هذا العنوان يرجع إلى مسألة التكفير ، وهي مسألة كلامية.
ويمكن البحث فيها أخلاقياً أيضاً ، فإن إتيان الإنسان بحسنة بعد كل سيئة لأجل تكفيرها وتطهير النفس عن الرجز الحاصل منها كاشف عن حالة يقظة للنفس وصلاحها ، وهو يمنعها عن حدوث حالة الغفلة والقسوة فيها ، والمواظبة على هذا النحو من النظافة والنزاهة تورث ملكة المراقبة وتزكية النفس ، وهي من أفضل الملكات.
وقد ورد في الكتاب العزيز : أن ( الحسنات يذهبن السيئات ) (1).
وأن ( من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) (2).
وأن ( من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم ) (3).
1 ـ هود : 114. 2 ـ الفرقان : 70. 3 ـ النمل : 11.
(122)
وورد في النصوص أنه : ما أحسن الحسنات بعد السيئات وما أقبح السيئات بعد الحسنات (1).
وأنه إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعاً (2).
وأن المؤمن يوم القيامة ينظر في صحيفته ، فأول ما يراه سيئاته ، فيتغير لذلك لونه وترتعش فرائصه ، ثم يعرض عليه حسناته فيفرح لذلك نفسه ، فيقول الله عز وجل : « بدلوا سيئاته حسنات ، وأظهروها للناس » فيقول الناس : ما له سيئة واحدة (3).
وأنه ليس شيء قط أشد طلباً ولا أسرع دركاً من حسنة محدثة لذنب قديم (4).
ومن عمل سيئة في السر فليعمل حسنة في السر. ومن عمل سيئة في العلانية فليعمل حسنة في العلانية (5).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص458 ـ الأمالي : ج1 ، ص209 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص384 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص242. 2 ـ المحجة البيضاء : ج7 ، ص85 ـ نور الثقلين : ج2 ، ص497 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص242. 3 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص242. 4 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص243. 5 ـ نفس المصدر السابق.
في أن الحسنات يضاعف ثوابها ، ويعجل في كتابها ، ويثاب على مقدماتها والسيئات لا يضاعف عقابها ، ويؤجل كتابها ، ولا يعاقب على مقدماتها.
وقد ورد في الكتاب الكريم : أن ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) (1). وأن ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) (2).
وأن ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون ) (3) ، وأن ( الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ) (4) ، وأنه ( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ) (5) ، وأنه ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع1 ـ القصص : 84. 2 ـ يونس : 26. 3 ـ الأنعام : 160. 4 ـ النساء : 40. 5 ـ البقرة : 245.
(124)
سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) (1).
وورد في النصوص : أنه لما نزل قوله : ( فله خير منها ) قال رسول الله : اللهم زدني ، فأنزل الله ( فله عشر أمثالها ) فقال رسول الله : اللهم زدني ، فأنزل الله ( فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ) فعلم رسول الله أن الكثير من الله لا يحصى وليس له منتهى (2) ( ويدل الخبر على : أن الإقراض لله يشمل الأعمال الصالحة ، فكأن العبد يقرضها في الدنيا ويأخذها ربوياً في الآخرة ، ولا بأس بالربا بين المولى وعبده ).
وأنه إذا هم المؤمن بحسنة كتبت له حسنة ، فإذا عملها كتبت له عشر حسنات ، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه ، فإذا عملها أجل تسع ساعات ، فإن ندم واستغفر لم تكتب ، وإلا كتبت عليه سيئة واحدة (3).
وأن صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد سيئة قال له : لا تعجل ، وأنظره سبع ساعات ، فإن مضت ولم يستغفر قال : أكتب فما أقل حياء هذا العبد ! (4)
وأنه إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله لكل حسنة سبعمائة وذلك قوله : ( والله يضاعف لمن يشاء ) فأحسنوا أعمالكم ، قيل : فما الاحسان ؟ قال : كل عمل تعمله فليكن نقياً من الدنس. (5) ( واختلاف تضاعف الثواب : إما من جهة اختلاف مقام المؤمنين ، أو اختلاف مراتب خلوص النيات ، أو وقوع الحسنات في الأمكنة الشريفة ، أو الأزمنة المباركة ، أو غير ذلك ).
1 ـ البقرة : 261. 2 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص246. 3 ـ الكافي : ج2 ، ص428 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص327 وج71 ، ص246 ـ معالم الزلفى : ج1 ، ص31 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص327. 4 ـ الأمالي : ج1 ، ص210 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص355 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص321 و ج71 ، ص247 ـ نور الثقلين : ج5 ، ص458. 5 ـ بحار الأنوار : ج67 ، ص64 وج71 ، ص247 وج74 ، ص412 وج96 ، ص291 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص90 ـ ثواب الأعمال : ص201 ـ الأمالي : ج1 ، ص227.
من الأمور التي اختص بعلمه خالق الإنسان انقضاء أجله ووقوع موته وهو لمصالح كثيرة كامنة فيه ، ومنها : إستعداده في جميع أوقات عمره لإجابة دعوة ربه ومراقبته لحالات نفسه وأقواله وأفعاله. ولازمه إعداده ما يلزمه لهذا السفر العظيم الطويل من الزاد ، ورفع ما يمكن أن يكون مانعاً من العبور من العقبات المتعددة ، والمواقف المختلفة كقضاء فوائته الواجبة ، وما عليه من ديونه لخالقه ، وما عليه من حقوق الناس وأموالهم ، وتعيين ما عليه من الحقوق في دفاتر وكتابات ، فيكون في جميع أوقات عمره على تهيؤ بحيث لو نزل به الموت لم يكن مأثوماً في أمره معاقباً على فعل شيء أو تركه ، وهذا القسم من التهيؤ من أفضل خلق الإنسان وأحسن حالاته ، فطوبى لمن كان كذلك.
