ويذكر البلاذري ، لما سم أبو هاشم وهو في طريقه إلى الحجاز عدل الى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالحميمة فأوصى إليه وجمع بينه وبين قوم من الشيعة وأعطاه كتبه فقالت الشيعة : « قد زالت الشبهة وصرح اليقين بأنك الإمام وأن الخلافة في ولدك فمال إليه الناس وثبتوا على إمامته وإمامة ولده
(1) .
فالمقصود بالشيعة هنا الشيعة الهاشمية التي قالت بانتقال الإمامة من أبي هاشم إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وقد ظل اسمهم هذا فترة من الزمن وكان محمد بن علي أول عباسي اعتبرته الهاشمية شيعة أبي هاشم إماماً
(2) .
ويبدو مما مر أن أبا هاشم توفي ولا عقب له
(3) .
ويبدو أن الصلة بين أبي هاشم ومحمد بن علي كانت وثيقة جداً فقد اتصل محمد بن علي بأبي هاشم وكتب عنه العلم وصار تلميذاً أميناً له حتى أنه إذا قام أبو هاشم يركب أخذ له بالركاب
(4) .
كما يذكر صاحب أخبار العباس أنه بعد وفاة أبي هاشم اشتد وجد محمد بن علي عليه وظهر ذلك في وجهه ولما سئل عن سبب جزعه قال « إن ابا هاشم كان رجلاً من ولد علي وكان يتقدم أهلي جميعاً في شدة وده ولي وتعظيمه إياي »
(5) .
وقبل وفاة أبي هاشم دفع إلى محمد بن علي الصحيفة الصفراء ، وهذه الصحيفة كانت لعلي بن أبي طالب ثم أخذها محمد بن الحنفية من أخويه الحسن والحسين لتكون حصته من علم أبيه ظن فلما حضرته الوفاة دفعها إلى ابنه أبي هاشم ، وفيها « علم رايات خراسان السوداء ، متى تكون وكيف تكون، ومتى تقوم ، ومتى زمانها ، وعلاماتها ، وآياتها وأي أحياء
____________
(1) البلاذري : أنساب الاشراف ج 3 الورقة 66 أ .
(2) أخبارالعباس الورقة 75 ب .
(3) البخاري : سر السلسلة العلوية ص 85 .
(4) أخبار العباس الورقة 78 ب .
(5) أخبر العباس الورقة 87 أ .
( 165 )
العرب أنصارهم ، وأسماء رجال يقومون بذلك ، وكيف صفتهم وصفة رجالهم وأتباعهم »
(1) .
وقد ذكر صاحب أخبار العباس وصية أبي هاشم إلى محمد بن علي ، فذكر أن أبا هاشم أخرج من كان في الدار معهما ، ثم قال له : « يا أخي أوصيك بتقوى الله ... ومن بعد ذلك فإن هذا الأمر الذي تطلبه وتسعى في طلبه ، وسعوا فيه فيك وفي ولدك . حدثني أبي أن علياً قال : يا بني لا تسفكوا دماءكم فيما لم يقدر لكم بعدي فإن هذا الأمر كائن بعدكم ببني عمكم من ولد عبد الله بن عباس »
(2) .
ثم دعا أبو هاشم أتباعه وقال لهم : « وهذا صاحبكم ( محمد بن علي ) فأتموا به وأطيعوه ترشدوا فقد تناهت الوصايا إليه »
(3) .
وبهذا صار محمد بن علي « مرشحاً للإمامة واستقر الأمر حين أعطي الصحيفة الصفراء أو صحيفة العلم الباطن »
(4) .
ويذكر الشهرستاني أن الهاشمية تعتقد بالتأويل وان علم الباطن انتقل من علي إلى محمد بن الحنفية ومنه إلى أبي هاشم « وكل من اجتمع فيه هذا العلم فهو الإمام حقاً »
(5) .
وهكذا يظهر أن انتقال الإمامة كان بسبب العلم والبنوة الروحية
(6) . وعلى أثر هذا العهد دعي محمد بن علي إماماً سنة 98 هـ
(7) .
وقد لعب محمد بن علي دوراً كبيراً في تنظيم الدعوة العباسية ، فيذكر الدينوري أنه أول من قام بالأمر وبث دعاته بالأفاق
(8) .
____________
(1) أخبار العباس الورقة 84 ب .
