مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 481 ـ 490
(481)
فخضوع أحد أمام موجود وتكريمه ـ مبالغاً في ذلك ـ دون أن ينبع من الاعتقاد بالوهيته لا يكون شركاً ولا عبادة لهذا الموجود ، وإن كان من الممكن أن يكون حراماً ، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها ، فإنّها وإن كانت حراماً في الشريعة الإسلامية ، لكنها ليست عبادة ، فكون شيء حراماً ، غير القول بأنّه عبادة ، فإنّ حرمة السجود أمام بشر من غير اعتقاد بالوهيته وربوبيته إنّما هي لوجه آخر.
    من هذا البيان يتضح جواب سؤال يطرح نفسه في هذا المقام ، وهو إذا كان الاعتقاد بالإلوهية أو الربوبية أو التفويض ، شرطاً في تحقق العبادة ، فيلزم أن يكون السجود لأحد دون ضم هذه النيّة جائزاً ؟
    ويجاب على هذا : بأنّ السجود حيث إنّه وسيلة عامة للعبادة ، وحيث إنّ بها يعبد اللّه عند جميع الأقوام والملل والشعوب وصار بحيث لا يراد منه إلاّ العبادة ، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد من هذه الوسيلة العالمية حتى في الموارد التي لا تكون عبادة ، وهذا التحريم إنّما هو من خصائص الإسلام إذ لم يكن حراماً قبله ، وإلاّ لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف ( عليه السَّلام ) ، إذ يقول : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُُّّوا لَهُ سُجَّداً ) (1).
    لقد استدل بعض المحقّقين (2) بالآيات التالية على حرمة السجود لغير اللّه مطلقاً حتى لو لم يكن بعنوان العبادة : ( لا تَسْجُدُوا لِلْشَمْسِ وَلاَ لِلقَمَرِ وَاسْجُدُوا للّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
    1 ـ يوسف : 100.
    2 ـ البيان : 504.


(482)
تَعْبُدونَ ). (1)
    ( وَأنَّ الْمَسَاجِدَ للّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدَاً ) . (2)
    ولكن الإمعان في هاتين الآيتين يفيد أنّ الهدف هو : تحريم السجدة التي تكون بقصد العبادة لا ما كان بقصد التعظيم ، إذ يقول في أُولى الآيتين : ( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدونَ ) ويقول في ثانيتهما : ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدَاً ) على أنَّنا سنقول في المستقبل إنّ المقصود بالدعوة ـ هنا ـ هو : العبادة ، لذلك فالأفضل ـ في هذا المجال ـ أن نستدل بالإجماع والأحاديث ، ولذلك استدل هو بنفسه بعد الاستدلال بالآيتين الآنفتين بالإجماع ، إذ قال : « فقد أجمع المسلمون على حرمة السجود لغيراللّه ».
    قال الجصاص : قد كان السجود جائزاً في شريعة آدم ( عليه السَّلام ) ، للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقياً إلى زمان يوسف ( عليه السَّلام ) ، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضرباً من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا ، وبمنزلة تقبيل اليد ، قد روي عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في إباحة تقبيل اليد أخبار ، وقد روي الكراهة ، إلاّ أنّ السجود لغير اللّه على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أنّ النبي قال : « ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها ». (3)
    1 ـ فصلت : 37.
    2 ـ الجن : 18.
    3 ـ أحكام القرآن : 1/32 ، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص (المتوفّى عام 370 هـ).


(483)
    إلى هنا استطعنا ـ بشكل واضح ـ أن نتعرف على حقيقة « العبادة » و« الشرك » ويلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول : إذا خضع أحد أمام آخرين وتواضع لهم ، لا باعتقاد أنّهم « آلهة » أو « أرباب » أو « مصادر للأفعال والشؤون الإلهية » بل لأنّ المخضوع لهم إنّما يستوجبون التعظيم ، لأنّهم ( عِبَادٌ مُكَرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1) فإنّ هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والتكريم لن يكون عبادة قطعاً ، فقد مدح اللّه فريقاً من عباده بصفات تستحق التعظيم عندما قال : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ). (2)
    وفي موضع آخر من القرآن صرح اللّه تعالى باصطفاء إبراهيم لمقام الإمامة ، إذ يقول تعالى : ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ). (3)
    وكل هذه الأوصاف العظيمة التي مدح اللّه بها : نوحاً وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمداً ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ أُمور توجب نفوذهم في القلوب والأفئدة ، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أنّ مودة بعض الأولياء فرضت علينا بنصِّ القرآن. (4)
    فإذا احترم أحد هؤلاء ، في حياتهم أو بعد وفاتهم ، لا لشيء إلاّ لأنّهم عباد اللّه المكرمون ، وأولياؤه المقربون ، وعظمهم دون أن يعتقد بأنّهم « آلهة » أو « أرباب »
    1 ـ الأنبياء : 26 ـ 27.
    2 ـ آل عمران : 33.
    3 ـ البقرة : 124.
    4 ـ ( قُل لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (الشورى : 23).


