وفي الخبر : « أوحى الله إلى موسى أنّي إذا أحببت عبداً ابتليته ببلاء لايقوى عليه الجبال لأنظر كيف صدقه ، فإن وجدته صابراً اتّخذته وليّاً وحبيباً ، وإن وجدته جزوعاً يشكو إلى خلقي خذلته ولم أبال ». (1)
ثم إنّ لهذه المقامات عرضاً عريضاً (2) لا غاية لها لإناطتها بمعرفة الله تعالى ، وهي غاية لاتدرك ، فكلّ من حصل له بقدر استعداده وسعيه من المعرفة حصلت له من تلك المقامات بقدرها ، فالصادق في كلّ مقام هو الواصل إلى ما يمكنه في حقّه.
الصمت من أفضل وأحسن الملكات.
وفي النبوي صلى الله عليه وآله : « من صمت نجيا ». (3)
وعنه صلى الله عليه وآله : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ». (4)
وعنه صلى الله عليه وآله : « إذا رأيتم المؤمن وقوراً صموتاً فادنوا منه ، فإنّه يلقي الحكمة ». (5)
وقال عيسى بن مريم عليه السلام : « العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت وجزء في الفرار عن الناس ». (6)
وقال الباقر عليه السلام : « كان أبوذرّ يقول : يا مبتغي العلم : إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ ، فاختم على لسانك كما تختم على ورقك
1 ـ جامع السعادات : 2/338 ـ 339 ، المحجة البيضاء : 8/147 ، وفيه : « لا تقوم لها الجبال ».
2 ـ في النسخ : عرض عريض.
3 ـ المحجة البيضاء : 5/192.
4 ـ المحجة البيضاء : 5/194.
5 ـ المحجة البيضاء : 5/195.
6 ـ المحجة البيضاء : 5/196.
(342)
وذهبك ». (1)
وقال صلى الله عليه وآله : « إنّما شيعتنا الخرس ». (2)
وقال الصادق عليه السلام : « الصمت كنز وافر ، وزين الحليم ، وستر الجاهل ». (3)
وقال الرضا عليه السلام : « من علامات الفقه العلم والحلم والصمت ، إنّ الصمت باب من أبواب من أبواب الحكمة ، إنّ الصمت يكسب المحبّة ، إنّه دليل على كلّ خير ». (4)
والأخبار كثيرة لاتحصى.
على أن جميع آفات اللسان كالكذب والغيبة والبهتان وأنواع الأذيّة من المزاح والسخرية والافساد بين الناس والسعادية والنميمة وغيرها ممّا سلف بعضها وسنذكر بعضها الآخر إنّما تنشأ من اللسان ، وهو أضرّ الجوارح بالانسان ، وأعظم آلة في إهلاكه للشيطان ، وهي وإن كانت من المعاصي الظاهرة الا أنّ تكريرها يؤثر في النفس فتصير ملكة ، فمراقبته أهم ، ومحافظته الزم.
قال بعض العلماء (5) : إنّ اللسان وإن كان صغيراً جرمه لكن عظيم طاعته وجرمه ، إذ لا يظهر الكفر والايمان الا بشهادته ، ولا يهتدى إلى إصلاح النشأتين الا بدلالته ، وما من شيء الا وهو متعرّض له بنفي أو إثبات ، إذ كلّ معلوم يعبّر عنه باللسان والعلم يتناول جميع الأشياء ، وهذا خاصة اللسان دون سائر الجوارح لاختصاص العين بالألوان والصور ، والآذان
1 ـ الكافي : 2/114 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت ، ح10.
2 ـ الكافي : 2/113 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت ، ح2.
3 ـ الاختصاص : ص232.
4 ـ الكافي : 2/113 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت ، ح1.
5 ـ الظاهر هو أبوحامد الغزالي ، فراجع المحجّة البيضاء : 5/190 ـ 191 ترى أنّ المصنّف نقل كلماته بالمعنى.
