|
كتاب الاثر الخالد في الولد والوالد ::: 171 ـ 180 |
|
(171)
غالب له.
فكانت الثلمة العظيمة في الاسلام ، والف ـ ق ـ دان
الف ـ ادح في الأمه والفراغ العصيب في صحبه
وأخوانه لايسدّها شيء ، وليس لنا الاّ الأستسلام لأمر الله
الحكيم ، القلوب مضرمة مفجعة بنار الفراق الطويل ، والعيون
مذرفة دموع الخزن والكآبه والعزاء ، والناس يلهجون له
بحسن الثناء ، ويعزّون الأهل والأقرباء ، الأحباء ، ولمّا يصّدقون
الخبر المفجع.
سيدي ومولاي :
يحق لنا جميعا أن نترك الحناجر هاتفة صارخة
والدموع سائلة ساخنة وننادي وا أبتاه ... وا سيّداه ...
وا مصلحاه ... !!!
عزّ والله علينا فراقك وعزّ على الأرواح والقلوب أن ترثيك ،
وكنا نشعر بقوة نعتمد عليها ، ونستلهم من مغزها روح الجهاد
والنضال فأين هي الآن ؟
سيدي أبتاه :
ما دار في خلدي ن أكتب ما كتب ! ودمي الحزين ينزف
من عيني أيحق لي أن اكتب عن حياتك البطوليّة والصمود ، حياة
العلم والعمل ، وأنت لن تموت ؟ سيدي العلوي انك خالد في
التأريخ اذ عشت للأسلام والامة الاسلاميّه.
(172)
لا تأخذك في الله لومة لائم ، اذ لاتخشى الاّ الله ولاتهاب
الاّ الحق ، فأنك المجاهد الورع والعابد العالم والمصل ـ ح
المنتفاني في الله وخدمة خلقه.
ماذا اكتب عن حياتك ، وحياتك مليئة بالعمل المتواصل
والكفاح المرير حتى مضيت الى ربّك قرير العين.
وقد خلّفت أمّة من الناس تحمل روحك وقلبك الحنون ، خلّفت
علماء من طلبتك الكرام ، وشباباّ ناهضاً ، وثروة علميّة من مطبوع
وغير مطبوع ، خلّفت مواكب ومدارس إسلاميّة ، تربي الأجيال وتسمو
بهم مداج الكمال.
سيدي : لم ولن تموت ولك المآثر الخالدة في المجتمع
والنفوس ، لن تموت ولك كتب قيمة وشباب طاهر يسير نحو
الهدف الذي كنت ترمي اليه ، وذلك حكومة الأسلام واقامة الحق
والعدل في المجتمع.
فنم قرير العين ، فانا كما عهدت مخلصون.
مولاي سكنت الفراديس وجنّات عرضها السموّات والأرض.
وسرعان ما غاب شمسك النير.
الله اكبر ...
لن أنسى تلك السويعة المريرة التي كنت بجنبك أقبل
يديك الكريمة كّرات ودموع حبستها في حدقة العين ، كي لا تحزن
وأنت على سرير المستشفى ، توصي ولدك ، ولم يكن بالحسبان أن
(173)
نفقدك.
وفراق الأحبة والله أصعب.
لن أنسى آخر لحظة من الوداع الحزين عندما كانت يدي
بين يديك الخالدة بمدادك الذي أفضل من دماء الشهداء
تضغط عليها حبّا وحنانا وشفقةً.
آه ساعة كئيبة لا أنساه مدى الحياة يحزّ قلبي ويأجّج
لهيب الفراق في صدري فوا أسفاه على ذلك القلب الحنون
المفقود ن وما يجدي الأسف ولكن لا حول ولا قوّه الأ بالله العلي
العظيم.
وما كان قيس فقده واحد
| |
ولكنه بنيان قوم تهدّما
|
سيدي :
في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الامة الاسلاميّة ، في
عراقنا المضطهد ، ن في هذه المرحلة الرساليّة الشاقة ، وفي هذه
الأجواء التى تكالبت فيها على الأسلام والمسلمين كل قوى
الألحاد والصهيونيّة ولاسيّما العفلقيّة في العراق الحزين.
في هذه الفترة الحاسمة المحتاجة الى جهابذة مفكرين
مصلحين ، ومجاهدين صابرين ، وقاده أمناء ، أصيبت الأمة في
كبدها بفقدك الغالي العزير ، وانها لم تكن فاجعة آل العلوي
فحسب انها فجيعة ايران والعراق فجيعة كل محب وموالي
لأهل البيت عليهم السلام.
