13 ـ مواقفه الوطنية والسياسية : سجّل الفرطوسي مع الثائرين من أبناء أمته حضوراً فاعلاً وتواجداً حيّاً في ميادين النضال والكفاح الشعبي. ففي الوقت الذي حمل المجاهدون أسلحتهم للدفاع عن شعبهم ووطنهم راح الفرطوسي يؤجج لهيب الحماس في نفوس أبناء جلدته ويشعل جذوة الثورة في قلوبهم بقصائده الحماسية الرائعة وأشعاره الثورية الجياشة. وقد حدا بهذه الروح الحماسية العالية التي بثّها الفرطوسي في نفوس الناس أن راح الكثير منهم يطالبون في تظاهراتهم ومسيراتهم بقراءة قصائد الفرطوسي الثورية واعادتها مرات ومرات (1). لقد كان الفرطوسي ، المجاهد الذي حمل قلمه ولسانه ذوداً عن وطنه ومبادئه ، وكان « الثائر الذي يتحسس (2) مشاكل الظلم في الأمة فيما يتمثل في واقعها من حكم ظالم ، واستعمار غاشم ، وانحراف في دائرة التحرك السياسي ، لدى المحاور السياسية التي تتحرك في خط الإنحراف.. وكان يعبر عن ذلك بشعره الثائر الذي ينتهز كل فرصة جماهيرية ليخاطب الجماهير بآلامها ومشاكلها وليحتج على كل القوى التي تتحدى طموحاتها ، وتأكل حريتها وعزتها واستقلالها.. » (3). اهتم الفرطوسي بالأحداث السياسية التي كانت تحدث في العالم الاسلامي اهتماماً بليغاً. فكان يتابع عن كثب ما يجري في البلاد الاسلامية من تحولات ____________ 1 ـ غالب الناهي : دراسات أدبية ، ج 1 ، ص 73. 2 ـ الصحيح : يحس بمشاكل الظلم وليس يتحسس لأن الأول بمعنى يشعر والثاني بمعنى يبحث. 3 ـ محمد حسين فضل الله من كلمة له في تقديم الجزء الثامن من ملحمة أهل البيت عليهم السلام ، ص 3 ، 4. وتغييرات ليشاطر أبناءها أحزانهم وآلامهم بشعره الحماسي وأدبه اليقظ. والشؤون السياسية التي تناولها الفرطوسي في شعره كثيرة ، منها : القضية الفلسطينية ، وقد انشد فيها قصائد كثيرة عبّر فيها عن مآسي الشعب الفلسطيني وما كابد من محن وويلات في صموده أمام المحتل الغاصب. وكذلك القضية الجزائرية ونضال الشعب الجزائري في مواجهته المستعمر الفرنسي (1). ومنها ايضاً العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م وتأميم قناة السويس بالإضافة الى العديد من القضايا السياسية الأخرى. كان الفرطوسي يتحرك سياسياً على صُعُدٍ مختلفة ، وكانت له علاقات وثيقة بشخصيات سياسية بارزة لعبت دوراً هاماً في الحياة السياسية في العراق. ومن تلك الشخصيات عبد الوهاب مرجان رئيس الوزراء الأسبق الذي أوصى بأن يكون الشيخ أحد زواره القلائل في مرضه الذي توفي فيه. وكذلك الشيخ محمد رضا الشبيبي وزير المعارف الذي كان يلتقيه بمنزله ومقره في مجلس الأعيان (2). لقد حرص الفرطوسي من خلال نشاطه السياسي على تحقيق الحرية والاستقلال لأبناء وطنه ، فهو يرى « انّ مجد الاستقلال من أعزّ الأمجاد العالية التي تبذل في سبيل تحقيقها دماء أحرار البلاد الثمينة. والحرية عروس عذراء لا مهر لها الاّ الدم الحر والغرض من الاستقلال صيانة كيان الوطن وحفظ حقوقه وحرية التصرف بها وإنقاذه من براثن المستعمرين الطغاة فإن تحقق هذا الهدف السامي تحقق الاستقلال » (3). والرؤية السياسية للفرطوسي تمنح الشعب حقه في تقرير مصيره ، والسيادة ____________ 1 ـ عثمان سعدي : الثورة الجزائرية في الشعر العراقي ، ج 2 ، ص 144. 2 ـ مجلة الموسم : العددان 23 ـ 24 ( 1995 م ) ، ص 352. 3 ـ ديوان الفرطوسي ، ج 1 ، ص 230. على أراضيه وحماية مصالحه ، لأنه « لا يضيع حق وراءه شعب ، ولا يقوم بناء على غير اساس العدل ، ولا يقرر مصير الشعب الاّ الشعب ، وإرادة الأمة من سطوة القضاء تمحو وتثبت ما تشاء » (1). أمّا المواقف الوطنية التي وقفها الفرطوسي ضد الاستعمار الغاشم وحركاته الهدامة فهي أكثر من أن تعد. فمن تلك المواقف تصديه مع ثلة من علماء الدين في النجف للفكرة الاشتراكية التي ظهرت في الستينات في العراق كما يتضح من الوثيقة التالية : (2) 1 ـ المصدر السابق ، ج 2 ، ص 97. 2 ـ مجلة الموسم : العدد 11 (1991 م) ، ص 995.
