معنى الاُسرة : الاُسرة لغةً :
أُسرة الرجل : عشيرته ورهطه الأدنون ؛ لأنّه يتقوى بهم (1).
والاُسرة : عشيرة الرجل وأهل بيته (2).
والاُسرة : أهل الرجل وعشيرته ، والجماعة يربطها أمر مشترك (3).
والاُسرة : أهل بيت الإنسان وعشيرته ، وأصل الاُسرة الدرع الحصينة ،
وأطلقت على أهل بيت الرجل ؛ لأنّه يتقوى بهم (4).
1 ـ لسان العرب / ابن منظور 4 : 20 ، مادة أسر ، نشر أدب الحوزة ، قم 1405 هـ.
2 ـ لسان العرب 4 : 20.
3 ـ المعجم الوجيز ، لمجمع اللغة العربية : 16 ، دار الثقافة ، قم 1411 هـ.
4 ـ دائرة معارف القرن العشرين / محمد فريد وجدي 1 : 277 ، دار المعرفة ، بيروت.
(12)
الاُسرة اصطلاحاً :
هي رابطة الزواج التي تصحبها ذُرّية (1).
وهي : رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما ، وتشمل
الجدود والأحفاد وبعض الأقارب على أن يكونوا في معيشة واحدة (2).
استحباب النكاح وأهميته :
النكاح هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل الاُسرة ، وهو الارتباط المشروع
بين الرجل والمرأة ، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشري من
الانقراض ، وهو باب التواصل وسبب الأُلفة والمحبة ، والمعونة على
العفّة والفضيلة ، فبه يتحصّن الجنسان من جميع ألوان الاضطراب
النفسي ، والانحراف الجنسي ، ومن هنا كان استحبابه استحباباً مؤكدّاً ،
قال تعالى : ( وأنكحوا الأيامى مِنكُم والصالِحينَ من عِبادِكُم وإمائِكُم إن
يكونُوا فُقراء يُغنِهم اللهُ مِن فَضلهِ واللهُ واسعٌ عليمٌ ) (3).
ووردت روايات عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام تؤكد هذا
الاستحباب ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من
أحبَّ أن يتبع سنتي فإنَّ من سنتي التزويج » (4).
وللزواج تأثيرات إيجابية على الرجل والمرأة وعلى المجتمع ، فهو
الوسيلة للانجاب وتكثير النسل ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « تناكحوا تكثّروا ، فإنّي
1 ـ علم الاجتماع / محمد عاطف : 92.
2 ـ الاُسرة والمجتمع / علي عبدالواحد وافي : 15.
3 ـ سورة النور : 24 / 32.
4 ـ الكافي 5 : 329.
(13)
أُباهي بكم الاُمم ، حتى بالسقط » (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً ، لعلَّ الله أن يرزقه نسمة ،
تثقل الأرض بلا إله إلاّ الله » (2).
وهو ضمان لاحراز نصف الدين ، لأنّه الحصن الواقي من جميع ألوان
الانحراف والاضطراب العقلي والنفسي والعاطفي ، فهو يقي الإنسان من
الرذيلة والخطيئة ، ويخلق أجواء الاستقرار في العقل والقلب والارادة ،
لينطلق الإنسان متعالياً عن قيود الأهواء والشهوات التي تكبّله وتشغله عن
أداء دوره في الحياة وفي ارتقائه الروحي واسهامه في تحقيق الهدف الذي
خُلق من أجله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله
في النصف الباقي » (3).
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : « ركعتان يصليهما المتزوج
أفضل من سبعين ركعة يصليهما الأعزب » (4).
وعليه فإنّ استحباب النكاح موضع اتفاق بين المسلمين (5).
ولأهمية النكاح جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرتبة الثانية من مراتب
الفوائد المعنوية ، حيث قال : « ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام
أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا
1 ـ كتاب السرائر 2 : 518.
2 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 382.
3 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 383.
4 ـ تهذيب الاحكام 7 : 239 / 1 كتاب النكاح باب 22.
5 ـ كتاب السرائر 2 : 518. وجامع المقاصد 12 : 8.
(14)
غاب عنها في نفسها وماله » (1).
وهو باب من أبواب الرزق بأسبابه الطبيعية المقرونة بالرعاية الالهية ،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اتخذوا الأهل ، فإنّه أرزق لكم » (2).
كراهية العزوبة :
حكم الإسلام بكراهية العزوبة ؛ لأنّها تؤدي إلى خلق الاضطراب
العقلي والنفسي والسلوكي الناجم عن كبت الرغبات وقمع المشاعر ،
وتعطيل الحاجات الأساسية في الإنسان ، سيّما الحاجة إلى الاشباع
العاطفي والجنسي ، والعزوبة تعطيل لسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي
قال : « من سنتي التزويج ، فمن رغب عن سنتي فليس مني » (3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ أراذل موتاكم العزاب » (4) ، وفي رواية : « شرار موتاكم
العزاب » (5).