(2) ن. م الورقة 85 ب .
(3) أخبار العباس الورقة 79 ب .
(4) الدوري : ضوء جديد على الدعوة العباسية ، مقالة في مجلة كلية الآداب والعلوم العدد الثاني 1957 ص 68 .
(5) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 243 .
(6) ن. م ج 1 ص 243 .
(7) أخبار العباس الورقة 75 ب .
(8) الدينوري : الأخبار الطوال ص 332 ـ 333 .
( 166 )
وقد ابتدأ محمد بن علي بدعوة شيعته الجديدة ( أتباع أبي هاشم ) ثم اخذ يستعد لنشر دعوته وقد اقتصرت الدعوة على الكوفة في أول الأمر حتى مرت سنة 100 هـ ولم يتجاوز عدد الأتباع 30 رجلاً
(1) .
وبالرغم من أن الدعوة ابتدأت من الكوفة إلا أنه كما يبدو من كلام محمد بن علي للدعاة : « ولا تكثروا من أهل الكوفة ولا تقبلوا منهم إلا النيات الصحيحة » إن الكوفة لم تكن المحل المناسب لنشر الدعوة لميولها العلوية
(2) .
لذلك فقد اتجهت النية بعد سنة 100 هـ إلى خراسان
(3) ، وأوصاهم قال « إنه محرم عليكم ان تشهروا سيفاً على عدوكم كفوا أيديكم حتى يؤذن لكم » لذلك سمي الأتباع الكفية
(4) .
وهكذا كان اختيار خراسان حدثاً فاصلاً في الدعوة . ولعل هذا يفسر اضطراب المؤرخين في تحديد بدء الدعوة إذ أنهم يتحدثون عنها في خراسان ويغفلون الفترة الأولى في الكوفة
(5) .
وقد بين محمد بن علي السبب الذي دعاه لاختيار خراسان في وصيته إلى دعاته والتي يمكن أن نعدها « برنامج الدعوة »
(6) ، قال محمد بن علي : « أما الكوفة وسوداها فشيعة علي وولده ، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف وتقول كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كاعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى ، وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان وعداوة راسخة وجهل متراكم ، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليها أبو بكر وعمر ، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد
____________
(1) أخبار العباس الورقة 89 ب .
(2) ن. م الورقة 89 ب .
(3) أخبار العباس الورقة 88 أ ـ 90 ب .
(4) ن. م الورقة 93 أ ومما بعدها .
(5) الدوري : ضوء على الدعوة العباسية ص 71 .
(6) الدوري : العصر العباسي الأول ص 17 .
( 167 )
الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم يتوزعها النحل وهم جند لهم أجسام وأبدان ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة ، وبعد فإني أتفاءل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق »
(1) .
فبين هنا حالة الأمصار وأن خراسان أصلح مكان للدعوة .
وقد استطاع محمد بن علي أن يسير بالدعوة خطوات كانت بطيئة في بادىء الأمر ، إلا أنه استطاع بتدبيره أن يحكم أمرها فقد أرسل الدعاة وقال لهم : « انطلقوا أيها النفر فادعوا الناس في رمق وستر »
(2) ، وكما أنه استطاع أن يجلب كل العلويين المقاومين للأمويين إلى جانبه وأظهر أنهم إنما يدعون للقضاء على الدولة الأموية ، « وأن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل »
(3) .
كما أن العباسيين دعوا إلى الرضا من آل محمد ولم يعينوا شخصاً وهذه الدعوة مبهمة على العلويين الذين عطفوا على الدعوة وعلى الأمويين الذين قاوموها ، فقد ذكر أن عبد الله بن حسن دعا أهل بيته إلى طعام وكان فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ، وكان قد بلغه خبر الدعوة في خراسان فقال : « إنه قد بلغنا أن أهل خراسان قد تحركوا لدعوتنا فلو نظرنا في ذلك واخترنا منا من يقوم بالأمر ، فقال إبراهيم : نجمع مشايخنا وننظر في ذلك »
(4) . فيبدو من هذا أن الأمر قد خفي على عبد الله بن الحسن ولم يعرف كنه الدعوة إلى الرضا من آل محمد وأنه قد خدع بها من قوله « دعوتنا » . وكما أبهم الأمر على العلويين ، كذلك على الأمويين فقد كان مروان بن محمد حين بلغة أمر الدعوة إلى الرضا من آل محمد شك في شخصية المدعو إليه ، وكان يعتقد أنه عبد الله بن الحسن بن الحسن
(5) .
