قال : « نعم » .
قالت : فإنّ هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما ، وكثير النواء يأمرني بولايتهما فأيّهما أحبّ إليكَ ؟
قال : « هذا والله وأصحابه أحبّ إليّ من كثير النواء وأصحابه ، إنّ هذا يخاصم فيقول : ( من لم يحكم بما أنزل الله فاُلئك هم الكافرون ) (1) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فاُولئك هم الظالمون ) (2) » ؟ ، ( ومن لم يحكم بما أنزلالله فاُولئك هم الفاسقون ) (3) .
فلمّا خرجت قال : إنّي خشيت أن تذهب فتخبر كثيراً فيشهرني بالكوفة ، اللهم إنّي اليك من كثير بريء في الدنيا والآخرة (4) .
وأخرج هذه الرواية أيضاً ثقة الإسلام الشيخ الكليني في الكافي ، إلاّ أنّه سمّاها « اُم خالد » (5) .
وقال الكشي أيضاً : حدّثني محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، قال : يوسف بن عمر وهو الذي قتل زيداً وكان على العراق ، وقطع يد اُم الخير ، وهي امرأة صالحة على التشيّع (6) .
وقد ورد ذكرها في مصادر اُخرى (7) .

67 اُم الخير البارقيّة
اُم الخير بنت الحُريش بن سراقة البارقيّة .
____________
1 ـ المائدة : 44 .
2 ـ المائدة : 45 .
3 ـ المائدة : 47 .
4 ـ رجال الكشي : 241 رقم 441 .
5 ـ الكافي 8 : 101 حديث 71 ، وعنه في الوسائل 20 : 197 حديث 1 .
6 ـ رجال الكشي : 242 رقم 442 .
7 ـ تنقيح المقال 3 : 71 ، مجمع الرجال 7 : 180 ، التحرير الطاووسي : 332 ، رجال أبوعلي : 368 ، أعيان الشيعة 3 : 376 ، رياحين الشريعة 3 : 381 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .

(176)

تابعيّة ، لم ترَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ورأت أصحابه ، وهي من أهل الكوفة ، معروفة بالذكاء والفصاحة والبلاغة ، والولاء لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه . حضرت معه حرب صفين ، وخطبت خطبةً بليغة .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدّثني عبدالله بن سعد ، قال : حدّثنا ابراهيم بن عبدالله المقدمي ، قال : أخبرنا محمّد بن الفضل المكي ، قال : أخبرنا ابراهيم بن محمّد الشافعي ، عن خالد بن الوليد المخزومي ، عن سعد بن حذافة الجمحي . وحدّثونيه عن العباس بن بكار ، عن عبيدالله بن عمر الغساني ، عن الشعبي ، قال :
كتبَ معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد عليّ اُم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية ، رحلة محمود الصحبة غير مذمومة العاقبة ، واعلم أنّي مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً وبالشرّ شرّاً .
فلمّا وردَ الكتاب عليه فأقرأها الكتاب ، فقالت اُم الخير : أما أنا فغير زائغة عن طاعة ، ولا معتلة بكذب ، ولقد كنتُ اُحب لقاء أميرالمؤمنين ، لاُمور تختلج في صدري ، تجري مجرى النفس ، يغلي بها غلي المِرجل (1) بحب البُلسُن (2) يُوقد بجزل (3) السَمُرُ (4) .
فلمّا حملها وأراد مفارقتها قال : يا اُم الخير إنّ معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل بقولك في الخير خيراً ، وبالشر شراً ، فانظري كيف تكونين .
قالت : يا هذا لا يطمعك والله بِرّك بيّ في تزويقي الباطل ، ولا يؤنسنك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحقّ .
فسارت خير مسير ، فلمّا قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً ، ثم أذن لها في اليوم الرابع ، وجمع لها الناس ، فدخلت عليه فقالت : السّلام عليك يا أميرالمؤمنين .
____________
1 ـ المِرجَل : قدر من نحاس . الصحاح 4 : 1705 « رجل » .
2 ـ البُلسُن بالضم : حبّ كالعدس . الصحاح 5 : 2080 « بلسن » .
3 ـ الجَزِل : ما عظم من الحطب ويبس . الصحاح 4 : 1655 « جزل » .
4 ـ السَمُرُ : من شجر الطلح . الصحاح 2 : 689 « سمر » .

