صلح الحسن ( عليه السلام ) ::: 331 ـ 345
(331)
الحصا ، وثار الى الصلاة وثار الناس معه.
     وما كان أبو عبد الرحمن بمكانته الاجتماعية وبروحه العابدة الزاهدة بالذي يترخص في دينه أو يلجأ الى مجاملة المترخصين ، وكان يظن ان في هؤلاء بقية من الحسن قد تنفعها الذكرى وقد يجدي معها الانكار ، فأنكر انتصافاً للحق المهضوم ، وجاهد لدينه ولامامه ولصلاته بلسانه ، كما كان يجاهد بسيفه في فتوح الاسلام.
     وجاءت قائمة جرائمه ـ في عرف بني أمية ـ أنه يرد السب عن علي عليه السلام ، وأنه يريد الصلاة لوقتها ، ولا شيء غير ذلك !.
     ودعا زياد « حواشيه الطيعة » الذين كانوا يبادلونه الذمم بالنعم أمثال عمر بن سعد [ قاتل الحسين عليه السلام ] ، والمنذر بن الزبير ، وشمر بن ذي الجوشن العامري ، واسماعيل واسحق ابني طلحة بن عبد اللّه ، وخالد بن عرفطة ، وشبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، وعمرو بن الحجاج ، وزجر بن قيس .. و « درازن » أخرى من هذه النماذج التي طلقت المروءة ثلاثاً ، وكانوا سبعين رجلاً ، عدهم الطبري في تاريخه واحداً واحداً [ ج 6 ص 150 ـ 151 ] ، وماز من بينهم أبا بردة بن أبي موسى الاشعري لانه كان أضعفهم عنده او لانه كان أقواهم عند معاوية ، وقال له اكتب : ـ
     « بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى الاشعري للّه رب العالمين !! ، أشهد ان حجر بن عدي خلع الطاعة ، وفارق الجماعة !! ولعن الخليفة ، ودعا الى الحرب ، وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة ، وكفر باللّه عزّ وجل كفرة صلعاء !! .. ».
     وقال للسبعين : « على مثل هذه الشهادة فاشهدوا. أما واللّه لاجهدن على قطع خيط هذا الخائن الاحمق !! ». فشهد على هذه الصحيفة الخائنة الحمقاء سبعون من اشراف الكوفة و « ابناء البيوتات » !! .. وكتب الى معاوية في حجر وكثر عليه فكتب اليه معاوية : « شده في الحديد واحمله اليّ ».


(332)
    ولنتذكر هنا سوابق هذه الحفنة من أبناء بيوتات الكوفة في قضية الحسن بن علي عليهما السلام أيام خلافته ، وهل كان الفارون من الزحف في مسكن ، والمتألبون على الشر في المدائن ، والمكاتبون معاوية على الغدر بالامام وتسليمه اياه الا هؤلاء ؟. فمن هو اذاً الذي خلع الطاعة وفارق الجماعة ونكث البيعة أحجر بن عدي أم هم ؟
     ثم لنتذكر مواقف هؤلاء أنفسهم في فاجعة الحسين عليه السلام بكربلاء ، وكانوا يومئذ سيوف الجبابرة الامويين الذين تحملوا مسؤوليات تلك الاحداث المؤلمة التي لا حد لفظاعتها في تاريخ العرب والاسلام.
    موقف الكوفة في حادثة حجر :
    وكان باستطاعة حجر ان يشعل نار الثورة التي تقض مضجع معاوية في الكوفة ، لو انه شاء المقاومة بالسلاح. وفهم معاوية ذلك حين راح يقول ـ بعد مقتل حجر ـ : « لو بقي حجر لاشفقت أن يعيدها حرباً أخرى » ، وفهم زياد ذلك حين اتبع حجراً بريده وقال له : « اركض الى معاوية وقل له : ان كان لك في سلطانك حاجة فاكفني حجراً ».
     ولكن الزعيم الشيعي الذي كان قد درس على الامام الحسن بن علي عليهما السلام تضحياته الغالية في سبيل حقن الدماء ، منع قومه من الحرب صريحاً.
