ما الذي نقمتم على عليّ حتى خرجتم عليه تقاتلوه ؟
فقالوا : لأنه ليس بأولى بالخلافة منا ، وقد صنع ما صنع .
فقال لهم : إن الرجل قد أمرني أن أسألكم ، واكتب إليه بجوابكم ، وطلب منهم أن يصلي بالناس حتى يأتي جوابه ، فوافقوا على ذلك ، ولم يلبثوا إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه ، وأخذوه أسيراً ، ولولا خوف الأنصار من رهطه لقتلوه ، ومع ذلك فقد مثلوا به حياً ، ونتفوا شعر حاجبيه ولحيته وأشفار عينيه .
ويرى ابن قتيبة : أن المتمردين إتفقوا مع عثمان بعد معارك ذهب ضحيتها عدد كبير من الصالحين : أن لعثمان دار الإمارة والمسجد وبيت المال ، وأن ينزل أصحابه حيث شاؤوا بالبصرة ، وأن لطلحة والزبير ومن معهما أن يقيما في البصرة إلى أن يدخلها عليٌّ عليه السلام ، فإذا اجتمعت كلمتهم بعد دخوله واتفقوا ، كفاهم الله شر الفتنة ، وإن لم تتفق كلمتهم فلكل فريق أن يصنع ما يريد .
وانصرف عثمان إلى عمله مطمئناً ، وتفرق أنصاره في أعمالهم ، فغدر طلحة والزبير ، وهاجموا الوالي مباغتة في ليلة مظلمة ممطرة ، فقتلوا الحرس ومن في الدار حتى بلغ عدد القتلى أربعين رجلاً ، واستولوا على بيت المال ، وأخذ عثمان بن حنيف أسيراً ، ونتف مروان شعر وجهه ورأسه .
وتمت سيطرة المتمردين على البصرة ، فلما جاء وقت صلاة الفجر ـ فيما يذكره اليعقوبي في تأريخه ـ تنازع طلحة والزبير على الصلاة ، وجذب كل منهما الآخر من المصلى ، واستمر النزاع بينهما حتى كاد أن يفوت وقتها ، فصاح الناس : الصلاة الصلاة يا أصحاب
262
محمد ، وهي سخرية لاذعة بالقوم ، وتناهى النبأ إلى عائشة فحسمت النزاع ، وأمرت أن يصلي بالناس محمد بن طلحة يوماً ، وعبد الله بن الزبير يوماً .
ويبدو من الأحداث أن عثمان بن حنيف كان راغباً في السلم حتى يأتيه أمر الإمام ، وكان يدفع الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وكان قد أكثر من المناظرة والمحاورة والمحاولة مع القوم حتى تمت الهدنة إلى حين قدوم الإمام ، ولكن المتمردين بادروا الحرب ليلاً ، فقتلوا ـ كما يرى المسعودي ـ سبعين رجلاً من أنصار ابن حنيف ، منهم خمسون رجلاً قتلوا صبراً ، وجرحوا عدداً كبيراً من الناس ، ومثلّوا بآخرين .
وتناهت الأخبار بهذا إلى أمير المؤمنين ، وكان يأمل أن يتراجع المتمردون عن الحرب ، وكان يميل إلى إصلاحهم متجنباً الفرقة وسفك الدماء ، ولما يئس من هذا الملحظ ، نهض إلى البصرة في جيشه مسرعاً عسى أن يتدارك الأمر بنفسه ، ولكن القوم كانوا قد استولوا على البصرة ، وأكثروا فيها الفساد ، فأسرع الإمام لئلا يبلغ السيل الزبى ، فزحف إليها زحفاً عسكرياً منظماً يصفه المسعودي في مروج الذهب وصفاً دقيقاً برواية المنذر بن الجارود العبدي ، ونحن نجملها لترى قيادة الإمام في رجاله ، مقارناً بينها وبين قيادة أصحاب الجمل من الموتورين والحاقدين على الإسلام والإمام ، قال :
« إن علياً لما قدم البصرة دخلها مما يلي الطفّ وأتى الزواية ، فخرجتُ أنظر إليه ، فورد موكب من نحو ألف فارس ، يتقدمهم فارس على فرس أشهب ، عليه قلنسوة وثياب بيض ، متقلد سيفاً ، معه راية وتيجان يغلب عليها البياض والصفرة ، مدججين بالحديد والسلاح ،
263
فقلت من هذا ؟ لي : إنه أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهؤلاء الأنصار وغيرهم .
ثم تلاه فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض ، متقلد سيفاً ، متنكب قوساً ، معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس ، فقلت من هذا ؟ فقيل هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين .
ثم مرّ بنا فارس آخر على فرس كميت ، معتم بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء ، وعليه قباء أبيض مصقول ، متقلد سيفاً ، متنكب قوساً في نحو ألف فارس ، فقلت من هذا ؟ فقيل لي : أبو قتادة بن ربعي .
