86
اُم علاء الأنصاريّة
صحابيّة جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن
عبدالبر وابن مندة وأبونعيم .
روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها خارجة بن يزيد بن ثابت ، وعبدالملك بن عمير ،
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودها في مرضها .
وفي الطبقات الكبرى : قالت اُم العلاء : إنّ الأنصار تنافسوا في المهاجرين حتى اقترعوا
عليهم ، فطار لنا في القرعة عثمان بن مظعون ، أي حين اقترعت الأنصار على المهاجرين في
السكنى كما في رواية اُخرى .
قال : وشهدت اُم العلاء مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر (1) .
87
اُم علي زوجة الشهيد الأوّل
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، تقيّة ، عابدة . كان زوجها يثني عليها ، ويأمر النساء بالرجوع اليها .
ذكرها باجلال وإكبار الحرّ العاملي محمّد بن الحسن في القسم الأوّل من كتابه أمل الآمل ،
المختصّ بتراجم علماء جبل عامل (2) . وذكرها أيضاً الأفندي الأصبهاني في الرياض (3) ،
والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب (4) ، والسيّد الأمين في أعيان الشيعة (5) ، والمحلاّتي في
____________
1 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 34 ، منهج المقال : 400 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، نقد الرجال : 412 ، جامع
الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، أعيان الشيعة 3 : 483 ، رياحين الشريعة 3 : 144 ، معجم رجال الحديث
23 : 179 ، الطبقات الكبرى 8 : 459 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 472 .
2 ـ أمل الآمل 1 : 193 .
3 ـ رياض العلماء 5 : 404 .
4 ـ الكنى والألقاب 2 : 343 .
5 ـ أعيان الشيعة 3 : 483 .
(205)
رياحين الشريعة (1) ، والسيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث (2) .
وقال عمر رضا كحالة ـ وتبعه الحكيمي في أعيان النساء من دون تفحّص (3) ـ : اُم علي
بنت محمّد بن مكي العاملي الجزيني ، فقيهة فاضلة عابدة ، وكان والدها المتوفى سنة 786هـ
يثني عليها ويأمر النساء بالرجوع إليها (4) .
وفي هذا الكلام خلط ، إذ أنّ اُم علي هي زوجة الشهيد محمّد بن مكي وليست ابنته ، وابنته
هي اُم الحسن فاطمة المدعوّة بست المشايخ ، وكانت عالمة فاضلة صالحة عابدة ، تروي عن
أبيها وعن ابن معيّة شيخ أبيها ، وستأتي ترجمتها مفصّلة في حرف الفاء . علماً بأن كحالة قد
ترجم اُم الحسن بنت الشهيد في موضع لاحق من كتابه (5) .
والشهيد الأوّل هو الإمام شيخ الاسلام ، فقيه أهل البيت في زمانه ، ملك العلماء ، عَلم
الفقهاء ، قدوة المحقّقين والمدقّقين ، أفضل المتقدّمين والمتأخرين ، شمس الملّة والدين أبوعبدالله
محمّد ابن الشيخ جمال الدين مكي ابن الشيخ شمس الدين محمّد بن حامد بن أحمد النبطي
العاملي الجزيني ، الشهيد بالشهير الأوّل أو بالشهيد مطلقاً .
ولد رحمه الله في قرية جزين في جبل عامل سنة 734هـ ونشأ وترعرع فيها ، ثم سافر إلى
حواضر العالم الإسلامي آنذاك ، حاملاً معه هموم المسلمين عامة والطائفة الحقّة خاصّة .
جاهد بقلمه فخلّف لنا تراثاً قيّماً متمثّلاً في أكثر من عشرين مؤلّفاً في مختلف العلوم ،
وجاهد بلسانه وخاض الصراع السياسي واقفاً أمام الفتن والطائفية البغيضة الموجودة
آنذاك ، فأصبح بذلك علماً يشار له بالبنان ، فما كان من حسّاده ومبغضيه إلاّ أن يلفّقوا عليه
تهمة هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ، فكان نتيجة ذلك أن قُتل بالسيف ، ثم صُلب ،
____________
1 ـ رياحين الشريعة 3 : 415 .
2 ـ معجم رجال الحديث 23 : 179 .
3 ـ أعيان النساء : 335 .
4 ـ أعلام النساء 3 : 332 .
5 ـ أعلام النساء 4 : 139 .