(174)
سيدي :
عذراً من روحك الطاهرة الزكيّة ، بأي المفاخر من حياتك
أبدأ وبأي المناهج أشرع وأنت أبو المفاخر.
كنت النور تغمر من روادك بضيائك الزاهر ، ووسع قلبك
مشاكل الأمة ولم تغفل عنها لخظة حتى الأجل.
واستقبلت المصاعب والمتاعب بصدر رحب ، شُرح بالأسلام ،
اذ تؤمن بأن الجنة مأواك والنعيم نهاية حياتك.
وأخيراُ الى شعبك الحزين بفقدك أقدّم لمحة خاطفة من
أبعاد حياتك الخالدة.
ولعلنا نوفق أن نشير الى لمحات وشذرات من سجل
حياتك طاب ثراك وقدس الله روحك.
وانا لله وانّا اليه راجعون
الحزين الكئيب
(175)
مولده وحياته العائليّة :
ولد فقيدنا الراحل الى جوار رحمة ربّه الكريم في اليوم
الثاني من محّرم الحرام عام 1346 هجري قمري المصادف 23 /
6 / 1927 ميلادي في محلّة ( ام النوّمي ) في بلدة الكاظميّة
المقدس ، وترعرع في أحضان الايمان والتقوى ، وتغذّى من ثدي
العلم والعمل ، حيث أنحدر من سلالة طيّبة طاهرة في التقوى
والفضيلة في أرحام طاهرة واصلاب شامخة ، وكان خيرة اولاد أبيه
الصالح المتقي الوقور السيد حسين قدس سرّه ذكوراً واناثا في
النشاط والحيويّة والذكاء ، والعمل الدائب والجهد المتواصل ،
ونسبه الشريف وشجرته المباركة تصل الى الامام السجّاد ، زين
العابدين مولانا وسيدنا الامام علي بن الحسين عليه السلام.
ويأتيك التفصيل بقلمه وخطّه الشريف ، ولقد اقترن أبان
بلوغه بأبنة عمّه ، وتوفيت في الثامن عشر من عمرها وخلفت ثلاث
ذكور وماتوا ، ورأى المصائب العظيمة حتى اشتهر بين مجتمعه
بالولّي الصبور ، وكانت المصائب تصب عليه حتى مماته لكثرة
ايمانه وعلمه ... ثّم تزوج السيدة العلوّية سليلة الكرام ،
المنحدرة من سلالة الرسول ، وآل البتول ( عليهم السلام ) التي
جاهدت معه طيلة عمره في خط العلم العمل الجهادي حتى
شهد في حقها ، فقيدنا الراحل امام جمع من طلابه ، اذ كان
يتكلم حول المرأة فقال : ان نصف مالي من العلم والشرف
(176)
والثواب فهو لأم أولادي حيث أنها ساعدتني وساندتني في
العمل وطلب العلم.
وهي بنت رجل الدين ، صاحب المواكب الحسينية ، المتقى
الورع ، كبير قومه السيد محمد الحسيني المشهور في النجف
الأشرف.
فأنجبت له خمسة اولاد ذكور وأربعة أناث بعدما ماتا لهما
طفلان صغيران.
وعندما ترعرعوا بلغوا الحلم والشباب ، استشهد لهما أربعة
في آن واحد في سائحة مؤلمةٍ في طريق الدعاء لأنتصار الثورة
الأسلاميّة وقائدها ، وهم :
ثقه الأسلام السيد عامر العلوي 21 سنة
السيد عقيل العلوي 15 سنة
بنت العلى العلوي 16 سنة
بنت الأيمان العلوي 12 سنة
والباقون حجج الأسلام
السيد عادل الدين العلوي
السيد عماد الدين العلوي
السيد ع ـ ارف العلوي
وبنتان
وكان عطوفاُ على أولاده ، ويريد الخير والصلاح لهم دوماً ،
وحتى كان يضحّي بنفسه من أجلهم ، كما لنا في ذلك قضاي ـ ا
(177)
تأريخّية.
