كتاب ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت عليهم السلام ::: 111 ـ 113
(111)
اصلاح النفس والمجتمع ، والمحافظة على سلامة الانسان السلوكية وصحته
النفسية والروحية ، والايمان بالله تعالى وباليوم الآخر يحرر الانسان من
الانسياق وراء الشهوات بلا قيود ولا حدود ، والخوف من أهوال يوم القيامة
يمنع الانسان من ممارسة ألوان الفسق والانحراف.
ومنهج العبادات يعمل على تعميق الايمان بالله ويجعل الرقابة الالهية حقيقة
تسري في جميع جوانح الانسان ، والعبادات بكل ألوانها تغرس في نفسه المثل
المعنوية التي يتعالى بها على جميع ألوان الانحراف والانحطاط ، فالصلاة تمنح
الانسان الطمأنينة وتنهاه عن الفحشاء والمنكر وتبعده عن جميع الآثام
والانحرافات ، والمداومة على الصلاة المندوبة كفيلة بايصاله إلى السمو
والتكامل الروحي والخلقي.
والصوم يعمّق التقوى في ذات الانسان ، ويقيّد الغرائز والشهوات ، ويهذب
سلوك الانسان ويحصنه من تلويث خلقه ، قال الامام جعفر الصادق عليه السلام : « إن
الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، إنّ مريم عليها السلام قالت : « إنّي نذرت للرحمن
صوماً » أي صمتاً ، فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ولا تحاسدوا ولا
تنازعوا » (1). وهو أحد العبادات التي تساعد على التكافل والتراحم والتي
تساعد على تعميق العلاقات الانسانية التي يتحرك من خلالها الانسان مطمئناً
يشعر بالاخاء والتآزر والتعاطف.
والحج عبادة لها آثارها الايجابية على سلامة الانسان السلوكية والنفسية
والروحية ، وهو يمنح الانسان فرصة جديدة لتجاوز الانحرافات والآثام
السابقة ، والبدء بحياة جديدة تغمرها الاستقامة والخلق الرفيع ، قال الامام
1 ـ الكافي : 4 / 89.
(112)
علي بن الحسين عليه السلام : « حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتسع أرزاقكم ،
وتكفون مؤونات عيالكم ... الحاج مغفور له وموجب له الجنة ، ومستأنف له
العمل ، ومحفوظ في أهله وماله » (1).
والعبادات المالية كالزكاة والخمس تخلق التوازن بين الطبقات وتعمق
الأواصر الاجتماعية كالتآلف والتآزر والتعاون ، وتهيء الأجواء التربوية
والنفسية المانعة من الانحراف بسبب الفقر والحرمان ، والمانعة من الأمراض
النفسية الناجمة من عدم اشباع الحاجات الأساسية للانسان.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجمع الطاقات لتنطلق في الاصلاح
والتغيير وقلع جذور الفساد والانحراف واشاعة الأخلاق الكريمة والصفات
النبيلة ، فيتكافل الجميع في المسؤولية التربوية ، فيكون الفرد رقيباً على
ممارسات المجتمع ، ويكون المجتمع رقيباً على ممارسات الفرد ، وبهذه المسؤولية
تتحقق خطوات المنهج التربوي في الواقع بأسرع الأوقات ، وبأقلها عناءً
وكلفة.
والمنهج الاجتماعي له الدور الكبير في انجاح سير وحركة المنهج التربوي ،
فقد وضع أهل البيت عليهم السلام برنامجاً واقعياً في العلاقات داخل الأسرة ، فلكل فرد
من أفرادها حقوق وواجبات يتربى من خلالها الانسان على الأخلاق الكريمة
ليكون عنصراً فعّالأ في المجتمع يأمن من خلالها المجتمع من ممارسة الانحراف
والانحطاط والرذيلة والجريمة.
والمنهج الاقتصادي يهيء الأجواء المناسبة لانجاح المنهج التربوي ، ويمنع
من الانحراف الأخلاقي الناجم عن الفقر والحرمان والاستغلال والظلم
الاقتصادي ، ويوازن بين الطبقات ليحقق التآلف ويمنع من الفقر ومن الثراء الفاحش اللذين
1 ـ الكافي : 4 / 252.
(113)
يشكلان أساس بعض الانحرافات الخلقية.
والمنهج السياسي له دور ملموس في بناء المحتوى الداخلي للانسان
وتهذيب سلوكه الاجتماعي ، والمنع من جميع ألوان الانحراف والانحطاط ،
والمنهج السياسي القائم على أساس الامامة الصالحة يحقق الغاية الأساسية
وهي اتمام مكارم الأخلاق ، بتهيئة أجوائها المناسبة في الواقع.
قال الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام : « انّ الامامة زمام الدين ، ونظام
المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين ، بالامام تمام الصلاة ، والزكاة ،
والصيام ، والحج ، والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وامضاء الحدود
والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة
الحسنة ، الامام المطهّر من الذنوب والمبرأ من العيوب » (1).
وفي حديث آخر قال عليه السلام : « ... يحقن الله عزّوجلّ به الدماء ، ويصلح به ذات
البين ، ويلمّ به الشعث ، ويشعب به الصدع ، ويكسو به العاري ، ويشبع به
الجائع ، ويؤمن به الخائف ، ويرحم به العباد » (2).
واشتراط العصمة في مَن يلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واشتراط العدالة في الفقيه
النائب عن الامام المهدي (عج) ضمان لنجاح حركة التربية وتطبيق قواعد
المنهج التربوي وبقية المناهج الإسلامية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
1 ـ الكافي : 1 / 200. 2 ـ الكافي : 1 / 314.
ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت عليهم السلام ::: فهرس