ولعمري ، الذي كان قد ارتكبه فرعون من بني اسرائيل من قتل أولادهم واستباحة حريمهم في طلب موسى عليه السلام على ما ادّعاه لنفسه من الربوبية ، أعظم من تغلّبه على آسية امرأته وتزويجها ، وهي امرأة مؤمنة من أهل الجنة بشهادة الله لها بذلك .
وكذا سبيل الرجل مع اُم كلثوم كسبيل فرعون مع آسية ؛ لأنّ الذي إدّعاه لنفسه من الإمامة ظلماً وتعدّياً وخلافاً على الله ورسوله بدفع الإمام عن منزلته التي قدّرها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، واستيلاؤه على أمر المسلمين يحكم في أموالهم وفروجهم ودمائهم بخلاف أحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، أعظم عند الله من اغتصابه ألف فرج من نساء مؤمنات دون فرج واحد ، ولكن الله قد أعمى قلوبهم فهم لا يهتدون لحق ولا يعقلون عن باطل (1) .
7) قال الطبرسي في إعلام الورى : وأمّا اُم كلثوم فهي التي تزوّجها عمر بن الخطاب ، وقال أصحابنا : إنه عليه السلام إنما زوّجها بعد مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال بشيء ، حتى ألجأته الضرورة إلى أن ردّ أمرها إلى العباس بن عبدالمطلب فزوّجها إياه (2) .
8) وقال الشيخ عبدالنبي الكاظمي في تكملة الرجال : المشهور من الأصحاب والأخبار أنّه تزوّجها عمر بن الخطاب غصباً ، كما أصرّ السيّد المرتضى رحمه الله ، وصمّم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة ، وهو الأصح ، للأخبار المستفيضة .
وبهذه الأخبار انقطع ما قد شكّ به بعض الشاكّين من أنّه كيف جاز تزويج أمير المؤمنين عليه السلام إياه ، وهو على ما تعتقدونه لا يجوز نكاحه ، فإنّ الغصب والإضطرار أباح كلّ شيء .
وكذلك ما قد يقال : إنّه كيف يليق بأميرالمؤمنين عليه السلام تحمّل هذا الغصب ، فإنّ الشيمة الهاشمية والنخوة العربية لا تتحمّل هذا العار والذل ، وأمثال ذلك .
فإنّ هذه النصوص تحسم مادة هذه الاستبعادات ، وليس ذلك بأصعب من غصب
____________
1 ـ الإستغاثة : 90 .
2 ـ إعلام الورى : 204 .

(221)

الخلافة ، فإنّ دونها الضلال والإضلال ، وهدم الدين ، ومحو شريعة سيدالمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
القول الثالث : وهو أنّ هذا الزواج لم يقع بتاتاً ، وإنّما هو من وضع أعداء آل البيت عليهم السلام ، وذهب إلى هذا بعض أصحابنا :
منهم الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، حيث قال في أجوبة المسائل السروية :
المسألة العاشرة : ما قوله حرس الله مهجته في تزويج أميرالمؤمنين عليه السلام بنته من عمر ابن الخطاب ، وتزويج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بنتيه زينب ورقية من عثمان ؟
الجواب : إنّ الخبر الوارد بتزويج أميرالمؤمنين عليه السلام من عمر غير ثابت ، وهو من طريق الزبير بن بكّار ، وطريقه معروف لم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متهماً فيما يذكره ، وكان يبغض أميرالمؤمنين عليه السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه عنه علي بن هشام ، وإنّما نشر الحديث إثبات أبي محمّد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه ، فظنّ كثير من الناس أنّه حق له رحمه الله لروايته رجل علوي ، وإنّما رواه عن الزبير بن بكار .
والحديث نفسه مختلق : فتارة يروي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام تولّى العقد له على ابنته .
وتارة اُخرى يروي عن العباس أنّه تولّى العقد له عنه .
وتارة يروي أنّه لم يقع العقد إلاّ بعد وعد من عمر وتهديد لبني هاشم .
وتارة يروي أنّه كان عن إختيار وإيثار .
ثم انّ بعض الرواة يذكر أنّ عمر أولدها ولداً سمّاه زيد .
وبعضهم يقول : إنّه قتل من قبل دخوله بها .
وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقباً (2) .
ومنهم مَن يقول : إنّه قُتل ولا عقب له .
____________
1 ـ تكملة الرجال 2 : 711 .
2 ـ قال الفيروزآبادي في المحيط 4 : 71 « هلل » : وذو الهلالين زيد بن عمر بن الخطاب ، اُمّه اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب . وقال محمّد مرتضى الزبيدي في تاج العروس 8 : 172 « هلل » : مات هو و اُمّه في يوم واحد وصلّي عليهما معاً .