(177)

فقال : وعليكِ السّلام ، بالرغم والله منكِ دعوتيني بهذا الإسم .
فقالت : مَه يا هذا ، فإنّ بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه .
قال : صدقتِ يا خالة ، وكيف رأيتِ مسيرك ؟
قالت : لم أزل في عافية وسلامة حتى اُوفدت إلى ملك جزل ، وعطاء بذل ، فأنا في عيش أنيق ، عند ملك رفيق .
فقال معاوية : بحسن نيتي ظفرتُ بكم ، وأعنتُ عليكم .
قالت : مَه يا هذا ، والله من دحض المقال ما تردي عاقبته .
قال : ليس لهذا أردناك .
قالت : إنّما أجري في ميدانك ، إذا أجريت شيئاً أجريته ، فاسأل عمّا بدا لك .
قال : كيف كان كلامك يوم قتل عمّار بن ياسر ؟
قالت : لم أكن والله رويته قبل ، ولا زوّرته (1) بعد ، وإنّما كانت كلمات نفثهنّ لساني حين الصدمة ، فإن شئت أن اُحدّث لك مقالاً غير ذلك فعلت .
قال : لا أشاء ذلك ، ثم التفتَ إلى أصحابه فقال : أيّكم حفظ كلام اُم الخير ؟
قال رجل من القوم : أنا أحفظه يا أميرالمؤمنين كحفظي سورة الحمد .
قال : هاته .
قال : نعم ، كأنّي بها يا أميرالمؤمنين وعليها برد زبيدي (2) كثيف الحاشية ، وهي على جمل أرمك (3) ، وقد اُحيط حولها ، وبيدها سوط منتشر الضفر ، وهي كالفحل يهدر في شقشقته (4) ، وتقول :
____________
1 ـ زوّرته : حسّنته وقوّمته . الصحاح 2 : 674 « زور » .
2 ـ لعلّه منسوب إلى زبيد ، بلدة باليمن .
3 ـ الرمكة : من ألوان الإبل ، يقال : جمل أرمك : هو الذي اشتدت كُمتَتُه حتى يدخلها سواد . الصحاح 4 : 588 « رمك » .
4 ـ شقشق الفحل شقشقة : هدر . الصحاح 4 : 1503 . « شقق » .

(178)

يا أيّها الناس اتّقوا ربكم ، إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم ، إنّ الله قد أوضح الحقّ وأبان الدليل ، ونوّر السبيل ، ورفع العلم . فلم يدعكم في عمياء مبهمة ، ولا سوداء مدلهمّة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله ، أفراراً عن أميرالمؤمنين ، أم فراراً من الزحف ، أم رغبةً عن الاسلام ، أم ارتداداً عن الحقّ ؟ أما سمعتم الله عزّ وجل يقول : ( ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم ) (1) .






ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول :
اللهم قد عِيلَ الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشر الرُعب ، وبيدك يا رب أزمة القلوب ، فاجمع الكلمة على التقوى ، وألّف القلوب على الهدى ، واردد الحقّ إلى أهله . هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل ، والوصي الوفي ، والصدّيق الأكبر . إنّها إحن بدريّة ، وأحقاد جاهليّة ، وضغائن اُحديّة وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبدشمس .





ثم قالت :
( فقاتلوا أئمة الكفر إنّهم لا إيمان لهم لعلّهم ينتهون ) (2) ، صبراً يا معاشر المهاجرين والأنصار ، قاتلوا على بصيرة من ربّكم وثبات من دينكم . وكأني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة (3) ، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض . باعوا الآخرة بالدنيا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وباعوا البصيرة بالعمى ، وعمّا قليل ليصبحنّ نادمين حين تحلّ الندامة فيطلبون الإقالة . إنّه والله مَن ضلّ عن الحقّ وقع في الباطل ، ومَن لم يسكن الجنة نزل النار .






