أما الفرقة التاسعة فقالت : إن الإمام محمد بن علي بإشارة أبيه إليه ونصبه له إماماً ونصه على اسمه وعينه ،
ولا يجوز أن يشير الإمام بالإمامة والوصية إلى غير إمام فلا ثبتت إمامته على أبيه ، ثم بدا لله في قبضه في
حياة أبيه أوصى محمد إلى جعفر أخيه بأمر أبيه ووصاه ودفع إليه الوصية والعلوم والسلاح إلى غلام يقال له
نفيس كان في خدمة أبي الحسن ( الهادي ) وكان ثقة أميناً ... وهكذا فالإمامة صارت لجعفر بن علي بوصية
أخيه محمد وهذه الفرقة تسمى النفيسية »
(1).
وقد ظهرت فرقة من النفيسية قالت : « إن الإمامة لجعفر بوصية نفيس إليه عن محمد أخيه ، وأنكروا وصية
الحسن بن علي ( العسكري ) وقالوا : لم يوصِ إليه أبوه ولا غير وصيته إلى محمد ابنه »
(2).
ويقول النوبختي وهذه الفرقة « تتقول على أبي محمد الحسن بن علي ( العسكري ) تقولاً شديداً وتكفره
وتكفر من قال بإمامته وتغلو في القول في جعفر وتدعي أنه القائم وتفضله على ابن أبي طالب وتعتقد في ذلك
بأن القاسم أفضل الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم »
(3).
ويسمي سعد القمي هذه الفرقة النفيسية الخالصة
(4).
وتقول الفرقة العاشرة : إن الحسن بن علي قد توفي وهو الإمام وخلف ابناً بالغاً يقال له محمد وهو الإمام من
بعده وأن الحسن العسكري أشار إليه ودل عليه وأمره بالإستتار في حياته خوفاً عليه ، فهو مستتر خائف تقية
من عمه جعفر وأنه قد عرف في حياة أبيه ولا ولد للحسن بن علي ( العسكري ) غيره ، فهو الإمام وهو
القائم لا محالة ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن الصادق أنه قال « القائم من يخفي ولادته على الناس
ويخمل ذكره ولا يعرفه الناس »
(5).
____________
(1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 112.
(2) ن. م ص 113.
(3) النوبختي : فرق الشيعة ص 89.
(4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 114.
(5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 114.
( 277 )
أما الفرقة الحادية عشرة : فقد قالت أيضاً بموت الحسن بن علي ( العسكري ) وأن لا خلفاً ذكراً يقال له علي
، وكذبوا القائلين بمحمد وزعموا أنه لا ولد للحسن غير علي وأنه قد عرفه خاصة أبيه وشاهدوه وهي فرقة
قليلة بناحية سواد الكوفة
(1).
وقالت الفرقة الثانية عشرة : « إن للحسن بن علي ولداً ولد بعده بثمانية أشهر وأنه مستتر لا يعرف اسمه ولا
مكانه ، واعتلوا في تجويز ذلك بحديث يروي عن ابي الحسن الرضا أنه قال إنكم ستبتلون بالجنين في بطن
أمه والرضيع »
(2).
الفرقة الثالثة عشرة ، قالت : « لا ولد للحسن بن علي أصلاً ... ولو جاز أن يقول في مثل الحسن بن علي
( العسكري ) وقد توفي ولا ولد له ظاهر معروف وأن له ولداً مستوراً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت
من غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي أن يقال خلف ابنا رسولاً »
(3).
أما الفرقة الرابعة عشرة : فقد اختلف عليها الأمر فقالت « إلا انا نقول أن الحسن بن علي ( العسكري ) كان
إماماً مفترض الطاعة ثابت الإمامة وقد توفي وصحت وفاته والأرض لا تخلو من حجة فنحن نتوقف ولا نقدم
على القول بإمامة أحد بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفاً وخفي علينا أمره حتى يصح لنا الأمر ويتبين
ونتمسك بالأول كما أمرنا ، أنه إذا هلك الإمام ولم يعرف الذي بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر ،
فنحن نأخذ بهذا ونلزمه ولا ننكر إمامة أبي محمد ( الحسن العسكري ) ولا موته ولا نقول إنه رجع بعد موته
ولا نقطع على إمامة أحد من ولده »
(4).
نلاحظ أنه بعد أن وضحت فكرة الإمامة عند الشيعة وعرفوا منزلة الإمامة وصفاته كما علموا بوجوب الإمامة
وعدم خلو الأرض منها ، وأن الإمامة محصورة في أولاد الحسين وأنها لا يمكن أن تكون إلا في
____________
(1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 114.
(2) ن. م ص 114.
(3) ن. م ص 115.
(4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 115.
