السلام عليك يا والدة الحجج على الناس أجمعين
اليك نهدى هذا العمل الخالص
وإلى رسول الله الّذى سمّاك امّ أبيها
وإلى امير المؤمنين الّذي هوابوهذه الامّة
وإلى ابنيك الحسن والحسين سيّدى شباب اهل الجنّة
وإلى جنينك السقط الّذي سماه النبي صلّى الله عليه
وآله وسلم محسناً
مؤمّلين يا سيّدتنا ومولاتنا منك القبول
(3)
وأما حق ولدك : فأن تعلم أنّه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا
بخيره وشرّه وأنك مسؤول عمال وليته به من حسن الأدب ، والدلالة
على ربّه عزوجل والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم
أنه مثاب على الإحسان اليه ، معاقب على الإساءة اليه.
رسالة الحقيق للامام السجاد عليه السلام
(17)
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الناشر
لا شك في أن مستقبل المجتمع لا يمكن ضمانه إلا بوجود قوىً مؤمنة وملتزمة تتعهده , لذلك كان على القائمين على الشؤون الثقافية أن يبذلوا المزيد من الهمة والسعي لتربية صانعي مستقبل المجتمع , وهم أطفال زماننا الحاضر وشبابه , بما يقدمونه لبراعم حديقة المجتمع من كتب تعليمية يؤلفونها , ومن مناهج تربوية يعدّونها.
إن لكل جيل ومستوىً في المجتمع لغة لابدّ ان يكلموه بها. كذلك للطفل وللصبي لسان خاص يدرك به ما يوضع له في قالبه من مفاهيم و أفكار , فيأثر بها ويستفيد منها.
أما ترى ما الذي نقوله للطفل وللصبي , وما الذي نكتبه هما , وكيف , فذلك ما اختلفت فيه به اللآراء , باختلاف ماوراءها من مدارس فكرية وعقائد.
و ما جاء الأنبياء والأوصياء الإلهيون ومن تابعهم على الحق إلا ليحققوا هذا الهدف , وهو ما سعي اليه النبي الكريم (ص) كي : « يّزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ». فإذا ما أردنا أن نكون من أتباع خاتم الأنبياء محمد (ص) بحق , و من شيعة عليّ بن أبي طالب (ع) , كان علينا أن نربي أطفالنا وأبناءنا , وأن نعاملهم بمثلما أرادانا أن نفعل. لابدّ أن نسعى في أن نصنع من الجيل الذي نتعهده جيلا مؤمناً بتعليمات أولئك العظام , لكي يمهد مجتمعنا ـ إن شاء الله ـ لظهور آخر كوكب من كواكب الولاية وألامامة
(18)
الساطعة , بقية الله في الأرض , روحي وأرواح العالمين له الفداء. واستناداً إلى هذا المنظور تقرر القيام بجمع الأحاديث المنقولة عن المعصومين عليهم السلام , مما هو مبثوث في كتب الحديث الموثوق بها , لنضعها في متناول أيدي اولئك الذين تخفق قلوبهم رغبة في تربية النشء الجديد وقلقاً على مستقبله , فلعلّنا نكون بذلك قد استطعنا ان نخطو بضع خطوات , وإن تكن قصيرة , باتجاه بناء المجتمع الاسلامي السليم. وإنا لنرجو أن تكون هذه الخطوات موضع رضا الله تعالى والتفات آخر حجة من الحجج الالهية , الحجة ابن الحسن العسكري عليه السلام.
هذه المجموعة التي بين يديك :
1 ـ هذه الأحاديث منتقاة من الكتب الثلاثة التالية :
أ ـ « وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة » تأليف العلامة الشيخ الحر العاملي رحمة الله عليه ( المتوفى في سنة 1104 هـ. ) والذي عني بتصحيحه المرحوم الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي. وهو المجلد الخامس عشر المؤلف من 612 صفحة. من منشورات ( داراحياء الثراث العربي ) بيروت ـ لبنان.
ب ـ « مستدرك الوسائل » تأليف المحدّث المتبحر الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي رحمة الله عليه ( المتوفى في سنة 1320 هـ. ) وهو المجلّد الثاني منه , ويتألف من 646 صفحة. من منشورات المكتبة الاسلامية. طبع في 1383هـ.