(222)

ومنهم مَن يقول : إنّه و اُمّه قتلا .
ومنهم مَن يقول : إنّ اُمّه بقيت بعده .
ومنهم مَن يقول : إنّ عمر أمهر اُم كلثوم أربعين ألف درهم .
ومنهم مَن يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم .
ومنهم مَن يقول : كان مهرها خمسمائة درهم .
وبدء هذا ا لقول وكثرة الاختلاف فيه يبطل الحديثِ ولا يكون له تأثير على حال .
ثم أنّه لو صـح لكان له وجهـان لا ينافيان مذهـب الشيعة في ضـلال المتقدمين على أميرالمؤمنين عليه السلام :
أحدهما : أنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بحلية الشريعة ، وإن كان الأفضل ترك مناكحة مَن ضم إلى ظاهر الإسلام ضلالاً لا يخرجه عن الإسلام ، إلاّ أنّ الضرورة متى قادت إلى مناحكة الضال مع اظهاره كلمة الإسلام زالت الكراهة من ذلك وساغ ما لم يكن يحتسب مع الإختيار .
وأميرالمؤمنين عليه السلام كان مُحتاجاً إلى التأليف وحقن الدماء ، ورأى أنّه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغب فيه من مناكحة بنته ، أثّر ذلك في الفساد في الدين والدنيا ، وإنّه إن أجاب إليه أعقب ذلك صلاحاً في الأمرين ، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه .
والوجه الثاني : أنّ مناكحة الضال كجحد الإمامة وادعائها لمن لا يستحقها حرام ، إلاّ أن يخاف الإنسان على دينه ودمه فيجوز له ذلك ، كما يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادة لكلمة الإيمان ، وكما يحلّ له الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات وإن كان ذلك محرّماً مع الإختيار .
وأميرالمؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة الرجل ؛ لأنّه يهدّده ويتوعّده ، فلم يُلزم أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه كان مضطراً إلى ذلك على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة ، كما قلنا : إنّ الضرورة توجب إظهار كلمة الكفر ، قال الله تعالى : ( إلاّ مَن اُكره وقلبه مطمئن


(223)

بالإيمان ) (1) . وليس ذلك بأعجب من قوم لوط عليه السلام ، كما حكى الله تعالى عنه بقوله : ( هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم ) (2) ، فدعاهم إلى العقد عليهنّ وهم كفّار ضلاّل وقد أذن الله تعالى في إهلاكهم .
وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة ابن أبي لهب ، والآخر أبوالعاس بن الربيع ، فلما بُعث صلى الله عليه وآله وسلم فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبوالعاص بعد إبانة الإسلام ، فردّها عليه بالنكاح الأوّل . ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم تبعة فيما يحدث في العاقبة .
هذا على قول بعض أصحابنا ، وفريق منهم على أنّه تزوّج على الظاهر وكان باطنه مستوراً عنه ، وليس بمنكر أن يستر الله تعالى عن نبيه نفاق كثير من المنافقين ، وقد قال الله تعالى : ( من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ) ، فلا ينكر أنّ أهل مكة كذلك ، والنكاح على الظاهر دون الباطن على ما بيّناه .
ويمكن أن يكون الله عزّ وجلّ أباحه مناكحة مَن ظاهره الإسلام وإن علم من باطنه النفاق ، وخصّه بذلك ورخّصه له فيه ، كما خصّه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح ، وأباحه أن ينكح بغير مهر ، ولم يحظر عليه المواصلة في الصيام ، ولا في الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء ، وأشباه ذلك ممّا خصّ به وخطر على غيره من عامة الناس (3) .
وممّن ذهبوا إلى هذا القول العلاّمه الشيخ محمّد جواد البلاغي ، حيث ألّف رسالة في هذا الموضوع ذكرها الطهراني في الذريعة بقوله : رسالة في تزويج اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام وإنكار وقوعه للعلاّمه الشيخ البلاغي (4) .
وأنكر هذا الزواج أيضاً محمّدعلي دخيل في رسالته التي ألّفها عن حياة اُم كلثوم حيث
____________
1 ـ النحل : 106 .
2 ـ هود : 78 .
3 ـ أجوبة المسائل السروية ( المطبوع مع عدّة رسائل للشيخ المفيد ) : 226 .
4 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4 : 172 رقم 850 و 11 : 146 .

