أ ـ محاربة الفقر والفساد : قبيل الحكم الجمهوري وفي عهد الاحتلال البريطاني عاش الناس فقراً مدقعاً وحياة شظف ونكد لم يكن الفرد يجد لقمة الخبز التي تقيم أوده وتحفظ رمقه. ولم يكن الفقر آنذاك قاصراً على طبقة دون اخرى بل كان شائعاً بين أوسع طبقات المجتمع بلا استثناء. وقد تناول الشاعر في كثير من قصائده مأساة الفقر وما كان يعانيه الشعب من بؤس وحرمان نتيجة العوز وضيق اليد. ومن هذه القصائد قصيدة « اليتيم » التي صور فيها جانباً من حياة الفقر والشقاء التي كان يعيشها الناس في تلك الآونة :
____________ 1 ـ الخَوَر : الضعف. ( لسان العرب ، ج4 ، ص242 ). 2 ـ الضارع : الضعيف الذليل. ( لسان العرب ، ج8 ، ص53 ). 3 ـ الخَفَر : شِدَّةُ الحياء. ( لسان العرب ، ج4 ، ص152 ).
والشاعر نفسه لم يكن بمنأى عن هذه المأساة ، فطالما مرّ بظروف قاسية يوم كان طالباً دينياً لا يصله من الحقوق الشرعية إلاّ النزر القليل حيث لم يكن يكفيه لسد حاجاته وادارة شؤونه. وقد حاول الشاعر مراراً معالجة هذه الظاهرة الخطيرة في قصائد عديدة من شعره ، منها قصيدة « قادة العلم » التي أرسلها صرخة مدوية يستنهض بها همم الولاة والقادة لدرء هذا الخطر المحدق بحياة الناس وخاصة حياة طلاب العلم :
وكان الشاعر في كثير من الأحيان يتوجه في محاولاته الاصلاحية لظاهرة الفقر ، الى الأغنياء والموسرين ليستدر عطفهم ويجلب اهتمامهم تجاه الفقراء ____________ 1 ـ البَطَر : الطُّغيان في النعمة. ( لسان العرب ، ج1 ، ص429 ). 2 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص169 ـ 171. 3 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص277 ، 278. والمعوزين ، على أمل أن يحيا الناس حياة يسيرة لا يشوبها الفقر والعوز :
وقد هالت الشاعر مظاهر الفساد والترف التي خلفتها الطبقية الظالمة نتيجة انعدام العدالة الاجتماعية ، والفوضى الأقتصادية السائدة آنذاك. ففي الوقت الذي لم يكن عامة الشعب يجد قوت يومه كانت الأقلية من المتمولين والأقطاعيين تنعم في قصورها ومسارح لهوها غير آبهة بمعاناة البؤساء وشقاء المعوزين والفقراء. وقد عزّ على الشاعر أن يرى هذه الصور الأليمة والمناظر المريعة دون أن يقف موقفاً حاسماً يسدد من خلاله نقداته اللاذعة تجاه الوضع الاجتماعي المتأزم ، والتدهور الاقتصادي المتفاقم :
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص172.
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص237 ـ 241. ب ـ مكافحة الجهل والأمية : حرص الشيخ الفرطوسي على معالجة ظاهرة الأمية التي كانت متفشية بين أصناف مختلفة من المجتمع من خلال دعوته الى بناء المدارس ونشر التعليم والنظر بعين الاعتبار الى تثقيف الناشئة وصيانتهم من عدوى الجهل والأمية :
وكثيراً ما كان الشيخ يضيق ذرعاً بالجهل المستشري بين عامة الناس ، والخمول المطبق على أبناء مجتمعه ممن كان يأمل بهم رقي البلاد واعتلاء الوطن من خلال اكتسابهم العلوم والفنون ، وسعيهم وراء الثقافة والمعرفة :
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج2 ، ص174.