(343)
بالأصوات ، والأيدي بالأجسام ، وكذا غيرها ، واللسان رحب الميدان ، وسيع الجولان ، ليس له مردّ ولا لمجاله منتهى ولا حدّ ، فله في الخير مجال رحب ، وفي الشر مجرى سحب ، فمن أطلق عذب اللسان وأهمله مطلق العنان سلك به الشيطان إلى أودية الخذلان ، وساقه إلى شفا جرف هار ، إلى أن يضطرّه إلى الهلاك والبوار ، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
« لاتكبّ الناس على مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم ». (1)
فلا منجى من شرّه الا أن يلجم بلجام الشرع ، فإنّ علم ما يحمد إطلاقه فيه ويذمّ غامض ، وهو أعصى الأعضاء على الانسان ، إذ لا تعب في تحريكه ، فلا يجوز التساهل في الاحتراز عن آفاته وغوائله ، والحذر عن مصائده وحبائله.
ولذا ورد الأخبار في ذمّه ، والأمر بالاجتناب والاحتراز عن غوائله كثير.
قال النبي صلى الله عليه وآله : « من تكفّل لي ما بين لحييه ورجليه أتكفّل له بالجنّة ». (2)
وقال صلى الله عليه وآله : « من وقي شرّ قبقبه وذبذبه ولقلقه فقد وقي ». (3)
وقيل له : ما النجاة؟ قال صلى الله عليه وآله : « املك لسانك ». (4)
وقال صلى الله عليه وآله : « إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلّها تستكفي اللسان أي تقول : اتقّ الله فينا فإنّك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ». (5) وغير ذلك.
ومنه يظهر أنّ السكوت مع سهولته أحسن الأعمال وأنفعها للانسان ،
1 ـ الكافي : 2/115 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت ، ح14 ، وفيه : « وهل يكبّ الناس ».
2 ـ المحجة البيضاء : 5/192.
3 ـ المحجة البيضاء : 5/195.
4 ـ المحجة البيضاء : 5/192 ، وفيه : « املك عليك لسانك ».
5 ـ المحجة البيضاء : 5/193.
(344)
ولذا قال لقمان لابنه : « لو زعمت أنّ الكلام من فضّة ، فإنّ السكوت ذهب ». (1)
« وكان الربيع بن خثيم يضع قرطاساً بين يديه فيكتب ما يتكلّم إلى العشاء فيحاسب ما له وما عليه ويقول : واه! نجا الصامتون وبقينا ». (2)
وهو من أخلاق الأنبياء وشعار الأوصياء.
قال الصادق عليه السلام : « الصمت من شعار المحقّقين بحقائق ماجرى به القلم ». (3) تنبيه
قد تبيّن ممّا ذكر حسن الصمت وفوائده وغوائل الكلام ومفاسده ، الا أنّ للكلام أيضاً فوائد كثيرة ، فإنّ الله لم يجعل بينه وبين رسله معنى يكشف ما أسرّ إليهم من مكنونات علمه ومخزونات وحيه غير الكلام ، وكذا بينهم وبين الأمم ، إذ لايمكن تحصيل المعارف بالعقل والنقل الا بوساطته ، ولا يتحقق أشرف العبادات أعني الصلاة الا به ، ولا هداية الناس وإرشادهم إلى ما فيه خيرهم الا به ، فلابدّ للعاقل أن يقدّم التروّي في كلامه ، ويعرضه على عقله ، فإن كان مشتملاً على مصلحة تكلّم والا سكت ، فحسن الصمت إنّما هو بالنسبة إلى فضول الكلام وما يضرّ بدينه ودنياه لامطلقاً.
الخمول شعبة من الزهد ، وهو من صفات الموحّدين المستأنسين بالله تعالى ، كما ينادي به كتب السير والتواريخ ، وقد كثر مدحه في الأخبار والآثار.
1 ـ الكافي : 2/114 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت ، ح6 ، مع اختلاف.
2 ـ مصباح الشريعة : الباب 27 ، في صمت ، مع اختلاف.
3 ـ مصباح الشريعة : الباب 27 ، في صمت مع اختلاف.