(224)

قال : ومن هذه الزواجات الوهميّة ـ وما أكثرها ـ زواج اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام من عمر بن الخطاب .
روى ابن عبدالبر وابن حجر وغيرهما : خطبها عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ، فقال : « إنّها صغيرة » .
فقال له : زوّجنيها يا أباالحسن فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد .
فقال له علي : « أنا أبعثها إليك ، فإن رضيتها فقد زوجتكها » ، فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ، فقالت ذلك لعمر .
فقال : قولي له : قد رضيت ، ثم وضع يده على ساقها فكشفها .
فقالت : أتفعل هذا ؟ ! لولا أنّك أميرالمؤمنين لكسّرت أنفك ، ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء .
فقال : « يا بنية إنّه زوجك » (1) .
وروى ابن سعد : تزوّجها عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قتل ، وولدت له زيد بن عمر ورقيّة بنت عمر ، ثم خلف على اُم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب فتوفّي عنها ، ثم خلف عليها أخوه محمّد بن جعفر بن أبي طالب ، فتوفّي عنها ، فخلف عليها أخوه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بعد اختها زينب بنت علي فقالت اُم كلثوم : إني لاستحي من أسماء بنت عميس أنّ ابنيها ماتا عندي وإنّي لأتخوّف على هذا الثالث ، فهلكت عنده ولم تلد منهم شيئاً (2) .
وذكروا أيضاً : أنّ عمر أمهر اُم كلثوم أربعين ألفاً (3) .
وروى البلاذري : أنّه أصدقها مائة ألف درهم (4) .
____________
1 ـ اُسد الغابة 5 : 615 ، الإصابة 4 : 469 .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 463 .
3 ـ الإصابة 4 : 469 ، البداية والنهاية 5 : 309 .
4 ـ أنساب الأشراف 2 : 160 .

(225)

وذكروا أيضاً : أنّها لما ماتت صلّى عليها عبدالله بن عمر وخلفه الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية وعبدالله بن جعفر ، وكبّر عليها أربعاً (1) .
وستعرف خلال البحث أن لا صحة لهذا الزواج ، وأنّها لم تتزوّج بغير ابن عمها عون بن جعفر ، مصداقاً للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة : « ونظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولاد علي وجعفر عليهم السلام فقال : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا » (2) .
ولعلّ مصدر الوهم فيه : أنّ من زوجات عمر اُم كلثوم بنت جرول الخزاعية ـ اُم عبدالله بن عمر ـ ودائماً ينصرف الذهن في الاسماء إلى صاحب الشهرة ، كما أنّ هناك اُم كلثوم اُخرى خطبها عمر ، فجاءت الشبهة من هنا وهناك .
روى أبوالفرج : قال رجل من قريش لعمر بن الخطاب : ألا تتزوج اُم كلثوم بنت أبي بكر ، فتحفظه بعد وفاته وتخلفه في أهله ؟
قال عمر : بلى إنّي لأحب ذلك ، فاذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك وعد إليّ بجوابها .
فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر ، فأجابته إلى ذلك ، وقالت له : حبّاً وكرامة .
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة ، فقال لها : مالك يا اُم المؤمنين ؟ فأخبرته برسالة عمر ، وقالت : إنّ هذه الجارية حدثة ، وأردتُ لها ألين عيشاً من عمر .
فقال لها : عليّ أنا أكفيك ، وخرج من عندها فدخل على عمر فقال : بالرفاه والبنين ، قد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله وخطبتك اُم كلثوم .
فقال : قد كان ذلك .
قال : إلاّ أنك أميرالمؤمنين رجل شديد الخلق في أهله ، وهذه صبية حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، وتصيح يا أبتاه ، فيغمك ذلك ، وتتألم له عائشة ، ويذكرون أبابكر فيبكون عليه ، فتتجدد المصيبة به مع قرب عهدها في كلّ يوم .
____________
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 464 .
2 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 249 .

(226)

فقال له : متى كنت عند عائشة وأصدقني ؟
فقال : آنفاً .
فقال عمر : أشهد أنّهم كرهوني ، فتضمّنت لهم أن تصرفني عمّا طلبت وقد أعفيتهم ، فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر ، وأمسك عمر عن معاودتها (1) .
وأعود وأقول :
1) كيف يتجاوز الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام مهر السنّة ، وهو مهر أهل البيت عليهم السلام ، حتى أنّ الإمام محمّد الجواد عليه السلام لما تزوّج اُم الفضل بنت المأمون وقد أنفق المأمون الملايين من الدنانير على حفل الزواج ، ولكن الإمام عليه السلام أمهرها خمسمائة درهم ، فقد قال في خطبة النكاح :
« الحمد لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيته ، وصلّى الله على محمّد سيّد بريته ، والأصفياء من عترته . أمّا بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال سبحانه : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) (2) ، ثم إنّ محمّد بن علي بن موسى يخطب اُم الفضل بنت عبدالله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو خمسمائة درهم جياداً ، فهل زوّجته يا أميرالمؤمنين ؟ » .