____________
1 ـ سورة محمّد (ص) : 31 .
2 ـ التوبة : 12 .
3 ـ القسورة : الأسد . الصحاح 2 : 791 « قسر » .

(179)

أيّها الناس إنّ الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها ، واستبطأوا مدّة الآخرة فسعوا لها . والله أيّها الناس لولا أن تبطل الحقوق ، وتعطّل الحدود ، ويظهر الظالمون ، وتقوى كلمة الشيطان ، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه .
فالى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وزوج ابنته ، و أبي ابنيه ، خُلق من طينته ، وتفرّع من تبعته ، وخصّه بسرّه ، وجلعه باب مدينته ، وأعلمَ بحبّه المسلمين ، وأبانَ ببغضه المنافين ، فلم يزل كذلك يؤيده الله عزّوجلّ بمعونته ، ويمضي على سنن استقامته ، ولا يعرج لراحة اللذات ، وهو مُفلّق الهام ، ومكسّر الأصنام ، إذ صلّى والناس مشركون ، وأطاع والناس مرتابون . فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر ، وأفنى أهل اُحد ، وفرّق جمع هوازن ، فيالها وقائع زرعت قلوب قوم نفاقاً وردّة وشقاقاً .
وقد اجتهدتُ في القول ، وبالغت في النصيحة ، وبالله التوفيق ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .












فقال معاوية : والله يا اُم الخير ما أردتِ بهذا إلاّ قتلي ، والله لو قتلتكِ ما حَرِجتُ في ذلك .
قالت : والله ما يسوءني يابن هند أن يجري الله على يدَي من يسعدني الله بشقائه .
قال : هيهات يا كثيرة الفضول ، ما تقولين في عثمان بن عفان ؟
قالت : وما عسيت أن أقول فيه ، استخلفه الناس وهم كارهون ، وقتلوه وهم راضون .
فقال معاوية : يا اُم الخير ، هذا والله أصلك الذي تبنين عليه .
قالت : الله يشهد وكفى بالله شهيداً ما أردت بعثمان نقصاً ، ولقد كان سبّاقاً إلى الخيرات ، وانّه لرفيع الدرجة .
قال : فما تقولين في طلحة بن عبيدالله ؟
قالت : وما عسى أن أقول في طلحة ، اُغتيل من مأمنه ، واُوتي من حيث لم يحذر ، وقد وعده


(180)

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجنة .
قال : فما تقولين بالزبير ؟
قالت : يا هذا لا تدعني كرَجيع (1) الصَبيغ (2) يُعركُ (3) في المِركن (4) .
قال : حقاً لتقولين ذلك وقد عزمت عليك .
قالت : وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحواريه ، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ، ولقد كان سبّاقاً إلى كلّ مكرمة في الاسلام ، وإني أسألك بحق الله يا معاوية ، فإنّ قريشاً تحدّث أنّك أحلمها أن تسعني بفضل حلمك ، وأن تعفيني من هذه المسائل .
قال : نعم وكرامة وقد أعفيتك ، وردّها الى بلدها (5) .
وروى ذلك أيضاً باختلافٍ يسير في الألفاظ ابن عبدربّه ـ في العقد الفريد ، ضمن الوافدات على معاوية بن أبي سفيان ـ عن عبيدالله بن عمر الغساني ، عن الشعبي (6) .

68 اُم الخير الهاشميّة
اُم الخير بنت عبدالله بن الإمام الباقر عليه السلام .
راوية للحديث .
____________
1 ـ الرَجيع : المُردد . الصحاح 3 : 1217 « رجع » .
2 ـ الصَبيغ : الثوب المصبوع . الصحاح 4 : 1322 « صبغ » .
3 ـ يُعرك : يُفرك . الصحاح 4 : 1599 « عرك » .
4 ـ المِركن : الإجانة التي تُغسل فيها الثياب . الصحاح 5 : 2126 « ركن » .
والمراد هنا : أي لا تجعلني كالثوب المصبوغ يُفرك في الآنية مرّة بعد اُخرى لاخراج البلّة منه ، شبّهت إلحاحه عليها بذلك .
5 ـ بلاغات النساء : 36 .
6 ـ العقد الفريد 1 : 354 . وانظر : أعيان الشيعة 3 : 476 ، أعيان النساء : 115 ، أعلام النساء 1 : 398 ، رياحين الشريعة 3 : 383 .