     ولكن جماعة من أصحابه اشتبكت بشرطة زياد و ( بخاريته ) عند أبواب كندة ، وجماعة أخرى التحمت بهم عند باب داره ـ قرب جبانة كندة ـ وكان من ابطال هاتين الموقعتين عبد اللّه بن خليفة الطائي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ـ وسنأتي على ذكرهما في الفصول القريبة ـ ، وعبد الرحمن بن محرز الطمحي ، وعائذ بن حملة التميمي ، وقيس بن يزيد ، وعبيدة بن عمرو ، وقيس بن شمر ، وعمير بن يزيد الكندي المعروف ( بأبي العمرّطة ). قالوا : « وكان سيف أبي العمرطة أول سيف ضرب


(333)
به في الكوفة يوم حجر ». ـ وخرج قيس بن فهدان الكندي على حمار له ، يسير في مجالس كندة يحرضهم على الحرب.
     وحصب أهل الكوفة زياداً (1) ـ وكان ذلك هو ميراثه الشرعي من اُمه سمية.
     أما حجر نفسه فأصر على قومه بأن يردوا السيوف الى أغمادها ، وقال لهم : « لا تقاتلوا فاني لا أحب ان اعرضكم للهلاك .. وانا آخذ في بعض هذه السكك ».
     وأخطأته عيون زياد التي كانت تلاحقه ، لان الناس كلهم أو اكثر من ثلثي الناس كانوا يمنعون حجراً من هذه العيون.
     وهكذا ضاق زياد بحجر وأصحابه ، فجمع اشراف الكوفة وقال لهم : « يا أهل الكوفة : اتشجون بيد وتأسون بأخرى ، أبدانكم معي ، وأهواؤكم مع حجر ، أنتم معي واخوانكم وابناؤكم وعشائركم مع حجر. هذا واللّه من دحسكم وغشكم. واللّه لتظهرن لي براءتكم ، أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم » .. ثم قال : « فليقم كل امرئ منكم الى هذه الجماعة حول حجر. فليدع كل رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته ، حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه ».
     ثم أمر زياد أمير شرطته [ شداد بن الهيثم الهلالي ] بالقبض على حجر. وعلم ان شرطته ستعجز عنه ، فدعا محمد بن الاشعث الكندي ، وقال له : « يا أبا ميثاء ، أما واللّه لتأتينني بحجر ، أو لا ادع لك نخلة الا قطعتها ، ولا داراً الا هدمتها ، ثم لا تسلم حتى أقطعك ارباً ارباً ! » قال له : « أمهلني حتى أطلبه ». قال « امهلتك ثلاثاً ، فان جئت به والا عّد نفسك في الهلكى! ».
     أقول : ولِمَ كلّ هذا الحنق ؟ أللدين وما كان ابن سمية بأولى به
1 ـ قال الطبري : « ومن يومه اتخذ المقصورة » ( ج 6 ص 132 ).

(334)
من الصحابي العابد الذي كان يصلي كل يوم وليلة الف ركعة ، ثم لا ذنب له الا أن ينهى عن المنكر ويريد الفرائض لوقتها ؟! ـ أم للدنيا ، وقد خسروا في مقتل حجر صبابة معنوياتهم في التاريخ !!
     وحاول زياد ان يقتل الكنديين بعضهم ببعض بما أمر به ابن الاشعث الكندي ، وكان ذلك من جملة الاساليب الرثة التي يتوارثها الحاكمون بأمرهم في الشعوب المغلوبة على أمرها في القديم والحديث.
     وعلم حجر ما أراده زياد في الكنديين وأصحابهم فقال : « ولكن سمع وطاعة ».
     ودارت الشرطة للقبض على الاسماء البارزة من مؤازريه ، فجمعوا تسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرها ـ برواية المسعودي ـ.
     وعدهم ابن الاثير هكذا : « حجر بن عدي الكندي ، والارقم بن عبد اللّه الكندي ، وشريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، وكريم بن عفيف الخثعمي ، وعاصم بن عوف البجلي ، وورقاء بن سمي البجلي ، وكدام بن حيان ، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان ، ومحرز بن شهاب التميمي ، وعبد اللّه بن حوبة السعدي التميمي ». قال : « فهؤلاء اثنا عشر رجلاً. واتبعهم زياد برجلين وهما : عتبة بن الاخنس من سعد بن بكر ، وسعد بن نمران الهمداني. فقوموا أربعة عشر رجلاً ».