قال المأمون : نعم (3) .
2) كيف يدفع عمر هذا المهر وهو القائل : لا تزيدوا في مهر النساء على أربعين اُوقية ، وإن كانت بنت ذي الغصة ـ يعني يزد بن الحصين الصحابي الحارثي ـ فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال .
فقالت امرأة من صفّ النساء طويلة في أنفها فطس : ما ذاك لك .
____________
1 ـ الأغاني 16 : 93 .
2 ـ النور : 32 .
3 ـ نور الأبصار : 147 .

(227)

قال : ولم ؟ !
قالت : لأنّ الله عزّ وجل قال : ( وآتيتم احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً واثماً مبيناً ) (1) .
قال عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ (2) .
3) أنكر هذا الزواج أعلام الطائفة كالشيخ المفيد وغيره من المتقدّمين ، وأفرد الشيخ البلاغي رسالة خاصة في النفي .
4) أورد الحاكم حديث الزواج في المستدرك ، وتعقّبه الذهبي في التخليص فقال : منقطع (3) ، والحديث المنقطع السند يكون مهملاً .
5) إنّ جلّ مَن ذكر زواجها من عمر ذكر أنّه تزوّج بها عون بن جعفر بعد قتل عمر (4) ، وعون هذا استشهد يوم تستر (5) سنة 17 للهجرة في خلافة عمر ، فكيف يتزوّج بها من بعده .
6) مرّ عليك كلام صاحب الطبقات والبداية والنهاية في زواج محمّد بن جعفر باُم كلثوم بعد أخيه عون ، وأغرب ما جاء في تهويس القوم في هذه المهزلة هو كلام ابن عبدالبر فقد قال : ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب هو الذي تزوّج اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر ابن الخطاب (6) .
وقال في نفس الكتاب : استشهد عون بن جعفر وأخوه محمّد بن جعفر في تستر (7) . مع العلم أنّ يوم تستر كان في خلافة عمر وقبل وفاته بسبع سنين ، فكيف يستقيم ما ذكره ؟ !
7) الصورة التي مرّت عليك من إرسال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته إلى عمر ، وهو
____________
1 ـ النساء : 20 .
2 ـ الأذكياء لابن الجوزي : 217 .
3 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 142 .
4 ـ اُسد الغابة 5 : 615 ، الطبقات الكبرى 8 : 464 .
5 ـ الإصابة 3 : 44 .
6 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 3 : 346 .
7 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 3 : 347 .

(228)

يكشف عن ساقها ، وهي لا تعلم بالأمر ، فهل ترتضيها أنت أيها القاريء الكريم لنفسك فضلاً عن الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ؟ !
8) رووا : لما تأيّمت اُم كلثوم بنت علي من عمر بن الخطاب دخل عليها الحسن والحسين أخواها فقالا لها : إنّك ممّن قد عرفت سيّد نساء المسلمين وبنت سيّدتهن ، وإنك والله إن أمكنت علياً رُمّتك لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنه ، فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكي على عصا ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه وذكر منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة وآثرتكم على سائر ولدي ؛ لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتكم منه .
فقالوا : صدقت رحمك الله ، فجزاك الله عنّا خيراً .
فقال : اي بنية إنّ الله عزّ وجل قد جعل أمرك بيدك ، فأنا أحب أن تجعلينه بيدي .
فقالت : اي أبت ، إنّي امرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء ، وأحب أن اُصيب ممّا تصيب النساء من الدنيا ، وأنا اُريد أن أنظر في أمر نفسي .
فقال : لا والله يا بنية ما هذا رأيك ، ما هو إلاّ من رأي هذين ، ثم قام وقال : والله لا اُكلّم رجلاً منهما أو تفعلين!! فأخذوا بثيابه ، فقالا : أجلس يا أبت فوالله ما على هجرانك من صبر ، اجعلي أمرك بيده ، فقالت : قد فعلت .
قال : فإني قد زوّجتك من عون بن جعفر ، وانّه لغلام ، وبعث لها بأربعة آلاف درهم وادخلها عليه ، أخرجه أبوعمر (1) .
ما أظن شخصاً يحمل ذرة من الإكبار والكرامة للإمامين الحسنين عليهما السلام يرتضي هذه الصورة ، كما هي لا تليق بالإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في الإصرار على طلب ما ليس له ، ويحلف بالله اذا لم يُعط ذلك ليهجر ولديه . إنّ مخترع هذا الزواج لو ذكره بدون هذه الرتوش لأمكن تصديقه ، ولكن كيف وقد جاء بهذه الطامات!
____________
1 ـ اُسد الغابة 5 : 615 .

