كتاب ترجمة الامام الحسين عليه السلام ص 40 ـ ص 71
ووفد عبدالله [ على] معاوية فباعه البغيبغة بألف ألف، وكتب معاوية إلى مروان بحزها، فركب مروان ليقبضها فوجد الحسين واقفاً على الشعب، قال: من شاء فليدخله، والله لا يدخله أحد إلاّ وضعت فيه سهماً.
فرجع [ 42 / ب ] مروان وكتب إلى معاوية، فكتب إليه معاوية: أعرض عنها، وسوّغ المال عبدالله بن جعفر.
فلمّا هلك معاوية وقتل الحسين أخذ يزيد بن معاوية البغيبغة، فلمّا هلك يزيد ردّها ابن الزبير على آل أبي طالب، فلمّا قتل ابن الزبير ردّها عبدالملك على آل معاوية، فلمّا ولي عمر بن عبدالعزيز ردّها على ولد علي، فلمّا ولي يزيد بن عبدالملك قبضها ودفعها إلى آل معاوية، حتى ولي الوليد بن يزيد بن عبدالملك فقال: ارتفعوا إلى القاضي.
247ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن عبدالله بن جعفر، عن امّ بكربنت المسوّر وغسان بن عبدالحميد، عن جعفر بن عبدالرحمن بن مسوّر، عن أبيه،
عن المسوّر أنّ معاوية كتب إلى مروان: زوّج يزيد من ابنة عبدالله بن جعفر واقض عنه دينه خمسين ألف دينار وصله بعشرة الآف دينار.
فقال عبدالله بن جعفر: ما أقطع أمراً دون الحسين، فشاوره، فقال: اجعل أمرها إليّ، ففعل واجتمعوا فقال مروان: إنّ أمير المؤمنين أحبّ أن يزيد القرابة لطفاً والحقّ عظماً وأن يتلافى صلاح هذه الحيّين بالصهر، وقد كان من أبي جعفر في إجابة أمير المؤمنين ما حسن فيه رأيه وولي أمرها خالها وليس عند حسين خلاف على أمير المؤمنين.
فتكلّم حسين وقال: إنّ الله رفع بالإسلام الخسيسة وأتمّ الناقصة [ 43 / أ ] وأذهب اللؤم، فلا لؤم على مسلم، وإنّ القرابة التي عظمّ الله حقّها قرابتنا، وقد زوّجت هذه الجارية من هو أقرب نسباً وألطف سبباً، القاسم بن محمد بن جعفر.
فقال مروان: أغَدْراً يا بني هاشم؟! وقال لعبد الله بن جعفر: يابن جعفر، ماهذه أيادي أمير المؤمنين عندك! قال: قد أعلمتك أنّي لا أقطع أمراً فيها
(41)
دون خالها.
فقال حسين: نشدتكم الله أتعلمون أنّ الحسن خطب عائشة بنت عثمان فولّوك أمرها، فلمّا صرنا في مثل هذا المجلس قلت: قد بد الي أن اُزوّجها عبدالله ابن الزبير؟! هل كان هذا يا باعبد الرحمن؟ ـ يعني المسوّر بن مخرمة ـ فقال: اللّهمّ نعم، فقال مروان: إنّما ألوم عبدالله، فأمّا حسين فوغر الصدر! فقال مسوّر: لا تحمل على القوم، فالذي صنعوا أوصل، وصلوا رحماً ووضعوا كريمتهم حيث أحبّوا.
247ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض بن جعدبة، عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم، قال:
خطب سعيد بن العاص اُمّ كلثوم بنت علي بعد عمر! وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها الحسين فشاورته، فقال: لا تزوّجيه، فأرسلت إلى الحسن، فقال: أنا اُزوّجه، فاتّعدوا لذلك وحضر الحسن وأتاهم سعيد ومن معه، فقال سعيد: أين أبو عبدالله؟ قال الحسن: أكفيك دونه، قال: فلعلّ أبا [ 43 / ب ] عبدالله كره هذا يا بامحمد؟ قال: قد كان وأكفيك، قال: إذاً لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع ولم يعرض في المال ولم يأخذ منه شيئاً(1).
249ـ قال: أخبرنا معن بن عيسى، قال: حدّثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أنّ الحسين بن علي رحمه الله تختّم في اليسار!
250ـ قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا المطلب بن زياد، عن السدي، قال: رأيت حسين بن علي رحمه الله وأنّ جمّته خارجة من تحت عمامته.
251ـ قال: أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن عبدالله الأسدي، قالا: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث،
قال: رأيت على الحسين بن علي مطرفاً من خزّ، قد خضّب لحيته ورأسه بالحنّاء والكتم.
____________
(1) كذا؟!
(250) وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف 8/ 447 رقم 5118 عن المطلب بن زياد.
(251) وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف 8/ 340 رقم 4676 بإسناد آخر عن العيزار،وفيه: كساء خزّ، وص 435 رقم 5065 بأوجز منه.

(42)
252ـ قال: أخبرنا محمد بن عبدالله الأسدي، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد وإبراهيم بن مهاجر،
عن الشعبي، قال: أخبرني من رأى على الحسين بن علي جبّة من خزّ.
253ـ قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدّثنا حمّاد بن زيد، عن أبي بكر الهذلي، عن عبدالله بن يزيد، قال: رأيت على الحسين بن علي رضي الله عنهما جبّة خزّ.
254ـ قال: أخبرنا خالد بن مخلّد، قال: حدّثني معتب مولى جعفر بن محمد، قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: اُصيب الحسين وعليه جبّة خزّ.
255ـ قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا[ 44/ أ ] إسماعيل ابن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت أبي،
عن الشعبي، قال: رأيت على الحسين جبّة خزّ ورأسه مخضوب بالوسمة.
256ـ قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن إبراهيم ابن مهاجر، عن عامر، قال: رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة ويختم في شهر رمضان، ورأيت عليه جبّة خزّ.
257ـ قال: أخبرنا وهب بن جرير ويحيى بن عبّاد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت العيزار يقول: كان الحسين بن علي يخضب بالوسمة، قال يحيى بن عبّاد: رأيت.
258ـ قال: أخبرنا عبدالملك بن عمرو أبوعامر العقدي، قال: حدّثنا شعبة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أنّ الحسين بن علي كان يخضب بالوسمة.
259ـ قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، عن محمد بن قيس، أنّه رأى الحسين بن علي ولحيته مخضوبة بالوسمة.
260ـ قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن
____________
(258) كان في الأصل: عبدالملك بن عمرو بن عامر، والصحيح أبو عامر وهو عبدالملك بن عمرو بن قيس أبو عامر العقدي البصري، ترجمه في الطبقات 7/ 299 وقال: وكان ثقة توفّي بالبصرة سنة 224 وهو من رجال الصحاح الستّ، له ترجمة مبسوطة في تهذيب التهذيب 6/ 409.

(43)
كثير ـ مولى بني هاشم ـ أنّ الحسين بن علي كان يخضب بالوسمة.
261ـ قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السدي، قال: رأيت الحسين بن علي ولحيته شديدة السواد ومعه ابنه علي.
262ـ قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان، عن السري ابن كعب الأزدي، قال: رأيت الحسين بن علي واقفاً على برذون أبيض قد خضب رأسه ولحيته بالوسمة.
263ـ [ 44 / ب ] قال: أخبرنا خالد بن مخلّد، قال: حدّثني معتب ـ مولى جعفر بن محمد ـ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: صبغ الحسين بالوسمة.
264ـ قال: أخبرنا محمد بن عبيد، عن طلحة بن عمرو بن عطاء وعبيد ابن أبي يزيد المكّيّين، قالا: نظرنا إلى الحسين بن علي وهو يسوّد رأسه ولحيته.
265ـ قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن قيس ـ مولى خباب ـ، قال: رأيت الحسين يخضب بالسواد.
266ـ حدّثنا عبدالوهّاب بن عطاء ومعن بن عيسى، قالا: أخبرنا أبو معشر المديني، عن سعيد بن أبي سعيد، قال: رأيت الحسين بن علي يخضب بالسواد.
267ـ قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل، قال: حدّثنا حسن بن صالح، عن السدي، قال: رأيت الحسن بن علي أسود اللحية.
268ـ قال: أخبرنا خالد بن مخلّد ومحمد بن عمر، قالا: حدّثنا موسى بن
____________
(268) أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 2821، والحاكم في المستدرك 4/ 398، والبيهقي في دلائل النبّوة 6/ 468، وابن عساكر رقم 220 من طريق الحافظ البغوي، و 221 من طريق الحاكم وغيره، و 222 بإسناد آخر.
والذهبي في تلخيص المستدرك 4/ 398 ورمز له خ م، أي على شرط الشيخين، وفي سير أعلام النبلاء 3/ 289.
وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواصّ الاُمّة ص 250، والسيوطي في جمع الجوامع 1/ 26، والمتّقي في كنز العمّال 12/ 126 كلّهم عن ابن سعد.
وأخرجه أبو عبدالله المقدسي محمد بن أحمد، المتوفى سنة 744، في كتاب «صفات ربّ العالمين» من طريق أبي طاهر المخلص عن الحافظ البغوي.

