( 30 )
( 31 )
في السنتين الخامسة والسادسة للهجرة النبوية ، دخل المسلمون مرحلة جديدة تميزت بتثبيت الوجود والكيان الاسلامي بعد سنوات من النضال والمقاومة والمعاناة .
فقد بادر المسلمون في هاتين السنتين الى القيام بحملات عسكرية هجومية ضد أعدائهم الذين كانوا يتآمرون ويتهيئون للقضاء على القوة الاسلامية الناشئة ، وبذلك يكون المسلمون قد تجاوزوا مرحلة الدفاع الى مرحلة المبادرة والهجوم .
ومن الغزوات السريا التي حصلت خلال هاتين السنتين :
غزوة ذات الرقاع : ـ
والتي يروى أنها حصلت في شهر المحرم من السنة الخامسة للهجرة ، حيث قاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أربعمائة رجلٍ من أصحابه للهجوم على جماعة من غطفان من بني محارب وبني ثعلبة بنجد حيث بلغه انهم يعدّون العدة لمحاربته (1) .
____________
(1) ( سيرة الرسول وخلفاؤه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 257 .
( 32 )
غزوة دومة الجندل : ـ
وكانت في شهر ربيع الأول في السنة الخامسة للهجرة ، حيث هاجم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على رأس ألف من أصحابه جمعاً من المشركين في منطقة قريبة من دمشق الشام حيث يفصل بينها وبين الشام مسير خمس ليال ، بينما تبعد عن المدينة مسير خمسة عشر يوماً ، ويبدو أن هذه الغزوة كانت بمثابة رسالة واشارة لقيصر ملك الروم كما يشير بعض المؤرخين (2) .
غزوة بني المصطلق : ـ
وقعت في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة ، وبنوا المصطلق بطن من خزاعة كانوا يقيمون في ناحية بين مكة والمدينة وقد علم المسلمون أن بني المصطلق يشترون الأسحلة والخيول استعداداً للهجوم على المسلمين ، فبادرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سبعمائة رجل من أصحابه فهزمهم (3) .
غزوة الخندق أو ( واقعة الأحزاب ) : ـ
وهي من المعارك الحاسمة والفاصلة في تاريخ المسلمين ، حيث تآمر اليهود وقريش وغطفان والعديد من قبائل الكفار المعادية وحشدوا لهم جيشاً كبيراً يقدر بعشرة الآف رجل مع استعداد عسكري ضخم ، وقرروا الهجوم على المدينة وانهاء الوجود الاسلامي .
وأمام هذا الحشد الرهيب الزاحف نحو المدينة شاور الرسول ( ص ) أصحابه في الموقف وقرروا حفر خندق حول المدينة يمنع هجوم الأعداء عليها وكانت تلك فكرة سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) .
وبالفعل فوجئت الأحزاب بهذه الخطة ولم يستطيعوا اقتحام المدينة ، ولما اقتحم أبرز فرسان التحالف المعادي وهو عمرو بن عبد ودّ العامري والمعروف بقوته
____________
(2) ( تاريخ الاسلام ) الحافظ الذهبي ـ كتاب المغازي ـ ص 258 .
(3) المصدر السابق ، ص 259 .
( 33 )
وشجاعته استقبله الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) بشجاعة نادرة وتصاول معه ثم أرداه قتيلاً مما أوقع الهزيمة في نفوس الجيوش المتحالفة وعادت خائبة .
وأكدت غزوة الخندق التي وقعت في شهر شوال في السنة الخامسة للهجرة مناعة الدولة الاسلامية وعجز الأعداء أمامها مهما تآمروا وحشدوا من قوة .
غزوة بني قريظة : ـ
وهم من اليهود وقد تآمروا مع الأحزاب ضد المسلمين في واقعة الخندق لذلك بادرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالهجوم بعد الخندق مباشرة أواخر شهر ذي القعدة للسنة الخامسة للهجرة ، وحاصرهم وكانوا متحصّنين في منطقتهم حوالي عشرين ليلة ، حتى استسلموا ، محكّمين أحد الصحابة في أمرهم وهو سعد بن معاذ فحكم بقتل رجالهم المحاربين وسبي نسائهم وصارت أموالهم الكثيرة وأسلحتهم غنائم عظيمة للمسلمين (4) .
