المسلمة.
وكان يستلذ المصائب والعذاب في سبيل مبدئه الحنيف ،
فتلقى السجن والزنزانات برحابة صدره وبنفس صابرة محتسبة ،
اذ تعلم أن ذنبها الوحيد ، الدعوة الى الله ، وجريمتها صيحة
الحق والعدالة دوت في الضمائر ، أرسلها بلا هوادة تصرخ في
وجوه الحكان الذين يحكمون المسلمين في البلاد الأسلاميّة :
أن طبقوا الأسلام ، ودستورنا القرآن ، وحكومة الله وعباده
الصالحين ، لا شرقية ولا غربيّة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
أيها البطل المجاهد فقيدنا الغالي ، لقد صبرت وصابرت
حتى أنتصرت وتحملت المشقة والعناء وكابدت الرهق والبأس ،
ومع ذلك وقفت شامخاً على قمة الأعتزاز ورفضت أن تطلب العفو
من الظالمين ، في بطولة المؤمن الذي فنى في حبّ الله ورسوله
وأهل بيته عليهم السلام.
وحب الحق والعدالة والحرية الأنسانيّة ، وماهي الاّ تربية
المدرسة الاسلاميّة الخالدة التي يخرج منها كبارنا الأعلام على
مرّ الدهور وتعاقب الأجيال.
فخرجت من السجن عزيزاً كريماُ رغم أنف الظالمين ، موثوق
الصلة بالسماء ورّبها الرحيم.
ولدت مع المحرومين وعشت مع المستضعفين ، وتركت قلبك
مع الفقراء ، ومنذ عنفوان شبابك كانت البراءة ترافق عيناك وانقضت
(192)
الأيام وأنت تسير على نهج الأسلام وخدمة المسلمين ، وشاركتهم
آلامهم ، وتفجر من قلبك الفضب على الحكومات الجائرة في
العراق وايران ، حتى أرتفعت راية الثورة الأسلامية تكافح الظلم
والأستبداد ، وصرخت في وجه الأمبرياليّة والمتخاذلين : بالموت
وأخيراُ كنت تعايش القضية العراقيّة و بذلت الجهود لخلاص
العراق من فاشستبة صدام الكافر ، وشاركت في الدفاع عن
المهجرين والمهاجرين الذين شردّهم صدام وكغمته الفجرة
من ديارهم ووطنهم العراق الجريح ترافق دوماً الأمين العام
لمكتب الثورة الأسلاميّة في العراق العلامة الحجة المجاهد
السيد المفدي السيد محمد باقر الحكيم وكنت عضده الأيمن.
كنت المشرف العام للهيئة الأدارية في الحسينيّة الكاظمية
في طهران ، والحسينيّة النجفيّة في قم المقدسة ، فكنت عالماً حليماً
شفيقاُ عطوفاً وأخاً رؤوفاً خدوماُ.
كنت دوماً تطلب الشهادة ، ومن يطلب الشهادة لايخاف
الموت ولايهابه ، ولم يكن الموت شبحاً مخيفاً في حياته كما قلتها
على سرير المستشفى آخر ساعات حياتك وحياته البطول ـ ة
والشجاعة والجهاد والمثابرة ، حياة العقيدة والأيمان ، فودّعت
الحياة بزهد وتقوى وورع واجتهاد ، وحلّقت روحك الطاهرة الى
السماء عند مليك مقتدرمع الصديقين والشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا.
(193)
فألف بحيّة وسلام لك يا من كان عملك وجهودك وجهلدك
وحياتك من أجل الفقراء والبؤساء ، من أجل الأسلام وترويج
شريعة السماء السمحاء ، واقامة حدود الله في الأرض واعلاء
كلمة الحق وأدحاض كلمة الباطل.
وأنت في التأريخ من أعزاء الخالدين ، وأروع مثالٍ للأخلاص
والعمل الدائب والطموح المتسامي والخلق الأسلامي والفكر
العملاق والمؤلف المسؤول والمبلغ الواعي والداعيّة الصادق
والعالم الحليم والخلوق الكريم والمسلم الثائر والمجاهد الشهم.
... والأب الحنون والأخ الشفيق والولد البار للأسلام والأمّة
الأسلاميّة ... وأنتم يا شباب الاسلام سيروا.
على درب فقيدنا الراحل السيد العلوي وأمثاله م ـ ن
المجاهدين الصابرين.
سيروا وعلى هامة العزّ وقمة الخلود ، ردّدوا أناشيد
الجهاد والنضال وألحان الشهادة والقتل في سبيل الله..
وأهتفوا الله اكبروالعزة لله ورسوله وللمؤمنين ...
والموت للطغاة والجبابرة وحكام الجور والمستكبرين.
ان تنصروا الله ، الله ينصركم ويثبّت أقدامكم.