____________
(1) ابن الفقيه : مختصر كتاب البلدان ص 315 .
(2) الدينوري : الأخبار الطوال ص 332 .
(3) الدوري : العصر العباسي الأول ص 25 .
(4) مؤلف مجهول : نبذة من كتاب التاريخ ص 102 ـ 103 .
(5) ن. م ص 89 .
( 168 )
وهكذا أبعد العباسيون الشبهة عن أنفسهم ، كما أنهم لم يحاولوا الاشتراك مع من قام من العلويين ضد الأمويين ، ففي أيام محمد بن علي ثار زيد بن علي بالكوفة سنة 122 هـ ، حذر العباسيون شيعتهم من الخروج معه فيرد عن بكير بن ماهان أنه قال لأصحابه : « إني أعلم ما لا تعلمون الزموا بيوتكم وتجنبوا زيداً وأصحاب زيد ومخالطتهم فو الله ليقتلن وليصلبن بمجمع من أصحابكم »
(1) كما أن بكيراً خرج هو وجماعة من أتباعه إلى الحيرة ولم يرجعوا حتى قتل زيد وصلب
(2) .
وفي سنة 125 هـ توفي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان قد أوصى إلى ابنه إبراهيم
(3) .
وقام إبراهيم الإمام بأمر الدعوة وقد ساعدته الظروف على نشرها فالحروب الأهلية والفوضى والعصبية القبلية حتى يئس الناس من أمر الدولة الأموية في إصلاح الأمور ويدل على ذلك قول العباس بن الوليد يخاطب الأمويين :
إن البـريـة قـد ملـت سياستكـم |
* |
فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا (4) |
وهكذا استطاع العباسيون أن يستغلوا الظروف المحيطة بهم فاستفادوا من أمور عدة منها فكرة المنقذ أو المهدي فتنبؤوا بسلطان يحيي العدل ، فيذكر الدينوري في سنة 101 هـ « توافدت الشيعة على الإمام محمد بن علي وقالوا له : أبسط يدك نبايعك على هذا السلطان لعل الله يحيى بك العدل ويميت بك الجور ، فإن هذا وقت ذاك أوانه الذي وجدناه مأثوراً عن علمائكم »
(5) .
____________
(1) أخبار العباس الورقة 110 أ وبكير بن ماهان داعي الدعاة ولم أتكلم عن الدعاة وأخبارهم وعن تفصيلات الدعوة لأن هذا يخرج عن الموضوع وإنما اكتفيت بذكر الخطوط الرئيسية للدعوة .
(2) أخبار العباس الورقة 110 أ .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 72 ، أخبار العباس الورقة 114 أ .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 8 .
(5) الدينوري : الأخبار الطوال ص 332 .
( 169 )
وقد أثرت هذه النبوءات حتى على الأمويين ، فيذكر اليعقوبي أن مروان بن محمد قصد الزاب لمواجهة الجيوش العباسية « لأن بني أمية كانت تروي في ملاحمها أن المسودة لا يجوز سلطانهم الزاب »
(1) .
وقد استفاد العباسيون من اختيار الراية السوداء لكونها راية رسول الله في حروبه مع الكفار وقد أوصاهم أبو هاشم باتخاذها وقال : « فعليكم بالسوداء فليكن لباسكم »
(2) .
ويعتقد فان فلوتن أن لاختيار الراية السوداء علاقة بكتب الملاحم إذ كان لواء الرسول أسود ، لذا صارت الراية السوداء رمز الحق والعدل ، ومن ثم صار من الضروري للإمام الذي يزول علي يده سلطان بني أمية أن يتخذ الألوية السوداء شعارا له
(3) . وقيل إن ذلك كان حزناً على إبراهيم الإمام .
وقد قام الدعاة أيضاً بنصيب وافر في تقوية الدعوة وادعوا بأن العباسيين هم آل البيت وأصحاب ميراث الرسول ، فيذكر مسكويه أن أبا داود خالد بن إبراهيم تكلم فقال مبيناً فضل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وعلمه وأن ذلك خلفه عند عترته منهم ورثته وأقرب الناس إليه
(4) .
