أحتـدام الحـرب
قال نصر : ثم التقى الناس فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وحاربت طيء مع أمير المؤمنين (ع) حرباً عظيماً وتداعت وارتجزت ، فقتل منها أبطال كثيرون ، واشتد القتال بين ربيعة وحمير وعبيد الله بن عمر حتى كثرت القتلى ، وجعل عبيد الله بن عمر يحمل ويقول : أنا الطيب ابن الطيب : فتقول له ربيعة بل أنت الخبيث بن الطيب.
ثم خرج نحو خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علي (ع) على رؤوسهم البيض ، وهم غائصون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق ، وخرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدّة فاقتتلوا بين الصفين والناس وقوف تحت راياتهم ، فلم يرجع من هؤلاء ولا من هؤلاء مخبر : لا عراقي ولا شامي ، قتلو جميعاً بين الصفين.
قال نصر : وكان بصفين تلٌّ تلقى عليه جماجم الرجال ، فكان يدعى « تل الجماجم » فقال عقبة بن مسلم الرقاشي من أهل الشام :
ولـم أر فـرسـانـاً أشـد حفـيظـةً * وأمنـع منـا يـوم تـل الـجمـاجـم
غـداة غـدا أهـل العـراق كـأنهـم * نعـام تـلاقـى في فجـاج الـمخـارم
إذا قلـت قـد ولـوا تثـوب كـتيبـة * ملـملـةً في البيـض شمـط الـمقـادم
وقـالـوا لنـا هـذا عـلي فبـايعـوا * فقلنـا صـهٍ بـل بالسيـوف الصـوارم

وقال شبث بن ربعي التميمي :
وقفنـا لـديهم يـوم صفيـن بـالثنـا * لـدن غـدوةٍ حتى هـوت لغـروب
وولى ابن حـرب والرمـاح تنـوشـه * وقـد أرضت الأسيـاف كل غضوب
نجـالـدهم طـوراً وطـوراً نشـلهـم * على كـل محبـوك السـراة شبـوب
فلـم أر فـرسـانـاً أشـد حفيـظـة * إذا غشـي الآفـاق رهـج جـنـوب

مقتل عبيد الله بن عمر
وحمل عبيد الله في قراء أهل الشام ومعه ذو الكلاع في حمير ، حملوا


(213)

على ربيعة وهي في ميسرة علي (ع) ، فقاتلوا قتالاً شديداً ، فأتى زياد بن خصفة إلى عبد القيس فقال لهم : لا بكر بن وائل بعد اليوم ! إن ذا الكلاع وعبيد الله أبادا ربيعة ، فانهضوا لهم وإلا هلكوا.
فركبت عبد القيس وجاءت كأنها غمامة سوداء ، فشدت أزر الميسرة ، فعظم القتال فقتل ذو الكلاع الحميري ، قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف ، وتضعضعت أركان حِميَر وثبتت بعد قتل ذي الكلاع تحارب مع عبيد الله بن عمر ، وأرسل عبيد الله إلى الحسن بن علي إن لي إليك حاجةً ، فالقني ، فلقيه الحسن (ع) ، فقال له عبيد الله : إن أباك قد وتر قريشاً أولاً وآخراً ، وقد شنئه الناس ، فهل لك في خلعه وأن تتولى أنت هذا الأمر ؟ ! فقال الحسن : كلا والله لا يكون ذلك. ثم قال : يا بن الخطاب ، والله لكأني أنظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك. أما إن الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتى أخرجك مخلّقاً بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً.
قال نصر : فوالله ، ما كان إلا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيد الله وهو في كتيبةٍ رقطاء ـ وكانت تدعى الخضرية ـ كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر. فمر الحسن (ع) فإذا رجل متوسد برجل قتيل قد ركز رمحه في عينه ، وربط فرسه برجله. فقال الحسن (ع) لمن معه : انظروا من هذا ؟ فإذا رجل من همدان ، وإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب.