=


(44)
يعقوب الزمعي، قال: أخبرني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، عن عبدالله بن وهب بن زمعة، قال:
أخبرتني اُمّ سلمة أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ اضطجع ذات يوم للنوم فاستيقظ فزعاً وهو خاثر! ثمّ اضطجع فرقد واستيقظ وهو خاثر دون المرّة الاُولى.
ثمّ اضطجع فنام فاستيقظ ففرغ وفي يده تربة حمراء يقلّبها بيده وعيناه تهراقان الدموع!
فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل [ 45/ أ ] أنّ ابني الحسين يُقتل بأرض العراق! فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها، فجاء بها فهذه تربتها.
269ـ قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد، قالا: حدّثنا موسى الجهني، عن صالح بن أربد النخعي، قال:
قالت اُمّ سلمة: قال لي نبي الله: اجلسي بالباب فلا يلج عليّ أحد فجاء الحسين وهو وضيف فذهبت تناوله فسبقها فدخل.
قالـت: فلمّا طال عليّ خفت أن يكون قد وجد عليّ فتطلّعت من الباب فإذا في كف النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ شيء يقلّبه، والصبي ناثم على بطنه ودموعه تسيل.
فلمّا أمرني أن أدخل قلت: يا رسول الله، إنّ ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني، فلمّا طال عليّ خفت أن تكون قد وجدت عليّ فتطلّعت من الباب فرأيتك تقلّب شيئاً في كفّك والصبي نائم على بطنك ودموعك تسيل!
____________

=

راجع سيرتنا وسنّتنا ص 87.
ومحمد بن عمر هو الواقدي، وخالد بن مخلّد هو القطواني أبو الهيثم البجلي الكوفي المتوفى 213 من رجال الصحاح الستّ.
(269) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب المصنّف 15/ 97 رقم 19213، والطبراني في المعجم الكبير 2820، والبيهقي في دلائل النبوّة 6/ 468 موجزاً، وكذا ابن حجر في المطالب العالية 4/ 73 عن ابن راهويه موجزاً، والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام 1/ 158.

(45)
فقال: إنّ جبريل أتاني بالتربة التي يُقتل عليها وأخبرني أنّ اُمّتي يقتلوه!
270ـ قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي سلمة،
عن عائشة، قالت: كانت لنا مشربة، فكان النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إذا أراد لقى جبريل لقيه فيها، فلقيه رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مرّة من ذلك فيها وأمر عائشة أن لا يصعد إليه أحد.
فدخل حسين بن علي ولم تعلم حتى غشيها فقال جبريل: من هذا؟ فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : [ 45/ ب ] ابني، فأخذه البني ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فجعله على فخذه.
فقال: أما إنّه سيقتل! فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ومن يقتله؟! قال: اُمّتك !! فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : اُمّتي تقتله؟! قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل بها،
فأشار له جبريل إلى الطف بالعراق وأخذ تربة حمراء فأراه إيّاها فقال: هذه من تربة مصرعه.

____________
(270) أخرجه أحمد في المسند 6/ 294، والطبراني في المعجم 2815 والبيهقي في دلائل النبّوة 6/ 470، والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام 1/ 159، وابن عساكر برقم 228، بإسناده عن ابن سعد.
والمتّقي في كنز العمّال 12/ 127 ـ 128 عن ابن سعد، والطبراني.
وأورد الذهبي نحوه في سير أعلام النبلاء 3/ 290 عن أحمد [ في المسند 6/ 294] عن عائشة أو اُمّ سلمة، ثم قال:
ورواه عبدالرزّاق... عن اُمّ سلمة ولم يشكّ، ورواه ابن سعد من حديث عائشة، وله طرق اُخر.
وقال محقّق الكتاب في تعليقه: إسناده صحيح كما قال المؤلف في تاريخه 3/ 11.
أبو سلمة هو ابن عبدالرحمان بن عوف.
ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أبو عبدالله القرشي المدني، المتوفى 120، من رجال الصحاح الستّ.
وابنه موسى أبو محمد المدني توفى 151، من رجال الترمذي وابن ماجة.
ورواه ابن عساكر برقم 228 من طريق ابن سعد.
والسيوطي في جمع الجوامع 1/ 26: بلفظ: أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بأرض الطفّ وجاءني بهذه التربة وأخبرني أنّ فيها مضجعه. ابن سعد والطبراني عن عائشة.
وكنز العمّال 12/ 123 عنهما.

(46)
271ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن عثمان بن مقسم، عن المقبري، عن عائشة، قالت بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه، ثم قمت لبعض أمري، فدنا منه فاستيقظ يبكي، فقلت: ما يبكيك؟
قال: انّ جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتدّ غضب الله على من يسفك دمه، وبسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء.
فقال: يا عائشة والذي نفسي بيده انّه ليحزنني، فمن هذا من اُمتي يقتل حسيناً بعدي؟!
272ـ قال: أخبرنا عفان بن مسلم، ويحيى بن عباد، وكثير بن هشام
____________
(271) كنز العمال 12/ 127 عن ابن سعد، ورواه الحافظ ابن عساكر 229 باسناده عن ابن سعد، وفي علل الدار قطني ج 5 ق 83/ أ: وسئل عن حديث محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عائشة في قتل الحسين، فقال: يرويه يزيد [ كذا، والصحيح زيد] بن الحباب، واختلف فيه فرواه أحمد بن عمر الوكيعي عنه، وقال: عن سعيد [ كذا ] بن عمارة الأنصاري، ولا ينسبه ولا يقول فيه عن أبيه، وهو الصحيح: حدّثنا جعفر بن أحمد الواسطي، حدّثنا إبراهيم [ كذا ] أحمد بن عمر الوكيعي، حدّثنا أبي، حدّثنا أبوالحسن العگلي، حدّثنا شعبة، عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن أبيه، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عائشة: انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها وهو مع جبريل صلّى الله عليه وسلّم في البيت، فقال: عليك الباب، ففعلت فدخل حسين بن علي فضمّه رسول الله إليه، فقال: انّك تحبّه؟ قال: نعم، قال: أما انّ اُمتك ستقتله، قال: فدمعت عينا النبي، فقال: أتحبّ أن اريك التربة التي يُقتل فيها، فتناول [ من ] الطف تربة حمراء.
حدّثنا الحسين بن اسماعيل، حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، حدثنا زيد بن الحباب أبوالحسين، حدّثنا سفيان بن عمارة الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن عائشة، ولم يقل عن أبيه.
(272) أخرجه أحمد في المسند 1 / 242 عن عبدالرحمن (بن مهدي)، عن حماد، وفي 283 عن عفان، عن حماد، وفي طبعة أحمد شاكر 4/ 26 وفي فضائل الصحابة رقم 1380 و 1381 وفيه من رواية القطيعي برقم 1389 و 1396، وصحّحهما محقّقه وصحّحه، واخرجه عبد بن حميد في مسنده الورقة 5.
وأخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 2822، وأبو طاهر المخلص في الفوائد المنتقاة، والحاكم في المستدرك على الصحيحين 4/ 397 والذهبي في تلخيصه وصحّحاه على شرط مسلم، وابن عبدالبر في الإستيعاب 1/ 196، والخطيب في تأريخ بغداد 1/ 142، والبيهقي في دلائل النبوة 6/ 471، وابوالفرج بن الجوزي في الردّ على المتعصب العنيد ص 52 والمنتظم في حوادث سنة 61 ج 3: الورقة 129 (مخطوطة أيا صوفيا رقم 3094)، وفي التبصرة 2/ 13، وابن الأثير في اُسد الغابة 2/ 23، والذهبي في

