عين جودي لمسلم بن عقيـل | * | لرسول الحسين سبط الرسول |
لشهيد بين الأعـادي وحيــد | * | وقتيل لنصر خيـر قتيــل |
جاد بالنفس للحسـين فجـودي | * | لجــواد بنفسـه مقتــول |
فقليل من مسلــم طلُّ دمـع | * | لدم بعد مسلم مـطـلــول |
أخبر الطهر أنــه لقتيــل | * | في وداد الحسين خيـر سليل |
وعليه العيون تسبـل دمعــا | * | هو للمؤمنين قصد السبيــل |
وبكاه النبي شجـوا بفيــض | * | من جوى صدره عليه هطول |
قائلاً : إنني إلـى الله أشكــو | * | ما ترى عترتي عقيب رحيلي |
فابك من قد بكاه أحمد شجـوا | * | قبل ميلاده بعهـد طويــل |
وبكاه الحسيـن والآل لمــا | * | جاءهم نعيه بدمـع همــول |
كان يوما على الحسين عظيما | * | وعلى الآل أي يــوم مهول |
منــذرا بالذي يحل بيــوم | * | بعده في الطفوف قبل الحلول |
ويح ناعيه قد أتى حيث يرجى | * | أن يجيء البشيــر بالمأمول |
أبدل الدهر بالبشيـر نعيــا | * | هكذا الدهر آفة من خليــل |
فأحثّوا الركـاب للثـأر لكـن | * | ثـأروه بكـل ثـأر قتيــل |
فيـهــم ولْدُه وولْـد أبيــه | * | كم لهم في الطفوف من مقتول |
خصّه المصطفـى بحبّين حبٍّ | * | من أبيه لـه وحـب أصيـل |
قال فيـه الحسيـن أي مقــال | * | كشف الستر عن مقام جليــل |
ابن عمي أخـي ومن أهل بيتي | * | ثقتي قد أتاكــم ورسولــي |
فأتاهم وقد أتـى أهــل غـدر | * | بايعوه وأسرعـوا فـي النكول |
تركوه لدى الهيــاج وحيــدا | * | لعـدو مـطـالـب بذحــول |
لست أنســاه اذ تسـارع قـوم | * | نحوه من طـغــاة كـل قبيل |
وأحاطـوا بـه فكـان نذيــرا | * | باقتحـام الرجال وقع الخيـول |
صال كالليث ضاربـا كل جمـع | * | بشبا حد سيفــه المسلــول |
واذا اشتـد جمعهم شـد فيهــم | * | بحسـام بقرعـهـم مفلــول |
فنرأى القوم منه كــر علــيّ | * | عمه في النـزال عنـد النزول |
يابن بنت النبي ان فات نصري | * | يوم طعن القنـا ووقع النصول |
فولائى دليـل إنــي قتيــل | * | فيك لو كنت بدء كـل قتيــل |
باذلا مهجتــي وذاك قليــل | * | في وداد البتـول وابـن البتول |
مقولي صـارم وليس كليــلا | * | وهو في ذا المصاب جد كليـل |
وقصارى فيــه جهد مقــل | * | منك يرجو قبول ذاك القليــل |
ما إلى رزئك الجليل سبيــل | * | فإلى « مسلم » جعلت سبيـل |
إن يكن لي بكل عضو لسـان | * | ما وفى لي « بمسلم بن عقيل » |
سل كوفة الجنـد مُذ ماجت قبائلها | * | تسد ثغــر الفضا في سيلها العرم |
غـداة زلّت عن الإسلام فاتكــة | * | « بمسلم » حين أضحى ثابت القدم |
فقام وهو بليـغ الوعظ ينذرهــم | * | بالمرهفين غراري صارم « وفم » |
لم أنسه وهو نائي الهم حين سرى | * | من يثرب يمـلأ البيــداء بالهمم |
عجلان اقلقل أحشـاه البسيطة في | * | إرقالة من بنـات الأينق الرســم |
طـوع « ابن فاطمة » أم العراق على | * | علم بـأن أمــام السيــر سفك دم |
جذلان نفس سرى والمـوت غايتــه | * | أفديـه من قــادم للموت مبتســم |
يـرى المنيــة من دون ابن حيـدرة | * | أشتهى له من ورود المـاء وهو ظمي |
هامت به البيض تقبيــلا وهام بهـا | * | ضربا وكل بغير المثــل لم يهــم |
فكم تحلب من أخــلاف صارمــه | * | مـوت زؤام وحتـف غير منخــرم |
وكــم تلمظ بالأبطــال أسمــره | * | غداة أطعمه أحشــاء كـل كمــي |