ثم مرّ بنا فارس على فرس أشهب عليه ثياب بيض ، وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه ، شديد الأدمة ، عليه سكينة ووقار ، رافع صوته بقراءة القرآن ، ومعه راية بيضاء وألفٌ من الناس مختلفو التيجان ، حوله مشيخة وكهول وشبان ، كأنما قد وقفوا للحساب ، قد أثر السجود في جباههم ، فقيل لي : هذا عمار بن ياسر في عدة من المهاجرين والأنصار وأتباعهم .
ومرّ بنا فارس آخر على فرس أشقر تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس ، فقيل لي : هذا قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري في الأنصار وأبنائهم وغيرهم من قحطان .
ومرّ بنا موكبٌ فيه خلق كثير من الناس ، عليهم السلاح والحديد مختلفو الرايات ، يتقدمهم رجل شديد الساعدين ، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق ، كأنما على رؤوسهم الطير ، وفي مسيرتهم شاب حسن الوجه ، فقيل لي هذا علي بن أبي طالب ، وهذان الحسن والحسين
264
عن يمينه وشماله ، وهذا محمد ابن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى ، والذين خلفه : عبد الله بن جعفر ، وولد عقيل ، وفتيان بني هاشم ، والشيوخ الذين معه أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية ، فصلى عليّ عليه السلام أربع ركعات ، ثم عفّر خديه على التربة ، وقد خالط ذلك دموعه ، ورفع يديه وقال :
« اللهم رب السماوات وما أظلت ، والأرض وما أقلّت ، ورب العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرها ، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين ، اللهم : هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي ، وبغوا عليّ ، ونكثوا بيعتي ، اللهم : احقن دماء المسلمين » .
ونزل عليّ عليه السلام في معسكره ، وأسفر لأهل الجمل الرسل والمبعوثين طالباً حقن الدماء ، وسلامة الناس ، ووحدة المسلمين ، فأبوا إلا القتال ، فما بدأهم بقتال ، ولم يشهر السلاح ، بل أمر أصحابه بالتريث والصبر ، ولكن القوم تألبوا وشجع بعضهم بعضاً ، واندلعت الحرب .
265
كان عليّ عليه السلام راغباً بالسلم ، مؤثراً الصلح ، فلمّا علم نية القوم بإرادة الحرب ، أراد أن يعذر لله وللمسلمين ولنفسه ، وشاء أن يستعمل آخر ما يجد إليه سبيلاً بإلقاء الحجة ، فأمر أحد أصحابه أن يبرز بين الصفين ـ وقد تأهبت القوى جميعاً ـ وبين يديه كتاب الله يدعوهم للعمل بما فيه والرجوع إليه ؛ وامتثل الرجل الأمر ، ورفع القرآن بكلتا يديه ، ودعاهم إلى ما فيه ، فأتته السهام كشآبيب المطر حتى سقط قتيلاً ، وحُمل إلى أمير المؤمنين فاسترجع وترحم عليه . وابتدر عمار بن ياسر رحمه الله القوم واعظاً ومؤنباً ومذكراً فقال :
« أيها الناس ما أنصفتم نبيكم صنتم عقائلكم في خدورها ، وأبرزتم عقيلته للسيوف » .
ورشق عمار ومن معه بالنبل ، وأصيب من أصيب من أصحابه ، وقتل أخ لعبد الله بن بديل ، فحمله أخوه إلى أمير المؤمنين ، وتأمل عليٌّ عليه السلام هنيئة ، فرأى وقدر وفكر ، فلم يجد بداً مما ليس منه بد ، وخرج بين الصفين ، واستدعى طلحة والزبير فخرجا إليه ، وقال لهما :
ألم تبايعاني ، قالا : بايعناك كارهين ، ولست أحق بهذا الأمر منا .
واوضح لهما كذب الدعوى ، فما إستكره الإمام أحداً على البيعة ، ثم إلتفت إلى طلحة وقال : أحرزت عرسك ، وخرجت بعرس
266
رسول الله تعرضها لما تتعرض له . وقال للزبير : كنا نعدك من آل عبد المطلب حتى نشأ ابنك ابن السوء ، ففرّق بيننا ؛ وقال له : أتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك . ستقاتله وأنت ظالم له ، فقال الزبير : الآن ذكرت ذلك ، ولو ذكرته قبل اليوم ما خرجت عليك .
وكان الأمثل بالزبير أن ينحاز إلى علي عليه السلام بعد هذا التذكير ، ولكنه أخلد إلى نفسه ، واتبع هواه ، وما حكم عقله في هذا الأمر الخطير ، فقيل أنه إعتزل الحرب فوراً حتى انتهى حيث لقي مصرعه على يد ابن جرموز غيلة ، وقرائن الأحوال لا تساعد على صحة هذا القول ، إذ لا يمكن أن يعتزل الزبير القتال وحده لو شاء ذلك ، وهو رأس من رؤوس القوم ، أفلا يتبعه في هذا القرار أحد من المقاتلين الذين يرون فضله ومنزلته .