=


(47)
وموسى بن اسماعيل، قالوا: حدّثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا عمار بن أبي عمار،
عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دمّ.
فقلت: بأبي واُميّ ما هذا؟ قال: دم الحسين واصحابه أنا منذ [اليوم] ألتقطه.
قال: فأحصى ذلك اليوم فوجده قتل ذلك في ذلك اليوم.
273ـ [ 46/ أ] قال: واخبرنا علي بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ابان، عن شهر بن حوشب.
عن اُم سلمة، قالت: كان جبريل عند رسو ل الله صلّى الله عليه وسلّم والحسين معي، فبكى فتركه، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخذته فبكى فأرسلته.
فقال له جبريل: أتحبّه؟ قال: نعم، فقال: أما انّ اُمتك ستقتله.
274ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن يحيى بن زكريا، عن رجل، عن
____________
=

تاريخ الاسلام 2: 349 وفي سير أعلام النبلاء 3/ 213، والمزي في تهذيب الكمال 3/ 439 و 6/ 439 وابن حجر في الإصابة 1/ 335، وفي تهذيب التهذيب 2/ 355.
وأخرجه ابن أبي الدنيژا (له كتاب مقتل الحسين) وأخرجه من طريقه الحافظ ابن عساكر في تأريخه رقم 326 و 325 بإسناده عن القطيعي بطريقيه وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/ 200 عن أحمد ثم قال: واسناده قوي، ثم أورده عن ابن أبي الدنيا باسناد آخر ولفظ مغاير وأورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 194، وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، والبوصيري في إتحاف السادة المهرة ج 3/ ق 60 ب، وقال: رواه ابن بكر ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأحمد بن منيع وعبد ابن حميد بسند صحيح.
وراجع بقية مصادره في كتاب سيرتنا وسنتنا لشيخنا العلامّة الأميني صاحب الغدير رحمه الله تعالى ص 124 ـ 128.
(273) أخرجه أحمد في المسند 3/ 242، وعبد بن حميد في مسنده الورقة 6، والترمذي في الجامع الصحيح 5/ 620، وابن الجوزي في التبصرة، وابن الأثير في جامع الاُصول 2/ 13، والبوصيري في اتحاف السادة 3/ 61.
(274) جمع الجوامع 1/ 26 و كنز العمال 12/ 127 عن ابن سعد عن علي مقتصرين على قوله: أخبرني جبرئيل انّ حسيناً يقتل بشاطىء الفرات، تاريخ الاسلام 3/ 10 و 13/ 655 عن ابن أبي

(48)
عامر الشعبي، قال: قال علي وهو على شاطىء الفرات: صبراً أبا عبدالله، ثم قال:
دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعيناه تفيضان، فقلت: أحدث حدث؟
فقال: أخبرني جبريل أنّ حسيناً يقتل بشاطىء الفرات، ثم قال: أتحبّ أن اُريك من تربته؟ قلت: نعم، فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفي، فما ملكت عيني أن فاضتا.
275ـ قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، قال: أخبرنا اسرائيل، عن أبي اسحاق، عن هانيء،
عن علي قال: ليقتلنّ الحسين بن علي قتلاً، واني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بغربة قريب من النهرين.
276ـ قال: أخبرنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن عطاء بن
____________

=

شيبة وأحمد وأبي يعلى وسنن سعيد بن منصور.
وأورده ابن عساكر في تاريخه برقم 216، وسبط ابن الجوزي 250 وابن كثير في تاريخه 8/ 199 كلاهما عن ابن سعد، واخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير برقم.
وأخرجه أحمد في المسند 2/ 60 وقال محقّقه: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والبزار في مسنده وأبو يعلى في مسنده.
وكنز العمال 12/ 127 عن أحمد وأبي يعلى وابن سعد والطبراني عن علي، والطبراني عن أبي امامة وعن أنس، وابن عساكر عن اُم سلمة.
وابن سعد والطبراني عن عائشة، أبو يعلى عن زينب اُم المؤمنين، ابن عساكر عن اُم الفضل.
(275) كنز العمال 13/ 673 عن ابن أبي شيبة.
وأخرجه أبو عمرو بن السماك عثمان بن أحمد في جزء من حديثه ضمن المجموع رقم 297 حديث في الورقة 88 ب عن الحسن بن سلام عن عبيدالله بن موسى.
(276) كنز العمال 13/ 655 عن الطبراني. ترجم البخاري في التاريخ الكبير 4/ 253 شيبان بن مخزم وأشار إلى حديثه هذا، فقال: سمع علياً في كربلاء، قاله أبو حمزة عن عطاء عن ميمون بن مهران.
وكذلك الأمير ابن ماكولا أشار إلى حديثه في الإكمال 7/ 220 وضبطه فقال: واما مخزم، بزاي مشدّدة وفتحها، فهو شيبان بن مخزم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه روى عنه عطاء بن السائب.
وأورده الدمشقي في سبل الهدى والرشاد ق 547 عن ابن سعد وغيره ابن عساكر رقم 278 عن ابن سعد الطبراني 60.

(49)
السائب، عن ميمون، عن شيبان بن مخرم، قال ـ وكان عثمانياً يبغض علياً! ـ قال: رجع مع علي من صفين، قال: فانتهينا الى موضع، قال: فقال:
ما يسمى هذا الموضع؟ قال: قلنا: كربلاء قال: كرب و بلا، قال: ثم قعد على رابيّة، وقال:
يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء على وجه الأرض لا [ 46 / ب ] يكون شهداء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قلت: بعض كذباته وربّ الكعبة!
قال: فقلت لغلامي ـ وثمة حمار ميت ـ: جئني برجل هذا الحمار فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا.
فلما قُتل الحسين قلت لأصحابي: إنطلقوا ننظر، فانتهينا إلى المكان واذا جسد الحسين على رجل الحمار، واذا أصحابه ربضة حوله.
277ـ قال: أخبرنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان، قال: حدّثنا أبو عبيد الضبي، قال:
دخلنا على أبي هرثم الضبي حين اقبل من صفين وهو مع علي، وهو جالس على دكان وله أمراة يقال لها: حردا، هي أشدّ حباً لعلي وأشدّ لقوله تصديقاً.
فجاءت شاة فبعرت، فقال: لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثاً لعلي، قالوا: وما علم علي بهذا؟
قال: أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء فصلّى بنا علي صلاة الفجر بين شجرات ودوحات حرمل ثم اخذ كفاً من بعر الغزلان فشمّه، ثم قال: اوه، اوه، يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
قال: قالت حرداء: وما تنكر من هذا؟ هوأعلم بما قال منك، نادت بذلك وهو في جوف البيت.
278ـ قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا عبدالجبار بن عباس، عن عمار الدهني، قال:
مرّ علي على كعب، فقال: انّ من ولد هذا لرجل يقتل في عصابة لا يجف
____________
(277) كنز العمال 13/ 673 عن ابن أبي شيبة موجزاً. تهذيب الكمال 6/ 410 عن ابن سعيد.

(50)
عرق خيولهم حتى يردوا على محمد [ 47 / أ ] صلّى الله عليه وسلّم.
فمرّ حسن فقالوا، هو هذا يا أبا اسحاق؟ قال: لا، فمرّ حسين فقالوا: هذا هو؟ قال: نعم.
279ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرّة، قال: قال الحسين: والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في البست.
280ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن جعفر بن سليمان الضبعي، قال: قال الحسين بن علي: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي! فإذا فعلوا سلُط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فرم الامّة.
فقدم العراق فقتل بنينوى يوم عاشوراء سنة إحدى وستين.
281ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن عامر بن أبي محمد، عن الهيثم بن موسى، قال: قال العربان بن الهيثم: كان أبي يتبدّى فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنا لانبدوا إلاّ وجدنا من بني أسد هناك، فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان؟! قال: بغلني انّ حسيناً يقتل هاهنا، فانا أخرج لعليّ أصادفه فاقتل معه.
فلما قتل الحسين، قال أبي: انطلقوا ننظر هل الأسدي في من قتل؟ فأتينا المعركة فطوفنا، فإذا الأسدي مقتول.

