جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، وإن تراكمت عليه المصائب لم تكسره ، وإن أُسر وقهر واستبدل باليسر عسراً ، كما كان يوسف الصديق الأمين عليه السلام ، لم يضرر حريته أن استعبد وأُسر وقهر ، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته ، وما ناله أن من الله عليه ، فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد أن كان ملكاً ، فأرسله ورحم به أمة ، وكذلك الصبر يعقب خيراً ، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا » (1). وعن الباقر عليه السلام : « الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن اعطى نفسه لذّاتها وشهوتها دخل النار » (2). وعن عليّ عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاث مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ست مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش » (3). وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد » (4). وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزوجل : إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً ، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة عشراً إلى سبعة مئة ضعف وما شئت من ذلك ، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً ، أعطيته ثلاث خصال ، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني.
1 ـ الكافي 2 : 73 / 6 ، مشكاة الأنوار : 21. 2 ـ الكافي 2 : 73 / 7. 3 ـ الكافي 2 : 75 / 15 ، تنبيه الخواطر 1 : 40 ، جامع الأخبار : 135 ، الجامع الصغير 2 : 114 / 5137 منتخب كنز العمال 1 : 208. 4 ـ رواه الكليني في الكافي 2 : 75 / 17 ، وسبط الطبرسي في مشكاة الأنوار : 26 رواه باختلاف في ألفاظه الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن : 16 / 8 ، وابن همام في التمحيص : 59 / 125.
(52)
ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام قول الله عزوجل : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ) فهذه (1) واحدة من ثلاث خصال ( ورحمة ) إثنان ( واولئك هم المهتدون ) (2) ثلاث. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا لمن أُخذ منه شيئاً قسراً » (3).
1 ـ في نسخة « ش » ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : فهذه. 2 ـ البقرة 2 : 156 ـ 157. 3 ـ الكافي 2 : 76 / 21 ، الخصال : 130 / 135 ، مشكاة الأنوار : 279.
وعنه عليه السلام : « الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر (1) ، والصبر عند الصدمة الأولى أعظم ، وعظم الأجر على قدر المصيبة ، ومن استرجع بعد المصيبة جدد الله له أجرها كيوم أُصيب بها ». وسأل رجل النبي صلى الله عليه وآله : ما يحبط الأجر في المصيبة ؟ فقال : « تصفيق الرجل بيمينه على شماله ، والصبر عند الصدمة الأولى ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فعليه السخط ». وعن اُم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها ، إلا آجره الله تعالى في مصيبته ، واخلف له خيراً منها ». قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخلف لي خيراً منه : رسول الله صلى الله عليه وآله (2). وفي لفظ آخر : أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : « ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عزّوجلّ : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللهّم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منه » قالت : فلمّا مات أبو سلمة رضي الله عنه ، قلت : أيّ رجل خير من أبي سلمة ! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثم إنّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلّى الله عليه وآله. [ قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله ] (3) بحاطب ابن أبي بلتعة يخطبني ، فقلت له : إن لي بنتاً وأنا غيور ، فقال : « أما بنتها فادعوالله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيره » (4). وفي حديث آخر : قالت : أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه
1 ـ روى الصدوق في الفقيه 4 : 298 / 900 نحوه. 2 ـ صحيح مسلم 2 : 632 / 4 ، الترغيب والترهيب 4 : 336 / 2 باختلاف يسير. 3 ـ أثبتناه من البحار. 4 ـ الترغيب والترهيب 4 : 336 / 2.