والذي أميل إليه أن الزبير قد باشر الحرب بنفسه ، وأن عبد الله بن الزبير قد وصمه بالجبن بعد اجتماعه بعلي عليه السلام ، وقال له : فررت من سيوف بني عبد المطلب ، فإنها طوال حداد ، تحملها فتية أنجاد ، فغيّر قراره هذا التحدي له من ولده ، فأحفظه وأغضبه ، وقال لابنه : ويلك إني حلفت لعلي أن لا أقاتله ، فقال له ابنه : وما أكثر ما يكفّر الناس عن أيمانهم ، فأعتق غلامك ، وأمضِ لجهاد عدوك ، فكفر الزبير عن يمينه وقاتل علياً ، حتى إذا هوى الجمل انهزم الزبير فيمن إنهزم من الناس ، حتى وصل إلى وادي السباع ، فقتله ابن جرموز غيلة .
ولم يكن الزبير ليرتدع في التذكير ، وقد سفك دماء المسلمين في الجمل الأصغر ، ولم يكن ليستجيب للحق ، ومعاوية يخادعه بلقب أمير المؤمنين وأخذ البيعة له من أهل الشام ، ولم يكن الزبير ليترك الجيش ويعتزل ، وهو يعمل بإشارة ابنه عبد الله في الطوارىء كافة ، ولم يكن
267
الزبير ليبصر طريقه وقد أعمته شهوة السلطان ، واستهواه الحكم العقيم ، ولو ثاب إلى الهدى لالتحق بأمير المؤمنين معلناً ندمه وتوبته ، ومكفّراً عن سيئاته وأخطائه ، ولكنه ركب رأسه ، وأغمض على الحوب العظيم .
وقد رأيت نهاية أمير الجيش الزبير ، أما أميره الثاني طلحة ، فحينما صكت الحرب أسنانها ، واختلط الحابل بالنابل ، قصده مروان بن الحكم فرماه بسهم أصاب أكحله فقطعه ، وقال : لا طالبت بثأر عثمان بعد اليوم ، وقال لبعض ولد عثمان : لقد كفيتك ثار أبيك من طلحة ، وهوى طلحة في المعركة جريحاً ، وأخذه نزف الدم ، فلم يستطيع الفرار ، وقال لغلامه : ألا موضع أستجير به ؟ فيقول له غلامه : قد أدركك القوم ، فقال طلحة : ما رأيت مصرع شيخ من قريش أضيع من مصرعي . ومات طلحة في المعركة على تلك الحال .
وأما أم المؤمنين عائشة ، فقد ركبت الجمل ، وأدرعت بهودجها ، وقد قامت الحرب على ساق ، وهي تحرض الناس على القتال وسط المعركة ، تدفع بهؤلاء وتستصرخ أولئك ، وتحرك آخرين ، حتى حمي الوطيس وندرت الرؤوس ، وتناثرت الأيدي ، وتهاوت الأجساد حول الجمل ، وكان جمل عائشة راية أهل البصرة يلوذون به كما يلوذ الجيش برايته الكبرى ، والناس تتهافت على خطام الجمل ، وكلما أمسكه أحد قتل ، حتى تغافى حوله مئات القواد والعسكريين ، ومرتجز عائشة يقول :
يا أمنَّا
عائشُ لا تراعي
| |
كلُّ بنيِكِ بطلُ المصاعِ
|
وهي تلتفت إلى من على يمينها تشجعه ، وإلى من على يسارها مباركة ، ومن إلى جنبها محمسة ، عتى ملّت من الحرب ، فأخرجت يدها من الهودج تحمل بدرة من الدنانير ، ونادت بأعلى صوتها : من يأتيني برأس الأصلع ( تريد بذلك عليّاً ) وله هذه البدرة ، فضجّ العسكر
268
ضجة واحدة ، وأمعن في قتال ذريع .
وكان الجيشان يستقتلان بضراوة عجيبة ، والنصر ترفرف أعلامه فوق رؤوس فرسان الإمام ، فصاح علي عليه السلام : اعقروا الجمل فإن في بقائه فناء العرب .