وعهداً لفقيدنا العلوي أن نخطوا خطاه ونحي آثاره ومآثره
وأن نكون جنود الأسلام الاوفياء حتى تحرير عراقنا الكئيب من
براثن البعث الصدامي الكافر ، ومخالب الأستعمار الأمريكي ،
(194)
والبريطاني والروسي وكل الأجانب عهداُ لفقيدنا الغالي أن
نحرّر العراق بقيادة قائد الأمة الأسلاميّة الأمام الخميني
العظيم دام ظله ، والأسلام يومئذ يحكم العراق وكل البلاد
المضطهدة ان شاء الله تعالى ، ونواصل الثورة حتى ظهور
صاحب الأمر والزمان الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه
وجعلنا من خيرة شيعته وأنصاره وأعوانه.
(195)
حياته الأجتماعيّة والأخلاقيّة :
أروع مثال كان يضربه شهيد الأسلام المفكر الأسلامي
الأكبر مولنا الصدر قدس سرهّ ، لرجل الدين والداعية الناجح :
هو فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب ثراه ، وحقاُ كان ذالك.
لنشاطاته الدينيّة وعمله الدؤوب المتواصل بلا هوادة ولا هوان ،
وبكل اخلاص وتفادي ، فمنذ أن عرف نفسه أحسّ بامسؤوليّ ـ ة
التى وضعها الأسلام على عاتقه ، فجاهد وضحّى بالنفس والنفيس
في سبيل الاسلام والامة الاسلامية وأصبح ملاذا للمحرومين
وملجاً للمستضعفين وعونا للفقراء والمساكين ، وأبا شفيقاً للشباب
وأخا حنونا للشيبة ، وسعى سعيه في إصلاح الفرد والمجتمع أينما
حلّ وأرتحل ، ورسم للأجيال خطوط النهضة الأصلاحيّة والانتفاضة
الأجتماعيّة ضّد الفساد والأنحطاط الخلقى ، وهذا جزءلازم على
طريق الدعوة والحركة التى أرشدنا اليه الأسلام ، وبغيره يكون
تصوّر الأصلاح والتغير والبناء سراب بقيع ، اذ الأسلام دي ـ ن
الأنسانيّة الصالح لكلّ زمان ومكان ، فكان يعتقد ويعمل بقول
رسول الله صلى الله عليه وآله ( خير الناس من نفع الناس ).
فسيدنا الراحل ، ناضل وجاهد في سبيل إصلاح المجتمع
من أجل العقيدة ومن أجل أحياء معالم الأسلام ونشر مفاهيمه
الساميّة التى تهدي الرشاد وطريق الصواب.
جاهد بنفسه وبكل ما يملك من اجل الدين الأسلامي
(196)
وقرآنه الخالد ، فتركز عمله ـ بيانا وجوارحاً ـ على التربيّة والأصلاح
كأجداده الطاهرين عليهم السلام وحزم نفسه لخدمة الأمة
والشعوب والجماهير المؤمنة مهما كانت الظروف والأحوال
وأستمر على العمل في هذا السبيل والطريق الوعر الملئ
بالأشواك ، رغم ما كان يمر به من مشاكل مادية وأجتماعية ، وجفاء
الخلق ، ومتاعب تفسية وروحيّة واجهها بصمود ومثابرة وأيمان
لا يلين ، وقوة وعزم لا يفل ، وذلك شأن الّداعي المؤمن الصادق
دائماً.
انه يؤمن بالأسلام كمبدأ وعقيدة بكلّ وجوده ودرص الأسلام
حتى شهد عقله وقلبه انه لا طريق سليم لنجاة الشعوب
المستضعفة من مكالب الطغاة ومخالب المستكبرين سوى الاسلام
القويم اذ يهتف صارخا : كن للظالم خصماً واللمظلوم عوناً.
فالسعادة في الأسلام ، وكانت له في الاسلام مواقف مشرقة
ناصعة لأهل الدين والأنسانية ، فانه رجل العلم والعمل.
وفي كل صفحة من تأريخ الاسلام المجيد عظماء حمل ـ وا
الرسالة الالهيّة بكل تفاد وبطولة ونبل وأخلاص.
اذ لا شك ولاريب ان عبء الأرشاد والأصلاح والترويج
الأسلامي عبء ثقيل ، يقع على اكتاف العظماء المنتخبين في
المجتمعات الأنسانية ، وهم دوماُ الطريق المنير المتلاءلأ لأنقاذ
الجمهور من ظلمات الجهل والشرك والفساد الى جنة الطهر
(197)
والعلم والتوحيد.
وكان فقيدنا العلوي واحد منهم ، واليكم نيذة يسيرة من
خدماته الأجتماعيّة ومشاريعه الاسلامية والاصلاحيّة.
1 ـ تأسس موكب ( الكاشانيون ) في الكاظمية المقدسة
بمعيّة والده الماجد الرجل الحسيني الصالح السيد حسين
قدس سرهما ، وأخيراً سمى الموكب بأسم ( موكب الجوادين ).
لأقامة المجالس الحسينية وعزاء جدّه الأطهر سيد
الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، اذ المواكب
الحسينية تعتبر مدرسة الأجيال المسلمة ودروسها الفداء
والتضحية من أجل العقيدة فانّ الحياة عقيدة وجهاد.
2 ـ موكب العبيديّة في الجامع العبيدي في بغداد.
3 ـ موكب حي طارق في الجامع العلوي في بغ ـ داد ، العراق.
