في حياته ، هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاُ فضلاً ، يقول : ( يرثنى ويرث من ال يعقوب ) (1) ويقول : ( وورث سليمن داود ) (2) فبين عزّ وجلّ فيما وزع من الاقساط ، وشرع من الفرلئض والميراث ، وأباح من حظ الذكران والاناث ، ما أزاح علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغارين ، كلا ( بل سولت لكم انفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) (3)
وقال : ( يوصيكم الله في اولد كم للذكر مثل حظ الانثيين ) (4)
وقال: : ( ان ترك خيراً الوصيه للولدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) (5) وزعمتم أن لا حطوة لي ، ولا إراث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله باية أخرج منها ابي صلى الله عليه وآله و سلم . أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ، أولست أنا وابي من أهل ملة واحدة ، أم أنتم أعلم بخصوص القران وعمومه من ابي وابن عمي ، فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيمامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذا تندمون ( لكل نبأ مستقروسوف تعلمون ) (6) ( من ياتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) (7) .
ثم رنت بطرفها نحو الانصار وقالت :
يا معشر الفتية ، وأعضاد الملة ، وحضنة الاسلام ، ماهذه الغيميزة
(1) سورة مريم ، الايه : 6 .
(2) سورة النمل ، الاية : 16.
(3) سورة يوسف ، الاية :18.
(4) سورة النساء ، الاية : 11.
(5) سورة البقرة ، الاية : 180.
(6) سورة الانعام ، الاية : 67.
(7) سورة الزمر ، الاية : 40.
132
في حقي ، والسنة عن ظلامتي ، أما كان رسول الله الله صل الله عليه واليه وسلم ابي يقول : « المرء يحفظ في ولده » سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة ، ولكم طاقة بما أحاول ، وقوة على ما أطلب وأزاول ، ، اتقولون مات محمد فخطب جليل ، أستوسع وهنه ، وأستنهر فتقة ، واتفتق رتقه ، واظلمت الارض لغيبته ، واكتابت خيرة الله لمصيبته ، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت الامال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأريلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، التي لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناوه في أفيتكم فى ممساكم ومصبحكم هتافاً وصراخاً وتلاوة ، ولقبله ما حلت بانبياء الله ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افاين مات او قتل انقلبتم على اعقبكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيرجزى الله الشكرين ) (1)
فقال أبو بكر : « صدق الله وصدق رسوله ، وصدقت ابنته ، أنت معدنع الحمكة ، ومطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، لا أبعد صوابك ، ولا أنكر خطابك ، هولاء المسلمون بيني وبينك ، قلدّوني ما تقلدت ، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستاثر ، وهم بذلك شهود » .
فالتفتت فاطمه عليه اسلام إلى الناس وقالت :
« معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل ، المغضية على الفصل القبيح الخاسر ( افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها ) (2) كللابل ران على قلوبكم ما أساتم من أعمالكم ، فاخذ بسمعكم وأبصاركم ،
(1) سورة ال عمران ، الاية :144.
(2) سورة محمد ، الاية : 24 .
133
لبئس ما تاولتم ، وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه إعتضتم ، لتجدّن والله محمله ثقيلاً ، وغبّه وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء ، و بان ما وراء الضراء ، وبدا لكم ما لم تكنوا تحتسبون ، وخسر هناك المبطلون )) .
ثم عطفت الزهراء على قبر النبي صل الله عليه واليه وسلم وأنشدّت :
قد كان بعد انباء وهنبثة إنا فقدناك فقد الارض وابلها
لوكنت شاهدها لم تكثر الحط واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
قال صاحب بلاغات النساء : فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم .
قال السيد المرتضى علم الهدى ( ت : 436ه) والشيخ الاكبر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى ( ت :460ه ) ثم انكفأت وأمير المومنين يتوقع رجوعها إليه ، ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار عتبت على أمير المومنين بكلام شجّي قالت قي اخره :
« ما كففت قائلا ، ولا أغنيت طائلا ... ويلاي في كل شارق ، ويلاي في كل غارب ، مات العمد ، ووهت العضد ، شكواي إلى أبى ، وعمدواي إلى ربي » .
فقال لها أمير المومنين عليه السلام : « لا ويل لك ، بل الويل لشانئك ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة وبقية النبوة ، فما ونيت عن ديني ، ولا أخطات مقدوري ، فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون ، وكفيلك مامون ، وما اعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي ».