____________
(279) رواه ابن عساكر برقم 267 عن ابن سعد.
(280) رواه ابن عساكر برقم 268 عن ابن سعد.
قال ابن الأثير في النهاية (فَرَم): ومنه حديث الحسين: حتى تكونوا أذلّ من فَرَم الأمّة، هو بالتحريك ما تعالج به المرأة فرجها ليضيق، وقيل: هو خرقة الحيض.
(281) رواه الحافظ ابن عساكر 269 باسناده عن ابن سعد.
كان أبي يتبدى، أي: يخرج إلى البادية، والرجل من بني أسد هو أنس بن الحارث بن نُبَيْه الصحابي.
قال البخاري في التاريخ الكبير 2/ 30: أنس بن الحارث قتل مع الحسين بن علي سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال محمد: حدّثنا سعيد بن عبدالملك بن واقد الحراني، حدّثنا عطاء بن مسلم الخفاف، عن الأشعث بن سحيم، عن أبيه، عن أنس.

=


(51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
____________

=

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 287: أنس بن الحارث له صحبة قتل مع الحسين بن علي عليه السلام.
وأخرج ابن عساكر 283 من طريق الحافظ البغوي باسناده عن أنس بن الحارث يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول:
انّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها: كربلا فمن شهد ذلك منكم فلينصره (اُنظر تهذيب تأريخ ابن عساكر لبدران 4/ 338).
قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلا فقتل مع الحسين.
وأخرجه الحافظ أبو نعيم في دلائل النبوة 486 وابن كثير في البداية والنهاية 8/ 199 عن البغوي بإسناده والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام 1/ 159 من طريق البيهقي عن الحاكم باسناده عن أنس ... قال فقتل أنس بن الحارث مع الحسين بن علي عليه السلام.
وذكره ابن الأثير في اُسد الغابة 1/ 146 وذكر انّه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: انّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق فمن أدركه منكم فلينصره، فقتل مع الحسين رضي الله عنه.
أخرجه الثلاثة (أي: ابن عبدالبر وابن منده وأبو نعيم).
وترجم لأبيه أيضاً 1/417 وقال: روى أنس بن الحارث بن نبيه عن أبيه الحارث ابن نبيه وكان من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم من أهل الصفّة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ والحسين في حجره ـ يقول: انّ ابني هذا يقتل في أرض يقال لها: العراق فمن أدركه منكم فلينصره، فقتل أنس بن الحارث مع الحسين.
وقد روي عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل عن أبيه أخرجه أبوموسى انتهى.
وذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الأول من حرف الألف 1/ 68 وحكى الأقوال فيه إلى ان قال: ووقع في التجريد للذهبي: لاصحبة له وحديثه مرسل!...
فردّ عليه ابن حجر وقال: وكيف يكون حديثه مرسلاً! وقد قال: سمعت، وقد ذكره في الصحابه البغوي وابن السكن وابن شاهين والدغولي وابن زبر والباوردي وابن منده وابو نعيم وغيرهم، انتهى.
وخرّج السيوطى حديثه هذا في الخصائص الكبرى 2/ 125 وفي جمع الجوامع وخرجه تلميذه شمس الدين الدمشقي في سبل الهدى والرشاد الورقة 547 عن البغوي والمتقي في كنز العمال 12/ 126 عن البغوي وابن السكن والباوردي وابن منده وابن عساكر.


***

(52)

(53)

مقتل الحسين بن عليّ

صلوات الله عليهما وسلامه

282ـ [ 47 / ب ] قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا ابن أبي ذئب، قال: حدثني عبدالله بن عمير مولى اُم الفضل.
قال: وأخبرنا عبدالله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه.
قال: وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدي، عن أبيه.
قال: وحدّثني عبدالرحمان بن أبي الزناد، عن أبي وجرة السعدي، عن علي ابن حسين.
قال: وغير هؤلاء قد حدّثني.
قال محمد بن سعد: وأخبرنا علي بن محمد، عن يحيى بن اسماعيل بن أبي المهاجر، عن أبيه.
وعن لوط بن يحيى الغامدي، عن محمد بن بشير الهمداني، وغيره.
وعن محمد بن الحجاج، عن عبدالملك بن عمير.
وعن هارون بن عيسى، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه.
وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن مجالد، عن الشعبي.
قال ابن سعد: وغير هؤلاء أيضاً قد حدّثني في هذا الحديث بطائفة، فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلواته وبركاته.
قالوا: لمّا بايع معاوية بن أبي سفيان ليزيد بن معاوية كان حسين بن علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له.
وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية كل ذلك يأبى. فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى، وجاء إلى الحسين فاخبره بما عرضوا عليه، وقال: انّ القوم إنّما يريدون
(54)
أن يأكلوا بنا، ويشيطوا دماءنا.
فأقام حسين [48 / أ] على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم ومرة يجمع الإقامة.
فجاءه أبوسعيد الخدري، فقال: يا باعبدالله إنّي لكم ناصح، وإنّي عليكم مشفق، وقد بلغني أنّه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج، فإنّي سمعت أباك رحمه الله يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وابغضتهم، وملّوني وابغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم(1) ثبات، ولاعزم أمر، ولا صبر على السيف.
قال: وقدم المسيّب بن نجبة الفزاري وعدّة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك.
فقال: إنّي أرجو أن يعطي الله أخي على نيّته في حبه الكف، وان يعطيني على نيّتي في حبي جهاد الظالمين.
وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية: إنّي لست آمن أن يكون حسين مرصداً للفتنة، واظنّ يومكم من حسين طويلاً.
فكتب معاوية إلى الحسين: إنّ من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد اُنبئت أنّ قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جرّبت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتّق الله! واذكر الميثاق، فإنّك متى تكدني أكدك.
فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عنّي جدير، والحسنات لا يهدي لها إلاّ الله، وما [ 48 / ب ] أردت لك محاربة ولا عليك خلافاً، وما أظنّ لي عندالله عذراً في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر الاُمّة.
فقال معاوية: ان أثرنا بأبي عبدالله إلاّ أسداً.
وكتب إليه معاوية أيضاً في بعض ما بلغه عنه: انّي لأظنّ انّ في رأسك
____________
(1) في الأصل يقرأ: نيات.

(55)
نزوة! فوددت انّي أدركتها فأغفرها لك.
283ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن جويرية بن أسماء، عن مسافع بن شيبة، قال: لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم فأخذ بخطام راحلته فأناخ به، ثم سارّه حسين طويلاً، وانصرف.
فزجر معاوية راحلته، فقال له يزيد: لا يزال رجل قد عرض لك فأناخ بك، قال: دعه فلعلّه يطلبها من غيري فلا يسوّغه فيقتله.

رجع الحديث إلى الأول

قال: ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به، وقال: اُنظر حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانّه أحبّ الناس إلى الناس، فصل رحمه وارفق به، يصلح لك أمره، فان يك منه شيء فاني أرجوا أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.
وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين وبايع الناس ليزيد.
فكتب يزيد مع عبدالله بن عمرو بن اويس العامري / [ 49 / أ ] ـ عامر ابن لؤي ـ إلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان وهو على المدينة:
أن ادع الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي، فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه.
فبعث الوليد بن عقبة من ساعته ـ نصف الليل ـ إلى الحسين بن علي وعنده عبدالله بن الزبير فاخبرهما بوفاة معاوية ودعاهما إلى البيعة ليزيد! فقالا: نصبح وننظرما يصنع [ الناس].
ووثب الحسين فخرج وَخرج معه ابن الزبير، وهو يقول: هو يزيد الذي تعرف، والله ما حدث له حزم ولا مروءة.
وقد كان الوليد أغلظ للحسين فشتمه الحسين واخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: ان هجنا بأبي عبدالله إلاّ أسدا.
فقال له مروان ـ أو بعض جلسائه ـ: اقتله! قال: انّ ذاك لدم مظنون في بني عبد مناف.

(56)
فلمّا صار الوليد إلى منزله قالت له امراته أسماء بنت عبدالرحمان بن الحارث بن هشام: أسببت حسينا؟! قال: هو بدأ فسبّني! قالـت: وان سبّك تسبّه؟! وان سبّ أباك تسبّ أباه؟!
وخرج الحسين وعبدالله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة، فاصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد! وطُلب الحسين وابن الزبير فلم يُوجدا، فقال المسوّر بن مخرمة: عجّل أبو عبدالله، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه إلى العراق ليخلو [ 49 / ب ] بمكة.
فقدما مكة، فنزل الحسين دار العباس بن عبدالمطلب، ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري وجعل يحرّض الناس على بني اُميّة.
وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق! ويقول: هم شيعتك وشيعتك أبيك.
وكان عبدالله بن عباس ينهاه عن ذلك، ويقول: لا تفعل. وقال له عبدالله بن مطيع(1): أي فداك أبي واُمّي متّعنا بنفسك، ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنّا خولاً وعبيداً.