____________ 1 ـ جعفر الهلالي ولد في البصرة سنة 1932 م. خطيب جليل وشاعر فاضل وكاتب متتبع من آثاره : « بحوث في تفسير القرآن » ، و « ديوان شعر ». ( معجم رجال الفكر والأدب في النجف ، ج 3 ، ص 1333 ).
ولعل كلمة الأديب ضياء موسى (2) بحق الشيخ ومواقفه الوطنية والسياسية تكون مناسبة هنا حيث تصور وببيان أدبي رائع عمق الدور الذي لعبه الشيخ الفرطوسي في مجال العمل الوطني والنشاط السياسي في العراق : « الفرطوسي ينشد للشهداء ، يقول انهم سيورقون في الصباح ، سيتحولون إلى براعم تهتف للحياة ، تغرد عندها بلابل المستقبل ، كان يصنع من جليد الغربة لهيباً يتوقد ، يرمي ذرات السموم على حشرات الخريف ، الحشرات الملتصقة بأشجار النخيل ، الحشرات المتطفلة على سنابل قمح الرافدين ، الحشرات التي تعيش على امتصاص دم الشعوب ، على خيرات الشعوب » (3). 14 ـ دوره الاصلاحي والاجتماعي : اتجه الفرطوسي في نشاطه الاصلاحي والاجتماعي الى تحديد مواطن الفساد في مجتمعه والوقوف على مشاكله ومعضلاته وذلك عبر قصائده المعبرة والانتقادية ومن خلال تواجده الفاعل والمستمر في الاجتماعات والأندية المختلفة. ومن المشاكل الاجتماعية التي عالجها الشاعر في عديد من قصائده مشكلة الدراسة والتعليم وما كان يواجهه الطالب في مسيرة دراسته من هزّات وأزمات بسبب الفقر وانعدام الضمان المالي التي تقوم عليه حياته العلمية. ولم ____________ 1 ـ ديوان الهلالي ، مخطوط. والقصيدة بكاملها في الملحق رقم (3). 2 ـ كاتب وصحفي عراقي ، له مشاركات هامة في حقول السياسة والفكر والأدب. 3 ـ قرنفلة الصباح ، ص 81. يكن التعليم حينئذٍ عاماً ليشمل جميع شرائح المجتمع بل كان مقتصراً على أبناء الاقطاعيين ومن كانت له صلة بزعماء العشائر الذين انحسر عددهم وتقلص ظلهم بعد ان استبدلوا حياة القرية بالمدينة فأنستهم مغريات المدينة ومباهجها ، الاخلاق الكريمة والوشائج الاجتماعية القويمة التي كانوا عليها في القرية. هذا ما كان عليه التعليم بشكل عام ، امّا التعليم الديني الذي انضمّ اليه الشاعر فكان ينوء تحت وطأة الانسياب والفوضى وانعدام النظم والمنهجية. وفي هذا الخصوص يشير علي الخاقاني الى موقف الفرطوسي من هذا الوضع قائلاً : « ولإرهاف حسه وقوة العقيدة الدينية فيه أصبح متألماً من الوضع الديني الحاضر وارتباك سير الدراسة والفوضوية الشاملة لها وتسيب الطلاب وعدم وجود زعيم ديني مسؤول عن معرفة الصحيح منهم لانعاشه والسقيم لاقصائه ، وشعر بقيده الاجتماعي فراح يناشد حرية الفكر المضاعة وأسلمه الزمان الى مصاحبة مجموعة من الاقطاعيين في لواء العمارة جرياً على عادة آبائه الذين كان لهم الأمر والنهي في تلك الربوع فأصبح وهو يشاهد الاستهتار والتبذل والاسراف والبذخ وامتصاص دماء الضعفاء واستغلال أقوات الفقراء من أبناء الريف ، وبهذا الحس أصبح لا يقوى على الجهر برأيه خوفاً من مغبة المصير الذي قد يصدمه به المتنفذون من زعماء الاقطاع هناك ، كما لا يقوى على السكوت وفي قلبه شعل ، وفي ضميره حياة (1) ». ومن هذا المنطلق راح الفرطوسي وبلسانه الشاعري الفياض يهيب بمبرّات الخيّرين