(54)
وآله فقال : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله قولاً سررت به ، قال : « لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول : اللهم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها ، إلا فعل ذلك به ». قالت اُم سلمة : فحفظت ذلك منه ، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت : اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منه ، ثم رجعت إلى نفسي فقلت : من أين لي خير من أبي سلمة : فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا ادبغ إهاباً (1) ، فغسلت يدي من القرظ (2) وأذنت له ، فوضعت له وسادة أدم (3) حشوها ليف فقعد عليها ، فخطبني إلى نفسي صلى الله عليه وآله. فلما فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ، ما بي أن لا يكون لك الرغبة ، ولكني امرأة في غيرة شديدة ، فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به ، وأنا امرأة قد دخلت في السن ، وأنا ذات عيال. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك ، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي » قالت : فقد سلمت نفسي لرسول الله ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالت أم سلمة : فقد أبدلني الله عزوجل بأبي سلمة خيراً منه : النبي صلى الله عليه وآله (4). وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إن للموت فزعاً ، فإذا أتى أحدكم وفاةُ أخيه فليقل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم اكتبه عندك من المحسنين ، واجعل كتابه في عليين ، واخلف على عنقه في الآخرين ، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده » (5). وعن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : « إن النبي صلى الله عليه وآله قال : من اصابته مصيبة فقال إذا ذكرها : إنا لله وإنا إليه راجعون ، جدد الله
1 ـ الإرهاب : الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ « لسان العرب 1 : 217 ». 2 ـ القرظ : شجر يدبغ به ، وقيل : هو ورق السلم يدبغ به الادم. ومنه اديم مقروظ. « لسان العرب 7 : 454 ». 3 ـ الأديم : الجلد ما كان ، وقيل الأحمر ، وقيل : هو المدبوغ « لسان العرب 12 : 9 ». 4 ـ مسند أحمد 4 : 27 ، والبحار 82 : 139. 5 ـ الجامع الكبير 1 : 265 ، الفتوحات الربانية 4 : 124 ، والبحار 82 : 141.
(55)
ـ عز وجل ـ له أجرها ، مثل ما كان له يوم أصابته » (1).
1 ـ الجامع الكبير 1 : 747 ، والبحار 82 : 141.
وعن يوسف بن عبد الله بن سلام : ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا نزل بأهله شدة أمرهم بالصلاة ، ثم قرأ : ( وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها ) (1)(2). وعن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق فأناخ ، فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وانها كبيرة إلا على الخاشعين ) 3 ـ (4). وعنه أيضاً أنه كان إذا أُصيب بمصيبة قام وتوضأ وصلى ركعتين ، وقال : اللهم قد فعلت ما أمرتنا ، فأنجز لنا ما وعدتنا. وعن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت ، قال : لما حضرت عبادة ـ رضي الله عنه ـ الوفاة قال : أخرجوا فراشي إلى الصحن ـ يعني : الدار ـ ففعلوا ، ثم قال : إجمعوا لي موالي وخدمي وجيراني ومن كان يدخل علي ، فجمعوا. فقال : إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا ، وأول ليلة من ليالي الآخرة ، وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء ، وهو ـ والذي ـ نفس عبادة بيده ـ القصاص يوم القيامة ، فاحرج (5) على أحد منكم في نفسه مني شيء من ذلك ، إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي. قال : فقالوا : بل كنت لنا والداً وكنت مؤدباً ، وما قال لخادم سوءاً قط ، قال : أغفرتم لي ما كان من ذلك ؟ قالوا : نعم ، قالوا : نعم ، قال : اللهم أشهد ، ثم قال : أما فاحفظوا وصيتي : أُحرج على إنسان منكم يبكي ، فإذا خرجت نفسي فتوضؤا وأحسنوا الوضوء ، ثم ليدخل إنسان منكم مسجداً فيصلي ، ثم يستغفر لعبادة ولنفسه ، فإن الله عزوجل قال : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) (6) ثم أسرعوا بي ولا تتبعوني بنار ،
1 ـ طه 20 : 132. 2 ـ الدر المنثور 4 : 313. 3 ـ البقرة 2 : 45. 4 ـ الدر المنثور 1 : 68. 5 ـ أي اُقسم. 6 ـ البقرة 2 : 45.