( 278 )
الأعقاب وأعقاب الأعقاب ، لكن الشيعة واجهت في هذه الفترة أي بعد وفاة الحسن العسكري سنة 260 هـ
مشكلة هي اخفاء شخص الإمام وعدم معرفته وقد عللت الإمامية هذا الأختفاء تقية من السلطة الحاكمة وشدة طلبها للأئمة.
وقد سبب اختفاء الإمام ظهور الانقسامات والإختلافات الواسعة بين فرق الشيعة فظهرت فرق متعددة ذات
دعوات متعددة
(1).
ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان ) :
أما الفرقة الخامسة عشرة فهي الإمامية
(2). ونلاحظ هنا ترد لفظة الإمامية لأول مرة
عند سعد القمي والنوبختي أي بعد أن كملت السلسلة ووضح أمر الإمامة.
فالشيعة الإمامية قالت : « إن لله في أرضه بعد مضي الحسن بن علي ( العسكري ) حجة على عباده وخليفة
في بلاده قائم بأمره من ولد الحسن ابن علي بن محمد بن علي الرضا ، مبلغ عن آبائه مودع عن أسلافه ما
استودعوه من علوم الله وكتبه وأحكامه وفرائضه وسننه »
(3).
فنلاحظ أن الشيعة الإمامية تؤكد وجوب الإمامة وكونها في أولاد الحسن العسكري كما أن الإمام حافظ للعلوم
والأحكام والفرائض.
ولما كانت الشيعة الإمامية ترى أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين ، « لذلك لا يجوز إلا أن
يكون في عقب الحسن بن علي ابن محمد إلى فناء الخلق »
(4).
____________
(1) وقد اعتمدت على المصادر الإمامية في بيان الانقسامات في فرق الشيعة ولو ان كتب الفرق الاُخرى
كالفرق بين الفرق للبغدادي ، والملل والنحل للشهرستاني تتناول الإمامية وفرقهم إلا أن التطورات التي
تذكرها المصادر الإمامية أوسع لتوضيح فكرة الإمامة عند الشيعة مما تذكره المصادر الاُخرى . وأحسن هذه
المصادر هو كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب المقالات والفرق لسعد القمي لأن بقية المصادر تنقل عنهما.
(2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 102 وانظر النوبختي ص 90.
(3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 102.
(4) ن. م ص 102 . وانظر :
. Monthomery Watt : The Reppaisal of Abbasid shi,ism
( 279 )
لذلك تمسكت الشيعةالإماميةبإمامةالحسن العسكري وأقرت بوفاته كما آمنت أن له خلفاً من صلبه وأنه الإمام
بعد أبيه الحسن العسكري لكنه مستتر خائف مغمور ومأمور بذلك حتى يأذن الله عزّ وجلّ له فيظهر ويعلن
أمره
(1).
ومن هنا بدأت فكرة غيبة الإمام التي تطورت فيما بعد وأصبحت من عقائد الإمامية الأساسية المتعلقة بالإمامة.
وقد عللت الإمامية اختفاء الإمام تقية كما أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حال نبوته بترك
إظهار أمره والسكوت والإختفاء من أعدائه والإستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم من الإمامة
ومثلوا لذلك بالهجرة إلى الحبشة واختفاء النبي في الغار
(2).
كما احتجوا بحديث عن علي بن أبي طالب قال « إن الله لا يخلي الأرض من حجة له على خلقه ظاهراً معروفاً أو خافياً مغموراً لكي لا تبطل حجته وبيناته
(3)».
وقالوا : « هو غائب خائف مغمور مستور بستر الله متبع لأمره عزّ وجلّ ولأمر أبائه ، بل البحث عن أمره
وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرم لا يحل ولا يسع لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا
وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه ودماء شيعته وانتهاك حرمته »
(4).
وقالوا أيضاً في اختفائه : « والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منا وقد قال أبو عبد الله جعفر
بن محمد ( الصادق ) : وهو ظاهر الأمر معروف المكان مشهور الولادة والذكر لا ينكر نسبه ، شائع اسمه
وذكره في الخاص والعام من سماني بإسمي فعليه لعنة الله وقد كان الرجل
____________
(1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 103.
(2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 103.
(3) ن. م ص 104.
(4) ن. م ص 104.
( 280 )
من أوليائه وشيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية ، فإذا لقيه أبو عبد الله شكره على فعله»
(1).
وأوجبوا التقية في هذا الزمان « لشدة الطلب وضيق الأمر وجور السلطان عليهم وقلة رعايته لحقوق أمثالهم
، ومع ما لقي أبو الحسن من المتوكل وما حل بأبي محمد ( العسكري ) من صالح بن وصيف وما نالت
الشعية من الأذى والتعنت »
(2).
