائه الأهمية الأولى في النص على إمامة علي بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم .
فيرى النوبختي « أن النبي نص على علي وأشار اليه باسمه ونسبه وعينه وقلد الأمة إمامته ونصبه لهم علماً وعقد له عليهم أمرة أمير المؤمنين وجعله أولى الناس منهم بأنفسهم في مواطن كثيرة مثل غدير خم وغيره »
(1) .
وروت الشيعة عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال : « اوصي إلى نبيه وأمره أن ينصب لهم عليا اماما يقتدون به من بعده فخاف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن يقول الناس إنه حابى ابن عمه فأوحى الله اليه (
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك وان لم تفعل فما ... )
(2) ، فقام يوم الغدير فنصب لهم عليا وقال « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ... » قال فأنزل الله (
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ... )
(3) فطاعة علي آخر فريضة نزلت من فرايض الاسلام . قالت الشيعة : لما أمر الله عزّوجلّ ذلك نصب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عليا وأشار اليه واهله للامامة
(4) .
ويذكر فرات في تفسير الآية « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك ... »
(5) لما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بيد علي وقال من كنت مولاه
(6) .
ويقول في تفسير الآية « اليوم اكلمت لكم دينكم ... »
(7) أنها نزلت بعد أن جعل النبي عليا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيقول كان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب
(8) .
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة ص 16 .
(2) سورة المائدة 5 : 67 .
(3) سورة المائدة 5 : 3 .
(4) الرازي : الزينة الورقة 202 .
(5) سورة المائدة 5 : 67 .
(6) فرات : تفسير فرات ص 36 .
(7) سورة المائدة 5 : 3 .
(8) فرات : تفسير فرات ص 14 .
( 121 )
فالولاية هنا يقصد بها الامامة .
ويروي عياش في تفسيره أن الرسول بعد أن نصب عليا ودعا له بالمولاة أن آخر فريضة أنزلها الله الولاية « اليوم اكملت لكم دينكم ... » فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتى قبض الله رسوله
(1) . ويقصد بالولاية الإمامة أيضا .
ويورد الكليني حديث الغدير ويفسر قوله تعالى (
فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) ويقول : إذا فرغت فانصب علمك ، واعلن وصيك فاعلمهم فضله علانية فقال صلّى الله عليه وآله وسلم « من كنت مولاه... »
(2) .
ويذكر أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال « وهو وليكم بعدي فمن كنت مولاه فعلي مولاه ... » ويقول « فاي بيعة تكون آكد من هذه البيعة والولاية »
(3) .
وذكر أن عليا احتج بهذا الحديث حينما سئل عن أفضل مناقبه وشهد له الناس بذلك
(4) .
ويذكر الصدوق حديث « من كنت مولاه ... » ويورد في هذا الباب ثمان روايات وكلها تدل على أن علي هو الخليفة والإمام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فعن علي بن الحسين انه قال « معنى الحديث ان رسول الله أخبرهم أنه الإمام بعده » وعن محمد الباقر قال : « أعلمهم أنه يقوم فيهم مقامه »
(5) .
ثم يفسر قوله تعالى (
وقفوهم انهم مسؤولون ) قال : مسؤولون عن ولاية علي ما صنعوا في أمره وقد أعلمهم الله عزّوجلّ أنه الخليفة بأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم
(6) .
____________
(1) عياشي : تفسير ج 1 ص 332 .
(2) الكليني : الأصول من الكافي ج 1 ص 294 ( كتاب الحجة ) .
(3) النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج 1 ص 16 وانظر أساس التأويل ص 332 ، 358 .
(4) دعائم الإسلام : ج 1 ص 19 وانظر البهروجي : كتاب الأزهار ومجمع الأنوار ص 216 .
(5) الصدوق : معاني الأخبار ص 65 .
(6) ن . م ص 67 .
( 122 )
ثم بعد أن يؤكد الصدوق صحة ما جاء في حديث الغدير ويشرح الحديث ويفسر كلمة مولى وبعد أن يناقش كافة معاني كلمة مولى وايضاح عدم انطباقها ، ينتهي إلى المعنى المراد
(1) ويقول : « وبعد أن انتفت جميع الوجوه السابقة للفظة مولى وبقى ملك الطاعة فثبت أنه عناه وإذا وجب ملك طاعة المسلمين لعلي فهو معنى الإمامة إنما هي مشتقة ممن الايتمام بالانسان والايتمام هو الاتباع والاقتداء والعمل بعمله والقول بقوله »
(2) .
فتفسير الصدوق لهذا الحديث تأكيداً لولاية علي وأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أراد به « من كنت املك طاعته فعلي يملك طاعته »
(3) .