(229)

9) كيف يقدّم الحسن والحسين عليهما السلام عبدالله بن عمر للصلاة عليها مع جلالة منزلتهما ، وأنّهما أولى بالصلاة عليها ، وانحراف ابن عمر عنهما وعن أبيهما عليه السلام معلوم ؟ !
10) كيف يقبل الحسنان عليهما السلام بتكبير ابن عمر عليها أربعاً ، والذي عليه إجماع أهل البيت عليهم السلام هو خمس تكبيرات .
11) أجمعت كتب السِير والمقاتل على حضور اُم كلثوم واقعة كربلاء ، وذكروا مواقفها وخطبها ، فكيف يجتمع هذا مع وفاتها في حياة الإمام الحسن عليه السلام ؟ !
12) مرَّ عليك كلام صاحب الطبقات في زواج عبدالله بن جعفر بعد اُختها زينب ، وأقلّ ماورد في وفاة زينب عليها السلام أنها ماتت ليلة الأحد 14 رجب سنة 62هـ (1) .
القول الرابع : وهو أنّ الإمام علي عليه السلام لم يزوّج اُم كلثوم من عمر بن الخطاب ، وإنّما زوّجه جنّيّة تشبهها ، أو أنّه حين المواقعة تحول الجنية بينه وبينها ، وذكر هذا القول العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار نقلاً عن الخرائج والجرائح ، قال :
الصفّار ، عن أبي بصير ، عن جذعان بن نصر ، عن محمّد بن مسعدة ، عن محمّد بن حمويه ابن اسماعيل ، عن أبي عبدالله الربيبي ، عن عمر بن اُذينة ، قال : قيل لأبي عبدالله عليه السلام : إنّ الناس يحتجون علينا ويقولون : إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام زوّج فلاناً ابنته اُم كلثوم ، وكان متكئاً فجلس وقال :
« أيقولون ذلك ؟ إنّ قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل ، سبحان الله ما كان يقدر أميرالمؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟ ! كذبوا ولم يكن ما قالوا ، إنّ فلاناً خطب إلى عليّ عليه السلام بنته اُم كلثوم فأبى علي عليه السلام ، فقال للعباس : والله لئن لم تزوّجني لانتزعنّ منك السقاية وزمزم ، فأتى العباس علياً فكلّمه ، فأبى عليه ، فألح العباس ، فلمّا رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقة كلام الرجل على العباس ، وأنّه سيفعل بالسقاية ما قا ل ، أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنّيّة من أهل نجران يهوديّة يقال لها سحيفة بنت جريرية ، فأمرها فتمثلت
____________
1 ـ اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ، لعلي دخيل : 12 .
(230)

في مثال اُم كلثوم وحجبت الأبصار عن اُم كلثوم وبعث بها إلى الرجل ، فلم تزل عنده حتى أنّه استراب بها يوماً فقال : ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم ، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوَت الميراث وانصرفت إلى نجران ، وأظهر أميرالمؤمنين عليه السلام اُم كلثوم » (1) .
وقال الشيخ الكاظمي في تكملة الرجال : وأمّا ما وقع في بعض الأوهام من أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام زوّجه جنية تشبهها ، أو أنّه حين المواقعة تحول الجنية بينه وبنيها ، فذاك من التحكّمات ، بل خلاف ما دلّت عليه الأدلة (2) .

موقفها مع حفصة بنت عمر :
لمّا سارت عائشة إلى البصرة معلنةً الحرب على الإمام علي عليه السلام ، وسار علي سلام الله عليه لقطع الفتنة التي حلّت بالاُمّة من جراء نقض عائشة للبيعة ومعها طلحة والزبير ، ونزل عليه السلام ذاقار ، كتبت عائشة لحفصة كتاباً تخبرها بذلك وتسرّها بالنصر المزعوم .
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : لمّا نزل علي عليه السلام ذاقار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر : أمّا بعد فإنّي اُخبركِ أنّ علياً قد نزل ذاقار ، وأقام بها مرعوباً خائفاً لِما بلغه من عدّتنا وجماعتنا ، فهو بمنزلة الأشقر ، إن تقدّم عقر ، وإن تأخّر نُحر ، فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف ، فأمرتهن أن يقلْن في غنائهن : ما الخبر ما الخبر ، علي في السفر ، كالفرس الأشقر ، إن تقدّم عقر ، وإن تأخّر نحر .
وجعلت بنات الطلقاء يدخلْنَ على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء ، فبلغ اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، فلبست جلابيبها ، ودخلت عليهن في نسوة متنكرات ، ثم أسفرت عن وجهها ، فلمّا عرفتها حفصة خجلت واسترجعت .
فقالت اُم كلثوم : لئن ظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل ، فأنزل الله
____________
1 ـ بحار الأنوار 42 : 88 حديث 16 .
2 ـ تكملة الرجال 2 : 718 .

