235 ـ أخبرنا جماعة منهم الإخوان الشّيخ محمد وعلي ابنا علي بن عبد الصّمد ، عن أبيهما ، عن السيّد أبي البركات عليّ بن الحسين الحسني ، عن الشّيخ أبي جعفر ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن عليّ الكوفي ، عن شريف بن سابق التّفليسي ، عن الفضل ابن أبي قرّة السّمندي (1) عن الصّادق ، عن آبائه صلوات الله عليهم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ أفضل الصّدقة صدقة اللّسان ، تحقن به الدّماء وتدفع به الكريهة وتجرّ المفعة إلى أخيك المسلم .
ثم قال صلّى الله عليه وآله : إنّ عابد بني إسرائيل الّذي كان أعبدهم كان يسعى في حوائج النّاس عند الملك ، وأنّه لقي إسماعيل بن حزقيل ، فقال : لا تبرح حتّى أرجع إليك يا إسماعيل ، فسها عنه عند الملك ، فبقي إسماعيل إلى الحول هناك ، فأنبت الله لإسماعيل عشباً فكان يأكل منه ، وأجرى له عيناً وأظلّه بغمام ، فخرج الملك بعد ذلك إلى التّنزه ومعه العابد فرآى إسماعيل ، فقال : إنّك لها هنا يا إسماعيل ؟ فقال له : قلت : لا تبرح فلم أبرح ، فسمّي « صادق الوعد » .
قال : وكان جبّار مع الملك فقال : أيّها الملك ، كذب هذا العبد قد مررت بهذه البريّة فلم أره ها هنا فقال له إسماعيل : إن كنت كاذباً فنزع الله صالح ما أعطاك ، قال :
236 ـ وبهذا الإسناد عن ابن ماجيلويه ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، حدّثنا محمد بن أورمة ، عن محمد بن سعدان (2) ، عن عبدالله بن القاسم ، عن شعيب العقرقوني ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إنّ إسماعيل نبيّ الله وعد رجلاً بالصّفاح ، فمكث به سنة مقيماً وأهل مكّة يطلبونه لا يدرون أين هو ؟ حتّى وقع عليه رجل فقال : يا نبيّ الله ضعّفنا بعدك وهلكنا ، فقال : إنّ فلان الظّاهر (3) وعدني أن أكون ها هنا ولم أبرح حتّى يجيء قال : فخرجوا إليه حتّى قالوا له : يا عدوّ الله وعدت النّبي فاخلفته فجاء وهو يقول لإسماعيل عليه السلام : يا نبيّ الله ما ذكرت ولقد نسيت ميعادك ، فقال : أما والله لو لم تجئني لكان منه المحشر فانزل الله : ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد ) (4) .
237 ـ وباسناده في رواية أخرى قال : إنّ إسماعيل الّذي سمّي صادق الوعد ليس هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه السلام أخذه قومه فسلخوا جلده ، فبعث الله إليه ملكاً فقال له : قد امرت بالسّمع والطّاعة لك فمر فيهم بما أحببت ، فقال : لا ، يكون لي بالحسين عليه السلام أسوة (5) .
( في حديث لقمان عليه السلام )
238 ـ وبالاسناد المذكور عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبدالله ، حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : كان لقمان عليه السلام يقول لإبنه : يا بنيّ إنّ الدّنيا بحر وقد غرق فيها جيل كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وليكن جسرك إيماناً بالله ، وليكن شراعها التّوكّل ، لعلّك يا بنيّ تنجو وما أظنّك ناجياً يا بنيّ ، كيف لا يخاف النّاس ما يوعدون ؟ وهم ينتقصون في كلّ يوم وكيف لا يعد لما يوعد من كان له أجل ينفد ، يا بنيّ خذ من الدّنيا بلغة ولا تدخل فيها دخولاً يضرّ بآخرتك ولا ترفضها ، فتكون عيالاً على النّاس ، وصم صياماً يقطع شهوتك ، ولا تصم صياماً يمنعك من الصّلاة ، فانّ الصّلاة أعظم عند الله من الصّوم .
يا بنيّ لا تتعلّم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السّفهاء أو ترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة ، يا بنيّ اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس إليهم ، فانّك إن تكن عالماً ينفعك علمك ويزيدوك علماً ، وإن تكن جاهلاً يعلّموك ، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فتعمّك معهم .
وقال : قيل للقمان عليه السلام ما يجمع من حكمتك ؟ قال : لا أسأل عمّا كفيته ولا أتكلّف مالا يعنيني (1) .
239 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سيف بن عميرة النّخعي ، عن أخيه عليّ ، عن أبيهما ، عن عمرو بن شمر ، عن جبار عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان فيما وعظ به لقمان عليه السلام ابنه أن قال : يا بنيّ إن تك في شكٍّ من البعث ، فادفع عن نفسك
وقال : قال لقمان عليه السلام : يا بنيّ لا تقترب فيكون أبعد لك ولا تبعد فتهان ، كلّ دابّة تحبّ مثلها وابن آدم يحبّ مثله ؟ لا تنشر برّك (1) إلاّ عند باغيه ، وكما ليس بين الكبش والذئب خلّة ، كذلك ليس بين البارّ والفاجر خلّة ، من يقترب من الرّفث (2) يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرقه ، من يحبّ المرآء يشتم ومن يدخل مدخل السّوء يتّهم ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يندم وقال : يا بنيّ صاحب مائة ولا تعاد واحداً ، يا بنيّ إنّما هو خلاقك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا ينقصنّ . تعلّم (3) محاسن الأخلاق ، ويا بنيّ كن عبداً للأخيار ولا تكن ولداً للأشرار ، يا بنيّ عليك بأداء الأمانة تسلم دنياك وآخرتك ، وكن أميناً فانّ الله تعالى لا يحبّ الخائنين ، يا بنيّ لا تر النّاس تخشى الله وقلبك فاجر (4) .
240 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن الحارث ، عن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام أصلحك الله ما كان في وصيّة لقمان ؟ قال : كان فيها الأعاجيب ، ومن أعاجيب ما كان فيها أنّه قال : يا بنيّ : خف الله خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين لعذّبك ، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك (5) .
241 ـ وبالإسناد المتقدّم عن سعد بن عبدالله ، عن القاسم بن محمد الاصفهاني ، عن
وكان يكثر مجالسة الحكماء (3) والاختلاف إلى أهلها ، ويتواضع لهم ويغشي القضاة والملوك والسّلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسّلاطين لعدّتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم (4) إلى الدّنيا وميلهم إليها وإلى زهرتها ، فيتفكّر في ذلك ويعتبر به ويتسلّم (5) ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشّيطان ، وكان يداري نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلاّ فيما ينفعه ، ولا ينطق إلاّ فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة .
وأنّ الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار وهدأت العيون بالقائلة (6) ، فنادوا لقمان من حيث يسمع كلامهم ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله
242 ـ وبالاسناد المذكور عن جعفر بن محمد الصّادق عليهما السلام أنّه قال : لمّا وعظ لقمان ابنه ، فقال : أنا منذ سقطت إلى الدّنيا لا تطلب من الأمر مدبراً ولا ترفض منه مقبلاً ، فانّ ذلك يضلّ الرّأي ويزري بالعقل ، يا بنيّ ليكن ما تستظهر به على عدوّك : الورع عن المحارم ، والفضل في دينك ، والصّيانة لمروّتك ، والإكرام لنفسك أن لا تدنّسها (5) بمعاصي الرّحمن ومساوئ الأخلاق وقبيح الأفعال ، واكتم سرّك ، واحسن سريرتك ، فانّك
يا بنيّ : لا تجالس النّاس بغير طريقتهم ، ولا تحملنّ عليهم فوق طاقتهم ، فلا يزال جليسك عنك نافراً والمحمول عليه فوق طاقته مجانباً لك ، فإذا أنت فرد لا صاحب لك يؤنسك ولا أخ لك يعضدك ، فإذا بقيت وحيداً كنت مخذولاً وصرت ذليلاً ، ولا تعتذر إلى من لا يحبّ أن يقبل منك عذراً ولا يرى لك حقاً ، ولا تستعن في أمورك إلاّ بمن يحبّ (1) أن يتّخذ في قضاء حاجتك أجراً ، فانّه إذا كان كذلك طلب قضاء حاجتك لك كطلبه لنفسه ، لأنّه بعد نجاحها لك كان ربحاً في الدنيا الفانية وحظّاً وذخراً له في الدّار الباقية فيجتهد في قضائها لك ، وليكن إخوانك وأصحابك الّذين تستخلصهم وتستعين بهم على اُمورك أهل المروّة والكفاف والثّروة ، والعقل والعفاف الّذين إن نفعتهم شكروك ، وأن غبت عن جيرتهم ذكروك (2) .