كبا بـه القدر الجــاري وحــان له | * | مـن الشهــادة ما قد خُطّ بالقلــم |
فــراح ملتئمــا بالسيف مبسمــه | * | أفديـه من مبســم بالسيف ملتئــم |
وحلقت نفســه للخلــد صاعــدة | * | غداة في جسمــه وجه الصعيد رمي |
لله مـن مفــرد أمسـت توزّعــه | * | جموعهم بشبـا الهنديــة الخــذم |
أضحى تريب المحيا الطلق ما مسحت | * | عنه غبار النفــا كف لـذي رحـم |
ما الشمس في بهجة الإشراق ناصعـة | * | تحكي محيّاه مخضوبـا بفيــض دم |
ما شد لحييه من عمــرو العلى أحد | * | كلا ولا ندبتـه الأهل مــن أمــم |
نائي العشيــرة منبوذ بمصرعــه | * | مترّب الجســم من قــرن إلى قدم |
من مبلغ السبط أن الدهــر فلّ لـه | * | من الصوارم أمضـى مرهف خــذم |
لا البيض من بعـده حمــر مناصلها | * | ولا القنــا بعــده خفاقــة العلـم |
يا ربي المحمــود فــي فعــالـه | * | صــل عـلــى محمـد وآلــه |
وصـل بالإشـراق والأصـيـــل | * | علـى الإمــام مـن بني عقيــل |
أول فــاد فــاز بـالشــهــادة | * | وحــاز أقصــى رتب الشهـادة |
أول رافــع لـرايـــة الهــدى | * | خص بفضل السبـق بين الشهــدا |
درة تــاج الفـضـل والكـرامــة | * | قــرة عيـن المجـد والشهـامـة |
غـرة وجــه الدهـر في السعـادة | * | فـإنــه فاتحــة السـعـــادة |
كفــاه فـخــرا منصب السفـارة | * | وهو دليــل القـدس والطهــارة |
كفـاه فخــرا شــرف الرسالــة | * | عـن معــدة العـزة والجـلالـة |
وهـو أخ ابــن عمـه المظلــوم | * | نائبـه الخـاص علـى العمــوم |
وعينــه كانـت بـه قريــرة | * | حيث رآه نافــذ البصـيــرة |
لسانه الداعـي الـى الصــواب | * | بمحـكــم السنــة والكتـاب |
منطقـه الناطــق بالحقـائــق | * | فهو ممثل الكتــاب الناطــق |
له من العلــوم مـا يليــق به | * | بمقتضى رتبتــه ومنصبــه |
يمينه في القبض والبسـط معــا | * | فمـا أجــل شأنـه وأرفعــا |
فارس عدنــان وليـث غابهــا | * | وسيفها الصقيـل في حرابهــا |
بل هو سيف السبط سيـف الباري | * | وليث غاب عتــرة المختــار |
أشـرق كوفـان بنــور ربهــا | * | مذحل فيهــا رب أرباب النهى |
بايعــه مـن أهلهــا ألــوف | * | والغدر منهم شائـع معــروف |
ثباتــه مـن بعــد غدر الغدرة | * | ثبـات عمه أميــر البــررة |
بل هو فـي وحدتـه وغربتــه | * | كعمه فـي بأســه وسطوتــه |
لــه مـن الشهامــة الشمــاء | * | ما جاز حد المــدح والثنــاء |
أيامــه مشـهــودة معروفــة | * | يعرفها أبطال أهــل الكوفــة |
كم فـارس غـدا فريســة الأسد | * | كم بطل فــارق روح الجسـد |
وكم كمـي حد سيفــه قضــى | * | على حياته كمحتــوم القضــا |
وكــم شجــاع ذهبت قــواه | * | وذاب قـلــبــــه إذا رآه |
شد عليهم شدة الليــث الحـرب | * | قرت عيـون آل عبدالمطلــب |
بل عيــن عمــه العلـي قدرا | * | إذ هو بالبارق أحيى « بــدرا » |
ذكر يوم « خيبــر وخنــدق » | * | بصولـة تبيـد كــل فيلــق |
تكاثروا عليـه وهــو واحــد | * | لا ناصــر لـه ولا مساعــد |
رموه بالنــار مـن السطــوح | * | لروحــه الفــداء كـل روح |
حتــى إذا أثخــن بالجــراح | * | واشتـد ضعفــه عن الكفــاح |
لم يظفــروا عليــه بالقتــال | * | فاتخـذوا طريــق الإحتيــال |