من أبناء جلدته ويستنهض هممهم العالية من أجل رفع مستوى الحياة في المجتمع ومعالجة مشاكله وقضاياه من خلال تأسيس المرافق الاجتماعية ____________ 1 ـ شعراء الغري ، ج 6 ، ص 6. الضرورية وبناء المؤسسات الخيرية. فكانت لا تقوم لمؤسسة خيرية قائمة الاّ وللفرطوسي فيها موقف وكلمة. ومن هذه المواقف قصيدته الرائعة التي ألقاها في مدينة الحلة عند افتتاح مستشفى آل مرجان سنة 1376 هـ ( 1957 م ) والتي قدمها بكلمة قال فيها : « الثروة كثيرة ولكن رجال الخير قليلون ، وتتكثر تلك القلة اذا وقع البر في مواقعه. وانّك اذا نظرت هذه المؤسسة الخيرية التي هي كلها اسعاف والطاف فهي تبني الحياة من رمق الحياة ، وتنقذ الصحة من براثن المرض وتستخلص السعادة من كدر الشقاء ، عرفت لمنشئها الفضل العميم على الانسانية المعذبة فان خير الناس من نفع الناس ، وان قيم الرجال توزن بالأعمال ، فسارعوا يا رجال الثروة على عمل الخير فان نقصانها في سبيل البر هي الثروة الكاملة (1) ». 15 ـ وفاته ومدفنه : عانى الشيخ في أواخر عمره داءً عضالاً في صدره وتدهوراً في جهازه التنفسي. وقد أُدخل المستشفى الأميري في « أبو ظبي » بالأمارات العربية المتحدة ومكث فيها عدة أشهر حتى وافته المنية وذلك فى الرابع عشر من شهر صفر سنة 1404 هـ المصادف الثامن عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1983 م عن عمر ناهز السبعين عاماً. وقد نقل جثمانه الى العراق ودفن في مدينة النجف الأشرف. وكان لنبأ وفاته وقع اليم وأثر عميق في نفوس العلماء والادباء في العالم الاسلامي. فقد تقاطرت من كل حدب وصوب كلمات التأبين واشعار الرثاء التي ____________ 1 ـ ديوان الفرطوسي ، ج 2 ، ص 167. راحت تردد مناقب الفقيد وتشيد بمآثره الخالدة وما قدّمه من أعمال جليلة في خدمة الدين الاسلامي ومذهب أهل البيت عليهم السلام (1). ومن هذه الكلمات كلمة السيد حسين الصدر الذي قال في تأبينه : « لقد انطوت شخصيته الفذة على أبعاد شامخة من العلم والعبادة ، والخشوع والزهادة والذود عن العقيدة والرسالة ، بلآليء البيان ، وكنوز البلاغة ، وباهر الألوان ، ورائق الافكار والمفاهيم ، ونقي المشاعر والعواطف... ومن هنا كانت وفاته خسارة فادحة ، التاعت لها القلوب ، واهتزت لها الاعماق ، فسلام عليه في الخالدين (2)... ». كما ونعته المحطة العربية بالاذاعة البريطانية على لسان الأديب حسن سعيد الكرمي الذي قال راثياً : « كانت ـ وفاة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ـ عندي بمقام الكارثة لما عهدت فيه من خلال اشعاره من ايمان وعقيدة ورسوخ قدم بالادب والشعر والبلاغة ، وكنت قبل مدّة عازماً على ذكره بمناسبة الكلام عن الشعر والشعراء واصحاب الملحمات ، وقد عاجلني القدر اليه ولا حول ولا قوة الاّ بالله ، وكنت ايضاً عازماً على زيارة الخليج وعقدت النية على زيارة المرحوم وهو ممن يزار وتشد اليه الرحال وعاجلني القدر اليه في هذا ايضاً (3)... ». وقد أرّخ الشاعر الشيخ عبد الغفار الأنصاري وفاة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي بمقطوعتين شعريتين ، الأولى :