(206)
ثم رُجم ، ثم اُحرق ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ولعنة الله على الظالمين .
فما أحلى حياة كحياة الشهيد ، قضاها بالدرس والتدريس والتبليغ والتأليف ونشر مذهب
أهل البيت عليهم السلام ، وما أحلى الموت اذا كان كموت الشهيد ، فإنه استشهد مظلوماً دفاعاً عن مبدأه
وعقيدته ، وعن مذهب أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً (1) .
88
اُم عيسى بنت عبدالله
قال السيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث : عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من
أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (2) .
إلاّ أنّ النسخة المتوفّرة لدينا من رجال الشيخ خالية من هذا الإسم .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : وظاهره كونها إماميّة ولكن حالها مجهول (3) .
89
اُم غانم صاحبة الحصاة
قال الطبرسي في إعلام الورى : وممّا شاهده أبوهاشم ـ يعني داود بن القاسم الجعفري ـ
من دلائله ـ يعني الحسن العسكري عليه السلام ـ ما ذكره أبوعبدالله أحمد بن محمّد بن عيّاش ، قال :
____________
1 ـ لمزيد الاطلاع عن حياة هذا العَلم انظر : أعيان الشيعة للأمين 10 : 135 ، الضياء اللامع للطهراني : 132 ،
الفوائد الرضوية للقمي : 645 ، الكنى والألقاب له أيضاً 2 : 341 ، أمل الآمل للعاملي 1 : 181 ، تحفة الأحباب
للقمي : 354 ، تكملة أمل الآمل للصدر : 364 رقم 354 ، تنقيح المقال للمامقاني 3 : 191 ، جامع الرواة
للأردبيلي 2 : 203 ، حياة الإمام الشهيد لشمس الدين ، روضات الجنات للخوانساري 7 : 3 ، رياض العلماء
للأفندي الأصبهاني 5 : 185 ، سفينة البحار للقمي 1 : 721 ، شهداء الفضيلة للأميني : 80 ، لؤلؤة البحرين
للبحراني : 143 ، مجالس المؤمنين للشوشتري : 579 ، مستدرك الوسائل للنوري 3 : 437 ، مقابس الأنوار
للكاظمي الدزفولي : 13 ، مقدمة الروضة البهية للآصفي .
2 ـ معجم رجال الحديث 23 : 179 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 73 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، رياحين الشريعة 3 : 415 ، أعيان الشيعة 3 : 483 .
(207)
حدّثني أبوعلي أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار وأبوجعفر محمّد بن أحمد بن مصلقة القميان ،
قالا : حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف ، حدّثنا داود بن القاسم الجعفري أبوهاشم ، قال :
كنتُ عند أبي محمّد عليه السلام ، فاستؤذن لرجل من أهل اليمن ، فأذن له ، فإذا هو رجل جميل
طويل جسيم ، فسلّم عليه بالولاية ، فردّ عليه بالقبول وأمره بالجلوس ، فجلس إلى جنبه ،
فقلت في نفسي : مَن هذا ؟
فقال أبومحمّد : « هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي عليها » ، ثم قال :
« هاتها » ، فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس ، فأخذها وأخرج خاتمه فطبع فيها
فانطبع ، وكأنّي أقرأ الخاتم الساعة ( الحسن بن علي ) ، إلى أن قال : فسألته عن اسمه فقال : اسمي
مهج بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن اُم غانم ، وهي الأعرابيّة اليمانيّة صاحبة الحصاة التي ختم
فيها أميرالمؤمنين عليه السلام .
وقال أبوهاشم الجعفري في ذلك :
بدرب الحصى مولى لنا يختم الحصى * لـه الله أصفـى بـالدليـل وأخـلصا
وأعطـاه آيـات الإمـامـة كلّهــا * كمـوسى وفـلق البحر واليد والعصا
ومـا قـمّـص الله الـنبيين حجـة * ومـعجـزة إلاّ الـوصييـن قـمصا
وإن كـنتَ مرتـاباً بـذلك فقصـره * من الأمر أن تتلو الدليل وتفحصا (1)
وقال السيّد العاملي في الأعيان : لم أجد هذا الخبر في مقتضب الأثر لأحمد بن محمّد بن
عيّاش المطبوع ، وإنّما ذكر فيه خبر اُم سليم صاحبة الحصاة وقال : إنّها ليست بحبابة الوالبيّة
____________
1 ـ إعلام الورى : 353 .
