إن التمسك بأهل البيت ( عليهم السلام ) تمسك بالثقل الثاني بعد الكتاب المجيد ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (1) .
والتمسك بهم أي التمسك بأحاديثهم الشريفة ، فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، والمفسرة لمبهماته ، والمبينة لمجملاته .
ولا نكون متمسكين بهم ( عليهم السلام ) وبأحاديثهم إلا بأن نتخلق بأخلاقهم ، ونترجم أقوالهم إلى أفعال ، وإلى واقع ملموس في حياتنا اليومية .
فإذا كنا كذلك فالرسول ( صلى الله عليه وآله ) يضمن لنا عدم الضلالة أبداً حيث قال : « لن تضلوا أبداً » ، فكلمة « لن » تفيد النفي إلى الأبد .
وهذا حفيده الإمام الصادق ( عليه السلام ) كفيل بنجاتنا يوم القيامة حيث إنه قال : « . . . وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم » (1) .
ومن هنا ندرك مدى ما تحمله نقلة الحديث والرواة ، وما كابدوه من أعباء ثقال حتى تصل إلينا هذه الكنوز المذكورة عبر الأجياء والقرون .
وفي بيان فضل الرواة قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
« الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد » (2) .
وإن القلوب لترين كما يرين السيف ، وجلاؤها الحديث (3) ، وخير الحديث أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة ( عليهم السلام ) .
وهذه سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة ( عليها ا لسلام ) تحدثنا عن أمها سيدة نساء العالمين بأحاديث يجدر أن تكتب بأحرف من نور ، فهي خير من الدنيا وماف يها ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :
« حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة » (4) .
ومما حفظت لنا الكتب من أحاديث السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ، حديثها : ـ
. . . (1) حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليهم السلام ] .
حدثني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر [ عليهم السلام ] ، فلن : حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق [ عليهم السلام ] .
حدثني فاطمة بنت محمد بن علي [ عليهم السلام ] .
حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين [ عليهم السلام ] .
حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي [ عليهم السلام ] .
عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ) ورضي عنها ، قالت : « أنسيتم قول رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه .
وقوله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) :
أنت مني بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام » .
وكذلك تحدثنا السيدة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) (1) ـ بنفس السند السابق ـ عن جدتها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أنّها قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لما اسري بي إلى السماء ، دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة ، وعليها باب مكلّل بالدر والياقوت ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، علي ولي لقوم ، وإذا مكتوب على الستر : بخ بخ (2) من مثل شيعة علي ( عليه السلام ) ؟
فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف ، وعليه باب من
فدخلته فإذا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه ، وعليه باب من ياقوته حمراء مكللة باللؤلؤ وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون .
فقلت : حبيبي جبرئيل ! لمن هذا ؟
فقال : يا محمد ! لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي ( عليه السلام ) ، ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم إلا شيعة علي ( عليه السلام ) ، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم .
فقلت : حبيبي جبرئيل ! وكيف ذاك ؟
قال : لأنّهم أحبوا عليا ( عليه السّلام ) فطاب مولدهم (1) .
عن فاطمة بنت موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) (1) .
عن فاطمة بنت الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) .
عن فاطمة بنت الباقر محمد بن علي ( عليهما السلام ) .
عن فاطمة بنت السجّاد علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) .
عن فاطمة بنت أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) .
عن زينب بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
عن فاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قالت :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً » (1) .
وروى الزمخشري في الكشاف هذا الحديث بسند آخر وتفصيل أكثر ، نذكره إتماماً للفائدة .
قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« من مات على حب آل محمد مات شهيداً » .
ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير .
ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها .
ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة .
ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة .
ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة [ مكتوبا ] بين عينيه آيس من رحمة الله .
ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً .
الا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنّة » (2) .
فرق بعض بين المعجزة والكرامة بأن المعجزة تختص بالانبياء ، والكرامة بالاولياء .
وفرق آخرون بينهما بأن المعجزة هي ما ظهرت على وجه التحدي ، والكرامة ما ليس فيها تحد .
والظاهر أنه لا فرق بينهما ، والشاهد على ذلك أنه ربما يأتي الولي بما يأتي به النبي من المعجزة ، كشفاء المرضى .
فلماذا تسمى إحداهما معجزة ، والأخرى كرامة ؟ !
وقد يأتي النبي بمعجزة ليس فيها تحدي ، ولم نقرأ أو نسمع أحداًَ سماها كرامة .