(484)
أو « مصادر للشؤون الإلهية » لا يعد فعله عبادة ـ مطلقاً ـ ولا هو مشركاً أبداً.
    وعلى هذا لا يكون تقبيل يد النبي أو الإمام أو المعلم ، أو الوالدين ، أو تقبيل القرآن أو الكتب الدينية ، أو أضرحة الأولياء وما يتعلّق بهم من آثار ، إلاّ تعظيماً وتكريماً لا عبادة.
نحن ومؤلّف تفسير المنار
    وفي ختام هذا البحث يجدر بنا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى طائفة من التعاريف للعبادة ، ونذكر بعض ما فيها من الضعف :
    1. قال في المنار : العبادة ضرب من الخضوع ، بالغ حد النهاية ، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود لا يعرف منشؤها واعتقاده بسلطة لا يدرك كنهها وماهيتها. (1)
    وهذا التعريف لا يخلو عن قصور ، إذ بعض مصاديق العبادة ، لا تكون خضوعاً شديداً ، ولا يكون بالغاً حد النهاية كبعض الصلوات الفاقدة للخشوع ، ثم ربما يكون خضوع العاشق أمام معشوقته والجندي أمام آمره ، أشدَّ خضوعاً مما يفعله كثير من المؤمنين باللّه تجاه ربّهم في مقام الدعاء والصلاة والعبادة ، ومع ذلك لا يقال لخضوعهما بأنّه عبادة ، في حين يكون خضوع المؤمنين تجاه ربهم عبادة وإن كان أخف من الخضوع الأوّل.
    نعم لقد ذكر هذا المؤلف نفس هـ في حنايا كلام هـ ما يمكن أن يكون معرّفاً صحيحاً للعبادة ومتفقاً ـ في محتوا هـ مع ما قلناه حيث قال :
    للعبادة صور كثيرة في كل دين من الأديان شرِّعت لتذكير الإنسان بذلك
    1 ـ تفسير المنار : 1/57.

(485)
الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة ، وسرها. (1)
    إنّ عبارة : « الشعور بالسلطان الإلهي » حاكية عن أنّ الفرد العابد حيث إنّه يعتقد بالوهية المعبود ، لذلك يكون عمله عبادة وما لم يتوفر مثل هذا الاعتقاد في عمله لا يتصف بالعبادة.
    2. وقد جاء شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت بتعريف يتحد مع ما ذكره صاحب المنار معنى ويختلف معه لفظاً ، فقال :
    العبادة خضوع لا يحد لعظمة لا تحد. (2)
    فالتعريفان متحدان نقداً وإشكالاً ، فليلاحظ ، وان كان تفسير المنار يختص بإشكال آخر ، حيث إنّه يقول : « العبادة ناشئة عن استشعار القلب عظمة لا يعرف منشؤها » في حين أنّ العابد يعلم أنّ علة العظمة هي : السلطة الإلهية ، التي هي الوهية المعبود والإحساس بالحاجة الشديدة إليه ، وأنّ بيده مصير العابد ، وغير ذلك من الدوافع ، فكيف لا يعرف منشؤها؟. (3)
    3. وأكثر التعاريف عرضة للإشكال هو تعريف ابن تيمية ، إذ قال :
    العبادة اسم جامع لكل ما يحبه اللّه ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنية والظاهرية كالصلاة ، والزكاة والصيام ، والحج ، وصدق الحديث ، وإداء الأمانة وبر الوالدين ، وصلة الأرحام. (4)
    وهذا الكاتب لم يفرق ـ في الحقيقة ـ بين العبادة ، وبين التقرّب ، وتصوّر أنّ
    1 ـ تفسير المنار : 1/57.
    2 ـ تفسير القرآن الكريم : 37.
    3 ـ آلاء الرحمن : 59.
    4 ـ مجلة البحوث الإسلامية : العدد2/187 نقلاً عن كتاب « العبودية » : 38.


