المبحث الاَول : معنى الكفر :
حدد الاِمام الصادق عليه السلام معنى الكفر أفضل تحديد ، بقوله : « كلّ
معصية عُصي الله بها بجهة الجحد والاِنكار والاستخفاف والتهاون في كلِّ
ما دقّ وجلّ وفاعله كافر ومعناه معنى كُفر ، من أيّ ملّةٍ كان ومن أيّ فرقة
كان بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات فهو كافر ... » (1).
ويرسم لنا الاِمام الباقر عليه السلام قاعدة عامة في مسألة الاِيمان والكفر هي : «
كلّ شيء يجرّه الاِقرار والتسليم فهو الاِيمان ، وكلّ شيء يجرّه الاِنكار
والجحود فهو الكفر » (2).
ومن يستقرأ موجبات الكفر في أحاديث أهل البيت عليهم السلام يجد أنها
تتمحور ـ أساساً ـ حول الفقرات التالية :
أولاً : الشك في الله تعالى ورسوله : يقول الاِمام الصادق عليه السلام : « من شكَّ
1 ـ تحف العقول : 330. وأيضاً الوسائل 1 : 24 ـ 25. 2 ـ اُصول الكافي 2 : 387/15 كتاب الاِيمان والكفر.
(52)
في الله وفي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر » (1).
وعن منصور بن حازم قال : قلتُ لاَبي عبدالله عليه السلام من شك في رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « كافر » (2).
ثانياً : ترك العمل بالفرائض الواجبة أو جحدها : وحول هذه الفقرة يقول الاِمام الصادق عليه السلام : « .. إنَّ الله عزَّ وجل فرض فرائض موجبات على
العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً »(3)
وعن جابر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « بين الاِيمان والكفر ترك الصلاة » (4).
ثالثاً : الانحراف العقائدي : وقد يتمثل في تشبيه الله بخلقه وإطلاق
صفات المخلوقين عليه ، يقول الاِمام الرضا عليه السلام : « من وصف الله بوجه
كالوجوه فقد كفر » (5).
ومن مظاهر الانحراف الاُخرى الموجبة للكفر القول بالجبر والتفويض ،
فقد ورد عن الاِمام الرضا عليه السلام إنَّ : « .. القائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض
مشرك » (6). كما ورد عنه عليه السلام أنّ القول بالتناسخ موجب ـ أيضاً ـ للكفر ،
قال : « من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذّب بالجنة والنار » (7).
1 ـ اُصول الكافي 2 : 386/10 كتاب الاِيمان والكفر. 2 ـ المصدر السابق 2 : 387/11 كتاب الاِيمان والكفر. 3 ـ المصدر السابق 2 : 383/1 كتاب الاِيمان والكفر. 4 ـ كنز العمال 7 : 279/18869. 5 ـ وسائل الشيعة 18 : 557. 6 ـ وسائل الشيعة 18 : 557 باب جملة ما يثبت به الكفر والارتداد. 7 ـ المصدر السابق.
(53)
رابعاً : إدعاء الاِمامة : فقد جاء عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « من ادّعى
الاِمامة وليس من أهلها فهو كافر » (1).
خامساً : بغض أهل البيت عليهم السلام : وهو من الموارد التي تؤدي إلى الكفر ، قال الاِمام الباقر عليه السلام لزيد الشحام : « يا زيد حُبنا إيمان وبغضنا كفر » (2).
وعن عبدالله بن مسعود قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « من زعم أنه
آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليّاً عليه السلام فهو كاذب ليس بمؤمن » (3). وقد
تقدم ما يدل عليه في حب أهل البيت عليهم السلام أيضاً.
المبحث الثاني : وجوه الكفر وحدوده :
ما أكثر وجوه الكفر وألوانه وما أكثر الطرق المؤدية إليه ، بعضها واضح
جلي وبعضها غامض خفي ، يسير عليها الاِنسان ولا يعلم أنه صائر إلى
الهاوية.