فقد أربعة من أفلاذ كبده أربعة أعوام فارق الدنيا
بنوبة قلبيّة ، ثلاث مرات في ليال متواليّة وقرب الساعة
الثانيّة والنصف بعد منتصف الليل ، مسية يوم الأحد ، أرتحل الى
رحمة ربه مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فانا لله وانّا اليه راجعون
(178)
وأخوتي الأعزاء في ليله الأنقلاب جرعوا كأس الشهادة
عندما ذهبوا ... ليدعوا ربهم بنصره الأسلام ونجاح ثوره الأمام
الخميني.
1 ـ حجة الأسلام سيد عامر العلوي ( عمر 21 سنة )
2 ـ السيد عقيل العلوي ( عمره 15 سنة )
3 ـ بنت العلى العلوي صاحبه كتاب الحجاب بالفارسي
( عمرها 16 سنة )
4 ـ بنت الأيمان العلوي ( 12 سنة ) قدس سرهم
(179)
حياته العلميّة والعمليّة :
منذ نعومة اظافره ـ قدس سره ـ كان يحب العلم والعمل
به ، له طموح يتسامي مع عزمه ونشاطه ، ولعلّ النبوغ والطموح أبرز
سمة تميّزت بها شخصية فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب
ثراه ، فقد عرف الوسط العلمي والحوزات العلميّة ، بذكائه وولعه
في طلب العلم ، منذ صباه ، فأقام على التعلم والتعليم ولا يبالي
بالكوارث والمشاكل التى تصب عليه كالوابل ، بل حباً وشوقاً
ينتهي شوطا بعد شوط من كعبة آماله وأمنياته فقد تعلّم
القرآن وختمه في المكتب وهو صبى ترك اللّعب والهو لأهله،
وفاق أترابه لما يحمل من ذكاء وحيوية ، فدخل المدرسة ليتعلم
العلوم الجديدة كالحساب والهندسة وما شابه ، وذلك في
( مدرسة اخوت ) في الكاظميّة المقدسة ثم دخل في سلك
طلبة العلوم الدينيّة القديمة ، شوقاً للأسلام وحبّاً لمفاهيمه
وتعاليمه القيمة ، وفاق أقرانه وزملائه لمثابرته وعمله المتواصل
ونشاطه المستمر، وأخذ حظاً وافراً من العلوم الاسلاميّة كالنحو
والصرف والمنطق والفقه والأصول والتفسير وما شابه ، وتوّج بالعمّة
المباركة وزيّ رجال الدين ، في الجامع الهاشمي ، على يد سماحة
آيه الله المجاهد الفقيد السعيد السيد اسماعيل الصدر
طاب ثراه ، بعدما حاز على رتبة الأستاذيّة وأصبح الأستاذ
الأوحد في الجامع الهاشمي ، فشاع صيته في الكاظميّة المقدسة
(180)
وبغداد وأصبح منهلاً عذباً للشباب وطلاب الجامعات وطلبة
العلوم القديمة ، وكان إمام جامع الهاشمي ، ومصباح بحبوحته،
ونائب السيد اسماعيل الصدر ، وأخذ يشق طريقه في العلم
والعمل ، والتأليف والتصنيف ، لكي يصل القمة وأقصى م ـ دارج
الكمال ، والفقاهة ، لنبوغه وطموحه الذي قلّما له مثيل ، فطوي
المراحل الثلاثة في دراسة العلوم القديمة من المقدم ـ ات
والسطح والخارج ، حيث تلمّذ في الاولين على يد العلامة النحرير
الشيخ حامد الواعظي وآية الله السيد اسماعيل الصدر في
العراق ، ومن ثّم هجرالى ايران الأسلام ، فقصد الحوزة العلميّة
في مدينة قم المعدسة الثائرة ضدّ الطغاة والجبابرة ، وحضر
درس الخارج لآيه الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني ،
وآية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام
ظلّهما الوارف ، وجاور كريمة أهل البيت السيدة المعصومة
الطاهرة بنت رسول الله السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر
عليهم السلام ، واشتغل مدرساُ في الحوزة العلمية كما كان في
العراق منذ اكثر من ثلاثين سنة ، حتى تخرج على يديه الكريمتين
وأنفاسه القدسيّة ، كثير من المؤلفين والشعراء ورجال الدين
الواعين المخلصين.
فحياته حياة العلم والعمل كلها تدل على السبق والتبحّر
والتعمق في المفاهيم الأسلاميّة والرسالة المحمديّة ، فحاز مراتب
|
الاثر الخالد في الولد والوالد ::: فهرس |
|