ولم يكن التعليم حينئذٍ بمستوى جيد ومناسب بحيث يعول عليه في تنشأة الجيل وتربية النشء. فالمناهج التعليمية كانت سقيمة وغير صالحة ، والمعلمون أنفسهم كانوا بحاجة الى تعليم وتثقيف. وقد تناول الشاعر هذه المشكلة في مواضع مختلفة من شعره ، منها قصيدة « السعادة » حيث اشار الى هذا الموضوع قائلاً :
فيقول الخيال :
ومن هنا تعيّن على الشاعر أن يتوجه بخطابه الى رجال التعليم ليذكرهم ____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص324 ، 325. 2 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص134 ، 135. بواجباتهم تجاه تعليم الجيل وتثقيفه تثقيفاً صحيحاً وسليماً يستطيع من خلاله بلوغ الكمال ونيل الرقي :
وثمة موضوع هام وحساس في مجال التعليم تناوله الشاعر كثيراً في شعره وهو تعليم المرأة وتثقيفها. فبالرغم من ردود الفعل المتباينة التي صدرت من قبل علماء الدين في النجف بشأن تعليم المرأة فانّ موقف الشيخ كان موقفاً واضحاً وصريحاً في هذا الخصوص :
وقد تركزت دعوة الشيخ الى تعليم المرأة على أساس العقيدة الاسلامية الأكيدة والتعاليم الدينية الصريحة. ففي الوقت الذي حث الشيخ الناس على ____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص273. 2 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص229. ارسال فتياتهم الى دور التعليم ، دعا الى الفصل بين الجنسين في المدارس احترازاً من الفساد والانحطاط الخلقي الذي قد ينتجه الاختلاط :
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج2 ، ص77 ، 78. ج ـ تعميم العلاج والخدمات الصحية : لم تكن الخدمات الصحية في عهد الاحتلال بأحسن حالاً من التعليم. فقد كانت هي الاخرى تتخبط في جهالة عمياء وتنوء تحت التخلف والانعدام. وقد شهد العراق في تلك الفترة شيوع الأوبئة والأمراض الخطيرة بسبب انعدام الخدمات الصحية المناسبة وعدم توفر الأطباء المعالجين وقلة الأدوية المكافحة للأمراض. وموضوع الصحة من المواضيع الرئيسية التي تناولها الشاعر في شعره الاجتماعي لارتباطها الوثيق بسلامة المجتمع وسلامة أفراده. فكان يتأثر تأثراً شديداً لتدهور الوضع الصحي العام ، ويتفجر أسىً وألماً حين يرى أبناء وطنه يفقدون حياتهم نتيجة الجهل وانعدام العلاج الصحيح :
____________ 1 ـ الهباء : دقائق الغبار. ( لسان العرب ، ج15 ، ص23 ). 2 ـ الغُثاء : البالي من ورق الشجر. ( لسان العرب ، ج10 ، ص20 ).
ومن أجل سلامة الناس واستتباب الخدمات الصحيه في البلاد طالب الشاعر في مواضع كثيرة من شعره برفع مستوى الطب والعلاج في البلاد من خلال تأسيس معاهد طبية حديثة ، وبناء مستشفيات صالحة للعلاج تضمن حياة المريض وسلامته :
الى أن يقول :
____________ 1 ـ العَفاء : الهلاك. ( لسان العرب ، ج9 ، ص298 ). 2 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص185 ، 186. 3 ـ الأساة : جمع آسي ، الطبيب. ( لسان العرب ، ج1 ، ص147 ). 4 ـ ديوان الفرطوسي ، ج2 ، ص169 ، 170. د ـ اصلاح النظام الزراعي : عانى العراق في ظل الحكم الملكي مشكلة الأقطاع الزراعي التى تأصلت في هذا البلد منذ غابر الأزمان. وقد تجرع الفلاح من غصص الأقطاع ما تجرع. فالأرض التى يدأب في حرثها وزرعها وريّها وحصادها يسلب نتاجها عنوة من قبل الجباة ، فلا يصله منها إلاّ النزر القليل. وقد أشار الشيخ الفرطوسي الى نظام الاقطاع الجائر في قصائد عديدة ، منها قصيدة « ابن القرية » التي خاطب فيها الفلاح قائلاً :
____________ 1 ـ الصَّفاة : صخرة ملساء. ( لسان العرب ، ج7 ، ص371 ). 2 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص155 ، 156. وقد صور الشاعر في كثير من قصائده حال الفلاح وهو يرزح تحت وطأة الاقطاعيين دون رحمة ، في محاولة منه لاصلاح النظام الزراعي ، وتحسين وضع الفلاح الذي طالما عانى من الاقطاع ونظامه التعسفي. ومن هذه القصائد قصيدة « بنت الريف » التي نظمها عام 1945م حيث صور فيها جانباً من معاناة الفلاح في الريف وهي صور منبثقة من واقع الحياة آنذاك :
____________ 1 ـ الغريف : الأجمة. ( لسان العرب ، ج10 ، ص54 ). 