اضافة الى هذه المعارك الهامة كانت هناك سرايا كثيرة خلال هاتين السنتين ، حيث بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعض فرق جيشه لمواجهة القوى المناوئة للمسلمين ، ومنها :
1 ـ سرية نجد بقيادة محمد بن مسلمة في شهر المحرم السنة السادسة للهجرة (5) .
2 ـ سرية عكاشة بن محصن الى الغمر قرب المدينة في ربيع الأول السنة السادسة (6) .
3 ـ سرية أبي عبيدة الى ذي القصة قرب المدينة (7) .
____________
(4) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ، ج 2 ، ص 185 .
(5) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(6) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(7) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
( 34 )
4 ـ سرية زيد بن حارثة الى بني سليم بالجموم قرب المدينة (8) .
5 ـ سرية زيد بن حارثة الى الطراف (9) .
6 ـ سرية زيد بن حارثة الى العيص في شهر جمادي الأولى للنسة السادسة (10) .
7 ـ سرية زيد بن حارثة الى جسمس خلف وادي القرى في شهر جمادي الثاني للسنة السادسة (11) .
8 ـ سرية زيد بن حارثة الى وادي القرى بين الشام والمدينة في شهر رجب السنة السادسة (12) .
9 ـ سرية علي بن أبي طالب الى بني سعد بن بكر بفدك في شهر شعبان للسنة السادسة (13) .
10 ـ سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل في شهر شعبان أيضاً (14) .
11 ـ سرية كرز بن جابر الفهري الى العرتين في شهر شوال للسنة السادسة (15) .
12 ـ سرية عبدالله بن رواحة الى اسير بن زارم اليهودي في شهر شوال أيضاً (16) .
____________
(8) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(9) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(10) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(11) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(12) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(13) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(14) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(15) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
(16) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 ـ 361 .
( 35 )
\الى العديد من السريا الأخرى . أما الحدث الأهم في السنة السادسة للهجرة على الصعيد العسكري والسياسي فكان صلح الحديبية حيث خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شهر ذي القعدة للسنة السادسة على رأس حوالي ( 1500 ) من أصحابه قاصداً دخول مكة للعمرة وزيارة البيت الحرام ، فكان في ذلك أحراج كبير لقريش ، مما دفعها للمفاوضات مع المسلمين والتي انتهت بعقد اتفاقية الصلح بين قريش والمسلمين والتي عرفت بصلح الحديبية ، وكان محتواها اعتراف قريش بكيان الإسلام ووجود المسلمين (17) وقد سماها القرآن الكريم فتحاً مبيناً ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ) (18) .
وهكذا تجذرت قوة المسلمين خلال هذه الفترة ، واستثماراً لذلك وتتوجياً له بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رسائل الى ملوك العالم ككسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم والنجاشي ملك الحبشة ، كما بعث للمنذر بن ساوى زعيم عبد القيس حاكم البحرين وجيفربن جلندي وعباد بن جلندي صاحبي عمان ، والى المقوقس صاحب الاسكندرية وغيرهم . . . وقد تضمنت تلك الرسائل دعوة الملوك الى الاسلام وتعريفهم بدعوته وقد استجاب العديد منهم للدعوة واعتنق الاسلام مع قومه .
هذا على المستوى السياسي العام ، أما على المستوى الداخلي للمجتمع الاسلامي فقد كانت مبادئ الاسلام وقيمه تتعمق في النفوس أكثر على حساب
رواسب الجاهلية والكفر ، وكانت محاولات المغرضين غير الصادقين في اسلامهم تفشل في إثارة النعرات الجاهلية ، كما حصل في غزوة بني المصطلق من تحريض رأس النفاق ابن اُبي على الفتنة بين المهاجرين والأنصار لكن محاولته وئدت بوعي
____________
(17) ( سيرة الرسول وخلفائه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 407 .
(18) سورة الفتح ، الآية (1) .
( 36 )
المسلمين وتصدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان للوحي الآلهي دور أساسي في انجاح عملية تجذير القيم الايمانية الجهادية في نفوس المسلمين ، حيث كان يكشف ويفضح الحالات النفاقية التي كانت تحصل في تلك الفترة من قبل بعض المنضوين تحت راية الاسلام ، ففي غزوة الخندق تخلفت طائفة من المنافقين عن العمل في حفر الخندق بمبرر الضعف والعجز . كما أن البعض كان يتسلل ويهرب خفية عن القيام بواجبه ، فنزل الوحي متحدثاً عن هذه الظاهرة موبخاً المنافقين كاشفاً لسلوكهم ، وذلك في أواخر سورة النور من قوله ( تعالى ) : ـ ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه ) الى قوله ( تعالى ) : ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) (19) .