ج ـ « بحار الأنوار » تأليف العلامة محمد باقر المجلسي رحمة الله عليه ( المتوفى في سنة 1111 هـ. ) وهي المجلدات 74 و 103 و 104. من منشورات المكتبة الاسلامية. طبع سنة 1386 هـ. في طهران.
2 ـ الهدف من عرض هذه المجموعة هو التعريف بتعليمات الدين الاسلامي المبين وأو امره من منظور المعصومين ( عليهم السلام ) فيما تعلق بأصول تربية النشء وآدابها وخصائصها. لذلك فان
(19)
التعرّف على هذه المجموعة لايغني القارئ عن الرجوع الى المسائل الحكمية والحقوقية الخاصة بالأبناء مما جاء في الكتب الفقهية بصورة مسهبة.
3 ـ لقد صنفت الأحاديث في هذه المجموعة بحيث أن كل حديث يرد في جميع المواضيع التي يتعلّق بها , ولهذا تجد بعض الأحاديث قد تكررت في عدة مواضع.
4 ـ روعي في اختيار عناوين الفصول الاستناد إلى المفاهيم المذكورة في نصوص الأحاديث التي ترد تحتها.
5 ـ أمّا مصادر الأحاديث , فقد أوردنا في نهاية كل بحث الهوامش المجموعة في المصادر التي اعتمدناها , إلى جانب رقم الحديث. وللمزيد من الاطلاع على كل حديث ومصادره يمكن الرجوع إلى تلك الهوامش.
6 ـ مجموعة الأحاديث قد قسمت إلى خمسة عشر فصلا من حيث مواضيعها , وكل فصل قسّم أيضا إلى عدة فقرات.
7 ـ نظراً لكثرة الأحاديث الواردة بشأن كل موضوع من المواضيع المدرجة في بحوثنا , وكذلك نظراً لضيق الوقت وقلة الامكانات , لم نوفق لجمع الأحاديث كافة , بل اكتفينا بعرض عدد من المواضيع والأحاديث , على ان نقوم بإكمال هذه المجموعة بإضافة مواضيع أوسع , إن شاء الله.
وفي الختام , نعترف بوجود النواقص وبعض الاشكالات في عملنا هذا , ولذلك نرجو من جميع الباحثين والمحققين أن لا يبخلوا علينا بوجهات نظرهم وبمقترحاتهم البنّاءة لكي تكون على رأس ما نأخذ به في المستقبل للقيام بأعمال اكثر اتقاناً وكمالاً , إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قسم الأطفال والناشئين
في مؤسسة البعثة
الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , والصلاة والسلام على رسوله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون , وعلى آله الذين هم هداة الناس إلى صراط الله العزيزالحميد.
وبعد :
فلقد طلعت شمس الاسلام على العالم يوم كانت المجتمعات البشرية تتعذب وهي مكبلة بقيود الجهل والاضطراب والفوضى , يوم كانت الرذائل الاخلاقية تسود تلك المجتمعات بدلاً من الفضائل , يوم لم تكن البشرية في كل ارجاء العالم ـ وهي قد تاهت عن الطريق السوي ـ لتتمتع بأي مظهر من مظاهر حياة تليق بانسانية الانسان فيما بين مجتمعاتها , التى كانت تسودها الاضطرابات والحروب والاشتباكات والمذاج القاسية والفساد والجهل والتوحش , ويخيم عليها ظلام دامس لايطاق. في مثل تلك الفترة التي فقدت الحياة كل مظاهر الاستقرار والهدوء والراحة , كانت الحاجة ملحة الى ظهور مصلح وقائد قوي يحمل رسالة ذات مسؤولية عالمية لإنقاذ هذه البشرية المتهاوية الضعيفة.
فكان أن بعث رسول الاسلام (ص) يحمل رسالة تحيط بجميع شؤون الحياة البشرية بكل أبعادها وجوانبها وخصائصها المختلفة. كانت رسالته سماوية خالدة لم تغفل عن ذكر كل ما من شأنه ان يبني الانسان بناءً صالحاً.
(22)
إن كل محقق متتبع يدري ان هذه الثقافة الاسلامية لم تترك أية زاوية من زوايا الحياة الانسانية دون ان تعنى بها العناية اللازمة. يقول سبحانه وتعالى : « ما فرّطنا في الكتاب من شيء ».