كما تؤكد الشيعة الإمامية بأن إمامته قد صحت بشهادة الشهود « لأن الإشارة بالوصية من إمام إلى إمام بعده
لا تصح ولا تثبت إلا بشهود عدول من خاصة الأولياء أقل ذلك شاهدان فما فوقهما »
(3).
وهكذا فالشيعة الإمامية تقول : « إن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ
ولا عم ولا ولد ، ولد ومات أبوه في حياة جده ولا يزول عن ولد الصلب ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له
لصلبه وله ولد ولد »
(4).
فيلاحظ هنا التأكيد على إمامة الولد بعد الوالد.
ويذكر سعد القمي « فهذه سبيل الإمامة وهذا المنهاج الواضح والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه
الإجماع من الشيعة الإمامية »
(5).
ويقول المفيد : « ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في
كل زمان وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي »
(6).
____________
(1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 105.
(2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 105.
(3) ن. م ص 106.
(4) ن. م ص 106.
(5) ن. م ص 106.
(6) المفيد : أوائل المقالات ص 7.
( 281 )
فهذه أهم المبادئ التي بنت عليها الشيعة الإمامية نظرية الإمامة فيما بعد.
وقد أثبتت الشيعة الإمامية إمامة محمد بن الحسن بن علي ( المهدي ) بعدة أدلة ونصوص منها ما رواه
الكليني.
فقد أورد عن علي بن محمد ... عن ضوء بن علي العجلي عن رجل من أهل فارس قال أتيت سر من رأى
ولزمت باب أبي محمد ( الحسن العسكري ) فدعاني من غير أن استأذن ، فلما دخلت وسلمت قال لي : يا أبا
فلان ما الذي أقدمك ؟ قلت : رغبة في خدمتك قال : فقال : فألزم الدار قال : فكنت في الدار مع الخدم ثم
صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال ، فدخلت عليه
يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل ،
فخرجت علي جارية معها شيء مغطى ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها : أكشفي عما
معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ... فقال : هذا صاحبكم ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى
مضى أبو محمد ( الحسن العسكري ) »
(1).
كما روي أيضاً عن علي بن محمد عن محمد بن علي بن بلال قال « خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه
بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده »
(2).
وعن علي بن يحيى ... عن أبي هاشم الجعفري قال « قلت لأبي محمد : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن
لي أن أسألك ؟ فقال : سل قلت : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم قلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه
قال : بالمدينة »
(3).
____________
(1) الكليني : الكافي ج 1 ص 328.
(2) ن. م ج 1 ص 328.
(3) ن. م ج 1 ص 328.
( 282 )
وعن علي بن محمد ... عن عمرو الأهوازي قال « أراني أبو محمد ابنه وقال هذا صاحبكم بعدي »
(1).
وبالإضافة إلى هذا يفرد الكليني باباً خاصاً في تسمية من رأى المهدي.
فروي عن علي بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر وكان أسن شيخ من ولد رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلّم بالعراق فقال : رأيته بين المسجدين وهو غلام
(2). وعن
علي بن محمد عن فتح مولى الرازي قال : سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه قد رآه ووصف له قده
(3).
ولكن بالرغم من كل هذه التأكيدات على شخصية المهدي ووجوده وكونه ابن الحسن العسكري ، إلا أنه قد
نهي عن ذكر اسمه.
فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن العسكري يقول :
الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ قال : إنكم لا
ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت : « فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا الحجة من آل محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ »
(4).
كما أن الحسن العسكري قد مهد السبيل لغيبة ابنه ولجعل الغيبة شيئاً مألوفاً فيذكر المسعودي : « إن أبا
الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عدد يسير من خواصه فلما أفضى الأمر إلى أبي
محمد كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان
وأن ذلك كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة
بالاحتجاب والإستتار »
(5).
____________
(1) الكليني : الكافي ج 1 ص 328.
(2) الكليني : الكافي ج 1 ص 330.
(3) ن. م ج 1 ص 331.
(4) ن. م ج 1 ص 333.
(5) المسعودي : إثبات الوصية ص 225.
( 283 )
وبالإضافة إلى ما مر أحاديث تشير إلى إمامة المهدي بوصية إبيه الحسن العسكري فقد استدلت الشيعة على
إمامته أيضاً بالحديث المأثور عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأن الأئمة اثنى عشر إماماً ، فقد
ذكر سليم بن قيس « أن علياً سأل رسول الله عن الأوصياء بعده فأخبره أنهم اثنا عشر إماماً منهم المهدي »
(1).
ويورد الصدوق عن جابر الأنصاري قال « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المهدي من ولدي
اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم »
(2).
ويذكر النص على القائم من أمير المؤمنين علي عن كميل بن زياد النخعي قال « قال لي أمير المؤمنين : لا
تخلو الأرض من قائم لله بحججه ظاهر أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته »
(3).