(231)

فيكما ما أنزل (1) .
فقالت حفصة : كفى رحمك الله ، وأمرت بالكتاب فمزّق ، واستغفرت الله .
قال أبومخنف : روى هذا جرير بن يزيد ، عن الحكم .
ورواه الحسن بن دينار ، عن الحسن البصري .
وذكر الواقدي مثل ذلك .
وذكر المدائني مثله ، قال : فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار :
عَذرنا الرجالَ بحربِ الرجـالِ * فَمـا للنسـاءِ ومـا للسبابِ
أمـا حَسبنـا مـا أتينا بـه * لكَ الخير في هتكِ ذا الحجابِ
ومخـرجها اليـوم من بيتها * يعـرفها الذئبُ نـبح الكلابِ
إلـى أن أتانـا كتـابٌ لهـا * مشومٌ فيا قبحَ ذاكَ الكتابِ (2)

واقعة الطف :
لقد حضرت اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سلام الله عليه أرض كربلاء ، وشاهدت واقعة الطف ، وكلّ ما جرى على اخوتها وابنائهم وأنصارهم ، اذاً هي شريكة الحسين عليه السلام في أداء الرسالة المحمّدية ، وشريكة اُختها العقيلة زينب بنت علي عليه السلام ، وإن كانت اُم كلثوم أصغر من زينب ، إلاّ أنّ التأريخ يحدّثنا عن مواقف بطويلة وقفتها اُم كلثوم شأنها شأن اُختها العقيلة ، فبالإضافة إلى خطبتها المشهورة سجّل لنا التأريخ اسمها في وقائع متعدّدة :
1) روى السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب اللهوف وداع الحسين عليه السلام للعائلة ، قال : وجعلت اُم كلثوم تنادي : واأحمدها ، واعلياه ، وا اُماه ، واأخاه ، واحسيناه ، واضيعتنا بعدك يا أباعبدالله ، فعزّاها الحسين عليه السلام وقال لها :
« يا اُختاه تعزّي بعزاء الله ، فإنّ سكان السماوات يفنون ، وأهل الأرض


____________
1 ـ إشارة لقوله تعالى : ( وإنْ تظاهرا عليه فإنَّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) .
2 ـ شرح نهج البلاغة 14 : 14 .

(232)

كلّهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون » .
ثم قال : « يا اُختاه يا اُم كلثوم ، وأنتِ يا زينب ، وأنتِ يا فاطمة ، وأنتِ يا رباب ، انظرن إذا أنا قُتلت فلا تشققن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجهاً ، ولا تقلنْ هجراً » (1) .




2) روى الشيخ التستري رحمه الله استغاثات الحسين عليه السلام ، وعزم الإمام زين العابدين عليه السلام على الجهاد ، فقال : فأخذ بيده عصاً يتوكأ عليها ، وسيفاً يجره في الأرض ، فخرج من الخيام ، وخرجت اُم كلثوم خلفه تنادي : يا بُني ارجع ، وهو يقول : « يا عمتاه ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله » .
فقال الحسين عليه السلام :
« يا اُم كلثوم خُذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم » ، فأرجعته اُم كلثوم (2) .



3) جاء في وداع الحسين عليه السلام للعائلة : إنّه عليه السلام أقبل على اُم كلثوم وقال لها :
« اُوصيك يا اُخيّة بنفسك خيراً ، وإنّي بارز إلى هؤلاء » (3) .


4) وبعد مصرع الحسين عليه السلام أقبل فرسه إلى الخيام ، ووضعت اُم كلثوم يدها على اُم رأسها ونادت : وامحمداه ، واجداه ، واأبتاه ، واأباالقاسماه ، واعلياه ، واجعفراه ، واحمزتاه ، واحسناه ، هذا حسين بالعراء صريع بكربلا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، ثم غشي عليها (4) » .
5) وعند دخول السبايا مدينة الكوفة بتلك الحالة المزرية التي يحدّثنا بها التأريخ ، كانت اُم كلثوم تنظر إلى ذلك وقد اشتد بها الوجد ، وأمضَّ بها المصاب ، وزاد في وجدها أن ترى أهل
____________
1 ـ اللهوف : 32 .
2 ـ الخصائص الحسينية : 187 .
3 ـ نفس المهموم : 184 .
4 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 37 .