(181)

قال المامقاني رحمه الله في تنقيح المقال : عدّها ابن داود ـ نقلاً عن كتاب الرجال للشيخ الطوسي ـ من أصحاب الصادق عليه السلام ، واستظهر الميرزا كونها اُم الحسن المتقدّمة ، ولا شاهد له ؛ لأن وجود بنت لعبد الله كنيتها اُم الحسن لا ينافي كون بنت له اُخرى كنيتها اُم الخير . ولعل غرضه أنّه حيث تفرّد ابن داود بذكر اُم الخير ، احتمل أن يكون ناشئاً من غلط نسخة رجال الشيخ رحمه الله التي عنده ، فكان ( الحسن ) في نسخته مبدّلاً بـ ( الخير ) ، وعلى كلّ حال فلم أتحقّق حال اُم الحسن .
وقد سها قلم جامع الرواة فنسب إلى ابن داود نقل كون اُم الخير بنت الإمام الباقر عليه السلام من أصحاب الصادق عليه السلام عن رجال الشيخ رحمه الله .
وفي بعض النسخ المصحّحة من رجال الميرزا كذا : اُم الخير بنت عبدالله الإمام اُم الباقر عليه السلام ، والظاهر أنّها اُم الحسن المتقدّمة ، وهذا غلط جزماً ؛ لعدم تعقّل كون بنت عبدالله الإمام اُم الباقر عليه السلام رحمه الله ضرورة كون اُم الباقر عليه السلام فاطمة بنت الحسن المكنّاة باُم عبدالله ، ولذا قيل : إن الباقر عليه السلام أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليه السلام .
وإنما نبّهنا على ذلك لئلا يغترّ من يرى نسخة مصححة تكون على ما نقلنا ، ثم إنّ كون عبدالله ابن الإمام الباقر عليه السلام ممّا تأبى عنه كتب الأنساب ، حيث صرّحوا فيها بانحصار عقب مولانا الباقر عليه السلام في الصادق عليه السلام ، إلاّ أن يريدوا بالعقب الذكور خاصة دون الإناث ، فتفحص (1) .

69 اُم الدرداء
صحابية معروفة ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها جماعة من الأصحاب والتابعين .
قال ابن حجر في الإصابة : اُم الدرداء الكبرى اسمها خَيْرة : بفتح المعجمة ، وسكون المثناة
____________
1 ـ انظر : رجال الشيخ : 34 ، رجال ابن داود : 224 رقم 17 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 72 ، رياحين الشريعة 3 : 382 ، أعيان الشيعة 3 : 477 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .
(182)

من تحت (1) .
وفي موضع آخر قال : خيرة بنت أبي حدرد اُم الدرداء الكبرى ، سمّاها ابن حنبل ويحيى بن معين فيما رواه ابن أبي خيثمة عنهما ، وقالا : اسم أبي حدرد عبد ، وقالا : اُم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة ، وقال غيرهما : جهيمة .
وقال أبوعمر : كانت اُم الدرداء الكبرى من فضلى النساء وعقلائهن ، وذوات الرأي فيهن ، مع العبادة والنسك . توفّيت قبل أبي الدرداء ، وذلك بالشام في خلافة عثمان ، وكانت حفظت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن زوجها .
روى عنها جماعة من التابعين منهم : ميمون بن مهران ، وصفوان بن عبدالله ، وزيد بن أسلم .
قال : و اُم الدرداء الصغرى لا أعلم لها خبراً يدلّ على صحبة ولا رؤية ، ومن خبرها أنّ معاوية خطبها بعد أبي الدرداء ، فأبت أن تتزوّج .
قلتُ : وروى ذلك أبوالزهراء ، عن جبير بن نفير ، عن اُم الدرداء أنّها قالت لأبي الدرداء : إنّك خطبتني إلى أبويّ في الدنيا فأنكحوني ، وإنّي أخطبك إلى نفسك في الآخرة ، قال : لا تنكحي بعدي ، فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان ، فقال لها : عليك بالصيام .
وفي تأريخ ابن عساكر : والذي ذكر أبوعمر إنّهم رووا عن اُم الدرداء الكبرى وهم من الرواة عن الصغرى ، إلاّ ميمون بن مهران فإنّه أدركها وروى عنها ، وبذلك جزم المزني وغيره .
وقال ابن مندة : خيرة اُم الدرداء ، وقيل اسمها هجيمة ، وتعقّبه ابن الأثير ، وقال ابن المديني : كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لهما اُم الدرداء ، إحداهما رأت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي خيرة بنت أبي حدرد ، والثانية تزوّجها بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي هجيمة الوصابية . وقال أبومسهر : هما واحدة ، ووهم في ذلك .
وأورد ابن مندة ل اُم الدرداء حديثاً مرفوعاً من طريق شريك ، عن خلف بن حوشب ، عن
____________
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 448 رقم 1256 .
(183)