____________
(1) ترجم ابن سعد في الطبقات 5: 144 لعبدالله بن مطيع هذا، وقال:
أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبدالله بن جعفر بن أبي عون، قال: لما خرج حسين بن علي من المدينة يريد مكة مرّبابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال له: أين فداك أبي واُمّي؟ قال: أردت مكة... وذكر له انّه كتب إليه شيعته بها، فقال له ابن مطيع: انى فداك أبي واُمي، متعنا بنفسك ولا تسر إليهم، فأبي حسين، فقال له ابن مطيع: إنّ بئَري هذه قد رشحتها وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة، قال: هات من مائها، فاتي من مائها في الدلو فشرب منه ثمّ مضمض ثمّ ردّه في البئر فأعذب وأمهي.
حدّثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن عبدالله، عن أبيه، قال: مرّ حسين بن علي على ابن مطيع وهو ببئره قد انبطها، فنزل حسين عن راحلته فاحتمله ابن مطيع احتمالاً حتى وضعه على سريره، ثمّ قال:
بأبي واُمّي أمسك علينا نفسك، فوالله لئن قتلوك ليتّخذنّا هؤلاء القوم عبيداً.
ورواه ابن العديم في ترجمة الحسين عليه السلام من كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب، المجلد: 7 الورقة 51/ أ بإسناده عن ابن سعد.

(57)
ولقيهما عبدالله بن عمرو عبدالله بن عيّاش (1) بن أبي ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر: اُذكّركما الله إلاّ رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس!. وتنظروا، فإن اجتمع الناس عليه لم تشذّا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان!
وقال ابن عمر لحسين: لا تخرج، فانّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وانت بضعة منه ولا تنالها ـ يعني الدنيا ـ، فاعتنقه وبكى وودّعه.
فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأي في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرّك ما عاش، وان يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فانّ الجماعة خير!!
وقال له ابن عياش: أين تريد يابن فاطمة؟ قال: العراق وشيعتي، [ 50/ أ ] فقال: انّي لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملّة لهم، اُذكّرك الله أن تغرّر بنفسك.
وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله في نفسك! والزم بيتك، فلا تخرج على إمامك!!(2).
وقال أبو واقد الليثي: بلغني خروج حسين فادركته بملل، فناشدته الله ان لا يخرج، فانّه يخرج في غير وجه خروج، انّما يقتل نفسه، فقال: لا أرجع.
____________
(1) هو عبدالله بن عيّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي الزرقيّ ـ بضمّ الزاي وفتح الراء، نسبة إلى بني زريق، مصغّراً ـ: ترجم له في اُسد الغابة 3/ 240 وقال: وُلد بأرض الحبشة، وروى عن النبي. قال ابن حجر في الإصابة 2/ 349: ذكره الباوردي في الصحابة وأورد من طريقه خبراً في صفة علي موقوفاً.
وبنو عمّه هم: خالد بن الوليد وابنه عبدالرحمان وأضرابهم من المنافقين من مبغضي علي عليه السلام.
(2) لقد جوزي أبوسعيد الخدري عن إمامه يزيد! خيراً يوم الحرّة حيث صرعه جيشه على الأرض ونتفوا لحيته شعرةً شعرة.
ولا بدّ أن يكون في الأبكار المفتضّات يوم أباح إمامه المدينة لجيشه ثلاثه أيام غير واحدة من قرائب أبي سعيد وأرحامه.

(58)
وقال جابر بن عبدالله: كلّمت حسيناً، فقلت: اتق الله! ولا تضرب الناس بعضهم ببعض!! فوالله ما حمدتم ما صنعتم؟! فعصاني(1).
وقال سعيد بن المسيب: لو ان حسيناً لم يخرج لكان خيراً له!
وقال أبو سلمة بن عبدالرحمان: قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج اليهم، ولكنّ شجّعه على ذلك ابن الزبير.
وكتب إليه المسوّر بن مخرمة: اياك ان تغّتر بكتب أهل العراق، ويقول لك ابن الزبير: إلحق بهم فانّهم ناصروك، اياك أن تبرح الحرم، فانّهم ان كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك اباط الإبل حتى يوافوك فتخرج في قوة وعدة، فجزّاه خيراً وقال: أستخيرالله في ذلك.
وكتبت إليه عمرة بنت عبدالرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة! وتخبره انّه انّما يساق إلى مصرعه، وتقول: اشهد لحدّثتني [ 50 / ب ] عائشة انّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
يقتل حسين بأرض بابل، فلمّا قرأ كتابها قال: فلا بدّ لي إذاً من مصرعي، ومضى.
وأتاه أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فقال: يابن عم ان الرحم تضارّني عليك، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك، قال: يابابكر ما أنت ممّن يستغشّ ولا يتهم، فقل.
فقال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إلهيم وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره، فاذكّرك الله في نفسك.

____________
(1) هذا تقوّل على جابر وافتراء، فإنّ جابراً يجلّ عن مثل هذا الكلام وقد ورد في رواياتنا في مدحه عن الصادق عليه السلام: كان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت.
وقد شهد هو صفّين مع أميرالمؤمنين عليه السلام فكيف ينسب إليه هذا الهذيان؟!
ثمّ كان جابر ـ رحمه الله ـ أول من زار قبر الحسين عليه السلام قصده من المدينة إلى كربلاء ووافاه يوم الأربعين من مصرعه عليه السلام.
ولعلّه صدر عن بعض الأمويين أو الخوارج أو بعض المنافقين فنسبه الراوي خطأ إلى جابر.

(59)
فقال: جزاك الله يابن عم خيراً، فلقد اجتهدت رأيك، ومهما يقضي الله من أمر يكن.
فقال أبوبكر: إنّا لله، عندالله نحتسب أبا عبدالله.
وكتب عبدالله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذّره أهل الكوفة ويناشده الله أن يشخص إليهم.
فكتب إليه الحسين: انّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمخبر بها أحداً حتى اُلاقي عملي(1).
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: انّي أسأل الله أن يلهمك رشدك، وان يصرفك عمّا يرديك، بلغني انّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق، فاني اعيذك بالله من الشقاق، فان كنت خائفاً فاقبل إليّ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة.
فكتب إليه الحسين: إن كنت أردت بكتابك إليّ برّي وصلتي فجزيت خيرا [ 51 / أ ] في الدنيا والآخرة، وانّه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال انني من المسلمين، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآْخرة عنده.
وكتب يزيد بن معاوية إلى عبدالله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة ونحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة وعندك علم منهم خبرة وتجربة فان كان فعل فقد قطع واشج القرابة وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه فاكففه عن السعي في الفرقة!!
وكتب بهذه الأبيات إليه، والى من بمكة والمدينة من قريش:
يا أيّها الراكب الغادي (مطيته)
على عذافِرِةٍ في سيـــرهــا قحم
أبلــغ قريشاً على نأي المزاربها
بيني وبين حسين الله والرحـــمُ

____________
(1) قال ابن الأثير في اُسد الغابة 1/ 21: فنهاه جماعة، منهم: أخوه محمد بن الحنفية وابن عمر وابن عباس، وغيرهم، فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام وأمرني بأمر فأنا فاعل ما أمر.