على الصعيد العائلي بالنسبة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) فقد أضاف الى حياته العائلية بعض الزوجات خلال هاتين السنتين حيث تزوج جويرية بنت الحارث من سبايا غزوة المصطلق ـ التي سبق ذكرها ـ في شهر شعبان السنة الخامسة للهجرة .
كما تزوج في السنة السادسة تقريباً ابنة عمته زينب بنت جحش بعد ان طلقها زيد بن حارثة في قصة مشهورة تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الأحزاب ( آية 37 وما بعدها ) .
وقد اُضيفت هاتان الزوجتان الى زوجات خمس كن لدى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهن :
1 ـ سودة بنت زمعة .
____________
(19) سورة النور ، الآية ( 62 ـ 64 ) .
( 37 )
2 ـ عائشة بنت أبي بكر .
3 ـ حفصة بنت عمر بن الخطاب
4 ـ أم سلمة بنت أبي أمية .
5 ـ زينب بنت خزيمة (20) .
ولم تنجب أي واحدة من هذه الزوجات لرسول الله ( ص ) شيئاً ومن الأحداث العائلية البارزة في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلال هذه الفترة ، ما حصل لزوجته عائشة بنت أبي بكر عند رجوعها من غزوة بني المصطلق السابقة الذكر حيث تخلفت في الصحراء تبحث عن عقد لها أضاعته ، ولم يلتفت المسلمون وسار ركبهم ظانين أنها في هودجها فلما وصلوا المدينة لم يجدوها ! .
لكنها فيما بعد لقيها أحد الصحابة في الطريق وهو صفوان بن المعطل السلمي فجاء بها الى المدينة . فوجد المنافقون فيما حصل فرصة سانحة لإثارة الشكوك حول زوج رسول الله ، مما سبب الأذى والحرج لرسول الله ، والذي أذن لعائشة أن تبقى آنذاك في منزل أبيها حتى نزل الوحي من الله يبرئ ساحتها في بضع آيات من سورة النور وعرفت هذه القضية بقصة الإفك (21) .
وشهدت هذه الفترة صعوبة اقتصادية بالغة للمسلمين كما تشير بعض قصص غزوة الخندق (22) وحتى الطبيعة بخلت عليها بمائها حيث أجدب الناس جدباً شديداً فاستسقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالناس في رمضان في السنة السادسة (23) .
____________
(20) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ، ج 2 ، 307 .
(21) ( سيرة الرسول وخلفائه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 281 .
(22) المصدر السابق ص 319 .
(23) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ج 2 ، ص 210 .
( 38 )
وفي هذه الفترة تألق نجم علي بن أبي طالب ( ع ) أكثر في سماء المجتمع الإسلامي ، حيث حسمت شجاعته الرائعة الموقف لصالح المسلمين في واقعة الخندق بقتله عمرو عبد ودّ العامري .
وكانت اشراقة النور بولادة السيدة زينب ( ع ) خلال هذه الفترة التي تحدثنا عن أجوائها وظروفها وأوضاعها فان اقوال المؤرخين قد اختلف في تحديد تاريخ ولادتها ، والأرجح من أقوال المؤرخين قولان :
السنة الخامسة في الخامس من شهر جمادى الأول أو السنة السادسة مطلع شهر شعبان (24) .
أي بين سنتي : ( 626 م ـ 627 م ) .
____________
(24) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18 .
( 39 )
( 40 )
( 41 )
لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السيدة زينب ( عليها السلام ) ، لأنها أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة ( ع ) فقد سبق وان ازدان البيت الطاهر بوليدين صبيين هما الحسن ( ع ) الذي ولد منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة ، والحسين ( ع ) الذي ولد في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتي الآن زينب ( ع ) في السنة الخامسة كما يرجح ذلك المحققون (1) وبعد عام أو أكثر أنجبت السيدة الزهراء ( ع ) بنتاً أخرى هي أم كلثوم لتكون شقيقة لأختها زينب ( ع ) .
وخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضيحة ، كما أنها لا تنفعهم في المعارك والحروب ، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حية كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما
____________
(1) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18 .
( 42 )
بشر به اُيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (2) .
خلافاً لذلك فقد أرسى الإسلام ثقافة سلوكية جديدة في المجتمع الإسلامي تدين تلك النظرة الأحتقارية للبنت وتجعلها مساوية في الشأن والقيمة للولد ، وأكثر من ذلك فان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يتحدث عن البنات بايجابية أكبر ، ويربي المسلمين على أن يكونوا أكثر احتفاءً وسرواً بقدوم البنت .
وننقل هنا بعض الأحاديث والنصوص الواردة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) :
بشر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بابنة فنظر الى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم ، فقال : ما لكم ؟ ! ريحانة أشمها ورزقها على الله ( عز وجل ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بنات (3) .
عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « خير أولادكم البنات » (4) .
عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار ، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ، ومن يكن له ثلاث أومثلهن من الاخوات وضع عنه الجهاد والصدقة » (5) .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « من عال ابنتين أو ثلاثاً كان معي في الجنة » (6) .
____________
(2) سورة النحل ، الآيات ( 58 ـ 59 ) .
(3) ( وسائل الشيعة ) الحر العاملي ج 15 ، ص 102 .
(4) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 101 ، ص 91 .
(5) المصدر السابق ص 91 .
(6) ( الطفل نشوءه وتربيته ) مؤسسة البعثة ص 272 .
( 43 )
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : « من كانت له ابنة واحدة كانت خيراً له من ألف جنة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضيافة » (7) .
عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ومن يمن المرأة أن يكون بكرها جارية » يعني أول ولدها (8) .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج وليبدأ بالأناث قبل الذكور ، فانه من فرّح أنثى فكأنما أعتق رقبة من ولد اسماعيل » (9) .
وسبب آخر يؤكد على حتمية السرور والأبتهاج الذي غمر البيت النبوي عند ولادة زينب هو المعرفة المسبقة التي أوحاها الله ( تعالى ) لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) بالمكانة العظيمة الدور الريادي الذي ستقوم به هذه الوليدة في الأمة الإسلامية لذلك تشير احدى الروايات الى أن تسمية السيدة زينب ( عليها السلام ) قد تمت من قبل الله ( تعالى ) يقول العلامة الشيخ جعفر النقدي ما نصه :
لما ولدت زينب ( ع ) جاءت بها أمها الزهراء ( عليها السلام ) الى أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقالت : سمّ هذه المولودة .
فقال : ما كنت لأسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان في سفر له ، ولما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسأله علي عن اسمها ، فقال : ما كنت لأسبق ربي ( تعالى ) .
____________
(7) المصدر السابق ص 272 .
(8) المصدر السابق ص 273 .
(9) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 101 ، ص 104 .
( 44 )
فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل ، وقال له : سم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) (10) .
ولم يذكر الشيخ النقدي مصدر هذه الرواية ، لكن العلامة الشيخ محمد جواد مغنية نقل الرواية في كتابه : ( الحسين وبطلة كربلاء ) عن جريدة ( الجهورية ) المصرية ( 31 ـ 10 ـ 1972 م ) للكاتب المصري يوسف محمود .
ويقول العلامة السيد محمد كاظم القزويني : سماها جدها الرسول زينباً ، والكلمة مركبة من زين الأب ) (11) .
وتتحدث الكاتبة الأديبة عائشة بنت الشاطئ عن الأجواء التي سادت البيت النبوي عند ولادة السيدة زينب ، فتقول :
وبدا كأن كل شيء يعد الوليد بحياة سعيدة ، وأقبل المهنئون من بني هاشم والصحابة ، يباركون هذه الزهرة المتفتحة في بيت الرسول ، تنشر في المهد عبير المنبت الطيب ، وتلوح في طلعتها المشرقة ووجهها الصبيح ، ملامح آباء وأجداد لها كرام .
لكنهم فوجئوا ـ لو صدقت الأخبار ـ بظلال حزينة تلف المهد الجميل ! ظلال ربما لا يكون لأكثرها مكان في كتاب تاريخ يكتب للتحقيق العلمي لكن لها مكانها في النفس البشرية ووقعها على الوجدان .