عمار يحرض على الجهاد
وقام عمار يوم صفين فقال : انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنياهم ولو درس هذا الدين لم قتلتموه ؟ فقلنا : لإحداثه. فقالوا : أنه لم يحدث شيئاً ! وذلك لأنه مكنهم من الدنيا ، فهم يأكلونها ويرعونها. ولا يبالون لو انهدمت الجبال. والله ما أظنهم يطلبون بدم ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها واستمرؤها ، وعلموا


(214)

أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها.
إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية ، فخدعو أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوماً ، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً ، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون. ولولاها ما بايعهم من الناس رجل. اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت ، وإن تجعل لهم الأمر ، فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم.
ثم مضى ، ومضى معه أصحابه ، فدنا من عمرو بن العاص فقال : يا عمرو ، بعت دينك بمصر ، فتباً لك وطالما بغيت للإسلام عوجاً.
ثم حمل عمار وهو يقول :
صـدق الله وهـو لـلصـدق أهـلٌ * وتـعـالـى ربـي وكـان جـليـلاً
رب عـجـل شهـادةً لـي بقـتـل * في الـذي قـد أحـب قتـلاً جميـلاً
مقبـلاً غيـر مـدبـرٍ إن لـلقتـل * عـلى كـل ميـتـةٍ تـفـضـيـلاً
أنـهـم عنـد ربهـم في جـنـانٍ * يشـربـون الـرحيق والسلـسبيـلا
مـن شـراب الأبـرار خـالـطـه * المسـك وكـأسـاً مزاجها زنجبيـلاً(1)

يطلب رضا الله سبحانه
ثم قال : اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر ، لفعلت ! اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ضبة سيفي في بطني ثم أنحني عليه حتى يخرج من ظهري ، لفعلت ، اللهم إني أعلم مما علمتني إني لا أعمل عملاً صالحاً هذا اليوم هو أرضى من جهاد الفاسقين ، ولو أعلم عملاً هو أرضى لك منه لفعلته.
ونادى عمار بن ياسر عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الإسلام معاوية ؟ وطلبت هوى أبيك الفاسق ! ؟
____________
1 ـ صفين 320.
(215)

فقال : لا ، ولكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم.
قال : كلا ، أشهد على علمي فيك أنك أصبحت لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله وأنك إن لم تقتل اليوم فستموت غداً ، فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيّتك ؟

دماؤهم أحل من دم عصفور !
قال أسماء بن حكيم الغزاوي : كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى ، وقد استظللـنا برداءٍ أحمر. إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال : أيكم عمار بن ياسر ؟ فقال عمار : أنا عمار. قال : أبو اليقظان ؟ قال : نعم قال : إن لي إليك حاجة ، أفأنطق بها سراً أو علانيةً ؟ قال : إختر لنفسك أيهما شئت ، قال لا ، بل علانيةً ، قال : فانطق. قال :
إني خرجت من أهلي مستبصراً في الحق الذي نحن فيه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل ، فلم أزل على ذلك مستبصراً حتى ليلتي هذه ، فإني رأيت في منامي منادياً تقدم فأذن وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ونادى بالصلاة ، ونادى مناديهم مثل ذلك ، ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاةً واحدة ، وتلونا كتاباً واحداً ، ودعونا دعوةً واحدة ، فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلةٍ لا يعلمها إلا الله تعالى ، حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له ، فقال هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت : لا. قال : فألقه فانظر ماذا يقول لك عمار فاتبعه ، فجئتك لذلك ، فقال عمار : تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي ؟ فإنها راية عمرو بن العاص. قاتلتها مع رسول الله (ص) ثلاث مرات وهذه الرابعة ، فما هي بخيرهن ولا أبرهن ، بل هي شرهن وأفجرهن !
ثم قال له عمار : أشهدت بدراً وأحداً ويوم حنين ، أو شهدها أبٌ لك فيخبرك عنها ؟ قال : لا ، قال : فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله (ص) يوم بدرٍ ويوم أحد ويوم حنين ، وأن مراكز رايات هؤلاء على


(216)

مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه ؟ والله لوددت أن جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالنا ـ مفارقاً للذي نحن عليه كانوا خلقاً واحداً فقطعته وذبحته ! والله لدماؤهم جميعاً أحلُّ من دم عصفور ؛ أفترى دم عصفور حراماً ؟ قال : لا ، بل حلالٌ. قال فإنهم حلال كذلك ، أتراني بينت لك ؟ قال : قد بينت لي ، قال : فأختر أي ذلك أحببت ! ؟
فانصرف الرجل ، فدعاه عمار ثم قال : أما إنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا ، لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا ، والله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجرٍ (1) ، لعرفت أنا على حق وهم على باطل ، وأيم الله لا يكون سلماً سالماً أبداً حتى يبوء أحد الفريقين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين ، وحتى يشهدوا على الفريق الآخر بأنه على الحق وأن قتلاهم في الجنة وموتاهم ، ولا تنصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم وقتلاهم في الجنة ، وأن موتى أعدائهم وقتلاهم في النار ، وكان أحياؤهم على الباطل.