وقد أثبت الواقع أن العزاب أكثر عرضةً للانحراف من المتزوجين ،
فالمتزوج اضافة إلى إشباع حاجاته الأساسية ، فإنّ ارتباطه بزوجة وأُسرة
يقيّده بقيود تمنعه عن كثير من الممارسات السلبية ، حفاظاً على سمعة
أُسرته وسلامتها ، مما يجعله أكثر صلاحاً وأداءً لمسؤوليته الفردية
والاجتماعية.
1 ـ تهذيب الاحكام 7 : 240 / 4 كتاب النكاح باب 22.
2 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 383.
3 ـ مستدرك الوسائل 14 : 152.
4 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 384.
5 ـ جامع المقاصد 12 : 9. والمقنعة : 497.
(15)
وتزداد الكراهية حينما يعزب الإنسان عن الزواج مخافة الفقر ، قال
الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « من ترك التزويج مخافة الفقر ، فقد أساء الظنّ
بالله عزَّ وجلَّ » (1).
ومن الحلول الوقتية التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للتخفيف من وطأة
العزوبية أن أمر الشباب أمراً ارشادياً بالالتجاء إلى الصوم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
« يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوّج ، ومن لم يستطع فَليُدمِنِ
الصوم ، فإنّ الصوم له وجاء » (2).
هذا الحديث يجعل الزواج في مقابل الصوم كأحد الوسائل الرادعة
لجميع أسباب الانحراف وتأثيراتها السلبية. فبالصوم يستطيع الشاب أن
يهذب غرائزه ، ويخفف من تأثيراتها السلبية ، النفسية والعاطفية
والسلوكية دون قمع أو كبت ، إضافة إلى إدامة العلاقة مع الله تعالى التي
تمنعه من كثير من ألوان الانحراف والانزلاق النفسي والسلوكي ، وبالزواج
أيضاً يستطيع أن يحقق عين الآثار المتمثلة بتهذيب السلوك ومقاومة
أسباب الانحراف.
استحباب السعي في النكاح :
حث الإسلام على السعي في النكاح ، والمساهمة في الترويج له
وإقراره في الواقع بالجمع بين رجل وامرأة لتكوين اُسرة مسلمة ، فمن
يسعى فيه يعوضه الله تعالى عن سعيه في الآخرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« ... ومن عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما زوّجه الله عزَّ وجلَّ
1 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 385.
2 ـ المقنعة : 497.
(16)
ألف امرأة من الحور العين.. » (1).
قال الإمام الصادق عليه السلام : « أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة : من أقال
نادماً ، أو أغاث لهفان ، أو أعتق نسمة ، أو زوّج عزباً » (2).
وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام : « ثلاثة يستظلون بظل عرش
الله يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو
كتم له سرّاً » (3).
وجعله الإمام علي عليه السلام من أفضل الشفاعات فقال : « أفضل الشفاعات
أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما » (4).
والروايات المتقدمة تحثّ الناس إلى السعي في الجمع بين الرجل
والمرأة لتكوين أسرة مسلمة ، فيستحب جميع ما يؤدي إلى ذلك ، من
السعي في الخطبة ، أو بذل المال لتوفير مستلزمات الزواج أو التشجيع
عليه أو غير ذلك.
استحباب الدعاء للنكاح :
الدعاء بنفسه من العبادات المستحبة ، لذا حثّ الإسلام عليه في سائر
شؤون الإنسان ، ومن بينها النكاح ، لتكون جميع أعمال الانسان متجهة
إلى الله تعالى في سيرها ، طلباً لمرضاته.
1 ـ وسائل الشيعة 20 : 46.
2 ـ وسائل الشيعة 20 : 46.
3 ـ وسائل الشيعة 20 : 45.
4 ـ الكافي 5 : 331.
(17)
وقد أكدت الروايات على استحباب الدعاء لمن أراد النكاح ، قال
الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « فإذا همّ بذلك فليصلِّ ركعتين ويحمد الله ،
ويقول : اللهمّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمّ فاقدر لي من النساء أعفهنَّ فرجاً ،
وأحفظهنَّ لي في نفسها وفي مالي ، وأوسعهنَّ رزقاً ، وأعظمهنَّ بركة ،
وأقدر لي منها ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي » (1).
والله تعالى يجيب الإنسان إذا دعاه بقلب مخلص ونيّة صالحة ، كما
تظافرت على ذلك الآيات والروايات ، وهو نعم العون في اختيار صالح
الأعمال لعبده المؤمن المخلص ، وخصوصاً في مثل هذه القضية المهمة
التي تكون مقدمة لسعادته في الدنيا والآخرة.
اختيار الزوجة :
العلاقة الزوجية ليست علاقة طارئة أو صداقة مرحلية ، وإنّما هي
علاقة دائمة وشركة متواصلة للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية ، وهي
أساس تكوين الاُسرة التي ترفد المجتمع بجيل المستقبل ، وهي مفترق
الطرق لتحقيق السعادة أو التعاسة للزوج وللزوجة وللأبناء وللمجتمع ، لذا
فينبغي على الرجل أن يختار من يضمن له سعادته في الدنيا والآخرة.
عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إنّ صاحبتي هلكت
رحمها الله ، وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، فقال لي : « اُنظر أين
تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت
فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وحسن الخلق ، واعلم :
1 ـ تهذيب الاحكام 7 : 407.
(18)
ألا إنّ النســـاء خلقن شتىومنهنَّ الهـــلال إذا تجلّىفمن يظفر بصــالحهنَّ يسعد
وراعى الإسلام في تعاليمه لاختيار الزوجة ، الجانب الوراثي ،
والجانب الاجتماعي الذي عاشته ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين » (2)
.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « تخيروا لنطفكم ، فإنّ العرق دسّاس » (3).
وروي أنّه جاء إليه رجل يستأمره في النكاح ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « نعم انكح ،
وعليك بذوات الدين تربت يداك » (4).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من سعادة المرء الزوجة الصالحة » (5).
فيستحب اختيار المرأة المتدينة ، ذات الأصل الكريم ، والجو الاُسري
السليم (6).
وبالاضافة إلى هذه الاُسس فقد دعا الإسلام إلى اختيار المرأة التي
1 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 386 ، وتهذيب الاحكام 7 : 401.
2 ـ تهذيب الاحكام 7 : 402.
3 ـ المحجة البيضاء ، الفيض الكاشاني 3 : 93 ، ط3 ، دار التعارف ، 1401 هـ.
4 ـ تهذيب الاحكام 7 : 401.
5 ـ الكافي 5 : 327.
6 ـ اُنظر : الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 290. والسرائر 2 : 559. وجامع المقاصد 12 : 11.
(19)
تتحلى بصفات ذاتية من كونها ودوداً ولوداً ، طيبة الرائحة ، وطيبة الكلام ،
موافقة ، عاملة بالمعروف إنفاذاً وإمساكاً (1).
وفضّل تقديم الولود على سائر الصفات الجمالية ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوجوا
بكراً ولوداً ، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقراً ، فاني أُباهي بكم الاُمم يوم
القيامة » (2).
ولم يلغِ ملاحظة بعض صفات الجمال لاشباع حاجة الرجل في حبه
للجمال ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا أراد أحدكم أن يتزوج ، فليسأل عن شعرها كما
يسأل عن وجهها ، فان الشعر أحد الجمالين » (3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوجوا الأبكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواهاً » (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل نساء أمتي أصبحهنَّ وجهاً ، وأقلهنَّ
مهراً » (5).
ويستحب أن تكون النية في الاختيار منصبّة على ذات الدين ، فيكون
اختيارها لدينها مقدّماً على اختيارها لمالها أو جمالها ، لأنَّ الدين هو
العون الحقيقي للانسان في حياته المادية والروحية ، قال الامام جعفر
الصادق عليه السلام : « إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك ، فإنّ
1 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 290. ونحوه في : جواهر الكلام 29 : 36 وما بعدها.
2 ـ الكافي 5 : 333.
3 ـ من لايحضره الفقيه 3 : 388.
4 ـ الكافي 5 : 334.
5 ـ تهذيب الاحكام 7 : 404.
(20)
تزوجها لدينها رزقه الله عزَّ وجلَّ جمالها ومالها (1) ».
ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أُسري سيء ،
والسيئة الخلق ، والعقيم ، وغير السديدة الرأي ، وغير العفيفة ، وغير
العاقلة ، والمجنونة (2) ، لأنّها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء
والراحة ، وتخلق الأجواء الممهّدة لانحراف الاطفال عن طريق انتقال
الصفات السيئة إليهم ، ولقصورها عن التربية الصالحة.
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : « قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً ، فقال : أيُّها
الناس إياكم وخضراء الدمن. قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن ؟ قال :
المرأة الحسناء في منبت السوء » (3).
وحذّر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا ، قال الإمام
الصادق عليه السلام : « لاتتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا » (4) ، وذلك لأنّها تخلق
في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح ، إضافة إلى فقدان الثقة في
العلاقات بينها وبين زوجها المتدين ، إضافة إلى إنعكاسات انظار المجتمع
السلبية اتجاه مثل هذه الاُسرة.
وكما نصح بتجنّب الزواج من الحمقاء لامكانية انتقال هذه الصفة إلى
الاطفال ، ولعدم قدرتها على التربية ، وعلى الانسجام مع الزوج وبناء
الاُسرة الهادئة والسعيدة ، قال الامام علي عليه السلام : « إيّاكم وتزويج الحمقاء ،
1 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 393.
2 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 290.
3 ـ تهذيب الأحكام 7 : 403. وجواهر الكلام 29 : 37.
4 ـ مكارم الأخلاق ، الطبرسي : 305 ، منشورات الشريف الرضي ، قم 1410 هـ.