الروايات الواردة حول إسلامه
* رواية اكمال الدين
* رواية ابن أبي الحديد ( شرح النهج )
* رواية ابن الأثير ( أسد الغابة )
* رواية الحاكم النيشابوري المختصرة
* روايته الثانية
(50)
(51)
رواية : إكمال الدين
عن علي بن مهزيار ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن موسى بن جعفر عليه السلام : (1)
قال : قلت يا ابن رسول الله ، ألا تخبرنا كيف كان إسلام سلمان ؟
فقال : حدثني أبي عليه السلام ، أن أمير المؤمنين قال لسلمان ، يا أبا عبد الله ، ألا تخبرنا بمبدأ أمرك . ؟
فقال له : لو غيرك سألني ، ما أخبرته .
أنا رجل من أهل شيراز ، من أبناء الدهاقين ، وكنت عزيزاً على والديَّ ، فبينا أنا سائر مع أبي في عيدٍ لهم ، إذا أنا بصومعةٍ ، وإذا فيها رجل يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله !
فرسخ وصف محمد في لحمي ودمي ، فلم يهنئني طعام ولا شراب .
فقالت لي أمي : ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس . ؟
قال: فكابرتها حتى سكتت ، فلما انصرفت إلى منزلي ، إذا أنا بكتاب معلق بالسقف .
فقلت لأمي : ما هذا الكتاب . ؟
____________
1 ـ إكمال الدين / 159 إلى 164 وحقائق الإيمان ص : 192 .
(52)
فقالت : يا روزبه ، لما رجعنا من عيدنا ، رأيناه معلقاً في ذلك المكان ، فلا تقربه ، فانك إن قربته ، قتلك أبوك !
قال : فجاهدتها ، حتى جن الليل ، فنام أبي وأمي ، فقمت ، وأخذت الكتاب ، وإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم : هذا عهد من الله إلى آدم ، إنه خالق من صلبه نبياً ، يقال له : محمد ، يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان . يا روزبه ، أنت وصي عيسى . !!
فصعقت صعقةً ، وزادني شدة . فعلم بذلك أبي وأمي ، فأخذوني وجعلوني في بئر عميق وقالوا : إن رجعت ؛ وإلا قتلناك !
فقلت لهم : أفعلوا ما شئتم ، حب محمدٍ لا يذهب من صدري .
قال سلمان : وما كنت أعرف العربية قبل قراءتي الكتاب ، وقد فهَّمني الله عز وجل العربية من ذلك اليوم .
قال : فبقيت في البئر ، وجعلوا يُنزلون إليّ أقراصاً صغاراً ، ولما طال أمري رفعت يدي الى السماء ، فقلت :
يا ربي ، إنك حببت محمداً ووصيه إلي ، فبحق وسيلته عجِّل فرجي وأرحني مما أنا فيه .
فأتاني آتٍ عليه ثياب بيض ، فقال : قم يا روزبه ؛ فأخذ بيدي ، وأتى بي إلى الصومعة ، فأنشأت أقول :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله .
فأشرف علي الديراني ، فقال : أنت روزبه ؟ قلت : نعم .
فأصعدني إليه ، وخدمته حولين كاملين ، فلما حضرته الوفاة ، قال : إني ميت .
فقلت له : فعلى من تخلفني . ؟
(53)
فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلا راهباً في أنطاكية ، فأذا لقيته فاقرأه مني السلام ، وادفع إليه هذا اللوح . وناولني لوحاً .
فلما مات ، غسلته ، وكفنته ، ودفنته ، وأخذت اللوح وسرت به إلى أنطاكية ، وأتيت الصومعة وأنشأت أقول :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله .
فأشرف علي الديراني وقال : أنت روزبة . ؟ فقلت : نعم .
فأصعدني إليه ، فخدمته حولين ، ولما حضرته الوفاة قال لي : إني ميت !
فقلت : على من تخلفني . ؟
فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلا راهباً بالأسكندرية . فإذا أتيته فاقرأه من السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .
فلما توفي ، غسلته ، وكفنته ، ودفنته ، وأخذت اللوح ، واتيت الصومعة فأنشأت أقول :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله .
فأشرف علي الديراني فقال : أنت روزبة . ؟ فقلت : نعم .
فأصعدني إليه ، فخدمته حولين ، فلما حضرته الوفاة ، فقال : إني ميت .
فقلت : على من تخلفني . ؟
فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه في الدنيا ، وان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته . فان أتيته ، فاقرأه السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .
ولما توفي ، غسلته ، وكفنته ، ودفنته ، وأخذت اللوح ، وخرجت .
فصحبت قوماً ، فقلت لهم : يا قوم ؛ اكفوني الطعام والشراب ، أكفكم الخدمة .
قالوا : نعم .
(54)
قال : فلما أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة ، فقتلوها بالضرب ، ثم جعلوا بعضها كباباً وبعضها مشوياً ، فامتنعت من الأكل .!
فقالوا : كُل . فقلت : اني غلام ديراني ، وان الديرانيين لا يأكلون اللحم .
فضربوني ، وكادوا أن يقتلوني ! فقال ( أحدهم ) أمسكوا عنه حتى يأتيكم الشراب ، فانه لا يشرب . !
فلما أتوا بالشراب ، قالوا له إشرب !
فقال : قلت لهم ، اني غلام ديراني ، وان الديرانيين لا يشربون الخمر .
فشدوا علي وأرادوا قتلي . فقلت لهم : لا تضربوني ، فاني أقر لكم بالعبودية .
فأقررت لواحد منهم ، فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي ، فسألني عن قصتي ، فأخبرته ، وقلت له : ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمداً ووصيه .
فقال اليهودي : واني لأبغضك وأبغض محمداً ! ، ثم أخرجني إلى خارج الدار ، وإذا رمل كثير على بابه ، فقال :
والله يا روزبه ، لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع ، لأقتلنك !
قال : فجعلت أحمل طول ليلتي ، فلما أجهدني التعب ، رفعت يدي إلى السماء ، وقلت : يا ربي ، إنك حببت محمداً ووصيه إلي ، فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه .
فبعث الله ريحاً قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال عنه اليهودي ، فلما أصبح ، نظر إلى الرمل وقد نقل ، فقال : يا روزبة ؛ أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها .
(55)
قال : فأخرجني ، وباعني لإمرأةٍ سَلمية ، فأحبتني حباً شديداً ، وكان لها حائط فقالت :
هذا الحائط لك ، كل منه ماشئت ، وتصدق بما شئت !! .
قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله ، فبينا أنا ذات يوم في الحائط ، وإذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة .
فقلت في نفسي : والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ، وان فيهم نبيّاً .
قال : فأقبلوا ، حتى دخلوا الحائط ، والغمامة تسير معهم ، فلما دخلوا ، إذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعقيل بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة . فجعلوا يتناولون من حشف النخل ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهم : كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً .
فدخلت على مولاتي فقلت لها : هبي لي طبقاً من رطب . فقالت لك ستة أطباق !
قال : فحملت طبقاً من رطب ، فقلت في نفسي : إن كان فيهم نبي ، فإنه لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية . فوضعته بين يديه فقلت :
هذه صدقة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كلوا . وأمسك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين ، وأخوه عقيل وعمه حمزة .
فقلت في نفسي : هذه علامة .
فدخلت إلى مولاتي ، فقلت : هبي لي طبقاً آخر .
فقالت : لك ستة أطباق ! فحملت طبقاً ، ووضعته بين يديه ، وقلت : هذه هدية .
فمد يده وقال : بسم الله كلوا . ومد القوم جميعاً أيديهم ، فأكلوا .
(56)
فقلت في نفسي : هذه أيضاً علامة أخرى .
قال : ورجعت إلى خلفه ، وجعلت أتفقد خاتم النبوة ، فحانت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلتفاتة ، فقال :
يا روزبة ؛ تطلب خاتم النبوة .
قلت : نعم .
فكشف عن كتفيه ، فإذا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه ، عليه شعرات .
قال : فسقطت على قدم رسول الله أقبلها .
فقال : يا روزبة ؛ أدخل إلى هذه المرأة ، وقل لها : يقول لك محمد بن عبد الله : أتبيعيني له . ؟
فدخلت ، فقلت لها : إن محمد بن عبد الله يقول لك : أتبيعيني له . ؟
فقالت : لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة ، منها مائتان صفراء ، ومنها مائتان حمراء . !
قال : فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما أهون ما سألت ، ثم قال : قم يا علي فاجمع هذا النوى كلَّه . فأخذه وغرسه . ثم قال : إسقه ، فسقاه أمير المؤمنين ، فما بلغ آخره حتى خرج النخل ، ولحق بعضه بعضاً .
فقال لي : أدخل إليها ، وقل : يقول محمد بن عبد الله ، هذا شيئك فاستلميه ، وسلمينا شيئنا .
قال : فدخلت عليها ، وقلت لها ذلك .
فخرجت ونظرت إلى النخل ، فقالت : والله لا أبيعك له إلا بأربعمائة نخلة صفراء .
قال : فهبط جبرئيل ( ع ) ومسح النخل بجناحه ، فصار كله أصفر .
(57)
ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل لها إن محمداً يقول لك : خذي شيئك ، وادفعي لنا شيئنا .
قال : فقلت لها ذلك . فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك .
فقلت : والله ليوم واحد مع محمدٍ أحب إلي منك ومن كل شيء أنت فيه .
فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسماني سلمان .
(58)
(59)
روايـة ابن أبي الحـديـد
قال في شرح النهج (1)
وأما حديث إسلام سلمان ، فقد ذكره كثير من المحدثين ، ورووه عنه .
قال : كنت ابن دهقان قرية جيّ من أصبهان ، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية ، حتى صرت قطن (2) بيت النار .
فأرسلني أبي يوماً إلى ضيعةٍ له ، فمررت بكنيسة النصارى ، فدخلت عليهم فأعجبتني صلاتهم ، فقلت : دين هؤلاء خير من ديني . فسألتهم : أين أصل هذا الدين . ؟
قالوا : بالشام .
فهربت من والدي حتى قدمت الشام ، فدخلت على الأسقف (3) فجعلت أخدمه وأتعلم منه حتى حضرته الوفاة .
فقلت : إلى من توصي بي . ؟
فقال : قد هلك الناس ، وتركوا دينهم إلا رجلاً بالموصل ، فالحق به ، فلما
_________________
1 ـ شرح النهج / ج 18 ص 37 إلى 39 .
2 ـ قطن النار : خادمها .
3 ـ الأسقف : من رجال الدين النصارى ، وهو فوق القسيس ودون المطران .
(60)
قضى نحبه لحقت بذلك الرجل . فلم يلبث إلا قليلاً حتى حضرته الوفاة .
فقلت : إلى من توصي بي . ؟
فقال : ما أعلم رجلاً بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلاً بنصيبين .
فلحقت بصاحب نصيبين . . (1)
قال : ثم أحتضر صاحب نصيبين ، فبعثني إلى رجل بعموريه من أرض الروم ، فأتيته وأقمت عنده ، واكتسبت بقيرات وغنيمات . فلما نزل به الموت ، قلت له :
بمن توصي بي . ؟
فقال : قد ترك الناس دينهم ، وما بقي أحد منهم على الحق ، وقد أظل زمان نبي مبعوث بدين ابراهيم ، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين ، لها نخل .
قلت : فما علامته . ؟
قال : يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة .
قال : ومر بي ركب من كلب ، فخرجت معهم ، فلما بلغوا بي وادي القرى ، ظلموني وباعوني من يهودي ، فكنت أعمل له في زرعه ونخله ، فبينا أنا عنده ، إذ قدم ابن عم له ، فابتاعني منه ، وحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها .
وبعث الله محمداً بمكة ، ولا أعلم بشيء من أمره ، فبينا أنا في رأس نخلة ، إذ أقبل ابن عم لسيدي ، فقال :
____________
1 ـ نصيبين : مدينة تقع على الطريق القديم الممتد بين الشام والموصل ، كانت مشهورةً بكثرة العقارب . راجع معجم البلدان ج 5 / 288 .
قالوا : وتلك الصومعة اليوم باقية ، وهي التي تعبد فيها سلمان قبل الإسلام ( الاصل ) .
(61)
قاتل الله بني قيلة (1) قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة ، يزعمون أنه نبي . قال :
فأخذني القُرّ (2) والانتفاض ، ونزلت عن النخلة ، وجعلت استقصي في السؤال ، فما كلمني سيدي بكلمة ، بل قال : أقبل على شأنك ، ودع ما لا يعنيك .
فلما أمسيت ، أخذت شيئاً كان عندي من التمر ، وأتيت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، وأن لك أصحاباً غرباء ذوي حاجة ، وهذا شيء عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم .
فقال عليه السلام لأصحابه : كلوا ، وأمسك فلم يأكل .
فقلت في نفسي : هذه واحدة ، وانصرفت . فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي وأتيته به ، فقلت له :
اني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية .
فقال : كلوا ، وأكل معهم .
فقلت : إنه لهو . فأكببت عليه أقبله وأبكي . فقال : مالك ؟ فقصصت عليه القصة ، فأعجبه ، ثم قال : يا سلمان ، كاتب صاحبك . فكاتبته على ثلاثمائة نخلة ، وأربعين أوقية .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار : « أعينوا أخاكم » .
فأعانوني بالنخل ، حتى جمعت ثلاثمائة ودية ، فوضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده ، فصحت كلها .
وأتاه مال من بعض المغازي ، فأعطاني منه ، وقال : أدِّ كتابتك . فأديت وعتقت .
____________
1 ـ لقب أهل المدينة .
2 ـ القر : البرد .
(62)
(63)
رواية ابن الأثير في « أسد الغابة » (1)
روى بأسانيده المتعددة عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان ، قال :
كنت رجلاً من أهل فارس ، من أصبهان من جي ، ابن رجل من دهاقينها , وكان أبي دهقان أرضه ، وكنت أحب الخلق إليه ( أو عباد الله إليه ) فأجلسني في البيت كالجواري ، فاجتهدت في المجوسية ، فكنت في النار التي توقد فلا تخبو ، وكان أبي صاحب ضيعةٍ ، وكان له بناء يعالجه في داره ، فقال لي يوماً :
يا بني ، قد شغلني ما ترى ، فانطلق إلى الضيعة ، ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعةٍ بهمي بك .
فخرجت لذلك ، فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون ، فملت إليهم ، وأعجبني أمرهم ، وقلت والله هذا خير من ديننا ، فأقمت عندهم حتى غابت الشمس ، لا أنا أتيت الضيعة ، ولا رجعت إليه . فاستبطأني ، وبعث رسلاً في طلبي ، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم : أين أصل هذا الدين . ؟
قالوا : بالشام .
فرجعت إلى والدي ، فقال : يا بني ؛ قد بعثت إليك رسلاً ، !
____________
1 ـ أسد الغابة ج 2 ص 328 .
وفي الطبقات الكبرى / مجلد 4 / ص 75 ـ 80 قريباً منه ، لكن فيها زيادات حول كيفية مكاتبته لصاحبه وعتقه .
(64)
فقلت : قد مررت بقوم يصلون في كنيسة ، فأعجبني ما رأيت من أمرهم ، وعلمت أن دينهم خير من ديننا .
فقال : يا بني ، دينك ودين أبائك خير من دينهم .
فقلت : كلا ، والله . فخافني وقيدني .
فبعثت إلى النصارى ، وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم ، وسألتهم إعلامي من يريد الشام ، ففعلوا . وألقيت الحديد من رجلي ، وخرجت معهم ، حتى أتيت الشام فسألتهم عن عالمهم ؟ فقالوا : الأسقف .
فأتيته ، فأخبرته ، وقلت : أكون معك أخدمك ، وأصلي معك .
قال : أقم . ، فمكثت مع رجل سوء في دينه ، كان يأمرهم بالصدقة ، فاذا أعطوه شيئاً ، أمسكه لنفسه حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً ، فتوفي ، فأخبرتهم بخبره ، فزبروني ، فدللتهم على ماله . ، فصلبوه ولم يغيبوه ، ورجموه ، وأجلسوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه ، زهداً ورغبةً في الآخرة وصلاحاً ، فألقى الله حبه في قلبي حتى حضرته الوفاة . ، فقلت : أوصني . فذكر رجلاً بالموصل . ، وكنا على أمر واحد حتى هلك .
فأتيت الموصل ، فلقيت الرجل ، فأخبرته بخبري ، وان فلاناً أمرني باتيانك .
فقال : أقم . ، فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة .
فقلت له : أوصني .
فقال : ما أعلم رجلاً بقي على الطريقة المستقيمة ، إلا رجلاً بنصيبين . فلحقت بصاحب نصيبين . قالوا : وتلك الصومعة التي تعبد فيها سلمان قبل الأسلام باقية إلى اليوم .
ثم احتضر صاحب نصيبين ، فقلت له : أوصني .
فقال : ما أعرف أحداً على ما نحن عليه . إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم . ، فأتيته بعمورية فأخبرته بخبري ، فأمرني بالمقام ، وثاب لي شيء ،
(65)
واتخذت غنيمة وبقرات ، وحضرته الوفاة . فقلت :
إلى من توصي بي . ؟
فقال : قد ترك الناس دينهم ، ولا أعلم أحداً اليوم على مثل ما كنا عليه ، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، مهاجره بأرض بين حرتين ، ذات نخل . وبه آيات وعلامات لا تخفى .
قلت : فما علامته . ؟
قال : بين منكبيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، فان استطعت فتخلص إليه .
فتوفي ، فمر بي ركب من العرب من كلب . فقلت : أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه ، وتحملوني إلى بلادكم . فحملوني إلى وادي القرى ، فلما بلغناها ، ظلموني فباعوني من رجل من اليهود . ، فكنت أعمل له في نخله وزرعه ، ورأيت النخل فعلمت أنه البلد الذي وصف لي . فأقمت عند الذي إشتراني .
وقدم عليه رجل من بني قريظة ، فاشتراني منه ، وقدم بي المدينة ، فعرفتها بصفتها ، فأقمت معه أعمل في نخله ، وبعث الله نبيه بمكة ، ولا أعلم بشيء من أمره صلى الله عليه وآله وسلم وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة ، فنزل في بني عمرو بن عوف . ، فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي ، فقال : أي فلان ، قاتل الله بني قيلة ، مررت بهم آنفاً وهم مجتمعون على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي !
فوالله ما هو إلا أن سمعتها ، فأخذني القر والانتفاض ، ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقط ، ونزلت سريعاً فقلت : ما هذا الخبر ؟ . فلكمني صاحبي لكمة ، وقال : وما أنت وذاك ، أقبل على شأنك . فأقبلت على عملي حتى أمسيت ، فجمعت شيئاً كان عندي من التمر . . الخ . . الرواية (1) .
____________
1 ـ بقية الرواية تتناول العلامات الثلاثة ، وهي تلتقي مع الروايات الأخرى في المضمون ، لكنها لم تتعرض لعتقه .
(66)
(67)
رواية الحاكم النيسابوري في المستدرك .(1)
بسنده عن أبي الطفيل عن سلمان الفارسي ، قال :
« كنت رجلاً من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي إن الدين الذي تطلب إنما هو بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل من فيها . ، فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته ، فقلت له :
إني رجل من أهل جي ، وجئت أن أطلب العمل وأتعلم العلم ، فضمني إليك ، أخدمك وأصحبك ، وتعلمني شيئاً مما علمك الله .
قال : نعم . فصحبته ، فأجرى علي مثل ما كان يُجري عليه ، وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب ، فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه .
فقال : ما يبكيك . ؟
قلت : أبكي أني خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبتك ، فعلمتني ، وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب ؟
____________
1 ـ المستدرك مع التلخيص ج 3 / 603 .
(68)
فقال : لي أخ بالجزيرة مكان كذا وكذا وهو على الحق ، فأته فاقرأه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته .
فلما أن قبض الرجل ، خرجت فأتيت الرجل الذي وصفه لي ، فأخبرته بالخبر ، وأقرأته السلام من صاحبه ، وأخبرته أنه هلك وأمرني بصحبته .
فضمني إليه ، وأجرى علي ما كان يجري علي مع الآخر ، فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال لي : ما يبكيك . ؟
قلت : خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبة فلان ، فأحسن صحبتي وعلمني وأوصاني عند موته بك ، وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين أتوجه ؟ .
فقال : تأتي أخاً لي على درب الروم فهو على الحق ، فأته ، واقرأه مني السلام ، واصحبه فانه على الحق .
فلما قبض الرجل ، خرجت حتى أتيته فأخبرته بخبري وتوصية الآخر قبله ، قال : فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي ، فلما نزل به الموت جلست أبكي عند رأسه ، فقال لي ما يبكيك . ؟
فقصصت قصتي ، قلت له : إن الله تعالى رزقني صحبتك ، فأحسنت صحبتي ، وقد نزل بك الموت ولا أدري أين أتوجه .
فقال : لا دين ! وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في الأرض ، ولكن هذا أوانٌ يخرج فيه نبي ، أو قد خرج بتهامة ، وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، فاذا بلغك أنه قد خرج ، فانه النبي الذي بَشّر به عيسى صلوات الله وسلامه عليهما ، وآية ذلك (1) أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .
____________
1 ـ الآية هنا العلامة .
(69)
قال : فكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه . ، فمر بي ناس من أهل مكة ، فسألتهم . فقالوا : نعم ، ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي ! فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون عبداً لبعضكم على أن تحملوني عقبه ، وتطعموني من الكسر ، فإذا بلغتم إلى بلادكم ، فان شاء أن يبيع باع ، وإن شاء أن يستعبد إستعبد ! .
فقال رجل منهم : أنا . فصرت عبداً له حتى أتى بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشانٍ كانوا فيه ، فخرجت ، فسألت ، فلقيت إمرأة من أهل بلادي ، فسألتها ؟ فإذا أهل بيتها قد أسلموا . قالت لي : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في الحجر (1) هو وأصحابه إذا صاح عصفور بمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا .
فانطلقت إلى البستان ، فكنت أختلف (2) ، فقال لي الحبشان : مالك ؟
فقلت : أشتكي بطني ، وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما كانت الساعة التي أخبرتني المرأة يجلس فيها هو وأصحابه ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فاذا هو يجتبي ، وإذا أصحابه حوله ، فأتيته من ورائه ، فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أريد ، فارسل حبوته ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر ، هذه واحدة .
ثم أنصرفت ، فلما أن كانت الليلة المقبلة ، لقطت تمراً جيداً ، ثم أنطلقت حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته بين يديه . فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . فقال للقوم ، كلوا ، ولم يأكل . ثم لبثت ما شاء الله ، ثم أخذت مثل ذلك ، ثم أتيته فوضتعه بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : هدية . فأكل منها وقال للقوم : كلوا .
____________
1 ـ حجر اسماعيل بجانب الكعبة .
2 ـ الإختلاف : الرواح والمجيء .
(70)
فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فسألني عن أمري وأخبرته . ، فقال : إذهب فاشترِ نفسك .
فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي .
فقال : نعم ، على أن تنبت لي بمائة نخلة . ، فما غادرت منها نخلةً إلا نبتت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته أن النخل قد نبتت . فأعطاني قطعةً من ذهب ، فانطلقت بها ، فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة ، قال : فوالله ما استقلت قطعة الذهب من الأرض ، قال : وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته . فأعتقني .