بين عمار وهاشم المرقال
ودفع علي (ع) الراية إلى هاشم بن عتبة المعروف بالمرقال ، وقال له رجل من أصحابه من بكر بن وائل ، أقدم هاشم ، يكررها ثلاثاً. ثم قال : مالك يا هاشم قد انتفخ سحرك ؟ ! أعوراً وجبناً !! قال : من هذا ؟ قالوا : فلان قال : أهلها وخير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ، ثم قال لأصحابه : شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم ، فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثاً فاعلموا أن أحداً منكم لا يسبقني إلى الحملة ، ثم نظر إلى معسكر معاوية فرأى جمعاً عظيماً. فقال : من أولئك ؟ قيل : أصحاب ذي الكلاع ؟ ثم نظر فرأى جنداً ، فقال : من أولئك ؟ قيل : قريش وقوم من أهل المدينة ؟ فقال : قَومي لا حاجة لي في قتالهم ، من عند هذه القبة البيضاء ؟ قيل : معاوية وجنده. قال : فإني أرى دونهم أسودة ، قيل ذاك عمرو بن العاص
____________
1 ـ هجر ـ نواحي البحرين.
(217)

وإبناه ومواليه. فأخذ الراية فهزها ، وجعل عمار بن ياسر يحرضه على الحرب ويقرعه بالرمح ويقول : أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع.
فقال هاشم :
قـد أكـثـرا لـومـي ومـا أقـلا * أنـي شـريـت الـنـفـس لـن أعتـلا
أعـور يـبـغـي أهـلـه مـحـلاً * قـد عـالـج الـحـيـاة حـتـى مـلا
لا بـد أن يــفــلَّ أو يُــفــلا * أشــلـهـم بـذي الـكـعـوب شــلا
مـع ابـن عـم أحـمـد الـمعـلى * أول مــن صــدقــه وصــلــى

ثم حمل يتقدم ويركز الراية ، فإذا ركزها عاوده عمار بالقول ، فيتقدم أيضاً ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم.
فاقتتلوا قتالاً شديداً وعمار ينادي : صبراً ، والله إن الجنة تحت ظلال البيض. وكان بأزاء هاشم وعمار أبو الأعور السلمي ، ولم يزل عمار بهاشم ينخسه وهو يزحف بالراية حتى اشتد القتال وعظم والتقى الزحفان ، واقتتلا قتالاً لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى في الفريقين جميعاً.
ثم إن أهل العراق كشفوا ميمنة أهل الشام ، فطاروا في سواد الليل ، وكشف أهل الشام ميسرة أهل العراق فاختلطوا في سواد الليل ، وتبدلت الرايات بعضها ببعض ، فلما أصبح الناس وجد أهل الشام لواءهم وليس حوله إلا ألف رجل ، فاقتلعوه وركزوه من وراء موضعه الأول وأحاطوا به ، ووجد أهل العراق لواءهم مركوزاً وليس حوله إلا ربيعة وعلي (ع) بينها ، وهم محيطون به وهو لا يعلم من هم ويظنهم غيرهم ، فلما أذن مؤذن علي الفجر ، قال (ع) :
يـا مـرحبـاً بـالقـائليـن عـدلا * وبـالصـلاة مـرحبـاً وأهـلا

ثم وقف وصلى الفجر ، فلما انفتل أبصر وجوهاً ليست بوجوه أصحابه بالأمس وإذا مكانه الذي هو فيه ما بين الميسرة إلى القلب ، فقال : من


(218)

القوم ؟ قالوا : ربيعة. وانك يا أمير المؤمنين لعندنا منذ الليلة ، فقال : فخرٌ طويلٌ لك يا ربيعة.