حدثوا أن نبوءة ذاعت عند مولد الطفلة ، تشير الى دورها الفاجع في مأساة « كربلاء » وتحدث بظهر الغيب عما ينتظرها في غدها من محن وآلام .
كانت المأساة معروفة فيما يقولون ، قبل موعدها بأكثر من نصف قرن من
____________
(10) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 16 .
(11) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 229 .
( 45 )
الزمان ففي ( سنن ابن حنبل ج 1 ص 85 ) أن جبرئيل أخبر محمداً بمصرع الحسين وآل بيته في كربلاء .
وينقل ابن الأثير في ( الكامل ) أن الرسول ( ص ) أعطى زوجه أم سلمة تراباً حمله له أمين الوحي من التربة التي سيراق فوقها دم الحسين وقال لها : إذا صار هذا التراب دماً فقد قتل الحسين .
وإن أم سلمة حفظت ذلك التراب في قارورة عندها فلما قتل الحسين صار التراب دماً ، فعلمت أن الحسين قتل واذاعت في الناس النبأ .
وسوف نسمع المؤرخين بعد ذلك في حوادث عامي : ( 60 ـ 61 ) يذكرون أن ( زهير بن القين البجلي ) وهو عثماني الهوى خرج من مكة بعد أن حج عام ( 60 ) فصادف خروجه مسير الحسين الى العراق فكان زهير يساير الحسين الا أنه لا ينزل معه ، فاستدعاه الحسين يوماً فشق عليه ذلك ، ثم أجابه فلما خرج من عنده أقبل على أصحابه ، فقال :
« من أحب منكم أن يتبعني والا فإنه آخر العهد » .
ثم راح يروي لهم قصة قديمة من عهد رسول الله ( ص ) : قال انه خرج مع جماعة من المسلمين في غزوة لهم فظفروا وأصابوا غنائم فرحوا بها ، وكان معهم « سلمان الفارسي » فأشار الى أن الحسين سيقتل : ثم قال سلمان لأصحابه : « اذا أدركتم سيد شباب أهل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه ، منكم بما أصبتم اليوم من الغنائم » .
قال ابن الأثير : وتوجه زهير ـ بعد أن حدث أصحابه بحديث سلمان الفارسي ـ فودع أهله وطلق زوجته مخافة أن يلحقها أذى ، ولزم الحسين ( ع ) حتى قتل معه .
وكان الحسين ( ع ) فيما يروي المؤرخون يعلم منذ طفولته بما قدّر له ، كما كان دور أخته زينب حديث القوم منذ ولدت . فهم يذكرون أن سلمان الفارسي أقبل على
( 46 )
علي بن أبي طالب ( ع ) يهنئه بوليدته ، فألفاه واجماً حزيناً ، يتحدث عما سوف تلقى ابنته في كربلاء .
وبكى علي الفارس الشجاع ذو اللواء المنصور ، والملقب بأسد الإسلام ! .
أكانت هذه الروايات جميعاً من مخترعات الرواة ومبتدعات السمّار ؟ أكانت من اضافات المنقّبين وتصورات المتحدثين عن الكرامات ؟ أكانت من شطحات الواهمين ورؤى المغرقين في الخيال ؟ .
ذلك ما اطمأن اليه المستشرقون وقرّره « رونالدسون » في كتابه ( عقيدة الشيعة ) ، و « لامنس » في ( فاطمة وبنات محمد ) .
أما المؤرخون المسلمون فما يشك أكثرهم في أن هذه الروايات كلها صادقة لا ريب فيها ، وقلّ منهم من وقف عند خبر منها مرتاباً أو متسائلاً . وليس الأقدمون وحدهم هم الذين نزهوا مثل هذه الروايات عن الشك ، بل ان من كتاب العصر من لا يقل عنهم ايماناً بتلك الظلال التي أحاطت بمولد زينب . فهذا الكاتب الهندي المسلم « محمد الحاج سالمين » يصف في الفصل الأول من كتابه ( سيدة زينب ( sayyidah zeinab ) كيف استقبلت الوليدة بالدموع والهموم ، ثم يمضي ـ بعد أن ينقل بعض المرويات عن النّبوءة المشئومة ـ فيمثل النبي العظيم ( ص ) وقد انحنى على حفيدته يقبّلها بقلب حزين وعينين دامعتين ، عالماً بتلك الأيام السّود التي تنتظرها وراء الحجب .