     ونشط ـ اذ ذاك ـ المشاؤون بالنميم ، وما كان أكثرهم في هذا البلد المنكوب!
     ومكث حجر في سجن الكوفة عشرة أيام حتى جمعوا اليه من أصحابه من ذكرنا ، ثم أمر بهم فسيقوا الى الشام. وكان كل ما في الكوفة يدل على تمخض الوضع عن وثبة لا يدرى مدى بلائها على الحاكم والمحكوم.
     ولكن زياداً فطن الى ذلك ، فأمر باخراجهم « عشية » ليتستر بالظلام ،


(335)
فيخفف من عرامة هذا الظلم المفضوح.
     ونظر قبيصة بن ربيعة ـ أحد اصحاب حجر ـ فاذا هو يمر على داره في جبانة « عرزم » واذا بناته مشرفات يبكينه ، فكلمهن ووعظهن بما سنأتي على ذكره عند ترجمته ، ثم انصرف.
     وانشأت ابنة حجر في احدى لياليها السود وقد قطع الخوف على أبيها نياط قلبها وهي تخاطب القمر ـ وقيل بل الابيات لهند بنت زيد الانصارية ترثي حجراً :
ترفّع أيها القمر المنير يسير الى معاوية بن حرب ويصلبه على بابي دمشق تجبرت الجبابر بعد حجر وأصبحت البلاد له محولاً ألا يا حجر حجر بني عدي أخاف عليك ما أردى علياً فان تهلك فكل عميد قوم لعلك أن ترى حجراً يسير ليقتله كما زعم الامير وتأكل من محاسنه النسور وطاب لها الخورنق والسدير كأن لم يحيها مزن مطير تلقتك السلامة والسرور وشيخاً في دمشق له زئير من الدنيا الى هلك يصير
    مقتله
    وصاروا بهم الى عذراء ، وكانت قرية على اثني عشر ميلاً من دمشق ، فحبسوا هناك ، ودار البريد بين معاوية وزياد ، فما زادهم التأخير الا عذاباً. وجاءهم أعور معاوية في رهط من أصحابه يحملون أمره بقتلهم ومعهم اكفانهم فقال لحجر : « انَّ امير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال !! .. ومعدن الكفر والطغيان !! .. والمتولي لابي تراب ، وقتل أصحابك الا أن ترجعوا عن كفركم ، وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه » ـ فقال حجر وأصحابه : « ان الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما تدعوننا


(336)
اليه ثم القدوم على اللّه وعلى نبيه وعلى وصيّه أحبّ الينا من دخول النار ».
     وحفرت القبور ، وقام حجر وأصحابه يصلون عامة الليل ، فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم فقال لهم حجر : « اتركوني اتوضأ وأصل فاني ما توضأت الا صليت ». فتركوه فصلى ثم انصرف ، وقال : « واللّه ما صليت صلاة أخفّ منها ، ولولا أن تظنوا فيّ جزعاً من الموت لاستكثرت منها ».
     ثم قال : « اللهم انا نستعديك على أمتنا ، فان اهل الكوفة شهدوا علينا ، وان أهل الشام يقتلوننا ، أما واللّه لئن قتلتموني بها ، فاني لاول فارس من المسلمين هلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها (1) ».
     ثم مشى اليه هدبة بن فياض القضاعي بالسيف ، فارتعد ـ فقالوا له : « زعمت أنك لا تجزع من الموت ، فابرأ من صاحبك وندعك !! ».
     فقال : « مالي لا أجزع وأرى قبراً محفوراً ، وكفناً منشوراً ، وسيفاً مشهوراً ، واني واللّه ان جزعت من القتل ، لا أقول ما يسخط الرب ! ».
     وشفع في سبعة من أصحاب حجر ذوو حزانتهم من المقربين لدى معاوية في الشام.
