بسم الله الرحمن الرحيم
3
الإمام علي عليه السلام
قيادته سيرته
في ضوء المنهج التحليلي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الأستاذ الأول في جامعة الكوفة
مؤسسة العارف للمطبوعات
4
5
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الموسوعة فريدة في بابها ، مبتكرة في أسلوبها وأدائها ، ناهضة بعبء ثقيل من البحث العلمي الرصين ، نأمل أن تكون بعد كمالها « موسوعة أهل البيت عليهم السلام » إن شاء الله تعالى .
تتحدث هذه الأطروحة الجديدة عن ألآثار الإنسانية والعطاء الحضاري لكل المعصومين عليهم السلام ، فكرا عقائديا ، ومنهجا وساليا ، وأفقا موسوعيا ، وظاهرة متألقة لن تتكرر .
والعرض المنهجي ههنا يؤكد على أبرز الجوانب في حياة كل إمام ، باعتباره قائدا ورائدا وفكرا وعطاء ليس غير .
وكانت طبيعة هذا الابداع في اختيار المنهج الحديث أن تبتعد هذه الدراسة عن التراكم التقليدي في عرض الكرامات والفضائل ، فهو منهج بعد من المؤلف ، وابتعد عنه ، وقد سرده الآخرون ، بل اتخذ الاستقراء التأريخي ، وريادة المجهول ، ومنطق حقائق الأشياء بديلا عنه : في الحقل الإنساني والبعد التخطيطي وصيانة التراث
6
وقد اتسع فكر المؤلف سماحة العلامة الشيخ الدكتور محمد حسين علي الصغير الأستاذ المتمرس في جامعة الكوفة | النجف الأشرف . لدراسة هذه المعالم الجديدة التي لم يسبق إليها من ذي قبل ، واليوم يقدم لنا خمسة كتب من موسوعة الحضارية وهي :
1 ـ الإمام علي عليه السلام | سيرته وقيادته | في ضوء المنهج التحليلي .
2 ـ الإمام الحسن عليه السلام | رائد التخطيط الرسالي . رؤية معاصرة في قيادته الاستراتيجية .
3 ـ الإمام الحسين عليه السلام | عملاق الفكر الثوري . دراسة في المنهج والمسار .
4 ـ الإمام زين العابدين عليه السلام | القائد | الداعية | الإنسان .
5 ـ الإمام محمد الباقر عليه السلام | مجدد الحضارة الإسلامية .
وستتلوها بقية الكتب في الأئمة تباعا بإذن الله .
وإذ تنهض مؤسسة العارف للمطبوعات بتيسير هذه الشذرات الثمينة والآثار الخالدة للقارىء العربي ، فعسى أن ترصد المجتمع العربي والإسلامي حياة أهل البيت عليهم السلام في رؤية عصرية متطورة وعلى عادتها في نشر كل ما هو أصيل ومبتكر .
والله ـ سبحانه وتعالى ـ ولي التوفيق .
1 | 8 | 2002
بيروت | لبنـان
|
مؤسسة العارف للمطبوعات
|
7
هذه دراسة قد تكون جديدة بعض الشيء عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، تستقطب سيرته بإيجاز ، وتستوعب قيادته بتحليل ، لم تألف منهج الباحثين من ذي قبل ، فهي تعرض وتناقش ، وقد تورد وتعلل ، رائدها استقراء الحقيقة التأريخية دون إضافة أو تزيّد .
كان المنهج الموضوعي سبيلنا فيها إلى المنهج التحليلي لم نجنح لهوى ، ولم ننطق بعصبية ، حتى خلصت لنا من سيرة الإمام ما يجب أن نتمثله رمزا إنسانيا ، ومن قيادته ما ينبغي أن نجعله المثل الأعلى في الحياة السياسية ، وكان من الصعب علينا الفصل بين السيرة والقيادة عند الإمام ، حتى أنك لتجد في سيرة الإمام قيادة ، وفي قيادته سيرة .
وللإمام علي أولياء وخصوم ، وقد يغالي به بعض الأولياء ، وقد يتجنى عليه بعض الخصوم ، ولسنا من المغالين في شيء ، ولا من المعادين بسبيل ، وهذا يعني أن الدارسة لم تتأثر بالعواطف ، ولم تستجب إلى النزعات ، فابتعدت عن هوس المغرضين ، واقتربت من مناخ الباحثين الأمناء ، عرضت بدقة مركزة ملامح حياة الإمام ، وفلسفت بأمانة معالم قيادة الإمام ، تؤكد ظواهر متميزة ربما أغفلها التأريخ ،
8
وتتناسى وقائع ربما أكد عليها ، وإنك لتجد من خلال ذلك عليا وقد نصح لنفسه ولدينه وللمسلمين ، وتشاهد عليا وقد زهد في الحياة زهدا عجيبا ، وتدرك عليا وهو قدير على إدارة دفة الحكم بمنظور إسلامي محض ، لا سبيل معه للمجاملة ، ولا أثر للمحاباة .
القيادة السليمة ، والبطولة النادرة ، والتفاني في ذات الله ، والاندماج بروح الإسلام ، وإقامة الفروض والسنن ، وإحياء معالم الدين في أوليات شخصية الإمام .