فساقه القضا إلـى « الحفيــرة » | * | أو ذروة القــدس من الحظيـرة |
أصبح « مسلم » أسيـر الكفــرة | * | تعسا وبؤسـا للئــام الغــدرة |
كـان أميــرا فغــدا اسيــرا | * | كذاك شأن الدهـر أن يجــورا |
أدخل مكتوفا علــي ابن العاهرة | * | عذّبــه الله بنــار الآخــرة |
أسمعــه سبا وشتما فاحشـا | * | رماه باطلا بما يدمي الحشــا |
وما اشتفى من مسلم بما لقـي | * | حتى اشتفى منه بضرب العنق |
وبعده رماه من أعـلا البنــا | * | فانكسرت عظامـه وأحزنــا |
وشد رجـلاه ورجلا هانــي | * | بالحبــل يا للـذل والهـوان |
فأصبحـا ملعبــة الأطفـال | * | بالسحب في الأسواق بالحبـال |
فلْتبكه عين السمـا دمـا فمـا | * | أجل رزء « مسلم » وأعظمـا |
وقد بكاه السبط حينمـا نعـي | * | إليه « مسلـم » بقلب موجـع |
فارتجت الأرجـاء بالبكــاء | * | على عميد الملـة البيضــاء |
واهتزّ عرش الملك الجليــل | * | على فقيد الشرف الأصيــل |
وناحـت العقــول والأرواح | * | لما استحلّـوا منه واستباحـوا |
صُبّت دموع خاتـم النبــوة | * | على فقيــد المجد والفتــوة |
بكــاه عمه علـى مصابـه | * | وحق أن يبكــي دما لمـا به |
بكـى على غربته آل العبــا | * | وكيـف لا وهو غريب الغربا |
ناحت عليه أهل بيت العصمة | * | فيا لهـا من ثلمــة ملمــة |
لو أن دموعي استهلّت دمــا | * | لما أنصفت بالبكا « مسلما » |
قتيـل أذاب الصفــا رزؤه | * | وأحـزن تذكاره « زمزما » |
وأورى الحجون بنار الشجون | * | وأبكى المقام وأشجى الحمىَ |
أتى أرضَ كوفـانَ في دعوةٍ | * | لها الأرضُ خاضعـةٌ والسما |
فلبوا دعاهُ وأمّــوا هــداه | * | لينقذَهم من عشاء العمــى |
وأعطوه من عهدهم ما يكـادُ | * | إلى السهل يستدرجُ الأعصما |
وما كان يحسب وهو الوفـيُّ | * | أن ينقضوا عهده المبرمَــا |
فديتُكَ من مفـرد أسلمــوه | * | لحكم الدّعيِّ فما استسلمــا |
وألجأه غدرهـم أن يحــلّ | * | في دار « طوعة » مستسلمَا |
فمذ أقحموا منه في دارهــا | * | عريناً أبى الليث أن يقحمـا |
أبان لهم كيف يضرى الشجاع | * | ويشتد بأســا إذا أسلمـــا |
وكيف تهبّ أســود الشرى | * | إذا رأت الوحوش حول الحِمى |
وكيف تفرّق شهـب البــزاة | * | بغاثا تطيـف بهــا حــوّما |
ولما رأوا بأســه لايطــاق | * | وماضيه لايرتــوي بالدمــا |
أطلّوا على شرفـات السطوح | * | يرمونه الحطب المضـرمــا |
ولولا خديعتُهــم بالأمــان | * | لما أوثقـوا ذلـك الضيغمــا |
وكيف يحس بمكــر الأثيـم | * | من ليس يقتــرف المأثمــا |
لئن ينسني الدهر كل الخطوب | * | لم ينسنــي يومك الأيومــا |
أتوقف بيـن يـدي فاجــر | * | دعي إلى شرهــم منتمــى |
ويشتـم اسرتك الطاهريــن | * | وقد كــان أولى بأن يشتمـا |
وتقتل صبــرا ولا طالــب | * | بثـأرك يسقيهــم العلقمــا |
وترمى إلى الأرض من شاهق | * | ولم تـرم أعداك شهب السمـا |
فإن يحطموا منك ركن الحطيم | * | وهدوا من البيت ما استحكمـا |
فلست سوى المسك يذكو شذاه | * | ويـزداد طيبــا إذا حطمــا |
فإن تخــل كوفـان من نادب | * | عليـك يقيــم لك المأتمــا |
فإن ضبــا الطالبييــن قـد | * | غدت لك بالطف تبكي دمــا |
زهى منهم النقـع في أنجــم | * | أعادت صباح العــدى مظلما |
لحيّكــم مهجتـي جانحـهْ | * | ونحوكــم مقلتي طامحـهْ |