(486)
كل عمل يوجب القربى إلى اللّه فهو عبادة له تعالى أيضاً ، في حين أنّ الأمر ليس كذلك ، فهناك أُمور توجب رضا اللّه ، وتستوجب ثوابه قد تكون عبادة كالصوم والصلاة والحج ، وقد تكون موجبة للقربى إليه دون أن تعد عبادة كالإحسان إلى الوالدين وإعطاء الزكاة والخمس ، فكل هذه الأُمور (الأخيرة) توجب القربى إلى اللّه في حين لا تكون عبادة ، وإن سميت في مصطلح أهل الحديث عبادة فيراد منها كونها نظير العبادة في ترتب الثواب عليها.
    وبعبارة أُخرى : إنّ الإتيان بهذه الأعمال يعد طاعة للّه ، ولكن ليس كل طاعة عبادة.
    وإن شئت قلت : إنّ هناك أُموراً عبادية ، وأُموراً قربية ، وكل عبادة قربة ، وليس كل قربة عبادة ، فدعوة الفقير إلى الطعام والعطف على اليتيم ـ مثلاً ـ توجب القرب ولكنها ليست عبادة ، بمعنى أن يكون الآتي بها عابداً بعمله للّه تعالى.


(487)
5
ما هو معنى الإلوهية
وما هو ملاكها؟
    إذا كانت العبادة هي الخضوع أمام أحد بما هو « إله » (1) ، فيقع الكلام في معنى ال ـ : « إله » فنقول : لا نظن أنّ القارئ الكريم يحتاج في فهم معنى : « إله » إلى التعريف ، فإنّ لفظي : « إله » و « اللّه » من باب واحد ، فما هو المتفاهم من الثاني « أي اللّه » هو المتفاهم من الأوّل « أي إله » ، وإن كانا يختلفان في المفهوم اختلاف الكلي والفرد.
    غير أنّ لفظ الجلالة علم لفرد من ذاك الكلي ولمصداق منه ، دون ال ـ : « إله » فهو باق على كلّيته وإن لم يوجد عند الموحّدين مصداق آخر له ، بل انحصر فيه.
    1 ـ هذا هو أحد التعاريف الماضية في البحث السابق ، وكانت هناك تعاريف أُُخرى من كونها : الخضوع أمام أحد بما هو رب ، أو بما هو غني في فعله عن غيره ، أو بما هو مصدر للشؤون الإلهية كالشفاعة والمغفرة ، فراجع. وقد أوضحنا أنّ هذه القيود جيء بها للإشارة إلى أنّ ـ ها ليست مطلق الخضوع بل هو قسمٌ خاصٌّ منه وإنّ دخول هذه القيود في مفهوم العبادة على غرار دخول الدائرة في مفهوم القوس وإنّه من باب زيادة الحد على المحدود فراجع.

(488)
فكما أنّه لا يحتاج أحد في الوقوف على معنى لفظ الجلالة إلى التعريف فلفظة « إله » مثله أيضاً ، إذ ليس ثمة من فارق بين اللفظتين إلاّ فارق الجزئية والكلية ، فهما على وجه كزيد وإنسان ، بل أولى منهما لاختلاف الأخيرين (زيد وإنسان) في مادة اللفظ بخلاف « إله » و « اللّه » ، فهما متحدان في تلك الجهة ، وليس لفظ الجلالة إلاّ نفس إله حذفت همزته وأُضيفت إليه « الألف واللام » فقط ، وذلك لا يخرجه عن الاتحاد ، لفظاً ومعنى.
    وإن شئت قلت : إنّ ها هنا اسماً عاماً وهو « إله » ويجمع على « آلهة » ، واسماً خاصاً وهو « اللّه » ولا يجمع أبداً ، ويرادفه في الفارسية « خدا » وفي التركية « تاري » وفي الانجليزية « گاد » غير أنّ الاسم العام والخاص في اللغة الفارسية واحد وهو « خدا » ويعلم المراد منه بالقرينة ، غير أنّ « خداوند » لا يطلق إلاّ على الاسم الخاص ، وأمّا « گاد » في اللغة الانجليزية فكلما أُريد منه الاسم العام كتب على صورة « god » وأمّا إذا أُريد الاسم الخاص فيأتي على صورة « God » وبذلك يشخص المراد منه.
    ولعل اختصاص هذا الاسم باللّه بخالق الكون كان بهذا النحو : وهو أنّ العرب عندما كانت في محاوراتها تريد أن تتحدث عن الخالق كانت تشير إليه ب ـ « الإله » أي الخالق ، والألف واللام المضافتان إلى هذه الكلمة كانتا لأجل الاشارة الذهنية (أي الإشارة إلى المعهود الذهني) ، يعني ذاك الإله الذي تعهده في ذهنك ، وهو ما يسمّى في النحو بلام العهد ، ثم أصبحت كلمة « الإله » مختصة في محاورات العرب بخالق الكون ، ومع مرور الزمن انمحت الهمزة الكائنة بين اللامينوسقطت من الألسن وتطورت الكلمة من « الإله » إلى « اللّه » التي ظهرتفي صورة كلمة جديدة واسم خاص بخالق الكون تعالى وعلماً له