فضيحة عمرو بن العاص(1)
كان الحارث بن النضر الخثعمي من أصحاب علي (ع) على قدر كبير من الشجاعة والفروسية وكان بينه وبين عمرو بن العاص عدواة ، وكان علي (ع) قد تهيبته فرسان الشام وملأ قلوبهم رعباً بشجاعته ، وكان عمرو قلما يجلس مجلساً إلا ذكر فيه الحارث بن النضر وعابه ، فقال الحارث في ذلك :
ليـس عمرو تبـارك ذِكـره الحـارث بـالسوء أويـلاقي عليـا
واضـع الـسيف فـوق منكبـه الأيمن لا يحسب الفـوارس شيـّا
لـيت عمراً يلـقاه في حومة الـنقع وقد أمست الـسيوف عصيّـا
حيث يـدعـو لـلحـرب حامية القـوم إذا كان بـالبـراز مليّـا
فـالقه إن أردت مكـرمة الـدهـر أو المـوت كـل ذاك عليـا

فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمراً ، فأقسم بالله ليلقيّن علياً ولو مات ألف موتةٍ ، فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه ، فتقدم علي (ع) وهو مخترط سيفاً ومعتقل رمحاً ، فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه ، فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغراً برجليه ، كاشفاً عورته ، فانصرف عنه علي (ع) لافتاً وجهه ، مستدبراً له ّ فعد الناس ذلك من مكارم أخلاقه وسؤدده وضُرب المثل به.
وفي ليلةٍ من ليالي صفين اجتمع عند معاوية كل من عمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ، ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر ،
____________
1 ـ راجع الحاشية المستقلة.
(219)

وابن طلحة الطلحات الخزاعي.
فقال عتبة : إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجيب ! ما فينا إلا موتور مجتاح. أما أنا فقد قتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة ، وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر.
وأما أنت يا وليد ، فقتل أباك صبراً. وأما أنت يا بن عامر ، فصرع أباك وسلب عمك. وأما أنت يا بن طلحة ، فقتل أباك يوم الجمل ، وأيتم إخوتك. وأما أنت يا مروان فكما قال الشاعر :
وأفـلتهـن عـلبـاءٌ جـريـضـا * ولـو أدركـنـه صفـر الـوطـاب

فقال معاوية : هذا الاقرار ، فأين الغير ؟ قال مروان : وأي غير تريد ؟ قال : أريد أن تشجروه بالرماح.
قال مروان : والله يا معاوية ما أراك إلا هاذياً أو هازئاً وما أرانا إلا ثقلنا عليك !! فقال ابن عتبة :
يقـول لنـا معـاويـة بن حـرب * أمـا فيكـم لـواتـركـم طـلـوبُ
يشـد على أبـي حسـن عـلـيٍّ * بـأسمـر لا تـهجـّنـه الـكعـوبُ
فـيهتـك مجمـع اللـبّـاتِ منـه * ونـقـع الحـرب مـطـرد يـؤوبُ
فقـلت لـه أتلعبُ يـا بـن هنـد * كـأنـك بينـنـا رجـل غـريـبُ
أتغـريـنـا بحيـة بـطـن وادٍ * أتـيـح لـه بـه أسـد مـهـيـبُ
بـأضعـف حيـلةً منـا إذا مـا * لـقـينـاه ولـقـيـاه عـجـيـبُ
سـوى عمـرو وقتـه خصيتـاه * وكـان لـقلـبـه مـنـه وجـيـب
كـان الـقـوم لـمـا عـاينـوه * خـلال الـنقـع ليـس لهـم قلـوبُ
لعمـر أبي معـاويـة بن حـرب * ومـا ظني ستـلحـقـه الـعيـوبُ
لـقـد نـاداه في الهيجـا علـيٌ * فـاسمعـه ولـكـن لا يـجـيـبُ

فغضب عمرو ، وقال : إن كان الوليد صادقاً فليلق علياً ، أو فليقف حيث يسمع صوته : ثم قال :


(220)

يـذكـرني الـولـيـد دعـا علـيٍّ * ونـطق المـرء يمـلأه الـوعيـدُ
متـى تـذكـر مشـاهـده قـريش * يطـر من خـوفه القلب السـديـدُ
فـأمـا في الـلقـاء فـأيـن منـه * معـاويـة بن حـرب والـولـيـد
وعيـرني الـولـيـد لـقـاء ليـثٍ * إذا مـا شـدّ هـابـتـه الأســود
لـقيـت ولـستُ أجـهلـه عـليـاً * وقـد بـلّت من العـلـق الـلبـود
فـأطـعنـه ويـطعنـني خـلاسـاً * ومـاذا بـعـد طعـنـتـه أريـدُ
فرمهـا منـه يـا بـن أبي مُعَيـط * وأنت الفـارس البـطـل الـنجيـد
وأقـسم لـو سمعـتَ نـدا عـلـي * لـطار القـلب وانـتفـخ الـوريـد
ولـو لاقـيـتـه شُـقّـت جيـوبٌ * علـيك ولـطمـت فيـك الخـدودُ