فيبدو أن كلمة ( كرامة ) ليست سوى إصطلاحاً مخترعاً (1) ، ولا تفترق عن المعجزة في معناها .
فما هي المعجزة ؟ ولماذا يؤتى بها ؟
المعجز في اللغة عبارة عمّا يعجز الغير ، كالمقدر فإنّه عبارة عمن يجعل الغير قادراً .
« وأما في العُرف : فهو الخارق للعادة ، الذي يظهر من جهة الله تعالى ، الدّال على صدق من ظهر عليه » (2) .
1 ـ فهو خارق للعادة ، فلا يشمل الحيل والسحر وما أشبه من وسائل التلبيس والتمويه ، إذ هي ليست خرقا للعادة ، وإنما المعجز هو كل ما كان ممتنعاً عادة ممكناً ذاتاً ، كطلوع الشمس من المغرب ، والخلق من غير ذكر وأنثى ، إذ لم تجر العادة بطلوع الشمس من المغرب ، ولا بخلق ولد من غير ذكر وأنثى .
وقد يهب الله تعالى لأحد ما قدرة ليست موجودة عند عامة الناس فيتوهم أنّها خارقة للعادة ، كالتي ادعت النبوة (1) ، واتخذت من قدرة إبصارها القوية لتوهم الناس بنزول الوحي عليها ، فقد كانت حادة البصر بحيث ترى لمسافة ثلاثة أيام من الطريق ، فترى القافلة والأشخاص التي فيها ، تخبر الناس بمجيئهم بعد ثلاثة أيام ، وتخبرهم بما معهم من المتاع .
فهذا ليس إعجازاً وخرقا للعادة ، وإن كانت العادة أن الإنسان لا يرى إلى هذه المسافة ، ولكن يمكن ذلك إذا امتلك قدرة حادة على الإبصار ، كالقدرة التي كانت عند هذه المرأة .
ولزيادة إيهام الناس إتخذت من شبيب بن ربعي مؤذناً لها ، إذ كان يسمع نداؤه على بعد فرسخ .
وهذا العباس بن عبد المطلب كان يسمع نداؤه على بعد ثمانية أميال (2) ، ولذا كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في بعض المواطن ، يطلب من عمه العبّاس أن يعينه بصوته .
وإلى غير ذلك من أمثال هذه القدرات مما يظن أنها من خوارق العادات .
بل إن الله تعالى قد أودع أمثال هذه القدرات في بعض الحيوانات .
هل رأيت النسور كيف تحلق في السماء فترى فريستها على أبعاد شاهقة قد تبلغ مئات الأقدام ؟ (1) .
أم هل رأيت النعام كيف يبتلع الجمر ولا يبالي ؟ (2) .
أم هل سمعت أو رأيت السمندل كيف يدخل النار فلا تحرقه ؟ (3) .
أليس كل ذلك وكثير من أمثاله مما يعد في بادىء الرأي أنّه خرق للنواميس ، مع أنّه واقع محسوس ، ومعاين مشهود ؟
2 ـ وهذا الخارق للعادة يجب أن يكون من جهة الله تعالى ، ( وما كان لرسول أن يأتي بآية (4) إلا بإذن الله ) (5) .
فقد يؤتى بأمر خارق للعادة ولكنّه ليس من قبل الله تعالى .
كخوارق العادات التي يأتي بها المرتاضون على أثر تقوية النفس بالرياضة والزهد في الدنيا ، والكف عن الملاذ من ا المآكل والمشارب والمناكح والملابس .
وهؤلاء لاحظ لهم في الدين ولا ثواب ، إذ هكذا رياضات تخالف جوهر الدين ، وإنما الرياضة الروحية الوحيدة في الإسلام هي التقوى ، يعني عدم اتباع هوى النفس ، والعمل على طبق الأوامر الإلهية ، فبالتقوى تسعو وتقوى الروح ، وترتقي مدارج الكمال ، فتكون مورد العناية الربانية .
3 ـ وقد يكون الأمر خارقا للعادة ، ويكون من قبل الله تعالى ، ولكنه ليس على وجه يبين صدق دعوى المدعي ، بل يأتي تكذيباً لما ادعاه .
مثل ما روي أنه قيل لمسيلمة الكذاب (1) : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] تفل في بئر فكثر الله ماءه القليل ، فاتفل أنت في بئر قليل الماء ! !
فتفل فغار ما كان فيه من الماء .
وقيل له أيضاً : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] دعا لأعور فرد الله عينه الأخرى إليه ، فافعل أنت مثله ! !