(345)
قال النبي صلى الله عليه وآله : « إنّ من أمتي من لو أتى أحدكم يسأله ديناراً لم يعطه إيّاه أو سأله درهماً لم يعطه إيّاه ، ولو سأل الله الجنّة أعطاه إيّاه ولو سأله الدنيا لم يعطها إيّاه وما منعها إيّاه لهوانه عليه ». (1)
وقال صلى الله عليه وآله : « إنّ أغبط أوليائي عندي مؤمن ضعيف (2) وذو حظّ من صلاة أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السرّ والعلانية ، وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع ، وصبر على ذلك ،
قلّ تراثه وقلّت بواكيه ». (3)
وتقدّم أيضاً ما يشبهه.
ثم من تأمّل في آفات الجاه والشهرة ديناً ودنيا كما أشرنا إلى بعضها سابقاً أحبّ الخمول واستوحش من الجاه والقبول.
ومنها : الحياء ، أي انقباض النفس وانزجاره عن ارتكاب القبيح العرفي أو العقلي أو الشرعي وهو من جودة الطّيع وكرمه ، ومن فضائل الملكات وشرائف الصفات ، وما بعث الله نبيّاً الا حييّاً ، وقد أشرنا إلى بعض ما يدلّ على مدحه من الأخبار ، وذكرنا أنّ الحياء مما ليس بقبيح من ضعف النفس.
ومنه يظهر أنّ بعضاً منه من فضائل القوّة الشهوية وهو الممدوح منه ، وبعضاً منه من رذائل الغضبية من طرف التفريط.
والأصحاب أطلقوا الكلام في عدّه من أنواع العفّة ، ولعلّ مرادهم منه القسم الأول خاصّة ، كما يظهر من تفسيرهم ، فالاستحياء من الأمر
1 ـ المحجة البيضاء : 6/110 مع اختلاف خصوصاً في آخره ففيه : « وما منعها إيّاه الا لهوانها عليه ».
2 ـ كذا في « ج » وفي « الف » و« ب » : « الحاذر ، ذو حظّ » والصحيح كما في المحجة البيضاء وسنن ابن ماجة أيضاً (الرقم 4117) « خفيف الحاذ » والمعنى خفيف الحال أو خفيف الظّهر من العيال كما في النهاية : 1/457 (حوذ).
3 ـ المحجة البيضاء : 6/111 ، مع اختلاف وزيادة.
(346)
بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك من ذمائم الصفات ، فمنه ما هو محرّم شرعاً مثل ذلك ويدلّ عليه ما يدلّ على حرمة التهاون فيهما ، وسيذكر بعض منه ، ومنه ما هو مكروه مثل الاستحياء عن بعض المستحبّات كالامامة والوعظ فيما لايشتمل على خطر ، ومنه ما ليس كذلك ، بل مباح ، الا أنّه لترتّبه على ضعف النفس المذموم يستحسن تركه وإن لم يكن بخصوصه مرجوحاً ، فافهم.
ومنها : استواء السرّ والعلانية ، أو كون الباطن خيراً من الظاهر ، وهو من شرائف الصفات ، وقد طلبه النبي صلى الله عليه وآله من الله تعالى في بعض الأدعية ، وكان ذلك أهمّ مقاصد السلف ، ومن تأمّل فيما ورد في ذمّ النفاق ومفاسده وما ورد في مدح موافقة الظاهر للباطن وتقديم الرويّة في كلّ ما يصدر عنه من قول أو فعل لم تصعب عليه المحافظة المذكورة على هذه الخصلة التي هي من شرائف الأخلاق ، ولا التجنّب عن رذيلة النفاق.
الصبر ثبات النفس وسكونها في فعل ما يشقّ عليها فعله ، أو ترك ما يشقّ عليها تركه ، أو نازلة نزلت بها غير مقدورة لها.
وبعبارة أخرى : ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى ، وذلك لما عرفت من أنّ بين العاقلة وخصيميها تنازعاً وتدافعاً ، فإن غلبت عليهما بحيث صارتا مسلّمتين لها في الأمر والنهي ، محكومتين تحت حكمها لم يحدث للنفس في ترك القبائح وفعل المحسن تزلزل واضطراب ، بل كانت مطمئنّة كما أشير إليها في الكلام الإلهي بقوله تعالى :
« يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة ». (1)
1 ـ الفجر : 27 ـ 28.