(60)
وموقف بفناء البيت انشده
عهد الاله وما توفى به الذمم
عنيتم قومكم فخرابامكم
ام لعمري حصان (عفة) كرم
هي التي لا يداني فضلها احد
بنت الرسول وخير الناس قدعلموا
وفضلها لكم فضل وغيركم
من قومكم لهم في فضلها قسم
اني لاعلم او ظنا كعالمه
والظن يصدق احيانا فينتظم
ان سوف يترككم ما تدعون بها
قتلى تهاداكم العقبان والرخم
ياقومنا لا تشبوا الحرب اذ سكنت
ومسّكوا بحبال السلم واعتصموا[ 51/ ب]
قد غرت الحرب من قد كان قبلكم
من القرون وقد بادت بها الاُمم
فانصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا
فرب ذي بذخ زلت به القدم
قال: فكتب إليه عبدالله بن عباس: انّي أرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له فيما يجمع الله به الاُلفة وتطفأ به النائرة.
ودخل عبدالله بن عباس على الحسين فكلّمه طويلاً، وقال: أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة، لا تأتي العراق، وان كنت لا بدّ فاعلاً فأقم حتى ينقضي الموسم، وتلقى الناس وتعلم على ما يصدرون، ثم ترى رأيك، وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين.
فأبى الحسين إلاّ أن يمضي إلى العراق، فقال له ابن عباس: والله إنّي لأظنّك ستقتل غداً بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته، والله انّي لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنّا لله وانّا إليه راجعون.
فقال الحسين: أبا العباس إنّك شيخ قد كبرت، فقال ابن عباس(1):
____________
(1) أخرج الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 1: 541 قال: حدّثنا أبوبكر، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا ابراهيم بن ميسرة، قال: سمعت طاووساً يقول: سمعت ابن عباس يقول: إستشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت: لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، فكان الذي ردّ عليّ ان قال: لئن اُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ من أن تنجدني ـ يعني مكة ـ، قال ابن عباس: فذلك الذي سلا بنفسي عنه.

(61)
لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم انّا إذا تناصينا أقمت لفعلت، ولكنّ لا أخال ذلك نافعي.
فقال له الحسين: لئن اُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي ـ يعني مكة ـ، قال: فبكى ابن عباس، وقال: أقررت عين ابن الزبير فذلك الذي سلا بنفسي عنه.
ثم خرج عبدالله بن عباس من عنده وهو مغضب [ 52/ أ] وابن الزبير على الباب، فلما رآه قال: يابن الزبير قد أتى ما أحببت، قرّت عينك، هذا أبو عبدالله يخرج ويتركك والحجاز.

يالـك مــــن قبــرة بمـعـــمــــر* خلا لك الجوّ فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري(1)
وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خفّ معه من بني عبدالمطلب وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.
وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسيناً بمكة واعلمه انّ الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل.
فحبس محمد بن علي ولده فلم يبعث معه أحداً منهم! حتى وجد الحسين في نفسه على محمد، قال: ترغب بولدك عن موضع اُصاب فيه؟!
فقال محمد: وما حاجتي أن تُصاب ويصابون معك، وان كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم.
وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة، وذلك يوم الإثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين.

____________

=

واخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3 : 128 في ترجمة الحسين عليه السلام برقم 2859، قال: حدّثنا علي بن عبدالعزيز، حدّثنا اسحاق حدثنا سفيان...
(1) البيت لطرفة بن العبد، وراجع قصّته في مجمع الأمثال 1/ 239 وحياة الحيوان (القبرة)، وربّما نٌسب إلى كليب بن ربيعة، راجع لسان العرب 20/ 385.

(62)
فكتب مروان إلى عبيدالله بن زياد: أمّا بعد، فانّ الحسين بن علي قد توجّه إليك وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبالله ما أحد يسلّمه الله أحبّ إلينا من الحسين! فاياك أن تهيج على نفسك مالا يسدّه شيء، ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره، والسلام
وكتب [ 52/ ب ] إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أمّا بعد، فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق، أو تسترقّ كما تسترقّ العبيد(1).
284ـ قال: أخبرنا عبدالله بن الزبير الحميدي، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: حدّثني لبطة بن الفرزدق ـ وهو في الطواف وهو مع ابن شبرمة ـ، قال: أخبرني أبي، قال: خرجنا حجّاجاً فلما كنا بالصفاح إذا نحن بركب عليهم اليلامق ومعهم الدرق، فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن علي، فقلت: أي أبو عبدالله؟ قال: يا فرزدق ما وراءك؟ قال: أنت أحبّ الناس إلى الناس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني اُمية.
قال: ثم دخلنا مكة، فلمّا كنّا بمنى قلت له: لو أتينا عبدالله بن عمرو فسألناه عن حسين وعن مخرجه، فأتينا منزله بمنى فاذا نحن بصبية له سود مولدين يلعبون، قلنا: أين أبوكم؟ قالوا: في الفسطاط يتوضأ، فلم يلبث أن خرج علينا من فسطاطه، فسألناه عن حسين؟ فقال: أما إنّه لا يحيك فيه السلاح! قال: فقلت له: تقول هذا فيه وأنت الذي قاتلته وأباه؟! فسبّني وسببته!
ثم خرجنا حتى أتينا ماء لنا يقال له: تعشار، فجعل لا يمرّ بنا أحد إلاّ سألناه عن حسين، حتى مرّ بنا ركب فناديناهم ما فعل حسين بن علي قالوا: قُتلْ! فقلت: فعل الله بعبدالله بن عمرو، وفعل.
____________
(1) من أول المقتل إلى هنا، أورده المزي في تهذيب الكمال 6/ 412 ـ 422 عن ابن سعد.
ومن أوله إلى هنا أيضاً رواه الحافظ كمال الدين ابن العديم في كتابه بغية الطلب في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ج 7 الورقة 58 ب إلى 64/ أ يطابق ج 6 ص 2605 ـ 2612 من مطبوعه، بإسناده عن أبن سعد إسناداً ومتناً.
(284) ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 2: 673 عن الحميدي وذكره بكنيته أبي بكر. ورواه الذهبي في تذكرة الحفاظ 372 في ترجمة أبي عبيدة عنه عن لبطة بأوجز مما هنا ورواه الطبري 5/ 386. رواه ابن عساكر برقم 257.

(63)
قال سفيان: ذهب الفرزدق إلى غير المعنى ـ أو قال: الوجه ـ انّما قال: لا يحيك فيه السلاح ولا يضرّه [ 53/ أ ] القتل، مع ما قد سبق له.
285ـ قال: أخبرنا عبدالله بن الزبير الحميدي، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا شيعي لنا يقال له: العلاء بن أبي العباس، عن أبي جعفر، عن عبدالله ابن عمرو، أنّه قال في حسين: خرج، أما إنّه لا يحيك فيه السلاح(1).
286ـ قال: أخبرنا موسى بن اسماعيل، قال: حدثنا معاوية بن عبد الكريم، عن مروان الأصغر، قال: حدّثني الفرزدق بن غالب قال:
لما خرج الحسين بن علي رحمه الله لقيت عبدالله بن عمرو، فقلت له: انّ هذا الرجل قد خرج، فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فانّك أن أردت دنيا أصبتها، وان أردت آخرة أصبتها.
قال: فرحلت نحوه، فلمّا كنت في بعض الطريق بلغني قتله، فرجعت إلى عبدالله بن عمرو، فقلت: أين ما قلت لي؟! قال: كان رأياً رأيته!
287ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن الهذلي، انّ الفرزدق قال: لقيت حسيناً، فقلت: بأبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس، لرجوت أن يتقصّف أهل الموسم معك، فقال: لم آمنهم يا أبا فراس.
قال: فدخلت مكة فاذا فسطاط وهيئة، فقلت: لمن هذا، قالوا: لعبدالله ابن عمرو بن العاص، فأتيته فاذا شيخ أحمر فسلّمت، فقال: من؟ قلت: الفرزدق، أترى أن أنصر حسيناً؟ قال: إذا تصيب أجراً وذخراً، قلت بلا دنيا، فاطرق، ثم قال: يابن غالب لتتمّن خلافة يزيد، فانظرن، فكرهت ماقال.
قال: فسببت يزيد ومعاوية، قال: مه! [ 53/ ب ] قبّحك الله!! فغضبت، فشتمته وقمت، ولو حضر حشمه لأوجعوني.
فلمّا قضيت الحج رجعت، فاذا عير فصرخت: ألا ما فعل الحسين؟ فردّوا عليّ: ألا قُتل.
____________
(1) من أول المقتل إلى هنا رواه ابن عساكر بإسناده عن ابن سعد في ترجمة الحسين عليه السلام من ص 196 ـ 206.