ميمون بن مهران ، قال : قلت لاُم الدرداء : سمعتِ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ؟
قالت : نعم ، دخلتُ عليه وهو جالس في المسجد فسمعته يقول : « ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن » .
وأخرج الطبراني من طريق زبان بن فائدة ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه إنّه سمع اُم الدرداء تقول :
خرجتُ من الحمّام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « مِن أينَ أقبلتِ يا اُم الدرداء ؟ » .
قلت : من الحمام .
قال : « ما منكنّ امرأة تضع ثيابها في غير بيت إحدى اُمهاتها أو زوج إلاّ كانت هاتكة كلّ سترٍ بينها وبين الله » (1) .
وقال ابن الأثير في اُسد الغابة : أخبرنا أبوياسر بإسناده عن عبدالله بن أحمد ، حدّثني أبي ، أخبرنا ابن نمير ، أخبرنا فضيل بن غزوان ، سمعتُ طلحة بن عبيدالله بن كرير قال : سمعتُ اُم الدرداء قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« يُستجاب للمرء بظهر الغيب لأخيه ، فما دعا لأخيه بدعوة إلاّ قال الملك : ولك مثله » (2) .

70 اُم ذر الغفاري
زوجة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، الصحابي الجليل الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :
« ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر » .
وهي شاعرة من شواعر العرب ، لها صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن المواليات لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولها ذكر في وفاة أبي ذر .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يتبسّم قال لأبي ذر : « يا أباذر حدّثنا ببدء اسلامك » .
قال أبوذر : كان لنا صنم يقال له نهم ، فأتيته فصببت له لبناً وولّيت ، فحانت مني إلتفاتة
____________
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 295 رقم 386 .
2 ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 : 580 . وانظر : تهذيب التهذيب 12 : 493 ، رياحين الشريعة : 3 : 492 .

(184)

فإذا كلب يشرب ذلك اللبن ، فلما فرغ رفع رجليه فبال على الصنم ، فأنشأت أقول :
ألا يـا نهم إنّي قَدْ بَـدا لـي * مَدى شـرف يُبَعّد منكَ قُربـا
رأيتُ الكلبَ سامكَ حظّ خسفٍ * فَلَـمْ يمنـع قفـاك اليومَ كَلبا
فسمعتي اُم ذر فقالت : لقد أتيتَ جرماً ، وأصبتَ عظماً ، حِينَ هجرت نهماً .
فلما أخبرتها بالخبر فقالت :
ألا فـابْغِنـا رَبّـاً كَـرِيمـاً * جَواداً في الفضائل يابنَ وَهْبِ
فمـا مَن سَامَهُ كَلْبٌ حَقِيـرٌ * فَلَـمْ يَـمنَع يَداه لَنـا بـربِّ
فَما عَبد الحجارةِ غَير غـاوٍ * ركيـكَ العقلِ ليسَ بـذي لُبِّ
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « صدقتْ اُم ذر ، فما عبدالحجارة غير غاوٍ » (1) .

71 اُم ذريح العبديّة
شاعرة عربيّة موالية لأميرالمؤمنين علي عليه السلام ، حضرت معه يوم الجمل .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة نقلاً عن أبي مخنف : إنّ علياً دفعَ مصحفاً يوم الجمل إلى غلام اسمه مسلم ، ليدعو أهل الجمل إلى ما فيه ، فقطعوا يديه وقتلوه ، فقالت اُم ذريح العبديّة في ذلك :
يا ربِ إنّ مُسْلِماً أتاهُـمُ * بِـمُصْحَفٍ أرْسَلَهُ مولاهُمُ
للعَدلِ والإيمانِ قد دَعاهُمُ * يَتلو كتابَ اللهِ لا يخشاهُمُ
فَخَضَّبُؤا مِن دَمِه ظباهُمُ * و اُم ّهـم واقفـةٌ تـراهُمُ
تأمرهم بالغَيّ لا تنهاهُمُ (2)
وذكر الطبري في موضعين من تأريخه : إنّ التي رثته هي اُمه :
الأوّل : قال : حدثني عمر بن شيبة ، قال : حدّثنا أبوالحسن ، قال : حدّثنا شبر بن عاصم ،
____________
1 ـ انظر : رياحين الشريعة : 3 : 392 ، اُسد الغابة 5 : 581 .
2 ـ شرح نهج البلاغة 9 : 112 .