(208)
ولا باُم غانم صاحبتي الحصاة ، هذه اُم سليم غيرهما وأقدم منهما ، ولعلّ ابن عياش ذكره في
غير مقتضب الأثر ونقله الطبرسي عنه (1) .
ومن هذا يعلم أن صاحبات الحصى ثلاث نساء : حبابة الوالبيّة ، و اُم سليم ، و اُم غانم .
وقال الشيخ الطوسي في الغَيبة : وقصته مع اُم غانم الأعرابية صاحبة الحصاة أيضاً ، التي
طبع فيها أميرالمؤمنين عليه السلام ، وطبع بعده سائر الأئمة إلى زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام ، معروفة
مشهورة (2) .
90
اُم فروة الأنصاريّة
قال السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز نقلاً عن ثاقب المناقب ، عن سمرة بن عطيّة ،
عن سلمان رضي الله عنه ، في حديث طويل اُلخّص لك فائدته ، قال :
إنّ امرأة من الأنصار قُتلت تجنّياً بمحبّة علي عليه السلام يقال لها : اُم فروة ، وكان علي عليه السلام غائباً ،
فلمّا وافى ذهب إلى قبرها ورفع رأسه إلى السماء وقال :
« اللهم يا محيي النفوس بعد الموت ، ويا منشيء العظام الدارسات بعد
الفوت أحي لنا اُم فروة واجعلها عبرة لِمن عصاك » .
فإذا بهاتف : يا أميرالمؤمنين إمض لما سألت ، فرفس قبرها وقال : يا أمة الله
قومي بإذن الله تعالى ، فخرجت اُم فروة من القبر وبكت وقالت : أرادوا
إطفاء نورك ، فأبى الله عزّوجلّ لنورك إلاّ ضياءً ، ولذكرك إلاّ ارتفاعاً ولو
كره الكافرون ، فردّها أميرالمؤمنين إلى زوجها ، وولدت بعد ذلك ولدين
غلامين (3) .
____________
1 ـ أعيان الشيعة 3 : 483 .
2 ـ الغَيبة : 50 . وانظر : رياحين الشريعة 3 : 420 .
3 ـ مدينة المعاجز : 37 .
(209)
91
اُم فروة التيميّة
اُم الإمام الصادق عليه السلام ، وقيل : اسمها قريبة ، أو فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ،
و اُمها أسماء بنت عبدالرحمان بن أبي بكر ، وتكنّى باُم القاسم أيضاً ، وهذا معنى قول
الصادق عليه السلام : « إنّ أبابكر ولدني مرتين » ، وفي ذلك يقول الشريف الرضي :
وحزناً عتيقاً وهو غاية فخركم * بمـولد بـنت القاسم بن محمّد
كانت من العارفات الصالحات ، وفي غاية الورع والتقوى ، روى الكليني في الكافي عن
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبدالله بن أحمد ، عن ابراهيم بن الحسن ، عن وهب بن
حفص ، عن إسحاق بن جرير قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
« كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأبوخالد الكابلي
من ثقات علي بن الحسين عليه السلام » .
ثم قال : « وكانت اُمي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت ، والله يحب المحسنين » .
ثم قال : « وقالت اُمي : قال أبي : يا اُم فروة إني لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في
اليوم والليلة ألف مرّة ؛ لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم
من الثواب ، وهم يصبرون على مالا يعلمون » .
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على وثاقة اُم فروة ؛ لملازمة التقوى وحسن العمل ،
ولشهادة الإمام الصادق عليه السلام لها .
وروى الكليني أيضاً بسنده عن عبدالأعلى قال : رأيتُ اُم فروة تطوف بالكعبة عليها
كساء متنكّرة ، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى ، فقال لها رجل يطوف : يا أمة الله أخطأتِ
السنّة ، فقالت : إنّا لأغنياء عن عملك (1) .
وعدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام الصادق عليه السلام (2) .
____________
1 ـ الكافي 1 : 472 .
2 ـ رجال البرقي : 62 . وانظر : تكملة الرجال 2 : 71 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، أعيان الشيعة 1 : 659 و 3 : 483 و
8 : 390 ، رياحين الشريعة 3 : 16 ، أعيان النساء : 526 ، معجم رجال الحديث 23 : 179 .
(210)
92
اُم قيس الأسديّة
اُم قيس بنت محصن الأسديّة .
صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن
عبدالبر وابن مندة وأبونعيم وابن الأثير .