وقد كشف لنا الاِمام الصادق عليه السلام بما امتاز به من نظرة قرآنية عميقة ،
عن وجوه الكفر في القرآن ، عن أبي عمرو الزبيدي ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قلتُ له أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزَّ وجلَّ قال عليه السلام :
« الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه فمنها : كفر الجحود ، والجحود على
وجهين ، والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ، وكفر النعم. فأما كفر
الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول : لا ربّ ولا جنّة ولا نار
1 ـ وسائل الشيعة 18 : 560. 2 ـ المصدر السابق 18 : 561. 3 ـ المناقب للخوارزمي : 35.
(54)
وهو قول صنفين من الزّنادقة يقال لهم : الدّهرية وهم الذين يقولون :
( .. وما يُهلِكُنا إلاّ الدَّهرُ ) (1)وهو دين وضعوه لاَنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون .. وقال : ( إنَّ الَّذينَ كفرُوا
سواءٌ عليهم ءأنذَرتَهُم أم لم تُنذِرهُم لا يُؤمِنُونَ ) (2). يعني بتوحيد الله تعالى
فهذا أحد وجوه الكفر.
وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو
يعلم أنّه حقّ قد استقر عنده وقد قال الله عزَّ وجلَّ : ( وجَحَدُوا بِها واستَيقَنتها
أنفُسهم ظُلماً وعُلُّواً .. ) (3)وقال الله عزَّ وجل : ( .. وكانُوا مِن قَبلُ يَستَفتِحُونَ
على الَّذينَ كفروا فلمّا جاءَهُم ما عَرفُوا كَفروا بِهِ فَلعَنةُ اللهِ على الكافِرينَ ) (4)
فهذا تفسير وجهي الجحود.
والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول
سلمان عليه السلام : ( .. هذا مِن فَضل ربي ليبلُوني ءأشكُرُ أم أكفُرُ ومن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ
لِنَفسهِ ومن كَفَر فإنَّ ربي غنيٌّ كريمٌ ) (5). وقال : ( لئن شَكَرتُم لاَزِيدنّكُم ولئن
كَفرتُم إنَّ عذابي لشديدٌ ) (6).
وقال : ( فاذكرُوني أذكُركُم واشكروا لي ولا تكفُرون ) (7).
1 ـ سورة الجاثية 45 : 24. 2 ـ سورة البقرة 2 : 6. 3 ـ سورة النمل 27 : 14. 4 ـ سورة البقرة 2 : 89. 5 ـ سورة النمل 27 : 40. 6 ـ سورة إبراهيم 14 : 7. 7 ـ سورة البقرة 2 : 152.
(55)
والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عزَّ وجلَّ به وهو قول الله عزَّ وجلَّ :
( وإذ أخذنَا مِيثاقَكُم لا تَسفِكُونَ دِمَاءَكُم ولا تُخرِجُونَ أنفُسَكُم مِن ديارِكُم ثمَّ
أقرَرتُم وأنتُم تَشهدُونَ * ثمَّ أنتُم هؤلآءِ تقتُلُونَ أنفُسَكُم وتُخرِجُونَ فريقاً مِنكُم من
دِيارِهِم تظاهرُون عَليهِم بالاِثمِ والعُدوانِ وإن يَأتُوكُم أُسارى تُفادُوهم وهُوَ مُحرَّمٌ
عَليكُم إخراجُهُم أفَتُؤمِنُونَ بَبعضِ الكِتابِ وتَكفُرونَ بِبعضٍ فما جَزآءُ مَن يَفعَلُ
ذَلِكَ مِنكُم .. ) فكفّرهم بترك ما أمر الله عزَّ وجلَّ به ونسبهم إلى الاِيمان ولم
يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال : ( فَما جَزاءُ من يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إلاّ خِزيٌ في
الحَياةِ الدُّنيا ويومَ القيامةِ يُردُّونَ إلى أشدِّ العذابِ وما اللهُ بغافلٍ عَما
تَعمَلُونَ)(1).
والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة وذلك قوله عزَّ وجلَّ يحكي قول
إبراهيم عليه السلام : ( .. كَفرَنا بِكُم وبَدا بَيننَا وبَينَكُم العَداوَةُ والبَغضَآءُ أبَداً حتّى
تُؤمِنُوا باللهِ وحدَهُ .. ) (2). يعني تبرأنا منكم ، وقال يذكر إبليس وتبرئته من
أوليائه من الاِنس يوم القيامة : ( .. إنّي كَفَرتُ بِما أشرَكتُمُونِ مِن قَبلُ ) (3).
وقال : ( .. إنَّما اتَّخذتُم مِن دُونِ اللهِ أوثَاناً مودَّة بَينَكُم في الحَياةِ الدُّنيا ثُمَّ يَومَ
القِيَامةِ يَكفرُ بَعضُكُم ببعضٍ ويَلعنُ بَعضُكُم بَعضاً .. ) (4)يعني يتبرّء بعضكم
من بعض » (5).
ومن الكفر العظيم ما يتصل بإنكار الاَنبياء أو تكذيبهم فيما ينقلون عن
1 ـ سورة البقرة 2 : 84 ـ 85. 2 ـ سورة الممتحنة 60 : 4. 3 ـ سورة إبراهيم 14 : 22. 4 ـ سورة العنكبوت 29 : 25. 5 ـ اُصول الكافي 2 : 389 ، 391/1 كتاب الاِيمان والكفر.
(56)
الله تعالى مما وصل إلينا بطريق التواتر ، أو التفريق بينهم ، أو الاِيمان
ببعض الاَنبياء والكفر ببعض ، قال تعالى : ( إنَّ الَّذينَ يكفُرُونَ باللهِ ورُسلِهِ
ويُريدُونَ أن يُفرّقوا بَينَ اللهِ ورسُلِهِ ويقُولُونَ نؤمِنُ بِبعضٍ ونكفُر بِبعض.. أولئكَ
هُمُ الكافِرُونَ حَقاً ) (1).
ويدخل في زمرة الكافرين أهل الاَديان الاُخرى الذين يُنكرون نبوة
محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعموم رسالته وأنه خاتم النبيين ، فالقرآن يقول عن اليهود
الذين عرفوا أنّ نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حق في عصره ثم أنكروها إستكباراً
وعناداً : ( فَلمَّا جآءهُم ما عَرفُوا كَفَرُوا بِهِ فلعنَةُ اللهِ على الكَافِرينَ ) (2).
ويدخل ـ أيضاً ـ في زمرة الكافرين الذين أنكروا كون القرآن الكريم من
عند الله تعالى : ( قُل أرَيتُم إن كانَ مِن عِندِ اللهِ ثُمَّ كَفرتُم بِهِ.. ) (3).
ولا بدَّ من التنويه على أنّ الكفر ليس ذاتياً في الاِنسان بل هو عارض
يضعف ويقوى ، فإذا قوى حجب الاِيمان وستره ولكن لا ينفيه ولا يبطله
بدليل أنّ من يكفر قد يعود بالتوبة أو بالهداية من الله إلى الاِيمان بعد
الكفر(4) قبل أن يموت ، فإذا مات فحكمه أنّه كافر. ومن الشواهد الدالة
على ازدياد الكفر ما ورد عن محمد بن مسلم قال : قلتُ لاَبي عبدالله عليه السلام :
( عُتُلٍّ بعدَ ذلكَ زنيمٍ ) (5)قال : « العُتُلُّ العظيم الكفر ، والزنيم المستهتر
1 ـ سورة النساء 4 : 150 ـ 151. 2 ـ سورة البقرة 2 : 89. 3 ـ سورة فصلت 41 : 52. 4 ـ ولا بدَّ أن نميز هنا بين من كفر بعد الاِيمان ومن كان كافراً أصلاً للفرق بين الحالتين وحكمهما ،
وتفصيل ذلك تجده في كتب الفقه بعنوان حكم المرتد. 5 ـ سورة القلم 68 : 13.
(57)
بكفره » (1).