(347)
فهي حينئذ متّصفة بوصف الصبر والثبات ، وإن غلبتا عليها فسلّمت الأمر إليهما بالمرّة كانت النفس أمّارة بالسوء خفابت وخسرت كما قال تعالى « وقد خاب من دسّيها ». (1)
وإن طال التشاجر بينها فربما غلبتا عليها بالإقدام على المعاصي ، وربما غلبت عليهما باللوم والندامة ، فهي حينئذ لوّامة فيحث لها عند عروض داعي الهوى اضطراب عظيم لجذبهما لها إلى مايدعوانها إليه ومنعها إيّاهما عنه ، وحينئذ فإن غلب داعي الهوى ولم يقدر على ترك مايدعوه إليه ألحقت بالثانية ، وإن جاهد في دفعه إلى أن وفّقه الله للغلبة عليه تركه لما يدعوه إليه سمّي فعله ذلك تصبّراً.
ثم إذا استديم ذلك منه وقوي تصديقه بما في العاقبة من الحسنى وكرّر المجاهدة في دفع داعي الهوى تيسّر له ذلك بسهولة من غير تحمّل كلفة ، كما قال تعالى « وأمّا من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسّره لليسرى ». (2)
وحينئذ يصير من زمرة الطائفة الاولى متّصفاً بالصبر والثبات ، ثم يورثه الله بعد رسوخ هذه الصفة التي هي من أشرف الصفات مقام الرضا بما يقدّر له من الحالات ثم ينتقل إلى مقام المحبّة التي هي من أعلى المقامات وغاية الغايات.
فظهر ممّا ذكر أنّ مقام الرضا أعلى من الصبر.
قال صلى الله عليه وآله : « اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكرهه خير كثير ». (3)
ثم الصبر قد يطلق على خصوص الثبات في المكاره الذي يقابله
1 ـ الشمس : 10.
2 ـ الليل : 5 ـ 7.
3 ـ المحجة البيضاء : 7/120.
(348)
الجزع ، وعلى الثبات [ في الحروب خاصّة ، وعلى الثبات ] (1) في كظم الغيظ والعفو عن الناس وهو التحلّم ، وهذه الثلاثة من أنواع الشجاعة ، وعلى تحمّل مشقّة الطاعة فيكون من أنواع العدالة التي هي عبارة عن اعتدال القوى الثلاث وعلى الثبات في ترك شهوة البطن والفرج ، وهو من أنواع العفّة ، والصبر من فضول العيش وهو الزهد من أنواعها أيضاً ، وعلى كتمان السرّ الذي يقابله الاذاعة ، وهو ممّا يحتمل الأمرين.
فظهر أنّه من أمّهات الفضائل.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله لما سئل عن الايمان : « إنّه الصبر ». (2)
وقال بعض العرفاء : إنّ للصبر على المكروه [ من حيث ذاته ] (3)
درجات ثلاث :
أوّلها : درجة التائبين ، أي ترك الشكوى إلى الغير ، بل إلى الله تعالى أيضاً.
وثانيها :درجة الزاهدين ، وهي الرضا بالمقدور.
وثالثها : درجة الصدّيقين ، هي المحبّة لما يصنعه مولاه. وكذا من حيث الغاية.
فأوّلها : صبر المرائين الذين يعملون (4) ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون ،وهو ما كان باعثه الاشتهار عند الناس بقوّة النفس والثبات ، كما قال معاوية عند موته :
وتجلّدي للشامتين اريهم
أنّي لريب الدهر لا أتزعزع
وثانيها : صبر المتّقين ، وهو ما يكون باعثه توقّع الثواب نيل الدرجات.
1 ـ ساقط من « ج ».
2 ـ المحجة البيضاء : 7/107.
3 ـ ساقط من « ج ».
4 ـ كذا في النسخ ، والظاهر : يعلمون.