ويمضي « سالمين » فيتساءل : « ترى الى أي مدى كان حزنه حين رأى بظهر الغيب تلك المذبحة الشنعاء التي تنتظر الغالي ! وكم اهتّز قلبه الرقيق الحاني وهو يطالع في وجه الوليدة الحلوة ، صورة المصير الفاجع المنتظر ؟ ! (12) .
____________
(12) ( السيد زينب ) عائشة بنت الشاطيء ص 28 .
( 47 )
الأجواء العائلية
لا شك أن البيئة والأجواء العائلية التي ينشأ فيها الانسان تلعب دوراً أساسياً في بناء شخصيّته فهي التي تغرس في نفسه قيمها وافكارها ، وتربيه على سلوكياتها وعاداتها .
ولنلق الآن نظرة عابرة على الأجواء العائلية التي نشأت من خلالها السيدة زينب ( عليها السلام ) .
الوضع الحياتي المعيشي
قد تختلف تأثيرات حياة الترف والرفاه على نفس الطفل عن تأثيرات حياة التقشف والبساطة ، ففي الحالة الأولى ينشأ الطفل على الدّلع والدلال ، وينعدم لديه الشعور بقيمة الأشياء لتوفرها أمامه ، ولا تنمو في نفسه حساسية ولا شفاهية تجاه حالات الفقر والحرمان لأنه لم يتذوق مرارتها ، كما أن مشاكل الحياة قد تصدمه بقوة لعدم استعداده النفسي لمواجهة الصعوبات والمشاكل .
اما في الحالة الثانية فان شخصية الطفل قد تكون أكثر اتزاناً وأقوى جلداً ، وأقل استهانة بالأشياء والأمور ، وأقرب الى التفاعل النفسي مع الطبقات المحرومة والضعيفة في المجتمع .
كما أننا يجب أن نفرق بين البساطة والتقشف اللذين يفرضهما الفقر والحاجة وبينها في حالة الأختيار والطواعية ، ففي اُولى الحالتين قد تسبب حالة البساطة والتقشف عند الأنسان وجود التطلعات والتمنيّات لرغد العيش ورفاهية الحياة ، كما قد يتسرب الى نفس الطفل شيء من عدم الارتياح تجاه الموسرين المترفين كارضية للحقد والحسد والانتقام .
بينما توجد حالة البساطة المختارة كنمط للحياة عند العائلة توجد المشاعر والانعكاسات الايجابية دون تلك السلبيات حيث يرى الطفل ان عائلته تمتلك القدرة على الرفاه لكنها لا ترغبه لمنطلقات أخلاقية ، كما لو كانت العائلة تؤثر
( 48 )
الفقراء والمحتاجين ، وتجود على الضعفاء والمعوزين .
والسيدة زينب نشأت في أفضل جو عائلي من هذا الجانب فأسرتها لم تكن فقيرة معوزة ، فلربما سمعت زينب في فترة طفولتها عن ثروات جدتها خديجة ، كما ترى الموقع القيادي لجدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث ولدت ونشأت في فترة الانتصارات العسكرية والسياسية والتي كانت تعود على المسلمين بالغنائم الكثيرة ولجدها النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيها التصرف المطلق الى جانب استعداد المسلمين لبذل كل امكانياتهم ووضعها تحت تصرّف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وتلاحظ السيدة زينب امتلاك عائلتها لبعض الأمكانيات ثم تنازلها عنها لصالح الآخرين ، ويخلد القرآن الحكيم نموذجاً لهذه الحالة عند عائلة زينب مشيداً بها في سورة الانسان ، حيث يقول ( تعالى ) : ( يوفون بالتدر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) (13) .
ففي كثير من التفاسير أن هذه الآيات نزلت في حق أهل البيت ( عليهم السلام ) ونثبت منها عبارة الرازي بنصها :
ذكر الواحدي من أصحابنا ـ أي السنة ـ وصاحب ( الكشاف ) من المعتزلة : ان الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول في أناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك .
فنذر علي وفاطمة وجارية لهما إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا فاستقرض علي ثلاثة اصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، ووضعوها بين ايديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم يأهل بيت محمد مسكين أطعموني ، أطمعكم الله من
____________
(13) سورة الإنسان ، الآيات ( 7 ـ 9 ) .