ويقول الدوري « ولم يتورع الدعاة عن إدخال الآراء غير الإسلامية كمبدأ تناسخ الأرواح ومبدأ الحلول في دعوتهم ، وبهذا جذبوا قسماً كبيراً ممن لم يدخل الإسلام قلوبهم واكسبوا الأئمة حقاً مقدساً »
(5) .
ويذكر الطبري أن خداشاً وهو أحد الدعاة « أظهر دين الخرمية ودعا إليه ورخص لبعضهم في نساء بعض »
(6) .
كما أن الراوندية أتباع أبي هريرة الراوندي قالوا : إن الإمامة لعم
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 83 .
(2) أخبار العباس الورقة 117 أ .
(3) فان فلوتن : السيادة العربية ص 126 .
(4) مسكويه : تجارب الأمم الورقة 106 ب ( حوادث سنة 104 هـ 134 هـ ) .
(5) الدوري : العصر العباسي الأول ص 36 .
(6) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 8 ص 229 .
( 170 )
النبي العباس
(1) ، ومنهم من قال : إن الروح التي كانت في عيسى بن مريم صارت في علي بن أبي طالب ثم في الأئمة واحداً بعد واحد إلى إبراهيم بن محمد وأنهم آلهة
(2) .
كما وضعت الأحاديث عن الرسول وعن علي بن أبي طالب في انتقال السلطان للعباسيين فيرد عن أبي هاشم أنه قال : حدثني أبي « إنه سمع علياً يقول : دخل العباس على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وأنا عنده في منزل أم سلمة وهو متوسد وسادة آدم فألقاها إلى العباس وقال له : اجلس عليها قال : وأقبل عليه يناجيه دوني بشيء لم أسمعه ثم نهض فخرج ، ولما توارى قال : يا علي هون عليك نفسك فليس لك في الأمر نصيب بعدي إلا نصيب خسيس وأن الأمر في هذا وولده يأتيهم عفواً من غير جهد ويدركون ثأركم وينتقمون ممن أساء إليكم »
(3) .
ويذكر المقدسي أن علي بن أبي طالب افتقد عبد الله بن عباس يوماً فسأل عنه فأخبر أنه ولد له مولود فمضى إليه وأخذ المولود وحنكه ودعا له وقال لأبيه : خذ إليك أبا الأملاك ... قد سميته علياً وكنيته أبا محمد
(4) .
وهكذا قوي أمر الدعوة ، فيقول ابن الطقطقي : « لما قدر انتقال الملك إلى بني العباس هيأ لهم جميع الأسباب ، فكان إبراهيم الإمام بالحجاز أو الشام جالساً على مصلاه مشغولاً بنفسه وعبادته ومصالح عياله ... وأهل خراسان يقاتلون عنه ويبذلون نفوسهم وأموالهم دونه وأكثرهم لا يعرفه ولا يفرق بين اسمه وشخصه ، وهو لا ينفق عليهم مالاً ولا يعطي أحدهم راية ولا سلاحاً بل هم يجبون إليه الأموال ويحملون إليه الخراج في كل سنة »
(5) .
ولعل ذلك راجع إلى أنهم كانوا مدفوعين بعوامل سياسية .
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة 42 .
(2) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 306 .
(3) نبذة من كتب التاريخ ص 31 ـ 32 .
(4) المقدسي : البدء والتاريخ ج 6 ص 56 ـ 57 .
(5) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص 145 .
( 171)
ولما مات إبراهيم الإمام سنة 131 هـ أوصى إلى أخيه أبي العباس ويذكر البلاذري الوصية وجاء فيها :
« بسم الله الرحمن الرحيم حفظك الله يا أخي بحفظ أهل الإيمان ... فإذا أنا هلكت فأنت الإمام الذي يقيم ويرعى حرمة أوليائنا ودعاتنا ويتم الله به وعلى يديه ما أثلنا وما أثل لنا » ثم أوصاه بشيعته وأهل بيته وأهل خراسان وأهل الكوفة
(1) .
فلما قتل إبراهيم الإمام خرج أبو العباس من الحميمة يريد الكوفة وكان أول أهله خروجاً لخوفه على نفسه ولمصير الإمامية إليه
(2) .