(349)
قال الله تعالى : « إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ». (1) وثالثها : صبر الصدّيقين ، وهو ما يكون باعثه المحبّة لما يصدر عن الحبيب فيستقبله برحب على سكينة ووقار ، وهو الذي أشير إليه بقوله : « والله مع الصابرين » (2) كما قال الصادق عليه السلام. (3)
وفي الخبر : « أنّ جابراً لما سأله الباقر عليه السلام من حاله ، قال : أنا في حال الفقر أحبّ إليّ من الغني ، والمرض أحبّ إليّ من الصحّة ، والموت أحبّ إليّ من الحياة ، فقال عليه السلام : أمّا نحن أهل البيت فما يرد علينا من الفقر والغنى والمرض والصحّة والموت والحياة فهو أحبّ إلينا ... الخبر ». (4)
ثم إنّه تجري فيه الاحكام الخمسة فيجب عن المحرّمات وعلى الواجبات ، ويستحبّ على المستحبّات ، ويحرم على ما يحرم تحمّله شرعاً ، كالصبر عل هتك عرضه بشهوة محظورة ، ويكره على ما يكره في الشرع ، ويباح على المباحات من حيث كونها مباحة.
ثم انّ الكتاب والسنّة قد أكثر من الحثّ عليه بما ليس في غيره ، لكونه من أمّهات الفضائل المستلزم حصوله لحصول أكثرها ، فقد ذكره الله تعالى في نيّف وسبعين موضعاً من القرآن.
وقال النبي صلى الله عليه وآله : « الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا رأس لمن الجسد له ، ولا إيمان لمن لا صبر له ». (5)
وقال : « ما تجرّع عبد جرعتين قطّ أحبّ إلى الله من جرعة غيظ ردّها بحمله ، وجرعة مصيبة يصبر لها ». (6)
1 ـ الزمر : 10.
2 ـ البقرة : 249.
3 ـ مصباح الشريعة : الباب 91 ، في الصبر.
4 ـ جامع السعادات : 3/285.
5 ـ المحجة البيضاء : 7/108 ، عن عليّ عليه السلام ، وفيه : « لا جسد لمن لا رأس له » وهو الصحيح.
6 ـ المحجة اليبضاء : 7/233 مع اختلاف.
(350)
وفي الخبر : « أوحى الله تعالى إلى داود : تخلّق بأخلاقي ، ومن أخلاقي أنّي أنا الصبور ». (1) تلخيص
ما يلقاه العبد في الدنيا إما موافق لطبعه كالصحّة واتّساع الجاه والمال وكثرة الأعوان والأولاد ، أو مخالف كالمصائب والأعمال الشاقّة وترك المعاصي.
فالأوّل إن لم يصبر عليه الانسان أدركه البطر والطغيان.
« إنّ الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى ». (2)
ولذا قيل : الصبر على العافية أشدّ من الصبر على البلاء.
ومن هنا قال تعالى : « لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله » (3) « إنّما أموالكم وأولادكم فتنة لكم ». (4)
فالحري بحاله ترك الانهماك في التنعّمات والتعلّق بها والاعتماد عليها بترك التفاخر على فاقديها ورعاية حقوق الله فيها ببذلها ، وفي البدن والجاه بإعانة الضعفاء والمساكين وإغاثة الملهوفين ودفع الظلم عن المظلومين ، وهذا أشدّ مراتبه على الانسان لتمكّنه من التمتّع بها وميل الطبع إليها وعدم حاجز شرعي عنها.
والثاني لا يخلو عن قسمين :
إمّا مقدور له وهو أيضاً على قسمين :
الأول : فعل ما يشقّ فعله عليه كالطاعات ، والسرّ في صعوبتها أوّلاً : أنّ النفس بطبعها مائلة إلى الربوبية والتعزّز ، نافرة عن التذلّل ، كما أشير إليه فيما مضى.
1 ـ المحجة البيضاء : 7/107.
2 ـ العلق : 6 ـ 7.
3 ـ المنافقون : 9.
4 ـ التغابن : 15.