     وعرض الباقون على السيف ، وقال حجر في آخر ما قال : « لا تطلقوا عني حديداً ، ولا تغسلوا عني دماً ، فاني لاق معاوية غداً على الجادة واني مخاصم ». وذكر معاوية كلمة حجر هذه فغصّ بها ساعة هلك ـ معاوية ـ فجعل يغرغر بالصوت ويقول : « يومي منك يا حجر يوم طويل ».
    فاجعته في المسلمين
    حج معاوية بعد قتله حجراً وأصحابه فمر بعائشة « واستأذن عليها
1 ـ ابن الاثير ( ج 3 ص 192 ) وقال ابن سعد ومصعب الزبيري فيما رواه الحاكم عنه عند ذكر حجر : « وقتل بمرج عذراء بامر معاوية وكان حجر هو الذي افتتحها فغدر بها ». أقول : وهو معنى قوله هنا : « وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها » يعني يوم فتحها.

(337)
فأذنت له ، فلما قعد قالت له : يا معاوية أأمنت ان اخبئ لك من يقتلك ؟ قال : بيت الامن دخلت ، قالت : يا معاوية أما خشيت اللّه في قتل حجر وأصحابه ؟ (1) ». وقالت : « لولا انا لم نغير شيئاً الا صارت بنا الامور الى ما هو اشد منه لغيَّرنا قتل حجر ، أما واللّه ان كان ما علمتُ لمسلماً حجاجاً معتمراً (2) ».
     وكتب شريح بن هاني الى معاوية يذكر حجراً ويفتيه بحرمة دمه وماله ويقول فيه : « انه ممن يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويديم الحج والعمرة ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال (3) ».
     وكان ابن عمر ـ منذ أخذ حجر ـ يتخبر عنه فأخبر بقتله وهو بالسوق فأطلق حبوته وولى وهو يبكي (4).
     ودخل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية وقد قتل حجراً وأصحابه ، فقال له : « أين غاب عنك حلم أبي سفيان !؟ » قال : « غاب عني حين غاب عني مثلك من حلماء قومي ، وحملني ابن سمية فاحتملت !! » قال : « واللّه لا تعد لك العرب حلماً بعد هذا أبداً ولا رأياً ، قتلت قوماً بعث بهم اليك أسارى من المسلمين .. ».
     وقال مالك بن هبيرة السكوني حين أبى معاوية أن يهب له حجراً ، وقد اجتمع اليه قومه من كندة والسكون وناس من اليمن كثير ، فقال : « واللّه لنحن اغنى عن معاوية من معاوية عنا وانا لنجد في قومه (5) منه بدلاً ولا يجد منا في الناس خلفاً .. ».
     وقيل لابي اسحق السبيعي : « متى ذل الناس ؟ » فقال : « حين مات الحسن ، وادُّعي زياد ، وقتل حجر بن عدي (6) ».
     وقال الحسن البصري : « أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه
1 ـ الطبري ( ج 6 ص 156 ).
2 ـ ابن الاثير ( ج 3 ص 193 ).
3 ـ و 4 ـ الطبري ( ج 6 ص 153 ).
5 ـ يعني بني هاشم.
6 ـ ابن ابي الحديد ( ج 4 ص 18 ).


(338)
منهن الا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها ـ يعني الخلافة ـ بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ، ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زياداً ، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجراً. ويل له من حجر وأصحاب حجر ـ مرتين ـ (1) ».
     ومات الربيع بن زياد الحارثي غماً لمقتل حجر ، وكان عاملاً لمعاوية على خراسان. قال ابن الاثير ( ج 3 ص 195 ) : « وكان سبب موته أنه سخط قتل حجر بن عدي ، حتى انه قال : لا تزال العرب تقتل صبراً بعده ، ولو نفرت عند قتله ، لم يقتل رجل منهم صبراً ، ولكنها قرت فذلت ، ثم مكث بعد هذا الكلام جمعة ، ثم خرج يوم الجمعة فقال : أيها الناس ، انى قد مللت الحياة فاني داع بدعوة فأمنوا. ثم رفع يديه بعد الصلاة فقال : اللهم ان كان لي عندك خير فاقبضني اليك عاجلاً ، وأمن الناس ـ ثم خرج ، فما توارت ثيابه حتى سقط (2) ».