« بين عمار وعمرو بن العاص » (1)
قال نصر بن مزاحم : بينا علي (ع) واقفاً بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم ، إذ نادى رجل من أهل الشام : من يدل على أبي نوح الحميري ؟ فقيل له : قد وجدته. فماذا تريد. فحسر عن لثامه فإذا هو ذو الكلاع الحميري ومعه جماعة من أهله ورهطه. فقال لأبي نوح : سر معي حتى نخرج من الصف فإن لي إليك حاجة ، فخرج في كتيبة معه.
فقال ذو الكلاع : إنما أريد أن أسألك عن أمرٍ فيكم تمارينا فيه. أحدثك حديثاً حدثناه عمرو بن العاص قديماً في خلافة عمر بن الخطاب ، ثم اذكرناه الآن فيه فأعاده. إنه يزعم أنه سمع رسول الله (ص) قال : « يلتقي أهل الشام وأهل العراق ، وفي أحدى الكتيبتين الحق وامام الهدى ومعه عمار بن ياسر.
فقال أبو نوح : نعم والله إنه لفينا.
قال : نشدتك الله أجاد هو في قتالنا ؟ قال : نعم ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني ، ولوددت أنكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم وأنت ابن عمي.
____________
1 ـ شرح النهج 8 | 16 وما بعدها.
(221)

قال ذو الكلاع : ويحك ، علام تمنّى ذلك منا ، فوالله ما قطعتك فيما بيني وبينك قط ، وان رحمك لقريبة وما يسرني أن أقتلك.
قال أبو نوح : إن الله قطع بالإسلام أرحاماً قريبةً ، ووصل به أرحاماً متباعدةً ، واني أقاتلك وأصحابك لأنا على الحق وأنتم على الباطل.
قال ذو الكلاع : فهل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشام. فأنا لك جارٌ منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بحال عمّار وجدَّه في قتالنا لعله أن يكون صلح بين هذين الجندين.
فقال أبو نوح : إنك رجل غادر وأنت في قوم غدر ، وان لم ترد الغدر أغدروك واني أن أموت أحب إلي أن أدخل مع معاوية ! فألح عليه ذو الكلاع وكرّر عليه ما قاله أولاً ، وقال له : أنا لك بما قلت زعيم.
قال أبو نوح : اللهم انك ترى ما أعطاني ذو الكلاع ، وأنت تعلم ما في نفسي فاعصمني واختر لي وانصرني وادفع عني. ثم سار مع ذي الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبد الله بن عمرو يحرض الناس على الحرب ، فلما وقفا على القوم ، قال ذو الكلاع لعمرو : يا أبا عبد الله ، هل لك في رجل ناصحٍ لبيب مشفق يخبرك عن عمار بن ياسر فلا يكذبك ؟ قال : ومن هو ؟ قال : هو ابن عمي هذا وهو من أهل الكوفة. فقال عمرو : أرى عليك سيماء أبي تراب. فقال أبو نوح : علي سيماء محمدٍ وأصحابه ، وعليك سيماء أبي جهل وفرعون !
فقام ابو الأعور ، فسلَّ سيفه وقال : لا أرى هذا الكذاب اللئيم يسبّنا بين أظهرنا وعليه سيماء أبي تراب.
فقال ذو الكلاع : اقسم بالله ، لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ! ابن عمي وجاري عقدت له ذمتي وجئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فيه.
فقال له عمرو : يا أبا نوح اذكرك الله إلا ما صدقتنا ولم تكذبنا ، فيكم


(222)