فدعا لأعور فذهبت عينه الأخرى الصحيحة (2) .
فهذه وإن كانت خرقا للعادة ، ومن قبله تعالى ، ولكنّها نقيض ما التمسه مسيلمة المدعي للنبوة ، وذلك مبالغة في تكذيبه وتقريراً لنبوة نبيا ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وتصديقاً له .
فالمعجز إنّما يدل على صدق دعوى تطابقه ، فإن ادعى مدع
فالمعجز يظهر على الأولياء كما يظهر على الأنبياء .
ذلكم القرآن الكريم شاهد صدق على ذلك ، فقد ذكر أمثلة متعددة لذلك ، كحمل السيدة مريم بلا دنس ، وكقصة أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم أكثر من ثلاثمائة سنة ، وإتيان آصف بن برخيا بعرش بلبقيس حيث قال لسليمان النبي ( عليه السلام ) ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . . . ) (2) وما إلى ذلك من خوارق العادات التي صدرت من غير الأنبياء ، وجاء ذكرها في القرآن المجيد وسائر الكتب السماوية .
الخلاصة :
إن المعجزة « فعل ربوبي ، وآية إلهية ، وحجة قاطعة ، يعجز عنها البشر ، وتنحط دونها القوى والقدر وتنحسم بها بواعث الشك والإرتياب ، وعوابث الوسوسة والإضطراب » (3) .
وبعد أن عرفنا المعجزة وشرائطها ، وكيف نميز بينها وبين ما ليس بمعجز ، بعد هذا كله يأتي السؤال التالي :
لماذا أعطى الله تعالى المعجزة لأنبيائه وأوليائه ؟
هذا أبو بصير أحد أصحاب سيدنا ومولانا الإمام الصادق ( عليه
قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) لأي علّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله ، وأعطاكم المعجزة ؟ (1) .
فقال : ليكون دليلاً على صدق من أتى به ؟
والمعجزة علامة الله لا يعطيها إلا أنبياءه ورسله وحججه ، ليعرف به صدق الصادق [ من كذب الكاذب ] » (2) .
فيؤيد الله سبحانه وتعالى أولياءه والصالحين من عباده بالمعجزة ، تصديقا لهم ، وإصحاراً بحقيقة أمرهم ، وحثا للملأ على اقتفاء آثارهم .
والتعجب من هذه الخوارق والمعاجز أو الإستنكار لها ، إنّما هو بسبب غرابتها عن المشاهدة والمألوف .
ولكن لا تلبث أن تنفشع سحابة الغرابة إذا عرفنا أن هؤلاء بالطاعة اكتسبوا رضى الخالق عز وجل ، فخلق الأشياء لأجلهم ، وتحت تصرفهم ، فوهبهم الدنيا والآخرة .
ففي الحديث القدسي : « عبدي ! خلقت الأشياء لأجلك ،
كما و « إن لله عباداً أطاعوه فيما أراد ، فأطاعهم فيما أرادوا ، يقولون للشيء كن فيكون » (1) .
وفي حديث قدسي ثالث :
« يابن آدم ! . . .
أنا أقول للشيء كن فيكون . أطعني فيما أمرتك ، أجعلك تقول للشيء كن فيكون » (3) .
وفي حديث قدسي آخر :
« عبدي ! أطعني أجعلك مثلي . . . أنا مهما أشاء يكون ، أجعلك مهما تشاء يكون » (4) .
فمفتاح ظهور هذه المعاجز على العباد هو الطاعة التامة لله وحده وحينئذ لا يبقى مجال لأي تعجب أو إستغراب .
ومن تلك المعاجز مانراه عند مشاهد أهل بيت العصمة والطهارة ، وقباب وأضرحة أولادهم وذراريهم ( عليهم السلام ) .
ومن سيدات ذلك البيت الطاهر ، والمنبع الزاكي ، سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) ، حيث نجد حرمها الشريف مزدلف أرباب الحوائج ، ومأوى كل مهموم ومغموم ، وحمى كل مستجير ومضطهد .
فلا ينكفىء المحتاج إلا ثلج الفؤاد ، ولا يرجع القاصد إلا قرير العين ، ولا يلبث المريض إلا وقد شفي .
والآيات والمعجزات التي ظهرت عند مرقدها المبارك ـ على مدى الأيام والأزمان ـ كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وفيما يلي نذكر بعضاً منها ،على سبيل التيمن والتبرك (1) : ـ
الناس يجتمعون عند ضريح السيٌدة المعصومة ( عليها السلام ) ، ويلتفون حول امرأة قد التصقت يداها بالضريح ، ولا تستطيع فكاكهما .