فقالت الزهراءعليها السلام : حسبي الله ، وأمسكت .
شقّت شكاية الزهراء عليها السلام عنان السماء ، وبلغت تخوم الارض ، فتزلزت ضمائر الناس ، وتنهدت قلوب المومنين ، والزهراء غضبى فى منزلها ، تنتابها العلل ، وتفترسها الالام ، وتلح عليها الامراض ، وشاع بين المهاجرين والانصار غضبها و إعرضها عن القوم ، وقد أظهرت هذا المعنى لنسائهم ، فنقلن كل مها ، وما تفوهت به الى الرجال ، منكرة تقاعسهم عن نصرتها ، وقعودهم عن نجدتها فقد روى ابو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن رجاله عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن على عليهما السلام ، وكذلك ابن ابي الحديد ، ذلك في « السقيفة » وهذا في « شرح النهج » وسواهما من المورخين قالوا :
لما مرضت الزهراء عليها السلام المرض الذي توفيت فيه ، واشتدت عليها ، اجتمعت اليها نساء المهاجرين والانصار ليعدنها ، فلسمن عليها وقلن لها : كيف اصحبت من علتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فحمدت الزهراء الله تعالى ، وصلت على ابيها ، ثم قالت : « أصحبت والله عائفة لدنياكن ، قاليةً لرجالكن ، لفظتهم بعد أن عجمتهم ، وشناتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحاً لغلول الحد واللعب بعد الجد ، وقرع الصفاة ، وصدع القناة ، وخطل الاراء ، وزلل الاهمواء ولـ ( لبئس ما قدمت لهم أنفُسُهُم ان
135
سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدين ) (1) .
لا جرم والله لقد قلدتهم رقبتها ، وحملتهم أوقتها ، وشننت عليهم غارتها ، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين ، ويحهم أنى زعزعوها عن رواسى الرسالة ، وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الامين ، والطبين بامور الدنيا والدين ( الا ذلك هو الخسران المبين ) (2)
وما الذي نقموا من ابي الحسن ؟ نقموا منه و الله نكير سيفه ، وقلة مبالاته بحتفه ، وشدة وطاته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عزّ وجلّ ، وتاالله لو مالوا عن المحجة اللائحة ، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة ، لردهّم إليها حملهم عليها و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه اليه رسول الله صلى عليه و اله و سلم ، لا عتقلهم ، ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم خشاشه ، و لايكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولا وردهم منهلاً صافياً روياً فضفاضاً ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنق جانباه ، ولا صدرهم بطاناً ، ونصح لهم سراً وإعلاناً ، ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل ، ولا يحضى من الدنيا بنائل ، غير ري الناهل شبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب ( ولو ان اهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركت من السماء والارض ولكن كذبوا فاخذنهم بما كانوا يكسبون ) (3) . ( والذين ظلموا من هولاء سيصيبهم سيات ما كسبوا وما هم بمعجزين ) (4) . الا هلم فاستمع ، وما عشت اراك الدهر عجباً ( وان تعجب
(1) سورة المائدة ، الاية : 80.
(2) سورة الزمر ، الاية : 15. ,
(3) سورة الاعراف ، الاية : 96.
(4) سورة الزمر ، الاية : 51.
136
فعجب قولهم ) (1) ليت شعري الى اي لجا لجاوا ، والى اي سناد استندوا ، وعلى اي عماد اعتمدوا ، وباي عروة تمسكوا ، وعلى اي ذرية قدموا واحتنكموا.
( لبئس المولى ولبئس العشير ) (2) ( بئس للظلمين بدلا ) (3) .
استبدلوا والله الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسبون صنعاً ( الا انهم هم المفسدون ولكان لا يشعرون ) (4) .
ويحهم ( افمن يهدى الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون ) (5) .
اما لعمري لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً ، ذعافاً مبيداً ، واطمئنوا للفتنة جاشاً ، ابشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج دائم شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فياكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً ، فيا حسرة لكم ، واني بكم ، وقد عميت عليكم ( انلزمكموها وانتم لها كرهون ). (6)
قال سويد بن غفلة : فاعادت النساء قولها على رجالهن ، فجاء اليها قوم من لمهاجرين والانصار معتذرين ، وقالوا : يا سيدة النساء لو كان ابو الحسن ذكر لنا هذا الامر من قبل ان يبرم العهد ، ويحكم
(1) سورة الرعد ، الاية : 5 .