( 49 )
الجنة .
فآثروه ولم يذوقوا الا الماء ، وأصبحوا صائمين ، فلما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف يتيم فآثروه ، وجاءهم اسير في الليلة الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا ابصرهم رسول الله يرتعشون كالفراخ ، فقال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم .
فنزل جبرئيل وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك ، فقرأ هذه السورة (14) .
وقد سجّل الشيخ الأميني في موسوعته ( الغدير ) قائمة تحتوي على المصادر التي روت هذه الحادثة من كتب التفسير والحديث لأهل السنة والجماعة بلغت ( 34 مصدراً ) (15) .
ونموذج آخر تسجّله الروايات يعطينا صورة عن بساطة الحياة والزهد المتعمد الذي اختارته عائلة زينب انطلاقاً من منهجية خاصة في فهم الحياة والتعامل معها .
عن زرارة عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا أراد سفراً سلم على من أراد التسليم عليه من أهله ، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة ، فيكون وجهه الى سفره من بيتها ، وإذا رجع بدأ بها ـ أي يزورها قبل كل أحد ـ فسافر مرة وقد أصاب علي شيئاً من الغنيمة ورفعه الى فاطمة ، فأخذت سوارين من فضة ، وعلقت على بابها ستراً ـ أي ألبست الباب ثوباً للزينة ـ فلما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخل المسجد ، فتوجه نحو بيت فاطمة كما كان يصنع ، فقامت الى أبيها صبابة وشوقاً اليه ، فنظر فاذا في يدها سواران من فضة وإذا على بابها ستر ، فقعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
____________
(14) ( التفسير الكاشف ) محمد جواد مغنية ج 7 ، ص 483 .
(15) ( الغدير ) عبد الحسين الأميني ج 3 ، ص 107 ـ 111 .
( 50 )
حيث ينظر اليها ، فبكت فاطمة وحزنت وقالت : ما صنع هذا بي قبلها .
فدعت ابنيها ، فنزعت الستر عن بابها ، وخلعت السوارين من يديها ثم دفعت السوارين الى احدهما والستر الى الآخر ، ثم قالت لهما :
انطلقا الى أبي فأقرئاه السلام وقولا له : ما أحدثنا بعدك غير هذا فشأنك به .
فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما ، فقبلهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والتزمهما وأقعد كل واحد منهما على فخذه ، ثم أمر بذينك السوارين فكسراً فجعلهما قطعاً ، ثم دعا أهل الصفة وهم قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال فقسمه بينهم .
وروى ابن شاهين في ( مناقب فاطمة ) عن أبي هريرة وثوبان هذا الحديث مع تغيير يسير الى أن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
فعلت فداها أبوها ـ ثلاث مرات ـ مالآل محمد والدنيا ؟ فانهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم .
وفي رواية أحمد بن حنبل : فان هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا .
وقد روى هذا الحديث الخطيب العمري في ( مشكاة المصابيح ) والطبري في ( ذخائر العقبى ) والثوري في ( نهاية الارب ) والقندوزي في ( ينابيع المودة ) والطبراني في ( المعجم الكبير ) ، والزبيدي في ( أتحاف السادة ) وغيرهم (16) .
لم تكن عائلة زينب تمتلك بيتاً تقطنه لكن أحد الصحابة المتمكنين من أهل المدينة وهو ( حارثة بن النعمان ) وضع أحد منازله تحت تصرف علي حينما أراد الزواج من بنت الرسول فاطمة ، وبعد فترة بنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيتاً ملاصقاً لمسجده له باب شارع الى المسجد ، كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته ، وانتقلت عائلة زينب الى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله المجاور
____________
(16) ( الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 279 .
( 51 )
لبيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (17) .
ويُروى أن سلمان الفارسي رأى فاطمة الزهراء مرة فبكى ، وقال : إن قيصر وكسرى في السندس والحرير وابنة محمد في ثياب بالية (18) .
الأنسجام والمحبة
لماذا نرى بعض الناس وديعين أليفين قادرين على التعاون والأنسجام مع الآخرين ، ونرى بعض الآخر عدائيين مزعجين يتعاملون مع الآخرين بخشونة وقسوة ؟ .