عمار بن ياسر ؟
قال : ما أنا مخبرك حتى تخبرني ، لم تسأل عنه ومعنا من أصحاب محمد (ص) عدة غيره ، وكلهم جاد على قتالكم.
فقال عمرو : سمعت رسول الله (ص) يقول : إن عماراً تقتله الفئة الباغية ، وأنه ليس لعمّار أن يفارق الحق ، ولن تأكل النار من عمّار شيئاً.
فقال له أبو نوح : لا إله إلا الله والله أكبر ، والله إنه لفينا ، جادٌّ على قتالكم ! ولقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر على أهل البصرة ، ولقد قال لي أمس أنكم لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر ، لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل ، ولكانت قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
قال عمرو : فهل تستطيع أن تجمع بيني وبينه ؟ قال : نعم.
فركب عمرو بن العاص في اثني عشر فارساً ، وركب عمار بن ياسر في اثني عشر فارساً ، فالتقوا حتى اختلفت أعناق الخيل ، خيل عمار وخيل عمرو ، ونزل القوم واحتبوا بحمائل سيوفهم ، وأراد عمرو بن العاص أن يتكلم وبدأ بالشهادتين ، فقاطعه عمار وقال له :
اسكت ، فلقد تركتها وأنا أحق بها منك ، فإن شئت كان خصومةً فيدفع حقنا باطلك ، وإن شئت كانت خطبةً فنحن أعلم بفصل الخطاب منك ، وإن شئت أخبرتك بكلمةٍ تفصل بيننا وبينك ، وتكفرك قبل القيام ، وتشهد بها على نفسك ولا تستطيع أن تكذبني فيها.
فقال عمرو : يا أبا اليقظان ، ليس لهذا جئت ، إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم ، أذكرك الله إلا كففت سلاحهم وحقنت دماءهم ، وحرصت على ذلك ، فعلام تقاتلوننا ؟ أو لسنا نعبد إلهاً واحداً ونصلي إلى قبلتكم وندعو دعوتكم ، ونقرأ كتابكم ، ونؤمن بنبيكم ؟ !
فقال عمار : الحمد لله الذي أخرجها من فيك ، إنها لي ولأصحابي ، القبلة والدين وعبادة الرحمان ، والنبي والكتاب من دونك ودون أصحابك.


(223)

الحمد لله الذي قررك لنا بذلك وجعلك ضالاً مضلاً أعمى ، وسأخبرك بمَ أقاتلك عليه وأصحابك ، إن رسول الله (ص) أمرني أن أقاتل الناكثين ، فقد فعلت. وأمرني أن أقاتل القاسطين وهم أنتم. وأما المارقون ، فلا أدري أدركهم أم لا ؟
أيها الأبتر ، ألست تعلم أن رسول الله (ص) قال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فأنا مولى الله ورسوله ، وعلي مولاي بعدهما.
قال عمرو : لِمَ تشتمني أبا يقظان ، ولستُ أشتمك ؟ !
قال عمار : وبمَ تشتمني ، أتستطيع أن تقول إني عصيت الله ورسوله يوماً قط ؟ !
قال عمرو : إن فيك لمساوىءَ سوى ذلك.
قال عمار : إن الكريم من أكرمه الله ، كنتُ وضيعاً فرفعني الله ، ومملوكاً فاعتقني الله ، وضعيفاً فقواني الله ، وفقيراً فأغناني الله.
قال عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟
قال : فتح لكم بابَ كلّ سوء !
قال عمرو : فعليٌّ قتله ؟!
قال عمار : بل الله ربُّ علي قتله ، وعليٌّ معه.
فقال عمرو : ألا تسمعون ، قد اعترف بقتل إمامكم ! قال عمار : قد قالها فرعون من قبلك لقومه : « ألا تستمعون » !
فقام أهل الشام ولهم زَجَل ، فركبوا خيولهم ورجعوا. وقام عمار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا ، وبلغ معاوية ما كان بينهم فقال : هلكت العربُ إن حركتهم خِفّةُ العبد الأسود : يعني عماراً.

نداءُ عمار في الناس
وخرجت الخيول إلى القتال واصطفت بعضها لبعض ، وتزاحف


(224)

الناس ، وعلى عمّار درعٌ بيضاء وهو يقول : أيها الناس ، الرواح إلى الجنة.
فقاتل القوم قتالاً شديداً لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى ، حتى إن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله. وحكى الأشعث بعد ذلك فقال : لقد رأيت أخبية صفين وأروقتها وما فيها خباء ولا رواق ولا فسطاط إلا مربوطاً بيد إنسان أو برجله.