     وكتب الحسين عليه السلام الى معاوية في رسالة له : « ألست القاتل حجراً أخا كندة ، والمصلين العابدين ، الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في اللّه لومة لائم ؟. قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعدما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة [ يشير الى نصوص المادة الخامسة من معاهدة الصلح ] أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا باحنة تجدها في نفسك عليهم (3) ».
     ثم جاء دور التاريخ فخصص نصر بن مزاحم المنقري كتاباً في مقتل حجر بن عدي ، ولوط بن يحيى بن سعيد الازدي كتاباً (4) ، وهشام بن محمد
1 ـ الطبري ( ج 6 ص 157 ) وغيره.
2 ـ وذكر ذلك كل من الاستيعاب واسد الغابة والدرجات الرفيعة والشيخ في الامالي.
3 ـ البحار ( ج 10 ص 149 ).
4 ـ فهرست ابن النديم ( ص 136 ).


(339)
ابن السائب كتاباً في حجر ، وكتاباً آخر في مقتل رشيد وميثم وجويرية بن مشهر (1) ».
    الاحاديث في حجر وأصحابه
    قال ابن عساكر : « ان عائشة بعد أن انكرت على معاوية قتله حجراً وأصحابه ، قالت : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم يقول : سيقتل بعذراء ـ الموضع الذي قتل فيه حجر وأصحابه ـ أناس يغضب الله لهم وأهل السماء ».
     وروى مثله بطريق آخر عنها.
     وروى البيهقي في الدلائل ويعقوب بن سفيان في تاريخه : « عن عبد اللّه بن زرير الغافقي قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : يا أهل العراق ، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء ، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود ».
    الشهداء من أصحاب حجر
    علمنا ـ مما سبق ـ أن اصحاب حجر صفوة من رجال اللّه القليلين ، وأنهم « المصلون العابدون ، الذين ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في اللّه لومة لائم » على حد تعبير الحسين عليه السلام عنهم فيما كتبه الى معاوية.
     ورأينا ـ الى ذلك ـ كيف يذكرهم كبراء المسلمين الآخرون كلما ذكروا حجراً.
     واذا شاءت المقادير ، أو شاءت الرقابات الاموية طمس أخبارهم وتناسي آثارهم ، فانهم شهداء المبادئ ، وقرابين الحق المغصوب ، وكفاهم ذلك فضلاً ومجداً وظهوراً في التاريخ.
1 ـ النجاشي ( ص 306 ).

(340)
    ولقي معاوية في حجته « المقبولة .. » بعد قتل هذه الزمرة الكريمة ، الحسين بن علي عليهما السلام في مكة ، فقال له ـ مزهواً ـ : « هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه شيعة أبيك ؟ ». قال : « وما صنعت بهم ؟ » قال : « قتلناهم وكفنّاهم وصلينا عليهم ودفناهم !! » فضحك الحسين عليه السلام ، ثم قال : « خصمك القوم يا معاوية ، لكنا لو قتلنا شيعتك ، ما كفنّاهم ، ولا صلينا عليهم ، ولا قبرناهم (1) ».
    واليك الآن اسماء الشهداء الممتحنين مرتبة على الحروف وملحقة بما يتصل بكل منهم من معلومات :
     أ ـ شريك بن شداد أو ثداد الحضرمي وسماه آخر عريك بن شداد.