إن من أبرز العوامل والأسباب التي تؤثر في صنع نفسية الأنسان وتوجيهها نحو الإلفة والوداعة أو العداء والإساءة ، هي الأجواء العائلية التي يعيشها الأنسان في طفولته ، فاذا عاش الطفل جواً عائلياً تسوده المحبة والأنسجام فانه يتربى ضمن ذلك النموذج ، أما اذا ما نشأ في أجواء المشاحنة والبغضاء بين أبيه وأمه ، أو بينه وبين والديه ، أو فيما بين اخوته ، فان ذلك يزرع في نفسه بذور الحقد والقسوة ، ويدفعه لممارسة العنف والأيذاء دفاعاً عن ذاته وحقوقه .
يقول الأستاذ الفلسفي : « إن سلوك جميع أفراد البشر وأساليب معاشرتهم مع الناس انما هو خلاصة للأساليب التربوية التي اتخذت معهم في دور الطفولة ، من قبل الآباء أو الأمهات في الأسرة أو من قبل المعلمين في المدرسة . فكل خير أو شر لقّنوه أياهم في أيام الطفولة يظهر على سلوكهم عند الكبر ، وعندما يصبحون أعضاء في هذا المجتمع الإنساني الكبير وبعبارة اخرى فان الوضع الروحي والخلقي والسلوكي للناس في كل عصر إنما هو حصيلة البذور التربوبية التي نثرت في أدمغتهم أيام الطفولة » (19) .
____________
(17) ( الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 188 ـ 213 .
(18) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 25 .
(19) ( الطفل بين الوراثة والتربية ) محمد تقي فلسفي ج 2 ، ص 70 .
( 52 )
لذلك يؤكد الإسلام على أن يغمر الأطفال بالعطف والحنان وأن يتعامل معهم الوالدان بالمحبة والشفقة ، وأن يجنبوا ابناءهم حصول المشاكل أمامهم .
وقد عاشت السيدة زينب وترعرعت في جو يغمره العطف والحنان وتسوده المحبة والإنسجام ، فعمدا البيت وقطباه علي وفاطمة والدا زينب كانت علاقتهما قمة في الصفاء والحب لا تدانيها أية علاقة زوجية في تاريخ البشر .
يقول الإمام علي ( عليه السلام ) عن حياته مع الزهراء ( عليها السلام ) :
« فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله ( عز وجل ) ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ، لقد كنت أنظر اليها فتنكشف عني الهموم والأحزان » (20) .
وفي آخر ساعة من حياتها تخاطب الزهراء علياً ( عليهما السلام ) قائلة :
« يابن عم ! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني » ؟ ! .
فيجبيها الإمام علي : « معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله من أن اُوبّخك بمخالفتي » (21) .
الأجواء الرسالية
نشأت العقيلة زينب ضمن عائلة قد نذرت نفسها للجهاد في سبيل الله ، وتربت في أجواء رسالية ما كان يدور فيها غير الأهتمامات القيمية المبدئية ، فجدها الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) قاد بنفسه حوالي ( 28 غزوة ومعركة ) (22) وأبوها الإمام علي ( عليه السلام ) رافق الرسول ( ص ) في جميع تلك المعارك عدا
____________
(20) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 212 .
(21) المصدر السابق ص 609 .
(22) ( الرسول القائد ) محمود شيت خطاب ص 431 .
( 53 )
واحدة وهي غزوة تبوك حيث تخلف بأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
كما قاد الإمام بنفسه العديد من السرّايا والمعارك المحدودة .
إن ذلك يعني أن بيب وعائلتها كانوا يعيشون ظروف الجهاد في أغلب فترات حياتهم ، فحينما يغادرهم الجدّ أو الأب الى ساحة المعركة فستكون نفوسهم منشدّة ومرتبطة بما يدور على ساحات القتال .
ولا يقتصر الأمر على تفاعل الأسرة مع قضايا الحرب والجهاد بل انها كانت معنية بكل أوضاع المجتمع ، فعائلة زينب هي في موقع القيادة والقلب .
وهكذا عاشت السيدة زينب ( عليها السلام ) فترة طفولتها في بيت تتموّج فيه هموم مجتمعها ، وفي أجواء مفعمة بالمسؤولية والتضحية .