243 ـ وبالإسناد المتقدّم عن الصّادق عليه السلام قال : قال لقمان لابنه : إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً ، ومن عنى بالأدب اهتمّ ، ومن اهتمّ به تكلّف علمه ، ومن تكلف علمه اشتدّ له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعة فاتخذه عادة . وإيّاك والكسل منه والطّلب بغيره ، وإن غلبت على الدّنيا فلا تغلبنّ على الآخرة ، وانّه إن فاتك طلب العلم فانّك لن تجد تضييعاً أشدّ من تركه ، يا بنيّ استصلح الأهلين والأخوان من أهل العلم إن استقاموا لك على الوفاء ، واحذرهم عند انصراف الحال بهم عنك ، فانّ عداوتهم أشدّ مضرّة من عداوة الأباعد بتصديق (3) النّاس أيّاهم لا طّلاعهم عليك .
وإذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم ، وأكثر التّبسّم في وجوههم ، فإذا دعوك فأجبهم ، فإذا استعانوك فأعنهم ، واغلبهم بطول الصّمت وكثرة البرّ والصّلاة وسخاء النّفس بما معك من دابّة أو مال أو زاد ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع ممن هو أكبر منك سنّاً وإن تحيّرتم في طريقكم فانزلوا ، وإن شككتم في القصد فقفلوا وتآمروا ، إذا قربت من المنزل عن دابّتك ، ثمّ ابدأ بعلفها قبل نفسك فانّها نفسك ، وإن استطعت أن لا تأكل من الطعّام حتّى تتصدق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكباً والتّسبيح ما دمت عاملاً ، وبالدّعاء ما دمت خالياً (1) .
244 ـ وباسناده قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إيّاك والضّجر وسوء الخلق وقلّة الصّبر ، فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب ، والزم نفسك التّؤدة في اُمورك ، وصبّر على مؤنات الإخوان نفسك ، وحسّن مع جميع النّاس خلقك وبسط البشر ، فانّه من أحسن خلقه أحبّه الأخيار وجانبه الفجّار ، واقنع بقسم الله لك يصف عيشك ، فإن أدرت أن تجمع عزّ الدّنيا ، فاقطع طمعك ممّا في أيدي النّاس ، فانّما بلغ الأنبياء والصّدّيقون ما بلغوا بقطع طمعهم (2) .
245 ـ وقال الصّادق عليه السلام : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إن احتجت إلى السّلطان فلا تكثر الإلحاح عليه ، ولا تطلب حاجتك منه إلاّ في مواضع الطّلب ، وذلك حين الرّضا وطيب النّفس ، ولا تضجرنّ بطلب حاجة ، فانّ قضاءها بيد الله ولها أوقات ، ولكن ارغب إلى الله وسله وحرّ: أصابعك إليه .
يا بنيّ إنّ الدّنيا قليل وعمرك قصير . يا بنيّ احذر الحسد ، فلا يكوننّ من شأنك ،
يا بنيّ اجعل معروفك في أهله ، وكن فيه طالباً لثواب الله ، وكن مقتصداً ولا تمسكه تقتيراً ولا تعطه تبذيراً . يا بنيّ سيّد أخلاق الحكمة دين الله تعالى ، ومثل الّذين كمثل الشّجرة الثّابتة ، فالإيمان بالله ماؤها ، والصّلاة عروقها ، والزّكاة جذعها ، والتّآخي في الله شعبها ، والأخلاق الحسنة ورقها ، والخروج عن معاصي الله ثمرها ولا تكمل الشّجرة إلاّ بثمرة طيّبة ، كذلك الدّين لا يكمل إلاّ بالخروج عن المحارم . يا بنيّ لكلّ شيء علامة يعرف بها وأنّ للدّين ثلاث علامات : العفّة والعلم والحلم (1) .