(64)
288ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن جويرية بن أسماء وعلي بن مدرك، عن اسماعيل بن يسار، قال:
لقي الفرزدق حسيناً بالصفاح فسلّم عليه، فوصله بأربعمائة دينار، فقالوا: يا أباعبدالله تعطي شاعراً مبتهراً؟! قال: انّ خيرما أمضيت ما وقيت به عرضك، والفرزدق شاعر لايؤمن.
فقال قوم لاسماعيل: وما عسى أن يقول في الحسين ومكانه مكانه، وأبوه واُمّه من قد علمت؟
قال: اُسكتوا، فانّ الشاعر ملعون، ان لم يقل في أبيه واُمّه قال في نفسه.
289ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن حباب بن موسى، عن الكلبي عن بحير بن شداد الأسدي، قال: مرّ بنا الحسين بالثعلبية، فخرجت إليه مع أخي، فاذا عليه جبّة صفراء لها جيب في صدرها، فقال له أخي: انّي أخاف عليك، فضرب بالسوط على عيبة قد حقبها خلفه، وقال: هذه كتب وجوه أهل المصر.
290ـ قال: أخبرنا موسى بن اسماعيل، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، قال: حدّثني من شافه الحسين، قال:
رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: هذه لحسين، قال: فأتيته فاذا شيخ يقرأ القران [ 54/ أ] قال: والدموع تسيل على خديه ولحيته، قال: قلت: بأبي واُمي يابن رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟ فقال: هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلاّ قاتليّ، فاذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلاّ انتهكوها، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فَرمَ الأمة ـ يعني مقنعتها ـ!.

ثم رجع الحديث إلى الأول
قالوا: وقد كان الحسين قدّم مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانىء بن عروة المرادي وينظر إلى اجتماع الناس عليه، ويكتب إليه بخبرهم.
____________
(289) رواه ابن عساكر برقم 266 عن عمر ابن سعد.

(65)
فقدم مسلم بن عقيل الكوفة مستخفياً وأتته الشيعة فأخذ بيعتهم، وكتب إلى الحسين بن علي: انّي قدمت الكوفة فبايعني منهم إلى أن كتبت إليك ثمانية عشر ألفاً، فعجّل القدوم فانّه ليس دونها مانع!
فلمّا أتاه كتاب مسلم أغذ السير حتى انتهى إلى زبالة، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف.
وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة في آخر خلافة معاوية فهلك وهو عليها، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين، فكتب إلى عبيدالله بن زياد بن أبي سفيان! [ 54/ ب ] وهو على البصرة فضم إليه الكوفة، وكتب إليه بإقبال الحسين إليها، فإن كان لك جناحان فطرْ حتى تسبق إليها.
فاقبل عبيدالله بن زياد على الظهر سريعاً حتى قدم الكوفة فاقبل متعمماً متنكّراً حتى دخل السوق، فلما رأته السفلة واهل السوق خرجوا يشتدّون بين يديه وهم يظنون انه حسين! وذاك انّهم كانوا يتوقعونه، فجعلوا يقولون لعبيدالله: يابن رسول الله الحمد لله الذي أراناك وجعلوا يقبلون يده ورجله، فقال عبيدالله لشدّ ما فسد هؤلاء!
ثم مضى حتى دخل المسجد فصلّى ركعتين ثم صعد المنبر وكشف عن وجهه، فلمّا رأه الناس مال بعضهم على بعض واقشعوا عنه.
وبنى عبيدالله بن زياد تلك الليلة بأهله اُم نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط.
واتي تلك الليلة برسول الحسين بن علي قد كان أرسله إلى مسلم بن عقيل يقال له: عبدالله بن يقطر فقتله.
وكان قدم مع عبيدالله بن البصرة شريك بن الأعور الحارثي وكان شيعة لعلي فنزل أيضاً على هانىء بن عروة، فاشتكا شريك، فكان عبيدالله يعوده في منزل هانىء ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به.
فهيؤوا لعبيدالله ثلاثين رجلاً يقتلونه إذا دخل عليهم واقبل عبيدالله
(66)
ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها.
[ 55/ أ ] اسقوني ولو كانت فيها نفسي، فقال عبيدالله: ما يقول؟ قالوا: يهجر، وتحشحش القوم في البيت، فأنكر عبيدالله ما رأى منهم فوثب فخرج، ودعا مولى لهانىء بن عروة كان في الشرطة فسأله فأخبره الخبر فقال: أولا.
ثم مضى حتى دخل القصر وارسل إلى هانىء بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، فقال: ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه؟ فقال: يابن أخي انّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك وحقّ أهل بيتك، فوثب عبيدالله وفي يده عنزة فضرب بها رأس هانىء حتى خرج الزج واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه.
وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج في نحو من أربعمائة من الشيعة فما بلغ القصر إلاّ وهو في نحو من ستين رجلاً، فغربت الشمس واقتتلوا قريباً من الرحبة ثم دخلوا المسجد وكثرهم أصحاب عبيدالله بن زياد، وجاء الليل فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة يقال لها: طوعة فاستجار بها، وعلم بذلك محمد بن الأشعث بن قيس فاخبر به عبيدالله بن زياد فبعث إلى مسلم فجيء به فأنّبه وبكّته وأمر بقتله.
فقال: دعني اوصي، قال: نعم، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: انّ لي إليك حاجة وبيني وبينك رحم.
فقال عبيدالله: اُنظر في حاجة ابن [ 55 / ب ] عمك، فقام إليه فقال: يا هذا انّه ليس هاهنا رجل من قريش غيرك، وهذا الحسين بن علي قد اظلك فارسل إليه رسولاً فلينصرف فانّ القوم قد غرّوه وخدعوه وكذّبوه، وانّه إن قتل لم يكن لبني هاشم بعده نظام، وعلي دين أخذته منذ قدمت الكوفة فاقضه عني، واطلب جثتي من ابن زياد فوارها.
فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ فاخبره بما قال، فقال: قل له: امّا مالك فهو لك لا نمنعك منه، واما حسين فان تركنا لم نرده، واما جثته فاذا
(67)
قتلناه لم نبال ما صنع به، ثم اُمر به فقتل، فقال عبدالله بن الزبير الأسدي(1) في ذلك:
إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانىء في السوق وابن عقيل
ترى جسداً قد غيّر الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل
أصابهما أمر الإمام فأصبحا * أحاديث من يهوى بكلّ سبيل
ترى بطلاً قد هشّم السيف رأسه * وآخر يهوى من طمار قتيل
أيركب أسماء الهماليج آمناً * وقد طلبته مذحج بقتيل
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغايا اُرضيت بقليل
يعني بأسماء ابن خارجة الفزاري، كان عبيدالله بن زياد بعثه ـ وعمرو بن الحجاج الزبيدي ـ إلى هانىء بن عروة فأعطياه العهود والمواثيق فاقبل معهما [ 56/ أ ] حتى دخل على عبيدالله بن زياد فقتله.
قال: وقضى عمر بن سعد دين مسلم بن عقيل وأخذ جثته فكفّنه ودفنه، وأرسل رجلاً إلى الحسين فحمله على ناقة واعطاه نفقة، وامره أن يبلّغه ما قال مسلم بن عقيل فلقيه على أربع مراحل فاخبره.
وبعث عبيدالله برأس مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة إلى يزيد بن معاوية.
وبلغ الحسين قتل مسلم وهانىء، فقال له ابنه علي الأكبر: يا أبه إرجع فانّهم أهل (كدر) وغدر وقلة وفائهم، ولا يفون لك بشيء، فقالت بنو عقيل لحسين: ليس هذا بحين رجوع، وحرّضوه على المضي.
فقال حسين لأصحابه: قد ترون ما يأتينا، وما أرى القوم إلاّ سيخذلوننا
____________
(1) هو عبدالله بن الزبير ـ بفتح الزاي ـ الاسدي، اسد خزيمة، كوفي، شاعر مشهور في أيام بني اُميّة، قيل: مات في زمن الحجّاج، جمع شعره يحيى الجبوري بالعراق وحقّقه، له ترجمة مطوّلة في الأغاني وهو الذي قال لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال: ان وراكبها، وراجع قصّته في تاريخ ابن عساكر (عبدالله بن جابر ـ عبدالله بن زيد) ص 506 وله ترجمة في تلخيص المتشابه في الرسم 10/ 23 وفي سير أعلام النبلاء 3/ 383 وراجع المصادر المذكورة في تعاليقها.
والشعر عند الطبري 5/ 379 ثمانية أبيات وفيه: ويقال: قاله الفرزدق.

(68)
فمن أحبّ أن يرجع فليرجع.
فانصرف عنه [ الذين ] صاروا إليه في طريقه، وبقي في أصحابه الذين خرجوا معه من مكة ونفير قليل [ من ] من صحبه في الطريق. فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرساً.
قال: وجمع عبيدالله المقاتلة وأمر لهم بالعطاء واعطى الشّرط، ووجّه حصين بن تميم الطهوي إلى القادسية، وقال له: أقم بها فمن أنكرته فخذه.
وكان حسين قد وجّه قيس بن مسهر الأسدي إلى مسلم بن عقيل قبل أن يبلغه قتله، فأخذه حصين فوجّه به إلى عبيدالله، فقال له عبيدالله: قد قتل الله مسلما! فقم في الناس فاشتم [ 56/ ب ] الكذّاب ابن الكذّاب فصعد قيس المنبر فقال: ايّها الناس انّي تركت الحسين بن علي بالحاجر، وأنا رسوله إليكم وهو يستنصركم.
فأمر به عبيدالله فطرح من فوق القصر فمات.
ووجّه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح في ألف إلى الحسين، وقال: سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به، ففعل ذلك الحر بن يزيد.
فاخذ الحسين طريق العذيب حتى نزل الجوف مسقط النجف مما يلي المائتين، فنزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة ثم انتبه يسترجع وقال: انّي رأيت في المنام آنفاً فارساً يسايرنا ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت انّه نعى إلينا أنفسنا.
ثم سار حتى نزل بكربلاء، فاضطرب فيه، ثم قال: أيّ منزل نحن به؟ قالوا: بكربلاء، فقال: يوم كرب وبلاء.
فوجّه إليه عبيدالله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة الآف، وقد كان استعمله قبل ذلك على الري وهمذان، وقطع ذلك البعث معه، فلمّا أمره بالمسير إلى حسين تأبّى ذلك وكرهه واستعفى منه، فقال له ابن زياد: اُعطي الله عهداً لئن لم تسر إليه وتقدم عليه لأعزلنّك عن عملك واهدم دارك واضرب
(69)
عنقك! قال: إذاً أفعل.
فجاءته بنو زهرة قالوا: ننشدك الله أن تكون أنت الذي [57/ أ] تلي هذا من حسين فتبقى عداوة بيننا وبني هاشم، فرجع إلى عبيدالله فاستعفاه فأبى ان يعفيه، فصمّم وسار إليه.
ومع حسين يومئذ حمسون رجلاً، واتاهم من الجيش عشرون رجلاً، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلاً.
فلمّا رأى الحسين عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه قال: يا هؤلاء اسمعوا يرحمكم الله، ما لنا ولكم! ما هذا بكم يا أهل الكوفة؟! قالوا: خفنا طرح العطاء، قال: ما عندالله من العطاء خير لكم، يا هؤلاء دعونا فلنرجع من حيث جئنا، قالوا: لا سبيل إلى ذلك، قال فدعوني أمضي إلى الريّ فاجاهد الديلم، قالوا: لا سبيل إلى ذلك، قال: فدعوني أذهب إلى يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده، قالوا: لا، ولكن ضع يدك في يد عبيدالله بن زياد!
قال: امّا هذه فلا، قالوا: ليس لك غيرها.
وبلغ ذلك عبيدالله، فهمّ أن يخلّي عنه، وقال: والله ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلاّ مخل سبيله يذهب حيث شاء.
قال شمر بن ذي الجوشن الضبابي: انّك والله ان فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبداً، وانّما كان همّة عبيدالله أن يثبت على العراق، فكتب إلى عمر ابن سعد:
الآن حين تعلّقته حبالنا
يرجو النجاة ولات حين مناص
فناهضه، وقال لشمر بن ذي الجوشن: سرأنت إلى عمر بن سعد [ 57/ ب ] فان مضى لما أمرته وقاتل حسيناً والاّ فاضرب عنقه، وأنت على الناس.
قال: وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسلّلون إلى حسين من الكوفة، فبلغ ذلك عبيدالله فخرج فعسكر بالنخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن
(70)
حريث، واخذ الناس بالخروج إلى النخيلة، وضبط الجسر فلم يترك أحداً يجوزه(1).
وعقد عبيدالله لحصين بن تميم الطهوي على ألفين ووجّهه إلى عمر بن سعد مدداً له.
وقدم شمر بن ذي الجوشن الضبابي على عمر بن سعد بما أمره به عبيدالله عشية الخميس لتسع خلون من المحرم سنة إحدى وستين بعد العصر، فنودي في العسكر فركبوا، وحسين جالس أمام بيته محتبيا، فنظر إليهم قد اقبلوا فقال للعباس ابن علي بن أبي طالب: إلقهم فسلهم ما بدا لهم؟ فسألهم فقالوا: أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك أن تنزل على حكمه أو نناجزك، فقال: إنصرفوا عنا العشيّة حتى ننظر ليلتنا هذه فيما عرضتم، فانصرف عمر.
وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة فحمدالله واثنى عليه وذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما اكرمه الله به من النبوة وما انعم به على اُمته، وقال:
إنّي لا أحسب القوم إلاّ مقاتلوكم غداّ وقد أذنت لكم جميعاّ فانتم في حلّ مني، وهذا الليل قد غشيكم، فمن كانت له منكم قوة فليضم [ 58 / أ] رجلاً من أهل بيتي إليه وتفرّقوا في سوادكم، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا
____________
(1) قال البلاذري في «أنساب الأشراف» صفحة 166: قالوا: ولمّا بلغ عبيدالله بن زياد إقبال الحسين إلى الكوفة بعث الحصين بن اُسامة التميمي ـ ثمّ أحد بني جشيش بن مالك بن حنظلة ـ صاحب شرطه حتى نزل القادسية، ونظّم الخيل بينها وبين خفان، وبينها وبين القطقطانة إلى لعلع.
وقال في صفحة 173: أمر ابن زياد فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يترك أحمد يلج ولا يخرج!
وفي صفحة 178: امر الناس فعسكروا بالنخيلة وأمر أن لا يتخلّف أحد منهم... فلا يبقيّن رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكّان إلاّ خرج فعسكر معي فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة.
وفي صفحة 179: ثمّ إنّ ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث وأمر القعقاع بن سويد ابن عبدالرحمان بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلاً من همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة، فأتى به ابن زياد فقتله!
فلم يبق بالكوفة محتلم إلاّ خرج إلى العسكر بالنخيلة!... ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلاّ يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق بالحسين.

(71)
على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين، فانّ القوم انّما يطلبونني، فاذا رأوني لهوا عن طلبكم.
فقال أهل بيته: لا أبقانا الله بعدك، لا والله لا نفارقك حتى يصيبنا ما اصابك، وقال ذلك أصحابه جميعا، فقال: أثابكم الله على ما تنوون الجنة.
291ـ قال: أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم الشيباني، عن سفيان، عن أبي الجحاف، عن أبيه:
انّ رجلاً من الأنصار أتى الحسين، فقال: انّ عليّ ديناً، فقال: لا يقاتل معي من عليه دين.
292ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن أبي الأسود العبدي، عن الأسود بن فيس العبدي، قال:
قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد اُسر ابنك بثغر الري، قال: عندالله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده.
فسمع قوله الحسين، فقال له: رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك، قال: أكلتني السباع حياً ان فارقتك، قال: فاعط ابنك هذه الأثواب يستعين بها في فكاك أخيه، فاعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

رجع الحديث إلى الأول
فلمّا أصبح يومه الذي قتل فيه رحمة الله عليه قال:
اللّهم أنت ثقتي في كل [ 58/ ب ] كرب، ورجائي في كل شدّة، وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة، وانت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة.

____________
(292) رواه ابن عساكر برقم 200 باسناده عن ابن سعد، وفيه أيضاً: محمد بن بشير كما هو كذلك في أصلنا من الطبقات، لكن الظاهر انّ كلمة (محمد بن ) زائدة، وانما قاله الحسين عليه السلام لبشير بن عمرو الحضرمي الكندي: انّ ابنك عمر اُسر بثغر الري... وكذا ورد هذا الأسم (بشير بن عمرو) في أنساب الأشراف ص 196 وفي تاريخ الطبري 5: 444 ورد اسمه مشكولاً بالضم والفتح مصغّرا.
ورواه ابن العديم في ترجمة الحسين عليه السلام من كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب المجلد 7 الورقة 51 / أ عن أبي نصر بن الشيرازي عن ابن عساكر باسناده عن ابن سعد وفيه أيضاً محمد بن بشير.