كما يذكر أيضاً أن القائم قد نص عليه في اللوح الذي أهداه الله إلى رسول ودفعه إلى فاطمة
(4).
وعن الحسين بن علي عن رجل من همدان قال : « سمعت الحسين بن علي يقول : قائم هذه الأمة التاسع من
ولدي وهو صاحب الغيبة يقسم ميراثه وهو حي »
(5).
وعن الباقر عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر ( الباقر ) : شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في
أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج فقال : يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحشوة من أذنيك والله ما أنا بصاحبكم
قلت : فمن صاحبنا قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم »
(6).
____________
(1) سليم بن قيس : السقيفة ص 94.
(2) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 403 وانظر الكنجي : البيان في أخبار صاحب الزمان
ص 102 وما بعدها.
(3) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 410.
(4) ن. م ج 1 ص 425.
(5) ن. م ج 1 ص 434.
(6) الصدوق : كمال الدين ج 1 ص 441.
( 284 )
وعن الصادق قال « إذا اجتمعت ثلاثة إسامِ متوالية محمد وعلي والحسن فالرابع القائم »
(1).
وعن موسى بن جعفر وقد سأله دواد بن كثير الرقي عن صاحب هذا الأمر فقال : « هو الطريد الوحيد
الغريب الغايب عن أهله الموتور بأبيه »
(2).
وعن الرضا عن الريان بن الصلت قال سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عن القائم فقال : لا يرى
جسمه ولايسمى باسمه »
(3).
وعن محمد الجواد قال « إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر فقيل له : لم سمي المنتظر قال : لأن
له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها »
(4).
وعن الإمام علي الهادي عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن ( علي الهادي ) يقول : الخلف
من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت : ولم فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل
لكم ذكر اسمه »
(5).
وهكذا تؤكد الشيعة الإمامية إمامة القائم بالنصوص الواردة في إمامته عن النبي صلّى الله وعليه وآله وسلّم والأئمة.
أما الشيخ المفيد فيستدل على إمامته « ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالإستدلال الصحيح من
وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم ... وعدم هذه الصفات من كل أحد سوى من
أثبتت إمامته أصحاب الحسن بن علي وهو ابنه المهدي »
(6).
ويستدل الطوسي على إمامته بكونه معصوماً لا يجوز عليه الغلط
(7).
____________
(1) الصدوق : كمال الدين ج 2 ص 3.
(2) ن. م ج 2 ص 30.
(3) ن. م ج 2 ص 41.
(4) ن. م ج 2ص 50.
(5) ن. م ج 2 ص 53.
(6) المفيد : الإرشاد ص 347.
(7) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 217.
( 285 )
ولما كان القول بالغيبة قد ظهر في فترة سابقة لهذه الفترة عند بعض فرق الشيعة ، فلذلك تبطل الشيعة
الإمامية قول كل من ادعى الغيبة وتؤكد أنها وقعت في محمد المهدي ( ابن الحسن العسكري ).
وقد مر بنا دعوى السبأية التي قالت بعودة علي بن أبي طالب بعد موته ، فيقول الطوسي والذي يفسد قول
هؤلاء : « بما ذللنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته ، وبما بينا أن الأئمة اثنا عشر وصحة إمامة ابن
الحسن »
(1).
ويبطل كذلك إمامة محمد بن الحنفية ، وكذلك من ذهب إلى القول بأنه المهدي ، ويقول : « إذا بينا أن
المهدي من ولد الحسين بطل قول المخالف في إمامته
(2) ، كما يقول أن الإمامة لا
تعود في أخوين بعد الحسن والحسين ، ولا يكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب »
(3).
ويبطل قول الناووسية الذين وقفوا على إمامة جعفر الصادق وقالوا إنه المهدي ، « لصحة إمامة ابنه موسى
بن جعفر وما ثبت من إمامة الاثنى عشر ، ويؤكد ذلك ما ثبت من صحة وصيته إلى من أوصى إليه »
(4).
وكذلك يبطل قول الواقفة على موسى بن جعفر لنفس الأسباب ، وقول المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن
علي العسكري ، ويقول : ثبت أن محمداً مات في حياة أبيه
(5).
ثم يرد على من قال بأن الإمام الحسن العسكري حي ، وعلى من قال بأنه مات ويرجع بعد موته ، ومن قال
بإمامة جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ، كما يرد من قال بأنه لا ولد له ، وأن الإمامة انقطعت بعد وفاة
الحسن العسكري
(6).
____________
(1) الطوسي : الغيبة ص 117.
(2) ن. م ص 118.
(3) ن. م ص 118.
(4) ن. م ص 119.
(5) الطوسي : الغيبة ص 120.
(6) ن. م ص 130 ـ 135.