(2) سورة الحج ، الاية 13 .
(3) سورة الكهف ، الاية : 50.
(4) سورة البقرة ، الاية : 12.
(5) سورة يونس ، الاية : 35 .
(6) سورة هود ، الاية : 28.
137
العقد ، لما عندلنا عنه الي عيره .
فقالت الزهراء : اليكم عني ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا امر بعد تقصيركم .
وواضح ان الزهراء في هذه الخطبة لم تتطرق لحقوقها المالية ، وانما عرضت جهاراً الى القضية الكبرى ، وهي خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واحتجب لها بامور او جزتها على النجو الاتي :
1 ـ تعنيفها للمهاجرين والانصار على ما اقدموا عليه من استبعاد على عن الخلافة ، وهو ركن من اركان الرسالة ، والوريث الشرعي لقواعد النبوة ، والواعي بعقله وبصيرته اسرار الواحي ، والخبير الفطن الحاذق بامور الدنيا والدين .
2 ـ او عزف هذا الاستبعاد للامام عليه السلام لما نقموا من الامام ، فسيفه يقطر من دماء الطواغيت ، واقدامه يزري بالمترددين ، فهو لا يبالي بحتفه اوقع على الموت ام وقع الموت عليه ، لانه شديد الولطاة على المشركين ، ينكل بهم ، متمزاً في ذات الله لا يخشي في ذلك لومة لائم ، مستقيماً لا ينحرف ، ومعهتدلاً لا يتاود.
3 ـ اوضحت الزهراء الخصائص القيادية التي توْهل الامام علي لقيادة الامة ، فلو مال المسلمون عن الجادة ، وزالوا عن قبول الحخة ، لردهم اليها وحملهم عليها ، ولسار بهم سيرة رسول الله في الصغيرة والكبيرة ، فهو ممسك بزمام الامرفي ضوءهدي الرسول وتعليماته .
4 ـ استظهرت الزهراء في هذا الاحتجاج ، وهذه المقارنة ، سيرة الامام لو قدر له ان يتسلم السلطان ، فسيره باسجاح واسماح ومرونة دون شدّة ولا اضطراب ، حتي يستهوي المسلمين بهداه ، فيواصلون
138
المسيرة امنين مطمئنين حتي الغاية القصوى ، فيوردهم بذالك النمير الصافي الروي الفضفاض الغزير المتطامن الذي تطفح ضفتاه فتبعد القذى والشوائب ، فيعود مصدراً نقياً ، ومورداً عذباً ، لا رنق فيه ولا غصة ، فيصدر المسلمون بطاناً ، وتفتح لهم السماء بركاتها .
5 ـ وعطفت الزهراء باستظهار الخصائص النفسية ، والطبيعة السلوكية للامام علي ، فهو ينصح للمسلمين في السر والعلن ، وهو يواسيهم في المكاره والمحن ، فلا يحتجن لنفسه مالاً ، ولا يحتجز دونهم طائلاً ، زاهداً لا يحظى من الدينا بنائل ، إلا ما يفتات به لتقويم أوده ، وإقامة صلبه ، فعيشه الكفاف ، وحياته القناعة ، وبذلك يتميز عن الراغبين في الحكم لذاته ، والحائدين عن الصدق في إدارة دفة الحكم .
6 ـ انحت الزهراءء باللائمة على قريش في ابتزازها أمر الخلافة دون الالتجاء الي ركن وثيق ، أو التعلق بحبل متين ، فلا سناد ولا عماد سوى الاثرة والاستئثار فاقد موا على ال الرسول واحتنكوا ضدهم ظالمين لهم ، وهم بذلك يستبدلون الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطسهم إذ يحسبون أنهم يحسنون صنعاً إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، فالحق احق ان يتبعّ .
7 ـ ولخصت الزهراء عليها السلام ما ينتظر للامة من الفتن ، وسفك الدماء ، واستيلاء الفوضى ، فلا الحقوق مصونة ، ولا الحرمات بذمة ، ولا الاحكام عادلة ، وانما هو السيف الصارم ، والسطوة للمعتدي الغاشم ، والهرج الدائم المستمر ، واستبداد الظالمين ، فالفيء زهيد ، والجمع حصيد ، حيث لا تنفع الحسرة ، وقد عميت عليهم من كل الجهات .