من جانب آخر نجد نمطاً من الناس قد أسرُّوا الكفر ولكن أظهروا
الاِيمان نفاقاً ، فهم كالحرباء التي تتأقلم مع الظروف وتتمحور حول
المصالح الذاتية ، وكنموذج من أولئك المنافقين في تاريخنا الاِسلامي
ممن انطلى نفاقهم وكفرهم على شريحة واسعة من المسلمين لتسترهم
بظاهر الاِسلام : معاوية بن أبي سفيان وحزبه.
ولا نقول ذلك اجتهاداً منّا بل لتواتر التصريح به ، عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام فقد حلف بأغلظ الاَيمان لاَصحابه الذين صفهم في
صفين ، على نفاق وزيف إيمان أعدائهم بل وكفرهم ، قائلاً : « .. فو الذي
فلق الحبَّة ، وبرأ النسمة ، ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسرُّوا الكفر ، فلما
وجدوا أعواناً عليه أظهروه » (2). فهذا نموذج من الناس يعيش حالة
الفصام بين الظاهر والباطن ، فيظهر الاِيمان ويبطن الكفر وهو ـ بلا شك ولا
شبهة ـ من أخطر حالات الكفر ضرراً على الاِسلام.
إنَّ الاِسلام ركّز على التلازم بين الظاهر والباطن ، ومثل هذه الرؤية
تتوضح خطوطها فيما ورد عن الاِمام الصادق عليه السلام : عن الهيثم التميمي قال :
قال أبو عبدالله عليه السلام : « يا هيثم التميمي إنَّ قوماً آمنوا بالظاهر وكفروا
بالباطن فلم ينفعهم شيء ، وجاء قوم من بعدهم آمنوا بالباطن وكفروا
بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئاً ، ولا إيمان بظاهر إلاّ بباطن ولا بباطن إلاّ
1 ـ معاني الاَخبار : 149. 2 ـ نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 374/كتاب 16.
(58)
بظاهر » (1).
وبطبيعة الحال يُحمل قوله عليه السلام : « .. وجاء قوم من بعدهم آمنوا بالباطن
وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئاً » على عدم القيام بلوازم الاِيمان من
عبادات ومعاملات ، بتعبير آخر يراد منه « كفر الطاعة » المتمثل بعدم أداء
الواجبات وعدم الابتعاد عن المحرمات. وإلاّ فهناك شواهد قرآنية قوية
على إيمان من كفر ظاهراً تقيةً من الكفار ، يقول تعالى : ( مَن كَفرَ باللهِ مِنْ
بَعدِ إيمانِهِ إلاّ مَن أُكرِهَ وقلبُهُ مُطمئنٌ بالاِيمانِ .. ) (2).
ولا خلاف أنها نزلت في عمّار بن ياسر وجماعته إذ أكرههم مشركوا
قريش على كلمة الكفر فاستجاب بعضهم وأبى بعض ونزل القرآن بعذر
من استجاب وقلبه مطمئن بالاِيمان.
وإنسجاماً مع هذه النظرة القرآنية الاَرحب ، دفع آل البيت عليهم السلام شبهة
كفر أبي طالب عليه السلام ، تلك الشبهة التي أثارها معاوية وتمسك بها فيما بعد
خلفه وأنصاره ، وفي هذا الصدد قال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنَّ مثل أبي
طالب مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الاِيمان ، وأظهروا الشرك فأتاهم الله
أجرهم مرّتين » (3).
هذا ، وقد أُلّفت في إيمان أبي طالب عليه السلام عشرات الكتب.
1 ـ بصائر الدرجات : 536. 2 ـ سورة النحل 16 : 106. 3 ـ معاني الاَخبار : 285 ـ 286.