إنّها امرأة فاجرة كانت تُمسك بأطراف الضريح وتغرر بشابةٍ لتسوقها إلى الحرام .
فهي تهتك حرمة المكان الشريف ، فكان أن عاقبتها السيدة المعصومة ( عليها السلام ) بإلصاق يديها بشباك الضريح .
ولحل المشكلة لجأوا إلى أحد مراجع ذلك العصر (1) .
فأمرهم بوضع شيء من تربة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الماء ، ثم يصب على يدي تلك المرأة .
فصنعوا ما أمرهم به . وما أن صبوا ذلك الماء الممزوج بتربة سيد الشهداء على يديها إلا وإنفكتا عن الضريح .
ولكنّ هذه الفاجرة على أثر تلك الحادثة كانت قد فقدت عقلها ، ولهذا كانت تجوب الشوارع والأسواق والأزقّة هائمة على وجهها ، فكانت بذلك عبرةً لمن يعتبر .
إلى أن جاء يوم دهستها فيه سيارة ، فختمت حياتها السوداء بذلك (2) .
السيد محمد الرضوي الذي كان أحد خدّام الحرم الشريف يقول : كنت ذات ليلة نائماً ، فرأيت في عالم الرؤيا السيدة المعصومة ( عليها السلام ) تأمرني قائلة :
قم ، وأنر منارات الحرم ! !
وكان قد بقي لأذان الصبح أربع ساعات ، مما جعلني أغط في نومي مرّة اُخرى .
وإذا بالسيدة المعصومة ( عليها السلام ) تأتيني للمرة الثانية ، وتأمرني بنفس الأمر ، فأرجع فأنام .
ولكنها في المرة الثالثة صاحت بي مغضبة :
ألم أمرك بإنارة المنارات ! !
فنهضت مسرعاً وأسرجت الضياء منفذاً أمرها .
وكانت تلك الليلة ليلة شديدة البرودة ، وقد غمرت الثلوج الأبنية والأزقة والطرق ، فألبستها ثوباً أبيض .
ولكن اليوم التالي كان مشمساً .
وحينما كنت واقفاً عند باب الحرم الشريف ، سمعت مجموعة من الزوار يتحدثون ويقول أحدهم للآخر :
كيف نشكر السيدة المعصومة على حسن صنيعها معنا ليلة البارحة ؟
إنه لو تأخرت إضاءة المنائر لدقائق لكنا من الهالكين .
فتبين أنهم قد ضيعوا الطريق لانغمارها بالثلوج التي أخفت كل أثر لها ، فلم يشخصوا اتجاه البلدة ، فتاهوا .
وعندما أضيئت المنارات بأمر السيدة المعصومة ( عليها السلام ) عرفوا الطريق إلى البلدة ، ونجوا من هلاك محقق ، تحت وطأة الثلوج والبرد الشديد (1) .
بعد انحلال النظام الشيوعي في دويلات « الاتحاد السوفيتي » وانفتاح هذه الدويلات على العالم الإسلامي ، تتجه هيئة من الحوزة العلمية في « قم » إلى « أذربيجان لإنتخاب مجموعة من الأفراد المؤهلين لتحمل مسؤولية التبليغ في بلدهم ، وأخذهم إلى « قم » لدراسة العلوم الدينية .
وكان شاب من « أذربيجان » إسمه « حمزة » يرغب في دراسة العلوم الدينية إلا أن الهيئة رفضت قبوله لعيب في إحدى عينيه ، فلم تتوفر فيه إحدى شرائط القبول ، فالطالب ـ في نظر تلك الهيئة ـ يلزم أن يكون سالماً من العيوب الخلقية حتى لا يعاب وينتقص .
فيبكي « حمزة » لحرمانه من ذلك الهدف الذي كان يسعى إليه .
فيبادر أبوه ويصر على المسئولين في تلك الهيئة ليقبلوه حتى لا ينعكس ذلك على نفسيّة إبنه وحياته المستقبليّة .
ومراعاة لعواطف الأب ، ونفسية الإبن توافق الهيئة على قبول « حمزة » في ضمن أكثر من مائة شاب اُرسلوا إلى « إيران » .
وفي « طهران » يتم استقبال الشباب الأذربيجاني استقبالاً حافلاً اشتركت فيه الإذاعة والتلفيزيون ، حيث أخذت لهم الصور والأفلام .