أسلمت بمكة قديماً ، وبايعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وهاجرت إلى المدينة المنوّرة .
روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها وابصة بن معيد ، وعبيدالله بن عبدالله ، ونافع مولى
خمنة بنت شجاع .
وقد اختلف في اسم أبيها ، فقيل : محصن : بالميم ، والحاء المهملة ، والصاد المهملة ، والنون .
وقيل محيص : بالميم ، والحاء ، والياء المثناة من تحت ، والصاد المهملة بغير نون .
وقيل : محيض : بالميم ، والحاء ، والياء المثناة من تحت ، والضاد (1) .
93
اُم كثير
زوجة همام بن الحارث النخعي .
كانت ذات فضل وإجلال ، وهي من المجاهدات المسلمات ، حضرت في معركة القادسيّة ،
وكانت حاملة عموداً في يدها تمشي وراء المجاهدين بين القتلى ، تنقل القتلى إلى مواضعهم ،
وتداوي الجرحى منهم وتنقلهم إلى مكان آمن خلف الجبهة (2) .
____________
1 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 33 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع
الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، أعيان الشيعة 3 : 483 ، رياحين الشريعة 3 : 432 ، معجم رجال الحديث
23 : 180 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 485 .
2 ـ رياحين الشريعة 3 : 432 .
(211)
94
اُم كلثوم القرشيّة
اُم كلثوم بنت عقبة بن معيط بن أبان بن أبي عمرو ذكوان بن اُمية بن عبد شمس بن
عبدمناف .
صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
هاجرت سنة سبع في الهدنة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومشركي قريش ، وكانوا صالحوه على أن
يردّ عليهم مَن جاءه مؤمناً ، وفيها نزلت ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) (1) ، فإنّها لما
هاجرت لحقها أخواها الوليد وعمارة ليردّاها فمنعها الله بالإسلام .
قال ابن إسحاق : قدما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألانه أن يردّها عليهما بالعهد الذي كان بينه
وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل وقال : « أبى الله ذلك » . فتزوّجها زيد بن حارثة فقتل يوم
مؤتة ، فتزوّجها الزبير فولدت له زينب ، ثم طلّقها فتزوّجها عبدالرحمان بن عوف فولدت له
ابراهيم وحميداً ـ قيل ومحمّداً واسماعيل ـ ومات عنها ، فتزوّجها عمرو بن العاص فمكثت
عنده شهراً وماتت .
روى عنها ابنها حميد ، وحميد بن نافع ، وغيرهما .
وروت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله :
« ليس بالكاذب الذي يقول خيراً ويمني خيراً ليصلح بين الناس » (2) .
____________
1 ـ الممتحنة : 10 .
2 ـ انظر : رجال الشيخ : 33 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة
2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، أعيان الشيعة 3 : 7483 ، الطبقات الكبرى 8 : 23 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 488 .
(212)
95
اُم كلثوم الكبرى (1)
بنت الإمام علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين سلام الله عليه .
اُمها فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
كانت من فواضل نساء عصرها ، ذات زهد وعبادة ، وبلاغة وشجاعة ، فهيمة جداً ،
وذات فصاحة ، جليلة القدر ، عظيمة المنزلة عند أهل البيت عليهم السلام .
ولا يسعنا عَبر هذه الأسطر القليلة استيعاب كلّ جوانب حياتها ، التي ملؤها الدروس
والعِبر لفتيات عصرنا الحاضر ، وإنّما نلقي الضوء على بعض مميّزات هذه العلوية المخدّرة ، وما
مرّت بها من ظروف سياسية صعبة ، وما عاشته من ظلم وجور .