____________ 1 ـ ينظر الملحق رقم (3). 2 ـ مجلة الموسم : العددان 2 ـ 3 ( 1989 م ) ، ص 722. 3 ـ المصدر السابق ، ص 707.
والثانية :
رحم الله الفرطوسي الشاعر الولائي الذي ولد على الولاء ومات ولم يزل لسانه يلهج بذكر العترة الطاهرة ، وقلبه ينبض بحب اهل البيت عليهم السلام. حشره الله معهم بشهادة قوله :
____________ 1 ـ المصدر السابق ، ص 710. 2 ـ ديوان الفرطوسي ، ج 2 ، ص 165.
|
سلمى الى الشاطي معي | * | فيـه تروق لنـا الحياة |
حيث الطبيعة أودعـت | * | أسرارها بين النبـات |
شـفّ قلبـي الشغـف | * | إدركيـه لقــد تلـف |
لـك أشكو مـن الهوى | * | فخذي منك لي النصف |
لـك قلبـي نصبتــه | * | في سبيل الهوى هـدف |
كل صبـري لـم يكـن | * | في بحر حبي غير قطره |
ويح قلبـي مـن معنى | * | قـابـل الطـود بـذره |
تقـاليدٌ تجرّ لـك الشجـونا | * | واوضاع تجرعك المنونا (2) |
على الذكوت البيض من جانب الوادي | * | قفـا ساعةً واستنطقـا الأثَـر البـادي |
فكـم فيـه معنـىً لا يفـي ببيانـه | * | لسـان فصيـح أو يـراعــةُ نُقّـاد |
وكـم عبرة خرسـا بها نطـق البلى | * | فـأفصح تبيـاناً علـى غيـر معتـاد |
فيـا صفحـة الـوادي وأنـت سجلـه | * | أتدرين كـم مرّت قرون علـى الوادي |
وكـم قـد تلاشـت في ثـراه مفـارق | * | وكـم طـويت فيـه أكـاليـل أسيـاد |
وكـم صولجــان قد تداعــى كيانه | * | بـه وعروش دكهــا الزمـن العادي |
ورب لســان مفصـــح عاد أخرساً | * | وخــانتــهُ للتعبيــر قـوّة ايجـاد |
وكان محــالاً عنـده الصمت فاغتدى | * | لسلطانه الجبــار أطــوع منقــاد |
فهل طــويت منه الفصاحة في الثرى | * | وهل أخمدت في أثرها روعة النادي (1) |
وازِن بعقلـك فـالحجـى ميـزان | * | وزنـت به عـرفانهـا الأذهـان |
وانهـج علـى منهاجه كيمـا ترى | * | حججـاً عليهـا ينهض الـوجدان |
فيـه فلاسفـةُ الـوجـود تمكنـوا | * | مـن حـد مـالا يـدركُ الأنسان |
عـرفـوا بـه كنـه الأثير فحللوا | * | ذّراتـه فـي ذاتهـا وأبــانـوا |
واستخرجـوا روح النبـات وماله | * | من جـوهر ينمـو بــه الحيوان |
حتـى أرونـا للـذوات حقـائقـاً | * | كشف الغطا عن نورها البرهان (2) |
والهفتـاهُ على عصر مضى هدراً | * | عصر الطفولة أنـت اليوم مفقود |
اذ كنـت فيك عـن الآلام مبتعداً | * | واليوم قلبـي من الآلام محشـود |
فلا أرى سولة لـي عنك تنعشنى | * | وكيف يسلو معنّىً وهو معمود (1) |
أما آن عن وجه الحقيقة ينجاب | * | سجاف عليها قـد أذيل وجلباب |
ألا ينجلي هـذا الظلامُ بـمشعلٍ | * | لتهدى عقـول تائهاتٌ وألبـاب |
الى كم بهذا الجهل تشقى عقولنا | * | ويخدعنا مـن خلّب الغي جذاب |
وحتامَ نبقـى والقشور نـصيبنا | * | وقد اوصدت فوق الحقيقة أبواب |
لقد ضللت تلك العقول فلـم تجد | * | سناً تهتدي فيـه اذا هـي تنتاب |
وكيف تـرى نهج الحقيقة والهدى | * | وقـد جللتـه للأضاليـل أثـواب |