(59)
المبحث الثالث : منازل الكُفر :
للكفر منازل ودرجات ، فمن الكفار من يسد منافذ العقل والبصيرة التي
منحها الله تعالى له ، ويتمسك بقوة بمتبنياته العقيدية الباطلة كما هو حال
الاِنسان الجاهلي الذي تمسك بالاصنام التي صنعها بيده من الحجر أو
التمر ! كما تمسك بظنونه بقوى الجن والسحر ، وشبَّ على شهواته لاهياً
عما يصير إليه ، قال تعالى : ( .. والَّذينَ كَفرُوا يَتَمتَّعُونَ ويأكُلُونَ كَما تأكُلُ
الاَنعامُ والنَّارُ مثوىً لهُم ) (1). ومن الكفار من يؤمن بالله تعالى ولكن
يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ، ويلبسون الحق بالباطل ويبادرون الكفر بما
جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم كحال بني إسرائيل الذين بلغت قلوبهم درجة
التحجر ، لذلك خاطبهم تعالى مستنكراً : ( .. أفَكُلّما جَآءَكُم رسُولٌ بِمَا
لاتَهوى أنفُسُكُم استَكبرَتُم فَفَريقاً كذَّبتُم وفَرِيقاً تَقتُلُونَ * وقَالُوا قُلُوبُنا غُلفُ بل
لَعَنَهُمُ اللهُ بكُفرِهِم فقلِيلاً ما يُؤمِنُونَ ) (2).
وهناك فريق من المسلمين قد يتسافل فيصل إلى أقرب المنازل من
الكفر وإن لم يسمَّ كافراً ، وذلك في الحالات التالية :
أولاً : التعصب للبدع : وذلك عندما يبتدع شيئاً مخالفاً لقواعد الشرع ومتبنياته ، فيتعصب لما إبتدعه ويعتبره من المسلمات التي لا تقبل نقاشاً
ولا جدلاً ، ومن الشواهد الدالة على هذا النمط ، ما ورد عن الحلبي قال :
قلتُ لاَبي عبدالله عليه السلام ما أدنى ما يكون به العبد كافراً ؟ قال : « أن يبتدع به
1 ـ سورة محمد 47 : 12. 2 ـ سورة البقرة 2 : 87 ـ 88.
(60)
شيئاً فيتولى عليه ويتبرأ ممّن خالفه » (1).
ومن خطورة التعصب للبدع أنه يجرّ صاحبه إلى الكذب على الشرع
الحنيف وذلك بأن يتخبط تخبطاً عشوائياً فيقلب الحقائق الشرعية
الواضحة فيعتبر المنهي عنه مأموراً به ! ويتخذ موقفاً معادياً لمن يخالفه ،
ويكشف لنا الاِمام علي عليه السلام عن هذا النمط من الانحراف عن جادّة
الصواب بقوله : « ... أدنى ما يكون به العبد كافراً من زعم أنَّ شيئاً نهى الله
عنه أنّ الله أمر به ونصبه ديناً يتولى عليه ويزعم أنّه يعبد الذي أمره به وإنّما
يعبد الشيطان » (2). كما ورد عن الاِمام الرّضا عليه السلام : « من شبّه الله بخلقه فهو
مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر » (3).
ثانياً : الخروج عن قواعد الاَخلاق : لا يمكن التفريق بين الاِيمان والاخلاق ، وعليه فكل من فقد الخلق الحسن لا بدَّ وأن يقترب من الكفر
وإن نطق الشهادتين ، فمن يتصف بالكذب والخيانة وخلف الوعد ، ويقوم
بهتك حرمات الناس ، وإحصاء عثراتهم فسوف يتسافل إلى أسفل
السافلين ، وتكون منزلته أدنى منازل الكفر وإن لم يكن كافراً وفي هذا
الاطار ورد عن الاِمام الباقر عليه السلام : « إنَّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن
يؤاخي الرّجل الرّجل على الدّين فيحصي عليه زلاتّه ليعيّره بها يوماً
ما »(4).
1 ـ معاني الاخبار : 393 2 ـ اصول الكافي 2 : 414 ـ 415/1 كتاب الايمان والكفر. 3 ـ وسائل الشيعة 18 : 557 باب جملة ما يثبت به الكفر والارتداد. 4 ـ اصول الكافي 2 : 355/6 كتاب الكفر والايمان.
الايمان والكفر وآثارهما على الفرد والمجتمع ::: فهرس