وقد ورد في النصوص : أنه سئل أمير المؤمنين عن الاستعداد للموت ؟ قال : أداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ثم لا يبالي : أوقع على الموت
(126)
أو وقع الموت عليه (1).
وقال عليه السلام : لاغائب أقرب من الموت ، ولكل حبة آكل وأنت قوت الموت (2).
وأن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد (3).
وكان عليه السلام : بالكوفة ينادي بعد العشاء الآخرة : تجهزوا رحمكم الله ، فقد نودي فيكم بالرحيل وانتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد وهو التقوى ، واعلموا أن طريقكم إلى المعاد ، وعلى طريقكم عقبة كؤود ، ومنازل مهولة مخوفة لابد لكم من الممر عليها والوقوف بها (4).
وقال عليه السلام : إن الموت ليس منه فوت ، فأحذروا قبل وقوعه ، وأعدوا له عدته وهو ألزم لكم من ظلّكم ، فأكثروا ذكره عندما تنازعكم أنفسكم من الشهوات وكفى بالموت واعظاً وإنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء ، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون ، فتزودوا لما أنتم إليه صائرون (5).
وورد : أن من أكثر ذكر الموت زهد في الدنيا (6).
وأن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت وأشدهم إستعداداً له (7).
وأن عيسى عليه السلام قال : هول لا تدري متى يلقاك ، ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك (8).
1 ـ الأمالي : ج1 ، ص97 ـ بحار الأنوار : ج6 ، ص138 وج77 ، ص382. 2 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص263. 3 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص263 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج5 ، ص403. 4 ـ نهج البلاغة : الخطبة 204 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص134. 5 ـ بحار الأنوار : ج6 ، ص132 وج71 ، ص264. 6 ـ بحار الأنوار : ج82 ، ص172. 7 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص267. 8 ـ نفس المصدر السابق.
(127)
وأن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير (1). وأن المراد بقوله : ( لا تنس نصيبك من الدنيا ) (2) لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك وغناك أن تطلب به الآخرة (3).
وأنه سئل زين العابدين عليه السلام عن خير ما يموت عليه العبد ، قال : أن يكون قد فرغ من أبنيته ودوره وقصوره ، قيل ، وكيف ذلك ؟ قال : أن يكون من ذنوبه تائباً وعلى الخيرات مقيماً ، يرد على الله حبيباً كريماً (4).
وأن من مات ولم يترك درهماً ولا ديناراً لم يدخل الجنة أغنى منه (5).
وأنه إذا أويت فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك ، واذكر أنك ميت وأن لك معاداً (6). 1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 349 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج5 ، ص379 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص267 وج82 ، ص181 وج103 ، ص26. 2 ـ القصص : 77. 3 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص267. 4 ـ نفس المصدر السابق. 5 ـ نفس المصدر السابق. 6 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص267 وج76 ، ص190.
تخصيص العضوين بلزوم العفة من بين سائر الاعضاء التي يجب حفظها عن المعاصي التي تصدر منها : كاللسان عن الكلام المحرم ، والعين عن النظر الحرام والسمع عن استماع اللغو واللهو ، والبدن عن اللبس المحرم ، لابتلاء الإنسان بمعاصيهما أكثر من غيرها.
ولا سيما في أوائل شبابه وأزمنة ثوران شهوته ، ولما يبلغ علمه بالله وإيمانه بالأصول واعتياده بالعبادات حداً يزجره عن الغي ويردعه عن الهوى ، ونعوذ بالله من غلبة الهوى والشهوة على عقل الرجل ودينه. وقد ورد في الكتاب الكريم : أن ( الحافظين فروجهم والحافظات ... أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ) (1) وكرر تعالى في سورتين قوله : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) (2). فحكم بأنهم
1 ـ الأحزاب : 35. 2 ـ المؤمنون : 5 ـ 7 والمعارج : 29 ـ 31.
(130)
مفلحون ، وأنهم في جنات مكرمون.
وقد ورد في النصوص : أنه ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج (1).
وأن أفضل العبادة العفاف (2) ( العفة والعفاف في اللغة : الكف ، وعف الرجل عفة : كف عما لا يحل ولا يجمل ، والعفيف والمتعفف : من يترك الحرام بضرب من الممارسة ، وفي اصطلاح الشرع : حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة ، وتكف البطن والفرج عن المشتهيات المحرمة ، بل المشتبهة ، والمكروهة من المآكل والمشارب والمناكح وما هو من مقدماتها ولوازمها ).
وأن رجلاً قال للباقر عليه السلام : إني ضعيف العمل قليل الصيام ، ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالاً ، فقال له : وأي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج ؟ (3).
وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أكثر ما تلج به أمتي النار ، وأول ما تلج به أمتي النار : الأجوفان : البطن والفرج (4).
ومما أخاف بعدي على أمتي شهوة البطن والفرج (5).
ومن ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة (6).
ومن أسلم من اتباعهما فله الجنة (7).
وأنه : لا تنسوا الجوف وما وعى (8) ( أي : البطن وما يدخل فيه ويمكن أن يكون المراد : القلب وما يعقد عليه من الإيمان أو الكفر ).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص79 ـ بحار الأنوار : ج69 ، ص393 وج71 ، ص268. 2 ـ الكافي : ج2 ، ص79 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص198 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص269. 3 ـ الكافي : ج2 ، ص79 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص198 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص269. 4 ـ الكافي : ج2 ، ص79 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص198 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص279 و271. 5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص272 و 273. 6 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص272. 7 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص271. 8 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص269.