246 ـ وبالاسناد المتقدّم عن سليمان بن داود المنقري ، عن ابن عيينة (2) ، عن الزّهري ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليهم ، قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إنّ أشدّ العدم عدم القلب وأنّ أعظم المصائب مصيبة الدّين وأسنى المرزئة مرزئة وأنفع الغنى غنى القلب ، فتلبث في كلّ ذلك والزم القناعة والرّضا بما قسّم الله ، وأنّ السّارق إذا سرق حبسه الله من رزقه وكان عليه اثمه ، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجه .
يا بنيّ اخلص طاعة الله حتّى لا يخالطها شيء من المعاصي ثمّ زيّن الطّاعة باتّباع أهل الحق ، فانّ طاعتهم متصلة بطاعة الله ، وزيّن ذلك بالعلم وحصّن علمك بحلم لا يخالطه حمق واخزنه بلين لا يخالطه جهل ، وشدّده بحزم لا يخالطه الضّياع وامزح حزمك برفق لا يخالطه العنف (3) .
247 ـ وعن سليمان بن داود ، حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان ، قال : سمعت الصّادق عليه السلام يقول : قال لقمان : حملت الجندل والحديد وكلّ حمل ثقيل ، فلم أحمل شيئاً أمرّ من الفقر ، يا بنيّ لا تتخذ الجاهل
248 ـ وقال الصّادق عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام قيل للعبد الصّالح لقمان : أيّ النّاس أفضل ؟ قال : المؤمن الغنيّ ، قيل : الغنيّ من المال ؟ فقال : لا ولكن الغنيّ من العلم الّذي إن احتيج إليه انتفع بعلمه وان استغنى عنه اكتفى وقيل : فأيّ النّاس أشرّ ؟ قال : الّذي لا يبالي أن يراه النّاس مسيئاً (2) .
249 ـ قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال : يا بنيّ ليعتبر من قصر يقينه وضعف تعبه في طلب الرّزق أنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره ، وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة ، أنّ الله سيرزقه في الحالة الرابعة . أمّا أوّل ذلك ، فأنّه كان في رحم اُمّه يرزقه هناك في قرار مكين ، حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ ، ثمّ أخرجه من ذلك ، وأجرى له من لبن اُمّه يربّيه من غير حول به ولا قوة ، ثمّ فطم من ذلك فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من قلوبهما (3) ، حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره ، فظنّ الظّنون بربّه وجحد الحقوق في ماله وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر (4) .
250 ـ وبالاسناد المتقدّم عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه بها جنّتي ، قال داود : يا ربّ وما تلك الحسنة ؟ فقال الله عزّ وجلّ : يدخل على قلب عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة يطعمها إيّاه ، قال داود عليه السلام : حقّ على من عرفك أن لا يقطع رجاءه منك (1) .
251 ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن إبي حمزة الثّمالي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن بلّغ قومك أنّه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي ، فيطيعني إلاّ كان حقّاً عليّ اُن اعينه على طاعتي فان سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وان اعتصم بي عصمته وإن استكفاني كفيته ، وإن توكّل عليّ حفظته وإن كاده جميع خلقي كدت (2) دونه (3) .
252 ـ وبالاسناد المذكور عن محمد بن أورمة ، عن الحسن بن علي (4) رفعه ، قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : اذكرني في ايّام سرّائك حتّى استجيب لك
253 ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا علي بن أحمد (2) ، حدّثنا محمد بن هارون الصيّرفي ، عن أبي بكر عبيد الله بن موسى ، حدثنا محمد بن الحسين الخشّاب ، حدّثنا محمد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : مالي أراك منفرداً ؟ قال : إي ربّ عاداني الخلق فيك قال : فماذا تريد ؟ قال : محبّتك ، قال : فإنّ محبّتي التّجاوز عن عبادي (3) .