( 286 )
وهكذا يؤكد الطوسي أن الإمامة في المهدي بن الحسن العسكري وأنه القائم ، إلا أنه غائب مستور.
وتعلل الشيعة الغيبة بالتقية ولما كان المهدي عند الشيعة هو الإمام المنتّظر لدولة الحق الذي سيملأ الارض
عدلاً فقد غاب حتى يخرج « وليس لأحد في عنقه بيعة »
(1).
أما المرتضى فيذكر أن « السبب في الغيبة ، هو إخافة الظالمين له ومنعهم يده من التصرف فيما جعل إليه
التصرف فيه لأن الإمام إنما ينتفع به النفع الكلي إذا كان متمكناً مطاعاً مخلى بينه وبين أغراضه يقود الجنود
ويحارب البغاة ... وكل ذلك لا يتم إلا مع التمكن فإذا حيل بينه وبين أغراضه سقط عنه فرض القيام بالإمامة
، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته والتحرز من المضار واجب عقلاً وسمعاً ».
ثم يضرب مثلاً باستتار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الشعب والغار وأن هذا الإستتار سببه
الخوف.
كما يذكر أنه لا فرق بين قصر الغيبة وطولها لأنها مقرونة بسببها فتقصر بقصره وتزول بزواله
(2).
ويعلل المفيد سبب الغيبة ويقول « إن استتار ولادة المهدي بن الحسن ( العسكري ) عن جمهور أهله وغيرهم
وخفاء ذلك واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف ولا مخالفاً لحكم العادات. ويقول : من الناس من
يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد فلا يزال مستوراً حتى يتمكن
من إظهاره على أمان منه »
(3).
ويفسر الطوسي سبب الغيبة بالتقية ويقول : « وإمام الزمان كل الخوف عليه لأنه يظهر بالسيف ويدعو إلى
نفسه ويجاهد من خالف عليه »
(4).
____________
(1) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 439.
(2) المرتضى : مسألة في الغيبة ( نفائس المخطوطات المجموعة الرابعة ص 11 ).
(3) المفيد : الفصول العشرة في الغيبة ص 6 ـ 7.
(4) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 217.
( 287 )
فنلاحظ هنا التأكيد على الظهور بالسيف ، بعد أن امتنعت الشيعة الإمامية عن إشهار السيف بوجه الظالم في
الفترة السابقة.
كما يذكر الطوسي « لا علة تمنع من ظهوره ( المهدي ) إلا خوفه على نفسه من القتل لأنه لو كان غير ذلك
لما ساغ له الإستتار ، وكان يتحمل المشاق والأذى ، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء إنما تعظم لتحملهم
المشاق العظمية في ذات الله تعالى »
(1).
كما تذكر الشعية أن للقائم غيبة صغرى وأخرى طويلة الأمد ، فقد ذكر النعماني عن محمد بن يعقوب ... عن
إسحاق بن عمار قال قال : أبو عبد الله : « للقائم غيبتان إحداهما طويلة والاُخرى قصيرة ، فالأولى يعلم
بمكانه فيها خاصته من شيعته والاُخرى لا يعلم يمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه »
(2).
كما تروي الشيعة أن للقائم أيام غيبته سفراءاً بينه وبين شيعته وهؤلاء من خاصة الشيعة الموثوق بهم وعن
طريقهم يجري الإتصال بين المهدي وشيعته
(3).
كما كانت تصدر منه ( المهدي ) توقيعات إلى شيعته فيما يشكل عليهم من أمور الدين ويذكر الطوسي عدداً
من هذه التوقيعات ، ومن جملة ما ذكره عن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي : قال :
اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزّ وجلّ فوض إلى الأئمة أن يخلقوا أو يرزقوا ، فقال قوم : هذا محال
لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ ... وتنازعوا في ذلك ، فكتبوا
المسألة وأنفذوها إليه مع أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ( من السفراء أيام الغيبة ) فخرج إليهم من جهته
( المهدي ) توقيع نسخة :
____________
(1) الطوسي : الغيبة ص 199.
(2) النعماني : الغيبة ص 89.
(3) الطوسي : الغيبة ص 214 وما بعدها وانظر الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص
424 وما بعدها.
( 288 )
« إن الله تعالى خلق الأجسام وقسم الأرزق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع
العليم ، وأما الأئمة فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق أيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم »
(1).
وبالرغم من غيبة المهدي إلا أن الشيعة تعتقد بظوره وعودته وأنه سيحيي العدل ويملأ الأرض عدلاً كما
ملئت ظلماً وجوراً وتستدل على هذا بعدة أدلة منها ما بشر به النبي من ظهور القائم ، كما وتؤكد هذا بآيات
من القرآن تفسرها بقيام القائم ، وما ورد من أحاديث عن آبائه الأئمة بظهوره.