(233)

الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم :
يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض (1) .
6) وعند رجوعهم إلى المدينة ، وبمجرد أن تلوح جدران المدينة لاُم كلثوم ، تتفجر باكية وهي تقول :
مَدينـة جَدنـا لا تَقبلينـا * فبالحسراتِ والأحزانِ جِينا (2)

خطبتها :
لا شكّ ولا ريب أنّ الدور التبليغي الذي قُمْنَ به بنات الرسالة بعد مصرع الحسين عليه السلام ، كان له أكبر الأثر في توعية الناس وتعريفهم بحقيقة الاُمور ، وبأنّهم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لا خوارج كما يدّعي يزيد ، ومن اللواتي قُمْنَ بهذا الدور البطولي هي اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب .
قال السيّد ابن طاووس : خطبت اُم كلثوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبّاً لكم وسحقاً .
ويلكم ، أتدرون أي دواهٍ دَهتكم ، وأي وزرٍ على ظهوركم حملتم ، وأي دماءٍ سفكتموها ، وأي كريمةٍ أصبتموها ، وأي صِبيةٍ سلبتموها ، وأي أموالٍ انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا أنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون .







ثم قالت :
قَتلتم أخي ظُلماً فويلٌ لاُم كم * سَتجزون ناراً حَرّها يَتوقّدُ

____________
1 ـ نفس المهموم : 213 .
2 ـ المنتخب للطريحي : 499 .

(234)

سَفكتم دمـاءً حرَّم الله سَفكهـا * وحَـرّمهـا القـرآن ثـم محمّدُ
ألا فـابشروا بـالنارِ أنّكـم غَداً * لـَفي سَقرٍ حَقّـاً يَقينـاً تخلدوا
وإنّي لأَبْكي في حَياتي على أخي * علـى خير مَنْ بَعد النبيّ سيولدُ
بِـدمعٍ غَـزيرٍ مُستهلٍ مُكفكف * علـى الخدّ مني دائماً ليسَ يجمدُ
قال الراوي : فضجّ الناس بالبكاء والنوح ، ونشرت النساء شعورهنّ ، ووضعْنَ التراب على رؤسهنّ ، وخَمشْنَ وجوههنّ ، وضربْنَ خدودهنّ ، وعدوْنَ بالويل والثبور ، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم ، فلم يُرَ باك ولا باكية أكثر من ذلك اليوم (1) .

شعرها :
قالت اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سلام الله عليه عندما رجعت إلى المدينة المنورة :
مَـدينـةُ جَـدّنـا لا تَقبلينـا * فبـالحسراتِ والأحزانِ جِينا
ألا فـاخبر رسـولَ الله عـنّا * بـأنا قَـد فُجعنا فـي أخينا
وأنّ رِجالنا في الطفِّ صَرعى * بلا رؤوس وقَد ذَبحوا البنينا
وأخبـر جَدّنا إنّـا اُسـرنـا * وبـعدَ الأسرِ يـا جـد سُبينا
ورهطكَ يا رسولَ الله أضحوا * عـرايا بـالطفـوفِ مُسلّبينا
وَقد ذبحوا الحسين ولم يُراعوا * جنـابكَ يـا رسولَ الله فينا
فَلو نَظـرتْ عُيونكَ للاُسارى * علـى قتبِ الجِمـال مُحمّلينا
رَسول اللهِ بعدَ الصونِ صارتْ * عُيـون النـاس ناظرةً إلينا
وكُنتَ تحوطُنا حَتـى تـولّت * عُيـونكَ ثـارتْ الأعدا عَلينا
أفاطمُ لَو نظرتِ إلـى السبايا * بَنـاتكِ فـي البـلادِ مُشتتينا
أفاطمُ لَو نظرتِ إلى الحيارى * ولـو أبصـرتِ زينَ العابِدينا