البصيرة النافذة ، و العزيمة الصادقة ، والنية الخالصة ، والصراحة المدوّية مؤشرات في سياسة الإمام .
الوعي السياسي ، والعودة بالإسلام الى ينابيعه الأولى ، وإلغاء العصبية القبلية ، والمساواة في الحقوق والواجبات ، وإشاعة العدل الاجتماعي من مهمات الإمام الأساسية .
تهذيب النفس الإنسانية ، وإصلاح المجتمع الإسلامي ، وتقويم تصرفات الولاة ، والابتعاد عن الأثرة من هموم علي الكبرى .
الحق والعدل منظوران تطلع إليهما الإمام ، فما أقام الحق بالباطل ، ولا أشاع العدل بالظلم ، فما كانت الغاية تبرر الوسيلة في قيادته للأمة .
مكانة يتناساها الأغمار ، وخصائص يتجاهلها القادة ، وسماح يستغله السواد الأعظم . سلبيات نتج عنها : مضيعة في الحقوق ، وتعطيل للأحكام ، واضطراب في الأقاليم ، والإمام من ذلك في محنة أثر محنة حتى ظن به الجزع .
حياة في البذخ والسرف يحياها المسلمون ، ومناخ من التسلط
9
والاستعلاء يعتاده السلطان ، وتشتت في المذاهب يألفه العرب ، ولكن مساوؤه المتأصلة والطارئة ، والإمام يريد إصلاح ذلك كله ، وقد أفسد عليه رأيه بالعصيان ، ولا رأي لمن لا يطاع .
الجانب المأساوي في ظلامة الإمام واضح السمات ، والصبر الجميل في شمائل الإمام بارز الآثار .
السقيفة أسلمت الرجل الى الشورى ، والشورى أسلمته للفتنة الكبرى ، والفتنة قادته الى ثلاثة حروب طاحنة .
الفتوح تتوقف ، والبعوث تتأرجح ، والبلاد في إسلام زئبقي ظاهري لا يعرف جوهره ، ولا يدرك منهجه .
الإمام أراد أن يبني حكما أساسه الدين ، ومعاوية أراد أن يبني ملكا أساسه الدنيا ، فاندفعت الناس وراء معاوية مفضلّة الدنيا على الدين ، وكان عصر الدين قد أدبر ، وعصر الدنيا قد أقبل ، فعاد المعروف منكرا والمنكر معروفا .
النضج السياسي بعد لم تبلور ، والوعي العقائدي بعد لم يترعرع ، والروح الديني بعد لم يترسخ ، فنشأ الناس في قلق وتخلّف ، وحجزت المقاييس الخيّرة في رتاج محكم ، وتقلبت العقول بين هوى متبّع وضباب لم ينقشع ، وما كان للإمام أن يلقي الحبل على الغارب ، ولا أن يترك الإنسان سدى ، والوازع الديني يدعوه أن يمسك الأمر ما استمسك ، فساس الناس في شدة مؤدّبة ، وقادها في سير حثيث على المحجة الغراء ، فأبصر رشده من أبصر ، وتولى من تولى .
هذه هي فكرة هذه الدراسة ، وفي ضوئها انتظمت صفحاتها ، متمثلة في ثلاثة فصول رئيسة :
10
الفصل الأول ، وهو بعنوان : « علي في عصر النبوة » .
وقد استوعب حياة الإمام علي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخطوطها العامة ، فكان جنديا وقائدا وأخا وناصرا ووزيرا ووصيا .
الفصل الثاني ، وهوبعنوان : « علي بين الشيخين وعثمان » وقد ألقى الضوء على سيرة الإمام في تلك الحقبة الطويلة ، فكان محاججا وصابرا وناصحا ومشيرا ومفتيا .
الفصل الثالث ، وهو بعنوان : « علي في قيادته للأمة » فكان حاكما وسياسيا وراعيا ومحاربا ، ومرسيا لأصول التشريع الإسلامي ، وبانيا لسنن العدل الاجتماعي ، ورائدا لمعالم النظام السياسي الأمثل ، وملبّيا لنداء الضمير الإنساني .
وما استطاع علي أن يكمل مسيرته القيادية الفذة ، فقد عاجله القدر ، وذهب شهيد عظمته ومبادئه ، وبقي رمز إنسانيته وصلابته ، وللدهر أن يكشف خصائص الإمام الفريدة ، وللبحث العلمي أن يجيب عن السؤال : من هو علي بن أبي طالب ؟
وكانت مصادر هذه الدراسة كتب السيرة والتاريخ والمغازي لدى القدامى ، ومراجعها مصنفات الاستقراء المنهجي والتحليل التأريخي لدى المحدثين ، وما ورد فيها من نصوص وآثار لا يعدو هذين المنبعين فهما موارد الدراسة ومادتها التأريخية .
وكان للاجتهاد الشخصي والنقد المنهجي لدى المؤلف أثره البارز في كيان هذه الدراسة وفلسفتها .
ولا أدعي لهذه الرسالة الكمال ، ولا لمباحثها الإحاطة ، ولا لمفرداتها الشمول ، و لكنها ألق من أضواء الإمام ، ونفح من عبيره