فيروي الصدوق عن جابر الأنصاري قال قال : رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « المهدي من
ولدي اسمه إسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل
كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً »
(2).
كما تروي الشيعة الإمامية عدداً من الآيات وتفسرها بقيام المهدي منها ما ذكره فرات عن أبي جعفر ( الباقر )
في قول الله تعالى : (
كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين )
(3) ، قال : نحن وشيعتنا قال أبو جعفر : ثم شيعتنا أهل البيت (
في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من
المصلين )
(4) يعني من شيعة علي بن أبي طالب (
ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين )
(5) فذاك
____________
(1) الطوسي : الغيبة ص 187 وما بعدها وانظر الجزائري : الأنوار النعمانية ج 2 ص 21 وانظر أيضاً
الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص 435 وما بعدها ، كما يذكر ابن طاووس في مهج
الدعوات ومنهج العبادات أدعية للإمام المهدي انظر ص 194 ـ 295.
(2) الصدوق : كمال الدين ج 1 ص 403 ، والنظر لطف الله : منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص
58 وما بعدها وأكثرها أحاديث عن النبي تنشر بظهر القائم.
(3) سورة الواقعة 56 : 27.
(4) سورة المدثر 74 : 42.
(5) سورة المدثر 74 : 44.
( 289 )
يوم القائم وهو يوم الدين (
وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين )
(1) أيام القائم »
(2).
ويذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسير الآية (
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا
ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله )
(3) ، قال
أيام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة »
(4).
كما يذكر رواية عن أبي عبد الله ( الصادق ) في تفسير قوله تعالى : (
اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير )
(5) قال
إن العامة يقولون : نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما أخرجته قريش من مكة ، وإنما
هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين
(6).
وعن أبي الجارود في قوله تعالى : (
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا
الصلاة وآتوا الزكاة )
(7) فهذه لآل محمد إلى آخر الأئمة والمهدي
وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر به الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما
أمات السفهاء الحق حتى لا يرى أين الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر »
(8).
كما يفسر قوله تعالى (
واقتربت الساعة )
(9) يعني خروج القائم
(10).
ويرد في تفسير العياشي عدداً من الأيام تتعلق بظهور القائم كما يفسرها. فيذكر عن جابر عن أبي جعفر
( الباقر ) في قول الله (
وأذان من الله
____________
(1) سورة المدثر 74 : 46.
(2) فرات : تفسير فرات نقلاً عن بحار الأنوار للمجلسي ج 59 ص 61 ( طبع إيران باجزاء لم تتم بعد )
ولم أجد هذا في التفسير المطبوع.
(3) سورة إبراهيم 14 : 5.
(4) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 221.
(5) سورة الحج 22 : 39.
(6) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 274.
(7) سورة الحج 22 : 41.
(8) القمي : تفسير القمي ص 274.
(9) سورة القمر 54 : 1.
(10) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 343.
( 290 )
ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر )
(1) ، قال : خروج القائم و « أذان » دعوته إلى نفسه
(2)،
ويذكر عن زرارة قال : قال أبو عبد الله ( الصادق ) : سئل أبي عن قول الله : (
قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )
(3).
حتى لا يكون مشرك (
ويكون الدين كله لله ) ، ثم قال :
إنه لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قد قام قائمنا سيرى من سيدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين
محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله
(4).
وبالإضافة إلى هذا تؤكد الشيعة ظهور المهدي بما ورد من أحاديث عن الأئمة فيذكر النعماني عن أم هانئ
عن أبي جعفر الباقر في معنى قول الله « فلا أقسم بالخنس » فقال : يا أم هانئ امام يخنس نفسه حتى ينقطع
عن الناس علمه سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء فإن أدركت ذلك الزمان قرت
عينيك
(5).
وعن أبي عبد الله الصادق عن آبائه قال « زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين علي فركب هو وابناه الحسن
والحسين فمر بثقيف فقالوا : قد جاء علي يرد الماء فقال علي : أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله
رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ... وليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد من
حاجة »
(6).
كما جعلت الشيعة الإمامية لظهور القائم علامات ودلائل ، وإنه سيخرج في فترة تسوء فيها الأوضاع ويعود
الإسلام غريباً كما بدأ غريباً
(7).
____________
(1) سورة التوبة 9 : 3.
(2) العياشي : تفسير العياشي ج 2 ص 76.
(3) سورة التوبة 9 : 36.
(4) العياشي : تفسير العياشي ( عن المجلسي في بحار الأنوار ج 51 ص 66 ) وانظر أيضاً الطبسي
الشيعة والرجعة ج 2 ص 48 ـ 174 حيث ذكر 76 آية فسرها بظهور المهدي.
(5) النعماني : الغيبة ص 75.
(6) ن. م ص 70.
(7) ن. م ص 174.