واستنشق الريح إن نسّمـت | * | فبالأنف من نشركم نافحـهْ |
وكم لي على حيّكـم وقفـةً | * | وعيني في دمعها سـابحـهْ |
تعاين أشباح تلك الـوجـوه | * | فلا برحت نحوكم شابحـهْ |
وكم ظبياتٍ بها قـد رعـتْ | * | بقيصوم قلبي غدت سارحهْ |
تقصت ومن لي بها لو تعودُ | * | فكيف وقد ذهبت رائحــهْ |
وعدّت غريبا بتلك الديــار | * | أرى صفقتي لم تكن رابحهْ |
كما عاد « مسلم » بين العدى | * | غربيا وكابدهـا جائحــهْ |
رسـول حسين ونعم الرسول | * | إليهـم من العترة الصالحهْ |
لقد بايعــوا رغبــة منهمُ | * | فيا بؤس للبيعة الكاشحــهْ |
وقد خذلـوه وقد أسلمــوه | * | وغدرتهـم لم تزل واضحة |
فيا ابن عقيـل فدتك النفوس | * | لعظم رزيتـك الفادحــة |
لنبك لها بمـذاب القلــوب | * | فما قـدر أدمعنــا المالحة |
بكتك دمـا يا ابن عم الحسين | * | مدامــع شيعتـك السافحـه |
ولا برحت ها طلات العيون | * | تحييـك غاديــة رائحــه |
لأنك لم ترو مـن شربــة | * | ثناياك فيها غـدت طائحــه |
رموك من القصر إذ أوثقوك | * | فهل سلمت فيك من جارحـه |
وسحبا تجــرّ بأسواقهــم | * | ألست أميرهــم البارحــه |
أتقضي ولم تبكك الباكيــات | * | أما لك في المصر من نائحـه |
لئن تقضي نحبا فكم في زرود | * | عليك العشية من صائحــة |
وكم طفلة لك قد أعولـتْ | * | وجمرتها في الحشا قادحهْ |
يعززها السبط في حجره | * | لتغدو في قربه فارحــهْ |
فأوجعها قلبهـا لوعــةً | * | وحسّتْ بنكبَتِها القارحـهْ |
تقول مضى عم منّي أبي | * | فمن ليتيمتهِ النائحهْ (10) |
ثكول تبيـت بليــل اللّسيع | * | تعج وعن دارهـا نازحــهْ |
وكم من كمــيّ بأحشائــه | * | تُركت زنــاد الأسى قادحَهْ |
دريت ابن عمك يوم الطفوف | * | نعـاك باسرتــه الناصحهْ |
تحفُّ بـه منهــم فتيــةٌ | * | صبـاحٌ وأحسابُهُـم واضحَهْ |
بكاكَ بماضـي الشّبا والوغَى | * | وجوهُ المنايــا بهـا كالحهْ |
أقامَ بضـرب الطلــى مأتماً | * | عليكَ وبيض الضبـا نائحهْ |
ونادى عشيرتَكَ الأقربيــن | * | خذ الثأرَ يا أسرةَ الفاتحَــهْ |
وخاضَ بهم في غمار الحتوفِ | * | ولكنهما بالضّبـا طائحــهْ |
وقالَ لها : يا نــزارُ النّزالِ | * | فحربُك في جدهــا مارحَهْ |
وافى بمنقطـع البيـان ثنــاؤه | * | بطل على الجـوزاء رفّ لـواؤهُ |
وعلى السمــاك محلهُ شرفاً وإنْ | * | يكُ فـي الصعيــدِ يلفّهُ بوغاؤهُ |
بالباسـط العدل المهيب جـوارهُ | * | والواسع الوفر الرحيب فنــاؤهُ |
قد أخضل الوادي بمـرزم سيبـهِ | * | وأضاء في النادي الرهيب بهـاؤهُ |
لم تدر يوم تبلّجــتْ أنــوارهُ | * | أذكاً تضيءُ الأفــقُ أم سيمـاؤهُ |
هو نقطة المجد الأثيل تألّفــتْ | * | منها غدات تكثّـرتْ أجــزاؤهُ |
ولـه بأعلام النبــوة مفخــرٌ | * | قد نيطَ بالإيمــان فيه بكــاؤهُ |
وبعين جبّــار السّمــاء شهادةٌ | * | خصتْ به وعليه حــق جزاؤُهُ |
ونيابة عن سبط أحمد حازهــا | * | فتقاعستْ عن حملهـا قرنــاؤهُ |
وأخوة قـد شرّفتْــهُ بموقــف | * | قد كــان مشكورا لديـه إخاؤُهُ |
لم يبغِ غيرَ هوى الحسين ورهطهِ | * | وسواهُ قد شطـت به أهــواؤهُ |
هو ذاك موئــا رأيه وعليه منْ | * | أمر الإمامــةِ ألقيــتْ أعباؤهُ |
علم تدفّقَ جانبــاه فلـم يــدع | * | إمّا تدفّـق سـاحــلا دئمــاؤهُ |