نعم ، إنّها لمحات عن سيرة حياتها المباركة ، راجين بذلك الأجر والثواب من الله سبحانه
____________
1 ـ انظر ترجمتها في : أجوبة المسائل السرويّة للشيخ المفيد ( المطبوع ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد ) : 226 ،
المسألة الخامسة عشر من أجوبة المسائل الحاجبيّة للشيخ المفيد ( مخطوط ) ، الإختصاص للشيخ المفيد :
151 و 159 ، اختيار معرفة الرجال ( الكشي ) : 400 ، الإرشاد للمفيد : 202 ، الإستغاثة : 90 ، الإستيعاب
( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 49 ، اُسد الغابة 5 : 614 ، الإصابة 4 : 492 ، إعلام الورى : 204 ، أعلام النساء
4 : 255 ، أعيان الشيعة 1 : 327 و3 : 485 ، الأغاني : 16 : 93 ، اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام لعلي
دخيل ، أنساب الأشراف 2 : 160 ، بحار الأنوار 42 : 94 ، البداية والنهاية 5 : 309 ، بلاغات النساء : 23 ، تأريخ
اليعقوبي 2 : 149 ، تزويج اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين تأليف الشيخ محمّدجواد البلاغي ، تزويج عمر لاُم كلثوم
للشيخ سليمان بن عبدالله الماحوذي ، تكملة الرجال 2 : 711 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، التهذيب 8 : 161 ، جواب
السؤال عن وجه تزويج أميرالمؤمنين عليه السلام من عمر للسيّد المرتضى ، الخصائص الحسينية : 187 ، الذريعة
2 : 396 رقم 3641 و 5 : 183 رقم 811 و 4 : 172 رقم 85 ، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للطبري :
167 ، رسالة تزويج اُم كلثوم من عمر للسيّد ناصر حسين اللكهنوي ، ريحانة الأدب 6 : 234 ، رياحين الشريعة
3 : 244 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 : 14 ، الطبقات الكبرى 8 : 463 ، العِبر 1 : 16 ، العقد الفريد
7 : 97 ، الكافي 5 : 346 باب تزويج اُم كلثوم ، كشف الغمة في معرفة الائمة 1 : 440 ، الكنى والألقاب 1 : 218 ،
اللهوف : 32 ، مثير الأحزان : 88 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، المسألة الموضّحة عن أسباب نكاح أمير
المؤمنين عليه السلام للشيخ المفيد ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 37 ، مَن لا يحضره الفقيه 3 : 249 ، نفس
المهموم : 184 ، نور الأبصار : 147 .
(213)
وتعالى ، ومن نساء هذه الاُمة المرحومة الإقتداء بهذه العالمة المجاهدة المؤمنة .
زواجها :
تُعدّ مسألة زواج اُم كلثوم من عمر بن الخطاب من المسائل المهمة التي يطرحها لنا التأريخ
الإسلامي ، ومن القضايا التي طال البحث والنقاش ولا يزال حولها ؛ لأنّها تتعلّق بمسألة
عقائدية هامة ، وهي مسألة الإمامة .
فالذي يذهب إلى وقوع هذا الزواج وصحته ، يستدل به على استقامة زوجها ، واعتراف
عليّ سلام الله عليه به ، وإلاّ كيف يزوّجه ابنته .
والذي ينكر هذا الزواج ، أو يذهب إلى أنّه وقع نتيجةً لضغوطٍ مارسها عمر بن الخطاب
على الإمام علي عليه السلام ، يستدل به على عدم استقامة ونزاهة عمر بن الخطاب ، وعدم اعتراف
الإمام عليّ سلام الله عليه به .
وقد طال البحث والكلام حول هذه المسألة ، حتى أنّ بعض أصحابنا ـ رضوان الله تعالى
عليهم ـ أفردوا لها باباً خاصّاً في كثير من كتبهم ، كالشيخ المفيد رحمه الله ، حيث تطرّق إلى هذا
الموضوع في المسألة الخامسة عشر من أجوبة المسائل الحاجبية ، وفي المسألة العاشرة من
المسائل السروية ، بل أنّ بعض علمائنا رحمهم الله ألّفوا رسائل خاصة بهذا الموضوع ، منهم :
1) الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413هـ ، في
رسالته التي سمّاها النجاشي في رجاله : المسألة الموضحة عن أسباب نكاح
أميرالمؤمنين عليه السلام (1) ، وذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة (2) .
وتوجد نسخة خطيّة منها في مكتبة السيّد المرعشي النجفي رحمه الله ، ضمن المجموعة المرقمة
4087 ، وتقع هذه الرسالة في خمس أوراق ، وبإسم : إنكاح أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته من
____________
1 ـ اختيار معرفة الرجال : 400 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 396 رقم 3641 .
(214)
عمر (1) .
2) السيّد المرتضى علي بن الحسين بن موسى ، علم الهدى المتوفّى سنة 436هـ في رسالته :
جواب السؤال عن وجه تزويج أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته من عمر .
هكذا ذكرها الطهراني في الذريعة ، ثم قال : رأيته ضمن مجموعة من رسائله في مكتبة
المولى محمّدعلي الخوانساري (2) .
