الشامل الكامل ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفعَلُونَ ) (1) للجاجتهم وقد أتعبتهم
هذه المواصفات وأبهضهم ثمنها ، إذ لم تكن هناك إلاّ بقرة واحدة تتمتع
بهذه الاَوصاف النادرة ، ولم يعثروا عليها إلاّ بشق الاَنفس ، فلو رفقوا
بأنفسهم لرفق الله بهم ، ولكنّهم ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال : « لولا أنّ بني إسرائيل قالوا : ( وإنّا
إن شَاءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) ما اُعطوا أبداً ، ولو أنّهم اعترضوا بقرةً من البقر فذبحوها
لاَجزأت عنهم ، ولكنّهم شدّدوا فشدّد الله عليهم » (2).
وعن الاِمام علي عليه السلام : « لكلِّ دين خلق وخلق الاِيمان الرفق » (3).
فالرفق إذن خلق الاِيمان وهذا يعني إنّك لا تجد مؤمناً حقاً إلاّ وتجده
رفيقاً وسهلاً ليّناً عطوفاً رؤوفاً ، ولا تجد متمتعاً بهذه الخصال إلاّ ووجدته
سهل الانقياد إلى الاِيمان.
اللّهم أعنا على أن نرفق بأنفسنا وبمن حولنا ولا تحرمنا رفقك ولطفك
يا أرحم الراحمين.
1 ـ البقرة 2 : 71.
2 ـ الميزان في تفسير القرآن 1 : 104. والكشاف ، للزمخشري 1 : 151. وتفسير القرآن العظيم،
لابن كثير 1 : 115.
3 ـ غرر الحكم : 542 | 32 ، ط دار الكتاب الاسلامي.
إنَّ نظرية الاِسلام في الاَخلاق الاجتماعية تقوم على الرفق واللطف
والتسامح والتجاوز ، من غير ضعف ولا مداهنة بل من أجل الهداية للرشد
والتكامل.
إنّ القرآن المجيد يعتبر التخلّق باللين ومجانبة الفظاظة والغلظة من أهم
عوامل استقطاب الناس في درب الحق ، ويدعو إلى العفو عن المسيء
والاستغفار للمذنب ومشاورتهم في الامور العامة ، والعزيمةُ بعد ذلك من
حصة القيادة الشرعية.
إنّ القرآن يأمر بخفض الجناح للمؤمنين رفقاً بهم وتواضعاً لهم وإعزازاً
لشخصيتهم.
إنّ القرآن يصف عباد الله المتواضعين بقوله : ( وعبادُ الرحمن الذينَ
يَمْشُونَ على الاَرضِ هَوْناً ) أي من غير استعلاء ( وإذَا خَاطَبهُمُ الجاهِلُونَ
قَالُوا سَلاماً ) (1) أي لا يمارون بل يرفقون بالآخرين ولا يحمّلوهم فوق
مايطيقون.
ويعتبر المتواضعين في سيرهم الرسالي هم الرحمانيون ما داموا
متخلقين بالرحمة.
1 ـ الفرقان 25 : 63.
(64)
إنّ القرآن يرى الهجر الجميل هو النموذج الرسالي الواعي في عملية
التبليغ ، ويرفض ترك الآثار السلبية في نفوس المعاندين مادام هناك أمل
للعودة للتبليغ في وسطهم.
إنّ القرآن يلزم أتباعه بأن يدفعوا السيئة بالحسنة وبالطريقة الحسنى
ويريد منهم أن يتعاملوا مع الآخرين تعامل الولي الحميم رفقاً بهم من أجل
خيرهم وصلاحهم.
إنّ القرآن يعتبر المتخلقين بذلك هم من اُولي الحظ العظيم في السجايا
الفاضلة. ومن أهل الكرامة والنعيم الاَبدي.
إنّ أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأكد على الرفق وتنعته بأفضل النعوت ، فهو
اليمن والبركة والجمال في الجوهر والمظهر ، وهو الخير والكرم ونصف
المعيشة ووزير الحلم.
إنّ الاحاديث الشريفة تؤكد أنّ الله رفيق ويحب الرفق في الاَمر كله ،
وأنّ الله سبحانه يعين على الرفق.
إنّ الاِسلام يأمر بالرفق بالحيوان ويحاسب على ذلك دنيا وآخرة.
إنّ أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة المطهرة عليهم السلام تقول : إرفق
بالآخرين يُرفق بك.
إنّ الرفق رأس الحكمة.
إنَّ من لا يستحق الرفق يكون الرفق معه خرقاً.
إنَّ من لم يصلحه الرفق تصلحه الشدة.
(65)
إنَّ من الرفق الرفق بالنفس ، وعدم تحميلها ما لا تطيق تحت شعار
العبادة.
إنَّ من يضيّق على نفسه يضيّق الله عليه.
على العقل أن يمكر ويخطط لمواجهة مكر النفس وخداعها.
نهي الجهّال عن التعمّق في الدين من غير وعي.
إنَّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.
إنَّ الرفيق من أعانك على صلاح دينك.
إنَّ الاِيمان يفضي إلى الرفق وإنَّ الرفق يفضي إلى الاِيمان.