وحتى متى تنجو من الجهل أمـة | * | بها علقت من آفة الجهل أنياب (1) |
حياتُك واليـأس صُنوٌ لها | * | ومنها الـرّدى فَرقاً يفزع |
حياة الجحيم علـى ما بها | * | الـى جنبها رغـدٌ ممتع |
حيـاةٌ ترقُ لها الحادثات | * | ويرثـي لها الألم الموجع |
عجبـت لقلبك يحيى بها | * | وفي كلّ آن لـه مصرع |
حياتُك يا منبعَ العاطفات | * | ضروبُ الشقـاء بها تنبع |
له ألفُ مطلع حزن يُرى | * | ومـا للسرور بهـا مطلع |
وأنت على ما بها من عناً | * | يقض له الجنب والمضجع |
أراك ولـوعـاً بـآلامها | * | فرفقاً بنفسك يـا مولـع |
فهـل عندك الألـم الموجع | * | هو الأملُ الباسم الممرع (1) |
قلبـي لمستك جمـرة فـي أضلعـي | * | صعّـدتها لفمـي فكـانت مطلـعـي |
ولمحت نورك موجـة فـي ناظري | * | طفحت فسالـت في شقائـق أدمـعي |
ولقـد عهدتـك بلبـلاً يهفـو علـى | * | نغـم بقيثـار الشعــور مــوقـع |
يهتـز لـلألـم الحـزيـن كـأنـه | * | أمـلٌ يسـامـره بـلحـن ممتــع |
ويطيــر مـن اُفق خصيـب كيفما | * | يهـوى الى افـق خصيـب المـرتع |
وأراك فـي افق الخيـال وقـد دجا | * | شبحـاً ضئيـلاً هامـداً فـي بلقـع |
فعلمـت انـك مـن جمـودك جثة | * | اضحى لها قفص هامداً كمصرع (2) |
لقـد شهد الـدهر المحـددُ نابـهُ | * | علـي بأني قـد أبنت به الكسـرا |
وما أنكرت مني الصروف صلابة | * | تعـودتها مـا اقبلت زمـراً تترى |
وكنت اذا جـازت مساحـة اصبع | * | إلي صروف الدهر جاوزتها شبرا |
تتـوق لانغام الخطـوب صبابـة | * | وتهتـز نفسي مـن تقاطيعها بشرا |
وتنعـم عينـي بـالظلام كـأنمـا | * | سواد الدجـى كحل لمقلتها العبرى |
تأملت فـي هذي الحيـاة فلم أجد | * | بها لـي الاّ مسلكاً مـوحشاً وعرا |
كأن خطوب الـدهر آلت وأقسمت | * | على نفسها أن تـرغم الفطن الحرا |
رضيً بقضاء الله إن كان قد قضى | * | علي بأن اشقى وطوعاً لما اجـرى |
وصبـراً يـراعَ الحـر انّك مثلُهُ | * | غريب فلا تستعظم الخطب والأمرا |
تروم بـأن تحيا مـن الدهر مطلقاً | * | ويحكم إلاّ أن تموت بـه أسرا (1) |
ربيـعَ العمر والآمـال تجلـى | * | وأنت الخصب قد أجدبت محـلا |
ويا أفـق الحيـاة ظلمت نجمـا | * | أشـاب اليأس مـن عينيه طفلا |
أهـذا الجـو للغـربـان مـلك | * | فحيـث تحل منـه لهـا أحـلا |
وأقفاص البـلابل وهـي تشدو | * | لها قـد أصبحت سجنـاً وغـلا |
أحـدق بالنجـوم دجـى فتخفى | * | علـى طرف بداج الاُفـق ضلا |
كـأن الليل مـدّ عليـه سجفـاً | * | وألقـاه عـلى عينـي ظــلا |
فـلا نجـم يلـوح ولا شعـاع | * | لعيـن بـافتقـاد النـور ثكلـى |
أرى الوجـه الجميـل ولا أراه | * | وأسلـوه وكيف الـحسن يُسلـى |
وأمتـع بالشـذى الفياح شـوقاً | * | الى النفحـات حين أرود حقـلا |
وألـمس ورده بيــديّ لمــا | * | حُرمت جماله لوناً وشكلا » (1) |
لك بـالامامة واضحات دلائـل | * | بنهارها يُمحـى ظـلام البـاطل |
كالسيف تشهر وهي أعظم سطوة | * | فـي وجه كـل معانـد ومجادل |