وكان لهذه الخطبة على وجازتها اثر أي في استنجاد الهمم ،
139
واستثارة العواطف ، وقد وضعت الزهراء فيها النقاط على الحروف ، فلم تكن اعتباطية المنشا ، ولا عاطفية المصدر ، ولكنها الحجاج الصارخ في لغة القوم و لقد عز على ابى بكر و عمر هذا المنجى و ساءتهم هذه المقالة فارادا امتصاص النقمة عسى ان تعود المياه الى مجاريها كما يقال ، فتشاورا فيما بينهما ، فقرّ الراي ان ينطلقا الى الزهراء عسى أن تغضي شيئاً ما ، إن لم ترضَ كل الرضا ، فسارا إلى بيتها ، وإستأذنا على فاطمة ، فأبت وردّهما ثم استأذنا عليها فأبت وردتهما ، فما كان منهما إلا أن ذهبا إلى علي عليه السلام يستعطفانه في الإذن لهما ، فأعطاهما ذلك ، وهو المعروف بحيائه ورقتّه وصفائه ومروئته ، فقد أبت مكوناته النفسية أن يردّهما أو يرفضهما ، وفاوض الزهراء بذلك وعرض عليها الأمر ، فقالت : البيتُ بيتك ، والحرة زوجتك ، فطارا فرحاً بهذا الإذن ، ودخلا على الزهراء فسلما فلم تجب ، وقعدا أمامها في ذلة وخضوع ، فحولت بوجهها عنهما إلى الحائط ، وألحّا في الكلام ، وألّحت بالسكوت ، وحرصا على السؤال ، فحرصت على عدم الإجابة ، وأعاد أبو بكر حديث الإرض وسهم ذوي القربى وفدك ، فأعرضت عن الخوض في ذلك ، وأضربت عنه صفحاً ، فهي أكبر من المال ، وأوسع قلباً من الأرض ، فقد هُدرت كرامتها ، وجُرحت كبرياؤها ، وأستهين بقدرها ، وهي وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض ، وألحف الشيخان في أن تكلمهما إلحافاً ، وأصرا في ذلك إصراراً ، فقالت لهما ، بعيداً عن المناخ الذي كانا فيه :
« أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرفانه وتعملان به ، فأجابها الشيخان نعم . قالت : نشدتكما الله ... ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد
140
أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني » .
قالا : قد سمعناه من رسول الله .
فرفعت كفيها إلى السماء وقالت :
« فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت رسول الله لأشكوكما إليه » .
فوقع كلامها منهما وقوع الصاعقة ، وقاما يتعثران بأذيال الخيبة ، وعلما مدى غضب الزهراء ، وأجهش أبو بكر بالبكاء وكان رقيق القلب ، وأنّبه عمر على هذه الرقة ، وزاد همّ أبي بكر وحزنه ، وتلاشى أمله ورجاؤه ، وطفق إلى المسلمين ملتمساً أن يقيلوه من خلافتهم ، وكان التماسه هذا بعد فوات الأوان .
وما برحت الزهراء عليها السلام طريحة فراش ، وضجيعة متكأ ، تنتابها برحاء المرض ، وتودي بزهرة شبابها لوعة الأسى ، وتخنق أنفاسها مرارة الألم ، حتى قرب أجلها ، ودنا رحيلها ، وهي معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، يخشى عليها ساعة بعد ساعة ، ولم يطل بها المقام بعد أبيها إلا ستة أشهر في أكثر الروايات مدة ، وأطولها زمناً.
ثم استدعت علياً ، وأوصته بوصاياها الخاصة والعامة ، وقالت : « إني أنشدك الله ألا يصليا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري ، وأدفني بالليل ، ولا تعلم أحداً » .
وكان هذا إمعاناً في النكير على القوم ، وإظهاراً للغضب والنقمة يؤكد ذلك أيضاً البند الثالث من وصيتها الخطبة لأمير المؤمنين عليه السلام :
« أن لا يشهد أحداً جنازتها ، ممن كانت غاضبة عليهم ، وأن لا