     ب ـ صيفي بن فسيل الشيباني ، رأس في اصحاب حجر حديد القلب شديد العقيدة سديد القول. القي القبض عليه واحضر لزياد فقال له : « يا عدو اللّه !! ما تقول في أبي تراب ؟ » ، قال : « ما اعرف ابا تراب » ، قال : « ما أعرفك به ؟ » ، قال : « ما أعرفه » ، قال : « اما تعرف علي بن أبي طالب ؟ » ، قال : « بلى » ، قال : « فذاك ابو تراب » ، قال : « كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين عليه السلام ». فقال له صاحب الشرطة : « يقول لك الامير : هو أبو تراب ، وتقول انت : لا ؟ » ، قال : « وان كذب الامير أتريد ان أكذب انا واشهد على باطل كما شهد !؟ » [ انظر الى خلقه وصلابته ] قال له زياد : « وهذا ايضاً مع ذنبك !! ، عليَّ بالعصا » ، فأتي بها ، فقال : « ما قولك ؟ » ، قال : « أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد اللّه المؤمنين » ، قال : « اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالارض » ، فضرب حتى لزم الارض !! ثم قال : « أقلعوا عنه ـ ايه ما قولك في علي ؟ » ،
1 ـ البحار وغيره ، وروى مثلها الطبري عن الحسن ولا يصح لان فجائع حجر وأصحابه كانت بعد وفاة الحسن بسنتين. وروى مثلها ابن الاثير عن الحسن البصري قال : « فقال : حجوهم ورب الكعبة ».

(341)
قال : « واللّه لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت الا ما سمعت مني ». قال : « لَتَلعننَّه ، أو لاضربن عنقك ! » قال : « اذاً تضربها واللّه قبل ذلك ، فان أبيت الا ان تضربها ، رضيتُ باللّه وشقيت أنت ! ».
     قال : « ادفعوا في رقبته » ـ ثم قال ـ : « أوقروه حديداً ، والقوه في السجن ! ».
     ثم كان في قافلة الموت مع حجر ، ومن شهداء عذراء الميامين.
     ج ـ عبد الرحمن بن حسان العنزي. كان من أصحاب حجر وسيق معه مكبّلاً بالحديد ، ولما كانوا في مرج عذراء طلب ان يبعثوا به الى معاوية ـ وكأنه ظن أن معاوية خير من ابن سمية ـ. فلما ادخل عليه ، قال له معاوية : « يا اخا ربيعة ! ما تقول في علي ؟ » قال : « دعني ولا تسألني ، فهو خير لك ! » ، قال : « واللّه لا ادعك » ، قال : أشهد انه كان من الذاكرين اللّه كثيراً ، والآمرين بالحق ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس ». قال : « فما قولك في عثمان ؟ » ، قال : « هو اول من فتح باب الظلم واغلق أبواب الحق » ، قال : « قتلت نفسك » ، قال : « بل اياك قتلت ، ولا ربيعة بالوادي » ـ يعني ليشفعوا فيه أو يدفعوا عنه ـ. فردّه معاوية الى زياد في الكوفة وأمره بقتله شرَّ قتلة !! ..
     وكان عبد الرحمن هذا هو القائل يوم كبسهم جلادو معاوية في مرج عذراء : « اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راضٍ ، فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى اللّه الا ما أراد ».
     وذكره حبة العرني ، فيما حدث عنه في تاريخ الكوفة ، ( ص 274 ) قال : « وكان عبد الرحمن بن حسان العنزي من أصحاب علي عليه السلام ، اقام بالكوفة يحرض الناس على بني أمية ، فقبض عليه زياد ، وأرسله الى الشام ، فدعاه معاوية الى البراءة من علي عليه السلام ، فأغلظ عبد الرحمن بالجواب ، فردّه معاوية الى زياد فقتله ».


(342)
    وقال ابن الاثير ( ج 3 ص 192 ) والطبري ( ج 6 ص 155 ) أنه دفنه حياً بقس الناطف (1).
     أقول : ولو أدرك معاوية قتلات زياد لشيعة علي في الكوفة ، وقطعه الايدي والارجل والالسنة ، وسمله العيون ، لما زاده وصاة بابن حسان العنزي حين أمره بان يقتله شر قتلة ، وهل قتلة شرّ من هذه الفتلات والمثلات ؟ ولكن زياداً نزل على وصية معاوية فابتدع قتلة الدفن حياً !!. (2).
     وما أدراك ما سيلقى معاوية على هذه الوصاة ، وما سيجازى زياد على هذه القتلات يوم يردون جميعاً الى اللّه مولاهم الحق ؟؟.