( 291 )
كما أن من علائم ظهوره قيام دولة بني العباس ، والصيحة في شهر رمضان وظهور النجم وظهور السفياني
في البصرة ومصر ، وأن المهدي لا يخرج حتى تباع المرأة بوزنها طعاماً ، وأن المهدي سيظهر بعد اليأس
منه ويخرج في جيش عظيم يطالب بثأر آل البيت
(1).
إلا أن الشيعة لم تعين الوقت الذي سيظهر فيه المهدي ونهت عن التوقيت كما نهت عن التسمية
(2).
ويقول المرتضى : « وطول الغيبة كقصرها لأنها متعلقة بزوال الخوف الذي ربما تقدم أو تأخر ».
كما يعلل زيادة عمر الغائب عن المعتاد بأن هذا قد يجوز للأئمة والصالحين
(3).
وهكذا نشأت فكرة المهدي عند الشيعة الإمامية ، والذي سيعود ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ،
وأصبحت هذه من أهم عقائد الإمامية.
وقد دفع إليها طبيعة « الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم ، مع الإيمان بصحة هذا الدين
وأنه الخاتمة للأديان يقتضي انتظار هذا المصلح لإنقاذ العالم مما هو فيه »
(4).
كما ترى الشيعة الإمامية أنه ليس معنى انتظار المهدي ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى
الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه ... بل المسلم مكلف أبداً
بالعمل بما أنزل من الأحكام ... وأن انتظار المهدي لا يسقط تكليفاً ولا يؤجل عملاً ولا يجعل الناس هملاً
كالسوائم »
(5).
____________
(1) ابن طاووس : الملاحم والفتن ص 17 ، 22 ، 25 ، 29 ، 35 ، 39 ، 41 ... . وانظر القمي :
الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية ص 351 ، 352 ، 353.
(2) النعماني : الغيبة 157.
(3) المرتضى : جمل العلم والعمل ص 46.
(4) المظفر : عقائد الإمامية ص 78.
(5) المظفر : عقائد الإمامية ص 79.
( 292 )
وهكذا كانت حصيلة هذه التطورات والانقسامات بين الشيعة ظهور الشيعة الإمامية التي اصبحت فرقة
خاصة لها أصولها ومبادؤها المعروفة ثم تطورت هذه الأفكار الأولى حتى كونت النظرية الخاصة بالشيعة
الإمامية والتي بنيت على الإمامة التي هي مدار الخلاف.
2 ـ عقائد الإمامية :
وهكذا كانت التطورات السابقة هي الأساس الذي بنت عليه الشيعة الإمامية عقائدها ، وأهمها مسألة الإمامة
فقد تكونت نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما اتصلت بها أمور اُخرى كالعصمة والتقية والرجعة.
( أ ) الإمامة :
فالإمامة عند الشيعة الإمامية « رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي
صلّى الله عليه وآله وسلّم
(1).
كما تؤكد الشيعة الإمامية أن الإمامة واجبة وأن الأرض لا تخلو من حجة
(2).
كما تقول الإمامية أن الإمامة لطف واللطف واجب في الحكمة
(3).
والذي يدل على أن الإمامة لطف « أن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد ، قاهر عادل ، يردع المعاندين
، ويقمع المتغلبين ، وينتصف للمظلومين الظالمين . اتسقت الأمور ، وسكنت الفتن وردت المعائش ، وكان
الناس ـ مع وجوده ـ إلى الصلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد . ومتى خلوا من رئيس ـ صفته ما ذكرناه ـ
تكدرت معائشهم وتغلب القوي على الضعيف وانهمكوا في المعاصي ووقع الهرج والمرج وكانوا إلى الفساد
____________
(1) السيوري : النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص 61 وانظر البرسي مشارق أنوار اليقين
ص 162 ، الجزائري : المبسوط ص 9.
(2) الكليني : الكافي ج 1 ص 178.
(3) المفيد : النكت الإعتقادية ص 47 ، المرتضى : الشافي ص 2 جمل العلم والعمل ص 45 ، نصير
الدين الطوسي فصول العقائد ص 36.
( 293 )
أقرب ومن الصلاح أبعد. وهذا أمر لازم لكمال العقل »
(1).
وترى الشيعة الإمامية أن النبوة لطفاً
(2) ، ولما كانت الإمامة لطف ، فلذلك كل ما دل
على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها إلا في تلقي الوحي الالهي بلا
واسطة
(3).
كما ترى الشيعة الإمامية أن الإمامة عهد من الله إلى الأئمة وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن
الوصي منا يوصي إلى من يريد ؟ لا ولكنه عهد من الله إلى الأئمة » . وتستدل على ذلك بقول الصادق قال
« أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد ؟ لا ولكنه عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر
إلى صاحبه »
(4).
كما أن الإمامة بالنص من الله ورسوله وأن الأئمة منصوص عليهم وقد بينا ذلك سابقاً.
ثم إن الإمامة محصورة في أولاد الحسين بن علي ، وأنها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وأنها لا تعود
في أخ ولا عم ولا غيرها من القرابات ، بعد الحسنين
(5).
فهذه هي أهم الخطوط الرئيسية لنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية ولما كانت الإمامة ذات منزلة كمنزلة
النبوة فلذلك يجب أن يتولاها من يكون أهلاً لذلك فكان ذلك للإمام الذي له « الرياسة العامة في أمور الدين
والدنيا نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم »
(6).
وتجعل الشيعة الإمامية صفات وشروطاً للإمام ، فالإمام يجب أن يكون معصوماً لأنه لو جازعليه الخطأ
لافتقر إلى إمام آخر يسدده ، كما أنه
____________
(1) الطوسي : تلخيص الشافي ج 1 ص 70.
(2) المفيد : النكت الإعتقادية ص 39.
(3) السيوري : النافع يوم الحشر ص 62.
(4) الكليني : الكافي ج 1 ص 277.
(5) ن. م ج 1 ص 285.
(6) المفيد : النكت الإعتقادية ص 47.
( 294 )
لو جاز عليه فعل الخطيئة ( فإن ) وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب
(1).
ولما كان الإمام حافظاً للشرع ، لو لم يكن معصوماً لم تؤمن منه الزيادة والنقصان
(2).
ويقول الطوسي ومما يدل على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً : « ما ثبت من كونه مقتدى به . ألا ترى
أنه إنما سمي إماماً لذلك ، لأن الإمام هو المقتدى به »
(3).
ويقول ابن المطهر بوجوب عصمة الإمام لأن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح
والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك كحال النبي
(4).
ولما كانت الحاجة إلى الإمام « للإنتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن وأن الامام لطف
يمنع القاهر من التعدي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرئض ويؤاخذ
الفساق ويعذر من يستحق التعذير فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى
إمام آخر ... »
(5).
ويذكر ابن المطهر دلائل العصمة ويكثر في الكلام في هذا الباب ، فيذكر في عصمة الإمام « وهي ما يمتنع
المكلف معه من المعصية متمكناً منها ولا يمتنع منها مع عدمها »
(6).
ويروي ابن المطهر في هذا الباب عدة أدلة فيذكر أن الإمامة لما كانت عهد من الله فكل إمام ينصبه الله فهو
معصوم
(7).
____________
(1) المفيد : النكت الإعتقادية ص 48.
(2) ن. م ص 49.
(3) الطوسي : تلخيص الشافي ج 1 ص 201.
(4) ابن المطهر : احقاق الحق ج 1 ص 197.
(5) ن. م ج 1 ص 197.
(6) ابن المطهر : الألفين ص 50.
(7) ن. م ص 52.
( 295 )
ثم إن الإمام لو كان غير معصوم « لزوم تخلف المعلول عن علته التامة لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان
الملازمة أن تجيز على المكلف موجب لإيجاب كونه مرؤوساً لإمام والإمام لا يكون مرؤوساً لإمام وإلا لكان
هو الإمام من غير احتياج إليه »
(1).
ثم إن الله هو الناصب للإمام ... وأن الله تعالى لا يفعل القبيح فلا بد أن يكون الإمام معصوماً
(2).
وان قول الله تعالى (
أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ...
) وكل من أمر الله بطاعته فهو معصوم لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم
(3).
كما أن في قوله تعالى : (
إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالين ) فغير المعصوم ضال فلا يسأل إتباع طريقة قطعاً
(4).
وهكذا تستدل الشيعة على عصمة الأئمة وتجعل العصمة شرطاً من شروط الإمامة وصفة أساسية للإمام.
دكما أن الإمام عند الشيعة الإمامية يجب أن يكون أفضل من كل واحد من رعيته لأنه مقدم على الكل
(5).
ويقول الطوسي والكلام في كون الإمام أفضل من رعيته ينقسم إلى قسمين ، أحدهما يجب أن يكون أفضل
منهم بمعنى أنه أكثر ثواباً عند الله.
والقسم الآخر أنه يجب أن يكون أفضل منهم في الظاهر في جميع ما هو إمام فيه
(6).
____________
(1) ابن المطهر : الألفين ص 57.
(2) ن. م ص 60.
(3) ن. م ص 60.
(4) ن. م ص 60 وما بعدها كثير من الأدلة التي لا مجال لذكرها هنا فقد ذكر ابن المطهر 2000 دليل
ولكن الموجود فقط أقل من هذا العدد.
(5) السيوري : النافع يوم الحشر ص 67.
(6) الطوسي : تلخيص الشافي ج 1 ص 209.