وكان أحد مصوري الأفلام يسلط عدسة التصوير على عين « حمزة » المعيوبة مكرراً .
وأهديت نسخة من هذا الفيلم إلى المدرسة التي استقبلت هؤلاء الشباب في « قم » المقدسة .
وذات يوم ، وفي صالون المدرسة ، يعرض ذلك الفيلم عليهم ، كنوع من الترفيه وتغيير الأجواء .
وفي كل مرّة كانت تظهر عين « حمزة » المعيوبة ، كانت تتصاعد صيحات الضحك من رفاقه .
إظلمت الدنيا في عيني « حمزة » . . وضاقت عليه الحياة . .
فقرر الرجوع إلى بلده حتى لا يكون مورد استهزاء وتحقير رفاقه .
ولذلك توجه إلى الحرم الشريف حتى يودع السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ويبثها ألمه وأحزانه .
وبقلب منكسر ، وعين تدمع بغزارة ، يتوجه إلى السيدة ( عليها السلام ) قائلاً : يا بنت باب الحوائج !
قد جئتك من على بعد مئات الأميال حتى أدرس تحت ظلك ورعايتك ، فأكون مبلغاً . . .
ولكنني لا استطيع تحمل كل هذا التحقير والإستهزاء . .
ولذا قررت الرجوع إلى بلدي ، فاحرم مجاورة حرمك الشريف .
وبعد أن بث « حمزة » أحزانه وآلامه لكريمة أهل البيت ( عليها السلام ) ، خرج من أحد أبواب الحرم الشريف ، وإذا به يلتقي بأحد رفاقه ، فيسلّم عليه ، فيرد رفيقه عليه السلام دون أن يعرفه .
فيناديه : « حمزة » باسمه .
فيلتفت إليه رفيقه قائلاً ـ وقد أمعن النظر إليه ـ :
ـ هذا أنت يا « حمزة » !
ـ نعم ، أنا « حمزة » ، ولكن لماذا تنظر إلي هكذا ، وكأنك لا تعرفني ؟
« حمزة » ! ماذا حدث لعينك ؟ كيف أصبحت سالمة ؟
عندها يتوجه « حمزة » إلى أن عينه المعيوبة قد شفيت ببركة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) .
فلا تحقير ولا استهزاء بعد اليوم .
فكان من أسعد الطلاب لأنه وقع مورد عناية هذه السيدة الجليلة ، وصار مظهراً من مظاهر معجزات أهل بيت العصمة والطهارة في « أذربيجان » (1) .
| هلل الشعر فـي المـديـح وكبـر | * | مـلأ الكـون بـالثنـاء المعطـر |
| طفحت موجـة الشعـور انـطلاقاً | * | مـن صميم الولاء أصلاً ومـصدر |
| فبـذكـر الإلـه يشـدو لسـانـي | * | كــل آن أقــول الله أكبـــر |
| وبطــه وفــاطــم وعلــي | * | وبـآل النبـي مـازلـت أفخــر |
| ولهم فـي الحيـاة أخلصت حبـي | * | وبنــور الــولاء قلبـي تنـور |
| ما تصورت فـي الوجود سـواهم | * | عظمــاء فلــم ولـن أتصـور |
| فازدهت كل بقعة من بقاع الأرض | * | فيهــم ومجـدهـم لـيس ينكـر |
| طيبـة طــاب اسمهـا وثـراها | * | وبمثـوى محمـد هـي تـزهـر |
| وقبــور البقيــع تنفـح طيبـاً | * | إنهـا أطـيب البقــاع وأطهـر |
| فبقبر الزهراء والحسن السبط | * | وزيـن العبـاد خيـر موفـر |
| وكـذا باقـر العلـوم يليـه | * | صادق القول والصدوق المقدر |
| ثـم أم البنين بـنت حـزام | * | إسمها خالـد ليـوم المحشـر |
| واست الطُّهـرَ فاطـم ببنيها | * | والوفا شأنها وأحـرى وأجدر |
| فلديـن الإسلام دون حـسين | * | قـد تفانوا وقاتلوا شر عسكر |
| جاهدوا كالأسود حتـى أبيدوا | * | وفـدوا دينهـم بقطع المنحر |
| ذكرهم مفخر إلـى كـل جيل | * | ومثال الفخار فـي كل محضر |
| فـسلام وألف ألـف سـلام | * | لـك يـا بـقعة البقيع وأكثر |