____________
1 ـ اللهوف : 66 .
(235)

أفاطمُ لَـو رأيتينا سهـارى * ومِنْ سَهرِ الليالي قَد عمينا
أفـاطمُ مـا لَقيتِ مِن عداكِ * ولا قيـراط ممّا قـد لَقينا
فَلو دامتْ حيـاتُكِ لَـم تزالي * إلى يـومِ القِيـامة تَندبينا
وعَرّج بـالبقيعِ وَقفْ ونـادِ * أأينَ حـبيبَ ربّ العـالمينا
وقُل يا عمّ يا الحسن المزكّى * عيال أخيكَ أضحوا ضائعينا
أيـا عمّاه إنّ أخاك أضحـى * بَعيداً عـنكَ بالرمضا رهينا
بلا رأسٍ تَنوح عليـه جَهراً * طيورٌ والوحوشُ الموحشينا
ولَو عاينتَ يا مولاي سـاقوا * حَـريماً لا يجدنَ لهم مُعينا
على متنِ النياقِ بـلا وطاءٍ * وشـاهـدتَ العيالَ مُكشّفينا
مَدينـة جـدّنـا لا تقبلينـا * فبـالحسراتِ والأحزانِ جِينا
خَرجنا منكِ بالأهـلين جـمعاً * رَجعنـا لا رجـالَ ولا بنينا
وكنّا في الخروجِ بجمعِ شملٍ * رَجعنـا حـاسرينَ مُسلّبينا
وَنحنُ في أمـانِ اللهِ جَهـراً * رَجعنـا بـالقطيعةِ خائِفينا
ومولانـا الحُسين لَنـا أنيسٌ * رَجعنـا والحسين بهِ رَهينا
فنحنُ الضائِعـات بـِلا كفيلٍ * ونـحنُ النائِحات على أخِينا
ونحنُ السائرات على المطايا * نُشال عـلى جمالِ المُبغضينا
ونـحنُ بنـات ياسين وطـه * ونـحنُ البـاكيات على أبِينا
ونحنُ الطاهرات بـلا خَفاء * ونحنُ المخلصون المصطفونا
ونحنُ الصابرات على البلايا * ونحنُ الصادِقون النـاصِحونا
ألا يـا جدّنـا قَتلـوا حُسيناً * وَلـم يرعوا جنـابَ اللهِ فينا
ألا يا جـدّنا بَـلغتْ عِدانـا * مُنـاها واشتفـى الأعداءُ فِينا
لَقد هَتكوا النساءَ وحمّلوهـا * علـى الأقتابِ قهـراً أجمعينا
وزينبُ أخرجُوها مِن خِباهـا * وفـاطمُ والهٌ تُبـدي الأنينـا



(236)

سُكينةُ تَشتكي مِن حرّ وجدٍ * تُنادي الغـوثَ ربَّ العَالمينا
وزينُ العـابِديــن بِقيدِ ذلٍ * ورامــوا قَتله أهلُ الخؤنا
فبَعدهم علـى الدُنيا تـراب * فكأس الموتِ فيها قَدْ سُقينا
وهذه قُصتي معَ شرحِ حالي * ألا يا سامعون ابكوا عَلينا (1)
وأنشدت في خطبتها عدة أبي ات أولها :
قتلتم أخي صبراً فويل لاُمكم * ستجزون ناراً حرّها يتوقّد (2)

96 اُم كلثوم الوسطى
بنت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وزوجة مسلم بن عقيل بن أبي طالب .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : في عمدة الطالب : محمّد بن عبدالله بن محمّد ابن عقيل بن أبي طالب ، اُمّه حميدة بنت مسلم بن عقيل ، اُمّها اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (3) .
فهذا يدلّ على أنّ مسلماً كان متزوجاً باُم كلثوم بنت عمّه علي بن أبي طالب ، وولد له منها بنت اسمها حميدة ، وحميدة هذه تزوّجها ابن عمها عبدالله بن محمّد بن عقيل ، وولدت له محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عقيل .
و اُم كلثوم هذه ـ التي هي زوجة مسلم بن عقيل ـ غير اُم كلثوم الصغرى التي كانت متزوّجة بأحد أعقابه ، فلا يمكن أن تكون زوجته ، وغير اُم كلثوم الكبرى أيضاً ؛ لأنّه لم يقل أحد أنّها كانت متزوّجة بمسلم .
____________
1 ـ نسبَ الطريحي في منتخبه : 499 هذه القصيدة لاُم كلثوم ، ونقلها عنه الحاج علي دخيّل في كتابه « اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام » : 42 ـ والظاهر أن البيتين الأوّلين لها فقط ، كما نقلته أكثر المصادر ، أما بقية القصيدة فلعلّها من نظم أحد الشعراء . ويتّضح ذلك جلّياً من خلال البيتين السادس عشر والسابع عشر ، حيث تخاطب فيهما الإمام الحسن عليه السلام بقولها : يا عم ، عماه .
2 ـ اللهوف : 66 .
3 ـ عمدة الطالب : 32 .