وتوجد نسخة خطيّة منها أيضاً في مكتبة السيّد المرعشي النجفي رحمه الله في مدينة قم المقدسة ،
ضمن المجموعة المرقمة 3694 ، وتقع في ثلاث أوراق ، وبإسم : إنكاح أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته
من عمر (3) .
3) الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي المتوفّى سنة 1121هـ في رسالته : تزويج عمر
لاُم كلثوم بنت علي عليه السلام ، ذكرها الشيخ الطهراني بهذا الإسم ، ثم قال : سُئل الماحوزي عن
الخبر الوارد بذلك هل هو صحيح أم لا ؟ فقال في الجواب : لنا في هذه المسألة رسالة شريفة
فليرجع إليها .
وقال : إنّه أنكر أبوسهل النوبختي ذلك ، وبالغ في الإنكار الشيخ المفيد ، وابن شهر آشوب
في المناقب ، ويوجد السؤال ضمن مجموعة بخط تلميذ الماحوزي .
4) الشيخ محمّدجواد البلاغي المتوفّى سنة 1352هـ ، في رسالته : تزويج اُم كلثوم بنت
أميرالمؤمنين عليه السلام وإنكار وقوعه ، ذكرها الطهراني في الذريعة في موضعين (4) .
5) السيد ناصر حسين اللكهنوي المتوفّى سنة 1361هـ ، له رسالة مستقلة في تزويج
اُم كلثوم من عمر ، ذكرها استاذ المحقّقين السيّد عبدالعزيز الطباطبائي رحمه الله في تحقيقه لرسالة
مقتل أميرالمؤمنين عليه السلام لابن أبي الدّنيا ، والتي نشرتها مجلة تراثنا الصادرة عن مؤسسة
____________
1 ـ فهرست النسخ الخطيّة لمكتبة السيد المرعشي النجفي في قم 11 : 103 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5 : 183 رقم 811 .
3 ـ فهرست الكتب الخطيّة في مكتبة السيد المرعشي في قم .
4 ـ الذريعة 4 : 172 رقم 851 و 11 : 146 .
(215)
آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (1) .
وقد رأينا عند مطالعتنا القاصرة أنّ في هذه المسألة أربعة أقوال :
الأوّل : أنّ عمر بن الخطاب قد تزوج اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام برضىً منه ودون
أي ضغط ، ويذهب إلى هذا القول اخواننا علماء أبناء العامة ، وتجد هذا واضحاً في كتبهم (2) .
الثاني : أنّ هذا الزواج قد وقع فعلاً ، ولكن نتيجةً لضغوط مارسها عمر بن الخطاب على
الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، بل هدّده أن يفعل ما يفعل إن لم يزوّجه اُم كلثوم ،
فاضطر الإمام عليه السلام إلى تزويجها من عمر وهو كاره لذلك ، وذهب إلى هذا القول أكثر علمائنا
رضوان الله تعالى عليهم ، ومما يدلّ على ذلك :
1) روى الشيخ الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن
هشام بن سالم وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في تزويج اُم كلثوم فقال :
« إنّ ذلك فرج غُصبناه » (3) .
2) وروى أيضاً عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« لما خطب إليه قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إنّها صبية ، قال : فلقي العباس فقال له : مالي ، أبي ّ
بأس ؟ ! قال : وما ذاك ؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لأعوّرن (4) زمزم ، ولا
أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولأقيمنّ عليه شاهدين بأنّه سرق ولأقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس
فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه » (5) .
وذكر هذا الحديث أيضاً العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار (6) ، نقلاً عن الطرائف للسيّد ابن
____________
1 ـ تراثنا : العدد 12 ص 89 .
2 ـ انظر : الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 463 .
3 ـ الكافي 5 : 346 حديث 1 باب تزويج اُم كلثوم .
4 ـ تعوير البئر : تطميمه . القاموس المحيط 2 : 101 .
5 ـ الكافي 5 : 346 حديث 2 باب تزويج اُم كلثوم .
6 ـ بحار الأنوار 42 : 94 حديث 22 .
(216)
طاووس ، ولكني لم أجده في النسخة المطبوعة من الطرائف .
3) وروى الكليني أيضاً في الكافي في باب المتوفّى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد وما
يجب عليها عن حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمّد بن زياد ، عن عبدالله بن سنان
ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها أتعتد في بيتنها أو حيث شاءت ؟
قال : « بل حيث شاءت ، إنّ علياً عليه السلام لما توفّي عمر أتى اُم كلثوم فانطلق بها إلى بيته » (1) .