(185)

عن الحجّاج بن أرطأة ، عن عمّار بن معاوية الدهني ، قال :
أخذ علي مصحفاً يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال : « مَن يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول ؟ » فقام إليه فتىً من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو فقال : أنا ، فأعرض عنه ، ثم كرّر كلامه سلام الله عليه ثانياً وثالثاً ، فكان الفتى يقوم له قائلاً : أنا ، فدفعه إليه ، فدعاهم فقطعوا يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره والدّماء تسيل على قبائه ، فقتل رضي الله عنه ، فقال علي : « الآن حلّ قتالهم » .
فقالت اُم الفتى بعد ذلك فيما ترثي :
لا هُمَّ إنَّ مُسْلِماً دَعاهُمُ * يَتْلُو كتابَ اللهِ لا يَخْشاهُمُ
و اُمُّهـم قائمةٌ تَـراهُمُ * يأتمرونَ الغَيَّ لا تنهاهُمُ
قدْ خُضِبَتْ منه عَلَق لحاهُمُ (1)
الثّاني : قال : كتبَ إليّ السريّ عن شعيب ، عن سيف ، عن مخلّد بن كثير ، عن أبيه قال : أرسلنا مسلم بن عبدالله يدعو بني أبينا فرشقوه ـ كما صنع القلب بكعب ـ رشقاً واحداً فقتلوه ، فكان أوّل مَن قُتل بين يدي عائشة ، فقالت اُم مسلم ترثيه :
لا هُـمّ إنّ مُسْلِمـاً أتـاهُمُ * مُسْتَسلِماً للموتِ إذ دَعـاهُمُ
إلى كتابِ الله لا يَخْشاهُـمُ * فَـرمَّلوه مـن دَمٍ إذ جاهُمُ
و اُمّهـم قائمـةٌ تـراهُـمُ * يأتمرونَ الغَيَّ لا تنهاهُمُ (2)
ويمكن أن يكون كل من اُمّه و اُم ذريح قد رثته ، والله أعلم (3) .

72 اُم رِعْلة القشيريّة
قال ابن الأثير في اُسد الغابة : اُم رِعْلة القشيريّة أوردها جعفر المستغفري ، روى باسناد
____________
1 ـ تأريخ الطبري 4 : 511 .
2 ـ تأريخ الطبري : 4 : 529 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 477 .

(186)

عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس :
وفدتْ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم امرأة يقال لها اُم رِعلة القشيريّة ، وكانت امرأة ذات لسان وفصاحة فقالت : السلام عليكَ يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، إنّا ذوات الخدور ، ومحل أزر البعول ، ومربّيات الأولاد ، وممهّدات المهاد ، ولا حظّ لنا في الجيش الأعظم ، فعلّمنا شيئاً يقرّبنا إلى الله عزّوجلّ .
فقال لها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « عليكنّ بذكر الله عزّ وجل آناء الليل وأطراف النهار ، وغضّ البصر ، وخفض الصوت » .
أخرجه أبوموسى (1) .
وقال ابن حجر في الإصابة : رعلة بكسر أوله وسكون المهملة ، ثم ذكر ما أورده ابن الأثير في اُسد الغابة وأضاف قائلاً : وفيه قالت :
يا رسول الله إنّي امرأة مقنية اقيّن النساء واُزينهنّ لأزواجهنّ ، فهل هو حوب فأثبط عنه ؟
فقال لها : « يا اُم رعلة قيّنيهن وزيّنيهن إذا كسدن » .
ثم غابت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقبلت في أيام الردة ، فذكر لها قصة في الحزن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتطوافها بالحسن والحسين أزقة المدينة تبكي عليه ، وأنشد لها مرثية منها :
يا دارَ فاطمةَ المعمورِ ساحَتَها * هَيّجتِ لي حُزناً حيِّيت مِن دارِ
ثم قال ابن حجر : ثم ساق أبوموسى بسنده عن ابن عياش : قدمت القشيرية مع زوجها أبي رعلة ، وكانت امرأة بدوية ذات لسان ، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بها معجباً ، وذكر نحوه ، وقال في آخر الحديث : فهاجت المدينة مأتماً فلم يبق دار من دور الأنصار إلاّ وأهلها يبكون (2) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ـ بعد ذكر ما قاله ابن الأثير وابن حجر ـ ومن تطوافها بالحسنين عليهما السلام ، وخطابها الزهراء عليها السلام بهذا الشعر يستظهر أنّها من شرط كتابنا (3) ،
____________
1 ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 : 582 .
2 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 449 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 478 .