    د ـ قبيصة بن ربيعة العبسي. وسماه بعضهم ابن ضبيعة ـ بدل ربيعة ـ وهو الشجاع المقدام الذي صمم على المقاومة بسلاحه وبقومه ، لولا أن صاحب الشرطة آمنه على دمه وماله ، فوضع يده في أيديهم ، ايماناً ببراءة « الامان » الذي كان لا يزال متبعاً لدى العرب فضلاً عن أهل الاسلام ، ولولا أن الخلائق الاسلامية والعربية معاً ، كانت قد تبخرت عند القوم ، أو انهم كانوا قد فهموها على أنها وسائل للغلبة والبطش فحسب !.
     وأُحضر ابن ضبيعة العبسي لزياد فقال له : « اما واللّه لاجعلن لك شاغلاً عن تلقيح الفتن والتوثب على الامراء !! » [ انظر الى المنفذ الضيق الذي
1 ـ موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي ويقابله « المروحة » على شاطئها الغربي كانت فيه موقعة أبي عبيد والد المختار الثقفي.
2 ـ ثم كان هذا النوع من القتل السنة السيئة التي تبعه عليها الجبابرة من بعده. ولما غضب بنو أمية على عمر المقصوص وهو مؤدب معاوية بن يزيد بن معاوية ، الذي استقال من خلافتهم احتجاجاً عليهم ، أخذوه ودفنوه حياً!. الدميري في حياة الحيوان ( ص 62 ) وروى هناك خطبة معاوية هذا التي يشرح فيها حيثيات استقالته بما يشعر بتشيعه لاهل البيت عليهم السلام.


(343)
ينظر منه الاقوياء ] ، قال : « اني لم آتك الا على الامان » ، قال : « انطلقوا به الى السجن ».
     ثم كان بعد ذلك في الركب المثقل بالحديد الذي يسار به الى القتل صبراً. وفي الحديث : « من آمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وان كان المقتول كافراً (1) ».
     ومروا به ـ ولما يخرجوا بالقافلة من الكوفة ـ على داره فاذا بناته مشرئبات اليه يبكينه ، فقال للحرسيين وائل وكثير : « ائذنا لي فاوصي الى أهلي » ، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ـ ساعة ـ ، ثم قال لهن : « اسكتن » ، فسكتن ، فقال : « اتقين اللّه عزّ وجل واصبرن فاني ارجو من ربي في وجهي هذا احدى الحسنيين : اما الشهادة وهي السعادة ، واما الانصراف اليكن في عافية. وان الذي يرزقكن مؤونتكن هو اللّه تعالى ، وهو حي لا يموت [ انظر الى النفس الملائكية في اهاب البشر الانساني ] أرجو ان لا يضيعكنَّ ، وأن يحفظني فيكن ». ثم انصرف.
     وباتت الاسرة اليائسة الولهى ( كما يشاء معاوية ) تخلط البكاء بالبكاء ، وتصل الدعاء بالدعاء ، وكم لبنات قبيصة يومئذ من أمثال.
     قال الطبري : « ووقع قبيصة من ضبيعة في يدي أبي شريف البدّي فقال له قبيصة : ان الشر بين قومي وبين قومك آمن فليقتلني سواك ، فقال : برّتك رحم ! ثم قتله القضاعي ! ».
     أقول : وأيّ نفس قوية هذه التي تنتبه في مثل هذه اللحظة الى الحؤول دون الشرّ بين القومين والاحتياط على الاصلاح.
     ه ـ كدام بن حيان العنزي.
     و ـ محرز بن شهاب بن بجير بن سفيان بن خالد بن منقر التميمي (2)
1 ـ الاصابة ( ج 4 ص 294 ).
2 ـ يراجع عما كتبناه في حجر واصحابه : الدينوري وابن الاثير والطبري وابن أبي الحديد والاستيعاب والنصائح الكافية وتاريخ الكوفة.


(344)
    وكان من رؤساء الناس ، ومن نقاوة الشيعة المعروفين بتشيعهم ، وكان محرز هذا على ميسرة جيش معقل بن قيس في حربه للخوارج سنة 43 ، وكان جيش معقل في هذه الحرب ثلاثة آلاف هم نقاوة الشيعة وفرسانهم على حد تعبير الطبري فيما وصفهم به ( ج 6 ص 108 ).
    2 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي :
    هو ابن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن ذراح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي.