رواه أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب (2) .
4) وروى الكليني عن محمّد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين
ابن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، قال :
سألت أباعبدالله عليه السلام عن المرأة توفّي زوجها ، أين تعتد في بيت زوجها أو حيث شاءت ؟
قال : « بل حيث شاءت » ، ثم قال : « إنّ علياً عليه السلام لما مات عمر أتى اُم كلثوم فأخذ بيدها
فانطلق بها إلى بيته » (3) .
رواه أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب (4) .
5) قال الشيخ المفيد رحمه الله في المسألة العاشرة من المسائل السروية ـ وبعد أن ذهب إلى عدم
ثبوت هذا الزواج ـ في توجيه هذا الزواج إن صح : وأميرالمؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة
الرجل ؛ لأنّه يهدّده ويتوعّده ، فلم يلزم أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه كان مضطراً إلى ذلك خوفاً على
نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة كما قلنا : إنّ الضرورات توجب اظهار كلمة الكفر ،
قال الله تعالى : ( إلاّ مَنْ اُكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ) (5) . وليس ذلك بأعجب من قوم
____________
1 ـ الكافي 6 : 115 حديث 1 .
2 ـ التهذيب 8 : 161 حديث 557 .
3 ـ الكافي 6 : 115 حديث 2 .
4 ـ التهذيب 8 : 161 حديث 558 .
5 ـ النحل : 106 .
(217)
لوط عليه السلام ، كما حكى الله تعالى عنه بقوله : ( هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم ) (1) ، فدعاهم إلى العقد
عليهنّ وهم كفّار ضلاّل ، وقد أذن الله تعالى في اهلاكهم .
وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة ابن
أبي لهب ، والآخر أبوالعاص بن الربيع ، فلما بُعث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة
على الكفر ، وأسلم أبوالعاص بعد إبانة الإسلام فردّها عليه بالنكاح الأوّل ، ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم في
حال من الأحوال كافراً ولا موالياً لأهل الكفر (2) .
6) قال أبوالقاسم الكوفي علي بن أحمد بن موسى بن الإمام الجواد المتوفّى سنة 352هـ :
وأمّا تزويج عمر من اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام ، فإنّه حدّثنا جماعة من مشايخنا الثقات
منهم جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، عن أحمد بن الفضل ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن
عبدالله بن سنان ، قال : سألتُ جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن تزويج عمر من اُم كلثوم
فقال عليه السلام :
« ذلك فرج غُصبنا عليه » .
وهذا الخبر مشاكل لما رواه مشايخنا عامة في تزويجه منها ، وذلك في الخبر أنّ عمر بعث
العباس بن عبدالمطلب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام يسأله أن يزوّجه اُم كلثوم ، فامتنع عليه السلام ، فلما رجع
العباس إلى عمر بخبر امتناعه ، قال : يا عباس أيأنف من تزويجي ؟ ! والله لئن لم يزوّجني
لأقتلنه ، فرجع العباس إلى علي عليه السلام فأعلمه بذلك ، فأقام علي عليه السلام على الامتناع ، فأخبر
العباس عمر ، فقال له عمر : احضر في يوم الجمعة في المسجد وكن قريباً من المنبر لتسمع ما
يجري ، فتعلم أني قادر على قتله إن أردت .
فحضر العباس المسجد ، فلمّا فرغ عمر من الخطبة قال : أيها الناس إنّ هاهنا رجلاً من
أصحاب محمّد وقد زنى وهو محصن ، وقد اطلع عليه أميرالمؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون ؟
فقال الناس من كلّ جانب : إذا كان أميرالمؤمنين اطّلع عليه فما الحاجة إلى أن يطّلع عليه
____________
1 ـ هود : 78 .
2 ـ أجوبة المسائل السروية ( المطبوعة ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد ) : 226 .
(218)
غيره ، وليمض في حكم الله . فلمّا انصرف عمر قال للعباس : إمض إلى علي فأعلمه بما قد
سمعته ، فوالله لئن لم يفعل لأفعلن .
فصار العباس إلى علي عليه السلام فعرّفه ذلك ، فقال علي عليه السلام : أنا أعلم أنّ ذلك مما يهون عليه ، وما
كنتُ بالذي أفعل ما يلتمسه أبداً .