(187)

أي من المؤمنات .
ومن هذا يظهر أنها كانت عالمة شاعرة فصيحة اللسان بليغة الكلام (1) .

73 اُم سعيد الأحمسيّة
راوية للحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن الإمام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام (2) .
وعدّها الشيخ الطوسي أيضاً في رجاله من أصحاب الإمام الصادق (3) .
ثم إنّ الشيخ بعد ذلك متّصلاً قال : اُم ولد لجعفر بن أبي طالب ، فمنهم من جعل هذا متمّماً لكلامه الأوّل ، فمعناه : أنّ اُم سعيد الأحمسية هي اُم ولد لجعفر بن أبي طالب ، كالسيّد التفرشي ، والميرزا في رجاله . ومنهم من جعلهما متّحدين ، كالمولى القهبائي .
وعلى كلا التقديرين يستبعد بقاء اُم ولد لجعفر بن أبي طالب إلى زمان الصادق عليه السلام ، فإنّ جعفراً قد استشهد في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : وظاهر عدّه ـ أي الشيخ الطوسي ـ إياها من غير غمز في مذهبها كونها إماميّة ، ويمكن استفادة حالها من رواية كامل الزيارات .
وقال أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات في باب ما روي أنّ الحسين سيّد الشهداء : حدّثني أبوالعباس الرزّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن أبي داود المسترق ، عن اُم سعيد الأحمسية ، قالت :
كنتُ عند أبي عبدالله عليه السلام ، وقد بعثتُ من يكتري لي حماراً إلى قبور الشهداء ، فقال : « مايمنعك من زيارة سيّد الشهداء ؟ ! » .



____________
1 ـ انظر : رياحين الشريعة 3 : 395 ، أعلام النساء : 142 .
2 ـ رجال البرقي : 62 .
3 ـ رجال الشيخ : 341 .
4 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 181 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 455 ، أعيان الشيعة 3 : 479 ، رياحين الشريعة 3 : 396 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .

(188)

قالت : قلت : ومَن هو ؟
قال : « الحسين عليه السلام » .
قلت : وما لمن زاره ؟
قال : « حجّة وعمرة مبرورة ، ومِن الخير كذا وكذا » ، وأشار ثلاث مرّات بيده (1) .





وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن اُم سعيد الأحمسية ، قالت :
جئتُ إلى أبي عبدالله عليه السلام فدخلتُ عليه ، فجاءت الجارية فقالت : قد جئتُ بالدابة ، فقال لي : « يا اُم سعيد أي شيء هذه الدابة ، أين تبغين تذهبين ؟ » .
قالت : قلتُ : أزور قبور الشهداء .
قال : « أخّري ذلك اليوم ، ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيّد الشهداء لا تأتونه » .
قالت : قلتُ له : مَن سيّد الشهداء ؟
فقال : « الحسين بن علي عليهما السلام » .
قالت : قلتُ : إني امرأة .
قال : « لا بأس لمن كان مثلك أن يذهب إليه ويزوره » .
قالت : قلتُ : أي شيء لنا في زيارته ؟
قال : « تعدل حجّة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامها وخيرها كذا وكذا » ، قالت : وبسط يده وضمّها ضماً ثلاث مرات (2) .













وقال أيضاً : حدّثني أبي محمّد ومحمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، جميعاً عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن عبدالله القاسم الحارثي ، عن
____________
1 ـ كامل الزيارات : 109 باب 37 ما روي من أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشهداء .
2 ـ كامل الزيارات : 110 باب 37 ما روي من أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشهداء .