|
|||
خَصائِصُ الأئمَة عليهم السلام
خصائص أمير المؤمنين عليه السلام تأليف
الشريف الرضي
أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي 359 ـ 406 تحقيق وتعليق
الدكتور محمد هادي الاميني
(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
إلهي ... بقدرتك علي تب علي ... وبحلمك عني اعف عني ... وبعلمك بي ارفق بي ...
إلهي ... لا تجعلني لغير جودك متعرضا ... ولا تصيرني للفتن غرضا ... وكن لي على الاعداء ناصرا ... وعلى المخازي والعيوب ساترا ... وعن المعاصي عاصما ... إلهي ... إعطني بصيرة في دينك ... وفهما في حكمك ... وفقها في علمك ... وكفلين من رحمتك ... إلهي ... تقبل مني وأعل ذكري ، وارفع درجتي ، وحط وزري ... ولا تذكرني بخطيئتي ... واجعل ثواب مجلسي ، وثواب منطقي ، وثواب دعائي ، رضاك والجنة ... (6)
قوبلت وصححت على نسخة السيد الفقيه الامام ضياء الدين أبي الرضا
فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي الكاشاني المتوفى 570 هـ. (7)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله امناء الله
منذ إنطلاقة الشرارة الاولى ، للثورة الشعبية الاسلامية في ايران عام 1357 هـ. ش ، الموافق سنة 1399 هـ. ق ، بقيادة الزعيم الديني المقدام ، الامام الخميني بارك الله في ثورته وعمره طلب من المسؤولين كافة ، والقائمين بشؤون الدولة ، أن يجعلوا رسالة الاسلام الخالدة نصب أعينهم ، ويسيروا على هديه وهداه في الجوانب كافة ، ويعاملوا الشعب ويأخذوا القضايا والاحداث والقوانين حسب ما يقتضيه التشريع الاسلامي ، وتتطلبه قوانينه وانظمته التي جاء بها المشرع الاعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي بعث رحمة للعالمين .. لان الثورة المظفرة هذه انبثقت من صميم الواقع الاسلامي الذي مهد للشعب الايراني المسلم طريق التحرر والانطلاق ، ودفعه إلى اليقظة والوثبة ، والثورة على الطغاة ، والظالمين والمستبدين ، العاملين للحواجز السياسية الدخيلة ، للحيلولة بين الشعوب ، ورسالة الاسلام. ولما كانت الثورة الاسلامية المظفرة في ايران مدينة بكاملها للاسلام وجاءت الانتفاضة الشعبية لهذا الغرض ، فلا بد من العمل في إعادة الجوانب كافة إلى مهيع الحق ، والصراط المستقيم ، وإنقاذها من مخالب التيارات الدخيلة ، سيما الجانب الفكري والعلمي ، الذي تلاعب بهما العهد المقبور واتخذهما ذريعة لمآربه الشيطانية ، ووسيلة في خدمة سياسة أسياده التوسعية (8)
لذلك أصبح الشعب بمعزل عن عقيدته ، ودينه ، وشخصيته ، وتفكيره الصحيح ، ونهجه القويم الذي خطه من قبل الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله ، ومن بعده الائمة الهداة المهديون عليهم السلام ، ومن ثم فقهاء الطائفة وأعلامها.
وفي خلال فترة قصيرة من الزمن ، تمكنت الجمهورية الاسلامية في زحفها المقدس من إقامة مجاميع وندوات ، وجامعات تخدم الشخصية الاسلامية ، وتساند الحضارة الفكرية والعلمية وعلى الاخص في العواصم ، والحوزات الدراسية في عرض البلاد وطولها. ولما كانت مدينة « مشهد » المقدسة البطلة ، على جانب هام من الناحية الفكرية والاجتماعية ، وموقعها الخطير بين سائر الالوية الايرانية لذلك وجهت القيادة عنايتها ، ورعايتها لهذا البلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه فأقامت فيه إلى جوار مرقد الامام أبي الحسن الرضا عليه آلاف التحيات والبركات جامعة للعلوم الاسلامية على نسق حديث للتدريس والدراسة إلى جانب إقامة مجمع « للبحوث الاسلامية » للتأليف والتحقيق والنشر ، وقد زاول عمله النشاطي منذ عام بحول الله وقوته ، مكللا بالنجاح والسداد والموفقية برعاية سادن الروضة الرضوية المباركة فضيلة العلامة الجليل سماحة الشيخ عباس الطبسي بارك الله تعالى في عمره وأخذ بعضده. هذا وفي الوقت الذي تقدم المجمع إلى ميدان النشر والطبع ، إرتأى المجلس الاعلى لادارة « مجمع البحوث الاسلامية » تدشين سلسلة مطبوعاته بكتاب « خصائص الائمة عليهم السلام » لابي الحسن الشريف الرضي ... رضي الله عنه ، وذلك بمناسبة الذكرى الالفية لوفاته التي تجتاز البلاد خلال الشهور هذه ، وتتأهب بعض الاقطار الشقيقة لاقامة مهرجانات ومؤتمرات علمية لها أمثال الهند ، والپاكستان ، وسوريا ، وكذا الجمهورية الاسلامية الايرانية والكتاب هذا ، أثر قيم وجهد حيوي ، ستقرأ تفاصيله في المقدمة ، وقد تصدى إلى تحقيقه وإخراج أسانيد أحاديثه ، ومصادره الاستاذ الدكتور الشيخ محمد هادي (9)
الاميني نجل الفقيه المؤرخ والحجة الثبت شيخنا العلامة الاميني طيب الله ثراه ، مؤلف كتاب « الغدير » والواقع إنه أعاد للكتاب إصالته العلمية ، وقيمته التاريخية.
إن مديرة « مجمع البحوث الاسلامية » في الوقت الذي تتقدم بشكرها الجزيل لسدنة الروضة المقدسة ترجو العلي القدير التوفيق والتسديد في هذا الصعيد الفكري ومواصلته لتقدم إلى المكتبة الاسلامية وأبناء القرآن المتعة العلمية الحية ، والبحوث التي تساند الثورة الاسلامية المظفرة في زحفها المقدس ومن الله التوفيق. مجمع البحوث الاسلامية
الآستانة الرضوية المقدسة مشهد ـ ايران ص ، ب : 3663 صفر 1406 هـ. ق آبان 1364 هـ. ش (10)
(11)
لا مشاحة في أن كتاب « خصائص الائمة » كان الباعث والحافز للسيد رضي الدين ذي الحسبين .. رضي الله عنه ، في جمع وتأليف كتابه المقدس « نهج البلاغة » وإن لم يكمل كتابه الاول ، ولم يخرج منه غير خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، إلا أن التوفيق بكامله كان حليفه في تأليف كتابه الثاني « نهج البلاغة » والواقع ان كتاب « الخصائص » يعتبر بابا لتأليفه الآخر كما صرح في مقدمة « النهج » فقال :
ـ كنت في عنفوان السن وغضاضة الغصن ، إبتدأت بتأليف كتاب في « خصائص الائمة » يشتمل على محاسن أخبارهم ، وجواهر كلامهم ، حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب ، وجعلته امام الكتاب ، وفرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين عليا ـ عليه السلام ـ وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الايام ، ومماطلات الزمان وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا ، وفصلته فصولا ، فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه عليه السلام ، من الكلام القصير في المواعظ ، والحكم ، والامثال ، والآداب ، دون الخطب الطويلة ، والكتب المبسوطة ، فاستحسن جماعة من الاصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره ، معجبين ببدائعه ومتعجبين من نواصعه ـ. انّ هذا الكلام من الشريف الاعلم .. إن دل على شئ فإنما يدل على انه كان يعرض ويقرأ كتاباته على تلاميذه ، والذين يحضرون مدرسته « دار العلم » (12)
في بغداد للاخذ من موارد علمه الخصب والتي يتطلع إليها كل لبيب ، وذي عقل ، وطالب علم وأدب في اللحظات كافة .. فلما ألقى عليهم الفصل المتضمن لمحاسن ما نقل عنه عليه السلام ، تقدموا إليه بطلب كريم مما جعله ينصرف عن إتمام كتابه « الخصائص » ويتحول إلى وضع خطط وأسس تأليفه القيم « نهج البلاغة » فقال بعد كلامه السالف بهذا الصدد :
« وسألوني عند ذلك أن ابتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في جميع فنونه ، ومتشعبات غصونه ، من خطب وكتب ، ومواعظ وآداب ، علما ان ذلك يتضمن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ، مما لا يوجد مجتمعا في كلام ، ولا مجموع الاطراف في كتاب » ومن هنا نجد الرضي العليم يتحول بكامل حيويته الادبية وشخصيته العلمية الفذة ، إلى جمع كلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، الامام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ويضع كتابه « الخصائص » جانبا ويندفع إلى التنقيب عن كلام الامام عليه السلام ، وجمعه من بطون المراجع والمصادر النادرة ، ومن ثم تصنيفه وتقسيمه إلى ثلاثة أبواب : الخطب والاوامر .. الكتب والرسائل .. الحكم والمواعظ .. واجمع بتوفيق الله تعالى على الابتداء بإختيار محاسن الخطب ، ثم محاسن الكتب ، ثم محاسن الحكم والادب ، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ومفصلا فيه أوراقا. وهكذا يتحول السيد الرضي ... من كتاب « خصائص الائمة » إلى تأليف كتاب « نهج البلاغة » الذي بلغ من السمو والرفعة والخلود ، ما لم يبلغه كتاب غير القرآن الكريم. (13)
كتاب خصائص الائمة
لقد سبق القول أن لم يخرج من هذا الكتاب غير الفصل الخاص بالامام أمير المؤمنين عليه السلام ... وهو كبقية تصانيفه رضي الله عنه .. ضم بين دفتيه العلم الكثير ، والادب الجم ، والحيوية الفكرية ، وتداوله العلماء والمؤلفون على إمتداد التاريخ ، ونقلوه واستنسخوه واكثروا من نسخه ، وحافظوا عليه إلى يومنا هذا. امّا الدافع إلى تأليف كتاب « الخصائص » فقد ذكر ذلك في مقدمة الكتاب فقال : ـ كنت حفظ الله عليك دينك ، وقوى في ولاء العترة الطاهرة يقينك ، سألتني أن أصنف لك كتابا يشتمل على خصائص أخبار الائمة الاثنى عشر صلوات الله عليهم ، وبركاته ، وحنانه ، وتحياته ، على ترتيب أيامهم ، وتدريج طبقاتهم ذاكرا اوقات مواليدهم ، ومدد أعمارهم ... ثمّ يقول بعد كلام طويل : « فعاقني عن إجابتك الى ملتمسك ما لا يزال يعوق من نوائب الزمان ، ومعارضات الايام إلى أن أنهضني ذلك اتفاق إتفق لي ، فاستثار حميتي ، وقوى نيتي ، واستخرج نشاطي ، وقدح زنادي ، وذلك ان بعض الرؤساء ممن غرضه القدح في صفاتي ، والغمز لقناتي ، والتغطية على مناقبي والدلالة على مثلبة إن كانت لي ... لقيني وأنا متوجه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة ( 383 ) هجرية إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهما السلام للتعريف هناك ، فسألني عن متوجهي فذكرت له إلى أين قصدي ؟ فقال لي : متى كان ذلك يعني ان جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبرائة ممن قال بالقطع ، وهو عارف بان الامامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنما أراد التنكيت لي والطعن على ديني ، فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوي عزمي ، على عمل هذا الكتاب إعلانا لمذهبي ، وكشفا عن مغيبي ، وردا على العدو الذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمي ، وقصبى ، وأنا بعون الله مبتدى بما ذكرت على الترتيب الذي شرطت ، والله (14)
المنقذ من الضلال ، والهادي إلى سبيل الرشاد ـ. »
فشرع بتأليف كتاب « الخصائص » عام 383 هجري ، وبعد الفراغ من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، شرع في تأليف كتاب « نهج البلاغة » ومن ثم لم يمهله الاجل المحتوم ، ولم يسمح له بالعودة إلى كتابه « الخصائص » والرجوع إليه وإتمامه ، فتوفي سنة 406 هجرية. نقل العلماء عن هذا الكتاب واستفادوا منه ، واستشهدوا بنصوصه ، وكانت منه عدة نسخ خطية في مكتبات ايران والعراق والهند .. وطبع في النجف الاشرف سنة 1368 هجرية في 100 ص ، واعيد طبعه مرات عديدة غير أن الكتاب جاء مشحونا بالاغلاط والتصحيف والتحريف ، ولم ينل من المؤسف كله الحظ من التصحيح والتحقيق والتعليق ، والمقابلة ومراجعة نصوصه ، وتعيين مصادره وأسانيده فقد طبع كما وجد ، والمطبوع نسخة المرحوم العلامة الجليل السيد عبد الرزاق بن السيد محمد الموسوي المقرم المتوفى 1391 وقد كتبها عام 1349 هجري من نسخة مكتبة الفقيه الشيخ هادي بن الشيخ عباس آل كاشف الغطاء المتوفى 1360 ، وتاريخ كتابتها سنة 1300 هجرية. والغريب أن دور النشر أعادت طبع الكتاب على ما هو عليه من التصحيف والتحريف والاغلاط ، ولم تصحح منه حتى الاغلاط الاملائية والكتابية. لقد شاءت الايام أن أجعل الكتاب في قائمة الكتب التي نويت تحقيقها ، وتصحيحها ، وإخراجها بصورة صحيحة بحول الله وقوته ... منذ أمد بعيد حسبما يقتضيه ، ويتطلبه الوقت والتوفيق ... بيد ان الذكرى الالفية على وفاة الشريف الرضي كرم الله وجهه .. دفعتني إلى تحقيقه وجعله في الرعيل الاول من تلكم الكتب ، فتقدمت إلى تحقيقه ، وإخراجه مع تزاحم أعمالي الفكرية ، وتراكم شؤوني في حقلي البحث والتأليف. عملي في تحقيق الكتاب : امّا منهجي في تحقيق الكتاب ، فقد فتشت عن نسخ الكتاب وقلبت (15)
فهارس خزائن الكتب ، إلى أن وقفت على أقدم نسخة مخطوطة منه كتبت في القرن السادس الهجري ، وهي من مخطوطات إحدى مكتبات الهند وتوجد مصورتها بالميكرو فيلم في مكتبة العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي في مدينة ـ قم ـ فتفضل بها علي مشكورا ، وتقع في 40 ورقة كتبت على عمودين 21 × 30 في كل صفحة 25 سطر طوله 8 سنتيم وعليها خطوط وتملكات عتيقة مؤرخة ، وهي مصححة من قبل الامام الفقيه السيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي الكاشاني المتوفى 570 هجري. بالاضافة إلى الزيادات الحاصلة فيها ، وقد جعلتها في الاخير وألحقتها بآخر الكتاب.
ففي الصفحة الاولى من النسخة جاء ما لفظه : ـ قرأ الخصائص علي ... وجيه الدين فخر العلماء أبو علي عبد الله بن الحسين بن أبي القاسم دامت نعمتهما ، ورويتها له عن شيخي أبي الفتح إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن الاخشيد السراج ، عن أبي المظفر عبد الله بن شبيب عن أبي الفضل الخزاعي ، عن الرضي رضي الله عنه ، وكتبه فضل الله بن علي الحسني إبن الرضا الراوندي في ذي القعدة من سنة خمس وخمسين وخمسمائة ( 555 ) حامدا لله تعالى مصليا على ـ. وجاء في آخرها : ـ تمّت كتابة كتاب خصائص الائمة عليهم السلام ، وفرغ من كتبه العبد المذنب الراجي إلى غفران الله وعفوه عبد الجبار بن الحسين بن أبي العم الحاج الفراهاني ، الساكن لقرية خومجان عمرها الله يوم الاربعاء الرابع من شوال سنة ثلاث وخمسين وخمسمائه. مئة غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، إنه الغفور الرحيم ـ. |
|||
|