يـا واحدَ الدنيـا المخّلدَ ذكـرُه | * | بخلائـق قـدسيَّـةٍ وشمـائـل |
خلّـدت للاسلام مـجداً باذخـاً | * | يربو علـى افق السما المتطاول |
وأشدت للـدين الحنيف منـازلاً | * | لولا حسامُـك لم تكـن بأواهـل |
وبنور نهجك وهـو منبع حكمة | * | متـدفـق اوضحت ايَّ مشاكـل |
أوردتنـا فيـه نميـراً صافيـاً | * | يمنـى لـخير مـوارد ومنـاهل |
أحكمتـه بقـواعـد حكميــة | * | كفلـت بيان اصول كـل مسائل |
تقف العقولُ أمـامه مسحورة | * | ببيانـه وبنسقـه المتـواصل |
انـت المحيطُ معـارفاً لكنما | * | لم تحوِ غيرَ جواهر وفضائل |
عيد الغديـر وأنت أعظـم شاهد | * | بانت بـه للحـق خيـرُ دلائـل |
يـومٌ بـه قـام النبــيّ مبلغـاً | * | مـن ربّه نـصّ البلاغ النـازل |
والناس بعضهـم غدا متـواصلاً | * | بالبعض فـي حشد عظيم حـافل |
نـادى بهم والحـق يشهـد انّـه | * | لـولا الحقيقـة لم يكـن بالقائل |
مـن كنـت مـولاه فهـذا حيدر | * | مولاهُ بـالنص الجلـيّ الكامـل |
هـذا اميرُ المـؤمنينَ اميـرُكـم | * | وخليفتـي فيكـم بقـول شامـل |
لكنمـا غشيـت عمـيً وضلالة | * | تلك البصائـر بالضلال الحائـل |
نبذوا الكتـاب وراءهـم وتنكبوا | * | عن منهج الحق الصريح الفاصل |
عدلوا عـن الحبل المتين غـواية | * | وتمسكـوا مـن غيّهم بحبـائل |
قـل للمعاند قـد ضللت جهالة | * | سفهاً لعقلك مـن عنود جاهـل |
أعماك غيك أن ترى نور الهدى | * | فتسير في نهج البصير العـاقل |
أمن العدالـة أن يؤخـرَ سابقٌ | * | ويقدَم المفضـولُ دون الفاضل |
هـذي فضـائلـه وذي آثـاره | * | سطعت بـآفاق الهدى كمشاعل |
فتصفح التـأريخ فهي بـوجهه | * | غرر صبـاح نظّمت كسلاسل |
ينبئـك مـن واسـى الـنبيّ محمـداً | * | بمـواقـف مـشهـورة وغـوائـل |
وفـداه عنـد مبيتــه بفـراشــه | * | فـي نفسـه فـوقـاه شـر البـاطل |
ومـن الذي اردى الـوليـد وشيبـة | * | فـي يـوم بـدر بالحمـام العـاجل |
وبيـوم احـد مـن طغت عزمـاتـه | * | فـرست جبـالاً فـي الزحـام الهائل |
مـن فرق الأحـزاب حيـن تجمعت | * | فرقـاً وما فـي القـوم غيـر الناكل |
ورمى علـى وجـه الثرى اصنـامها | * | لما رقى مـن فوق أشـرف كـاهل |
وبكفـه حصن اليهـود قـد اغتـدى | * | متلاطمـاً كالمـوج فـوق الساحـل |
ومـن الذي ردت لـه شمس الضحى | * | لمـا أشـار لهـا ارجعي فـي بابل |
وفضائل ليسـت تعد و« هـل اتى » | * | و« النجـم » و« النبأ العظيم » دلائلي |
عميت عيون لا ترى شمس الضحـى | * | عنـد استقامـة كـلِ ظـل مـائـل |
عيـد الغـديـر وأنت اكـرم وافـد | * | وافى مـن البشريـة بخيـر رسائـل |
عيـد به الاسـلام اضحـى حافـلاً | * | فـرحـاً بتتـويـج الامـام العـادل |
عيـدٌ بـه شمـس الحقيقـة أشـرقت | * | والحـق اطلـق من شبـاك الباطـل |
مـا جـادت الدنيـا لنـا فـي مثلـه | * | أبـداً ولا تـأتـي لـه بممـاثــل |
حقّــاً يُخلَّــد ذكــرهُ وعــلاؤهُ | * | وبـه يُخلَّـد مـا تـخط أنـاملي (1) |