4 ـ تأسيس ( هيئت علوي ـ قم ـ ايران الثورة عام 1391 ).
5 ـ تأسيس ( هيئت محلّه مسجد علوي / قم / 1394.
6 ـ تأسيس ( الجامع العلوي ) في بغداد عام 1388 هـ.ق.
7 ـ تأسيس وبناء ( مسجد علوي ) في قم عام 1393.
8 ـ مكتبه الأمام علي بن الحسين عليه السلام العامه في الجامع العلوي.
9 ـ تأسيس ( كتابخانه عمومي الأمام علي بن الحسين عليه
(198)
السلام في مسجد علوي ).
10 ـ مدرسة العلوي الدينيّة أسست عام 1376.
11 ـ تأسيس وبناء ( مسجد بني هاشم ـ قم ـ عام 1398.
12 ـ تأسيس ( مجمع الآثار ) في ( مسجد علوي ).
وله المشاريع الأسلامية الأخرى في ايران الثورة الأسلامية
وعراقنا الجريح المضطهد تحت نير الطغاة صدام وجلاوزته
وطغمته التكريتيّة ، خذلهم الله عاجلاً أن شاء الله تعالى.
وأما خلقه ـ رحمه الله ـ لربّما يعجز القلم عن وصفه ، فانّه
حسن الخلق ، طيّب القلب يحب العباد ويخدمهم ، رحيم شفيق
صبور ، وله خصائص أخلاقية يمتاز بها عن الآخرين : مثل البساطة
بتمام المعنى فلا تكلّف في حياته الأجتماعيّة ، ومثل الطهارة
والقداسة حتى قال في حقه فقيد الأسلام آيه الله السي ـ د
اسماعيل الصدر في مجمع من رجاله مشيراً الى السيد العلوي
( ان هذا السيد أطهرمن ماء السماء ).
ثغره باسم دوماً حتى في الشدائد ، وكان يعتقد ويردد
قول المعصوم عليه السلام ( المؤمن بشره في وجهه وحزنه في
قلبه ) ومن خصائصه الصبر على البلايا والرزايا ، حتى ضرب المثل
به سيما بعد فقد أربعة من اولاده الأبرياء وأفلاذ أكباده في
ليلة واحدة.
في سانحة تجرح القلوب وتكلم الافئدة وتقطر المهادماً ،
(199)
وذلك ليلة الثورة الأسلامية في ايران الحبيبة ليلة ( 21 بهمن )
حينما ذهبوا الأفلاذ الى مسجد جمكران ، مسجد صاحب
الزمان ـ قريب قم المقدسة ـ ليدعوا لقائدهم المفّدى الأمام
الخميني العظيم وثورته الأسلاميّة المجيدة بالنصر والنجاح ،
فوافاهم الأجل عشية الجمعة قريباً من المسجد الشريف ، وجرعوا
كأس الشهادة وسبحوا في دمائهم الطاهرة ، كي يسقوا شجرة
الأسلام بالدماء ، ويرفعوا راية الاسلام خفاقة عالية ترفرف على
ربوع العالم بأجسادهم الملطخة بالدماء الزكيّة عليهم سلام الله
وقدس أرواحهم البريئة الطاهرة ، وأسكنهم مع ابيه وحشرهم
مع جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله في فسيح جنات ـ ه
وفردوسه الأعلى مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ومن أخلاقه البارزة حبّه وولعه في طلب العلم وطموحه في
طلب العلي والمعارف الساميّة ، والعمل المتواصل ليل نهار
بلا فتور ولا جمود.
انه كان مع الشعب اذ يرى نفسه من الشعب والى الشعب
يفكر في الجماهير اكثر ممّا كان يفكر بنفسه ، وحتى عائلته يجالس
الجاهل ليعلّمة ، والعالم ليذكره ، والفقير ليواسيه ، والغنى ليوصيه
بالفقراء ، والمقاتل في سبيل الله ليقوي معنوياته ، والشاب ليثقفه ،
والجميع يعاشرهم بودّ وشفقةٍ ورحمةٍ ليهديهم الصراط المستقيم
ويرشدهم الى أحكام القرآن وقوانين الأسلام.
(200)
وبهذا استحقّ أعجاب وحب الجماهير سيما الشباب الواعي
المتعطش لمنهل علمه العذب ... وأخيراً حياته مدرس ـ ة
الأخلاق جيلاُ بعد جيل ...
فعاش سعيداُ ومات سعيداً ويحشر سعيداً ان شاء الله.
واليكم البيان الذي أصدره مكتب السيد الحكيم ومؤسسة
الشهيد الصدر في طهران يوم وفاته ثم يليه حياه الفقي ـ د
السعيد بقلمه المبارك وخطه الشريف وقد طبع أواخر كتابه
( لباب المعالم ).
ثم ختاما كلمه الأسره المفجوعة ( آل العلوي )
ونوافيكم لقطات مصوّرة من حياته الخالدة ولا حول ولا قوة
الاّ بالله العلي العظيم.
رحم الله من قرء سوره الفاتحه على روحه الطاهره ولكم
جزيل الاجر والثواب.