بطولة عمار وثبات إيمانه
حين نظر عمار إلى راية ابن العاص قال : والله انها لراية قد قاتلتها ثلاث مرات وما هذه بأرشدهن : ثم قال :
نحـنُ ضـربـنـاكـم علـى تـأويـلـه * كـمـا ضـربنـاكـم علـى تنـزيـلـهِ
ضـربـاً يـزيـل الهـام عـن مقيـلـهِ * ويـذهـل الـخـلـيـل عـن خـليـلـهِ
أو يـرجـع الحـق إلى سبيلـه


« بين عمار وهاشم »
قال الأحنف بن قيس : والله إني إلى جانب عمار بن ياسر بيني وبينه رجل ، فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة ، فقال له عمار : إحمل ، فداك أبي وأمي !
فقال له هاشم : يرحمك الله يا أبا اليقظان ؟ أنك رجل تأخذك خِفّةٌ في الحرب ، واني إنما أزحف باللواء زحفاً ، أرجو أن أنال بذلك حاجتي ، وان خفّفتُ لم آمن الهلكة ، وقد كان قال معاوية لعمرو : ويحك ، إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة ، وقد كان من قبلُ يرقِلُ به إرقالاً ، وان زحف به اليوم زحفاً انه لليوم الأطول على أهل الشام ، فإن زحف في عنق من اصحابه إني لأطمع أن تقتطع.
فلم يزل به عمار حتى حمل ، فبصُر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه.
وحمل عمار ذلك اليوم على صفّ أهل الشام وهو يرتجز :


(225)

كـلا ورب الـبـيـت لا أبـرح اجـي * حـتى أمـوت أو أرى مـا أشـتهـي
لا أفتـأ الـدهـر أحـامـي عن علـي * صهـر الرسـول ذي الأمانات الوفـي
يـنصـرنـا رب السـمـوات الـعلـي * ويـقطـع الهـام بحـدّ الـمشـرفـي
يمنحنـا الـنصـر على من يـبـتغـي * ظلمـاً علـينـا جاهـداً ما يـأتـلـي
فضرب أهل الشام حتى اضطرهم إلى الفرار.

الصلاةُ هي الأهم
قال عبد خير الهمداني : نظرت إلى عمار بن ياسر يوماً من أيام صفين قد رمي رميةً فأغمي عليه ، فلم يصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ، ثم أفاق. فقضاهن جميعاً ، يبدأ بأول شيء فاته ، ثم بالتي تليها.

آخر الشراب والشهادة
صدق رسول الله (ص) حين قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية.. وآخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن.
ففي يوم من أيام صفين استسقى عمارٌ وقد اشتد به العطش ، فأتته أمرأة طويلة البدن ومعها إداوة فيها ضياح من لبن ، فقال حين شرب : « الجنةُ تحتَ الأسِنة ، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه ، والله لو ضربونا حى يبلغونا سعفات هجر ، لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ».
ثم حمل ، وحمل عليه ابن حوّى السكسكي وأبو العادية ، فأما أبو العادية فطعنه ، وأما ابن حوّى فاحتز رأسه.

يتقربون بقتله
وكثر المتقربون بقتل عمار إلى معاوية وعمرو ، فكان لا يزال الرجل يجيء إليهما فيقول : أنا قتلته ، فيقول له عمرو : فما سمعتَه يقول ؟ وكأن هناك كلمة سر ظلت مكتومةً في نفس هذا الشهيد العظيم لتدل على قاتله في


(226)

آخر لحظات حياته كما تدل في نفس الوقت على عمق الهدف الذي استشهد من أجله.. فكان الرجل منهم يخلط ، فيعرف عمرو أنه ليس هو القاتل. حتى أقبل ابن حوّى فقال : أنا قتلته ! فقال عمرو : فما كان آخر منطقه ؟ !
قال : سمعته يقول : اليوم ألقى الأحبة ، محمداً وحزبه..
فقال عمرو : صدقت ، أنت صاحبه ، أما والله ما ظفِرَت يداك ، ولقد أسخطتَ ربك !

يختصمان في النار !
قال السدي : إن رجلين بصفين اختصما في سلب عمار وفي قتله ، فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال : ويحكما أخرجا عني ، فان رسول الله (ص) قال : « ما لقريشٍ ولعمار ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، وقاتله وسالبهُ في النار ».
فلما سمع معاوية ذلك قال : إنما قتله من أخرجه ، يخدعُ بذلك طُغَام أهل الشام.