254 ـ وبهذا الإسناد (4) قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : بي فافرح وبذكري فتلذّذ ، وبمناجاتي فتنعّم ، فعن قليل اُخلّي الدّار من الفاسقين . وأوحى الله إليه : مالي أراك وحداناً ؟ قال : هجرت النّاس فيك ، وهجروني فيك ، قال : فمالي أراك ساكتاً ؟ قال : خشيتك أسكتتني ، قال : فما لي أراك نصباً ؟ قال : حبّك أنصبني ، قال : فمالي أراك مقتراً وقد أفدتك ؟ قال : القيام بحقك أفقرني ، قال : فمالي أراك متذلّلاً ؟ قال : عظم جلالك الّذي لا يوصف ذلّلني ، قال : فابشر بالفضل منّي فيما تحبّ يوم لقائي : خالط النّاس وخالقهم بأخلاقهم وزائلهم في أعمالهم بدينك تنل ما تريد منّي يوم القيامة (5) .
255 ـ وبهذا الإسناد قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : انّ العباد تحابّوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وأظهروا العمل للدّنيا وأبطنوا الغشّ والدّغل (6) .
256 ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن ابي بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ داود عليه السلام كان يدعو أن يسلّمه (1) الله القضاء بين النّاس بما هو عنده ـ تعالى ـ الحقّ ، فأوحى الله إليه : يا داود إنّ الناس لا يحتملون ذلك وإنّي سأفعل وارتفع غليه رجلان فاستعداه أحدهما على الآخر ، فأمر المستعدى عليه أن يقول إلى المستعدي فيضرب عنقه ، ففعل فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك ، وقالت : رجل جاء يتظلّم من رجل ، فأمر الظّالم أن يضرب عنقه ، فقال عليه السلام : ربّ أنقذني من هذه الورطة .
قال : فأوحى الله تعالى إليه يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحقّ ، وأنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه ، فأمرت بضرب عنقه قوداً بأبيه ، وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت صخرة كذا ، فأته فناده باسمه فانّه سيجيبك فسله ، قال : فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحاً شديداً لم يفرح مثله ، فقال لبني إسرائيل : قد فرح الله فمشى ومشوا بعه ، فانتهى إلى الشّجرة فنادى يا فلان فقال : لبّيك يا نبيّ الله قال : من قتلك ؟ قال : فلان ، فقالت بنو إسرائيل : لسمعناه يقول : يا نبيّ الله فنحن نقول كما قال ، فأوحى الله إليه يا داود : إنّ العباد لا يطيقون الحكم بما هو الحقّ فسل المدّعي البيّنة وأضف المدّعى عليه إلى اسمي (2) .
257 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكّل وحدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عنن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ داود عليه السلام سأل ربّه أن يريه قضيّة من قضايا الآخرة ، فأتاه جبرئيل (3) عليه السلام فقال : لقد سألت ربّك شيئاً ما سأله قبلك نبيّ من
=
فأوحى الله تعالى إليه يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة ، فقضيت بها بين الشّيخ والغلام لم يحتملها قلبك ولا يرضى بها قومك ، يا داود إنّ هذا الشّيخ اقتحم على والد هذا الشّاب في بستانه ، فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم ، فدفنها في جانب بستانه ، فادفع إلى الشّاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشّيخ ، وادفع إليه البستان ، ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله ، قال : ففزع داود عليه السلام من ذلك وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر وأمضى القضيّة على ما أوحى الله إليه (1) .
258 ـ وباسناده عن محمد بن أورمة ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود عليه السلام في بقرة فجاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكن أنت الّذي تحكم بينهما ، فأوحى الله تعالى إليه : اخرج فخذ البقرة من الّذي هي في يده وادفعها إلى الآخر واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل وقالوا : جاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة مثل بيّنة هذا ، وكان أحقّهما باعطائها الّذي هي في يده ، فأخذها منه وضرب عنقه وأعطاها الآخر ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد ضجّت بنو إسرائيل بما حكمت ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّ الّذي كانت البقرة في يده لقى أبا الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، فإذا جاءك مثل هذا فاحكم بما ترى بينهم ، ولا تسألني أن أحكم بينهم حتّى الحساب (2) .