ويورد ابن رستم حديث الغدير عن زيد بن ارقم وعن أبي سعيد وعن ابن عباس
(4) .
ويفسر حديث الغدير ويقول : إن هذا القول يحتمل خمسة معاني لا غير فمنها ولاء النبوة وولاء الايمان والاسلام وولاء العتق وولاية الولاية ثم يؤكد أهمية هذا الحديث لأنه لا يمكن أن يقوم النبي وينادي بتوكيد أمر لا معنى له ولا حاجة للناس فيه فيكون قيامه قيام عابث وهذا منفي عنه ، ويرى أن الولاء لا يكون ولاء النبوة واستحالة ذلك لقول النبي لا نبي
____________
(1) أما المعاني التي يذكرها الصدوق للفظة مولى قال : يحتمل أن يكون المولى مالك الرق كما يملك المولى عبيده وله أن يبيعه ويهبه ، ويحتمل أن يكون المولى المعتق من الرق ، أو المولى المعتق ، وهذه الأوجه ساقطة في قول النبي لأنه لا يجوز أن يكون عني بقوله واحدة منها لأنه لا يملك بيع المسلمين ولا عتقهم من رق العبودية ولا أعتقوه ويحتمل أيضاً أن يكون المولى ابن العم او العاقبة أو المولى لما يلي الشيء مثل خلفه وقدامه ، ثم ينفي هذه الوجوه أيضاً ويقول لا يجوز أن يقول من كنت ابن عمه لأن ذلك معروف وليس يجوز أن يعني به عاقبة أمرهم ولا خلف ولا قدام لأنه لا معنى له ولا فائدة ، ويرى أن المعنى في اللغة الذي عناه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله ومما يؤكد قوله « الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ثم قال « من كنت مولاه ...» فدل ذلك على أن معنى مولاه أولى به من نفسه فقد جعله آمراً مطاعاً لا يجوز أن يعصيه .
الصدوق : معاني الأخبار ص 68 ـ 73 .
(2) الصدوق : معاني الأخبار ص 68 ـ 73 .
(3) ن. م ص 74 وانظر أيضاً الصدوق : الأمالي ص 2 ، 574 ، 122 ، 125 .
(4) ابن رستم : المسترشد ص 117 .
( 123 )
بعدي ولا يجوز كذلك أن يكون ولاء الايمان أو الاسلام أو العتق لأن المؤمن ولي المؤمن لا ولي الكافر وقد يكون إيمان علي قبل أن يقول النبي الولاء لمن اعتق ، وبهذا يبطل الوجوه الخمسة ويرى أن معنى الحديث الولاية ، أي أن يكون أولى بهم أنفسهم كما كان النبي أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معه
(1) .
ويذكر ابن رستم هذا الحديث في التأكيد على إمامة علي ويجعله من ضمن صفاته وفضائله
(2) .
ويذكر الشريف الرضي حديث الغدير وما قيل في هذا اليوم من الأشعار فيورد قصيدة لحسان بن ثابت الأنصاري وقيس بن عبادة ، ويقول إن هذين الشاعرين شهدا بالامامة لعلي بن أبي طالب شهادة من حضر هذا المشهد وعرف المصدر والمورد
(3) .
وقصيدة حسان بن ثابت مشهورة لدى الامامية وقد روتها اكثر مصادرهم
(4) .
أما الأبيات فهي :
ينـاديهـم يـوم الغديـر نبيهـم |
* |
بخـم واسمع بـالرسول مناديـا |
فقـال فمـن مـولاكـم ووليكـم |
* |
فقالوا ولـم يبدوا هناك التعاديـا |
الهـك مـولانـا وأنـت ولينـا |
* |
ولم تر منا فـي المقالة عـاصيا |
فقـال لـه قـم يـا علـي وانني |
* |
رضيتك مـن بعدي إماما وهاديا |
فمـن كنـت مـولاه فهذا وليـه |
* |
فكونوا لـه أنصار صدق مواليا |
هنـاك دعـا اللهــم والِ وليـه |
* |
وكن للذي عادى عليا معاديا (5) |
____________
(1) ابن رستم : المسترشد ص 121 . وانظر رسالة في تحقيق لفظ مولى للمفيد نشرت ضمن رسائل المفيد .
(2) ابن رستم : المسترشد ص 55 .
(3) الشريف الرضي : خصائص أمير المؤمنين ص 6 .
(4) ذكر الأبيات سليم بن قيس : السقيفة ص 203 ، ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 27 ، المفيد : الإرشاد ص 94 ، ولكن لم يرد ذكر للأبيات في ديوان حسان المطبوع .
(5) الرضي : خصائص أمير المؤمنين ص 6 .