وبناءً على هذا فإن علينا أن نبحث عن حقائق الحياة الانسانية وأسرارها في القرآن وفي التعليمات الاسلامية. وعلى الرغم من أن القرآن يتميز بالإيجاز عموماً , فإنه في هذا الخصوص جامع لكل رؤوس الأسرار البنّاءة للانسان , إلا انها تتطلب الشرح والتبسيط والتحليل والتوضيح. وهذا ما اضطلع به الرسول الكريم (ص) بادئ الأمر , ومن ثم انتقل الأمر الى عترته الذين تعهدوا أسرار هذه الرسالة السماوية. ولهذا أوصى ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) الناس جميعاً بأن يتمسكوا بالأمرين الثقلين. الأول كتاب الله , والثاني عدل كتاب الله ورفيقه , عترته وأهل بيته المبينين لأحكام القرآن واسراره , قائلا : « إنّي تارك فيكم الثقلين , كتاب الله وعترتي أهل بيتي , ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا , فانها لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ». إذن , فالثقافة الاسلانية هي الثقافة الجامعة الشاملة الوحيدة التي عرفها البشر , ففيها كل الأصول والمبادئ التي تجعل من حياة الانسان بناءً متكاملاً متقناً , حتى ليمكن العثور فيها على جميع أسرار سعادة الانسان , ولا تحتاج إلا إلى غواص ماهر قادر على الوصول إلى أعماق هذه الثقافة لاستخراج ما فيها من درر و لآلئ.
إنّ من المسائل التي اتسمت في حياتنا المعاصرة بأهمية قصوى هي مسألة التربية والتعليم. وفي الثقافة الاسلامية نجد أفضل التعليمات التربوية وأسماها , مما لانظير له أبداً في ثقافات الأمم الاخرى , فالاسلام على هذاالصعيد لم يغفل حتى عن ذكر أصغر الأمور وأتفهها , بل وضع المناهج الدقيقة المدروسة من اجل تربية جيل سالم وصالح ينفع نفسه وينفع إخوانه في الانسانية , وانها في الحقيقة لمناهج مدهشة تثير العجب والحيرة. ان كتابنا السماوي ,
(23)
والأحاديث التي تفسر في الوافع هذا الكتاب وتشرحه , كلها حافاة بالحقائق التربوية ودقائقها.
لذلك ففي الحقبة التي لم يكن الغربيون يعرفون شيئاً , حى فيما بينهم وبين أنفسهم , عما يسمى بالتربية والتعليم وكيف يكون , كان المسلمون قد ألّفوا الكتب التخصصية في مواضيع تتعلق بالتربية والتعليم. ففي القرون الوسطى , يوم كان عالم الغرب غائصاً في أوحال الجهل والهمجية وعدم المعرفة , ظهر امثال محمد بن سحنون المغربي بكتابه الموسوم بـ « آداب المعلمين » فيما بين القرنين الثاني والثالث الهجري. وهذا الكتاب الذي يدور حول التربية والتعليم , قد استقى محتويانه من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. وعليه , فان الخطوة الاولى على طريق التربية والتعليم , بمفهومهما الحديث , قد خطاها المسلمون , ذلك لأنهم كانوا يملكون ثقافة ذات غنى وثروة على هذا الصعيد , فقد كانت بحوث العلماء المسلمين في ميدان التربية والتعليم قد بدأت منذ أوائل ظهور الاسلام , فألفوا فيهما عشرات الكتب التي استوحى منها العلماء الغربيون فيما بعد أفكارهم , من ذلك كتاب « آراء أهل المدينة الفاضلة » للفارابي , و « الرسائل » لإخوان الصفا , و « السياسة » لابن سينا , و « إحياء علوم الدين » للغزالي وكذلك كتبه الاخرى , وعشرات من الكتب غيرها كتبها العلماء المسلمون في التربية والتعليم , أو في ما يرتبط بالتربية والتعليم. وهي كلها مصاديق واقعية تحكي عن غنى الثقافة الاسلامية , تلك الثقافة التي يعكسها لنا القرآن والاحاديث النبوية الشريفة وما ورد الينا عن الأئمة الكرام عليهم السلام.