فلما دخل أبو العباس الكوفة وجماعته « أظهروا أبا سلمة وسلموا إليه الرياسة وسموه وزير آل محمد »
(3) .
وهنا تأتي محاولة أبي سلمة في نقل الخلافة إلى العلويين. وتجمع المصادر التاريخية على أن أبا سلمة حاول نقل الأمر من آل العباس إلى آل علي فأخفي أبو العباس ولم يعلن ظهوره ، ويعلل المسعودي سبب هذه المحاولة أنه لما قتل إبراهيم الإمام خاف أبو سلمة انتقاض الأمر وفساده
(4) ، ولكن هذا التفسير مردود لأن مركز العباسيين تحسن بانتصاراتهم العسكرية
(5) . أما صاحب العيون والحدائق فيقول : إن أبا سلمة كان هواه مع جعفر بن محمد الصادق ولكنه أخفي ذلك ولم يمكنه مخالفة الجمهور
(6) .
أما ابن الطقطقي فيذكر أن أبا سلمة لما سبر أحوال بني العباس عزم على العدول عنهم إلى بني علي
(7) . ويقول الدوري « وهذا تفسير اعتذاري
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 27 أ .
(2) ن. م ج 3 الورقة 27 أ ، قتله مروان بن محمد بعد أن بلغه أنه يؤهل نفسه للخلافة انظر اليعقوبي ج 3 ص 79 .
(3) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص 84 .
(4) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 268 ، اليعقوبي ج 3 ص 81 ، الطبري
ج 9 ص 124 .
(5) الدوري : العصر العباسي ص 51 .
(6) العيون والحدائق ص 181 .
(7) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص 154 .
( 172 )
لأن الحكم لم يصبح بيد العباسيين بعد
(1) .
وهكذا كان أول عمل قام به أبو سلمة الخلال بعد دخوله الكوفة « ان أظهر الإمامة الهاشمية ولم يسم الخليفة
(2)» .
وقد يكون أبو سلمة مدفوعاً بميوله العلوية لذلك عزم على هذا الأمر « فالكوفة علوية والخلال يميل لبني علي ثم أن المجال كان مفسوحاً أمامه ليحقق ما يميل إليه وخاصة أن المدعو له لم يكن معروفاً من الجمهور »
(3) .
وقد أرسل أبو سلمة الخلال ثلاث رسائل إلى كل من جعفر بن محمد الصادق وعبد الله بن الحسن بن الحسن وعمر بن الأشرف بن زيد العابدين ، فأحرق الصادق الكتاب ورفض عمر بن الأشرف وأجاب عبد الله بالرغم من تحذير الصادق له
(4) .
وقد رشح عبد الله بن الحسن ابنه محمد لهذا وقال لرسول أبي سلمة : « أنا شيخ كبير وابني محمد أولى بهذا الأمر مني وأرسل إلى جماعة من بني أبيه وقال : بيعوا لابني محمد »
(5) .
وقد منع الصادق عبد الله بن الحسن من قبول هذه الدعوة وقال له : « ياأبا محمد ومتى كان أهل خراسان شيعة لك أأنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان : أأنت أمرته بلبس السواد ، وهؤلاء الذين قدموا إلى العراق أكنت سبب قدومهم أو وجهت فيهم وهل تعرف منهم أحداً »
(6) .
وقد كانت نتيجة هذه المحاولة الفشل لأنها لم تجد صدى من قبل العلويين ما عدا عبد الله بن الحسن ، فلم تخف هذه المحاولة على
____________
(1) الدوري : العصر العباسي ص 51 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 82 .
(3) الدوري : العصر العباسي ص 52 .
(4) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص 86 .
(5) اليعقوبي ج 3 ص 86 .
(6) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 267 وانظر نبذة من كتاب التاريخ ص 114 ـ 115 .
(1) أخبار العباس الورقة 88 ب .
( 173 )
الصادق لأن أبا سلمة كان من الهاشمية ومن الأوائل الذين ارتبطوا بمحمد ابن علي
(1) .
ولهذا يقول ابن الطقطقي عن أبي سلمة : « وزير آل محمد وفي النفس أشياء »
(2) كما أن المحاولة لم تجد صدىعند الخراسانيين فقد قالوا لأبي سلمة : « يا أبا سلمة ما لك تدعونا وما أنت لنا بإمام »
(3) .