فقال العباس : لئن لم تفعله فأنا أفعله ، وأقسمت عليك أن لا تخالف قولي وفعلي . فمضى
العباس إلى عمر فأعلمه أن يفعل ما يريد من ذلك . فجمع عمر الناس فقال : إنّ هذا العباس
عمّ علي بن أبي طالب وقد جعل إليه أمر ابنته اُم كلثوم ، وقد أمره أن يزوّجني منها ، فزوّجه
العباس بعد مدّة يسيرة فحملوها إليه .
وأصحاب الحديث إن لم يقبلوا هذه الرواية منّا ، فإنه لا خلاف بينهم في أنّ العباس هو
الذي زوّجها من عمر .
وقد قيل لمن أنكر هذه الحكاية من فعل عمر : ما العلة التي أوجبت أن يجعل علي عليه السلام أمر
ابنته اُم كلثوم إلى العباس دون غيرها من بناته ، وليس هناك أمر يضطره إلى ذلك وهو صحيح
سليم ، والرجل الذي زوّجه العباس بزعمهم عنده مرغوب رضي فيه .
أتقولون : إنّه أنف من تزويج ابنته اُم كلثوم وتعاظم وتكبّر عن ذلك ؟ فقد نجده قد زوّج
غيرها من بناته فلم يأنف من ذلك ولا تعاظم ولا تكبّر فيه ، وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته
سيّدة نساء العالمين ، فلم يأنف ولم يتكبّر ولا وكّل في تزويجها .
أفتقولون : إنّ عليّاً عليه السلام رأى العباس أفضل منه وأقدم سابقة في الإسلام ، فجعل أمر ابنته
إليه ؟ وهذا مالا يقوله مسلم ، وما بال العباس زوّج اُم كلثوم دون اُختها زينب بنت
فاطمة عليها السلام من عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، والعباس حاضر فلم يوكله في تزويجها ولا أنف
من ذلك .
فلم يبق في الحال إلاّ ما رواه مشايخنا مما سقنا حكايته ، وذلك مشاكل للرواية عن
الصادق عليه السلام أنّه قال : « ذلك فرج غُصبنا عليه » .
فكان من احتجاج جهّالهم أن قالوا : ما كان دعا علياً عليه السلام أن يسلّم ابنته غصباً على هذا
(219)
الحال الذي وصفتم .
فقيل لهم : هذا منكم جهل بوجوه التدبير ، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى علياً عليه السلام بما احتاج إليه في وقت وفاته ، وعرّفه جميع ما يجري عليه من بعده من اُمّته واحداً بعد واحد ،
فقال علي عليه السلام : « فما تأمرني أن أصنع ؟ » .
قال : « تصبر وتحتسب إلى أن ترجع الناس إليك طوعاً ، فحينئذٍ قاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين ، ولا تنابذنّ أحداً من الثلاثة فتلقي بيدك إلى التهلكة ، ويرتد الناس من النفاق إلى
الشقاق » .
فكان عليه السلام حافظاً لوصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إبقاءً في ذلك على المسلمين المستضعفين ، وحفظاً
للدين لئلا ترجع الناس إلى الجاهلية الجهلاء ، وتثور القبائل تريد الفتنة في طلب ثارات
الجاهلية .
فلمّا جرى من عمر في حال خطبته لاُم كلثوم ما تقدّم به الحكاية فكّر علي عليه السلام فقال : إن
منعته رام قتلي ، وإن رام قتلي فمنعته عن نفسي ، خرجت بذلك عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
وخالفت وصيته ، ودخل في الدين ما كان حاذره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ارتداد الناس الذي لأجلِهِ
أوصاني بالصبر والإحتساب .
وكان تسليم ابنته اُم كلثوم في ذلك أصلح من قتله ، أو الخروج من وصية رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففوّض أمرها إلى الله ، وعلم أنّ الذي كان اغتصبه الرجل من أموال المسلمين
و اُمورهم وارتكبه من إنكار حقّه وقعوده في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتغيير أحكام الله وتبديل
فرائض الله ، أعظم عند الله وأفظع وأشنع من اغتصابه ذلك الفرج ، فسلّم وصبر واحتسب ، كما
أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنزل ابنته في ذلك منزلة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، إذ انّ الله عزّ
وجلّ وصف قولها : ( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجني من القوم
الظالمين ) (1) .
____________
1 ـ التحريم : 11 .