في الثقافة الاسلامية لاتبدأ تربية الانسان بولادته , إذا إن ولادة الانسان واحدة من مراحل تربيته. ففي تعاليم التربية والتغليم الاسلامية تبدأ تربية الانسان قبل ان يولد , عند ما يكون جنيناً , بل منذ انعقاد نطفته , حتى قبل ذلك أيضا , فقد وردت التوصيات
(24)
للمسلمين بأن يختاروا لنطفهم من أجل خلق جيل سليم صالح , كما أن هناك وصايا خاصة تتعلق بما
قبل انعقاد النطفة أيضا. فهذه الثقافة التي تقترح وصايا خاصة لاختيار الزوجة , وتعنى بالجيل الجديد قبل ان تنعقد نطفته , لابدّ أن تزداد عنايتها بهذا الجيل بعد أن تنعقد نطفته وبعد ان يتكون جنيناً في رحم امه , وبعد ان يولد ويمرّ بمرحلة الرضاعة , وبعد ان يجتازها إلى المراحل الاخرى. إن هذه الثقافة الاسلامية السماوية لاتغفل عن الانسان منذ ولادته حتى اعتاب الشيخوخة والوفاة. ففي كل هذه المراحل تتواصل الوصايا والتعليمات والارشادات البنّاءة من أجل تربية هذا الانسان وتعليمه في جميع مراحل حياته.
وهذا الكتاب الذي نضعه بين يدي القارئ الكريم قد وضع استناداً إلى تلك الأحاديث المتضمنة لهذه النقاط الدقيقة والعميقة , المروية عن طريق أهل البيت عليهم السلام , واعتماداً على مصادر موثوق بها و معتبرة. لذلك نأمل ان يكون هذا الكتاب هادياً صادقاً لتربية جيل سالم لمجتمع متقدم , وخالياً من الابهام والغموض اللّذين كانا وما يزالان آخذين بخناق الانسان , فيريه طريق السعادة الاسلامية الحقة.
المبحث الأول في هذا الكتاب يقع تحت عنوان « طلب الولد » في البحث عن الجيل السليم , وفق ارشادات بنّاءة. ولتحقيق هذا الهدف اختيرت لهذا المبحث الاحاديث المناسبة , كما هي الحال في سائر مباحث الكتاب. و من ثم يتناول الانسان جنيناً وعلاقته بقضيته التربية والتعليم تحت عنوان « ايام الحمل وما يتعلق بها » بالاستناد الى الروايات المروية عن الأئمة عليهم السلام , مما يرسم الطريق الصحيح للوصول الى هذا الهدف ضمن إيجاد الظروف المناسبة لتربية الانسان , وما يتعلق بذلك من أمور. ثم تتوالى المواضيع
(25)
بالترتيب , كالولادة وما يختص بها , وتعليمات ما بعد الولادة , والمراسيم الخاصة باليوم السابع للولادة , ثم مرحلة الرضاعة , وما يتناول سلامة الطفل ونموه , وقضايا تتعلق بالولد الصالح واللّا ئق , وكلام على الأبناء الذكور والاناث ( في فصلين ) , وحقائق بشأن الأيتام , وتعليم الأبناء , وحقوق الأبناء على الوالدين , وما يتعلق بإحسان الأبناء للوالدين , وحديث عن نتائج عقوق الوالدين. وهذه المواضيع يتناولها الكتاب في فصول مستقله بعض عن بعض وبالاستناد الى نصوص روايات معتبرة مستقاة من مصادر موثوق بها ويطمأن إليها , مما ينفع الباحثين المعنيين بشؤون التربية والتعليم الاسلاميين , كما يمكن ان يكون مدخلاً إلى مختلف قضايا التربية والتعليم , باعتباره مصدراً جامعاً ومناسباً لهذاالموضوع , حتى أنه يغني الباحث الراغب في التحقيق في جانب من هذا الموضوع عن الرجوع الى كثير من المصادر والمراجع , إذا ان هذا الكتاب قد اعتمد الكثير من أهم المصادر الثمينة , وخاصة كتاب « تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة » للشيخ الحر العاملي والذي يعتبر من أحدث الكتب الجامعة للحديث , بالإضافة الى مستدرك هذا الكتاب نفسه للمحدث المرحوم النوري , وغيرهما من المصادر الكثيرة التي يمكن معرفتها بالرجوع الى الكتاب وهوامشه.
نسأل الله أن يجزى خير الجزاء القائمين بإعداد هذا الكتاب وتنظيمه وتدوينه وجعله هادياً للمعنيين بالتعليمات الاسلامية , وأن يوفقهم الى تصنيف كتب اخرى مثله.
وآخر دعوانا أن الحمدللّه ربّ العالمين كتبه بيمناه الداثرة السيد محمد الباقر الحسيني ( حجتي )