2 ـ القروف : القشور. ( لسان العرب ، ج11 ، ص127 ). 3 ـ العِهاد : المطر. ( لسان العرب ، ج9 ، ص45 ). وكوف : سائل. ( لسان العرب ، ج15 ، ص385 ). 4 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص306. 3 ـ الشعر الولائي : يشكل شعر الولاء لأهل البيت عليهم السلام محوراً هاماً في الابداع الأدبي للشيخ الفرطوسي. فقد عرف الشيخ بشاعر أهل البيت لكثرة ما نظم في مناقبهم وسجاياهم الكريمة. ومردّ هذا الحب والولاء انمّا يعود الى عمق تمسك الشاعر بالدين الاسلامي القويم ، وتفانيه في محبة أهل البيت عليهم السلام باعتبار ذلك معلماً من معالم التقرب الى الله تعالى ، ومنجاةً في يوم الحشر العظيم. لقد كان الشيخ الفرطوسي « الإنسان الذي عاش الإسلام ، فاكتشف عظمة أهل البيت من خلال الإسلام ورأى من خلال خطهم الفكري والروحي والعملي.. غنى الفكر الاسلامي وروحيته ومشاريع الإسلام للإنسان والحياة.. فالتزم بهم خط ولاءٍ ومحبة لا يقترب من الغلو ، بل يتوازن في القاعدة الإسلامية المثلى ، لما هو الحب للأشخاص على أساس أفكارهم وأعمالهم ، لا على أساس أشخاصهم ، والتزم بنهجهم لأنه رأى فيه النهج الذي يستمد كل ملامح الفكر والشريعة والأسلوب من كتاب الله وسنة نبيّة من أقرب طريق » (1) ولشدة ولائه وفرط تعلقه بآل البيت عليهم السلام دأب الشاعر في أن يفتتح ديوانه بقصائد في مدح النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. وقد اتخذ من قصيدة « الباب الذهبي » التي مدح فيها الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مطلعاً لديوانه ، حيث قال في أبياتها الأولى :
____________ 1 ـ محمد حسين فضل الله ، من كلمة له في تقديم الجزء الثامن من ملحمة أهل البيت عليهم السلام ، ص4.
وأبيات الأهداء التي قدّم بها الشاعر ديوانه الى الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام تفصح هي الاخرى عن مدى اهتمام الشيخ الفرطوسي بشعر الولاء لأهل البيت عليهم السلام :
ولم يترك الشيخ الفرطوسي مناسبة لتكريم أهل البيت عليهم السلام إلاّ وشارك فيها مشاركة فعالة رغبة منه في إحياء ذكرهم عليهم السلام والاشادة بفضلهم وعلمهم ، والإبانة عن مواقفهم الرسالية الخالدة . ____________ 1 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص33 ، 34. 2 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص4. وما يزال النجفيون يحفظون روائع الشيخ الولائية ، ويرددونها في مختلف المناسبات الدينية. ومن أشهر تلك الروائع قصيدة « مولد الأنوار » التي نظمها الفرطوسي عام 1963م ، في ذكرى مولد الامام الحسين عليه السلام حيث قال في مطلعها :
ومن رائع شعر الفرطوسي في أهل البيت عليهم السلام قصيدة « مولد الزكي » التي نظمها في مولد الامام الحسن المجتبى عليه السلام وهي من أجمل قصائده الولائية وأروعها ديباجةً وبياناً. يقول في مطلعها :
ثم يحلّق الشاعر في عالم خياله وسماء فكره ليواصل تسجيل عواطفه الجياشية ، وتخليد أحاسيسه الفياضة في هذه المناسبة العطرة :
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج2 ، ص15 ـ 17.
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص49 ، 50.
وقد اشتهر الشيخ الفرطوسي ـ بالاضافة الى مديحه الولائي ـ برثاء أهل البيت عليهم السلام وخاصة رثاء الامام الحسين عليه السلام ومن استشهد معه في وقعة الطف بكربلاء. ولشعر الفرطوسي في هذا الحدث الأليم وقع مميز وجاذبية خاصة أقبل عليه خطباء المنابر الحسينية يرددونه في مجالسهم لما فيه من تأثير شديد ووقع عظيم في قلوب الناس والمستمعين :
وهكذا يسير الشاعر في اشعاره الولائية بروح مفعمة بحب أهل البيت عليهم السلام مشيراً بفضائلهم الكريمة ، وتضحياتهم الجسيمة من أجل اعلاء الاسلام والدفاع عنه والذود عن قيمه العالية وتعاليمه العظيمة. ____________ 1 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص118 ، 119. 2 ـ المصدر السابق ، ج1 ، ص93. |