عتاب معاوية لعمرو بن العاص في شأن عمار
كان ذو الكلاع الحميري يسمع عمرو بن العاص يقول : إن النبي (ص) يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية ، وآخر شربك ضياح من لبن. يسمع ذلك من عمرو قبل أن يُصاب عمار فقال ذو الكلاع لعمرو : ويحك ، ما هذا ! قال عمرو : انه سيرجع إلينا ويفارق أبا تراب.
وقد كان عبد الله بن سُويد الحميري قال لذي الكلاع : ما حديثٌ سمعتَه من ابن العاص في عمّار ؟ فأخبره فلما قتل عمار ، خرج عبد الله ليلاً يمشي فأصبح في عسكر علي (ع) ـ وكان عبد الله من عُباد أهل زمانه..
وكاد أهل الشام أن يضطربوا حين قتل عمار ، لولا أن معاوية قال لهم : إن علياً قتل عماراً لأنه أخرجه إلى الفتنة.


(227)

وأرسل معاوية إلى عمرو ، لقد افسدت عليّ أهل الشام ، أكلَّ ما سمعت من رسول الله (ص) تقوله ؟ !
فقال عمرو : قلتُها ولستُ أعلم الغيب ولا أدري أن صفين تكون ، قلتُها وعمار يومئذٍ لك وليٌّ ، وقد رويتَ أنت فيه مثل ما رويت.
فغضب معاوية وتنمر لعمرو ، وعزم على منعه خيرَه. فقال عمرو لابنه وأصحابه : لا خير في جوار معاوية ؛ إن تجلت هذه الحرب عنه لأفارقنّه ! وكان عمرو حمي الأنف ، قال في ذلك :
تعـاتبني أن قـلتُ شيئـاً سمعتُـه * وقـد قلتَ لـو انصفتـني مثله قـبلي
أنـعلك فيما قـلت نعـل ثبـيتـةٌ * وتـزلق بي في مثـل ما قلـتهُ نعـلي
وما كـان لي عـلم بصفين أنهـا * تكـون وعمّـار يحـث عـلى قتـلي
ولـو كان لي بالغيب علم كتمتهـا * وكـايدت أقـواماً مراجـلهـم تغـلي
أبـى الله إلا أن صـدرَك واغـرٌ * علـيَّ بـلا ذنب جـنيـت ولا ذحـلِ
سـوى أنني والـراقصات عشيـة * بنصرك مدخول الهـوى ذاهـل العقـل
فلا وضعت عني حَصَانٌ قناعهـا * ولـو حملـت وجنـاء ذِعلـبةً رحـلي
ولا زلت أدعى في لؤي بن غالبٍ * قـليـلاً غَـنَـائي لا أمـرُّ ولا أُحـلي
إن الله أرخى من خنـاقـك مـرةً * ونلـت الـذي رجيت ان لم أزر أهـلي
واترك لك الشام التي ضاق رحبها * عليك ولم يهنـك بها العيش من أجـلي

فأجابه معاوية على شعره :
أالآن لمـا ألـقـت الحـرب بـركهـا * وقـام بنـا الأمـر الجليـل على رجـل
غمـزتَ قنـاتى بعـد سـتيـن حجـةٍ * تـبـاعـاً كـأنـي لا أمِـرّ ولا أحـلي
أتيـت بـأمـر فيـه لـلشـام فـتنـةٌ * وفي دون مـا أظهـرتـه زلة الـنعـل
فقـلت لك الـقول الـذي ليس ضائـراً * ولو ضـرّ لم يضررك حملك لي ثقـلي
فعـاتبـتنـي في كـل يـوم ولـيـلةٍ * كـأن الـذي ابليـك ليـس كمـا ابـلي


(228)

فـيـا قـبـح الله الـعتـاب وأهـلـه * ألـم تـر ما أصبحتُ فيه من الـشغـل
فـدع ذا ولكن هـل لك اليـوم حيلـة * تـرد بهـا قـومـاً مـراجلهـم تغـلي
دعـاهم عليٌّ فـاستجـابـوا لـدعـوةٍ * أحب إلـيهـم من ثـرى المال والأهـل
إذا قلت هـابوا حومة المـوت أرقلـوا * إلى الموت إرقال الهَلـوكِ إلى الـفحـل (1)

____________
1 ـ شرح النهج من صفحة 25 إلى 28.