وكان على رأس المعارضين لهذه الدعوة أحد القواد وهو أبو الجهم فقد ألح على أبي سلمة بإضهار أبي العباس وقد اكتشف محاولته فجاء الخراسانيون إلى أبي العباس ومعهم أصحابهم في السلاح فبايعوه وبايع الخلال
(4) .
وقد بويع أبو العباس السفاح بالخلافة سنة 132 هـ وخطب بالكوفة فقال : « الحمد الله الذي اصطفى الإسلام ديناً لنفسه فكرمه وشرفه ... واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه ... وخصنا بعم رسول الله ... وأنشأنا من شجرته واشتقنا من نبعته فوضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع وذكرنا في كتابه المنزل فقال : (
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ... ) ثم جعلنا ورثته وعصبته »
(5) .
ويذكر الطبري نص الخطبة كما أوردها البلاذري ويضيف عليه « فوضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع ... ثم يذكر قوله تعالى : (
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ) وقال : (
لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) وقوله : (
وانذر عشيرتك الأقربين )
(6) .
وقد مر بنا ذكر هذه الآيات واحتجاج الشيعة بها وأنها من دلائل إمامة علي بن أبي طالب وأولاده .
____________
(2) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص 155 .
(3) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص 86 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 125 .
(5) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 39 ب .
(6) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 125 .
( 174 )
وكان أبو العباس موعوكاً فقام عمه داود بن علي وخطب مكانه قال مبيناً السبب الذي دعاهم إلى الخروج : « وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا والغضب لبني عمنا ... ثم قال : لكم ذمة الله وذمة رسول الله وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل بكتاب الله ونسير في العامة منكم والخاصة بسيرة رسول الله » ثم أشاد بجهود أهل الكوفة وأهل خراسان
(1) .
وهكذا أبان العباسيون أنهم جاؤوا إلى هذا الأمر لكونهم ورثة الرسول وأنهم آل البيت وقد ذكرهم الله في القرآن .
ثم ادعوا أنهم إنما خرجوا طلباً للثأر ممن قتل أبناء عمهم ولإحياء العدل بين الناس . كما أكدوا أنهم سيسرون بسيرة الرسول ويعلموا بكتاب الله .
وهكذا نجد أن تشيع العباسية كان أصله من قبل محمد بن الحنفية وقد بقي هذا مدة من الزمن وفي أيام المنصور أظهر أن الخلافة جائتهم عن طريق العباس عم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأصدق مثل على ذلك المكاتبات التي دارت بين المنصور ومحمد ذي النفس الزكية فكلها تأكيد على أحقية العباس بالخلافة
(2) . وسنأتي على بيان ذلك في الفصل الرابع . ثم جاء المهدي فردهم إلى إثبات الإمامة للعباس وقال لهم : قولوا إن الإمامة كانت للعباس عم النبي لأنه كان أولى الناس به وأقربهم إليه ثم من بعده لعبد الله ابن العباس ثم لعلي بن عبد الله ثم لمحمد بن علي ثم لإبراهيم بن محمد ثم لأبي العباس ثم لأبي جعفر ثم للمهدي
(3) .
والذي دعا العباسيين إلى أنهم في أول أمرهم تعلقوا بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ضعف مركزهم في بداية أمرهم ولما قوي مركزهم وتوطدت أركان دولتهم رجعوا عن دعوتهم الأولى وادعوا بأنهم جاؤوا لهذا الأمر بوراثة النبي من قبل عمه العباس .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 125 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 11 أ ـ 11 ب .
(3) أخبار العباس الورقة 74 أ ـ ب .
( 175 )
وهكذا انفرد العباسيون بالخلافة بعد أن استغلوا العلويين واتخذوهم وسيلة للوصول إلى أغراضهم كما حاربوهم ونكلوا بهم بصورة أشد وأقسى من الأمويين وسيأتي بيان ذلك .
وكان أبو جعفر المنصور أول هاشمي أوقع الفرقة بين بني عبد المطلب بن هاشم حتى قيل : عباسي وطالبي
(1) .
ولم يقتصر الأمر على التسمية وإنما بدأ بسياسة العباسيين مع العلويين ومحاربتهم له ، وسنبين ذلك في الفصل التالي .
____________
(1) اليعقوبي : مشاكلة الناس لزمانهم ص 22 ـ 23 .