ولا تضعوا تحتي أرجواناً 1 ـ (2). وعن جابر ، عن الباقر عليه السلام ، قال : « أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ، وجز الشعر ، ومن أقام النواح (3) فقد ترك الصبر ، ومن صبر واسترجع وحمد الله ـ تعالى ـ فقد رضي بما صنع الله ، ووقع أجره على الله ـ عزجل ـ ، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم ، وأحبط الله ـ عزوجل ـ أجره » (4). وعن ربعي بن عبد الله ، عن الصادق عليه السلام ، قال : « إن الصبر والبلاء يستبقان إلى المؤمن ، يأتيه البلاء وهو صبور ، وإن الجزع والبلاء يستبقان إلى الكافر ، فيأتيه البلاء وهو جزوع » (5). وعنه عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره » (6). وعن موسى بن بكر ، عن الكاظم عليه السلام ، قال : « ضرب الرجل على فخذه عند المصيبة ، احباط أجره » (7). وعن إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه السلام : « يا أسحاق ، لا تعدن مصيبة اعطيت عليها الصبر ، واستوجبت عليها من الله عزوجل الثواب ، إنما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها ، إذا لم يصبر عند نزولها » (8). وعن أبي ميسرة قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ، فجاءه رجل وشكا إليه مصيبة ، فقال : « أما إنك إن تصبر تؤجر ، وإن لم تصبر يمضي عليك قدر الله عزوجل الذي قدر عليك وأنت مذموم » (9).
1 ـ الأرجوان : صبغ أحمر شديد الحمرة. يعني قماشاً مصبوغاً بهذا اللون. اُنظر « الصحاح ـ رجا ـ 6 : 2352 ». 2 ـ أخرجه المجلسي في البحار 82 : 141. 3 ـ النواح : النساء يجتمعن للنياحة على الميت ، بالبكاء وما يتبعه « لسان العرب ـ نوح ـ 2 : 627 ». 4 ـ الكافي 3 : 222 / 1. 5 ـ الكافي 3 : 223 / 3. 6 ـ الكافي 3 : 224 / 4. 7 ـ الكافي 3 : 225 / 9. 8 ـ الكافي 3 : 224 / 7. 9 ـ الكافي 3 : 225 / 10 باختلاف يسير ، وفيه : عن فضيل بن ميسر.
قال الصادق عليه السلام : « البلاء زين المؤمن ، وكرامة لمن عقل ، لأن في مباشرته ، والصبر عليه ، والثبات عنده ، تصحيح نسبة الإيمان » (1). قال النبي صلى الله عليه وآله : « نحن ـ معاشر الأنبياء ـ أشد بلاء ، والمؤمن الأمثل فالأمثل ، ومن ذاق طعم البلاء تحت ستر حفظ الله له ، تلذذ به أكثر من تلذذه بالنعمة ، ويشتاق إليه إذا فقده ، لأن تحت نيران البلاء والمحنة أنوار النعمة ، وتحت أنوار النعمة نيران البلاء والمحنة ، وقد ينجو منه كثير ، ويهلك في النعمة كثير ، وما أثنى الله تعالى على عبد من عباده ، من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله إلا بعد ابتلائه ووفاء حق العبودية فيه ، فكرامات الله ـ تعالى ـ في الحقيقة نهايات ، بداياتها البلاء ، وبدايات نهاياتها البلاء ، ومن خرج من شبكة البلوى جعل سراج المؤمنين ، ومؤنس المقربين ، ودليل القاصدين ، ولا خير في عبد شكا من محنة تقدمها ألف نعمة ، واتبعها ألف راحة ، ومن لا يقضي حق الصبر على البلاء ، حرم قضاء [ حق ] (2) الشكر في النعماء ، كذلك من لا يؤدي حق الشكر في النعماء ، يحرم عن قضاء [ حق ] (3) الصبر في البلاء ، ومن حرمهما فهو من المطرودين » (4). وقال أيوب عليه السلام في دعائه : « اللهم قد أتى علي سبعون في الرخاء ، فأمهلني حتى يأتي علي سبعون في البلاء » (5). وقال وهب : البلاء للمؤمن ، كالشكال للدابة ، والعقال للإبل (6). وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ورأس الصبر البلاء وما يعقلها إلا العالمون » (7). هذا الفصل كله من كلام الصادق عليه السلام.
1 ـ مصباح الشريعة : 486. (2و3) أثبتناه ليستقيم السياق. 4 ـ مصباح الشريعة : 487. 5 ـ مصباح الشريعة : 489. 6 ـ مصباح الشريعة : 497. 7 ـ مصباح الشريعة : 497.