     أسلم قبل الفتح ، وهاجر الى المدينة ، فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي صلى اللّه عليه وآله بأن يمتعه اللّه بشبابه ، فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء. وصحب بعده امير المؤمنين علياً عليه السلام ، فكان الحواري المخلص الذي يقول له بحق : « ليت في جندي مائة مثلك ». وشهد معه الجمل وصفين والنهروان.
     ودعا له امير المؤمنين بقوله : « اللهم نور قلبه بالتقى ، واهده الى صراطك المستقيم ». وقال له : « يا عمرو انك لمقتول بعدي ، وان رأسك لمنقول ، وهو أول رأس ينقل في الاسلام. والويل لقاتلك (1) ».
     قال ابن الاثير ( ج 3 ص 183 ) : « ولما قدم زياد الكوفة قال له عمارة بن عقبة بن ابي معيط : ان عمرو بن الحمق يجمع اليه شيعة أبي تراب ، فأرسل اليه زياد : ما هذه الجماعات عندك ؟ من أردت كلامه ففي المسجد (2) ».
1 ـ سفينة البحار ( ج 2 ص 360 ).
2 ـ وذكر الطبري وشاية عمارة بن عقبة ثم قال : « ويقال ان الذي رفع على عمرو بن الحمق وقال له : قد انغل المصرين هو يزيد بن رويم ».


(345)
    « ثم لم يزل عمرو [ فيما يروي الطبري ] خائفاً مترقباً حتى كانت حادثة حجر بن عدي الكندي فأبلى فيها بلاء حسناً وضربه رجل من الحمراء ـ شرطة زياد ـ يدعى بكر بن عبيد بعمود على رأسه فوقع وحمله الشيعة فخبأوه في دار رجل من الازد ، ثم خرج فاراً وصحبه الزعيم الآخر [ رفاعة بن شداد ] فيمما المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا ارض الموصل فكمنا في جبل هناك ، واستنكر عامل ذلك الرستاق شأنهما فسار اليهما بالخيل ، فأما عمرو فلم يصل الموصل الا مريضاً بالاستسقاء ، ولم يكن عنده امتناع. واما رفاعة بن شداد ـ وكان شاباً قوياً ـ فوثب على فرس له جواد ، وقال لعمرو : أقاتل عنك ، قال : وما ينفعني ان تقاتل ، انج بنفسك ان استطعت. فحمل عليهم فأفرجوا له ، فخرج تنفر به فرسه ، وخرجت الخيل في طلبه ـ وكان رامياً ـ فأخذ لا يلحقه فارس الا رماه فجرحه او عقره فانصرفوا عنه. وسألوا عمراً : من انت ؟ فقال : من ان تركتموه كان أسلم لكم ، وان قتلتموه كان أضرّ لكم !. فسألوه فأبى ان يخبرهم ، فبعث به ابن أبي بلتعة ، عامل الرستاق ، الى عامل الموصل ، وهو ( عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي ) ، فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه ، وكتب الى معاوية بخبره ، فأمره معاوية بأن يطعنه تسع طعنات كما كان فعل بعثمان فطعن ومات بالاولى منهن أو الثانية ».
     وخالف ابن كثير رواية الطبري هذه ، فقال : « ان اصحاب معاوية عثروا عليه في الغار ميتاً ، فحزّوا رأسه ، وبعثوا به الى معاوية ، وهو اول رأس طيف به في الاسلام. ثم بعث معاوية برأسه الى زوجته ( آمنة بنت الشريد ) وكانت في سجن معاوية [ انظر الى أفظع الوان الارهاب ] فألقي في حجرها ، فوضعت كفها على جبينه ، ولثمت فمه ، وقالت : غيبتموه عني طويلاً ، ثم أهديتموه اليّ قتيلاً ، فأهلاً به من هدية غير قالية ولا مقلية.
     « ثم كان فيما كتب به الحسين عليه السلام الى معاوية : الست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ـ العبد الصالح الذي أبلته العبادة ـ فأنحلت جسمه ، وصفرت لونه ، بعدما أمنته واعطيته
صلح الحسن ( عليه السلام ) ::: فهرس