وفي رواية : اعقروا الجمل فإنه شيطان ، فانتدب لذلك محمد ابن الحنفية نجل الإمام وحمل عليه في طائفة من المقاتلين الأشداء ، فعقروا الجمل بعد خطوب كثيرة ، فخر الجمل إلى جنبه ، وهوى إلى الأرض وله ضجيج وعجيج لم يسمع الناس بمثلهما ، وبعقر الجمل إنهزم جيش عائشة لا يلوي على شيء ، وفرّ بالصحراء فكان كالجراد المنتشر ، وأمر الإمام محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر بحمل الهودج بعد أن بقيت عائشة وحدها في الميدان ؛ ويقول الإمام لابن أبي بكر : أدرك أختك حتى لا تصاب بأذى ، فيدخل رأسه في الهودج ، فتسأله من أنت ؟ فيقول : أنا أخوك أقرب الناس منك وأبغضهم إليك ، فتقول : ابن الخثعمية ، فيقول : نعم أخوك محمد ؛ يقول لك أمير المؤمنين هل أصابك شيء ، فتقول مشقص في عضدي ، فينتزعه محمد ، ويأتي الإمام فيقف على هودجها ، ويضربه برمح أو قضيب ، ويقول : كيف رأيت صنيع الله يا أخت أرم ؟ يا حميراء ألم يأمرك رسول الله أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين صانوا عقائلهم وأبرزوك ، فتقول :
يا ابن أبي طالب ملكت فأسجح .
ويسجح الإمام ، ويأمر محمداً أخاها أن يدخلها داراً من دور البصرة ، فيحملها أخوها ، وينزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي .
وانتهت المعركة بآلاف القتلى من المعسكرين ، وبهزيمة
269
المتمردين هزيمة شنعاء ، وبمقتل رؤوسهم الكبيرة .
وطمع بعض أصحاب الإمام بالغنائم فنهاهم عن ذلك ، وأمرهم أن لا يجهزوا على جريح ، ولا يتبعوا فارّاً ، ولا يغضبوا امرأة ، ولا يدخلوا داراً ، ولا يهتكوا ستراً ، ولم يقسم بين أصحابه غنيمة إلا ما أجلب به أهل البصرة للقتال وفي ساحة الحرب . وقال : ليس في هذه الحرب مغنم لمنتصر ، وأرسل من ينادي في أهل البصرة : من عرف شيئاً فليأخذه . وحاول بعض المتطرفين قتل عائشة فأنكر عليه الإمام ووضعها في حراسة مكثفّة ، وأراد بعض المقاتلين أسر المنهزمين فردّهم الإمام عن ذلك .
ووقف عليّ عليه السلام بين قتلاه فترحم عليهم ، ووقف على المتمردين فخاطبهم بمثل ما خاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل القليب ببدر .
ووجم الإمام لما أصاب الطرفين من قتل وفناء ، وتوجه إلى الله :
أشكو إليك عجري وبجري شفيتُ نفسي وقتلتُ معشري وكان القتلى يعدون بالآلاف ، ففقدت قريش طائفة من رجالها المعدودين ، واستولى الحزن على كثير من بيوتات البصرة التي فقدت أحبّتها وأعزّتها ، وتناول الثكل مجموعة من دور الكوفة .
وكم كان بود أمير المؤمنين ، أن يقاتل بهؤلاء وهؤلاء أبناء الطلقاء من جهة ، وأعداء الإسلام من جهة أخرى ، ولكن المقادير جرت بغير هذا التقدير .
270
ودخل عليٌّ عليه السلام البصرة بعد المعركة بثلاثة أيام ، دخولَ الخاشعين لا دخول الفاتحين ، فأمّن أهلها ، وأغضى عن مسيئها ، وتجاوز عن بقايا المتمردين ، وأعرض عنهم صفحاً ، وكان يقول :
« سرت في أهل البصرة سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل مكة » .
ونظر أصحابه في هذه السيرة العجيبة ، وبهتوا لهذا الرفق الهائل ، وغاض بعضهم إعراضه عن الغنائم ، وإبقاؤه على الحرمات ، فلج بهم الأمر أن قالوا للإمام : اقسم بيننا أهل البصرة نتخذهم رقيقاً » فأبى عليهم الإمام ذلك ، وردّ ما ارتأوه بقوله : « لا فالقوم أمثالكم » . فاعترضوا : « كيف تُحل لنا دماءَهم وتُحرّم علينا سبيهم ؟ » . فأجاب مطمئناً : كيف تحل لكم ذرية ضعيفة فى دار هجرة و اسلام« وأبان لهم الحكم الشرعي المجهول في قتال أهل القبلة وحرب المسلم مع المسلم فقال : « أما ما أجلب به القوم عليكم في معسكركم فهو لكم مغنم . وأما ما وارت الدور وأغلقت عليه الأبواب ، فهو لأهله . وما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض الله ، لا نصيب لكم في شيء منه » .
وأثار هذا الحكم غضب جماعة من أنصاره ومقاتليه ، وأرادوا الاستيلاء على المخلفات ، وأسر المقاتلين ، فاستعمل الإمام عليه السلام الاستدراج ، فقال لهم : « اقترعوا ... هاتوا سهامكم » . وسألهم بلباقة