وقال الصادق عليه السلام : « الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء ، والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة ، والصبر يدعيه كل أحد ، ولا يبين عنده إلا المخبتون ، والجزع ينكره كل أحد ، وهو أبين على المنافقين ، لأن نزول المحنة والمصيبة ، يخبر عن الصادق والكاذب. وتفسير الصبر ما يستمر مذاقه ، وما كان عن اضطراب لا يسمى صبراً ، وتفسير الجزع اضطراب القلب ، وتحزن الشخص ، وتغير اللون ، وتغير الحال ، وكل نازلة خلت أوائلها عن الإخبات والإنابة والتضرع إلى الله تعالى ، فصاحبها جزوع غير صابر ، ( والصبر ما أوله مر ، وآخره حلو لقوم ، ولقوم مر أوله وآخره ، فمن دخله من أواخره فقد دخل ) (1) ومن دخله من أوائله فقد خرج ، ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه الصبر (2). قال الله عزوجل في قصة موسى والخضر عليهما السلام : ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً ) (3) فمن صبر كرهاً ولم يشك إلى الخلق ، ولم يجزع بهتك ستره ، فهو من العام ، ونصيبه ما قال الله عزوجل : ( وبشر الصابرين ) (4) أي : بالجنة والمغفرة ، ومن استقبل البلاء بالرحب ، وصبر على سكينة ، ووقار ، فهو من الخاص ، ونصيبه ما قال الله عزوجل : ( ان الله مع الصابرين ) (5) » (6).
1 ـ العبارة مضطربة في « ش » و « ح » : وما أثبتناه من مصباح الشريعة. 2 ـ مصباح الشريعة : 498. 3 ـ الكهف 18 : 68. 4 ـ البقرة 2 : 155. 5 ـ البقرة 2 : 153. 6 ـ مصباح الشريعة : 501.
كانت العرب في الجاهلية ـ وهم لا يرجون ثواباً ، ولا يخشون عقاباً ـ يتحاظون (1) على الصبر ، ويعرفون فضله ، ويعيرون بالجزع أهله ، إيثار للحزم ، وتزيناً بالحلم ، وطلباً للمروة ، وفراراً من الاستكانة إلى حسن العزاء ، حتى كان الرجل منهم ليفتقد حميمه فلا يعرف ذاك منه ، فلما جاء الاسلام وانتشر ، وعلم ثواب الصبر واشتهر ، تزايدت في ذلك لهم الرغبة ، وارتفعت للمبتلين الرتبة. قال أبو الاحوص : دخلنا على ابن مسعود وعنده بنون له ثلاثة غلمان كأنهم الدنانير حسناً ، فجعلنا نتعجب من حسنهم ، فقال : كأنكم تغبطوني بهم ؟ قلنا : إي والله ، بمثل هؤلاء يغبط المرء المسلم ، فرفع رأسه إلى سقف بيت قصير ، قد عشش فيه الخطاف وباض ، فقال : والذي نفسي بيده لئن أكون نفضت يدي من تراب قبورهم ، أحب إلي من أن يسقط عش هذا الخطاف ، وينكسر بيضه ، يعني : حرصاً على الثواب. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقرىء الناس القرآن في المسجد جاثياً على ركبتيه ، إذ جاء ت اُم ولده بابن له ، يقال له : محمد ، فقامت على باب المسجد ، ثم أشارت له إلى أبيه ، فأقبل ، فأخرج ، فأفرج له القوم حتى جلس في حجره ، ثم جعل يقول : مرحباً بسمي من هو خير منه ، ويقبله حتى كاد يزدرد ريقه. ثم قال : والله لموتك وموت إخوتك أهون علي من عدتكم من هذا الذباب (2) ، فقيل : لم تتمنى هذا ؟ فقال : اللهم غفراً إنكم تسألوني ، ولا أستطيع إلا أن اُخبركم ، اُريد بذلك الخير ، أما أنا فاُحرز اُجورهم وأتخوف عليهم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « يأتي عليكم زمان يغبط الرجل بخفة الحال ، كما يغبط اليوم بكثرة المال والولد ». وكان أبو ذر رضي الله عنه لا يعيش له ولد ، فقيل له : إنك امرؤ لا يبقى لك ولد ، فقال : الحمد لله الذي يأخذهم من دار الفناء ، ويدخرهم في دار البقاء (3).
1 ـ في « ح » يحافظون. 2 ـ في « ش » : الذبان. 3 ـ رواه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال 1 : 212 ، وأخرجه المجلسي في البحار 82 : 142.