| والغري أزدهـى بمثوى علي | * | قامع الشـرك قالع باب خيبر |
| نـجف أشرف إذا قيـل حقا | * | إنـه أشـرف البلاد وأشهـر |
| يتبـاهـى بــآدم وبنـوح | * | وبهود وصـالح بعـد حيـدر |
| هو حامي الجـوار حيّاً ومَيْتاً | * | وغدا في المعاد ساقي الكـوثر |
| قدست كربلا بمثـوى حسين | * | والشهيدين أكبـر ثـم أصغر |
| كربلا زادهـا الحسين فخاراً | * | باخيه العبـاس شبل الغضنفر |
| حـبيب نجـل المظاهـر أضحـى | * | للتفـادي وللـوفـا خيـر مظهـر |
| وقبـور الأنصـار ضمت ثـراهـا | * | شهداء ثـاروا علـى الظلـم والشر |
| وبقبـريـن للجـواديـن طـابـت | * | أرض بغـداد طيـب مسك وعنبر |
| وازدهت سر مـن رأى وتسـامت | * | واعتـزازا بـالعسكـرييـن تفخر |
| وبمثوى المولى الرضا أرض طوس | * | قـد تعالت مجدا على البحـر والبر |
| ولتبــاهـي بفـاطـم أرض قـم | * | ولهــا الفخـر والثنـاء المكـرر |
| أصبحـت جنـة الحيـاة وتـدعى | * | عش آل الـرسول فـي الدهر تذكر |
| حـوزة العلم فـي حماهـا تجلـت | * | وبالأسـاطيـن والمراجـع تزخـر |
| قبـرهـا صـار مـوئـلا ومـلاذا | * | وبهـا كــل معســر يتيســر |
| والكـرامــات لا تعـد وتـحصى | * | وبهـا صفـو كـل عيـش مكـدر |
| كأبيهـا بـاب الحـوائـج تقضـى | * | عندهـا كـل حـاجـة تــتعسر |
| عمهــا المجتبـى إمـام كـريـم | * | وعطـايـاهـا لا تحـد وتحصـر |
| وهـي تـدعـى كـريـمة دون شكٍّ | * | وعلـى فضلهـا الكـريمـةُ تُشكَرْ |
| واسمهـا شـاع فـي الأنـامِ بـفخر | * | ولهــا ينظــم المديـح ويـنثر |
| شــأنهـا قـد سمـى جـلالا | * | وقدراً واجتباها الاله من عالم الذر |
| وحباهـا حلما وقلبـا صبـورا | * | وجميـل العقبـى لمن قد تصبر |
| شأنهـا شـان فاطـم بنت طـه | * | فهي كالنور واضـح ليس ينكـر |
| فبـذي قعــدة بــأول يـوم | * | ولــدت والبشير صـاح وبشر |
| هي أخت الرضا علي بن موسى | * | وأبـوها الإمام مـوسى بن جعفر |
*
*
| لـهف نفسي لبنت « موسى » سقاها | * | الـدهـر كأسـا فـزاد منـه بـلاها |
| فــارقت والـداً شفيقـا عطـوفـاً | * | حـاربـت عينهـا عليـه كـراهـا |
| اودعتــه قعـر السجـون اُنـاس | * | أنكـرت ربهـا الـذي قـد براهـا |
| وإلى أن قضـى سميمـا فـراحـت | * | تـثكل النـاس فـي شديـد بكـاها |
| وأتــى بعــده فـراق أخــيها | * | حين في « مـرو » أسكنته عـداها |
| كـل يـوم يمـر ، كــان عـليها | * | مثل عـام فـأسرعت فـي سـراها |
| أقـبلت تقطـع الطـريق اشتيـاقـا | * | لأخيهـا الرضـا وحـامي حمـاهـا |
| ثـم لمـا بهـا الظعينـة وافــت | * | أرض قــم وذاك كــان منـاهـا |
| قام « موسى » (1) لها بحسن صنيع | * | إذ ولاء الـرضـا أخيهــا ولاهـا |
| نـزلت بيتـه فقـام بمـا اسطـاع | * | مـن خـدمـة لهــا أســداهــا |
| ما مضت غير برهة من زمان | * | فاعتراها من الأسى ما اعتراها |
| والـى جنبه سقام اذاب الجسم | * | منهــا وثقلــه أظنــاهـا |
| فـقضت نحبهـا غريبـة دار | * | بعدمـا قـطع الفـراق حشاها |
| اطبقت جفنها إلى الموت لكن | * | ما رأت والد الجواد أخاها (1) |
*
*