(489)
سبحانه (1).
    وإلى ما ذكرنا يشير العلاّمة الزمخشري في « كشافه » : اللّه أصله : الإله ، قال الشاعر :
    معاذ الإله أن تكون كظبية ولا دمية ولا عقيلة ربرب (2)
    ونظيره : الناس أصله ، الاناس ، فحذفت الهمزة ، وعوض عنها حرف التعريف ، ولذلك قيل في النداء يا اللّه بالقطع ، كما يقال : يا إله ، والإله من أسماء الأجناس كرجل وفرس (3).
    وينقل العلامة الطبرسي في « تفسيره » عن سيبويه أنّ « اللّه » أصله « إله » على وزن فعال ، فحذفت فاء فعله ، وهي الهمزة ، وجعلت الألف واللام عوضاً لازماً عنها ، بدلالة استجازتهم قطع هذه الهمزة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء في قوله : يا اللّه اغفر لي ، ولو كانت غير عوض لم تثبت الهمزة في غير هذا الاسم. (4)
    وقال الراغب في « مفرداته » : « اللّه أصله إله ، فحذفت همزته وأُدخل عليه الألف واللام ، فخصّ بالباري تعالى ولتخصّصه به قال تعالى : ( هَلْ تَعْلَمْ لَهُ سَمِّياً ). (5)
    وعلى ذلك فلا نحتاج في تفسير إله إلى شيء وراء تصوّر أنّ هذا اللفظ كلي
    1 ـ في هذا الصدد نظريات أُخرى أيضاً راجع لمعرفتها تاج العروس : 9 مادة « أله ».
    2 ـ استعاذ الشاعر باللّه من تشبيه حبيبته بالظبية أو الدمية ، والربرب : هو السرب من الوحش.
    3 ـ الكشاف : 1/30 تفسير البسملة.
    4 ـ مجمع البيان : 1/19 طبعة صيدا.
    5 ـ مفردات الراغب : 31 مادة « إله ».


(490)
لما وضع عليه لفظ الجلالة ، وبما أنّ هذا اللفظ من أوضح المفاهيم ، وأظهرها فلا نحتاج في فهم اللفظ الموضوع للكلي إلى شيء أبداً ، نعم إنّ لفظ الجلالة وإن كان علماً للذات المستجمعة لجميع صفات الكمال ، أو الخالق للأشياء ، إلاّ أنّ كون الذات مستجمعة لصفات الكمال ، أو خالقاً للأشياء ليسا من مقومات معنى الإله ، بل من الخصوصيات الفردية التي بها يمتاز الفرد عمّن سواه من الأفراد ، وأمّا الجامع بينه وبين سائر الأفراد ، أو التي ربما تفرض (لا المحقّقة) فهو أمر سواه سنشير إليه.
    ويؤيد وحدة مفهومهما ، بالذات ، مضافاً إلى ما ذكرناه من وحدة مادتهما أنّه ربّما يستعمل لفظ الجلالة مكان الإله (1) ، أي على وجه الكلية والوصفية ، دون العلمية فيصح وضع أحدهما مكان الآخر ، كما في قوله سبحانه : ( وَهُوَ اللّهُ فِي السَّموَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ). (2)
    فإنّ وزان هذه الآية وزان قوله سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ). (3)
    ( وَلا تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ). (4)
    ( هُوَ اللّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
    1 ـ استعمالاً مجازياً مثل قول القائل : هذا حاتم قومه ويوسف أبنائه.
    2 ـ الأنعام : 3.
    3 ـ الزخرف : 84.
    4 ـ النساء : 171.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس